وسط المعطيات المادية والسياسية، والتي شكلت الأساس التاريخي للكفاح المسلح الفلسطيني، نشأت المنظمات الفلسطينية المسلحة، في إطارين رئيسين، هما:
حركة المقاومة، ومنظمة التحرير الفلسطينية.
تألفت حركة المقاومة من ثلاث مجموعات رئيسية: حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فــتح"، حركة القوميين العرب، وجبهة تحرير فلسطين.
وجاء القرار العربي باعتماد "م.ت.ف." خلال مؤتمر القمة العربي الثاني المنعقد بالإسكندرية، في أيلول 1964. فقد قام أحمد الشقيري، مندوب فلسطين في
جامعة الدول العربية، بعقد مجلس وطني فلسطيني، مكون من 388 عضواً في القدس، في 28 أيار 1964 قرر ضمن ما قرر، تأسيس "جيش التحرير الفلسطيني"، والذي كان ضمن عُمد المنظمة، المتمثلة في "الميثاق القومي"، "النظام الأساسي"، "المجلس الوطني"، "مركز الأبحاث"، "الصندوق القومي"، و"اللجنة التنفيذية".
وسرعان ما استجد قدر من التنافس، له ما يبرره، بين "م.ت.ف"، و"جيش التحرير الفلسطيني"، من جهة، وبين المنظمات الفدائية من جهة أخرى.(
ما قبل تأسيس الجيش:
عقد الملوك والرؤساء العرب أول مؤتمر قمة لهم، في القاهرة، يوم 13/1/1964، في سبيل بحث التدابير التي يجب اتخاذها لمواجهة المشروع الإسرائيلي لتحويل مياه نهر الأردن، وروافده وقرر المؤتمر تخويل ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية، أحمد الشقيري، الاتصال بالدول العربية، وبشعب فلسطين في مختلف تجمعاته، من أجل إيجاد الطريقة المثلى لتنظيم شعب فلسطين وإمكاناته وطاقاته في سبيل تحرير وطنه.
قام الشقيري بزيارة بعض الدول العربية، ثم صرح، يوم 27/3/1964، بأن الكيان الفلسطيني سيقوم على أربع دعائم هي: (9)
(1) الجهاز العسكري، ومهمته تمكين القادرين على حمل السلاح من خدمة وطنهم. (2) الجهاز التنظيمي. (3) الجهاز السياسي. (4) الجهاز المالي
المرحلة الأولى من تأسيس الجيش:
عقد المؤتمر الفلسطيني التأسيسي، الذي تحول، فيما بعد، إلى المجلس الوطني الفلسطيني في القدس، يوم 28/5/1964، وأصدر قراراته، ومؤداها في المجال العسكري:
(1) البدء، فوراً، بفتح معسكرات التدريب لجميع القادرين على حمل السلاح من الشعب الفلسطيني، رجالاً، ونساءً، بصورة إلزامية.
(2) تشكيل كتائب فلسطينية، عسكرية نظامية، وأُخرى فدائية.
(3) تزويد هذه الكتائب بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة، والتجهيزات اللازمة.
(5) السعي لإلحاق الشباب الفلسطيني بالكليات العسكرية في الدول العربية.
(6) تطبيق نظام المقاومة الشعبية، والدفاع المدني في صفوف الشعب الفلسطيني.
إلى ذلك تم افتتاح أول معسكر في قطاع غزة، في شهر أيار 1964، فيما افتتحت الحكومة الجزائرية، معسكر تدريب للفلسطينيين، وظهر أول وجود علني للجيش الفلسطيني النظامي، في احتفالات الجمهورية العربية المتحدة (مصر) بعيد الثورة، في يوم 23/7/1964، حيث اشتركت وحدات رمزية في العرض العسكري، باسم "جيش فلسطين".
أيد مؤتمر القمة العربية الثانية، الذي انعقد في الإسكندرية، يوم 5/9/1964 قرار
منظمة التحرير الفلسطينية، بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني، التابع للمنظمة، وعينت ضابطاً فلسطينياً قائداً لهذا الجيش. وبدأ تشكيل وحدات جيش التحرير الفلسطيني في سوريا والعراق ومصر والأردن، فتشكلت في سوريا "قوات حطين" (3 كتائب مغاوير ووحدات إسناد ودعم)، وفي العراق "قوات القادسية" (كتيبة مغاوير ووحدات)، وفي مصر "قوات عين جالوت" (3 كتائب ووحدات)، وتشكلت في كل من لبنان، والأردن (كتيبة مغاوير
عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الثانية، في القاهرة، في 31/5/1965، وكان ضمن ما قررته هذه الدورة جملة من القرارات العسكرية، منها:
(1) الإسراع في تنفيذ التدريب الشعبي. (2) إنشاء إدارة للتعبئة العامة في المنظمة. (3) تسهيل مهمة قيادة الجيش، في اختيار الضباط والعناصر العسكرية، وانتقالهم ضمن وحدات الجيش، وفقاً للمقتضيات العسكرية. (4) فرض التجنيد الإلزامي على جميع الفلسطينيين، القادرين على حمل السلاح. (5) مضاعفة الاهتمام بتشكيلات الفدائيين، وزيادة أعدادهم. (6) الاهتمام بدور المرأة الفلسطينية في معركة التحرير، لتمكينها من العمل في المقاومة الشعبية، والخدمات الطبية.
قيادة المرحلة الأولى:
قامت اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف. بتعيين وجيه المدني، وهو ضابط كان يرأس حرس أمير الكويت، قائداً عاماً لجيش التحرير الفلسطيني، ورقته اللجنة إلى رتبة "لواء"، وألَّفت لجنة عسكرية ثلاثية*** وأوكلت إلى الثلاثة مهمة التفاوض مع القادة العسكريين العرب، في شأن تفصيلات تتعلق بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني، وتسليحه. كما قامت م.ت.ف، في تشرين الأول 1964 بتعيين ضابطين فلسطينيين، يقيمان في سوريا، هما صبحي الجابي، ومحمد أبو حجلة، مستشارين عسكريين، ثم عينت الجابي رئيساً للأركان، في تموز 1965.
المرحلة الثانية:
ظهرت أزمة في إطار العمل العربي المشترك، تركت آثارها في تطوير جيش التحرير، كما أثرت في أعمال منظمة التحرير الفلسطينية.
برزت هذه الأزمة عام 1966، حينما اقترحت المنظمة على الأردن السماح للأولى بتطبيق التجنيد الإلزامي على الفلسطينيين وإنشاء كتائب أخرى للجيش، وظهرت بوادر الأزمة إثر اجتماع مشترك بين الجانبين الأردني والفلسطيني يوم 21/2/1966 في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، وتضمن:
(1) مواصلة الحكومة الأردنية دراسة موضوع التجنيد الإلزامي.
(2) إحالة موضوع تشكيل وحدات الجيش إلى القيادة العربية المشتركة.
(3) تأليف لجنة من قيادة الجيش الأردني وجيش التحرير لدراسة موضوع تشكيل وحدات جيش التحرير الفلسطيني.
(4) إنشاء المنظمة معسكرات في فصل الصيف للتدريب العسكري في الأردن.
(5) تسليح المدن والقرى الأمامية بمساهمة مالية من المنظمة.
غير أن معظم بنود الاتفاق لم تنفذ، إذ تأزمت العلاقة بين الحكومة الأردنية والمنظمة، ما أدى إلى قطاع العلاقات بينهما، في الشهر السابع من عام 1966، فيما كان التوتر يسود العلاقات العربية بصفة عامة، وعقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الثالثة، في غزة، 20/5/66 وأصدر عدة قرارات منها ما يخص جيش التحرير:
(1) مناشدة الدول العربية الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه قيادة الجيش.
(2) تحويل إيرادات "الصندوق القومي" إلى حساب "جيش التحرير".
(3) وضع الدائرة العسكرية في قيادة المنظمة تحت إشراف قيادة الجيش.
على الرغم من الصعوبات التي واجهها "جيش التحرير الفلسطيني" في مرحلة تأسيسه، فإن قيادته استطاعت أن توفر لأفراده مستوىً تدريبياً عسكرياً جيداً فتخرجت الدفعات الأولى من ضباط الجيش من الكليات العسكرية العربية، وتم إرسال بعثات تعليمية للانتساب إلى كليات عسكرية في الدول الاشتراكية الصديقة، وخصصت المنظمة 85% من موازنتها للجيش، فمعظم الدول العربية لم تدفع حصصها المالية. ويمكن القول إن عام 66 شهد تطويراً لوضع الجيش ولكنه شهد، في الوقت ذاته صعوبات أثرت سلباً في تنفيذ المرحلة الثانية من إنشائه.