ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 سنة ست وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

سنة ست وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية) Empty
مُساهمةموضوع: سنة ست وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية)   سنة ست وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية) Emptyالإثنين يناير 04, 2010 2:19 pm

سنة ست وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية) WY8wf-8CO0_901944491
سنة ست وثمانين وخمسمائة من الهجرة
استهلت والسلطان محاصر لحصن عكا، وأمداد الفرنج تفد إليهم من البحر في كل وقت، حتى أن نساء الفرنج ليخرجن بنية القتال، ومنهن من تأتي بنية راحة الغرباء لينكحوها في الغربة، فيجدون راحة وخدمة وقضاء وطر، قدم إليهم مركب فيه ثلاثمائة امرأة من أحسن النساء وأجملهن بهذه النية، فإذا وجدوا ذلك ثبتوا على الحرب والغربة، حتى أن كثيرا من فسقة المسلمين تحيزوا إليهم من أجل هذه النسوة، واشتهر الخبر بذلك.
وشاع بين المسلمين والفرنج بأن ملك الألمان قد أقبل بثلاثمائة ألف مقاتل، من ناحية القسطنطينية، يريد أخذ الشام وقتل أهله، انتصارا لبيت المقدس فعند ذلك حمل السلطان والمسلمون هما عظيما، وخافوا غاية الخوف، مع ما هم فيه من الشغل والحصار الهائل، وقويت قلوب الفرنج بذلك، واشتدوا للحصار والقتال.
ولكن لطف الله وأهلك عامة جنده في الطرقات بالبرد والجوع والضلال في المهالك، على ما سيأتي بيانه.
وكان سبب قتال الفرنج وخروجهم من بلادهم ونفيرهم ما ذكره ابن الأثير في (كامله): أن جماعة من الرهبان والقسيسين الذين كانوا ببيت المقدس وغيره، ركبوا من صور في أربعة مراكب، وخرجوا يطوفون ببلدان النصارى البحرية، وما هو قاطع البحر من الناحية الأخرى، يحرضون الفرنج ويحثونهم على الانتصار لبيت المقدس، ويذكرون لهم ما جرى على أهل القدس، وأهل السواحل من القتل والسبي وخراب الديار.
وقد صوروا صورة المسيح وصورة عربي آخر يضربه ويؤذيه، فإذا سألوهم من هذا الذي يضرب المسيح؟
قالوا: هذا نبي العرب يضربه وقد جرحه ومات.
فينزعجون لذلك ويحمون ويبكون ويحزنون فعند ذلك خرجوا من بلادهم لنصرة دينهم ونبيهم، وموضع حجهم على الصعب والذلول، حتى النساء المخدرات والزواني والزانيات الذين هم عند أهليهم من أعز الثمرات.
وفي نصف ربيع الأول تسلم السلطان شعيف أربون بالأمان، وكان صاحبه مأسورا في الذل والهوان، وكان من أدهى الفرنج وأخبرهم بأيام الناس، وربما قرأ في كتب الحديث وتفسير القرآن، وكان مع هذا غليظ الجلد قاسي القلب، كافر النفس.
ولما انفصل فصل الشتاء وأقبل الربيع جاءت ملوك الإسلام من بلدانها بخيولها وشجعانها، ورجالها وفرسانها، وأرسل الخليفة إلى الملك صلاح الدين أحمالا من النفط والرماح، ونفاطة ونقابين، كل منهم متقن في صنعته غاية الإتقان، ومرسوما بعشرين ألف دينار.
وانفتح البحر وتواترت مراكب الفرنج من كل جزيرة، لأجل نصرة أصحابهم، يمدونهم بالقوة والميرة، وعملت الفرنجة ثلاثة أبرجة من خشب وحديد، عليها جلود مسقاة بالخل، لئلا يعمل فيها النفط، يسع البرج منها خمسمائة مقاتل، وهي أعلا من أبرجة البلد، وهي مركبة على عجل بحيث يديرونها كيف شاؤوا، وعلى ظهر كل منها منجنيق كبير.
فلما رأى المسلمون ذلك أهمهم أمرها وخافوا على البلد ومن فيه من المسلمين أن يؤخذوا، وحصل لهم ضيق منها، فأعمل السلطان فكره بإحراقها، وأحضر النفاطين ووعدهم بالأموال الجزيلة إن هم أحرقوها، فانتدب لذلك شاب نحاس من دمشق يعرف بعلي بن عريف النحاسين، والتزم بإحراقها.
فأخذ النفط الأبيض وخلطه بأدوية يعرفها، وغلى ذلك في ثلاثة قدور من نحاس حتى صار نارا تأجج، ورمى كل برج منها بقدر من تلك القدور بالمنجنيق من داخل عكا، فاحترقت الأبرجة الثلاثة حتى صارت نارا بإذن الله، لها ألسنة في الجو متصاعدة، واحترق من كان فيها.
فصرخ المسلمون صرخة واحدة بالتهليل، واحترق في كل برج منها سبعون كفورا، وكان يوما على الكافرين عسيرا، وذلك يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة، وكان الفرنج قد تعبوا في عملها سبعة أشهر، فاحترقت في يوم واحد {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورا} [الفرقان: 23] .
ثم أمر السلطان لذلك الشاب النحاس بعطية سنية وأموال كثيرة، فامتنع أن يقبل شيئا من ذلك، وقال: إنما عملت ذلك ابتغاء وجه الله، ورجاء ما عنده سبحانه، فلا أريد منكم جزاءا ولا شكورا.
وأقبل الأسطول المصري وفيه الميرة الكثيرة لأهل البلد، فعبي الفرنج أسطولهم ليقاتلوا أسطول المسلمين، نهض السلطان بجيشه ليشغلهم عنهم، وقاتلهم أهل البلد أيضا.
واقتتل الأسطولان في البحر، وكان يوما عسيرا، وحربا في البر والبحر، فظفرت الفرنج بشبيني واحد من الأسطول الذي للمسلمين، وسلم الله الباقي، فوصل إلى البلد بما فيه من الميرة، وكانت حاجتهم قد اشتدت إليها جدا، بل إلى بعضها.
وأما ملك الألمان المتقدم ذكره، فإنه أقبل في عدد وعدد كثير جدا، قريب من ثلاثمائة ألف مقاتل، من نيته خراب البلد وقتل أهلها من المسلمين، والانتصار لبيت المقدس وأن يأخذ البلاد إقليما بعد إقليم، حتى مكة والمدينة، فما نال من ذلك شيئا بعون الله وقوته، بل أهلكهم الله عز وجل في كل مكان وزمان.
فكانوا يتخطفون كما يتخطف الحيوان، حتى اجتاز ملكهم بنهر شديد الجرية، فدعته نفسه أن يسبح فيه، فلما صار فيه حمله الماء إلى شجرة، فشجت رأسه، وأخمدت أنفاسه، وأراح الله منه العباد والبلاد.
فأقيم ولده الأصغر في الملك، وقد تمزق شملهم، وقلت منهم العدة، ثم أقبلوا لا يجتازون ببلد إلا قتلوا فيه، فما وصلوا إلى أصحابهم الذين على عكا إلا في ألف فارس، فلم يرفعوا بهم رأسا ولا لهم قدرا ولا قيمة بينهم، ولا عند أحد من أهل ملتهم ولا غيرهم.
وهكذا شأن من أراد إطفاء نور الله، وإذلال دين الإسلام.
وزعم العماد في سياقه أن الألمان وصلوا في خمسة آلاف، وأن ملوك الإفرنج كلهم كرهوا قدومهم عليهم، لما يخافون من سطوة ملكهم، وزوال دولتهم بدولته، ولم يفرح به إلا المركيس صاحب صور، الذي أنشأ هذه الفتنة وأثار هذه المحنة، فإنه تقوى به وبكيده، فإنه كان خبيرا بالحروب.
وقد قدم بأشياء كثيرة من آلات الحرب لم تخطر لأحد ببال. نصب دبابات أمثال الجبال، تسير بعجل ولها زلوم من حديد، تنطح السور فتخرقه، وتثلم جوانبه، فمنَّ الله العظيم بإحراقها، وأراح الله المسلمين منها، ونهض صاحب الألمان بالعسكر الفرنجي، فصادم به جيش المسلمين، فجاءت جيوش المسلمين برمتها إليه، فقتلوا من الكفرة خلقا كثيرا، وجما غفيرا.
وهجموا مرة على مخيم السلطان بغتة، فنهبوا بعض الأمتعة، فنهض الملك العادل أبو بكر - وكان رأس الميمنة - فركب في أصحابه، وأمهل الفرنج حتى توغلوا بين الخيام، ثم حمل عليهم بالرماح والحسام، فهربوا بين يديه فما زال يقتل منهم جماعة بعد جماعة، وفرقة بعد فرقة، حتى كسوا وجه الأرض منهم حللا أزهى من الرياض الباسمة، وأحب إلى النفوس من الخدود الناعمة.
وأقل ما قيل: إنه قتل منهم خمسة آلاف، وزعم العماد أنه قتل منهم فيما بين الظهر إلى العصر عشرة آلاف، والله أعلم.
هذا وطرف الميسرة لم يشعر بما جرى ولا درى، بل نائمون وقت القائلة في خيامهم، وكان الذين ساقوا وراءهم أقل من ألف، وإنما قتل من المسلمين عشرة أو دونهم، وهذه نعمة عظيمة.
وقد أوهن هذا جيش الفرنج وأضعفهم، وكادوا يطلبون الصلح وينصرفون عن البلد، فاتفق قدوم مدد عظيم إليهم من البحر مع ملك يقال له: كيد هرى، ومعه أموال كثيرة، فأنفق فيهم، وغرم عليهم، وأمرهم أن يبرزوا معه لقتال المسلمين، ونصب على عكا منجنيقين، غرم على كل واحد منهما ألفا وخمسمائة دينار، فأحرقهما المسلمون من داخل البلد.
وجاءت كتب صاحب الروم من القسطنطنية يعتذر لصلاح الدين من جهة ملك الألمان، وأنه لم يتجاوز بلده باختياره، وأنه تجاوزه لكثرة جنوده، ولكن ليبشر السلطان بأن الله سيهلكهم في كل مكان وكذلك وقع.
وأرسل إلى السلطان يخبره بأنه يقيم للمسلمين عنده جمعة وخطبا، فأرسل السلطان مع رسله خطيبا ومنبرا، وكان يوم دخولهم إليه يوما مشهودا، ومشهدا محمودا، فأقيمت الخطبة بالقسطنطنية، ودعا للخليفة العباسي، واجتمع فيها من هناك من المسلمين من التجار والمسلمين الأسرى، والمسافرين إليها، والحمد لله رب العالمين.
وكتب متولي عكا من جهة السلطان صلاح الدين، وهو الأمير بهاء الدين قراقوش، في العشر الأول من شعبان إلى السلطان: إنه لم يبق عندهم في المدينة من الأقوات إلا ما يبلغهم إلى ليلة النصف من شعبان.
فلما وصل الكتاب إلى السلطان أسرَّها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم، خوفا من إشاعة ذلك، فيبلغ العدو فيقدموا على المسلمين، وتضعف القلوب، وكان قد كتب إلى أمير الأسطول بالديار المصرية أن يقدم بالميرة إلى عكا، فتأخر سيره.
ثم وصلت ثلاث بطش ليلة النصف، فيها من الميرة ما يكفي أهل البلد طول الشتاء، وهي صحبة الحاجب لؤلؤ، فلما أشرفت على البلد نهض إليها أسطول الفرنج ليحول بينها وبين البلد، ويتلف ما فيها.
فاقتتلوا في البحر قتالا شديدا، والمسلمون في البر يبتهلون إلى الله عز وجل في سلامتها، والفرنج أيضا تصرخ برا وبحرا، وقد ارتفع الضجيج، فنصر الله المسلمين وسلم مراكبهم، وطابت الريح للبطش، فسارت فأحرقت المراكب الفرنجية المحيطة بالميناء، ودخلت البلد سالمة، ففرح بها أهل البلد والجيش فرحا شديدا.
وكان السلطان قد جهز قبل هذه البطش الثلاث بطشة كبيرة من بيروت، فيها أربعمائة غرارة، وفيها من الجبن والشحم والقديد والنشاب والنفط شيء كثير، وكانت هذه البطشة من بطش الفرنج المغنومة.
وأمر من فيها من التجار أن يلبسوا زي الفرنج حتى أنهم حلقوا لحاهم، وشدوا الزنانير، واستصحبوا في البطشة معهم شيئا من الخنازير، وقدموا بها على مراكب الفرنج، فاعتقدوا أنهم منهم، وهي سائرة كأنها السهم إذا خرج من كبد القوس.
فحذرهم الفرنج غائلة الميناء من ناحية البلد، فاعتذروا بأنهم مغلوبون عنها، ولا يمكنهم حبسها من قوة الريح، وما زالوا كذلك حتى ولجوا الميناء، فأفرغوا ما كان معهم من الميرة، والحرب خدعة. فعبرت الميناء فامتلأ الثغر بها خيرا، فكفتهم إلى أن قدمت عليهم تلك البطش الثلاث المصرية.
وكانت البلد يكتنفها برجان، يقال لأحدهما: برج الديان، فاتخذت الفرنج بطشة عظيمة، لها خرطوم وفيه محركات إذا أرادوا أن يضعوه على شيء من الأسوار والأبرجة قلبوه فوصل إلى ما أرادوا.
فعظم أمر هذه البطشة على المسلمين، ولم يزالوا في أمرها محتالين، حتى أرسل الله عليها شواظا من نار فأحرقها وأغرقها، وذلك أن الفرنج أعدوا فيها نفطا كثيرا وحطبا جزلا، وأخرى خلفها فيها حطب محض.
فلما أراد المسلمون المحافظة على الميناء أرسلوا النفط على بطشة الحطب، فاحترقت وهي سائرة بين بطش المسلمين، واحترقت الأخرى، وكان في بطشة أخرى لهم مقاتلة تحت قبو، قد أحكموه فيها.
فلما أرسلوا النفط على برج الديان، انعكس الأمر عليهم بقدرة الله تعالى، وذلك لشدة الهواء تلك الليلة، فما تعدت النار بطشتهم فاحترقت، وتعدى الحريق إلى الأخرى فغرقت، ووصل إلى بطشة المقاتلة فتلفت، وهلك من فيها، فاشبهوا من سلف من أهل الكتاب من الكافرين في قوله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2] .
محتويات
[أخفِ]
• 1 فصل اشتداد حصار الفرنج للمدينة
• 2 فصل إدارة الممالك من قبل القاضي الفاضل
• 3 فصل كتابة الفاضل كتابا إلى ملك الغرب
• 4 فصل وفيها حصل للناصر صلاح الدين سوء مزاج من كثرة ما يكابده من الأمور
• 5 ملك الألمان
• 6 محمد بن محمد بن عبد الله أبو حامد قاضي القضاة بالموصل

فصل اشتداد حصار الفرنج للمدينة
وفي ثالث رمضان اشتد حصار الفرنج للمدينة حتى نزلوا إلى الخندق، فبرز إليهم أهل البلد فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وتمكنوا من حريق الكيس والأسوار، وسرى حريقه إلى السقوف، وارتفعت له لهبة عظيمة في عنان السماء، ثم اجتذبه المسلمون إليهم بكلاليب من حديد في سلاسل، فحصل عندهم وألقوا عليه الماء البارد فبرد بعد أيام، فكان فيه من الحديد مائة قنطار بالدمشقي، ولله الحمد والمنة.
وفي الثامن والعشرين من رمضان توفي الملك زين الدين صاحب أربل في حصار عكا مع السلطان، فتأسف الناس عليه لشبابه وغربته وجودته، وعزي أخاه مظفر الدين فيه.
وقام بالملك من بعده وسأل من صلاح الدين أن يضيف إليه شهرزور، وحران، والرها، وسميساط، وغيرها، وتحمل مع ذلك خمسين ألف دينار نقدا، فأجيب إلى ذلك، وكتب له تقليدا، وعقد له لواء، وأضيف ما تركه إلى الملك المظفر تقي الدين ابن أخي السلطان صلاح الدين.
فصل إدارة الممالك من قبل القاضي الفاضل
وكان القاضي الفاضل بمصر يدير الممالك بها، ويجهز إلى السلطان ما يحتاج إليه من الأموال، وعمل الأسطول والكتب السلطانية، فمنها كتاب يذكر فيه أن سبب هذا التطويل في الحصار كثرة الذنوب، وارتكاب المحارم بين الناس، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ولا يفرج الشدائد إلا بالرجوع إليه، وامتثال أمره، فكيف لا يطول الحصار والمعاصي في كل مكان فاشية.
وقد صعد إلى الله منها ما يتوقع بعده الاستعاذة منه، وفيه أنه قد بلغه أن بيت المقدس قد ظهر فيه المنكرات والفواحش والظلم في بلاده ما لا يمكن تلافيه إلا بكلفة كثيرة.
ومنها كتاب يقول فيه: إنما أتينا من قبل أنفسنا، ولو صدقنا لعجل الله لنا عواقب صدقنا، ولو أطعناه لما عاقبنا بعدونا، ولو فعلنا ما نقدر عليه من أمره لفعل لنا ما لا نقدر عليه إلا به، فلا يختصم أحد إلا نفسه وعمله، ولا يرج إلا ربه ولا يغتر بكثرة العساكر والأعوان، ولا فلان الذي يعتمد عليه أن يقاتل ولا فلان.
فكل هذه مشاغل عن الله ليس النصر بها، وإنما النصر من عنده الله، ولا نأمن أن يكلنا الله إليها، والنصر به، واللطف منه، ونستغفر الله تعالى من ذنوبنا، فلولا أنها تسد طريق دعائنا لكان جواب دعائنا قد نزل، وفيض دموع الخاشعين قد غسل، ولكن في الطريق عائق، خار الله لمولانا في القضاء السابق واللاحق.
ومن كتاب آخر يتألم فيه لما عند السلطان من الضعف في جسمه، بسبب ما حمل على قلبه مما هو فيه من الشدائد، أثابه الله بقوله: وما في نفس الملوك شائنة إلا بقية هذا الضعف الذي في جسم مولانا، فإنه بقلوبنا، ونفديه بأسماعنا وأبصارنا، ثم قال:
بنا معشر الخدام ما بك من أذى ** وإن أشفقوا مما أقول فبي وحدي
وقد أورد الشيخ شهاب الدين صاحب (الروضتين) ها هنا كتبا عدة من الفاضل إلى السلطان، فيها فصاحة وبلاغة ومواعظ وتحضيض على الجهاد، فرحمه الله من إنسان ما أفصحه، ومن وزير ما كان أنصحه، ومن عقل ما كان أرجحه.
فصل كتابة الفاضل كتابا إلى ملك الغرب
وكتب الفاضل كتابا على لسان السلطان إلى ملك المغرب أمير المسلمين، وسلطان جيش الموحدين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، يستنجده في إرسال مراكب في البحر تكون عونا للمسلمين على المراكب الفرنجية في عبارة طويلة فصيحة بليغة مليحة، حكاها أبو شامة بطولها.
وبعث السلطان صلاح الدين مع الكتاب سنية من التحف والألطاف، صحبة الأمير الكبير شمس الدين أبي الحزم عبد الرحمن بن منقذ، وسار في البحر في ثامن ذي القعدة، فدخل على سلطان المغرب في العشرين من ذي الحجة، فأقام عنده إلى عاشوراء من المحرم من سنة ثمان وثمانين، ولم يفد هذا الإرسال شيئا، لأنه تغضب إذ لم يلقب بأمير المؤمنين.
وكانت إشارة الفاضل إلى عدم الإرسال إليه، ولكن وقع ما وقع بمشيئة الله.
فصل وفيها حصل للناصر صلاح الدين سوء مزاج من كثرة ما يكابده من الأمور
فطمع العدو المخذول في حوزة الإسلام، فتجرد جماعة منهم للقتال، وثبت آخرون على الحصار.
فأقبلوا في عدد كثير وعدد فرتب السلطان الجيوش يمنة ويسرة، وقلبا وجناحين، فلما رأى العدو الجيش الكثيف فروا، فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وجما غفيرا.
ولما دخل فصل الشتاء وانشمرت مراكب الفرنج عن البلد خوفا من الهلاك، بسبب اغتلام البحر، سأل من بالبلد من المسلمين من السلطان أن يريحهم مما هم فيه من الحصر العظيم، والقتال ليلا ونهارا، وأن يرسل إلى البلد بدلهم.
فرق لهم السلطان، وعزم على ذلك، وكانوا قريبا من عشرين ألف مسلم ما بين أمير ومأمور، فجهز جيشا آخر غيرهم، ولم يكن ذلك برأي جيد، ولكن ما قصد السلطان إلا خيرا، وأن هؤلاء يدخلون البلد بهمم حدة شديدة، ولهم عزم قوي، وهم في راحة بالنسبة إلى ما أولئك.
ولكن أولئك الذين كانوا بالبلد وخرجوا منه كانت لهم خبرة بالبلد وبالقتال، وكان لهم صبر وجلد، وقد تمونوا فيها مؤنة تكفيهم سنة، فانمحقت بسبب ذلك.
وقدم بطش من مصر فيه ميرة تكفي أهل البلد سنة كاملة، فقدر الله العظيم - وله الأمر من قبل ومن بعد - أنها لما توسطت البحر واقتربت من المينا، هاجت عليها ريح عظيمة فانقلبت تلك البطش، وتغلبت على عظمها، فاختبطت واضطربت وتصادمت فتكسرت وغرقت، وغرق ما كان فيها من الميرة والبحارة.
فدخل بسبب ذلك وهن عظيم على المسلمين، واشتد الأمر جدا، ومرض السلطان وازداد مرضا إلى مرضه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكان ذلك عونا للعدو والمخذول على أخذ البلد، ولا قوة إلا بالله، وذلك في ذي الحجة من هذه السنة.
وكان المقدم على الداخلين إلى عكا الأمير سيف الدين على بن أحمد بن المشطوب.
وفي اليوم السابع من ذي الحجة سقطت ثلمة عظيمة من سور عكا، فبادر الفرنج إليها فسبقهم المسلمون إلى سدها بصدورهم، وقاتلوا دونها بنحورهم، وما زالوا يمانعون عنها حتى بنوها أشد مما كانت، وأقوى وأحسن.
ووقع في هذه السنة وباء عظيم في المسلمين والكافرين، فكان السلطان يقول في ذلك:
اقتلوني ومالكا ** واقتلوا مالكا معي
واتفق موت ابن ملك الألمان لعنه الله في ثاني ذي الحجة، وجماعة من كبراء الكندهرية، وسادات الفرنج لعنهم الله، فحزن الفرنج على ابن ملك الألمان، وأوقدوا نارا عظيمة في كل خيمة، وصار كل يوم يهلك من الفرنج المائة والمائتان.
واستأمن السلطان جماعة منهم من شدة ما هم فيه من الجوع والضيق والحصر، وأسلم خلق كثير منهم.
وفيها: قدم القاضي الفاضل من مصر على السلطان، وكان قد طال شوق كل منهما إلى صاحبه، فأفضى كل منهما إلى صاحبه ما كان يسره ويكتمه من الآراء التي فيها مصالح المسلمين.
وفيها توفي من الأعيان:
ملك الألمان
وقد تقدم أنه قدم في ثلاثمائة ألف مقاتل؛ فهلكوا في الطرقات، فلم يصل إلى الفرنج إلا في خمسة آلاف، وقيل: في ألفي مقاتل.
وكان قد عزم على دمار الإسلام، واستنقاذ البلاد بكمالها من أيدي المسلمين، انتصارا في زعمه إلى بيت المقدس، فأهلكه الله بالغرق، كما أهلك فرعون.
ثم ملك بعده ولده الأصغر، فأقبل بمن بقي معه من الجيش إلى الفرنج، وهم في حصار عكا، ثم مات في هذه السنة، فلله الحمد والمنة.
محمد بن محمد بن عبد الله أبو حامد قاضي القضاة بالموصل
كمال الدين الشهرزوري الشافعي، أثنى عليه العماد وأنشد له من شعره قوله:
قامت بإثبات الصفات أدلةٌ ** قصمت ظهور أئمة التعطيل
وطلائع التنزيه لما أقبلت ** هزمت ذوي التشبيه والتمثيل
فالحق ما صرنا إليه جميعنا ** بأدلة الأخبار والتنزيل
من لم يكن بالشرع مقتديا فقد ** ألقاه فرط الجهل في التضليل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سنة ست وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سنة خمس وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية)
» سنة سبع وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية)
» سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية)
» سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية)
» سنة أربع وثمانين وخمسمائة من الهجرة / الجزء الثاني عشر (البداية والنهاية)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: