الإصلاح الديني

موضوع: الإصلاح الديني السبت يناير 16, 2010 1:54 am

الإصلاح الديني
يمكن وصف القرن التاسع عشر في تاريخ العرب والمسلمين بأنه عصر الدعوة إلى الإصلاح الديني وعصر الأئمة والعلماء الكبار والتي قامت دعوتهم على السلفية الدينية بالعودة الى منابع الإسلام الأولى وأصوله والعقلانية الإسلامية
باستخدام العقل والتجدد الذاتي والنظر الى الحضارة الغربية من موقع مستقل غير تابع ومن هؤلاء :-
رفاعة الطهطاوي (1216-1290هـ/1801-1873م)
كان الطهطاوي أول من ترددت في كتاباته كلمات الوطنية وحب الوطن من الإيمان أي أن حب الوطن هو فرع من فروع الإيمان وشعره تعود كبرياؤه الوطنية إلى مصر 0
ون هنا سلط الأضواء على الديمقراطية والدستور والمؤسسات النيابية وسيادة القانون وأبرز دور الجماهير في الثورة على الملوك والحكام المستبدين 0
خير الدين التونسي (1225-1308هـ-1810-1890م)
على نهج مماثل للطهطاوي حيث سار في نهجه الإصلاحي وقد مارسه من خلال المناصب العليا التي تقلدها في تونس ومنها الحكومة وإليه يعود الفضل في إعلان الدستور أول دستور في بلد عربي 0
سجل التونسي في كتابه الوحيد (أقوم المسالك في معرفة الممالك) وقد كتبه بعد الزيارات التي قام بها مطولا لمعظم الدول الأوروبية 0
جمال الدين الأفغاني (محمد بن صفدر)(1254-1315هـ/1838-1897م)
من المسلم به ان جمال الدين الأفغاني هو الباعث الحقيقي للنهضة الإصلاحية الحديثة في الدين والسياسة فهو الرجل الذي ناضل تحت شعارات الجامعة الإسلامية في عصر ازدهار القوميات 0
ومن ابرز آثار الأفغاني الفكرية جريدة (العروة الوثقى) التي أصدرها من باريس مع الشيخ محمد عبده سنة 1884م وقد نشر منها ثمانية عشر عددا حملت مقالاته وآراءه في الخدمة الإسلامية 0
محمد عبده (1266-1323هـ/1849-1905م)
قال الإمام محمد عبده لمآ مات استاذه ورفيقه الأفغاني (إن والي اعطاني حياة يشاركني فيها اخوتي علي ومحروس والسيد جمال الدين الأفغاني اعطاني حياة اشارك بها ابراهيم ومحمد وموسى وعيسى والأولياء والقديسين والوقع ان والده العطاه اكثر من نعمة الحياة فقد هداه الى درب العلم ذلك بأن محمد عبده الفتى كان قد كره العلم لرداءة التعليم الأحمدي في طنطا وأقنع نفسه بأن الزراعة اجدى من طلب العلم 0
غير ان اباه امره بالعودة الى طنطا لتلقي العلم وما كان امامه إلا الإمتثال لأمر والده وقد نال محمد عبده الأفغاني ا لشهادة العالية من الأزهر الشريف 0
ويعتبرالشيخ مجمد عبده من اكثر رجال الدين حماسة لتفهم القرآن الكريم على صور مستجدات الفكر المعاصر 0
ومن ابرز اعماله الفكرية فتاويه الدينية وقيامه بتحقيق روائع التراث الإسلامي وأهمها (نهج البلاغة للإمام علي بن ابي طالب ومقامات بديع الزمان الهمذاني فهو رائد للمحققين العرب في العصر الحديث 0
أصبح الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية سنة1899م كما اصبح خليفة الأفغاني بين علماء الجامعة الإسلامية ورجالها 0
عبد الرحمن الكواكبي (1265-1320هـ/1849- 1905م)
تقدم الكواكبي على جميع العلماء والمصلحين الدينين في القرن التاسع عشر بأنه كان أول من تمتع بالقدرة والرؤية على الفصل بين القومية والدين وقد نادى بين ابناء الوطن الواحد من مختلف الأديان تحت شعار الوطنية قال في طبائع الاستبداد :-

يا قوم وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين أدعوكم الى تناسي الاساءات والأحقاد . وما جناه الآباء والأجداد . فقد كفى ما فعل ذلك على ايدي المثيرين وأجلكم من ان لا تهتدوا لوسائل الاتحاد وأنتم المتنورون السابقون فهذه امم أوستريا وأمريكا قد هداها العلم لطرئق شتى وأصول راسخة للاتحاد الوطني دون الديني والوفاق الجنسي دون المذهبي والارتباط السياسي دون الاداري فما بالنا نحن لا نفكر في ان نتبع احدى تلك الطرائق او شبهها فيقول عقلاؤنا لمثيري الشحناء من الاعجام والاجانب دعونا يا هؤلاء نحن ندبر شأننا نتفاهم بالفحصاء ونتراحم بالاخاء ونتواسى في الضراء ونتساوى في السراء . دعونا ندبر حياتنا الدنيا ونجعل الأديان تحكم في الأخرى فقط . دعونا نجتمع عاى كلمات سواء ألا وهي : فلتحيى الأمة فليحيى الوطن فلنحيى طلقاء أعزاء
لم تكن السلطات التركية لتسمح بانتشار أفكار الكواكبي . ولذلك ، لما نشر كتاب " طبائع الاستبداد .... " باسم " الرحالة ك " ، وكتابة " ام القرى " باسم الرحالة الكواكبي الملقب بالسيد الفراتي ( 1900 ) ، نشرهما في القاهرة لا في حلب مسقط رأسه ، حيث كانت السلطات قد عطلت له في الثمانينات صحيفتين تباعا " الشهباء " ثم " الاعتدال ".
اتهمه أعداء الاصلاح بالضلوع في مؤامرة لاغتيال الوالي سنة 1886 ، وهو ما ادى الى سجنه ومحاكمته . ولما هاجر الى مصر سنة 1899 ، كان قد خسر كل امواله ، وكسب محبة الناس ولقب " ابو الضعفاء " .
كان الكواكبي عاى نهج الأفغاني ومحمد عبده في العودة الى القران الكريم والسلف الصالح . وهو . في كتابه " ام القرى " يبحث في اسباب أنحطاط المسلمين ، ويضع اطار لبحثه " سيناريو " لمؤتمر إسلامي سري ، متصور زمان الإنعقاد 0
سنة 1316هـ / 1899م ، ومكان الانعقاد مكة المكرمة ، وعدد الأعضاء اثنين وعشرين من مختلف الأقطار الاسلامية ، وكلهم يعرفون العربية ، وقد قرر هؤلاء ، في نهاية المؤتمر ان العلة الأساسية هي في الجهل ، وأكثر الجهل ضرراٌ الجهل بالاسلام . كما وزعوا الأعمال والواجبات للنهوض ب " الجامعة الاسلامية " بين الشعوب المتعددة ، وأولها العرب . وفي تبرير مكانة العرب الأولى ، ورد ستة وعشرون بندا منها :
" الجزيرة " هي مشرق النور الاسلامي .
" عرب الجزيرة " هم مؤسسو الجامعة الاسلامية لظهور الدين فيهم .
" العرب عموما " لغتهم اغنى لغات المسلمين في المعارف ومصونة بالقران الكريم من ان تموت .
" العرب " لغتهم هي اللغة الخصوصية لمائة مليون من المسلمين وغير المسلمين .
" العرب " اعرق الأمم في أصول الشورى في الشؤون العمومية .
" العرب " اهدى الأمم لأصول المعيشة الاشتراكية .
" العرب " من احرص الأمم على احترام العهود عزة واحترام الذمة انسانية واحترام الجوار شهامة وبذل المعروف مروءة .
كان الكواكبي المفكر العربي الأول الذي طرح العروبة بمفهومها المعاصر . وقد ترك للأجيال خمسة وعشرين مبحثا دعا الى تداولها وتدقيقها : أولها، " مبحث ما هي الأمة أي الشعب " ، فتساءل : " هل هي ركام مخلوقات نامية او جمعية عبيد لمالك متغلب . ام هي جمع بينهم روابط جنس ولغة ووطن وحقوق مشتركة ؟" وفي " مبحث التفريق بين السلطات السياسية والدينية والتعلم " ، تساءل : " هل يجمع بين سلطتين او ثلاث في واحد . ام تخصص
كل وظيفة من السياسة والدين والتعليم بمن يقوم بها بإتقان ولا يجوز الجمع منعا لاستفحال السلطة ؟"
وأما موضوع الاستبداد والمستبدين ، فقد كان أكثر الموضوعات أهمية في فكر الكواكبي ، مما جعل من كتابه " طبائع الاستبداد ..... " صيحة مدوية في أبناء جيلة ، ومن أقوله :
المستبد يتحكم في شؤون الناس بارادته لا بارادتهم ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم ويعلم من نفسه انه الغاصب المتعدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق والتداعي لمطالبه .
المستبد عدو الحق عدو الحرية وقاتلهما والحق ابو البشر والحرية امهم والعوام ةصبية ايتام نيام لايعلمون شيئا والعلماء هم اخوتهم الراشدون ان ايقظوهم هبوا وان دعوهم لبوا.
المستبد يتجاوز الحد لأنه لا يرى حاجز . فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفا لما اقدم على الظلم كما قيل الاستعداد للحرب يمنع الحرب .
ووضع الكواكبي ، في نهاية بحثه ، ثلاث قواعد لرفع الاستبداد :
*الأمة التي لا يشعر كلها او أكثرها بالام الاستبداد لا تستحق الحرية .
*الاستبداد لا يقاوم بالشدة انما يقاوم باللين والتدريج .
*يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يستبدل به الاستبداد .
مهدت أفكار المصلحين الكبار في القرن التاسع عشر من الطهطاوي الى الكواكبي لنشوء الفكرة العربية 0
لك بأنها لم تتناول الإصلاح الديني فقط بل اشتملت على النواحي السياسية 0
ومن البراهين على السلطات الحاكمة في البلاد الإسلامية لخطر الدعوات الاصلاحية قيامها باضطهاد رجال الإصلاح بصورة متواصلة فالطهطاوي ابعد الى الخرطوم شبه منفي والتونسي حجر عليه في بيته الآستانة شبه سجين والأفغاني عرف المنافي وقسوتها اكثر من مرة وكان آخر منافيه في الآستانة حيث مات مريضا شبه سجين ومحمد عبده سجن وحكم عليه بالمنفى وبعد
عودته الى مصر عزل من منصب التدريس وحددت اقامته والكواكبي سجن في حلب 0

إلا أن ا لحكم بالنفي على الرجال لا يؤدي الى نفي الفكر والمفاهيم فقد تناقلت الأجيال اسم الطهطاوي مرتبطا بمفهوم حب الوطن والتونسي بالحرية والأفغاني بالتضامن الإسلامي وتحرير الشرق ومحمد عبده بتحرير الفكر من
قيد التقليد والكواكبي بدعوة العرب الى عروبتهم وحريتهم وكرامتهم وبدعوة المسلمين الى التضامن والتقدم ورفع نير الإستبداد 0

» من كتاب رياض الصالحين الإصلاح بين الناس
» الاخوان المسلمون / أصول الإصلاح الإسلامي وقواعده (3)
» بين التفسير السياسي للدين والتفسير الديني للسياسة
» وثيقة الإسكندرية مارس2004عن قضايا الإصلاح في الوطن العربي
» ظاهرة التطرف الديني والفكري في المجتمعات المسلمة وأثرها على الوحدة والتنمية