ابو ايهاب حمودة :: المشرف العام ::
عدد المساهمات : 25191 تاريخ التسجيل : 16/08/2009
| موضوع: سورة الكهف - قصة أهل الكهف الإثنين نوفمبر 10, 2014 2:09 pm | |
| سورة الكهف - قصة أهل الكهف سورة الكهف تناولت أربعة قصص قرآنية سنتناولها جميعا ان شاء الله, وسنبدأ بمن لأجلهم سميت سورة الكهف وهم أهل الكهف. الايات الكريمات التي تناولت قصة أهل الكهف محصورة بين الآيات 10- 26 مِن المسلَّمِ به أنَّ حادثة أصحاب الكهف طبقاً لمعلومات المؤرخون, كانت قد وقعت في القرون بعد رفع المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام الى السماء, ولكن لم يذكر المؤرخون أو يحددون السنة التي وقعت فيها الحادثة. وكل ما قصّه علينا القرآن الكريم أنّ أهل الكهف ناموا في الكهف 309 سنوات كما في قوله تعالى 25- 26 ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا* قل الله أعلم بما لبثوا , له غيب السموات والأرض نعم لا أحد يعلم المدة التي قضاها هؤلاء الفتية وهم نيام الا الله عزوجل, علاّم الغيوب. وأيّا كانت المدة التي لبثوا فيها في الكهف, فالعبرة ليست في المدة التي ناموا فيها, واما في قدرة الله تعالى أنه قادر على احياء الموتى متى شاء, وقد احيا الله عزوجل أهل الكهف بعدما أماتهم كل تلك السنوات الطويلة, فسبحان الله الملك الذي يُحْيي ويُميتُ وهو على كل شيءٍ قدير. انّ الصراع بين الحق والباطل, بين الايمان والكفر, صورة تكررت منذ أن بعث آدم عليه الصلاة وستبقى الى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. أنّ قصة أهل الكهف واحدة من صور الصراع بين الحق والباطل, والايمان والكفر, الا أنها تميّزت تفاصيلها ونتئجها بتجلي القدرة الالهية للعيان, فربطت بين المعجزة الربانية في دنيا البشر, وبين حقيقة البعث والنشور. وقعت أحداث هذه القصة في احدى المدن التي سبق لأهلها الايمان بالله ربا الها واحدا لا شريك له, الا أنّ دواعي الانحراف انتشرت رويدا رويدا بين أهل هذه المدينة حتى تمكّن الشيطان من السيطرة على أهلها فزاغ الناس عن أمر الله عزوجل, وتفشّت بينهم عوامل الضلال, وكان حاكم المدينة على رأس هؤلاء الضالين ممعناً في الطغيان, مغرقاً نفسه ومن معه من حاشيته وأعوانه في الفجور والعصيان, الأمر الذي عمّ فيه الفساد في كافة أرجاء المعمورة, ليتبط المجتمع كله في دياجير الظلام, ونُصبت الأصنام والتماثيل والأوثان في كل مكان, لتكون المدينة كلها شاهدة على طغيان الشيطان وغوايته, ومهما استبدّ الطغيان والفساد في مدينة ما, ولقد اقتضت سنة الله عزوجل في خلقه أنه مهما تفشت عوامل الفساد والجهالة في بلد ما, فلا بدّ للحق أن ينتصر, بعبادٍ مخلصين لله عزوجل في عبادتهم فيقاومون هذا الفساد, وشاءت قدرة الله تعالى أن تكون هناك مجموعة من الناس من أهل البلد يقاومون هذا الفساد بكافة صورة, فقاموا على الحق وتشبثوا فيه, لجل ذلك لم يجرفهم تيار فتنة الشيطان الذي جرف غيرهم في تيار الضلالة ليستقر بهم في واد سحيق. من هذه المجموعة المؤمنة هناك ثلة من الفتية أمدّهم الله عزوجل بالجرأة والشجاعة, وصدّعت لأمر الله تعالى وتصدّت للباطل, فزادهم الله تعالى ايمانا على ايمانهم وثبّت قلوبهم واكتفتهم الرحمة الالهية , فقاموا في وجه الطغيان والكفر لا يخشون في الله لومة لائم, ذلك انّ من يخشى الله عزوجل وحده لا يُخيفه أهل الأرض جميعا, ومن يتوكل على الله تعالى حقّ توكله فهو حسبه ومولاه ومعينه, وهؤلاء الفتية ارتبطت قلوبهم وتعلقت بالحق سبحانه وتعالى , واعلنوها رايةًعاليةً خفاقةً أن لا اله الا الله وحده لا شريك له, كما في قوله تعالى: فقالواربنا ربّ السموات والأرض لن ندعوا من دونه الها, لقد قلنا اذاً شططا ولم يكتف أهل الكهف باعلان الوحدانية لله عزوجل فيما بينهم, بل راحوا ينشرون اعلانهم في كل أنحاء المعمورة, وعندما أدرك حاكم البلدة الطاغية أنّ هؤلاء الفتية يهددون حكمه ونفوذه وسلطانه , فأرسل أعوانه ليحيطوا بهم ويهددونهم ان لم يكفوا عما هم فيه فسيحولون حياتهم ومعيشتهم الى جحيم, عندها أطلق الفتيان صك البراءة من قومهم, ونفضوا أيديهم من افتراء الكذب على الله عزوجل, وقالوا قوله تعالى هؤلاء قومُنا اتخذوا من دونهِ آلهةً, لولا يأتونَ عليهِمْ بسلطانٍ بيّنٍ, فمن أظلمُ ممّنْ افترى على اللهِ كذبا وعند ذلك لم يجدوا بُداً من اعتزال قومهم ومجتمعهم فراراً بدينهم, وهروباً من بطش الطاغية الحاكم وأعوانه بهم, فألهمهم الله تبارك وتعالى الى الجوء الى مكان لن يصل اليهم فيه أحد, فلجئوا الى كهف في سفح جبل قريب من مدينتهم, وفيما بعد لحق بهم كلبهم ليحرسهم. وما أن دخلوا الكهف حتى شعروا بشيء من الأمن والأمان والطمأنينة, وغشيتهم السكينة, وتنزلت عليهم رحمات الله عزوجل, فاتخذوا أماكنهم وافترشوا الأرض, واتخذ كلبهم مكاناُ له عند باب الكهف والذي عبّر عنه القرآن الكريم بالوصيدو وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوه تعالى واذ اعتزلتموهم وما يعبدون الا الله فأْووا الى الكهف ينشرْ لكمْ ربكُمْ من رحمتهِ, ويُهَيُّ لكمْ من أمركمْ مِرفقا * وترى الشمس اذا طلعت تزواوَرُ عن كهفهم ذات اليمين , واذا غربت تقرضُهُمْ ذاتَ الشمالِ وهمْ في فجوةٍ منهُ, ذلك مِن آياتِ اللهِ, مَن يهدِ اللهُ فهو المهتدِ, ومَن يُضللُ فلنْ تجدَ لهَ وليّا مُرشدا* وتحسبُهُمْ أيقاظاً وهمْ رُقود, ونقلبهم ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمالِ , وكلبُهُمْ باسطً ذراعيهِ بالوصيدِ لو اطَّلعتَ عليهم لوليت منهم فرارا ولمُلئْتَ منهم رُعبا انّ كل من يسمع بكهف داخل جبل يُخيّل له أنه مغارة تأوي اليه السباع والزواحف السامة والثعابين من كل شكل ولون, هذا عدا عن الظلام الذي يُخيّم على المكان فيبعث في النفس الخوف والقلق والرهبة, الا أنّ هذا الكهف كان على عكس الكهوف تماما, كهف استنار بنور الايمان بالله تبارك وتعالى, نعم لقد اكتنفته رحمة الله تبارك وتعالى, فأبعد عن أصحابه كل خوف ورهبة وقلق , واوى كل حشرة وزاحفة الى جحره والتزمه بأمر من الله سبحانه وتعالى, فقبع كل شيء مكانه لا يحرك ساكنا ومع الهدوء التام الذي خيّم على الكهف شعر الفتية بالراحة بعد التعب, والاطمئنان بعد الرهب, فما أن دخل عليهم المساء وحلًّ الليل بظلامه على الكهف وأهله, حتى تسلل النوم الى عيونهم فغشّها ليستسلموا للكرى وينامون نوما عميقا وعيونهم شاخصة الى الأمام يحسبهم الناظر اليهم أنهم أيقاظاً وليسوا نيامو واشرقت شمس اليوم التالي وأضاءت بنورها الأرض, وتحرّكَ كلّ حيٍّ الى مسعاه عدا هؤلاء الفتية الذين ظلوا على نومتهم تكتنفهم رحمة الله عزوجل انّ سُنَّةَ الله تبارك وتعالى في خلقهِ ثابتة لا تتبدّل ولا تتغيّر, والشمس احدى مخلوقات الله عزوجل تتبع خط سير معيّن محدد لا تحيد عنه, انه تقدير العزيز العليم وتدبيره سبحانه وتعالى, وكانت الشمس بالنسبة لأهل الكهف وبأمره سبحانه وتعالى اذا طلعت وأشرقت واقتربت من باب الكهف كانت تميل عن باب الكهف , وأيضا عند الغروب كانت كذلك الا من شيء بسيط تمسهم فيه فلا تؤذيهم ولا تؤثر فيهم. ان المكان الذي اتخذه أهل كمرقد لهم كان بمثابة الجب الذي حضنهم بحبٍّ وحنان وكأنه حجر الأم , وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم: وهم في فجوةٍ منه انّ المؤمن دائما وأبداً في كنف الله عزوجل ورعايته, لا يخاف ولا يحزن, لا يضطربُ ولا يستسلم, ذلك أنّ من يخاف الله تعالى وحده ويخشاه لا يُخيفه زمان ولا مكان ولا مخلوق, أما الكافر ولأنه لا يخاف الله عزوجل ولا يخشاه فكل شيءٍ يُخيفه حتى البعوضة ان شاركته فراشه. وتتوالى الأيام تلو الأخرى على أهل الكهف ولهم لا يزالون على رقدتهم ونومتهم وعيونهم مفتوحة , وحدقاتهم متسعة, وأبصارهم مثصضوَّبةً في جهة واحدة كأنها السهام , لا يهتز جفن ولا يرتعش له جفن, وقد طالت لحاهم وشعورهم وأظافرهم, وتبدلت ألوان وجوههم لتميل نحو الاصفرار قليلا, وكذلك كان حال كلبهم, ولو قدّر لأحدنا أن يبلغ الكهف ويطّلعَ على حالهم لامتلأ قلبه رعباً لمرآهمو ولما استاطاع الوقوف لحظة واحدة من تقلبهم يمنة ويسرة دون أدنى شعور أو احساس منهم بذلك,مشهدا لو صادفناه لفررنا منه خوفا وهلعا ورعبا الى مكان أكثر أمناً وطمأنينةً, وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: واذ اعتزلتموهم وما يعبدون الا الله فأْووا الى الكهف ينشرْ لكمْ ربكُمْ من رحمتهِ, ويُهَيُّ لكمْ من أمركمْ مِرفقا * وترى الشمس اذا طلعت تزواوَرُ عن كهفهم ذات اليمين , واذا غربت تقرضُهُمْ ذاتَ الشمالِ وهمْ في فجوةٍ منهُ, ذلك مِن آياتِ اللهِ, مَن يهدِ اللهُ فهو المهتدِ, ومَن يُضللُ فلنْ تجدَ لهَ وليّا مُرشدا* وتحسبُهُمْ أيقاظاً وهمْ رُقود, ونقلبهم ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمالِ , وكلبُهُمْ باسطً ذراعيهِ بالوصيدِ لو اطَّلعتَ عليهم لوليت منهم فرارا ولمُلئْتَ منهم رُعبا وتعاقبت عشرات السنين على أهل الكهف وهم على ذا الحال, ماتت أجيال وولدت أجيال, وزالت معالم وقامت أخرى, وتقوضّت عروش وقام غيرها, وعندما أراد الله عزوجل احياءهم نفخ فيهم الله عزوجل فيهم نسمة الحياة فعادت اليهم أرواحهم وقاموا من رقدتهم الطويلة وهم يحسبون أنهم لم يناموا الا يوماً او جزءاً من اليوم, فهذا يتثاءب, وذاك يتمطى, وذلك يتثاقل, ثم تساءل أحدهم: تـُرانا كم لبثتم نياماً؟ فأجابوا أ: لبثنا يوما, ثم عندما نظروا للشمس فوجدها وهي تستعد للغروب , فقالوا:أو بعض يوم, ولم يوقنوا أنهم لبثوا زمناً الا بعدما تحسسوا لحاهم وشعورهم ورأوا أظافرهم وقد طالت عن المعتاد , فأرجئوا العلم الى الله عزوجل فوالوا: وحده الله يعلم كم لبثنا. انّ أول شعور جسماني أحسوا به هو الجوع , ولكن ماذا يأكلون وهم في كهف معزول عن العالم؟ تذكروا سببا وجودهم في هذا الكهف وأنه ما أخرجهم من المدينة الى الكهف الا ذلك الحاكم الطاغية وأعوانه المفسدون, فراحوا يفكرون بطريقة يحضرون فيها الطعام, وفي النهاية أجمعوا على أن يذهب واحدا منهم الى البدة ليحضر لهم الطعام, واختاروا واحدا منهم أمدوه بالقطع النقدية اللازمة وقالوا: لا تدخل البلدة الا متخفياً ملثماً, وخذ الحيطة والحذر أن يعرفك أحد, وابتعد ما أمكنك عن أعوان الحاكم, لأنك ان وقعت في قبضتهم وصلنا الينا جميعا, وأنت تعلم اذا وقعنا في قبضتهم لم يفلتونا من العذاب أو الرجم أو الحبس في سبيل أن يردونا عن ديننا ان استطاعوا ويدخلونا في ملتهم, وفي كلا الحالتين نحن في خسران, وهذا ما عبّر عبّر القرآن الكريم عنه بقوله تعالى وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم, قال قائل منهم كم لبثتم, قالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم, قالوا: ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بوَرِقكُم هذه الى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزقٍ منهُ وليتطلفْ ولا يُشعرَنَّ بكم أحداً* انهم انْ يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا اذاً أبدا وما أن دخل رسول الفتية المدينة حتى فوجىء بكل شيء حوله, لا يعرف أحدا من الناس الذين تركهم , ولا حتى لباسهم عاد مألوفا له, لا البلدة هي البلدة التي يعرفها ولا حتى الناس من حوله, فشعر باحساس غريب جعل الناس من حوله أيضا ينظرون اليه نظرة غريبة مريبة, ووجد نفسه غريباً وكأنه من عالم غير عالمه, فسعى في شوارع المدينة مذهولاً وقد نسي وصايا رفاقه له وتحذيراتهم, وراح يتنقل من مكان الى آخر بذهول أفقده صوابه, حتى اذا أتى بائع الطعام وأخرج النقود الفضية وقدّمها له استغرب البائع القطع النقدية فصاح وصرخ حتى تجمهر الناس من حوله, فلما كلموا الفتى وجدوه لا يفقه شيئا من لغتهم, وعندما كلمهم وجدهم لم يفهموا شيئا من لغته أيضا, وبدأ التجاذب والشد بينه وبينهم, حتى اذا وجد الفرصة سانحة للفرار منهم هرب, وراح يركض باتجاه الكهف, وركض الناس خلفه, وشاع خبر الفتى في البلدة فتراكض الناس كلها وراءه كبارا وصغارا, رجالا ونساءا, شيباً وسبّاناً, حتى اذا وصل الخبر الى الحاكم ارسل بعضا من جنده ليستطلعوا الأمر, وما أن وصل الى رفاقه حتى كاد الناس يدخلون الغار , عندهاحقّت كلمة الله عزوجل عليهم وتوفاهم جميعا الى رحمته تعالى, فماوا ومات سرّهم معهم, وهذا ما عبّر عنه القرآن بقوله تعالى وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أنّ وعد الله حق وأنّ الساعة لا ريب فيها اذا يتنازعون بينهم أمرهم, فقالوا ابنوا عليهم بنيانا, ربُهُمْ اعلمً بهم, قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذنَّ عليهم مسجدا وبقوله تعالى نكون قد أتينا على مسك الختام, الى أن نلتقي مع القصة الثانية والتي تناولت أصحاب الجنتين سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون * وسلامٌ على المرسلين * والحمد لله ربّ العالمين
| |
|