ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (1)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (1) Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (1)   الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (1) Emptyالإثنين نوفمبر 23, 2009 10:58 am

الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (1) Kunooozae21e0693c

كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)
فمن ذلك قصة يوسف بن راحيل، وقد أنزل الله عز وجل في شأنه وما كان من أمره سورة من القرآن العظيم، ليتدبر ما فيها من الحكم والمواعظ، والآداب، والأمر الحكيم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } [يوسف: 1-3]
قد تكلمنا على الحروف المقطعة في أول تفسير سورة البقرة، فمن أراد تحقيقه فلينظره ثم، وتكلمنا على هذه السورة مستقصى في موضعها من التفسير، ونحن نذكر ههنا نبذًا مما هناك، على وجه الإيجاز والنجاز.
وجملة القول في هذا المقام، أنه تعالى يمدح كتابه العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم، بلسان عربي فصيح، بين واضح جلي، يفهمه كل عاقل ذكي زكي.
فهو أشرف كتاب نزل من السماء، أنزله أشرف الملائكة على أشرف الخلق في أشرف زمان ومكان، بأفصح لغة وأظهر بيان، فإن كان السياق في الأخبار الماضية أو الآتية ذكر أحسنها وأبينها، وأظهر الحق مما اختلف الناس فيه، ودمغ الباطل وزيفه ورده.
وإن كان في الأوامر والنواهي، فأعدل الشرائع وأوضح المناهج، وأبين حكمًا وأعدل حكمًا فهو كما قال تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا } [الأنعام: 115] يعني صدقًا في الأخبار، عدلًا في الأوامر والنواهي.
ولهذا قال تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } [يوسف: 3] أي: بالنسبة إلى ما أوحي إليك فيه.
كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } [الشورى: 52-53] .
وقال تعالى: { كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا } [طه: 99-101] .
يعني من أعرض عن هذا القرآن واتبع غيره من الكتب فإنه يناله هذا الوعيد، كما قال في الحديث المروي في المسند، والترمذي، عن أمير المؤمنين على مرفوعًا وموقوفًا:
« من ابتغى الهدى في غيره أضله الله ».
وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا هشام، أنبأنا خالد، عن الشعبي، عن جابر، أن عمر بن الخطاب أتى النبي بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي ، قال فغضب وقال:
« أتتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبونه، أو بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني ». إسناد صحيح.
ورواه أحمد من وجه آخر، عن عمرو فيه: فقال رسول الله :
« والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين ».
وقد أوردت طرق هذا الحديث وألفاظه في أول سورة يوسف، وفي بعضها أن رسول الله خطب الناس فقال في خطبته:
« أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه، واختصر لي اختصارًا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية، فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون »، ثم أمر بتلك الصحيفة فمحيت حرفًا حرفًا.
{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [يوسف: 4-6] .
قد قدمنا أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولدًا ذكرًا، وسميناهم وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره، وباقي إخوته لم يوحَ إليهم، وظاهر ما ذكر من فعالهم ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول.
ومن استدل على نبوتهم بقوله: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ } [البقرة: 136] وزعم أن هؤلاء هم الأسباط، فليس استدلاله بقوي لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحي من السماء، والله أعلم.
ومما يؤيد أن يوسف عليه السلام هو المختص من بين إخوته بالرسالة والنبوة، أنه نص على واحد من إخوته سواه، فدل على ما ذكرناه، ويستأنس لهذا بما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الرحمن عن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر أن رسول الله قال:
« الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم ».
انفرد به البخاري، فرواه عن عبد الله بن محمد، وعبدة عن عبد الصمد بن عبد الوارث به.
وقد ذكرنا طرقه في قصة إبراهيم بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة.
قال المفسرون وغيرهم: رأى يوسف عليه السلام وهو صغير قبل أن يحتلم كأن { أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا } وهم إشارة إلى بقية أخوته { وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ } هما عبارة عن أبويه قد سجدوا له، فهاله ذلك.
فلما استيقظ قصها على أبيه، فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية، ورفعة عظيمة في الدنيا والآخرة، بحيث يخضع له أبواه وإخوته فيها، فأمره بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته كيلا يحسدوه، ويبغوا له الغوائل، ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر.
وهذا يدل على ما ذكرناه، ولهذا جاء في بعض الآثار: استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود.
وعند أهل الكتاب أنه قصها على أبيه وأخوته معًا، وهو غلط منهم.
{ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } أي: وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة فإذا كتمتها { يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } أي: يخصك بأنواع اللطف والرحمة.
{ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } أي: يفهمك من معاني الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك.
{ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } أي: بالوحي إليك.
{ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ } أي: بسببك ويحصل لهم بك خير الدنيا والآخرة.
{ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ } أي: ينعم عليك ويحسن إليك بالنبوة كما أعطاها أباك يعقوب، وجدك إسحاق، ووالد جدك إبراهيم الخليل.
{ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } كما قال تعالى: { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124] .
لهذا قال رسول الله لما سئل أي الناس أكرم؟
قال: « يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله ».
وقد روى ابن جرير، وابن أبي حاتم في تفسيريهما، وأبو يعلى، والبزار في (مسنديهما) من حديث الحكم بن ظهير - وقد ضعفه الأئمة - عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر قال: أتى النبي رجل من اليهود يقال له بستانة اليهودي، فقال:
يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ما أسماؤها.
قال فسكت النبي فلم يجبه بشيء، ونزل جبريل عليه السلام بأسمائها.
قال: فبعث إليه رسول الله فقال: « هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ ».
قال: نعم.
فقال: « هي جريان، والطارق، والديال، وذو الكتفان، وقابس، ووثاب، وعمردان، والفيلق، والمصبح، والضروح، وذو الفرع، و الضياء، والنور ».
فقال اليهودي: أي والله إنها لأسماؤها.
وعند أبي يعلى: فلما قصها على أبيه قال: هذا أمر مشتت يجمعه الله، والشمس أبوه، والقمر أمه.
{ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [يوسف: 7-10]
ينبه تعالى على ما في هذه القصة من الآيات والحكم، والدلالات والمواعظ والبينات، ثم ذكر حسد إخوة يوسف له على محبة أبيه له ولأخيه، يعنون شقيقه لأمه بنيامين أكثر منهم، وهم عصبة أي: جماعة يقولون: فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين.
{ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي: بتقديمه حبهما علينا. ثم اشتوروا فيما بينهم في قتل يوسف، أو إبعاده إلى أرض لا يرجع منها، ليخلو لهم وجه أبيه أي لتتمحض محبته لهم، وتتوفر عليهم وأضمروا التوبة بعد ذلك، فلما تمالؤا على ذلك، وتوافقوا عليه.
{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ } قال مجاهد: هو شمعون.
وقال السدي: هو يهودا.
وقال قتادة، ومحمد بن إسحق: هو أكبرهم روبيل.
{ تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ } أي: المارة من المسافرين.
{ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } ما تقولون لا محالة، فليكن هذا الذي أقول لكم فهو أقرب حالًا من قتله أو نفيه وتغريبه، فأجمعوا رأيهم على هذا فعند ذلك قالوا:
{ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ } [يوسف: 11-14] .
طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهروا له أنهم يريدون أن يرعى معهم، وأن يلعب وينبسط، وقد أضمروا له ما الله به عليم، فأجابهم الشيخ عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم: يا بني يشق علي أن أفارقه ساعة من النهار، ومع هذا أخشى أن تشتغلوا في لعبكم وما أنتم فيه، فيأتي الذئب فيأكله، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه
{ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ } أي: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا، أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعة، إنا إذا لخاسرون أي: عاجزون هالكون.
وعند أهل الكتاب أنه أرسله وراءهم يتبعهم، فضل عن الطريق حتى أرشده رجل إليهم. وهذا أيضًا من غلطهم وخطئهم في التعريب، فإن يعقوب عليه السلام كان أحرص عليه من أن يبعثه معهم، فكيف يبعثه وحده.
{ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَجَاؤوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف: 15-18] .
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم، فما كان إلا أن غابوا عن عينيه، فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعال والمقال، وأجمعوا على إلقائه في غيابت الجب أي: في قعره على راعوفته، وهي الصخرة التي تكون في وسطه، يقف عليها المائح - وهو الذي ينزل ليملي الدلاء إذا قل الماء - والذي يرفعها بالحبل يسمى الماتح.
فلما ألقوه فيه، أوحى الله إليه أنه لا بدَّ لك من فرج ومخرج من هذه الشدة التي أنت فيها، ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا، في حال أنت فيها عزيز وهم محتاجون إليك، خائفون منك { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }.
قال مجاهد وقتادة: وهم لا يشعرون بإيحاء الله إليه ذلك.
وعن ابن عباس: وهم لا يشعرون أي: لتخبرنهم بأمرهم هذا في حال لا يعرفونك فيها. رواه ابن جرير عنه.
فلما وضعوه فيه ورجعوا عنه، أخذوا قميصه فلطخوه بشيء من دم، ورجعوا إلى أبيهم عشاء وهم يبكون أي على أخيهم. ولهذا قال بعض السلف: لا يغرنك بكاء المتظلم، فرب ظالم وهو باك.
وذكر بكاء إخوة يوسف، وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون، أي في ظلمة الليل ليكون أمشى لغدرهم لا قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا } أي ثيابنا { فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ } أي: في غيبتنا عنه في استباقنا.
وقولهم { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } أي: وما أنت بمصدق لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له، ولو كنا غير متهمين عندك، فكيف وأنت تتهمنا في هذا، فإنك خشيت أن يأكله الذئب، وضمنا لك أن لا يأكله لكثرتنا حوله، فصرنا غير مصدقين عندك، فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا والحالة هذه.
{ وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } أي: مكذوب مفتعل، لأنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها، فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصه، ليوهموا أنه أكله الذئب، قالوا ونسوا أن يخرقوه، وآفة الكذب النسيان.
ولما ظهرت عليهم علائم الريبة لم يرُج صنيعهم على أبيهم، فإنه كان يفهم عداوتهم له، وحسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم، لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التي كانت عليه في صغره، لما يريد الله أن يخصه به من نبوته.
ولما راودوه عن أخذه، فبمجرد ما أخذوه أعدموه، وغيبوه عن عينيه، جاؤا وهم يتباكون وعلى ما تمالئوا عليه يتواطئون، ولهذا { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }.
وعند أهل الكتاب: أن روبيل أشار بوضعه في الجب، ليأخذه من حيث لا يشعرون، ويرده إلى أبيه، فغافلوه وباعوه لتلك القافلة. فلما جاء روبيل من آخر النار ليُخرج يوسف لم يجده، فصاح وشق ثيابه، وعمد أولئك إلى جدي فذبحوه، ولطخوا من دمه جبة يوسف، فلما علم يعقوب شق ثيابه، ولبس مئزرًا أسود وحزن على ابنه أيامًا كثيرة، وهذه الركاكة جاءت من خطئهم في التعبير والتصوير.
و قال تعالى: { وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 19-22] .
يخبر تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب:
أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفه به، فجاءت سيارة أي: مسافرون.
قال أهل الكتاب: كانت بضاعتهم من الفستق، والصنوبر، والبطم، قاصدين ديار مصر من الشام، فأرسلوا بعضهم ليستقوا من ذلك البئر، فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف، فلما رآه ذلك الرجل:
{ قَالَ يَابُشْرَى } أي: يا بشارتي
{ هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } أي: أوهموا أنه معهم غلام من جملة متجرهم
{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي: هو عالم بما تمالأ عليه أخوته، وبما يسره واجدوه من أنه بضاعة لهم، ومع هذا لا يغيره تعالى لما له في ذلك من الحكمة العظيمة، والقدر السابق، والرحمة بأهل مصر بما يجري الله على يدي هذا الغلام، الذي يدخلها في صورة أسير رقيق، ثم بعد هذا يملكه أزمة الأمور، وينفعهم الله به في دنياهم وأخراهم بما لا يحد ولا يوصف.
ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم وقالوا هذا غلامنا أبق منا، فاشتروه منهم بثمن بخس أي: قليل نزر. وقيل: هو الزيف.
{ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ } قال ابن مسعود، وابن عباس، ونوف اليكالي، والسدي، وقتادة، وعطية العوفي: باعوه بعشرين درهمًا، اقتسموها درهمين درهمين.
وقال مجاهد: اثنان وعشرون درهمًا.
وقال عكرمة، ومحمد بن إسحاق: أربعون درهمًا فالله أعلم.
{ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ } أي: أحسني إليه.
{ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا } وهذا من لطف الله به، ورحمته وإحسانه إليه، بما يريد أن يؤهله له ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة.
قالوا: وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها، وهو الوزير بها الذي تكون الخزائن مسلمة إليه.
قال ابن إسحاق: واسمه اطفير بن روحيب، قال: وكان ملك مصر يومئذ الريان بن الوليد، رجل من العماليق، قال: واسم امرأة العزيز: راعيل بنت رعاييل.
وقال غيره: كان اسمها زليخا، والظاهر أنه لقبها. وقيل: فكا بنت ينوس. رواه الثعلبي عن أبي هشام الرفاعي.
وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس: كان اسم الذي باعه بمصر يعني الذي جلبه إليها: مالك بن ذعر بن نويب بن عفقا بن مديان بن إبراهيم، فالله أعلم.
وقال ابن إسحاق عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال:
أفرس الناس ثلاثة:
عزيز مصر حين قال لامرأته: أكرمي مثواه.
والمرأة التي قالت لأبيها عن موسى: { يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } [القصص: 26] .
وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
ثم قيل: اشتراه العزيز بعشرين دينارًا.
وقيل: بوزنه مسكًا، ووزنه حريرًا، ووزنه ورقًا، فالله أعلم.
وقوله: { وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ } أي: وكما قيضنا هذا العزيز، وامرأته يحسنان إليه، ويعتنيان به مكنا له في أرض مصر
{ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } أي: فهمها، وتعبير الرؤيا من ذلك.
{ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ } أي: إذا أراد شيئًا، فإنه يقيض له أسبابًا وأمورًا لا يهتدي إليها العباد، ولهذا قال تعالى: { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }.
{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد، وهو حد الأربعين الذي يوحي الله فيه إلى عباده النبيين عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين.
وقد اختلفوا في مدة العمر الذي هو بلوغ الأشد:
فقال مالك، وربيعة، وزيد بن أسلم، والشعبي: هو الحلم.
وقال سعيد بن جبير: ثماني عشرة سنة.
وقال الضحاك: عشرون سنة.
وقال عكرمة: خمس وعشرون سنة.
وقال السدي: ثلاثون سنة.
وقال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: ثلاث وثلاثون سنة.
وقال الحسن: أربعون سنة، ويشهد له قوله تعالى: { إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [الأحقاف: 15] .
{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ } [يوسف: 23-29] .
يذكر تعالى ما كان من مراودة امرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه، وطلبها منه ما لا يليق بحاله ومقامه، وهي في غاية الجمال، والمال، والمنصب، والشباب، وكيف غلقت الأبواب عليها وعليه وتهيأت له، وتصنعت، ولبست أحسن ثيابها، وأفخر لباسها، وهي مع هذا كله امرأة الوزير.
قال ابن إسحاق: وبنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر، وهذا كله مع أن يوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء، إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء، فعصمه ربه عن الفحشاء، وحماه من مكر النساء، فهو سيد السادة النجباء السبعة الأتقياء، المذكورين في (الصحيحين) عن خاتم الأنبياء في قوله عليه الصلاة والسلام من رب الأرض والسماء:
« سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ».
والمقصود: أنها دعته إليها، وحرصت على ذلك أشد الحرص، فقال:
{ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي } يعني: زوجها صاحب المنزل سيدي
{ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } أي: أحسن إليَّ، وأكرم مقامي عنده
{ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } وقد تكلمنا على قوله
{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } بما فيه كفاية ومقنع في التفسير.
وأكثر أقوال المفسرين ههنا متلقى من كتب أهل الكتاب، فالإعراض عنه أولى بنا. والذي يجب أن يعتقد أن الله تعالى عصمه، وبرأه، ونزهه عن الفاحشة، وحماه عنها، وصانه منها، ولهذا قال تعالى:
{ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ } أي: هرب منها طالبًا إلى الباب ليخرج منه، فرارًا منها، فاتبعته في أثره
{ وَأَلْفَيَا } أي: وجدا { سَيِّدَهَا } أي: زوجها لدى الباب، فبدرته بالكلام وحرضته عليه
{ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } اتهمته وهي المتهمة، وبرأت عرضها، ونزهت ساحتها، فلهذا قال يوسف عليه السلام:
{ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي } احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة
{ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } قيل: كان صغيرًا في المهد قاله ابن عباس.
وروي عن أبي هريرة، وهلال بن يساف، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، والضحاك، واختاره ابن جرير.
وروي فيه حديثًا مرفوعًا عن ابن عباس، ووقفه غيره عنه.
وقيل: كان رجلًا قريبًا إلى أطفير بعلها. وقيل: قريبًا إليها.
وممن قال إنه كان رجلًا: ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وزيد بن أسلم، فقال:
{ إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } أي: لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه.
{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ } أي: لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته، وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك وكذلك كان.
ولهذا قال تعالى: { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } أي: هذا الذي جرى من مكركن، أنت راودته عن نفسه. ثم اتهمته بالباطل، ثم ضرب بعلها عن هذا صفحًا فقال:
{ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا } أي: لا تذكره لأحد، لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن، وأمرها بالاستغفار لذنبها الذي صدر منها، والتوبة إلى ربها، فإن العبد إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
وأهل مصر وإن كانوا يعبدون الأصنام إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب، ويؤاخذ بها هو الله وحده لا شريك له في ذلك. ولهذا قال لها بعلها، وعذرها من بعض الوجوه، لأنها رأت ما لا صبر لها على مثله، إلا أنه عفيف، نزيه، بريء العرض، سليم الناحية، فقال: { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }.
{ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكًَا وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [يوسف: 30-34] .
يذكر تعالى ما كان من قبل نساء المدينة، من نساء الأمراء، وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز، وعيبها، والتشنيع عليها في مراودتها فتاها، وحبها الشديد له، وهو لا يساوي هذا، لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلًا لهذا، ولهذا قلن:
{ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي: في وضعها الشيء في غير محله.
{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } أي: بتشنيعهن عليها، والتنقص لها، والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحب مولاها، وعشق فتاها، فأظهرن ذمًا، وهي معذورة في نفس الأمر، فلهذا أحبت أن تبسط عذرها عندهن، وتبين أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا من قبيل ما لديهن.
فأرسلت إليهن فجمعتهن في منزلها، واعتدت لهن ضيافة مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئا مما يقطع بالسكاكين، كالأترج ونحوه، وأتت كل واحدة منهن سكينًا، وكانت قد هيأت يوسف عليه السلام، وألبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرته بالخروج عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة
{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي: أعظمنه، وأجللنه وهبنه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم.
وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن، وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح: { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ }.
وقد جاء في حديث الإسراء:
« فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ».
قال السهيلي وغيره من الأئمة: معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام، لأن الله تعالى خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، فكان في غاية نهايات الحسن البشري، ولهذا يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم وحسنه، ويوسف كان على النصف من حسن آدم، ولم يكن بينهما أحسن منهما، كما أنه لم تكن أنثى بعد حواء أشبه بها من سارة امرأة الخليل عليه السلام.
قال ابن مسعود: وكان وجه يوسف مثل البرق، وكان إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه.
وقال غيره: كان في الغالب مبرقعًا لئلا يراه الناس، ولهذا لما قام عذر امرأة العزيز في محبتها لهذا المعنى المذكور، وجرى لهن وعليهن ما جرى، من تقطيع أيديهن بجراح السكاكين، وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته: { قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ }.
ثم مدحته بالعصمة التامة فقالت: { وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } أي: امتنع. { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ }.
وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته، فأبى أشد الإباء، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعا فقال في دعائه لرب العالمين:
{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ } يعني: إن وكلتني إلى نفسي، فليس لي من نفسي إلا العجز والضعف، ولا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله، فأنا ضعيف الا ما قويتني، وعصمتني، وحفظتني، وحطني بحولك وقوتك. ولهذا قال تعالى: { فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.
{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ * وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ آرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } [يوسف: 35-41] .
يذكر تعالى عن العزيز وامرأته أنهم بدا لهم أي: ظهر لهم من الرأي بعدما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلى وقت، ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية، وأخمد لأمرها، وليظهروا أنه راودها عن نفسها، فسجن بسببها، فسجنوه ظلمًا وعدوانًا، وكان هذا مما قدر الله له.
ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتهم، ومخالطتهم، ومن ههنا استنبط بعض الصوفية ما حكاه عنهم الشافعي أن من العصمة أن لا تجد.
قال الله: { وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ } قيل: كان أحدهما ساقي الملك واسمه فيما قيل: بنو، والآخر خبازه يعني: الذي يلي طعامه، وهو الذي يقول له الترك: الجاشنكير. واسمه فيما قيل: مجلث، كان الملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما.
فلما رأيا يوسف في السجن أعجبهما سمته، وهديه، ودله، وطريقته، وقوله، وفعله، وكثرة عبادته ربه، وإحسانه إلى خلقه، فرأى كل واحد منهما رؤيا تناسبه.
قال أهل التفسير: رأيا في ليلة واحدة:
أما الساقي فرأى كأن ثلاث قضبان من حبلة وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب، فأخذها فاعتصرها في كأس الملك وسقاه.
ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز، وضواري الطيور تأكل من السل الأعلى، فقصاها عليه وطلبا منه أن يعبرهما لهما.
وقالا { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها.
و { قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا } قيل: معناه مهما رأيتما من حلم، فإني أعبره لكم قبل وقوعه، فيكون كما أقول.
وقيل: معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه، حلوًا أو حامضًا كما قال عيسى: { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } [آل عمران: 49] .
وقال لهما: إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به، موحد له، متبع ملة آبائي الكرام إبراهيم الخليل، واسحاق، ويعقوب { مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا } أي: بأن هدانا لهذا.
{ وَعَلَى النَّاسِ } أي: بأن أمرنا أن ندعوهم إليه، ونرشدهم، وندلهم عليه، وهو في فطرهم مركوز وفي جبلتهم مغروز. { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }.
ثم دعاهم إلى التوحيد، وذم عبادة ما سوى الله عز وجل، وصغر أمر الأوثان، وحقرها، وضعف أمرها، فقال:
{ يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ آرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } أي: هو المتصرف في خلقه الفعال لما يريد، الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء.
{ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } أي: وحده لا شريك له.
و { ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } أي: المستقيم، والصراط القويم.
{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } أي: فهم لا يهتدون إليه مع وضوحه وظهوره، وكانت دعوته لهما في هذه الحال في غاية الكمال، لأن نفوسهما معظمة له، منبعثة على تلقي ما يقول بالقبول، فناسب أن يدعوهما إلى ما هو الأنفع لهما مما سألا عنه وطلبا منه.
ثم لما قام بما وجب عليه، وأرشد إلى ما أرشد إليه، قال: { يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا } قالوا: وهو الساقي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (1)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الاول / ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل (2)
» الجزء الاول / فصل في دخول بني إسرائيل التيه وما جرى لهم فيه من الأمور العجيبة
» الجزء الاول / قصة بقرة بني إسرائيل‏
» زوال إسرائيل / من جزئين (الجزء الاول)
» الجزء الاول / فصل فيما كان من أمر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: