بعد تأكيد اتفاق مكة المكرمة للوفاق الوطني بتاريخ 19ـ21/محرم/1428هـ ـ 6ـ 8/2/2007م على تحريم الدم الفلسطيني وضرورة اتخاذ كافة الإجراءات والترتيبات التي تحول دون إراقته, مع التأكيد على اهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود الوطني , ويقضي الاتفاق الذي وقعه الرئيس محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ورئيس الوزراء اسماعيل هنية على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية وفق اتفاق تفصيلي معتمد بين الطرفين والشروع العاجل في اتخاذ الإجراءات الدستورية لتشكيلها 0
ولكن اتفاق مكة، وحكومة الوحدة الوطنية التي قامت على أساسه، لم يشكل منذ البداية، اتفاقاً يقدم برنامجاً منسجماً قادراً على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وإنما هو أشبه بصلح عشائري، ومجرد هدنة قامت على تقارب وتعايش بين برنامجين مختلفين، وبين قوتين متوازيتين تشعر كل واحدة منهما أنها أحق بالانفراد بالسلطة وبالقرار الفلسطيني، وأنها قادرة على تحقيق هذا الهدف، ولو بعد حين وانه كان اتفافا ثنائيا متجاهلين باقي الفصائل الفلسطينية وكأن القضية الفلسطينية باتت بين قوسين بين حماس وفتح .
وعقب الإعلان عن الاتفاق على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بمكة المكرمة ابتهج المواطنون في انحاء مختلفة في قطاع غزة والضفة الغربية وخرجوا في مسيرات عفوية رغم برودة الطقس الشديدة
وسار آلاف المواطنين رجالا ونساء وأطفالا حاملين الأعلام الفلسطينية ورددوا الشعارات المؤيدة للاتفاق ولحكومة الوحدة الوطنية ولوقف الاقتتال وحقن الدم الفلسطيني , وأخذ مسلحون من مختلف الفصائل بإطلاق الأعيرة النارية والمفرقعات والأسهم النارية في الهواء فيما علت أصوات أبواق السيارات , وقد تبادل الجميع بحمل الأعلام الفصائلية وخاصة بين فتح وحماس 0
ولكن للأسف اصبح قطاع غزة يتداعى رويداً رويداً.. ينهار.. يقع صريعاً لفوضى الموت والقتل المجنون بين منتسبي الأذرع العسكرية التابعة لحركتي حماس وفتح،
لكن المصيبة والفاجعة أن الانهيار لاتفاق مكة تأتي عشية ذكرى النكبة التاسعة والخمسين، فتصبح نكبة الشعب العربي الفلسطيني نكبتين وكارثتين، وتمنح سلطات الاحتلال الإسرائيلي الفرصة لالتقاط الأنفاس، وتنفس الصعداء لان أجواء الاقتتال عادت للساحة الفلسطينية، وهذا يعفي من أي جهد عسكري، لان الفلسطينيين كفيلون به.
بيد أن الـمسألة الرئيسية هي في أن طرفي محاصصة مكة لـم تتوفر لديهما لا الإرادة السياسية ولا الرغبة مدعومة بالـمصلحة لوضع حد لحالة التدهور الأمني الذي وصل إلى درجة الانهيار الكامل، بل على العكس من ذلك فإن الرغبة والإرادة الـمتوفرة هي الـمضي فيما يعتقدان انه يمكن حسمه بالقوة على الأرض.
فكلا طرفي محاصصة مكة مازالت لديه أوهام بإمكانية ما لـم يتم حسمه على طاولة الوفاق والاتفاق سواء في مكة أو غزة، من الـممكن الحصول عليه وحسمه بالقوة وعلى قاعدة فرض الوقائع الـمادية على الأرض، ما يعني بكل وضوح أن اتفاق مكة لـم يفتح الطريق أمام شراكة سياسية بين الطرفين من الـممكن ان تنقل النظام السياسي الفلسطيني إلى حالة من التوازن، وتترك فيه إمكانية حسم باقي القضايا عبر الحوار الديمقراطي أو صناديق الاقتراع.
لقد فشلت عقلية ومنهج الـمحاصصة الثنائية بين القطبين لإرساء أسس للشراكة وبدلا من التوصل إلى برنامج موحد وواحد لـمعالجة القضايا الداخلية وعلى رأسها قضية الفلتان والتدهور الأمني الذي بدا جراء استفحاله انه لا يهدد بقاء الحكومة الحالية ويضع علامة استفهام كبيرة على مستقبلها، بل بات يهدد الـمشروع الوطني الفلسطيني برمته، خاصة في ظل فشل الحكومة أو عدم قدرتها على فك العزلة السياسية والحصار الـمالي، وبالتالي تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية لدى أوساط واسعة من فئات وطبقات الشعب الفلسطيني.
لقد أكدت الأحداث وبالـملـموس أن اتفاق مكة وحكومة الائتلاف البرلـماني التي نجمت عنه لـم تضع برنامجا موحدا ومشتركا بل صاغت شكلا من أشكال التعايش بين برنامجين ونهجين مختلفين، لا يمكنهما من خلق مقومات مناخ من الاستقرار والتركيز على ضمان تطبيق سيادة القانون ووقف مظاهر الفوضى والفلتان ومساءلة ومحاسبة المسئولين عنها بما يضمن حماية مصالح كافة الـمواطنين وحقوقهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية من جهة وقادر في نفس الوقت على مواجهة الحصار ونتائجه من جهة ثانية. كما انه انعكس شللا على كافة الـمؤسسات والوزارات، بما في ذلك الـمجلس التشريعي الذي غيب او تغيب بقرار سياسي نتيجة حسابات ضيقة، ما اضعف دوره الرقابي والـمحاسبي على الحكومة وأجهزتها التنفيذية.
بقلم/ عمر حلمي الغول
فإن سجال المشاريع التصفوية الدائرة في غزة التي أصبحت بؤرة الخلاف الفصائلي المستمر إنما يرسخ شهوة الإنتقام والثأر في حرب ضروس في بلد مطحون في سياق صراع على مناصب هلامية لقادة يتلاهون بمصائر البلاد والعباد بأياد مرتزقة لا تصوب السلاح إلا نحو صدور الاخوة والاشقاء.