عقد المؤتمر الروسي الاشتراكي الديمقراطي الثاني سنة 1903

كان نصف أعضائه من اليهود وخلال مرحلة تعاظم المد الثوري في روسيا (1904-1906) كان ثلاثون ألف يهودي أعضاء في البنود وغيرهم بعشرات الآلاف كانوا مناصرين
تتلخص نظرة اليهود الاشتراكيين إلى الصهيونية في كونها نوعا من البرجوازية اليوتوبية فهي تعتمد على الإرادة الطبية من السلطان التركي الرجعي ومن الحكومات اليمينية ومن اليهود الرأسماليين والأسوأ من هذا كله في رأيهم تجاهل الصهيونية لتطلعات اليهود الروس السياسية والاقتصادية .
كان من الطبيعي أن يكون التنافس شديدا بين اليهود الروس الاشتراكيين وأبناء قومهم اليهود الديمقراطيين كتلة وايزمن ورفاقه وفي هذا المجال كان وايزمن اقرب إلى هيرتسل من إلى الاشتراكيين وفي رسالة منه إلى هيرتسل في 6 أيار\ مايو 1903 شكا وايزمن سرعة نمو الراديكالية في شبيبة اليهود الروس كما اعترف في هذه الرسالة بان أقصى أنواع الصراع الذي تخوضه كتلته هو ضد اليهود الاشتراكيين الديموقرطيين جرت محاولات جدية لراب الصدع بين الصهيونية والاشتراكية كان أولها بواسطة نحمان سيركين وهو يهودي روسي وكان لايزال طالبا في جامعة برلين عندما أعلن إمام جمع من الصهيونيين في زيوريخ سنة 1898 نهجه التوفيقي ثم نشر آراءه في كتاب بعنوان المسالة اليهودية ودولة اليهود الاشتراكية واهم ماجاء فيه أن الاشتراكية لن تحل المشكلة اليهودية إلا في المستقبل البعيد ولم يختلف سيركين قط عن بنسكر وهيرتسل عندما أصر على أن معاداة السامية هي إحدى حقائق الحياة التي لايمكن الشفاء منها بالتطور الاشتراكي الطبيعي ولم يبشر سيركين قط بإمكان الوصول إلى حل عن طريق الصراع الطبقي لذلك وإزاء الحائط المسدود فهو لم يجد إلا الدولة اليهودية جوابا حاسما على اضطهاد اليهود .
على الرغم من الشغب الذي كان يحدثه سيكرين في المؤتمرات الصهيونية في عهد هيرتسل ومن نجاحه في خطف الأضواء لمرحلة فان نجمه قد خبا سريعا بتأييده المطلق لمشروع أوغندا .
يسهل وصف نهج سيركين بكلمة واحدة هي الانتهازية فهو أراد الصهيونية للوصول إلى الدولة ثم تصبح الدولة هي الجسرالى الاشتراكية ومع ذلك تبقى أهمية سيركين في تلك المرحلة انه كان أول من بدا المحاولة التوفيقية بين الصهيونيين والاشتراكيين إلا انه وفي المرحلة نفسها تقريبا قامت جماعات عمالية منعزلة في روسيا تعمل بتقاطع بعضها مع بعض باسم "بوعالي تسيون" ومعناها عمال صهيون 0
نشأت خلايا بوعالي تسيون بصورة شبه تلقائية في العديد من الأوساط العمالية وقد اختلفت في نظرة كل منها إلى أزمة المصير والى طبيعة العلاقات بين الصهيونية والاشتراكية حتى ظهر بينها أول زعيم مفكر في مدينة بولتافا الروسية وهي المدينة التي كانت تعتبر شبه منفى للثوريين وتضم أقوى فرع عمالي ففي هذه المدينة المنفى صاغ بوروخوف نظريته المتميزة في الصهيونية الماركسية 0
كان بورخوف شابا في الخامسة والعشرين وقد طرد من الحزب الاشتراكي الديمقراطي بسبب انحرافه الصهيوني عندما عرض نظريته أول مرة سنة 1905 في محاضرة بعنوان المسالة القومية والصراع الطبقي فتلقفها رفاقه كأنها التوراة
استعمل بوروخوف في عرض نظريته المصطلحات المادية الديالكتية ولم يخرج قط عن الصيغ والتعابير الماركسية لكنه في النهاية ناقض الماركسية التي تبناها عقيدة وأسلوب نضال عندما توصل إلى أن اليهود كشعب بلا ارض هم غير مؤهلين للتكيف بصورة فعالة إزاء نظام اقتصادي أجنبي ويقول بوروخوف أن البرجوازية اليهودية تأقلمت إلا أن البلاوليتاريا اليهودية لاستطيع ذلك لأنها بروليتاريا رثة وهامشية ومرفوضة في مجتمعاتها فهي لاتعمل إلا في الصناعات الثانوية والبعيدة عن الموارد الطبيعية وأدوات الصناعة الثقيلة وهي نتيجة ذلك غير قادرة على تنظيم نفسها ضد مستغليها 0
والحل فيراي بوروخوف يكمن في هجرة اليهود للسكن على ارض تخصهم وحدهم حيث يمكن للطبقة العاملة أن تتطور في أوضاع طبيعية ومن هذه القاعدة فقط يستطيع اليهود أن يناضلوا وان يحققوا ثورتهم الاشتراكية .
لم يبرر بوروخوف اختيار فلسطين من منطلقات دينية أو رومانسية أو تاريخية بل من منطلقات ماركسية محضة إذ قال أن المطلوب ارض يستطيع اليهود فيها أن يلجوا بحرية كل أبواب الاقتصاد وان يشارك عمالهم في كل الصناعات الأساسية وفي الزراعة فالأرض يجب أن تكون نصف زراعية وان يكون عدد سكانها ضئيلا وبلد كهذا هو في الحقيقة : فلسطين
فلسطين وحدها كما يرى بوروخوف بلد ينقصه التراث القومي الخاص به وفقط في فلسطين وفي خطين متوازيين ينمو الاستقلال الاقتصادي اليهودي وينمو معه في الخط المتوازي الأخر الاستقلال السياسي اليهودي
نظرت البروليتاريا اليهودية في اقل القرن العشرين إلى بوروخوف نظرتها إلى عبقري ابتكر نظرية خاصة وطورها عن الماركسية بطريقة الاستنتاج وحتى بالطريقة الحسابية ونظر جيل كامل إليه على انه المعلم فهو الذي تمكن من جعل الصهيونية محترمة عقلانيا في الشبيبة اليهودية الاشتراكية وكان من أبناء ذلك الجيل المعجب ببوروخوف بن تسف الرئيس الثاني لإسرائيل .
هاجر بوروخوف إلى الولايات المتحدة في اثر إحداث سنة 1905 وهناك كتب عن مشاركة كل الجماعات اليهودية في الصهيونية وكتب عن فلسطين أنها الوطن للشعب اليهودي قاطبة وأصبح يستعمل التعبير التقليدي ارض إسرائيل كما أصبح يستعمل تعبير الجماهير اليهودية عوضا عن البروليتاريا .
هاجر عدد من الشبان اليهود الروس الاشتراكيون مع موجة الهجرة الثانية إلى فلسطين وأسسوا فيها نواة التنظيمات الاشتراكية بين اليهود
كان هيرتسل في أوج زعامته ليرى للأحزاب السياسية أية أهمية سوى أنها عائق في مرحلة الوحدة الأولى إلا انه اضطر أخيرا في المؤتمر الصهيوني الخامس الذي عقد في بازل سنة 1901 إلى إجراء تعديلات في هيكلية المنظمة بشان الأحزاب أو
التنظيمات السياسية المستقلة فبات يحق لكل مجموعة من الجمعيات الصهيونية تبيع خمسون ألاف شيكل على الاقل أن تقيم اتحادا صهيونيا مستقلا له حق الاتصال المباشر باللجنة التنفيذية وقد كانت المنظمة قبل هذه التعديلات تكتفي بمركز صهيوني إقليمي صهيوني واحد في كل دولة حيث يقوم هذا المركز بتمثيل كل الصهيونيين في هذه الدولة.