ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الإخوان المسلمون تــاريخ الدعوة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الإخوان المسلمون  تــاريخ الدعوة Empty
مُساهمةموضوع: الإخوان المسلمون تــاريخ الدعوة   الإخوان المسلمون  تــاريخ الدعوة Emptyالأربعاء سبتمبر 30, 2009 8:30 am

أردت أن أكون موضوعياً متطرفاً في هذا البحث، فأتحدث عن تاريخ الإخوان كفكرة سيطرت على أذهان كثير من المسلمين في مصر، وتوسعت دائرتها حتى شملت كثيراً من الأقطار العربية والإسلامية، فحاولت أن أفصل بين تاريخ هذه الدعوة وتاريخ أي شخص آخر ولو كان مؤسسها وباعث فكرتها، ولكني وجدت أن هذا ضرب من المستحيل أولاً، كما رأيت أنه سوف يتنافى مع موضوعيتي المتطرفة ثانياً. إذ أني بعد أن قرأت عن تاريخ دعوة الإخوان ما قرأت، وجدت أنها كانت أولاً وقبل كل شيء فكرة ناشئة مع الأستاذ الإمام حسن البنا (1).
نشأت معه في صباه فكانت ثورة على كل مظاهر للفسق والتحلل، دفعت بالصبي الصغير حسن البنا وهو إذ ذاك تلميذ في المدرسة الإعدادية – مدرسة الرشاد الدينية – إلى أن يثور عند رؤيته لتمثال خشبي عار على صورة تتنافى مع الآداب معلق على سارية إحدى السفن الشراعية على شاطئ ترعة المحمودية: فيندفع الصبي الصغير بفطرته السليمة، وطبيعته المستقيمة،إلى ضابط النقطة ليبلغه ما رآه معلقاً عليه باستنكار. فيستجيب الضابط الصالح لتلك الغيرة المؤمنة، ويقوم من فوره إلى حيث يهدد صاحب السفينة ويأمره: بإنزال التمثال في الحال وكان له ما أراد (2).
هذه الثورة التي اشتعلت في نفس الصبي الصغير ظلت متوقدة على حالها ولم تهدأ لحظة من حياته، ولم يعجبه ذلك الإيمان الخامل الذي لا يدفع صاحبه للعمل لكي تكون عقيدته مطبقة قولاً وعملاً، مسيطرة على سلوك الناس في حياتهم الخاصة، وفي مجتمعهم العام. وتبلورت شعلة الإيمان المقدسة في نفسه على مر الأيام، فاستطاع أن يترجمها إلى عباراته القوية فيما بعد، حيث يقول " والفرق بيننا وبين قومنا، أن الإيمان عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم، لا يريدون أن ينزلوا على حكمه، ولا أن يعملوا بمقتضاه، على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل، قوي، يقظ، في نفوس الإخوان المسلمين (3).
ويبدوا أن مقومات الزعامة والقيادة كانت متوفرة لدى الأستاذ البنا من عهد حداثته، ففي هذه المدرسة الإعدادية بعينها كان التلميذ حسن البنا متميزاً بين زملائه، مرشحاً لمناصب القيادة بينهم، حتى أنه عندما تألفت في المدرسة جمعية الأخلاق الأدبية، وقع اختيار زملائه عليه ليكون رئيساً لمجلس إدارة هذه الجمعية. (4)
وكأن المقادير كانت تعطيه فرصة المران على القيادة من صغره، وتنمي فيه ذلك الاستعداد للتوجيه والإرشاد. ولعل المصادفة العجيبة هي أيضاً التي اختارت له المدرسة (مدرسة الرشاد الدينية) لتكون مدرسته الإعدادية حتى يكون إعداده من أول نشأته، مناسباً لذلك الدور الخطير الذي ينتظره ليتولى مهمة الإرشاد العام لأكبر حركة دينية في مصر، وليكون المرشد العام للإخوان المسلمين.
غير أن تلك الجمعية المدرسية لم ترض رغبة هذا الناشئ وزملائه المتحمسين، فألفوا جمعية أخرى خارج نطاق مدرستهم سموها " جمعية منع المحرمات " وكان نشاطها مستمداً من اسمها، عاملاً على تحقيقه بكل الوسائل وكانت طريقتهم في ذلك هي إرسال الخطابات لكل من تصل إلى الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون بعض الآثام، أو لا يحسنون أداء العبادات (5).
ثم تطورت الفكرة في رأسه بعد أن التحق بمدرسة المعلمين بدمنهور، وانتسب إلى الطريقة الحصافية، وأعجب بشيخها وتأثر به تأثراً كبيراً، فألف مع جماعة من الإخوان الصحافية (الجمعية الصحافية الخيرية) وتولى هو سكرتيرية هذه الجمعية التي زاولت عملها في ميدانين مهمين:
الأول: نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، ومقاومة المنكرات والمحرمات الفاشية.
والثاني: مقاومة الإرسالية الإنجيلية التبشيرية، التي هبطت إلى البلد واستقرت فهيا، تبشر بالمسيحية في ظل التطبيب وتعليم التطريز وإيواء الصبية من بنين وبنات (6) .
وبعد أن أنتقل إلى القاهرة وانتسب إلى مدرسة دار العلوم العليا، بعد انتهائه من الدراسة في مدرسة المعلمين بدمنهور. اشترك في جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، وكانت الجمعية الوحيدة الموجودة بالقاهرة في ذلك الوقت. وكان يواظب على سماع محاضراتها. كما كان يتبع المواعظ الدينية التي كان يلقيها في المساجد حينذاك نخبة من العلماء العاملين.
غير أن ما رآه في القاهرة من مظاهر التحلل والفساد والبعد عن الأخلاق الإسلامية، جعلته يفكر في أن المساجد وحدها لا تكفي في إيصال التعاليم الإسلامية إلى الناس. وهنا تبدو عقلية البنا المبتكرة (!!) أن الجمهور الذي لا يغشى المساجد، أشد حاجة إلى الوعظ من جمهور المساجد، فهو منقطع الصلة بالدين، بعيد عن سماع الموعظة، فلماذا لا تنتقل الموعظة إليه؟!! وكان أن اقترح على جماعة من زملائه بدار العلوم، وبعض أصدقائه الأزهريين، أن يخرجوا للدعوة في القهاوي والمجتمعات العامة!! فعجبوا لفكرته واستنكروها أول الأمر!! وانتهى الجدل بينهم أن تكون التجربة هي الحد الفاصل بين المضي فيها أو الإقلاع عنها. وكان أن نجحت التجربة نجاحاً عظيماً شجعهم على الاستمرار فيها، وانشعبت منهم شعبة تتولى نشر الدعوة الإسلامية في الريف والمدن أثناء الأجازة الصيفية. وأفادوا من هذه التجربة كسب الثقة النفسية، وحسن الأحدوثة في الأوساط الشعبية. (Cool.
ثم كان أن اجتاحت مصر موجة من الإلحاد والإباحية، على أثر الانقلاب الكمالي في تركيا، وإلغاء الخلافة الإسلامية، وفصل الدولة عن الدين. ووضعت نواة الحزب الديمقراطي في مصر، الذي مات قبل أن يولد، ولم يكن له منهاج إلى الدعوة إلى الحرية والديمقراطية بهذا المعنى المعروف حينذاك: معنى التحلل والانطلاق. وظهرت كتب وجرائد ومجلات لا هدف لها إلا إضعاف أثر الدين، والقضاء عليه في نفوس الشعب. لينعم بالحرية الحقيقة فكرياً وعملياً في زعم هؤلاء الكتاب والمؤلفين (9).
وكان لهذه الموجة الإلحادية في الأوساط الإسلامية عامة، وفي نفس الأستاذ البنا خاصة، رد فعل قوي، فكان يتحدث عن شعوره لكل المتصلين به من الزملاء، ولكل من يعرفه ويمكنه الاتصال بهم من الشيوخ والعلماء.
وكان ممن اتصل بهم المرحوم السيد محمد رشيد رضا، والمرحوم الشيخ الدجوي، والأستاذ الكبير محمد الخضر حسين – شيخ الأزهر الحالي – والأستاذ الكبير السيد محب الدين الخطيب. وكان يتحدث معهم دائماً في ضرورة مواجهة الموقف بعمل إيجابي، وكان أن أنتهت هذه الجهود إلى نتيجة طيبة " أثمرت صدور مجلة الفتح ثم جمعية الشبان المسلمين فيما بعد " (10).
ويبدو أن فكرة الإخوان قد تبلورت في رأسه أول ما تبلورت وهو طالب بدار العلوم. فقد كتب في موضوع إنشائي كان عنوانه، ما هي آمالك في الحياة بعد أن تتخرج ؟ فقال:
إن أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية أملان:
خاص: وهو إسعاد أسرتي وقرابتي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً إلى أكبر حد تسمح به حالتي ويقدرني الله عليه.
وعام: وهو أن أكون مرشداً معلماً، إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار، ومعظم العام، قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم، ومنابع سعادتهم، ومسرات حياتهم، تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة (11).
وقد يعجب الكثير أن تكون هذه آمال طالب في مقتبل الشباب!! حيث الغرائز مستعرة لا تطلب إلا الإرضاء!!، والنزوات مشتغلة لا تطلب إلا الإطفاء، والشباب فوراً ينشد المتعة من أي طريق!!، ولكن عجبهم سيزول إذا علموا أن حسن البنا منحدر من أسرة دينية عريقة في التدين، فوالده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا عالم محقق، له مؤلفات في السنة مطبوعة، أخذت مكانتها العلمية (منها كتاب الفتح الرباني في شرح مسند الإمام أحمد، بعد تنظيمه وتبويبه بما لم يسبق به، ومسند الشافعي) وغير ذلك. وعلى هذا فقد تكاتف عامل الدم والوراثة، مع عامل البيئة، على تكوين الأستاذ البنا، وتوجيهه إلى هذا الإتجاه الذي انتهى به إلى أن يسلك طريق الدعوة الإسلامية.
كما أن حاجات المجتمع المصري في ذلك الوقت، كانت تتطلب إصلاحاً قائماً على أسس دينية، لما كان شائعاً من انحلال وفوضى خلقية، واضطراب اجتماعي – كما سبق أن ذكرنا – ولا علاج له إلا عن طريق المثل العليا، المستمدة من عقيدة لها صفة القداسة في النفوس.
والمتتبع بعد ذلك التاريخ الأستاذ حسن البنا يجد أنه لم يخرج عن ذلك البرنامج الذي رسمه لنفسه وهو طالب، في هذا الموضوع الإنشائي بالذات فقد رسم في أمله العام الغاية التي يسعى لتحقيقها، وهي تعليم الناس هدف دينهم ومنابع سعادتهم. والوسيلة وهي: الخطابة. والمحاورة. والتأليف، والكتابة، والتجول، والسياحة. وأستطيع أن أقول أن وجدان الأستاذ البنا ظل مرتبطاً بهذا الموضوع الإنشائي حتى كأنه وجد نفسه فيه، وأكبر دليل على ذلك أنه رفض أن يسمي نفسه فيما بعد رئيساً للإخوان متمسكاً بكلمة مرشد التي وردت في مطلع أمانيه العامة في ذلك الموضوع التاريخي.
وحصل الأستاذ البنا على دبلوم العلوم العليا في سنة 1927، وكان أول دفعته. وعين في وظيفة مدرس بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية الأميرة (12). وسافر إلى الإسماعيلية في 19 سبتمبر سنة 1927، وكان إذ ذاك في الحادية والعشرين من عمره (13). ولما استقر به المقام بالإسماعيلية أثر في نفسه ما رآه من الاستعمار العسكري المتمثل في شركة قناة السويق، ثم ساءه أن يعرف أن المسلمين في البلد منقسمون بسباب خلافات دينية، نتيجة تعصب كل فريق لرأي خاص. فكان أن اعتزل جمهور المسجد، وعاد إلى جمهور المقاهي مرة أخرى (14). واختار لذلك ثلاث مقاه كبيرة، تجمع الوفا من الناس، ورتب في كل منهما درساً في الأسبوع، وأخذ يزاول التدريس بانتظام في هذه الأماكن. وكان يتحرى الموضوع الذي يتحدث فيه جيداً حتى لا يتعرض لبعض النواحي الخلافية، كما كان في نفس الوقت يضرب لهم مثلاً لتسامح علماء المسلمين في الصدر الأول مع بعضهم مع اختلاف الآراء.. وكان أن عمل هذا الوعظ عمله في نفوس المستمعين وبخاصة المواظبين منهم، فأخذوا يفيقون ويفكرون، ثم تدرجوا من ذلك إلى سؤاله عما يجب أن يفعلوا بحق الله عليهم، وليؤدوا واجبهم نحو دينهم وأمتهم (15).
وفي ذي القعدة سنة 1347هـ - مارس 1928م زار الأستاذ البنا بالمنزل حضرات حافظ عبد الحيمد، وأحمد الحصري، وفؤاد إبراهيم، وعبد الرحمن حسب الله، وإسماعيل عز، وزكي المغربي. وجلس هؤلاء الستة يتحدثون إليه وفي عيونهم بريق العزم، يسألونه عن الطريقة العملية لعزة الإسلام، ويحملونه مسئولية العمل والقيادة والتوجيه. فتقبل هذه المسئولية بصدر منشرح، وكانت بيعة بينهم جميعاً في أن يعملوا للإسلام والمسلمين. وقال قائلهم: بم نسمي أنفسنا؟ جميعة. نادي، طريقة، نقابة، حتى نأخذ الشكل الرسمي؟
فرد عليه الأستاذ البنا: لا هذا ولا ذاك، دعونا من الشكليات والرسميات، وليكن أول اجتماعنا وأساسه الفكرة، والمعنويات، والعمليات، نحن أخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذاً الإخوان المسلمون...
وجاءت بغتة، وذهبت مثلاً، وولدت أول تشكيلة للإخوان المسلمين من هؤلاء الستة، حول هذه الفكرة، على هذه الصورة، وبهذه التسمية (16).
وهكذا غرست البذرة الأولى لفكرة الإخوان المسلمين في أرض طيبة من هذه القلوب الستة؛ أمنوا بها، وعاهدوا الله على الجهاد في سبيلها، فكانت تلك الثمار المباركة لوفائهم وإخلاصهم، وكان ذلك التوفيق والنجاح الذي حالف الدعوة وقائدها فيما بعد، ولا غروة فذلك مصداق الآية الكريمة:  وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا . ولبث الأستاذ البنا يعمل لدعوته صامتاً بغير ضوضاء ولا ضجيج، ولا دعاية ولا تهريج، وكسب من وراء ذلك لنفسه ولدعوته الكثير فسارت الدعوة في طريقها تكسب كل يوم مزيداً من الأنصار والجنود، وذلك بفضل إخلاصه العميق، وفهمه الدقيق للفكرة وأهدافها، وكان يغريه النجاح على مواصلة الكفاح، ويدفعه الإيمان بالفكرة والحماسة لها على الفناء في سبيل نشرها، وعلى توسيع نطاق البيئة التي يعمل فيها. فلم يترك قرية ولا بلدة ولا دسكرة ولا كفرا إلا زاره وبات به واجتمع بالناس فيه، في مساجدهم وبيوتهم ودورهم. ولكن المسجد كان مقره الأول، يجد فيه أماناً وستراً، ومن يستطيع أن يعترض مصلياً في محرابه، أو مدرساً أو واعظاً في مسجده؟! (17).
وكانت أسفاره في عطلته الأسبوعية، وفي عطلته السنوية في الصيف، ففي الأولى يزور البلاد القريبة، وفي الثانية البلاد البعيدة، وظل في هذه المدة كلها مواظباً على التدريس في مدرسته الابتدائية. لا يتعلل بمرض أو بعذر طارئ، وربما زاده عمله المدرسي منعة وتستراً. وكانت مواظبته على التدريس بالمدرسة، بالإضافة إلى ما كان يتحلى به من تواضع طبيعي غير متصنع، خير معوان له على عدم استشارة الحاسدين والحاقدين، والأنانيين المحطمين الذين لا يريدون أن يرتفع صوت غير صوتهم!!، أو الذين يسيئون الظن بالناس!! ولا هم لهم دائماً إلا التجريح والتحطيم!!. وكان معظم من استجاب لدعوته من طبقة العمال، وكانت شعبيته المثالية خير معوان له على نجاح دعايته في هذه الأوساط، فكان يخاطب كل فئة بالأسلوب الذي يروق لها، ولا غرو، فقد اكتسب من كثرة أسفاره واتصاله بالناس، واحتكاكه بأوساطهم المختلفة، خبرة اجتماعية عظيمة في معرفة الطبائع والميول، ولعل ذلك كان دستوراً رسمه لنفسه، فقد سمع كاتب هذه الرسالة من الأستاذ أحمد العبد (من إخوان شبين الكوم) وكان إذ ذاك يحاضر مجموعة فيها أكثرية من العمال في شعبة تلا منوفية حوالي سنة 1940 أن فضيلة الأستاذ المرشد كان يقول لهم: " أكثروا من أصحاب الأيدي الخشنة ". وفسر الأستاذ العبد صفة الأيدي الخشنة، بأنها صفة العمال الذين يأكلون من كدح أيديهم، وأن الدعوة في حاجة إلى أيدي المكافحين من كل مهنة، وفي حاجة أشد إلى أصحاب الأيدي الخشنة، لأنهم خير من يستعان بهم وقت الشدة.
وهكذا استمر الأستاذ البنا ينشر دعوته في كل مكان يصل إليه في أسفاره البعيدة أو القريبة. وأثمرت أسفاره بعد سنتين، شعبة في كل من أبو صوير وبورسعيد والبلاح. وبعد ثلاثة سنوات، شعبة أخرى في السويق، وبعد: أربع سنوات نحوا من عشرة فروع، ومعهداً في الإسماعيلية لتربية البنات وإعدادهن ليكن أخوات مسلمات (18).
وبعد نحو خمس سنوات من تأسيس الدعوة بالإسماعيلية، نقل الأستاذ البنا 1933 إلى القاهرة. ودخلت الدعوة بنقله طوراً جديداً. وإن ظلت سائرة على النهج السابق من كتمان وإسرار، ونزول في المساجد ووعظ فيها، وتجميع للأنصار وتأسيس للفروع، بحذر وصمت. وذكر الأستاذ البنا في إحدى مقالاته المنشورة سنة 1934، أي بعد مضي نحو عام واحد من إقامته بالقاهرة، أن فكرة الإخوان قد انتشرت فيما يزيد على خمسين بلداً من بلدان القطر المصري، وقامت في كل بلد من هذه البلدان تقريباً بمشروع نافع، أو بمؤسسة مفيدة، ففي الإسماعيلية أسست مسجد الإخوان، وناديهم، ومعهد حراء لتعليم البنين، ومدرسة أمهات المؤمنين لتعليم البنات، وفي شبراخيت أسست مسجداً، ونادياً، ومعهد للبنين، ودار للصناعة يتعلم فيها طلبة المعهد الذين لا يستطيعون إتمام التعليم. وفي المحمودية – البحيرة – قامت بمثل ذلك فأنشأت منسجاً للنسيج والسجاد، إلى جوار معهد تحفيظ القرآن الكريم. وفي المنزلة – دقهلية – أقامت معهداً لتحفيظ القرآن. وقل مثل ذلك أو بعضه في كل شعبة من شعب الإخوان المنتشرة في أنحاء القطر من أدفو إلى الإسكندرية. (19).
وكان منهاج الأستاذ البنا أن يزور المركز العام في الصباح الباكر، ويترك فيه مذكرات فيها توجيهات وأعمال تتطلب إنجازاً، ثم يقصد مدرسته، فإن كان مسافراً، يتوجه من المدرسة إلى المحطة، وإن لم يكن، يعرج على المركز العام ثانية، يقابل، ويوجه، ويصرف ما يجد من عمل، وفي المساء يزور المركز ثالثة، ويقضي فيه وقته مقابلاً الوفود والزائرين، أو مجتمعاً في لجان أو محاضراً ولم يمنعه ذلك من متابعة أسفاره إلى الريف، في أثناء العطلة الدراسية (20)
وكان في كل بلد يهتم به الإخوان، ينتظرونه على القطار، ويذهبون به إلى الدار، ثم ينتقلون معه في زيارات مختلفة، ثم يقام السرادق ويتحدث بعد أن يتجمع فيه الناس، لم يكن يخطب في الناس ثم ينصرف وينصرفوا..، كلا،!! كان فنه اقتناص بعض من يراهم في الاحتفال مهتمين بما يقول، فكان يطيل الجلوس بعد الخطابة وانصراف الجماهير، إلى الذين يريدون الجلوس معه، وهناك يكون صفوة الحديث والكلام عن الآمال، آمال مصر، والإسلام، والشرق، في الشباب، والإيمان، والنهضة.... وكان يقطع الوجه القبلي كله بلداً بلداً، وقرية قرية، في عشرين يوماً، في بعض الأحيان يصبح في بني سويف، ويتغذى في ببا، ويمسي في الواسطى، ويبيت في الفيوم... وهكذا كان ينام ساعة أو بعض ساعة، وفي الوقت الذي يضع فيه رأسه على الوسادة ينام ونحن نتحدث من حوله (21)
وفي هذه المدة اقتحم الإخوان الميدان السياسي، فابتدأ الأستاذ في إلقاء أحاديث دينية واجتماعية بالإذاعة والأندية، وفي إرسال رسائل إلى رؤساء الوزارات المصرية المتعاقبة، من عهد محمد محمود حتى قيام الحرب العظمى الثانية، وكان محور الرسائل: الدعوة إلى الإصلاح الداخلي على أساس النظام الإسلامي، غير أن الإخوان لم يسترعوا نظر الحكومات، لأن نشاطهم السياسي كان مغلفاً بالطابع الديني فلم يبال به الرسميون (22).
وفي سنة 1355 هـ - 1926م. أرسل الأستاذ البنا خطاباً إلى الملك السابق فاروق، والرئيس السابق مصطفى النحاس – رئيس الحكومة حينذاك – وإلى حضرات ملوك ورؤساء الدول العربية، وحكام بلدان العالم الإسلامي المختلفة، وكثير من زعمائها الدينيين والسياسيين، رسالة عنوانها (نحو النور) يدعوهم فيها إلى طريق الإسلام، وأصوله، وقواعده، وحضارته، ومدنيته، نابذين طريق الغرب ومظاهر حياته ونظمها، ثم يبين فيه خصائص كل من الطريقين، ويوضح بأن الإسلام كفيل بإمداد الأمة الناهضة بما تحتاج إليه في الجندية، والصحة، والنظام، والاقتصاد. وينتهي بالدعوة إلى أن يكونوا أول من يتقدم باسم رسول الله r بقارورة الدواء، من طب القرآن، واستنقاذ العالم المريض. ثم يضع منهاجاً للإصلاح الشامل في مختلف مظاهر الحياة، محتوياً على خمسين بنداً . وكان أخطر ما في هذه الرسالة هو طلب القضاء على الحزبية، وتوجيه قوى الأمة السياسية وجهة واحدة وصفاً واحداً.
وفي سنة 1938 استكملت الدعوة عناصرها، وتبلورت في كامل صورتها. وأوضح الأستاذ فكرة الأخوان المسلمين، بأنها فكرة جامعة تضم كل المعاني الإصلاحية، فهي دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله. وطريقة سنيه: لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء. وحقيقة صوفية: لأنهم يعلمون أن أساس العمل الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والحب في الله، والارتباط على الخير. وهيئة سياسية: لأنهم يطالبون بالإصلاح للحكم في الداخل وفي الخارج، وتربية الشعب على العزة والكرامة. وجماعة رياضية لأنهم يعنون بحسومهم عن طريق فرقهم الرياضية، التي تضارع فرق الأندية المتخصصة في الرياضة. ورابطة علمية ثقافية: لأن أندية الأخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف. ومعاهد لتربية العقل والروح. وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعني بتدبير المال، وقد عمل الإخوان على دعم الاقتصاد القومي بشركاتهم الإسلامية. وفكرة اجتماعية: لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها. وشفاء الأمة منها (24).
ودخلت الدعوة من سنة 1939 حتى سنة 1945 طوراً جديداً من حيث علاقتها بالسياسة، وبداية الازدهار من حيث النشاط وتحقيق البرامج الواسعة. وتضاعف نشاط الإخوان، وانضم إليهم عنصر جديد من شباب جامعتي القاهرة، والجامعة الأزهرية، ومختلف الطوائف العمالية والمهنية من عمال وتجار وصناع، وأصحاب أعمال ومهندسين، وأطباء، ومدرسين ومحامين، وأصبح بها ممثلون لسائر طوائف المجتمع المصري، وضربوا في النشاط الاقتصادي بسهم وافر، وأقبلوا على النشاط الرياضي والكشفي، وانتظمت أعمالهم في الفروع التي عملت القطر، وأصبحوا قوة يحسب لها كل حساب. وتوالى على حكم مصر في هذه الفترة من رؤساء الوزارات المصرية علي ماهر، وحسن صبري، وحسين سري، ومصطفى النحاس، وأحمد ماهر والنقراشي، وإسماعيل صدقي، والنقراشي ثانية. وفي وزارات الأولين علي ماهر، وحسن صبري دأبوا على الموعظة والنصيحة في كتبهم وخطبهم الخاصة والمفتوحة، شأنهم مع جميع الحكومات السابقة. وفي عهد علي ماهر خاصة، أعلنوا تأييدهم لقراره تجنيب مصر ويلات الحرب فحسب، دون أن يقابلوه أو يتقدموا إليه بطلب معين.
وبدأت المحنة الأولى للإخوان على يد حسين سري، بضغط من السفارة والقيادة الإنجليزية: فصارت حكومته مجلتي التعارف، والشعاع الأسبوعيتين، ومجلة المنار الشهرية، ومنعت طبع أي رسالة من رسائلهم، أو إعادة طبعها، وأغلقت مطبعتهم، وحرمت على الجرائد أن تذكر شيئاً عنهم، كما منعت اجتماعاتهم. ثم عمدت إلى تشريد رؤساء الجماعة: فنقلت الأستاذ البنا من القاهرة إلى قنا، ونقلت الوكيل إلى دمياط، ثم أعادتهما بضغط من الحملة البرلمانية. ولكنها عادت إلى ما هو أعنف من ذلك وأشد، فاعتقلت الأستاذ البنا مرة ثانية، كما اعتقلت السكرتير العام، ثم أفرجت عنهما لاتقاء ما أحدثه هذا الإجراء من حرج في صدور الإخوان (25).
وهكذا كانت الحكومات المصرية في ذلك العهد المظلم أدوات استعمارية، لا تبالي بحريات الشعب وكرامته!! إذ كان في ذلك إرضاء لسادتها الإنجليز. بل لا تبالي في سبيل الوصول إلى تلك الغاية، وهي إرضاء المستعمر، أن تحارب الجماعات الإصلاحية، التي تعمل لصالح الدين والوطن، وتشرد العاملين المخلصين، وأن تبطش بهم إذا لزم الأمر، وتعتقلهم وتسجنهم، وتحرم على الجرائد ذكر اسمهم. وإن كان هذا الاضطهاد والتشريد قد أدى إلى عكس النتيجة المرجوة منه، فقد استرعى أنظار الجماهير، وكسبت الجماعة المؤمنة عدداً جديداً من الأعضاء والأنصار.
ثم جاءت وزارة النحاس. ورغب الأستاذ البنا أن يرشح نفسه ثانياً في البرلمان عن دائرة الاسماعيلية. مهد الدعوة، ليمثل الإخوان، وينطق بلسانهم ولكن النحاس رجاه أن يعدل عن الترشيح فعدل، وبدأ النحاس بمهادتهم فسمح لهم بالاجتماعات، وأعاد إليهم المجلة والمطبعة، ثم تكرر غط السفارة الإنجليزية مرة أخرى، فعادت المحنة في صورة أشد من الأولى!! إذ أغلق النحاس جميع الشعب ماعدا المركز العام، وضيق عليهم في اجتماعاتهم ومطبوعاتهم، وسائر نواحي نشاطهم، وقابلوا شدة الحكومة بالأناة والصبر، فعدلت الحكومة النحاسية عن شدتها. واستمر الموقف بينهما يتقلب، تارة تدع الحكومة لهم الحرية فيعملون، وطوراً ترهقهم بالتضييق فيصبرون. ولكنهم ظلوا على عادتهم في تقديم النصح كتابة ومشافهة. إلى أن أقيلت الوزارة سنة 1944 (26).
وجاءت بعد وزارة النحاس وزارة أحمد ماهر، فأخذتهم بالشدة. وحالت دون نجاح من رشح نفسه للنيابة منهم، بناء على قرار مؤتمر الإخوان العام سنة 1941: بأن يرشح الأكفاء على أساس خدمة المنهج الإسلامي.
ومن حسن حظ الباحث أنه في ذلك الحين كان قد اندمج في الحياة العامة وأتيح له أن يرى المعركة الانتخابية في الإسماعيلية، حيث رشح الأستاذ البنا نفسه. وأذكر أن أهالي الإسماعيلية – لأول مرة في تاريخ الحياة النيابية المصرية – قد أقاموا على حسابهم الخاص، ستين سرادقاً للدعاية الانتخابية في مختلف أنحاء المدينة، خلال مدة الدعاية، وكان كل ما في البلدة ينطق بأن الفوز الساحق للأستاذ البنا. فإعلانات الحوائط، وهتافات الشعب، والعمال، وتلاميذ المدارس، كلها تنادي بانتخاب: (الأستاذ حسن البنا زعيم النهضة الإسلامية) ولكن كلا من الحكومة المصرية، والقيادة الإنجليزية، قد عملت بكل ما عندها من وسائل لإسقاطه.
أما الحكومة المصرية: فلإرضاء الإنجليز أولاً، ولإنجاح مرشح الأحرار الدستوريين شركاتهم في الحكم ثانياً.
أما القيادة الإنجليزية: فبناء على تعليمات السفارة التي كانت تتبع نشاط الإخوان، وتعرف خطرهم على مطامعها الاستعمارية. وكانت عربات الجيش الإنجليزي تعمل علنا لحساب المرشح الآخر، وتنقل له ناخبيه إلى أماكن الانتخاب، كما نقلت كثيراً من العمال بالمعسكرات البعيدة عن الدائرة الانتخابية، والتي لا تنتمي إليها، وبالرغم من كل ما حدث من وسائل الضغط والإرهاب، والإغراء، والتهديد، والتزوير، فقد نجح الأستاذ البنا على منافسه، ولكن الانتخاب أعيد، وكان لابد أن يعاد، للفروق اليسيرة المفتعلة بين الأصوات، وفي الإعادة طرد همرسلي باشا حاكم سينا العسكري الإنجليزي مندوبي الأستاذ من لجان العريش، وسينا. وضاعفت عربات الجيش نشاطها في استجلاب العمال من المعسكرات البعيدة والقريبة. فقفز العدد في بعض اللجان لحساب المرشح الآخر، أضعاف ما كان في الانتخاب الأول. لكل من المرشحين معاً. وهكذا سقط الأستاذ في انتخابات الإعادة، وسقط جميع مرشحي الإخوان، في الدوائر الأخرى، وإن كان حربهم بصورة أخف. وقد بذلت هذه الجهود الضخمة كلها لغرض واحد هو الوصول إلى إصلاح المجتمع عن الطريق الرسمي.
وحين أعلن أحمد ماهر الحرب على ألمانيا وإيطاليا، عارضة الإخوان، وكتبوا إليه بالعدول عن ذلك. ثم اغتال العيسوي أحمد ماهر لهذا السبب، وتولى النقراشي الحكم. وبدأ حكمه باعتقاله الأستاذ المرشد العام، والسكرتير العام، وبعض الأخوان، بتهمة الاشتراك في الاغتيال. (27) ولعل السبب الرئيسي في ذلك الاعتقال، أن العيسوي ذكر في معرض التحقيق معه، أنه يطلب أخذ رأي زعماء البلد في إعلان الحرب، وذكر اسم الأستاذ البنا في معرض أسماء الزعماء اللذين يجب أخذ رأيهم. ولكن النيابة أفرجت عنهم بعد ذلك، وبادر الأستاذ البنا إلى زيارة النقراشي معزياً في ماهر، وراجياً أن يطلق له حرية العمل. بيد أن النقراشي لم يستجيب إلى الرجاء، وفرض عليهم أثقل القيود في نشاطهم، واجتماعاتهم، ومراقبة دورهم. وكان يسمح لهم بعقد اجتماعات عامة، أو مؤتمرات عامة، تحت ضغط الظروف. ولكن سرعان ما يعود إلى سياسة العنت والإرهاق.
وانتهت الحرب سنة 1945 ودخلت الجماعة بعد ذلك في دور المحنة الكبرى، لأنها تزعمت قيادة الحركة الشعبية، وألهبت المشاعر الوطنية، للمطالبة بحقوق البلاد التي وعد الإنجليز أثناء الحرب بتحقيقها، فور انتهاء الحرب وإعلان الهدنة. واجتمعت الجمعية العمومية للإخوان في 8 سبتمبر سنة 1945، شوال سنة 1364. وأدخلت بع تعديلات على النظام الأساسي حتى أضحى شاملاً لجميع غايتها ووسائلها بصورة واضحة. وأقاموا شركات اقتصادية متنوعة، درت عليهم الأرباح، ومكنت لهم في أوساط العمال. وأصدروا جريدة يومية، صدر العدد الأول منها في 5 مايو 1946 الموافق 3 جمادي الثاني سنة 1365. وأضحى بذلك صوتهم مسموعاً في مصر والبلاد العربية. وأنشأوا الكتائب، وأقاموا أماكن التدريب على الأعمال العسكرية. ونظموا الشعب تنظيماً دقيقاً في مصر والأقطار العربية. ووزعوا الأعمال على الأعضاء، وأوثقوا العهود بصورة بيعة لرئيس الشعبة فالمرشد العام شخصياً، وقرروا السمع والطاعة في المنشط والمكره، مقرونا بالقسم، ووضعوا المرشد العام موضع الثقة التامة، وجعلوا له المنصب مدى حياته ليس له أن يتخلى عنه، أو يعفى منه، إلا بقرار من الهيئة التأسيسية.(28)
وبلغ أعضاء الجماعة العاملين في مصر وحدها نصف مليون، والأعضاء المنتسبين والمؤازرين أضعاف هذا العدد، أما عدد شعبهم في مصر وحدها فبلغ ألفين شعبة، وفي السودان، حوالي خمسين شعبة، عدا شعبهم في معظم البلدان العربية، والبلاد الإسلامية، والأصدقاء في جميع البلاد وفي أوربا وأمريكا. (29) ولهذا لقيت الجماعة مقاومة في غاية العنف من قبل الحكومات التي وليت الحكم بعد الحرب الكبرى الثانية. وزار الأستاذ البنا النقراشي ثانية، وأهاب به أن يسرع بالعمل في سبيل الحقوق القومية، واستكمال استقلال وادي النيل ووحدته، وألا فليدع الأمة إلى الجهاد، ويتقدمها في سبيله، وقدم النقراشي مذكرة إلى الحكومة البريطانية وجاءهم الرد عليها؛ ولم يرض الإخوان عن هذه المساجلة القلمية؛ وقاموا بمظاهرة مع الطلاب أدت إلى معركة مع البوليس في حادثة كوبري عباس الشهيرة، فاستقالة الوزارة. وانصرف الإخوان منذ إعلان الهدنة إلى إثارة الشعب، وإيقاظ وعيه بالمؤتمرات العامة تارة؛ وزيارة القرى والريف تارة أخرى؟ وبالرسائل والأحاديث والنشرات. وتولوا زمام المعارضة الداعية إلى الجهاد. وتركزت جهودهم في هذه الناحية طمعاً في أن تنال البلاد استقلالها التام. وجاءت حكومة إسماعيل صدقي واشتدت المظاهرات! ودعى البنا جميع الهيئات لتأليف لجنة قومية، توحد القوى، وتنظم الصفوف، ولكنه لم يجد مؤازرة من الأحزاب. وعندئذ رأي أن يجنح إلى النصح يقدمه إلى صدقي، على أساس قطع المفاوضات والالتجاء إلى الجهاد السافر، واستمر نشاطهم السياسي في هذا النهج، وأخذوا يحاسبون الحكومة حساباً عسيراً، ويتهمونها بممالأة الأجانب على حساب الوطن، والتساهل بتأليف الشركات التي تلبس أثواباً مصرية مستعارة، وبعجزها عن علاج مشكلة العمال العاطلين، وبترددها في قطع المفاوضات، وإعلان الجهاد. واشتدت حملة جريدتهم على المفاوضات، وعلى حكومة صدقي، وعلى الإنجليز بوجه خاص. وشن عليهم صدقي حملة، فاعتقل عددا منهم، وصادر جريدتهم، ثم قبض على الوكيل العام، وقابله الإخوان بحملة مثلها. ووقعت انفجارات في القاهرة والإسكندرية، اتهمتهم الحكومة بها، فحوصرت دورهم وفتشت. وقاد صدقي حملة واسعة النطاق من النقل والتشريد، تناولت خلصاء الموظفين من الإخوان في شتى المصالح والوزارات. (30)
واستقال صدقي، وتألفت وزارة النقراشي في 10 ديسمبر 1946، وفي يوم تأليفها نشر البنا مقالاً دعى فيه الحكومة الجديدة إلى اختصار الطريق، واحترام إرادة الأمة، وإنهاء المفاوضات، وسلوك سبيل الجهاد، ثم تابع نشر مقالاته في الجريدة مسفها منهاج الحكومة، مشيراً إلى أنها حاربت الإخوان، وأغلقت مدارسهم، وسجنت أحرارهم، ولاحقتهم بالتضييق والإرهاق، وكانت هذه بداية حرب داخلية بين النقراشي والأخوان، زادتها قضية فلسطين، التي ساهم فيها الإخوان مساهمة فعالة، وكانت بالتالي محك قوتهم ونفوذهم من جهة، ومصدر عزة لهم في مصر والعالم العربي، حدة وعنفا. واشترك الإخوان في المعركة تحت إشراف الجامعة العربية وأتاح لهم هذا الاشتراك المسلح التمرن على القتال، كما كشف عن مدى استعدادهم الحربي ومدى نفوذهم، وخشيت حكومة النقراشي سلطتهم، فاغتنمت فرصة وقوع حوادث عنف في داخل القطر، واتهمتهم بأن لهم ضلعاً فيها، وأنهم ينوون إحداث انقلاب. فأصدرت أمراً عسكرياً رقم 63 مؤرخاً في 8 ديسمبر 1948. " بحل جماعة الإخوان وشعبها أينما وجدت، وبغلق الأماكن المخصصة لنشاطها، وبضبط جميع الأوراق والوثائق والمجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وكافة الأشياء المملوكة للجمعية، وتبع هذا الأمر صدور أوامر عسكرية أخرى، بتصفية شركاتهم، والعمل على استخلاص أموال الجمعية لتخصيصها في الوجوه العامة التي يقررها وزير الشئون الاجتماعية. وحاول البنا أن يسد هذه الثغرة، ويسوي الموقف، ولكنه لم يجد من النقراشي وحكومته أدنى استعداد، حتى قضى مقتل النقراشي في 28 ديسمبر 1948 على هذه المحاولات، إذ أتهم الإخوان بقتله وزاد الموقف حرجاً بينهم وبين الحكومة. (31) وقد تنبأ الأستاذ البنا بحصول كل هذه المحن وطالما كان يتحدث عنها وكأنه يراها، ويبين أن هذه هي سبل أصحاب الدعوات، ويضرب الأمثال بما حدث للمجاهدين والنبيين من قبل، ولكأنه وثق منها حتى أصبحت عقيدة راسخة في رأسه، فسجلها للإخوان في إحدى رسائله يقول: " أحب أن أعرفكم أن دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها، ويدركون مراميها وأهدافها، ستلقى منهم خصومة شديدة، وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيراً من المشقات، وسيعترضكم كثير من العقبات وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، أما الآن فلا زلتم مجهولين، ولا زلتم تمهدون للدعوة، وتستعدون لما تطلبه من كفاح وجهاد، سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين من العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام، وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوي الجاه والسلطان، وستقف في وجوهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم، وأن تضع العراقيل في طريقكم، وسيتذرع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم، وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة، والأخلاق الضعيفة، والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال، وإليكم بالإساءة والعدوان، وسيشير الجمع حول دعوتكم غبار الشبهات، وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، معتدين بأموالهم ونفوذهم، وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان، فتسجنون وتعتقلون، وتنقلون، وتشردون، وتصادر مصالحكم، وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان  أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ  ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين، ومثوبة العاملين المحسنين . (32)
ولكأن الرجل الملهم كان ينظر بعين الغيب، فقد تحقق بعد الحل كل ما كتبه في هذه الرسالة التي كتبها للإخوان قبل نشوب الحرب العظمى الثانية وقبل أن تحل تلك المحنة بسنوات، وإن كان قد عكف على تكرار هذه المعاني قبل المحنة مباشرة، حتى يعد الإخوان لاستقبالها فلا يصدموا بحقيقتها المروعة، ووسائلها التي أعادت إلى الأذهان صور محاكم التفتيش الأسبانية. وقد صدقت جميع نبوءاته حتى في رجال الدين أنفسهم، فقد تطوع منهم من ألقى حديثاً في الأذاعة يؤيد به ما ذهبت غليه الحكومة من نفي الإخوان، مستدلاً بالآية الكريمة  إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ  وعلقت هذه الآية الكريمة في معتقل الطور وسائر المعتقلات ليقرأها الإخوان بأمر إدارة تلك المعتقلات. وواضح أن في ذلك ما فيه من معاني التحدي، والاستفزاز للشعور، والإيلام النفسي للإخوان باتهامهم بأنهم يحاربون الله ورسوله، مع أن هتافهم، الله غايتنا، والرسول زعيمنا.
حدث كل ذلك في وزارة إبراهيم عبد الهادي التي تولت الحكم بعد مقتل النقراشي، والذي عمل على أن يثأر لسلفه في شخص الجماعة وأعضائها، وشد أزره في ذلك ما أشيع عن سوء علاقة الجماعة بالملك السابق، وأن لها أغراضاً انقلابية، وكان أشنع ما حدث في عهد تلك الحكومة هو مقتل الأستاذ البنا أمام دار الشبان المسلمين بعد أن جرد من سلاحه المرخص به، ومنع من السفر إلى الخارج، أو التنقل من مكان إلى آخر داخل القطر بغير إذن من الحكومة، وحين أبلغ الحكومة أنه سوف ينتقل إلى عزبة أحد الإخوان ببنها، اعتقلوا ذلك الأخ..!!؟؟ وكان ذلك قبل مقتله بأيام معدودات. وتفاصيل مقتله نقلاً عن إحدى الجرائد اليومية هي كما يلي:
طلب الأستاذ الناغي عضو مجلس إدارة جمعية الشبان المسلمين، إلى الأستاذ محمد الليثي رئيس قسم الشباب بالجمعية، أن يذهب إلى دار الشيخ البنا ويدعوه إلى مقابلته في الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 12 فبراير 1949 بدار الجمعية لكي يبلغه نتائج هامة وسارة عن المسائل المعلقة الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين، لأنه مكلف بإبلاغه ذلك من قبل قريبه الأستاذ إبراهيم عبد الهادي – رئيس الوزارة حينذاك – فذهب الأستاذ الليثي إلى منزل الأستاذ حسن البنا في الساعة الثانية بعد الظهر، وأخبره بذلك، فقال له الأستاذ البنا. أن هؤلاء الناس نيتهم سيئة، وأنهم لا يريدون أي تفاهم، ولقد بلغني الآن أنهم اعتقلوا الرجل الطيب المسن الذي كنت قد أخبرتهم بأني سأسافر عنده بعد يوم أو اثنين!!! وعلى كل فأني سأحضر لمقابلة الأستاذ الناغي.
وذهب الأستاذ في الموعد المحدد، وبعد انتهاء المقابلة التي قال عنها أنه لم يخرج منها بنتيجة تذكر!! إلا أن الناغي أعاد على مسامعه مسألة تسليم الأسلحة ومحطة الأذاعة!!؟ طلب الأستاذ البنا سيارة أجرة، وكان ذلك في الساعة الثامنة والثلث، وكان معه صهره الأستاذ عبد الكريم منصور المحامي، وكان يرافقه الأستاذ الليثي، وفي هذه الأثناء جاء خادم وأبلغ الليثي أن التليفون يطلبه!!؟ ولكنه رافق الشيخ إلى أن ركب السيارة ومعه صهره، ثم دخل إلى دار الجمعية ليتحدث في التليفون وفي أثناء ذلك سمع طلقات نارية.. فترك التليفون، وذهب إلى الخارج ليستطلع مصدر هذا الصوت، فوجد في مواجهة الدار شاباً طويل القامة، نحيل الجسم، يلبس جلباباً، ويضع على رأسه كوفية بيضاء، ويمسك بيده مسدساً، فصاح الليثي طالباً امساكه، فأطلق عليه عيار نارياً أخطأه وأصاب دار الجمعية، ثم جرى وراء الليثي في الشارع وأطلق عليه عيارين نارين أخطآه أيضاً، وبعد أن استنفد الطلقات النارية اتجه نحو الرصيف الآخر، حيث لحق به شخص آخر، وركبا سيارة سوداء انطلقت بهما في شارع الملكة، وكان الأستاذ البنا وقتئذ قد نزل من السيارة ودخل إلى الجمعية وهو يقول: " قتلت قتلت " وعندئذ دخل محمد الليثي إلى الجمعية فوجد سماعة التليفون مرفوعة، وقد اتضح له أن المتحدث هو الصاغ محمد الجزار الضابط بالقلم السياسي!! وكان مازال منتظراً حتى يتحدث معه!!؟ فصاح محمد الليثي في التليفون قائلاً إن الأستاذ حسن البنا قد أطلق عليه الرصاص أمام الجمعية. فقال له الجزار متساهلاً هل مات أم لا يزال حياً؟ وفي هذه الأثناء ذهب الأستاذ البنا إلى دار الإسعاف، وذهب على أثره إلى هناك محمد الليثي، فوجد الأستاذ البنا يكرر الشهادتين، وهناك رأى محمد الليثي شابا أسمر اللون يلبس جلباباً وطربوشاً. وقال إنه كان بالقرب من مكان السيارة التي هرب عليها الجناه، وأنه التقط رقمهما وهو 9979. وقد تبين بعد البحث في إدارة المرور أن السيارة المذكورة هي سيارة القائمقام محمود عبد المجيد مدير إدارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية وقتئذ. وقد بذلت محاولات عديدة مع الشاهد لتغيير رقم السيارة، قام بها الصاغ الجزار، تارة بالإغراء بالمال! وأخرى بالخمر!!، وثالثة بالنساء!!! وأخيراً بالتهديد !!!! كما ورد في نفس الجريدة على لسان الجزار، " اعلم أن قاتل البنا حر طليق، وسيظل حراً طليقاً، وفي وسعه أن يطيح برأس كل شخص يقف في سبيله، أو يَضُّر به، وأنت عندك أولاد فحرام عليك تيتمهم ". (33)
وفعلاً ظل القتلة أحراراً طلقاء، إلى أن قامت ثورة الجيش في 23 يوليو 1952 وقبض عليهم جميعاً وهم: الأميرالاي محمود عبدا لمجيد، والأميرالاي أحمد كامل، والبكباشي حسين كامل، واليوزباشي عبده أرمانيوس، ومحمد حسن خادم الملك الخاص، والبكباشي محمد الجزار، والباشجاويش محمد محفوظ سائق السيارة التي فر عليها الجناه، وأحمد حسين جاد (مباحث جرجا) ومحمد سعيد، ومصطفى محمد أبو الليل غريب، والأومباشي حسين محمدين رضوان (34).
وقد ذكر الأستاذ البنا قبل مقتله في مذكرة أسباب حل الإخوان، دراً على المذكرة التي قدمها وكيل الداخلية الأستاذ عبد الرحمن عمار وطلب فيها حل الإخوان، وكانت هذه المذكرة من آخر ما كتبه الأستاذ البنا، وقد لخص فيها أسباب الحل فيما يلي:
الضغط الأجنبي فقد أقر وكيل الداخلية بنفسه للمرشد العام أن مذكرة قدمت إلى النقراشي "باشا" من سفير بريطانيا، وسفير فرنسا، والقائم بأعمال سفارة أمريكا بعد أن اجتمعوا في فايد في 6 ديسمبر 1948 تقريباً يطلبون فيها المبادرة بحل الإخوان المسلمين. وذلك بالطبع طلب طبيعي من ممثلي الدولة الاستعمارية، الذين يرون في الإخوان المسلمين أكبر عقبة أمام امتداد مطامعهم وتشعبها في وادي النيل وفي بلاد العرب، وأوطان الإسلام، وليست هذه أول المرات التي طلب فيها مثل هذا الطلب، بل هو طلب تقليدي كان يتكرر دائماً على لسان السفير البريطاني في كل المناسبات لكل الحكومات. وكانت كلها تحجم عن إجابتها حتى أحرج الأوقات. فلقد طلبت السفارة من (رفعة) النحاس (باشا) في سنة 1942 والحرب العالمية على أشدها، والألمان على الأبواب، حل الإخوان المسلمين وتعطيل نشاطهم، فأبى أن يجيبهم إلى ذلك، واكتفى بإغلاق الشعب كلها مع بقاء المركز العام إلى حين.
وكان في وسع (دولة) النقراشي (باشا) أن يرفض هذا الطلب، وأن يتفاهم مع الإخوان على وضع يريحهم ويريحه، ولقد كان الإخوان على أتم الاستعداد لهذا التفاهم، وخاصة بعد عودة المرشد العام من الحجاز، إلا أنه لم يفعل، وخطى هذه الخطوة التي لا تدل إلا على أن مصر لازالت للأجانب قبل أن تكون لأبنائها، وأنه لازال للأجانب كل النفوذ والسلطان في هذه الأوطان.. ثم مضى في تفصيل الظروف والأسباب إلى أن قال. أن هذا من تدبير اليهودية العالمية، والشيوعية الدولية، والدول الاستعمارية، وأنصار الألحاد والإباحية الذين يرون في الإخوان السد المنيع الذي يحول بينهم وبين ما يريدون. (35)
وأجاب الأستاذ البنا رداً على سؤال صحفي عن الأسباب التي دفعت بالمسئولين إلى حل الإخوان فقال: " ... كما يقال أن من هذه الأسباب العوامل الحزبية التي تصاحب قرب موعد الانتخابات النيابية، إذ أنه من المعروف أن الحزب السعدي يريد أن يظفر بأغلبية برلمانية تمكنه من الاستمرار في الحكم. ومن المعروف أن الإخوان قوة شعبية ينتظر منها الصمود في هذا الموقف. فمن التكتيك الحزبي أن يشوه موقفهم بمثل هذا العمل، قبل حلول موعد الانتخابات الذي سيكون في أكتوبر 1949 مالم تطرأ عوامل أخرى على الموقف. ويقال كذلك أن رغبة الحكومات العربية في إنهاء قضية فلسطين ولو على غير ما تريد الشعوب، كان من العوامل التي أوحت إلى الحكومة المصرية بهذا الموقف. (36)
وقد أكدت الأيام صدق هذا الظن، ففي 24 فبراير 1949، وبعد استشهاده بأيام معدودة، أذيع توقيع شروط هدنة رودس، وسحب الجيش من فلسطين.
وقد استمرت وزارة عبد الهادي نحواً من سبعة شهور، بلغت محنة الإخوان في أثنائها الذروة، حتى ظن بعض المراقبين أنهم لن تقوم لهم قائمة، ولكن الواقع أنها كانت كالنار صهرتهم، وصفت معدنهم، فخرج منهم قلة ضئيلة، وبقى على الدعوة غالبيتهم العظمى مما زادتهم المحنة صلابة وتماسكاً، وقيل في هذه الفترة أن الإخوان أنتخبوا سراً مرشداً جديداً، وأنتقلت حركتهم من الجهر إلى السر. (37)
وفي 25 يوليو 1949 استقالت وزارة عبد الهادي، وجاءت وزارة حسين سري الائتلافية، تم المحايدة، التي أشرفت على الانتخابات، ونال حزب الوفد أغلبية ساحقة كان لتأييد الإخوان سهم فيها، وتولى النحاس الحكم في 12 يناير 1950 وأخذ الكابوس يرتفع عنهم رويداً رويداً وأخذت أقلامهم تتحرك وصحفهم تعود. وأعلنوا انتخاب الأستاذ حسن الهضيبي وهو مستشار سابق مرشداً عاماً.
وفي 15 ديسمبر 1951 أفرجت الحكومة عن بعض ممتلكاتهم منها دار المركز العام، ودار الصحافة، ودار الطباعة، ودور الفروع، وكان ذلك بناء على حكم مجلس الدولة،الذي أنصف الإخوان بحكم تاريخي خالد، نص فيه على أن أمر الحل باطل من أساسه!! وخرج حتى حدود سلطة الحاكم العسكري نفسه!! وسرعان ما استرجع الإخوان مكانتهم السابقة، وأبرزوا جهودهم على مسرح الحوادث قوة يحسب حسابها، ويخطب ودها. ففي شهر أكتوبر 1951 عندما اشتدت الأزمة بين مصر وبريطانيا، اشتركت كتائبهم في حركة التحرير في القنال اشتراكاً بارزاً، حتى أن الحكومة الوفدية فاوضتهم قبل إقالتها بيوم واحد على أن تعهد إليهم بالإشراف الكلي على جميع المتطوعين كما ذكرت الصحف بعد ذلك.
وفي وزارة الأستاذ أحمد نجيب الهلالي، وقف الإخوان موقف المحترس وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الداخلية، وأعلنوا أنهم لن يدخلوا الانتخابات ومما يلاحظ أنه في وزارة الأستاذ علي ماهر القصيرة الأجل – التي جاءت قبل وزارة الهلالي – وكذلك وزارة الهلالي. درجتا على سنة جديدة، فقد درج الأول على استشارة المرشد العام، والاجتماع به مع رؤساء الأحزاب السياسية واستمر الثاني في الاستشارة، وفي ذلك اعتراف بقوتهم في الميدان السياسي.
ثم تتابعت الوزارات القصيرة الأجل نتيجة عبث فاروق واستهتاره بمصالح البلاد، فكانت وزارة حسين سري، فالهلال مرة ثانية ثم قامت الحركة المباركة بعد وزارة الهلالي الثانية بيوم واحد فقط، بزعامة اللواء أركان الحرب محمد نجيب، وأسندت الوزارة بناء على طلب الجيش إلى علي ماهر. ثم أرغم الملك على التنازل لولي عهده، ومغادرة البلاد، في يوم 26 يوليو سنة 1952، وقام الإخوان والشعب بأجمعه وراء الحركة المباركة، يؤيدها ويسندها وذكرت بعض الجرائد أن علي ماهر عرض على المرشد العام الاشتراك في وزارته فاعتذر، ثم استقالت وزارة علي ماهر، وألف الوزارة الرئيس اللواء محمد نجيب وعرض على الإخوان الاشتراك في الوزارة،فاعتذروا مع تأييد رجال الثورة، وتمنى التوفيق لهم، واضطر الشيخ الباقوري إلى الاستقالة، لأنه اشترك في ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإخوان المسلمون تــاريخ الدعوة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإخوان المسلمون / فلسفة الإخوان ومبادئهم – الدين والسياسة – الإسلام كنظام اجتماعي (2)
» الإخوان المسلمون فلسفة الإخوان ومبادئهم
» الإخوان المسلمون (1)
» الإخوان المسلمون
» الإخوان المسلمون الدين والسياسة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى فلسطين-
انتقل الى: