ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 فصل دلائل نبوة سيدنا محمد عليه السلام من خلال سيرته وأخلاقه / الجزء السادس / (البداية والنهاية)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

فصل دلائل نبوة سيدنا محمد عليه السلام من خلال سيرته وأخلاقه / الجزء السادس / (البداية والنهاية) Empty
مُساهمةموضوع: فصل دلائل نبوة سيدنا محمد عليه السلام من خلال سيرته وأخلاقه / الجزء السادس / (البداية والنهاية)   فصل دلائل نبوة سيدنا محمد عليه السلام من خلال سيرته وأخلاقه / الجزء السادس / (البداية والنهاية) Emptyالجمعة ديسمبر 25, 2009 2:22 pm

فصل دلائل نبوة سيدنا محمد عليه السلام من خلال سيرته وأخلاقه / الجزء السادس / (البداية والنهاية) Kunooozb0d2ecf41c
فصل دلائل نبوة سيدنا محمد عليه السلام من خلال سيرته وأخلاقه
وسيرة الرسول وأخلاقه، وأقواله، وأفعاله من آياته أي: من دلائل نبوته.
قال: وشريعته من آياته، وأمته من آياته، وعلم أمته من آياته، ودينهم من آياته، وكرامات صالحي أمته من آياته، وذلك يظهر بتدبر سيرته من حين ولد إلى أن بعث، ومن حين بعث إلى أن مات، وتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله، فإنه كان من أشرف أهل الأرض نسبا من صميم سلالة إبراهيم الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من ذريته، وجعل الله له ابنين إسماعيل وإسحاق، وذكر في التوراة هذا وهذا، وبشر في التوراة بما يكون من ولد إسماعيل، ولم يكن من ولد إسماعيل من ظهر فيه ما بشرت به النبوات غيره، ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث الله فيهم رسولا منهم.
ثم الرسول من قريش صفوة بني إبراهيم، ثم من بني هاشم صفوة قريش، ومن مكة أم القرى وبلد البيت الذي بناه إبراهيم ودعا للناس إلى حجه، ولم يزل محجوجا من عهد إبراهيم مذكورا في كتب الأنبياء بأحسن وصف، وكان من أكمل الناس تربية ونشأة، لم يزل معروفا بالصدق، والبر، ومكارم الأخلاق، والعدل، وترك الفواحش والظلم، وكل وصف مذموم، مشهودا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة، ومن آمن به ومن كفر بعد النبوة، ولا يعرف له شيء يعاب به لا في أقواله، ولا في أفعاله، ولا في أخلاقه، ولا جرب عليه كذبة قط، ولا ظلم ولا فاحشة، وقد كان خلقه وصورته من أحسن الصور وأتمها، وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله، وكان أميا من قوم أميين لا يعرف هو ولا هم ما يعرفه أهل الكتاب من التوراة والإنجيل، ولم يقرأ شيئا من علوم الناس، ولا جالس أهلها، ولم يدع النبوة إلى أن أكمل الله له أربعين سنة، فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها، وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره، وأخبر بأمر لم يكن في بلده وقومه من يعرف مثله، ثم اتبعه أتباع الأنبياء وهم ضعفاء الناس، وكذبه أهل الرياسة وعادوه وسعوا في هلاكه، وهلاك من اتبعه بكل طريق، كما كان الكفار يفعلون بالأنبياء وأتباعهم.
والذين اتبعوه لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة، فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم، ولا جهات يوليهم إياها، ولا كان له سيف بل كان السيف والجاه والمال مع أعدائه، وقد آذوا أتباعه أنواع الأذى، وهم صابرون محتسبون لا يرتدون عن دينهم لما خالط قلوبهم من حلاوة الإيمان، والمعرفة، وكانت مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم فيجتمع في الموسم قبائل العرب، فيخرج إليها يبلغهم الرسالة، ويدعوهم إلى الله صابرا على ما يلقاه من تكذيب المكذب، وجفاء الجافي، وإعراض المعرض، إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جيران اليهود وقد سمعوا أخباره منهم، وعرفوه، فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذي يخبرهم به اليهود، وكانوا سمعوا من أخباره أيضا ما عرفوا به مكانته، فإن أمره كان قد انتشر وظهر في بضع عشرة سنة، فآمنوا به، وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى بلدهم وعلى الجهاد معه، فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة، وبها المهاجرون والأنصار ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية، ولا برهبة إلا قليلا من الأنصار أسلموا في الظاهر، ثم حسن إسلام بعضهم، ثم أذن له في الجهاد، ثم أمر به، ولم يزل قائما بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء، لا يحفظ له كذبة واحدة، ولا ظلم لأحد، ولا غدر بأحد، بل كان أصدق الناس وأعدلهم، وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال من حرب وسلم، وأمن وخوف، وغنى وفقر، وقدرة وعجز، وتمكن وضعف، وقلة وكثرة، وظهور على العدو تارة، وظهور العدو تارة، وهو على ذلك كله لازم لأكمل الطرق وأتمها، حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الأوثان، ومن أخبار الكهان، وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق، وسفك الدماء المحرمة، وقطيعة الأرحام لا يعرفون آخرة ولا معادا، فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم.
حتى أن النصارى لما رأوهم حين قدموا الشام قالوا: ما كان الذين صحبوا المسيح أفضل من هؤلاء.
وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض، وآثار غيرهم تعرف العقلاء فرق ما بين الأمرين، وهو مع ظهور أمره وطاعة الخلق له وتقديمهم له على الأنفس والأموال مات ولم يخلف درهما، ولا دينارا، ولا شاة، ولا بعيرا، إلا بغلته وسلاحه، ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهله، وكان بيده عقار ينفق منه على أهله، والباقي يصرفه في مصالح المسلمين، فحكم بأنه لا يورث ولا يأخذ ورثته شيئا من ذلك، وهو في كل وقت يظهر من عجائب الآيات وفنون الكرامات ما يطول وصفه، ويخبرهم بما كان وما يكون، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويشرع الشريعة شيئا بعد شيء، حتى أكمل الله دينه الذي بعثه به، وجاءت شريعته أكمل شريعة لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به، ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه، لم يأمر بشيء فقيل: ليته لم يأمر به، ولا نهى عن شيء فقيل: ليته لم ينه عنه، وأحل لهم الطيبات لم يحرم منها شيئا، كما حرم في شريعة غيره، وحرم الخبائث لم يحل منها شيئا كما استحل غيره، وجمع محاسن ما عليه الأمم فلا يذكر في التوراة والإنجيل والزبور نوع من الخبر عن الله وعن الملائكة وعن اليوم الآخر، إلا وقد جاء به على أكمل وجه، وأخبر بأشياء ليست في الكتب، وليس في الكتب إيجاب لعدل، وقضاء بفضل وندب إلى الفضائل، وترغيب في الحسنات إلا وقد جاء به وبما هو أحسن منه، وإذا نظر اللبيب في العبادات التي شرعها وعبادات غيره من الأمم ظهر له فضلها ورجحانها، وكذلك في الحدود والأحكام، وسائر الشرائع.
وأمته أكمل الأمم في كل فضيلة، وإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم، وإن قيس دينهم وعبادتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم.
وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل الله، وصبرهم على المكاره في ذات الله ظهر أنهم أعظم جهادا وأشجع قلوبا.
وإذا قيس سخاؤهم وبرهم وسماحة أنفسهم بغيرهم ظهر أنهم أسخى وأكرم من غيرهم.
وهذه الفضائل به نالوها، ومنه تعلموها، وهو الذي أمرهم بها لم يكونوا قبل متبعين لكتاب جاء هو بتكميله كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة، فكانت فضائل أتباع المسيح وعلومهم بعضها من التوراة، وبعضها من الزبور، وبعضها من النبوات، وبعضها من المسيح، وبعضها ممن بعده من الحواريين، ومن بعض الحواريين، وقد استعانوا بكلام الفلاسفة وغيرهم، حتى أدخلوا - لما غيروا من دين المسيح - في دين المسيح أمورا من أمور الكفار المناقضة لدين المسيح.
وأما أمة محمد فلم يكونوا قبله يقرؤن كتابا، بل عامتهم ما آمنوا بموسى وعيسى وداود، والتوراة والإنجيل والزبور إلا من جهته، وهو الذي أمرهم أن يؤمنوا بجميع الأنبياء، ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند الله، ونهاهم عن أن يفرقوا بين أحد من الرسل فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به: { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } [البقرة: 136-137] .
وقال تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير * لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } [البقرة: 285-286] .
وأمته عليه السلام لا يستحلون أن يوجدوا شيئا من الدين غير ما جاء به، ولا يبتدعون بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله، لكن ما قصه عليهم من أخبار الأنبياء وأممهم اعتبروا به، وما حدثهم أهل الكتاب موافقا لما عندهم صدقوه، ومالم يعلم صدقه ولا كذبه أمسكوا عنه، وما عرفوا بأنه باطل كذبوه، ومن أدخل في الدين ما ليس منه من أقوال متفلسفة الهند والفرس واليونان، أو غيرهم كان عندهم من أهل الإلحاد والابتداع، وهذا هو الدين الذي كان عليه أصحاب رسول الله ، والتابعون، وهو الذي عليه أئمة الدين الذين لهم في الأمة لسان صدق، وعليه جماعة المسلمين وعامتهم، ومن خرج عن ذلك كان مذموما مدحورا عند الجماعة.
وهو مذهب أهل السنة والجماعة الظاهرين إلى قيام الساعة الذين قال فيهم رسول الله : « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة ».
وقد يتنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الأصل الذي هو دين الرسل عموما ودين محمد خصوصا، ومن خالف في هذا الأصل كان عندهم ملحدا مذموما، ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينا ما قام به أكابر علمائهم وعبادهم، وقاتل عليه ملوكهم ودان به جمهورهم، وهو دين مبتدع ليس هو دين المسيح، ولا دين غيره من الأنبياء، والله سبحانه أرسل رسله بالعلم النافع والعمل الصالح، فمن اتبع الرسل له سعادة الدنيا والآخرة، وإنما دخل في البدع من قصر في اتباع الأنبياء علما وعملا، ولما بعث الله محمدا بالهدى ودين الحق تلقى ذلك عنه المسلمون من أمته، فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد أخذوه عن نبيهم، كما ظهر لكل عاقل أن أمته أكمل الأمم في جميع الفضائل العلمية والعملية، ومعلوم أن كل كمال في الفرع المتعلم هو في الأصل المعلم، وهذا يقتضي أنه عليه السلام كان أكمل الناس علما ودينا، وهذه الأمور توجب العلم الضروري بأنه كان صادقا في قوله: « إني رسول الله إليكم جميعا » لم يكن كاذبا مفتريا، فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو من خيار الناس وأكملهم إن كان صادقا، أو من هو من أشر الناس وأخبثهم إن كان كاذبا، وما ذكر من كمال علمه ودينة يناقض الشر والخبث والجهل.
فتعين أنه متصف بغاية الكمال في العلم، والدين، وهذا يستلزم أنه كان صادقا في قوله: « إني رسول الله إليكم جمعيا » لأن الذي لم يكن صادقا إما أن يكون متعمدا للكذب، أو مخطئا.
والأول يوجب أنه كان ظالما غاويا.
والثاني يقتضي أنه كان جاهلا ضالا.
ومحمد كان علمه ينافي جهله، وكمال دينه ينافي تعمد الكذب، فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن يتعمد الكذب، ولم يكن جاهلا يكذب بلا علم، وإذا انتفى هذا وذاك، تعين أنه كان صادقا عالما بأنه صادق، ولهذا نزهه الله عن هذين الأمرين بقوله تعالى: { والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى } [النجم: 1-4] .
وقال تعالى عن الملك الذي جاء به: { إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين } [التكوير: 19-21] .
ثم قال عنه: { وما صاحبكم بمجنون * ولقد رآه بالأفق المبين * وما هو على الغيب بضنين * وما هو بقول شيطان رجيم * فأين تذهبون * إن هو إلا ذكر للعالمين } [التكوير: 22-27] .
وقال تعالى: { وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين }، إلى قوله: { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } [الشعراء: 192-223] .
بين سبحانه أن الشيطان إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه، فإن الشيطان يقصد الشر وهو الكذب والفجور، ولا يقصد الصدق والعدل، فلا يقترن إلا بمن فيه كذب إما عمدا وإما خطأ وفجورا أيضا، فإن الخطأ في الدين هو من الشيطان أيضا.
كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة: أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه.
فإن رسول الله بريء من تنزل الشياطين عليه في العمد والخطأ، بخلاف غير الرسول فإنه قد يخطئ ويكون خطؤه من الشيطان، وإن كان خطؤه مغفورا له، فإذا لم يعرف له خبرا أخبر به كان فيه مخطئا، ولا أمرا أمر به كان فيه فاجرا، علم أن الشيطان لم ينزل عليه، وإنما ينزل عليه ملك كريم، ولهذا قال في الآية الأخرى عن النبي: { إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين } [الحاقة: 40 -43] .
انتهى ما ذكره، وهذا عين ما أورده بحروفه.
باب دلائل النبوة الحسية
ومن أعظم ذلك كله انشقاق القمر المنير فرقتين قال الله تعالى: { اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر * وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر * ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغن النذر } [القمر: 1-5] .
وقد اتفق العلماء مع بقية الأئمة على أن انشقاق القمر كان في عهد رسول الله - -، وقد وردت الأحاديث بذلك من طرق تفيد القطع عند الأمة.
رواية أنس بن مالك: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر عن قتادة، عن أنس قال: سأل أهل مكة النبي آية، فانشق القمر بمكة فرقتين فقال: « اقتربت الساعة وانشق القمر ».
ورواه مسلم عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق.
وقال البخاري: حدثني عبد الله بن عبد الوهاب، ثنا بشر بن المفضل، ثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شيبان عن قتادة.
ومسلم من حديث شعبة عن قتادة.
رواية جبير بن مطعم:
قال أحمد: حدثنا محمد بن كثير، ثنا سليمان بن كثير عن حصين بن عبد الرحمن، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: انشق القمر على عهد رسول الله فصار فرقتين، فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل.
فقالوا: سحرنا محمد.
فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس، تفرد به أحمد.
ورواية ابن جرير، والبيهقي من طرق عن حصين بن عبد الرحمن به.
رواية حذيفة بن اليمان:
قال أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب، حدثني ابن علية، أنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ، فجاءت الجمعة فحضر أبي، وحضرت معه، فخطبنا حذيفة فقال: إن الله تعالى يقول: « اقتربت الساعة وانشق القمر » ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق.
فقلت لأبي: أتستبق الناس غدا؟
فقال: يا بني إنك لجاهل إنما هو السباق بالأعمال.
ثم جاءت الجمعة الأخرى فحضرها، فخطب حذيفة فقال: ألا إن الله يقول: « اقتربت الساعة وانشق القمر » ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق.
ورواه أبو زرعة الرازي في كتاب دلائل النبوة من غير وجه عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن حذيفة، فذكر نحوه وقال: ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله ، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق، ألا وإن الغاية النار، والسابق من سبق إلى الجنة.
رواية عبد الله بن عباس:
قال البخاري: ثنا يحيى بن بكير، ثنا بكر عن جعفر، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: انشق القمر في زمان النبي .
ورواه البخاري أيضا، ومسلم من حديث بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة به.
طريق أخرى عنه: قال ابن جرير: ثنا ابن مثنى، ثنا عبد الأعلى، ثنا داود ابن أبي هند، عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: « اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر »
قال: قد مضى ذلك، كان قبل الهجرة انشق القمر حتى رأوا شقيه.
وروى العوفي عن ابن عباس نحوا من هذا، وقد روى من وجه آخر عن ابن عباس فقال أبو القاسم الطبراني: ثنا أحمد بن عمرو البزار، ثنا محمد بن يحيى القطيعي، ثنا محمد بن بكير، ثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كسف القمر على عهد رسول الله .
فقالوا: سحر القمر فنزلت: « اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ».
وهذا سياق غريب، وقد يكون حصل للقمر مع انشقاقه كسوف، فيدل على أن انشقاقه إنما كان في ليالي إبداره، والله أعلم.
رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب:
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو العباس الأصم، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا وهب بن جرير عن شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب في قوله: « اقتربت الساعة وانشق القمر » قال: وقد كان ذلك على عهد رسول الله انشق فلقتين، فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل.
فقال رسول الله : « اللهم اشهد ».
وهكذا رواه مسلم، والترمذي من طرق عن شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، قال مسلم: كرواية مجاهد عن أبي معمر، عن ابن مسعود.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
رواية عبد الله بن مسعود:
قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله شقتين حتى نظروا إليه.
فقال رسول الله : « اشهدوا ».
ورواه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة.
وأخرجاه من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة، عن ابن مسعود به.
قال البخاري: وقال أبو الضحى: عن مسروق، عن عبد الله بمكة.
وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده أبو داود الطيالسي في مسنده فقال: حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق بن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله .
فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة.
قال: فقالوا: انظروا ما يأتينا به السفار فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم.
قال: فجاء السفار فقالوا ذلك.
وروى البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن ابن عباس الدوري، عن سعيد بن سليمان، عن هشيم، عن مغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله قال: انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين.
فقالت كفار قريش أهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة، انظروا المسافرين فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم به.
قال: فسئل السفار - وقدموا من كل وجه -.
فقالوا: رأيناه.
ورواه ابن جرير من حديث المغيرة، وزاد فأنزل الله: « اقتربت الساعة وانشق القمر ».
وقال الإمام أحمد: حدثنا مؤمل عن إسرائيل، عن سماك، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول الله حتى رأيت الجبل بين فرقتي القمر.
وروى ابن جرير عن يعقوب الدوري، عن ابن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن ابن مسعود كان يقول: لقد انشق القمر.
ففي صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه كان يقول: خمس قد مضين: الروم، واللزام، والبطشة، والدخان، والقمر، في حديث طويل عنه مذكور في تفسير سورة الدخان.
وقال أبو زرعة في الدلائل: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، حدثنا الوليد عن الأوزاعي، عن ابن بكير قال: انشق القمر بمكة والنبي قبل الهجرة فخر شقتين.
فقال المشركون: سحره ابن أبي كبشة.
وهذا مرسل من هذا الوجه، فهذه طرق عن هؤلاء الجماعة من الصحابة، وشهرة هذا الأمر تغني عن إسناده مع وروده في الكتاب العزيز، وما يذكره بعض القصاص من أن القمر دخل في جيب النبي وخرج من كمه، ونحو هذا الكلام فليس له أصل يعتمد عليه، والقمر في حال انشقاقه لم يزايل السماء، بل انفرق باثنتين وسارت إحداهما حتى صارت وراء جبل حراء، والأخرى من الناحية الأخرى وصار الجبل بينهما، وكلتا الفرقتين في السماء، وأهل مكة ينظرون إلى ذلك، وظن كثير من جهلتهم أن هذا شيء سحرت به أبصارهم، فسألوا من قدم عليهم من المسافرين، فأخبروهم بنظير ما شاهدوه، فعلموا صحة ذلك وتيقنوه.
فإن قيل: فلم لم يعرف هذا في جميع أقطار الأرض؟
فالجواب: ومن ينفي ذلك، ولكن تطاول العهد والكفرة يجحدون بآيات الله، ولعلهم لما أخبروا أن هذا كان آية لهذا النبي المبعوث تداعت آراؤهم الفاسدة على كتمانه وتناسيه على أنه قد ذكر غير واحد من المسافرين أنهم شاهدوا هيكلا بالهند مكتوبا عليه: أنه بني في الليلة التي انشق القمر فيها، ثم لما كان انشقاق القمر ليلا قد يخفى أمره على كثير من الناس لأمور مانعة من مشاهدته في تلك الساعة من غيوم متراكمة كانت تلك الليلة في بلدانهم، ولنوم كثير منهم، أو لعله كان في أثناء الليل حيث ينام كثير من الناس، وغير ذلك من الأمور، والله أعلم.
وقد حررنا هذا فيما تقدم في كتابنا التفسير.
فأما حديث رد الشمس بعد مغيبها، فقد أنبأني شيخنا المسند الرحلة بهاء الدين القاسم بن المظفر بن تاج الأمناء بن عساكر إذنا و قال: أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عساكر المشهور بالنسابة قال: أخبرنا أبو المظفر ابن القشيري، وأبو القاسم المستملي قالا: ثنا أبو عثمان المحبر، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن الدبابعاني بها، أنا محمد بن أحمد بن محبوب.
وفي حديث ابن القشيري: ثنا أبو العباس المحبوبي، ثنا سعيد بن مسعود.
ح قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: وأنا أبو الفتح الماهاني، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد الله ابن منده، أنا عثمان بن أحمد الننسي، أنا أبو أمية محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، ثنا فضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن، زاد أبو أمية بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس.
فقال رسول الله : صليت العصر؟
وقال أبو أمية: صليت يا علي؟
قال: لا.
قال رسول الله وقال أبو أمية: فقال النبي : « اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيك ».
وقال أبو أمية: رسولك، فاردد عليه الشمس.
قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت.
وقد رواه الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات، من طريق أبي عبد الله بن منده، كما تقدم.
ومن طريق أبي جعفر العقيلي: ثنا أحمد بن داود، ثنا عمار بن مطر، ثنا فضيل بن مرزوق فذكره ثم قال: وهذا حديث موضوع، وقد اضطرب الرواة فيه، فرواه سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن علي بن الحسن، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء، وهذا تخليط في الرواية.
قال: وأحمد بن داود ليس بشيء.
قال الدارقطني: متروك كذاب.
وقال ابن حبان: كان يضع الحديث.
وعمار بن مطر قال فيه العقيلي: كان يحدث عن الثقات بالمناكير.
وقال ابن عدي: متروك الحديث.
قال: وفضيل بن مرزوق قد ضعفه يحيى.
قال ابن حبان: يروي الموضوعات، ويخطئ عن الثقات، وبه قال الحافظ ابن عساكر.
قال: وأخبرنا أبو محمد عن طاوس، أنا عاصم بن الحسن، أنا أبو عمرو ابن مهدي، أنا أبو العباس ابن عقدة، ثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا عبد الرحمن بن شريك، حدثني أبي عن عروة بن عبد الله بن قشير قال: دخلت على فاطمة بنت علي فرأيت في عنقها خرزة، ورأيت في يديها مسكيتن غليظتين، - وهي عجوز كبيرة -.
فقلت لها: ما هذا؟
فقالت: إنه يكره للمرأة أن تتشبه بالرجال، ثم حدثتني أن أسماء بنت عميس حدثتها أن علي ابن أبي طالب دفع إلى النبي وقد أوحي إليه، فجلله بثوبه فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس - يقول: غابت، أو كادت أن تغيب - ثم إن نبي الله سري عنه فقال: أصليت يا علي؟
قال: لا.
فقال النبي : « اللهم رد على علي الشمس » فرجعت حتى بلغت نصف المسجد.
قال عبد الرحمن: وقال أبي: حدثني موسى الجهني نحوه.
ثم قال الحافظ ابن عساكر: هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجاهيل.
وقال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي: في الموضوعات.
وقد روى ابن شاهين هذا الحديث عن ابن عقدة فذكره ثم قال: وهذا باطل، والمتهم به ابن عقدة، فإنه كان رافضيا يحدث بمثالب الصحابة.
قال الخطيب: ثنا علي بن محمد بن نصر سمعت حمزة بن يوسف يقول: كان ابن عقدة بجامع براثا يملي مثالب الصحابة، أو قال: الشيخين فتركته.
وقال الدارقطني: كان ابن عقدة رجل سوء.
وقال ابن عدي: سمعت أبا بكر ابن أبي غالب يقول: ابن عقدة لا يتدين بالحديث لأنه كان يحمل شيوخا بالكوفة على الكذب، فيسوي لهم نسخا ويأمرهم أن يرووها، وقد بينا كذبه من عند شيخ بالكوفة.
وقال الحافظ أبو بشر الدولابي في كتابه الذرية الطاهرة: حدثنا إسحاق بن يونس، ثنا سويد بن سعيد، ثنا المطلب بن زياد عن إبراهيم بن حبان، عن عبد الله بن حسن، عن فاطمة بنت الحسين، عن الحسين قال: كان رأس رسول الله في حجر علي وهو يوحى إليه، فذكر الحديث بنحو ما تقدم.
إبراهيم ابن حبان هذا تركه الدارقطني وغيره.
وقال محمد بن ناصر البغدادي الحافظ: هذا الحديث موضوع.
قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: وصدق ابن ناصر.
وقال ابن الجوزي: وقد رواه ابن مردويه من طريق حديث داود بن واهج عن أبي هريرة قال: نام رسول الله ورأسه في حجر علي ولم يكن صلى العصر حتى غربت الشمس، فلما قام رسول الله دعا له فردت عليه الشمس حتى صلى، ثم غابت ثانية.
ثم قال: وداود ضعفه شعبة.
ثم قال ابن الجوزي: ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضله ولم يتلمح عدم الفائدة، فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس صارت قضاء، فرجوع الشمس لا يعيدها أداء.
وفي الصحيح عن رسول الله : « أن الشمس لم تحبس على أحد إلا ليوشع ».
قلت: هذا الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه، فلا تخلو واحدة منها عن شيعي ومجهول الحال، وشيعي ومتروك، ومثل هذا الحديث لا يقبل فيه خبر واحد إذا اتصل سنده، لأنه من باب ما تتوفر الدواعي على نقله، فلا بد من نقله بالتواتر والاستفاضة لا أقل من ذلك، ونحن لا ننكر هذا في قدرة الله تعالى، وبالنسبة إلى جناب رسول الله فقد ثبت في الصحيح أنها ردت ليوشع بن نون، وذلك يوم حاصر بيت المقدس، واتفق ذلك في آخر يوم الجمعة، وكانوا لا يقاتلون يوم السبت فنظر إلى الشمس وقد تنصفت للغروب فقال: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي، فحبسها الله عليه، حتى فتحوها، ورسول الله أعظم جاها وأجل منصبا، وأعلى قدرا من يوشع بن نون، بل من سائر الأنبياء على الأجرام، ولكن لا نقول إلا ما صح عندنا عنه، ولا نسند إليه ما ليس بصحيح، ولو صح لكنا من أول القائلين به والمعتقدين له، وبالله المستعان.
وقال الحافظ أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري في كتابه إثبات إمامة أبي بكر الصديق: فإن قال قائل من الروافض: إن أفضل فضيلة لأبي الحسن وأدل دليل على إمامته ما روي عن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله يوحى إليه ورأسه في حجر علي ابن أبي طالب، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس.
فقال رسول الله لعلي: « صليت؟ »
قال: لا.
فقال رسول الله: « اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس ».
قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت.
قيل له: كيف لنا لو صح هذا الحديث فنحتج على مخالفينا من اليهود والنصارى، ولكن الحديث ضعيف جدا لا أصل له، وهذا مما كسبت أيدي الروافض، ولو ردت الشمس بعد ما غربت لرآها المؤمن والكافر، ونقلوا إلينا أن في يوم كذا من شهر كذا في سنة كذا ردت الشمس بعد ما غربت.
ثم يقال للروافض: أيجوز أن ترد الشمس لأبي الحسن حين فاتته صلاة العصر، ولا ترد لرسول الله ولجميع المهاجرين والأنصار وعلي فيهم حين فاتتهم صلاة الظهر، والعصر، والمغرب يوم الخندق؟
قال: وأيضا مرة أخرى عرس رسول الله - - بالمهاجرين والأنصار حين قفل من غزوة خيبر فذكر نومهم عن صلاة الصبح، وصلاتهم لها بعد طلوع الشمس قال: فلم يرد الليل على رسول الله وعلى أصحابه قال: ولو كان هذا فضلا أعطيه رسول الله وما كان الله ليمنع رسوله شرفا وفضلا - يعني: أعطيه علي ابن أبي طالب -.
ثم قال: وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: قلت لمحمد بن عبيد الطنافسي: ما تقول فيمن يقول: رجعت الشمس على علي ابن أبي طالب حتى صلى العصر؟
فقال: من قال هذا فقد كذب.
وقال إبراهيم ابن يعقوب: سألت يعلى بن عبيد الطنافسي قلت: إن ناسا عندنا يقولون إن عليا وصي رسول الله ، ورجعت الشمس.
فقال: كذب هذا كله.
فصل إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة
أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني يصنف فيه تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس وقال: قد روي ذلك من طريق أسماء بنت عميس، وعلي ابن أبي طالب، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، ثم رواه من طريق أحمد بن صالح المصري، وأحمد بن الوليد الأنطاكي، والحسن بن داود، ثلاثتهم عن محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك، وهو ثقة، أخبرني محمد بن موسى الفطري المدني وهو ثقة أيضا عن عون بن محمد قال - وهو ابن محمد بن الحنفية - عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر ابن أبي طالب، عن جدتها أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى الظهر بالصهباء من أرض خيبر، ثم أرسل عليا في حاجة، فجاء وقد صلى رسول الله العصر، فوضع رأسه في حجر علي ولم يحركه حتى غابت غربت الشمس.
فقال رسول الله : « اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه فرد عليه شرقها ».
قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى رفعت على الجبال، فقام علي فتوضأ، وصلى العصر، ثم غابت الشمس.
وهذا الإسناد فيه من يجهل حاله، فإن عونا هذا وأمه لا يعرف أمرهما بعدالة وضبط يقبل بسببهما خبرهما، فيما دون هذا المقام، فكيف يثبت بخبرهما هذا الأمر العظيم الذي لم يروه أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن ولا المسانيد المشهورة، فالله أعلم، ولا ندري أسمعت أم هذا من جدتها أسماء بنت عميس أو لا.
ثم أورده هذا النص من طريق الحسين بن الحسن الأشقر، وهو شيعي جلد وضعفه غير واحد عن الفضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسين بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسين الشهيد، عن أسماء بنت عميس، فذكر الحديث.
قال: وقد رواه عن فضيل بن مرزوق جماعة منهم: عبيد الله بن موسى، ثم أورده من طريق أبي جعفر الطحاوي من طريق عبد الله، وقد قدمنا روايتنا له من حديث سعيد بن مسعود، وأبي أمية الطرسوسي، عن عبيد الله بن موسى العبسي وهو من الشيعة، ثم أورده هذا النص من طريق أبي جعفر العقيلي عن أحمد بن داود، عن عمار بن مطر، عن فضيل بن مرزوق والأغر الرقاشي.
ويقال: الرواسي أبو عبد الرحمن الكوفي مولى بني عنزة.
وثقه الثوري وابن عيينة.
وقال أحمد: لا أعلم إلا خيرا.
وقال ابن معين: ثقة.
وقال مرة: صالح، ولكنه شديد التشيع.
وقال مرة: لا بأس به.
وقال أبو حاتم: صدوق، صالح الحديث، يهم كثيرا، يكتب حديثه، ولا يحتج به.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: يقال: إنه ضعيف.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال ابن عدي: أرجو أن لا بأس به.
وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا، كان يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات، وقد روى له مسلم وأهل السنن الأربعة.
فمن هذه ترجمته لا يتهم بتعمد الكذب، ولكنه قد يتساهل، ولا سيما فيما يوافق مذهبه فيروي عمن لا يعرفه، أو يحسن به الظن فيدلس حديثه ويسقطه، ويذكر شيخه، ولهذا قال في هذا الحديث الذي يجب الاحتراز فيه، وتوقي الكذب فيه: عن بصيغة التدليس، ولم يأت بصيغة التحديث، فلعل بينهما من يجهل أمره على أن شيخه هذا - إبراهيم بن الحسن بن علي ابن أبي طالب - ليس بذلك المشهور في حاله، ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب المعتمدة، ولا روى عنه غير الفضيل بن مرزوق هذا، ويحيى بن المتوكل، قاله أبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، ولم يتعرضا لجرح ولا تعديل.
وأما فاطمة بنت الحسين ابن علي ابن أبي طالب - وهي أخت زين العابدين - فحديثها مشهور، روى لها أهل السنن الأربعة، وكانت فيمن قدم بها مع أهل البيت بعد مقتل أبيها إلى دمشق، وهي من الثقات، ولكن لا يدري أسمعت هذا الحديث من أسماء أم لا، فالله أعلم.
ثم رواه هذا المصنف من حديث أبي حفص الكناني: ثنا محمد بن عمر القاضي هو الجعابي، حدثني محمد بن القاسم بن جعفر العسكري من أصل كتابه، ثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم، ثنا خلف بن سالم، ثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري عن أشعث أبي الشعثاء، عن أمه، عن فاطمة - يعني: بنت الحسين -، عن أسماء أن رسول الله دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس.
وهذا إسناد غريب جدا، وحديث عبد الرزاق وشيخه الثوري محفوظ عند الأئمة لا يكاد يترك منه شيء من المهمات، فكيف لم يرو عن عبد الرزاق مثل هذا الحديث العظيم، إلا خلف بن سالم بما قبله من الرجال الذين لا يعرف حالهم في الضبط والعدالة كغيرهم، ثم إن أم أشعث مجهولة، فالله أعلم.
ثم ساقه هذا النص من طريق محمد بن مرزوق، ثنا حسين الأشقر - وهو شيعي وضعيف كما تقدم - عن علي بن هاشم بن الثريد - وقد قال فيه ابن حبان: كان غاليا في التشيع يروي المناكير عن المشاهير - عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن علي بن الحسين بن الحسن، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء بنت عميس فذكره، وهذا إسناد لا يثبت.
ثم أسنده من طريق عبد الرحمن بن شريك عن أبيه، عن عروة بن عبد الله، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء بنت عميس فذكر الحديث كما قدمنا إيراده من طريق ابن عقدة عن أحمد بن يحيى الصوفي، عن عبد الرحمن بن شريك، عن عبد الله النخعي.
وقد روى عنه البخاري في كتاب الأدب وحدث عنه جماعة من الأئمة.
وقال فيه أبو حاتم الرازي: كان واهي الحديث.
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال: ربما أخطأ، وأرخ ابن عقدة وفاته سنة سبع وعشرين ومائتين.
وقد قدمنا أن الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي قال: إنما أتهم بوضعه أبا العباس ابن عقدة، ثم أورد كلام الأئمة فيه بالطعن والجرح، وأنه كان يسوي النسخ للمشايخ فيرويهم إياها، والله أعلم.
قلت: في سياق هذا الإسناد عن أسماء أن الشمس رجعت حتى بلغت نصف المسجد، وهذا يناقض ما تقدم من أن ذلك كان بالصهباء من أرض خيبر، ومثل هذا يوجب توهين الحديث وضعفه والقدح فيه، ثم سرده من حديث محمد بن عمر القاضي الجعابي، ثنا علي بن العباس بن الوليد، ثنا عبادة بن يعقوب الرواجي، ثنا علي بن هاشم عن صباح، عن عبد الله بن الحسن - أبي جعفر -، عن حسين المقتول، عن فاطمة، عن أسماء بنت عميس قالت: لما كان يوم شغل علي لمكانه من قسم المغنم حتى غربت الشمس، أو كادت.
فقال رسول الله : « أما صليت؟ »
قال: لا، فدعا الله فارتفعت الشمس حتى توسطت السماء، فصلى علي فلما غربت الشمس سمعت لها صريرا كصرير الميشار في الحديد.
وهذا أيضا سياق مخالف لما تقدم من وجوه كثيرة، مع أن إسناده مظلم جدا، فإن صباحا هذا لا يعرف، وكيف يروي الحسين بن علي المقتول شهيدا عن واحد عن واحد، عن أسماء بنت عميس؟ هذا تخبيط إسنادا ومتنا، ففي هذا أن عليا شغل بمجرد قسم الغنيمة، وهذا لم يقله أحد، ولا ذهب إلى جواز ترك الصلاة لذلك ذاهب، وإن كان قد جوز بعض العلماء تأخير الصلاة عن وقتها لعذر القتال كما حكاه البخاري عن مكحول، والأوزاعي، وأنس بن مالك في جماعة من أصحابه، واحتج لهم البخاري بقصة تأخير الصلاة يوم الخندق، وأمره - عليه السلام أن لا يصلي أحد منهم العصر إلا في بني قريظة، وذهب جماعة من العلماء إلى أن هذا نسخ بصلاة الخوف.
والمقصود: أنه لم يقل أحد من العلماء إنه يجوز تأخير الصلاة بعذر قسم الغنيمة، حتى يسند هذا إلى صنيع علي رضي الله عنه وهو الراوي عن رسول الله أن الوسطى هي العصر، فإن كان هذا ثابتا على ما رواه هؤلاء الجماعة، وكان علي متعمدا لتأخير الصلاة لعذر قسم الغنيمة وأقره عليه الشارع صار هذا وحده دليلا على جواز ذلك، ويكون أقطع في الحجة مما ذكره البخاري، لأن هذا بعد مشروعية صلاة الخوف قطعا، لأنه كان بخيبر سنة سبع، وصلاة الخوف شرعت قبل ذلك، وإن كان علي ناسيا حتى ترك الصلاة إلى الغروب فهو معذور، فلا يحتاج إلى رد الشمس بل وقتها بعد الغروب، والحالة هذه إذن كما ورد به الحديث، والله أعلم.
وهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث، ثم إن جعلناه قضية أخرى وواقعة غير ما تقدم، فقد تعدد رد الشمس غير مرة، ومع هذا لم ينقله أحد من أئمة العلماء، ولا رواه أهل الكتب المشهورة، وتفرد بهذه الفائدة هؤلاء الرواة الذين لا يخلو إسناد منها عن مجهول ومتروك ومتهم، والله أعلم.
ثم أورد هذا النص من طريق أبي العباس بن عقدة، حدثنا يحيى بن زكريا، ثنا يعقوب بن سعيد، ثنا عمرو بن ثابت قال: سألت عبد الله بن حسن بن حسين بن علي ابن أبي طالب عن حديث رد الشمس على علي ابن أبي طالب هل يثبت عندكم؟
فقال لي: ما أنزل الله في كتابه أعظم من رد الشمس.
قلت: صدقت جعلني الله فداك، ولكني أحب أن أسمعه منك.
فقال: حدثني أبي الحسن، عن أسماء بنت عميس أنها قالت: أقبل علي ابن أبي طالب ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله ، فوافق رسول الله قد انصرف، ونزل عليه الوحي فأسنده إلى صدره، فلم يزل مسنده إلى صدره حتى أفاق رسول الله - - فقال: « أصليت العصر يا علي؟ »
قال: جئت والوحي ينزل عليك فلم أزل مسندك إلى صدري حتى الساعة.
فاستقبل رسول الله القبلة - وقد غربت الشمس - وقال: « اللهم إن عليا كان في طاعتك، فارددها عليه ».
قالت أسماء: فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحى حتى كانت في موضعها وقت العصر، فقام علي متمكنا فصلى، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى، اختلط الظلام وبدت النجوم.
وهذا منكر أيضا إسنادا ومتنا، وهو مناقض لما قبله من السياقات، وعمرو بن ثابت هذا هو المتهم بوضع هذا الحديث أو سرقته من غيره، وهو عمرو بن ثابت بن هرمز البكري، الكوفي مولى بكر بن وائل، ويعرف بعمرو بن المقدام الحداد، روى عن غير واحد من التابعين، وحدث عنه جماعة منهم سعيد بن منصور، وأبو داود، وأبو الوليد الطيالسيان.
قال: تركه عبد الله بن المبارك وقال: لا تحدثوا عنه فإنه كان يسب السلف، ولما مرت به جنازته توارى عنها.
وكذلك تركه عبد الرحمن بن مهدي.
وقال أبو معين والنسائي: ليس بثقة، ولا مأمون، ولا يكتب حديثه.
وقال مرة أخرى هو، وأبو زرعة، وأبو حاتم: كان ضعيفا.
زاد أبو حاتم: وكان رديء الرأي، شديد التشيع، لا يكتب حديثه.
وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم.
وقال أبو داود: كان من شرار الناس، كان رافضيا - قال هنا: - ولما مات لم أصل عليه، لأنه قال لما مات رسول الله : كفر الناس إلا خمسة، وجعل أبو داود يذمه.
وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات.
وقال ابن عدي: والضعف على حديثه بين، وأرخوا وفاته في سنة سبع وعشرين ومائة.
ولهذا قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: وكان عبد الله بن حسن وأبوه أجل قدرا من أن يحدثا بهذا الحديث.
قال: هذا المصنف المنصف.
وأما حديث أبي هريرة فأخبرنا عقيل بن الحسن العسكري، أنا أبو محمد صالح بن الفتح النسائي، ثنا أحمد بن عمير بن حوصاء، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه، ثنا داود بن فراهيج، وعن عمارة بن برد، وعن أبي هريرة فذكره وقال: اختصرته من حديث طويل، وهذا إسناد مظلم، ويحيى ابن يزيد وأبوه وشيخه داود بن فراهيج كلهم مضعفون، وهذا هو الذي أشار ابن الجوزي إلى أن ابن مردويه رواه من طريق داود ابن فراهيج عن أبي هريرة، وضعف داود هذا شعبة والنسائي وغيرهما، والذي يظهر أن هذا مفتعل من بعض الرواة، أو قد دخل على أحدهم وهو لا يشعر، والله أعلم.
قال: وأما حديث أبي سعيد فأخبرنا محمد بن إسماعيل الجرجاني كتابة أن أبا طاهر محمد بن علي الواعظ أخبرهم، أنا محمد بن أحمد بن متيم، أنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب، حدثني أبي عن أبيه محمد، عن أبيه عبد الله، عن أبيه عمر قال: قال الحسين بن علي: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: دخلت على رسول الله - - فإذا رأسه في حجر علي، وقد غابت الشمس فانتبه النبي وقال: « يا علي أصليت العصر؟ »
قال: لا يا رسول الله ما صليت، كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع.
فقال رسول الله: « يا علي! ادع يا علي أن ترد عليك الشمس ».
فقال علي: يا رسول الله ادع أنت، وأنا أؤمن.
فقال: « يا رب إن عليا في طاعتك، وطاعة نبيك، فاردد عليه الشمس ».
قال أبو سعيد: فوالله لقد سمعت للشمس صريرا كصرير البكرة حتى رجعت بيضاء نقية، وهذا إسناد مظلم أيضا ومتنه منكر، ومخالف لما تقدمه من السياقات، وكل هذا يدل على أنه موضوع مصنوع مفتعل يسرقه هؤلاء الرافضة بعضهم من بعض، ولو كان له أصل من رواية أبي سعيد لتلقاه عنه كبار أصحابه، كما أخرجا في الصحيحين من طريقه حديث قتال الخوارج، وقصة المخدج، وغير ذلك من فضائل علي.
قال: وأما حديث أمير المؤمنين علي: فأخبرنا أبو العباس الفرغاني، أنا أبو الفضل الشيباني، ثنا رجاء بن يحيى الساماني، ثنا هارون بن سعدان بسامرا سنة أربعين ومائتين، ثنا عبد الله بن عمرو بن الأشعث عن داود بن الكميت، عن عمه المستهل بن زيد، عن أبيه زيد بن سلهب، عن جويرية بنت شهر قالت: خرجت مع علي ابن أبي طالب.
فقال: يا جويرية إن رسول الله كان يوحى إليه، ورأسه في حجري، فذكر الحديث.
وهذا الإسناد مظلم، وأكثر رجاله لا يعرفون، والذي يظهر والله أعلم أنه مركب مصنوع مما عملته أيدي الروافض، ولعن من كذب على رسول الله وعجل له ما توعده الشارع من العذاب والنكال حيث قال وهو الصادق في المقال: « من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ».
وكيف يدخل في عقل أحد من أهل العلم أن يكون هذا الحديث يرويه علي ابن أبي طالب وفيه منقبة عظيمة له دلالة معجزة باهرة لرسول الله ثم لا يروى عنه إلا بهذا الإسناد المظلم، المركب على رجال لا يعرفون، وهل لهم وجود في الخارج أم لا، الظاهر والله أعلم لا، ثم هو عن امرأة مجهولة العين والحال، فأين أصحاب علي الثقات، كعبيدة السلماني، وشريح القاضي، وعامر الشعبي، وأضرابهم، ثم في ترك الأئمة كمالك، وأصحاب الكتب الستة، وأصحاب المسانيد، والسنن، والصحاح، والحسان، رواية هذا الحديث وإيداعه في كتبهم أكبر دليل على أنه لا أصل له عندهم، وهو مفتعل مأفوك بعدهم.
وهذا أبو عبد الرحمن النسائي قد جمع كتابا في خصائص علي ابن أبي طالب ولم يذكره، وكذلك لم يروه الحاكم في مستدركه، وكلاهما ينسب إلى شيء من التشيع، ولا رواه من رواه من الناس المعتبرين إلا على سبيل الاستغراب والتعجب، وكيف يقع مثل هذا نهارا جهرة وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، ثم لا يروى إلا من طرق ضعيفة منكرة وأكثرها مركبة موضوعة، وأجود ما فيها ما قدمناه من طريق أحمد بن صالح المصري عن ابن أبي فديك، عن محمد بن موسى الفطري، عن عون بن محمد، عن أمه أم جعفر، عن أسماء على ما فيها من التعليل الذي أشرنا إليه فيما سلف، وقد اغتر بذلك أحمد بن صالح رحمه الله ومال إلى صحته، ورجح ثبوته.
قال الطحاوي في كتابه مشكل الحديث عن علي بن عبد الرحمن، عن أحمد بن صالح المصري أنه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء في رد الشمس لأنه من علامات النبوة.
وهكذا مال إليه أبو جعفر الطحاوي أيضا فيما قيل.
ونقل أبو القاسم الحسكاني هذا عن أبي عبد الله البصري المتكلم المعتزلي أنه قال: عود الشمس بعد مغيبها آكد حالا فيما يقتضي نقله، لأنه وإن كان فضيلة لأمير المؤمنين فإنه من أعلام النبوة، وهو مقارن لغيره في فضائله في كثير من أعلام النبوة.
وحاصل هذا الكلام يقتضي أنه كان ينبغي أن ينقل هذا نقلا متواترا، وهذا حق لو كان الحديث صحيحا، ولكنه لم ينقل كذلك، فدل على أنه ليس بصحيح في نفس الأمر، والله أعلم.
قلت: والأئمة في كل عصر ينكرون صحة هذا الحديث ويردونه، ويبالغون في التشنيع على رواته، كما قدمنا عن غير واحد من الحفاظ: كمحمد، ويعلى بن عبيد الطنافسيين، وكإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني خطيب دمشق، وكأبي بكر محمد بن حاتم البخاري المعروف بابن زنجويه، وكالحافظ أبي القاسم بن عساكر، والشيخ أبي الفرج ابن الجوزي وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين، وممن صرح بأنه موضوع شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي، والعلامة أبو العباس ابن تيمية.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: قرأت على قاضي القضاة أبي الحسن محمد بن صالح الهاشمي، ثنا عبد الله بن الحسين بن موسى، ثنا عبد الله بن علي بن المديني قال: سمعت أبي يقول: خمسة أحاديث يروونها ولا أصل لها عن رسول الله : حديث لو صدق السائل ما أفلح من رده، وحديث لا وجع إلا وجع العين، ولا غم إلا غم الدين، وحديث أن الشمس ردت على علي ابن أبي طالب، وحديث أنا أكرم على الله من أن يدعني تحت الأرض مائتي عام، وحديث أفطر الحاجم والمحجوم إنهما كانا يغتابان.
والطحاوي رحمه الله وإن كان قد اشتبه عليه أمره، فقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله إنكاره، والتهكم بمن رواه.
قال أبو العباس بن عقدة: ثنا جعفر بن محمد بن عمير، ثنا سليمان بن عباد سمعت بشار بن دراع قال: لقي أبو حنيفة محمد بن النعمان فقال: عمن رويت حديث رد الشمس؟
فقال: عن غير الذي رويت عنه يا سارية الجبل.
فهذا أبو حنيفة رحمه الله وهو من الأئمة المعتبرين، وهو كوفي لا يتهم على حب علي ابن أبي طالب، وتفضيله بما فضله الله به ورسوله، وهو مع هذا منكر على راويه، وقول محمد بن النعمان له ليس بجواب بل مجرد معارضة بما لا يجدي، أي: أنا رويت في فضل علي هذا الحديث، وهو وإن كان مستغربا فهو في الغرابة نظير ما رويته أنت في فضل عمر بن الخطاب في قوله: يا سارية الجبل، وهذا ليس بصحيح، من محمد ابن النعمان فإن هذا ليس كهذا، إسنادا ولا متنا، وأين مكاشفة إمام قد شهد الشارع له بأنه محدث بأمر خبر من رد الشمس طالعة بعد مغيبها الذي هو أكثر علامات الساعة؟ والذي وقع ليوشع بن نون ليس ردا للشمس عليه، بل حبست ساعة قبل غروبها بمعنى تباطأت في سيرها حتى أمكنهم الفتح، والله تعالى أعلم.
وتقدم ما أورده هذا النص من طرق هذا الحديث عن علي، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأسماء بنت عميس، وقد وقع في كتاب أبي بشر الدولابي في الذرية الطاهرة من حديث الحسين بن علي، والظاهر أنه عنه عن أبي سعيد الخدري كما تقدم، والله أعلم.
وقد قال شيخ الرافضة جمال الدين يوسف بن الحسن الملقب باب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فصل دلائل نبوة سيدنا محمد عليه السلام من خلال سيرته وأخلاقه / الجزء السادس / (البداية والنهاية)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» باب تكثير سيدنا محمد عليه السلام الأطعمة / الجزء السادس / (البداية والنهاية)
» باب زهد سيدنا محمد عليه السلام وإعراضه عن هذه الدار / الجزء السادس / (البداية والنهاية)
» قصة جابر ودين أبيه وتكثير سيدنا محمد عليه السلام التمر / الجزء السادس / (البداية والنهاية)
» فصل في شجاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم / الجزء السادس / (البداية والنهاية)
» إخبار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمقتل علي ابن أبي طالب / الجزء السادس / (البداية والنهاية)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: