ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 سنة إحدى وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية) (1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

سنة إحدى وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية) (1) Empty
مُساهمةموضوع: سنة إحدى وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية) (1)   سنة إحدى وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية) (1) Emptyالثلاثاء ديسمبر 29, 2009 12:32 pm

سنة إحدى وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية) (1) Kunoooz999c90c773
استهلت هذه السنة والحسين بن علي سائر إلى الكوفة فيما بين مكة والعراق ومعه أصحابه وقراباته، فقتل في يوم عاشوراء من شهر المحرم من هذه السنة على المشهور الذي صححه الواقدي وغير واحد، وزعم بعضهم أنه قتل في صفر منها والأول أصح.

وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب
قال أبو مخنف: عن أبي جناب، عن عدي بن حرملة، عن عبد الله بن حرملة، عن عبد الله بن سليم، والمذرى بن المشمعل الأسديين قالا: أقبل الحسين فلما نزل شرف قال لغلمانه وقت السحر: استقوا من الماء فأكثروا، ثم ساروا إلى صدر النهار فسمع الحسين رجلا يكبر فقال له: مم كبرت؟
فقال: رأيت النخيلة، فقال له الأسديان: إن هذا المكان لم ير أحد منه نخيلة.
فقال الحسين: فماذا تريانه رأى؟
فقالا: هذه الخيل قد أقبلت.
فقال الحسين: أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟
فقالا: بلى: ذو حسم.
فأخذ ذات اليسار إليها فنزل، وأمر بأبنيته فضربت، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي، وهم مقدمة الجيش الذين بعثهم ابن زياد، حتى وقفوا في مقابلته في نحو الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون سيوفهم، فأمر الحسين أصحابه أن يرتووا من الماء ويسقوا خيولهم، وأن يسقوا خيول أعدائهم أيضا.
وروى هو وغيره قالوا: لما دخل وقت الظهر أمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي فأذن ثم خرج الحسين في إزار ورداء ونعلين فخطب الناس من أصحابه وأعدائه واعتذر إليهم في مجيئه هذا إلى ههنا، بأنه قد كتب إليه أهل الكوفة أنهم ليس لهم إمام، وإن أنت قدمت علينا بايعناك وقاتلنا معك، ثم أقيمت الصلاة فقال الحسين للحر: تريد أن تصلي بأصحابك؟
قال: لا! ولكن صلّ أنت ونحن نصلي وراءك.
فصلى بهم الحسين، ثم دخل إلى خيمته واجتمع به أصحابه، وانصرف الحر إلى جيشه وكلُّ على أهبته، فلما كان وقت العصر صلى بهم الحسين ثم انصرف فخطبهم وحثهم على السمع والطاعة له وخلع من عاداهم من الأدعياء السائرين فيكم بالجور.
فقال له الحر: إنا لا ندري ما هذه الكتب، ولا من كتبها، فأحضر الحسين خرجين مملوءين كتبا فنثرها بين يديه وقرأ منها طائفة.
فقال الحر: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك في شيء، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد.
فقال الحسين: الموت أدنى من ذلك.
ثم قال الحسين لأصحابه: اركبوا! فركبوا و ركب النساء، فلما أراد الانصراف حال القوم بينه وبين الانصراف.
فقال الحسين للحر: ثكلتك أمك، ماذا تريد؟
فقال له الحر: أما والله لو غيرك يقولها لي من العرب وهو على مثل الحال التي أنت عليها لأقتصن منه، ولما تركت أمه، ولكن لا سبيل إلى ذكر أمك إلا بأحسن ما نقدر عليه.
وتقاول القوم وتراجعوا.
فقال له الحر: إني لم أومر بقتالك، وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد، فإذا أبيت فخذ طريقا لا يقدمك الكوفة ولا تردك إلى المدينة، واكتب أنت إلى يزيد، وأكتب أنا إلى ابن زياد إن شئت، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك.
قال: فأخذ الحسين يسارا عن طريق العُذيب والقادسية، والحر بن يزيد يسايره وهو يقول له: يا حسين إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى.
فقال له الحسين: أفبالموت تخوفني؟ ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وقد لقيه وهو يريد نصرة رسول الله فقال: أين تذهب فإنك مقتول؟
فقال:
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق خوفا أن يعيش ويرغما
ويروى على صفة أخرى:
سأمضي وما بالموت عارٌ على امرئ * إذا ما نوى حقا ولم يلف مجرما
فإن مت أندم وإن عشت لم ألمْ * كفى بك موتا أن تذل وترغما
فلما سمع ذلك الحر منه تنحى عنه وجعل يسير بأصحابه ناحية عنه، فانتهوا إلى عذيب الهجانات وإذا سفر أربعة - أي: أربعة نفر - قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يخبون ويجنبون فرسا لنافع بن هلال يقال له: الكامل، قد أقبلوا من الكوفة يقصدون الحسين ودليلهم رجل يقال له: الطرماح بن عدي، راكب على فرس وهو يقول:
يا ناقتي لا تذعري من زجري * وشمّري قبل طلوع الفجر
بخير ركبانٍ وخير سفر * حتى تحلي بكريم النجر
الماجد الحرّ رحيب الصدر * أتى به الله لخير أمر
ثمت أبقاه بقاء الدهر
فأراد الحر أن يحول بينهم وبين الحسين، فمنعه الحسين من ذلك، فلما خلصوا إليه قال لهم: أخبروني عن الناس وراءكم، فقال له مجمع بن عبد الله العامري - أحد النفر الأربعة -:
أما أشراف الناس فهم إلب عليك، لأنهم قد عظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، يستميل بذلك ودهم ويستخلص به نصيحتهم، فهم إلب واحد عليك، وأما سائر الناس فأفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك.
قال لهم: فهل لكم برسولي علم؟
قالوا: ومن رسولك؟
قال: قيس بن مسهر الصيداوي.
قالوا: نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك ولعن زياد وأباه، ودعا الناس إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك فأمر به فأُلقي من رأس القصر فمات، فترقرت عينا الحسين، وقرأ قوله تعالى: { فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ } الآية [الأحزاب: 23] .
ثم قال: اللهم اجعل منازلهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك، ورغائب مدخور ثوابك.
ثم إن الطرماح بن عدي قال للحسين: أنظر فما معك؟ لا أرى معك أحدا إلا هذه الشرذمة اليسيرة، وإني لأرى هؤلاء القوم الذين يسايرونك أكفاء لمن معك، فكيف وظاهر الكوفة مملوء بالخيول والجيوش يعرضون ليقصدونك، فأنشدك الله، إن قدرت أن لا تتقدم إليهم شبرا فافعل، فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به من ملوك غسان وحمير، ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر.
والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى أنزلك القرية، ثم تبعث إلى الرجال من بأجأ وسلمى من طيء، ثم أقم معنا ما بدا لك، فأنا زعيم بعشرة آلاف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف.
فقال له الحسين: جزاك الله خيرا، فلم يرجع عما هو بصدده، فودعه الطرماح، ومضى الحسين، فلما كان من الليل أمر فتيانه أن يستقوا من الماء كفايتهم، ثم سرى فنعس في مسيره حتى خفق برأسه، واستيقظ وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين.
ثم قال: رأيت فارسا على فرس وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نُعيت إلينا.
فلما طلع الفجر صلى بأصحابه وعجل الركوب ثم تياسر في مسيره حتى انتهى إلى نينوى، فإذا راكب متنكب قوسا قد قدم من الكوفة، فسلم على الحر بن يزيد ولم يسلم على الحسين، ودفع إلى الحر كتابا من ابن زياد ومضمونه: أن يعدل بالحسين في السير إلى العراق في غير قرية ولا حصن، حتى تأتيه رسله وجنوده، وذلك يوم الخميس الثاني من المحرم سنة إحدى وستين.
فلما كان من الغد قدم عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف، وكان قد جهّزه ابن زياد في هؤلاء إلى الديلم، وخيم بظاهر الكوفة، فلما قدم عليهم أمر الحسين قال له: سر إليه، فإذا فرغت منه فسر إلى الديلم، فاستعفاه عمر بن سعد من ذلك.
فقال له ابن زياد: إن شئت عفيتك وعزلتك عن ولاية هذه البلاد التي قد استنبتك عليها.
فقال: حتى أنظر في أمري، فجعل لا يستشير أحدا إلا نهاه عن المسير إلى الحسين، حتى قال له ابن أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة: إياك أن تسير إلى الحسين فتعصي ربك، وتقطع رحمك، فوالله لأن تخرج من سلطان الأرض كلها أحب إليك من أن تلقى الله بدم الحسين.
فقال: إني أفعل إن شاء الله تعالى.
ثم أن عبيد الله بن زياد تهدده وتوعده بالعزل والقتل، فسار إلى الحسين فنازله في المكان الذي ذكرنا، ثم بعث إلى الحسين الرسل: ما الذي أقدمك؟
فقال: كتب إليّ أهل الكوفة أن أقدم عليهم، فإذ قد كرهوني فأنا راجع إلى مكة وأذركم.
فلما بلغ عمر بن سعد هذا قال: أرجو أن يعافيني الله من حربه، وكتب إلى ابن زياد ذلك، فرد عليه ابن زياد: أن حل بينهم وبين الماء كما فعل بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وأعرض على الحسين أن يبايع هو ومن معه لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فإذا فعلوا ذلك رأينا رأينا.
وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين من الماء، وعلى سرية منهم عمرو بن الحجاج، فدعا عليهم بالعطش فمات هذا الرجل من شدة العطش.
ثم إن الحسين طلب من عمر بن سعد أن يجتمع به بين العسكرين، فجاء كل واحد منهما في نحو من عشرين فارسا، فتكلما طويلا حتى ذهب هزيع من الليل، ولم يدر أحد ما قالا، ولكن ظن بعض الناس أنه سأله أن يذهب معه إلى يزيد بن معاوية إلى الشام ويتركا العسكرين متواقفين.
فقال عمر: إذا يهدم ابن زياد داري.
فقال الحسين: أنا أبنيها لك أحسن مما كانت.
قال: إذا يأخذ ضياعي.
قال: أنا أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز.
قال: فتكره عمر بن سعد من ذلك.
وقال بعضهم: بل سأل منه إما أن يذهبا إلى يزيد، أو يتركه يرجع إلى الحجاز أو يذهب إلى بعض الثغور فيقاتل الترك.
فكتب عمر إلى عبيد الله بذلك، فقال: نعم! قد قبلت، فقام الشمر بن ذي الجوشن فقال: لا والله حتى ينزل على حكمك هو وأصحابه.
ثم قال: والله لقد بلغني أن حسينا وابن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل.
فقال له ابن زياد: فنعم ما رأيت.
وقد روى أبو مخنف: حدثني عبد الرحمن بن جندب، عن عقبة بن سمعان قال: لقد صحبت الحسين من مكة إلى حين قتل، والله ما من كلمة قالها في موطن إلا وقد سمعتها، وأنه لم يسأل أن يذهب إلى يزيد فيضع يده إلى يده، ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور، ولكن طلب منهم أحد أمرين، إما أن يرجع من حيث جاء، وإما أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه.
ثم إن عبيد الله بعث شمر بن ذي الجوشن فقال: اذهب فإن جاء حسين وأصحابه على حكمي وإلا فمر عمر بن سعد أن يقاتلهم، فإن تباطأ عن ذلك فاضرب عنقه، ثم أنت الأمير على الناس.
وكتب إلى عمر بن سعد يتهدده على توانيه في قتال الحسين، وأمره إن لم يجئ الحسين إليه أن يقاتله ومن معه، فإنهم مشاقون.
فاستأمن عبيد الله بن أبي المحل لبني عمته أم البنين بنت حزام من علي: وهم: العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان.
فكتب لهم ابن زياد كتاب أمان وبعثه عبيد الله بن أبي المحل مع مولى له يقال له: كرمان، فلما بلغهم ذلك قالوا: أما أمان ابن سمية، فلا نريده، وإنا لنرجو أمانا خيرا من أمان ابن سمية.
ولما قدم شمر بن ذي الجوشن على عمر بن سعد بكتاب عبيد الله بن زياد، قال عمر: أبعد الله دارك، وقبح ما جئت به، والله إني لأظنك الذي صرفته عن الذي عرضت عليه من الأمور الثلاثة التي طلبها الحسين.
فقال له شمر: فأخبرني ما أنت صانع؟ أتقاتلهم أنت أو تاركي وإياهم؟
فقال له عمر: لا ولا كرامة لك! أنا أتولى ذلك.
وجعله على الرجالة ونهضوا إليهم عشية يوم الخميس التاسع من المحرم، فقام شمر بن ذي الجوشن، فقال: أين بنو أختنا؟
فقام إليه العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان بنو علي بن أبي طالب، فقال: أنتم آمنون.
فقالوا: إن أمنتنا وابن رسول الله ، وإلا فلا حاجة لنا بأمانك.
قال: ثم نادى عمر بن سعد في الجيش: يا خيل الله اركبي وابشري، فركبوا وزحفوا إليهم بعد صلاة العصر من يومئذ، هذا وحسين جالس أمام خيمته محتبيا بسيفه، ونعس فخفق برأسه وسمعت أخته الضجة فدنت منه فأيقظته، فرجع برأسه كما هو، وقال: إني رأيت رسول الله في المنام فقال لي: «إنك تروح إلينا» فلطمت وجهها وقالت: يا ويلتنا.
فقال: ليس لك الويل يا أختاه: اسكتي رحمك الرحمن.
وقال له أخوة العباس بن علي: يا أخي جاءك القوم.
فقال: اذهب إليهم فسلهم ما بدا لهم، فذهب إليهم في نحو من عشرين فارسا فقال: ما لكم؟
فقالوا: جاء أمر الأمير إما أن تأتوا على حكمه، وإما أن نقاتلكم.
فقال: مكانكم حتى أذهب إلى أبي عبد الله فأعلمه، فرجع ووقف أصحابه فجعلوا يتراجعون القول ويؤنب بعضهم بعضا.
يقول أصحاب الحسين: بئس القوم، أنتم تريدون قتل ذرّية نبيكم وخيار الناس في زمانهم؟
ثم رجع العباس بن علي من عند الحسين إليهم فقال لهم: يقول لكم أبو عبد الله: انصرفوا عشيتكم هذه حتى ينظر في أمره الليلة.
فقال عمر بن سعد لشمر بن ذي الجوشن: ما تقول؟
فقال: أنت الأمير والرأي رأيك.
فقال عمر بن الحجاج بن سلمة الزبيدي: سبحان الله! والله لو سألكم ذلك رجل من الدليم لكان ينبغي إجابته.
وقال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك، فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة.
وهكذا جرى الأمر، فإن الحسين لما رجع العباس قال له: ارجع فارددهم هذه العشية لعلنا نصلي لربنا هذه الليلة ونستغفره وندعوه، فقد علم الله مني إني أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، والاستغفار والدعاء.
وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله، وخطب أصحابه في أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة، وقال لأصحابه: من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له فإن القوم إنما يريدونني.
فقال مالك بن النضر: عليّ دين ولي عيال.
فقال: هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه حجلا، ليأخذ كل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم اذهبوا في بسيط الأرض في سواد هذا الليل إلى بلادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يريدونني، فلو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري، فاذهبوا حتى يفرج الله عزّ وجل.
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه: لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا الله فيك ما نكره.
فقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم بمسلم أخيكم، اذهبوا فقد أذنت لكم.
قالوا: فما تقول الناس إنا تركنا شيخنا، وسيدنا، وبني عمومتنا خير الأعمام، لم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، رغبة في الحياة الدنيا، لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.
وقال نحو ذلك مسلم بن عوسجة الأسدي.
وكذلك قال سعيد بن عبد الله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، والله لو علمت أني أقتل دونك ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك، لأحببت ذلك، وإنما هي قتلة واحدة.
وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا من وجه واحد، فقالوا: والله لا نفارقك، وأنفسنا الفداء لك، نقيك بنحورنا وجباهنا، وأيدينا وأبداننا، فإذا نحن قتلنا وفينا وقضينا ما علينا.
وقال أخوه العباس: لا أرانا الله يوم فقدك ولا حاجة لنا في الحياة بعدك.
وتتابع أصحابه على ذلك.
وقال أبو مخنف: حدثني الحارث بن كعب، وأبو الضحاك، عن علي بن الحسين زين العابدين.
قال: إني لجالس تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها، وعمتي زينب تمرضني إذا اعتزل أبي في خبائه ومعه أصحابه، وعنده حويّ مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يا دهر أفٍ لك من خليلٍ * كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحبٍ أو طالبٍ قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل * وكل حيٍ سالك السبيل
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى حفظتها وفهمت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددتها، ولزمت السكوت، وعلمت أن البلاء قد نزل.
وأما عمتي فقامت حاسرة حتى انتهت إليه فقالت: واثكلاه!! ليت الموت أعدمني الحياة اليوم، ماتت أمي فاطمة، وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي.
فنظر إليها وقال: يا أُخيّة، لا يذهبن حلمك الشيطان.
فقالت: بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله، استقتلت؟
ولطمت وجهها، وشقت جيبها وخرت مغشيا عليها، فقام إليها فصبّ على وجهها الماء وقال: يا أُخيّه اتق الله واصبري وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته، ويميتهم بقهره وعزته، ويعيدهم فيعبدونه وحده، وهو فرد وحده.
واعلمي أن أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة.
ثم حرج عليها أن لا تفعل شيئا من هذا بعد مهلكه، ثم أخذ بيدها فردّها إلى عندي.
ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يدنوا بيوتهم بعضا من بعض حتى تدخل الأطناب بعضها في بعض، وأن لا يجعلوا للعدو مخلصا إليهم إلا من جهة واحدة، وتكون البيوت عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن ورائهم.
وبات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون، وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم، عليها عزرة بن قيس الأحمسي، والحسين يقرأ: { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْما وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } الآية [آل عمران: 178-179] .
فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرس من أصحاب ابن زياد فقال: نحن ورب الكعبة الطيبون، ميزنا الله منكم.
قال: فعرفته، فقلت لزيد بن حضير: أتدري من هذا؟
قال: لا!
فقلت: هذا أبو حرب السبيعي عبيد الله بن شمير - وكان مضحاكا بطالا - وكان شريفا شجاعا فاتكا.
وكان سعيد بن قيس ربما حبسه في خبائه.
فقال له يزيد بن حصين: يا فاسق متى كنت من الطيبين؟
فقال: من أنت ويلك؟
قال: أنا يزيد بن حصين.
قال: إنا لله! هلكت والله عدو الله! علام يريد قتلك؟
قال: فقلت له: يا أبا حرب هل لك أن تتوب من ذنوبك العظام؟ فوالله إنا لنحن الطيبون وأنكم لأنتم الخبيثون.
قال: نعم وأنا على ذلك من الشاهدين.
قال: ويحك أفلا ينفعك معرفتك؟
قال: فانتهره عزرة بن قيس أمير السرية التي تحرسنا فانصرف عنا.
قالوا: فلما صلى عمر بن سعد الصبح بأصحابه يوم الجمعة.
وقيل: يوم السبت - وكان يوم عاشوراء - انتصب للقتال.
وصلى الحسين أيضا بأصحابه وهم اثنان وثلاثون فارسا، وأربعون راجلا، ثم انصرف فصفّهم فجعل على ميمنته زهير بن القين، وعلى الميسرة حبيب بن المطهر، وأعطى رايته العباس بن علي أخاه، وجعلوا البيوت بما فيها من الحرم وراء ظهورهم.
وقد أمر الحسين من الليل فحفروا وراء بيوتهم خندقا، وقذفوا فيه حطبا وخشبا وقصبا، ثم أضرمت فيه النار لئلا يخلص أحد إلى بيوتهم من ورائها.
وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن - واسم ذي الجوشن شرحبيل بن الأعور بن عمرو بن معاوية من بني الضباب بن كلاب - وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجالة شبيث بن ربعي.
وأعطى الراية لوردان مولاه، وتواقف الناس في ذلك الموضع.
فعدل الحسين إلى خيمة قد نصبت فاغتسل فيها وانطلى بالنورة وتطيب بمسك كثير، ودخل بعده بعض الأمراء ففعلوا كما فعل.
فقال بعضهم لبعض: ما هذا في هذه الساعة؟
فقال بعضهم: دعنا منك، والله ما هذه بساعة باطل.
فقال يزيد بن حصين: والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا، ولكن والله إني لمستبشر بما نحن لاحقون، والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء القوم فيقتلوننا.
ثم ركب الحسين على فرسه وأخذ مصحفا فوضعه بين يديه، ثم استقبل القوم رافعا يديه يدعو بما تقدم ذكره:
اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة إلى آخره.
وركب ابنه علي بن الحسين - وكان ضعيفا مريضا - فرسا يقال له: الأحمق، ونادى الحسين أيها الناس:
اسمعوا مني نصيحة أقولها لكم، فأنصت الناس كلهم، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: أيها الناس إن قبلتم مني وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا مني { فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ } [يونس: 71] ، { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } [الأعراف: 196] .
فلما سمع ذلك أخواته وبناته ارتفعت أصواتهن بالبكاء.
فقال عند ذلك: لا يبعد الله ابن عباس - يعني: حين أشار عليه أن لا يخرج بالنساء معه ويدعهن بمكة إلى أن ينتظم الأمر - ثم بعث أخاه العباس فسكتهن، ثم شرع يذكر للناس فضله وعظمة نسبه وعلو قدره وشرفه، ويقول:
راجعوا أنفسكم وحاسبوها.
هل يصلح لكم قتال مثلي، وأنا ابن بنت نبيكم، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وعلي أبي، وجعفر ذو الجناحين عمي، وحمزة سيد الشهداء عم أبي؟ وقال لي رسول الله ولأخي: «هذان سيدا شباب أهل الجنة».
فإن صدقتموني بما أقول فهو الحق، فوالله ما تعمدت كذبةً منذ علمت أن الله يمقت عليّ الكذب، وإلا فاسألوا أصحاب رسول الله عن ذلك: جابر بن عبد الله، وأبا سعيد، وسهل بن سعد، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبرونكم بذلك، ويحكم! أما تتقون الله؟ أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟.
فقال عند ذلك شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف: إن كنت أدري ما يقول؟
فقال له حبيب بن مطهر: والله يا شمر إنك لتعبد الله على سبعين حرفا، وأما نحن فوالله إنا لندري ما يقول، وأنه قد طبع على قلبك.
ثم قال: أيها الناس ذروني أرجع إلى مأمني من الأرض.
فقالوا: ما يمنعك أن تنزل على حكم بني عمك؟
فقال: معاذ الله { إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } [غافر: 27] .
ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها، ثم قال: أخبروني أتطلبوني بقتيل لكم قتلته؟
أو مال لكم أكلته؟
أو بقصاصة من جراحه؟
قال: فأخذوا لا يكلمونه.
قال: فنادى يا شبيث بن ربعي، يا حجار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أنه قد أينعت الثمار واخضر الجناب، فأقدم علينا فإنك إنما تقدم على جند مجندة؟
فقالوا له: لم نفعل.
فقال: سبحان الله! والله لقد فعلتم، ثم قال: يا أيها الناس: إذ قد كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم.
فقال له قيس بن الأشعث: ألا تنزل على حكم بني عمك فإنهم لن يؤذوك، ولا ترى منهم إلا ما تحب؟
فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن تطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟
لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لهم إقرار العبيد.
قال: وأقبلوا يزحفون نحوه وقد تحيز إلى جيش الحسين من أولئك طائفة قريب من ثلاثين فارسا فيما قيل، منهم: الحر بن يزيد أمير مقدمة جيش ابن زياد، فاعتذر إلى الحسين مما كان منهم، قال: ولو أعلم أنهم على هذه النية لسرت معك إلى يزيد، فقبل منه الحسين.
ثم تقدم بين يدي أصحاب الحسين فخاطب عمر بن سعد فقال: ويحكم ألا تقبلون من ابن بنت رسول الله ما يعرض عليكم من الخصال الثلاث واحدة منها؟
فقال: لو كان ذلك إليّ قبلت.
قال: وخرج من أصحاب الحسين زهير بن القين على فرس له شاك في السلاح، فقال: يا أهل الكوفة، نذار لكم من عذاب الله نذار، إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن أخوة، وعلى دين واحد، وملة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا أمة وأنتم أمة.
إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيِّه لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنا ندعوكم إلى نصره وخذلان الطاغية ابن الطاغية، عبيد الله بن زياد، فإنكم لم تدركوا منهما إلاّ سوء عموم سلطانهما، يسملان أعينكم، ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثلان بكم، ويقتلان أماثلكم وقراءكم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهانئ بن عروة وأشباهه.
قال: فسبوه وأثنوا على ابن زياد ودعوا له، وقالوا: لا ننزع حتى نقتل صاحبك ومن معه.
فقال لهم: إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن أنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، خلّوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية، نذهب حيث شاء، فلعمري إن يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سنة إحدى وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية) (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سنة إحدى وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية) (2)
» سنة إحدى وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية) (3)
» سنة إحدى وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية) (4)
» سنة ست وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية)
» سنة تسع وستين هجري / الجزء الثامن / (البداية والنهاية)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: