ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (2) Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (2)   الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (2) Emptyالإثنين نوفمبر 23, 2009 11:10 am

الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (2) Kunooozae21e0693c

كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)
ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل
{ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ } قالوا: وهو الخباز.
{ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } أي: وقع هذا لا محالة، ووجب كونه على حالة، ولهذا جاء في الحديث:
« الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت ».
وقد روي عن ابن مسعود، ومجاهد، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنهما قالا: لم نر شيئًا.
فقال لهما: { قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }
{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } [يوسف: 42] .
يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجيًا منهما، وهو الساقي { اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } يعني اذكر أمري، وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك. وفي هذا دليل على جواز السعي في الأسباب، ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب.
وقوله: { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } أي: فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام.
قاله مجاهد، ومحمد بن إسحاق، وغير واحد وهو الصواب، وهو منصوص أهل الكتاب.
(فلبث يوسف في السجن بضع سنين) والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع. وقيل: إلى السبع. وقيل: إلى الخمس. وقيل: ما دون العشرة. حكاها الثعلبي.
ويقال: بضع نسوة، وبضع رجال. ومنع الفراء استعمال البضع فيما دون العشر، قال: وإنما يقال نيف.
وقال الله تعالى: { فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }
وقال تعالى: { فِي بِضْعِ سِنِينَ } [الروم: 2] وهذا رد لقوله.
قال الفراء: ويقال بضعة عشر، وبعضة وعشرون إلى التسعين، ولا يقال بضع ومائة، وبضع وألف، وخالف الجوهري فيما زاد على بضعة عشر، فمنع أن يقال: بضعة وعشرون إلى تسعين.
وفي الصحيح: « الإيمان بضع وستون » - وفي رواية: وسبعون شعبة - أعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ».
ومن قال إن الضمير في قوله: { فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ } عائد على يوسف، فقد ضعف ما قاله، وإن كان قد روي عن ابن عباس، وعكرمة، والحديث الذي رواه ابن جرير في هذا الموضع ضعيف من كل وجه. تفرد بإسناده إبراهيم بن يزيد الخوري المكي وهو متروك.
ومرسل الحسن، وقتادة لا يقبل، ولا ههنا بطريق الأولى والأخرى، والله أعلم.
فأما قول ابن حبان في (صحيحه) عند ذكر السبب الذي من أجله لبث يوسف في السجن ما لبث، أخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي، ثنا مسدد بن مسرهد، ثنا خالد بن عبد الله، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله :
« رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها: اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث.
ورحم الله لوطًا أن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال لقومه: لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال: فما بعث الله نبيًا بعده إلا في ثروة من قومه ».
فإنه حديث منكر من هذا الوجه، ومحمد بن عمرو بن علقمة، له أشياء ينفرد بها، وفيها نكارة، وهذه اللفظة من أنكرها وأشدها، والذي في (الصحيحين) يشهد بغلطها، والله أعلم.
{ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [يوسف: 43-49] .
هذا كان من جملة أسباب خروج يوسف عليه السلام من السجن على وجه الاحترام والإكرام، وذلك أن ملك مصر وهو الريان بن الوليد بن ثروان بن اراشه بن فاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، رأى هذه الرؤيا.
قال أهل الكتاب: رأى كأنه على حافة نهر، وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان، فجعلن يرتعن في روضة هناك، فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر، فرتعن معهن، ثم ملن عليهن، فأكلنهن فاستيقظ مذعورًا.
ثم نام فرأى سبع سنبلات خضر في قصبة واحدة، وإذا سبع أخر دقاق يابسات فأكلنهن، فاستيقظ مذعورًا، فلما قصَّها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل { قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ } أي: أخلاط أحلام من الليل لعلها لا تعبير لها ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك.
ولهذا قالوا: { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ } فعند ذلك تذكر الناجي منهما الذي وصاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إلى حينه هذا. وذلك عن تقدير الله عز وجل وله الحكمة في ذلك، فلما سمع رؤيا الملك ورأى عجز الناس عن تعبيرها، تذكر أمر يوسف، وما كان أوصاه به من التذكار.
ولها قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ } أي: تذكر.
{ بَعْدَ أُمَّةٍ } أي: بعد مدة من الزمان، وهو بضع سنين.
وقرأ بعضهم كما حكي عن ابن عباس، وعكرمة، والضحاك { وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } أي: بعد نسيان.
وقرأها مجاهد: (بَعْدَ أُمْة) بإسكان الميم، وهو النسيان أيضًا، يقال: أمه الرجل يأمه أمهًا، وأمهًا إذا نسي.
قال الشاعر:
أمهت وكنت لا أنسى حديثًا * كذاك الدهر يزري بالعقول
فقال لقومه وللملك: { أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } أي: فأرسلوني إلى يوسف.
فجاءه فقال: { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } وعند أهل الكتاب أن الملك لما ذكره له الساقي إستدعاه إلى حضرته، وقصَّ عليه ما رآه، ففسره له، وهذا غلط.
والصواب ما قصَّه الله في كتابه القرآن، لا ما عربه هؤلاء الجهلة الثيران، من قراى وربان.
فبذل يوسف عليه السلام ما عنده من العلم بلا تأخر، ولا شرط، ولا طلب الخروج سريعًا، بل أجابهم إلى ما سألوا، وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع سنين من الخصب، ويعقبها سبع جدب.
{ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ } يعني: يأتيهم الغيث، والخصب، والرفاهية.
{ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } يعني: ما كانوا يعصرونه من الأقصاب، والأعناب، والزيتون، والسمسم، وغيرها، فعبر لهم، وعلى الخير دلهم، وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم، وجدبهم، وما يفعلونه من ادخار حبوب سني الخصب في السبع الأول في سنبله، إلا ما يرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية، إذ الغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل، وهذا يدل على كمال العلم، وكمال الرأي والفهم.
{ وفَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } [يوسف: 50-53] .
لما أحاط الملك علمًا بكمال علم يوسف عليه الصلاة والسلام، وتمام عقله، ورأيه السديد وفهمه، أمر بإحضاره إلى حضرته، ليكون من جملة خاصته، فلما جاءه الرسول بذلك، أحب أن لا يخرج حتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلمًا وعدوانًا، وأنه بريء الساحة مما نسبوه إليه بهتانًا.
قال: { ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ } يعني: الملك
{ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } قيل: معناه إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إلي، أي فأمر الملك فليسألهن كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي، وحثهن لي على الأمر الذي ليس برشيد ولا سديد.
فلما سئلن عن ذلك، أعترفن بما وقع من الأمر، وما كان منه من الأمر الحميد { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ } فعند ذلك { قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ } وهي: زليخا { الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ } أي: ظهر، وتبين، ووضح، والحق أحق أن يتبع { أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } أي: فيما يقوله من أنه بريء، وأنه لم يراودني، وأنه حبس ظلمًا، وعدوانًا، وزورًا، وبهتانًا.
وقوله: { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } قيل: إنه من كلام يوسف، أي: إنما طلبت تحقيق هذا ليعلم العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب.
وقيل: إنه من تمام كلام زليخا، أي: إنما اعترفت بهذا، ليعلم زوجي أني لم أخنه في نفس الأمر، وإنما كان مراده لم يقع معها فعل فاحشة، وهذا القول هو الذي نصره طائفة كثيرة من أئمة المتأخرين وغيرهم، ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم سوى الأول.
{ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } قيل: إنه من كلام يوسف. وقيل: من كلام زليخا، وهو مفرع على القولين الأولين. وكونه من تمام كلام زليخا أظهر، وأنسب، وأقوى، والله أعلم.
{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } [يوسف: 54-57] .
لما ظهر للملك براءة عرضه، ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه، مما نسبوه إليه، قال:
{ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } أي: أجعله من خاصتي، ومن أكابر دولتي، ومن أعيان حاشيتي، فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله
{ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } أي: ذو مكانة وأمانة
{ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } طلب أن يوليه النظر فيما يتعلق بالإهراء، لما يتوقع من حصول الخلل فيما بعد مضى سبع سنى الخصب لينظر فيها بما يرضي الله في خلقه من الاحتياط لهم، والرفق بهم.
وأخبر الملك إنه حفيظ أي: قوي على حفظ ما لديه، أمين عليه، عليم بضبط الأشياء، ومصالح الإهراء، وفي هذا دليل على جواز طلب الولاية لمن علم من نفسه الأمانة والكفاءة.
وعند أهل الكتاب: أن فرعون عظَّم يوسف عليه السلام جدًا، وسلَّطه على جميع أرض مصر، وألبسه خاتمه، وألبسه الحرير، وطوقه الذهب، وحمله على مركبه الثاني، ونودي بين يديه: أنت رب ومسلط، وقال له: لست أعظم منك إلا بالكرسي، قالوا: وكان يوسف إذ ذاك ابن ثلاثين سنة، وزوجه امرأة عظيمة الشأن.
وحكى الثعلبي أنه عزل قطفير عن وظيفته وولاها يوسف. وقيل: إنه لما مات، زوَّجه امرأته زليخا، فوجدها عذراء، لأن زوجها كان لا يأتي النساء، فولدت ليوسف عليه السلام رجلين وهما: أفرايم ومنشا، قال: واستوثق ليوسف ملك مصر، وعمل فيهم بالعدل، فأحبه الرجال والنساء.
وحكي أن يوسف كان يوم دخل على الملك عمره ثلاثين سنة، وأن الملك خاطبه بسبعين لغة، وكل ذلك يجاوبه بكل لغة منها، فأعجبه ذلك مع حداثة سنه فالله أعلم.
قال الله تعالى: { وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ } أي: بعد السجن، والضيق، والحصر، صار مطلق الركاب بديار مصر.
{ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ } أي: أين شاء حلَّ منها مكرمًا محسودًا معظمًا.
{ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } أي: هذا كله من جزاء الله، وثوابه للمؤمن، مع ما يدخر له في آخرته من الخير الجزيل والثواب الجميل.
ولهذا قال: { وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }
ويقال: إن أطفير زوج زليخا كان قد مات، فولاه الملك مكانه، وزوَّجه امرأته زليخا، فكان وزير صدق.
وذكر محمد بن إسحاق أن صاحب مصر - الوليد بن الريان - أسلم على يدي يوسف عليه السلام فالله أعلم.
وقد قال بعضهم:
وراء مضيق الخوف متسع الأمن * وأول مفروح به غاية الحزن
فلا تيأسن فالله ملك يوسفًا * خزائنه بعد الخلاص من السجن
{ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ * فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [يوسف: 58-62] .
يخبر تعالى عن قدوم إخوة يوسف عليه السلام إلى الديار المصرية، يمتارون طعامًا، وذلك بعد إتيان سُني الجدب وعمومها على سائر البلاد والعباد.
وكان يوسف عليه السلام إذ ذاك الحاكم في أمور الديار المصرية، دينًا ودنيا، فلما دخلوا عليه عرفهم، ولم يعرفوه، لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانة والعظمة، فلهذا عرفهم وهم له منكرون.
وعند أهل الكتاب: أنهم لما قدموا عليه سجدوا له فعرفهم، وأراد أن لا يعرفوه بأغلظ لهم في القول، وقال: أنتم جواسيس جئتم لنا لتأخذوا خير بلادي، فقالوا: معاذ الله إنما جئنا نمتار لقومنا من الجهد والجوع الذي أصابنا، ونحن بنو أب واحد من كنعان، ونحن اثنا عشر رجلًا، ذهب منا واحد، وصغيرنا عند أبينا.
فقال: لا بد أن أستعلم أمركم، وعندهم أنه حبسهم ثلاثة أيام، ثم أخرجهم، واحتبس شمعون عنده ليأتوه بالأخ الآخر، وفي بعض هذا نظر.
قال الله تعالى: { وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } أي: أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته في إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيده عليه.
{ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ } وكان قد سألهم عن حالهم، وكم هم، فقالوا كنا اثني عشر رجلًا، فذهب منا واحد وبقي شقيقه عند أبينا فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني به معكم.
{ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ } أي: قد أحسنت نزلكم وقراكم فرغبهم ليأتوه به ثم رهبهم إن لم يأتوه به.
قال: { فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ } أي: فلست أعطيكم ميرة ولا أقربكم بالكلية عكس ما أسدى إليهم أولًا، فاجتهد في إحضاره معهم، ليبل شوقه منه بالترغيب والترهيب.
{ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } أي: سنجتهد في مجيئه معنا، وإتيانه إليك بكل ممكن.
{ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } أي: وإنا لقادرون على تحصيله.
ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاءوا به يتعوضون به عن الميرة في أمتعتهم، من حيث لا يشعرون بها.
{ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } قيل: أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم، وقيل: خشي أن لا يكون عندهم ما يرجعون به مرة ثانية، وقيل: تذمم أن يأخذ منهم عوضًا عن الميرة.
وقد اختلف المفسرون في بضاعتهم على أقوال سيأتي ذكرها.
وعند أهل الكتاب: أنها كانت صررًا من ورق وهو أشبه والله أعلم.
{ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ * قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ * وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [يوسف: 63-68] .
يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم، وقولهم له: { مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ } أي: بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا، فإن أرسلته معنا لم يمنع منا.
{ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي } أي: أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا.
{ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا } أي: نمتار لهم، ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم، ومحلهم
{ وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ } بسببه.
{ كَيْلَ بَعِيرٍ } قال الله تعالى: { ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } أي: في مقابلة ذهاب ولده الآخر. وكان يعقوب عليه السلام أضن شيء بولده بنيامين لأنه كان يشم فيه رائحة أخيه، ويتسلى به عنه، ويتعوض بسببه منه.
فلهذا قال: { لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ } أي: إلا أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به.
{ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } أكَّد المواثيق، وقرر العهود، واحتاط لنفسه في ولده، ولن يغني حذر من قدر. ولولا حاجته وحاجة قومه إلى الميرة، لما بعث الولد العزيز، ولكن الأقدار لها أحكام، والرب تعالى يقدر ما يشاء، ويختار ما يريد، ويحكم ما يشاء، وهو الحكيم العليم.
ثم أمرهم أن لا يدخلوا المدينة من باب واحد، ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة، قيل: أراد أن لا يصيبهم أحد بالعين، وذلك لأنهم كانوا أشكالًا حسنة، وصورًا بديعة، قاله ابن عباس، ومجاهد، ومحمد بن كعب، وقتادة، والسدي، والضحاك.
وقيل: أراد أن يتفرقوا لعلهم يجدون خبرًا ليوسف، أو يحدثون عنه بأثر، قاله إبراهيم النخعي، والأول أظهر. ولهذا قال: { وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ }.
وقال تعالى: { وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }.
وعند أهل الكتاب: أنه بعث معهم هدية إلى العزيز من الفستق، واللوز، والصنوبر، والبطم، والعسل، وأخذوا الدراهم الأولى، وعوضًا آخر
{ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ * قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ * قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ * قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ } [يوسف: 69-79] .
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حين دخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه يوسف، وإيوائه إليه وإخباره له سرًا عنهم بأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاه عما كان منهم من الإساءة إليه،
ثم احتال على أخذه منهم، وتركه إياه عنده دونهم، فأمر فتيانه بوضع سقايته - وهي التي كان يشرب بها، ويكيل بها للناس الطعام عن غرته -في متاع بنيامين، ثم أعلمهم بأنهم قد سرقوا صواع الملك، ووعدهم جعالة على رده حمل بعير، وضمنه المنادي لهم، فأقبلوا على من اتهمهم بذلك، فأنَّبوه وهجنوه فيما قاله لهم.
و { قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } يقولون: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا به من السرقة.
{ قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } وهذه كانت شريعتهم أن السارق يدفع إلى المسروق منه، ولهذا قالوا: { كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ }.
قال الله تعالى: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ } ليكون ذلك أبعد للتهمه وأبلغ في الحيلة.
ثم قال الله تعالى: { كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ } أي: لولا اعترافهم بأن جزاءه من وجد في رحله فهو جزاؤه، لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر.
{ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ } أي: في العلم.
{ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } وذلك لأن يوسف كان أعلم منهم، وأتم رأيًا، وأقوى عزمًا وحزمًا، وإنما فعل ما فعل عن أمر الله له في ذلك، لأنه يترتب على هذا الأمر مصلحة عظيمة بعد ذلك، من قدوم أبيه وقومه عليه، ووفودهم إليه فلما عاينوا استخراج الصواع من حمل بنيامين
{ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ } يعنون يوسف.
قيل: كان قد سرق صنم جده أبي أمه فكسره.
وقيل: كانت عمته قد علقت عليه بين ثيابه وهو صغير منطقة كانت لإسحاق ثم استخرجوها من بين ثيابه، وهو لا يشعر بما صنعت، وإنما أرادت أن يكون عندها وفي حضانتها لمحبتها له.
وقيل: كان يأخذ الطعام من البيت فيطعمه الفقراء.
وقيل: غير ذلك. فلهذا { قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ } وهي كلمته بعدها، وقوله: { أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ } أجابهم سرًا لا جهرًا، حلمًا وكرما وصفحًا وعفوًا فدخلوا معه في الترقق والتعطف.
فقالوا: { يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ } أي: إن أطلقنا المتهم، وأخذنا البريء هذا ما لا نفعله ولا نسمح به، وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.
وعند أهل الكتاب أن يوسف تعرف إليهم حينئذ، وهذا مما غلطوا فيه ولم يفهموه جدًا.
{ فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ * ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف: 80-87] .
يقول تعالى مخبرًا عنهم أنهم لما استيأسوا من أخذه منه، خلصوا يتناجون فيما بينهم، قال كبيرهم - وهو روبيل - { أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ } لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيه كما فرطتم في أخيه يوسف من قبله، فلم يبقَ لي وجه أقابله به.
{ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ } أي: لا أزال مقيمًا ههنا { حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي } في القدوم عليه، { أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي } بأن يقدرني على رد أخي إلى أبي { وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }
{ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ } أي: أخبروه بما رأيتم من الأمر في ظاهر المشاهدة، { وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا } أي: فإن هذا الذي أخبرناك به من أخذهم أخانا لأنه سرق أمر اشتهر بمصر وعلمه العير التي كنا نحن وهم هناك { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }.
{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } أي: ليس الأمر كما ذكرتم، لم يسرق فإنه ليس سجية له ولا هو خلقه، وإنما سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل.
قال ابن إسحاق وغيره: لما كان التفريط منهم في بنيامين مترتبًا على صنيعهم في يوسف قال لهم ما قال، وهذا كما قال بعض السلف: إن من جزاء السيئة السيئة بعدها، ثم قال: { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا } يعني: يوسف وبنيامين وروبيل.
{ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } أي: بحالي وما أنا فيه من فراق الأحبة.
{ الْحَكِيمُ } فيما يقدره ويفعله، وله الحكمة البالغة والحجة القاطعة.
{ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ } أي: أعرض عن بنيه
{ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } ذكّره حزنه الجديد بالحزن القديم، وحرك ما كان كامنًا كما قال بعضهم:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما الحب إلا للحبيب الأول
وقال آخر:
لقد لامني عند القبور على البكا * رفيقي لتذراف الدموع السوافك
فقال أتبكي كل قبر رأيته * لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى * فدعني فهذا كله قبر مالك
وقوله: { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ } أي: من كثرة البكاء.
{ فَهُوَ كَظِيمٌ } أي: مكظم من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف، فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق
{ قَالُوا } له على وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه
{ تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ } يقولون: لا تزال تتذكره حتى تنحل جسدك، وتضعف قوتك، فلو رفقت بنفسك كان أولى بك.
{ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } يقول لبنيه: لست أشكو إليكم ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه، إنما أشكو إلى الله عز وجل وأعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجًا ومخرجًا، وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع، ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى.
ولهذا قال: { وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ثم قال لهم محرضًا على تطلب يوسف وأخيه، وأن يبحثوا عن أمرهما: { يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } أي: لا تيئسوا من الفرج بعد الشدة، فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه وما يقدره من المخرج في المضايق إلا القوم الكافرون.
{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } [يوسف: 88-93] .
يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه، وقدومهم عليه، ورغبتهم فيما لديه من الميرة والصدقة عليهم رد أخيهم بنيامين إليهم { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ } أي: من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال.
{ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ } أي: ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن يتجاوز عنا، قيل: كانت دراهم رديئة. وقيل: قليلة. وقيل: حب الصنوبر وحب البطم ونحو ذلك. وعن ابن عباس: كانت خلق الغرائر والحبال ونحو ذلك.
{ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ }. قيل: بقبولها قاله السدي. وقيل: برد أخينا إلينا قاله ابن جريج. وقال سفيان بن عيينة: إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد ونزع بهذه الآية. رواه ابن جرير.
فلما رأى ما هم فيه من الحال، وما جاؤوا به مما لم يبق عندهم سواه من ضعيف المال، تعرف إليهم وعطف عليهم قائلًا لهم عن أمر ربه وربهم.
وقد حسر لهم عن جبينه الشريف وما يحويه من الخال فيه الذي يعرفون { هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ }.
{ قَالُوا } وتعجبوا كل العجب، وقد ترددوا إليه مرارًا عديدة وهم لا يعرفون أنه هو.
{ أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي } يعني: أنا يوسف الذي صنعتم معه ما صنعتم، وسلف من أمركم فيه ما فرطتم. وقوله { وَهَذَا أَخِي } تأكيد لما قال، وتنبيه على ما كانوا أضمروا لهما من الحسد، وعملوا في أمرهما من الاحتيال.
ولهذا قال: { قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } أي: بإحسانه إلينا، وصدقته علينا وإيوائه لنا، وشده معاقد عزنا، وذلك بما أسلفنا من طاعة ربنا وصبرنا على ما كان منكم إلينا، وطاعتنا وبرنا لأبينا ومحبته الشديدة لنا، وشفقته علينا.
{ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا } أي: فضلك وأعطاك ما لم يعطنا.
{ وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ } أي: فيما أسدينا إليك وها نحن بين يديك.
{ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ } أي: لست أعاقبكم على ما كان منكم بعد يومكم هذا، ثم زادهم على ذلك فقال: { الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }
ومن زعم أن الوقف على قوله: { لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ } وابتدأ بقوله اليوم يغفر الله لكم، فقوله ضعيف والصحيح الأول. ثم أمرهم بأن يذهبوا بقميصه وهو الذي يلي جسده، فيضعوه على عيني أبيه فإنه يرجع إليه بصره بعد ما كان ذهب بإذن الله، وهذا من خوارق العادات ودلائل النبوات، وأكبر المعجزات.
ثم أمرهم أن يتحملوا بأهلهم أجمعين إلى ديار مصر إلى الخير والدعة وجمع الشمل بعد الفرقة على أكمل الوجوه وأعلى الأمور.
{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [يوسف: 94-98] .
قال عبد الرزاق: أنبأنا إسرائيل عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل سمعت ابن عباس يقول: فلما فصلت العير قال: لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال: { إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ } قال فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام، وكذا رواه الثوري، وشعبة وغيرهم عن أبي سنان به.
وقال الحسن البصري، وابن جريج المكي: كان بينهما مسيرة ثمانين فرسخًا، وكان له منذ فارقه ثمانون سنة.
وقوله: { لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ } أي: تقولون إنما قلت هذا من الفند وهو الخرف وكبر السن.
قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة: تفندون: تسفهون.
وقال مجاهد أيضًا، والحسن: تهرمون.
{ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ } قال قتادة، والسدي: قالوا له كلمة غليظة. قال الله تعالى: { فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا } أي: بمجرد ما جاء ألقى القميص على وجه يعقوب فرجع من فوره بصيرًا بعد ما كان ضريرًا، وقال لبنيه عند ذلك: { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } أي: أعلم أن الله سيجمع شملي بيوسف، وستقر عيني به وسيريني فيه ومنه ما يسرني.
فعند ذلك { قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } طلبوا منه أن يستغفر لهم الله عز وجل عما كانوا فعلوا، ونالوا منه ومن ابنه وما كانوا عزموا عليه، ولما كان من نيتهم التوبة قبل الفعل، وفقهم الله للاستغفار عند وقوع ذلك منهم، فأجابهم أبوهم إلى ما سألوا وما عليه عولوا قائلًا: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
قال ابن مسعود، وإبراهيم التيمي، وعمرو بن قيس، وابن جريج وغيرهم: أرجأهم إلى وقت السحر.
قال ابن جرير: حدثني أبو السائب، حدثنا ابن إدريس، سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال: كان عمر يأتي المسجد فسمع إنسانا يقول: اللهم دعوتني فأجبت، وأمرتني فأطعت وهذا السحر فاغفر لي، قال: فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود، فسأل عبد الله عن ذلك فقال: إن يعقوب أخرّ بنيه إلى السحر بقوله: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي }
وقد قال الله تعالى: { وَالْمُسْتَغْفِرِيْنَ بِالْأَسْحَارِ } [آل عمران: 17] وثبت في الصحيحن عن رسول الله قال:
« ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: هل من تائب فأتوب عليه، هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له ».
وقد ورد في حديث أن يعقوب أرجأ بنيه إلى ليلة الجمعة.
قال ابن جرير، حدثني المثنى، ثنا سليمان بن عبد الرحمن بن أيوب الدمشقي، حدثنا الوليد، أنبأنا ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس عن رسول الله :
« { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، وهو قول أخي يعقوب لبنيه ».
وهذا غريب من هذا الوجه.
وفي رفعه نظر والأشبه أن يكون موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنه.
{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف: 99-101] .
هذا إخبار عن حال اجتماع المتحابين بعد الفرقة الطويلة، التي قيل أنها ثمانون سنة، وقيل: ثلاثة وثمانون سنة، وهما روايتان عن الحسن. وقيل: خمس وثلاثون سنة، قاله قتادة. وقال محمد بن إسحاق: ذكروا أنه غاب عنه ثماني عشرة سنة. قال وأهل الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة.
وظاهر سياق القصة يرشد إلى تحديد المدة تقريبًا فإن المرأة راودته وهو شاب ابن سبع عشرة سنة، فيما قاله غير واحد فامتنع، فكان في السجن بضع سنين، وهي سبع عند عكرمة وغيره، ثم أخرج فكانت سنوات الخصب السبع، ثم لما أمحل الناس في السبع البواقي جاء إخوتهم يمتارون في السنة الأولى وحدهم، وفي الثانية ومعهم أخوه بنيامين، وفي الثالثة تعرف إليهم وأمرهم بإحضار أهلهم أجمعين، فجاءوا كلهم.
{ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } اجتمع بها خصوصًا وحدهما دون إخوته. { وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } قيل هذا من المقدم والمؤخر تقديره: ادخلوا مصر وآوى إليه أبويه. وضعفه ابن جرير وهو معذور.
قيل: تلقاهما وآواهما في منزل الخيام، ثم لما اقتربوا من باب مصر { وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } قاله السدي. ولو قيل إن الأمر لا يحتاج إلى هذا أيضًا، وأنه ضمن قوله ادخلوا معنى اسكنوا مصر أو أقيموا بها، { إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } لكان صحيحًا مليحًا أيضًا.
وعند أهل الكتاب: أن يعقوب لما وصل إلى أرض جاشر، وهي أرض بلبيس، خرج يوسف لتلقيه وكان يعقوب قد بعث ابنه يهوذا بين يديه مبشرًا بقدومه، وعندهم أن الملك أطلق لهم أرض جاشر يكونون فيها ويقيمون بها بنعمهم ومواشيهم.
وقد ذكر جماعة من المفسرين أنه لما أزف قدوم نبي الله يعقوب، وهو إسرائيل، أراد يوسف أن يخرج لتلقيه فركب معه الملك وجنوده خدمة ليوسف، وتعظيمًا لنبي الله إسرائيل، وأنه دعا للملك وأن الله رفع عن أهل مصر بقية سني الجدب ببركة قدومه إليهم، فالله أعلم.
وكان جملة من قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم، فيما قاله أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن ابن مسعود ثلاثة وستين إنسانًا.
وقال موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب عن عبد الله بن شداد: كانوا ثلاثة وثمانين إنسانًا.
وقال أبو إسحاق عن مسروق: دخلوا وهم ثلاثمائة وتسعون إنسانًا.
قالوا: وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمائة ألف مقاتل. وفي نص أهل الكتاب أنهم كانوا سبعين نفسًا وسموهم.
قال الله تعالى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } قيل: كانت أمه قد ماتت كما هو عند علماء التوراة.
وقال بعض المفسرين: فأحياها الله تعالى. وقال آخرون: بل كانت خالته ليا، والخالة بمنزلة الأم.
وقال ابن جرير وآخرون: بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمه إلى يومئذ، فلا يعول على نقل أهل الكتاب فيما خالفه، وهذا قوي والله أعلم.
ورفعهما على العرش أي: أجلسهما معه على سريره.
{ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } أي: سجده له الأبوان، والاخوة الأحد عشر، تعظيمًا وتكريمًا وكان هذا مشروعًا لهم، ولم يزل ذلك معمولًا به في سائر الشرائع، حتى حرم في ملتنا.
{ وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ } أي: هذا تعبير ما كنت قصصته عليك من رؤيتي الأحد عشر كوكبًا، والشمس والقمر حين رأيتهم لي ساجدين، وأمرتني بكتمانها، ووعدتني ما وعدتني عند ذلك.
{ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ } أي: بعد الهم والضيق جعلني حاكمًا نافذ الكلمة في الديار المصرية حيث شئت.
{ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ } أي: البادية، وكانوا يسكنون أرض العربات من بلاد الخليل.
{ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي } أي: فيما كان منهم إلي من الأمر الذي تقدم وسبق ذكره.
ثم قال: { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ } أي: إذا أراد شيئًا هيأ أسبابه ويسرها، وسهلها من وجوه لا يهتدي إليها العباد، بل يقدرها وييسرها بلطيف صنعه، وعظيم قدرته.
{ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } أي: بجميع الأمور.
{ الْحَكِيمُ } في خلقه وشرعه وقدره.
وعند أهل الكتاب: أن يوسف باع أهل مصر وغيرهم من الطعام الذي كان تحت يده بأموالهم كلها من الذهب، والفضة، والعقار، والأثاث، وما يملكونه كله حتى باعهم بأنفسهم فصاروا أرقاء، ثم أطلق لهم أرضهم، وأعتق رقابهم، على أن يعملوا ويكون خمس ما يشتغلون من زرعهم وثمارهم للملك، فصارت سنة أهل مصر بعده.
وحكى الثعلبي: أنه كان لا يشبع في تلك السنين حتى لا ينسى الجيعان، وأنه إنما كان يأكل أكلة واحدة نصف النهار، قال: فمن ثم اقتدى به الملوك في ذلك. قلت: وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يشبع بطنه عام الرمادة، حتى ذهب الجدب وأتى الخصب.
قال الشافعي: قال رجل من الأعراب لعمر بعد ما ذهب عام الرمادة: لقد انجلت عنك وإنك لابن حرة.
ثم لما رأى يوسف عليه السلام نعمته قد تمت، وشمله قد اجتمع، عرف أن هذه الدار لا يقربها قرار، وأن كل شيء فيها ومن عليها فان، وما بعد التمام إلا النقصان، فعند ذلك أثنى على ربه بما هو أهله، واعترف له بعظيم إحسانه وفضله، وسأل منه - وهو خير المسؤولين - أن يتوفاه، أي: حين يتوفاه على الإسلام، وأن يلحقه بعباده الصالحين، وهكذا كما يقال في الدعاء: اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، أي: حين تتوفانا.
ويحتمل أنه سأل ذلك عند احتضاره عليه السلام، كما سأل النبي عند احتضاره أن يرفع روحه إلى الملأ الأعلى، والرفقاء الصالحين من النبيين والمرسلين، كما قال:
« اللهم في الرفيق الأعلى »، ثلاثًا ثم قضى.
ويحتمل أن يوسف علي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (1)
» الجزء الاول / فصل في دخول بني إسرائيل التيه وما جرى لهم فيه من الأمور العجيبة
» الجزء الاول / قصة بقرة بني إسرائيل‏
» زوال إسرائيل / من جزئين (الجزء الاول)
» الجزء الاول / فصل فيما كان من أمر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: