ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 أسباب الاختلاف وتطوره

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

أسباب الاختلاف وتطوره Empty
مُساهمةموضوع: أسباب الاختلاف وتطوره   أسباب الاختلاف وتطوره Emptyالأحد نوفمبر 02, 2014 12:49 pm

أسباب الاختلاف وتطوره QSv1Ya
أسباب الاختلاف وتطوره
سباب الاختلاف من عهد النبوة حتى عهد الفقهاء:
اذا سلمنا أن الاختلاف في القضايا الفكرية التي منها القضايا الفقهية أمر طبيعي لما فطر عليه الناس من تباين في عقولهم وأفهامهم ومداركهم وجب أن نقر بأن الاختلاف في عهد النبوة والخلافة الراشدة بين عديد من الصحابة كان أمرا واقعا تشهد له جملة من الاحداث، وليس في نفيه ما يخدم هذا الدين، كما أننا لا نرى في بيانه مساسا بمثالية هذه الدعوة، وصدق نية أولئك الرجال الذين كانوا يختلفون ، بل يمكن القول : ان في ذكر هذه الاختلافات بيانا لواقعية هذا الدين ، فهو يتعامل مع الناس على أنهم بشر، تتنازعهم عوامل مختلفة مما فطر الله تعالى خلقه عليه ولكن الذي تطمئن اليه النفس المؤمنة أن ذلك الاختلاف لم ينشأ عن ضعف في العقيدة، او شك في صدق ما يدعو اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كان تحري الحق الرغبة في اصابة قصد الشارع من الحكام بغية جميع المختلفين.
ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مصدر تلك الاحكام لم يكن عمر الخلاف يمتد لاطول من الطرق المؤدية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأينا من خلال الاحداث التي مرت أن أسباب الاختلاف في مجموعها لم تكن تخرج عن تباين في فهم النص لأسباب لغوية او اجتهادية، وذلك في تفسير ما بين أيديهم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولم تكن هذه الاسباب لتخفي وراءها أية نوايا تحاول انماء بذرة الخلاف التي كان المنافقون يحرصون على تعهدها.
لذلك سرعان ما كانت هذه الاختلافات تضمحل بلقاء الرسول صلى الله عليه وسلم او الاحتكام الى نص ادركه بعضهم وغاب عن الآخرين لان غاية ذي الفطرة السليمة نشدان الحق حيثما وجد.
من الطبيعي ان تنتقل بعض الاسباب الموضوعية للاختلاف من عصر لآخر حيث يصعب وضع حواجز تحصر خلفها أسباب الاختلاف من عصر لآخر حيث يصعب وضع حواجز تحصر خلفها أسباب الاختلاف في كل عصر، ولكن هناك امورا كانت تستجد على الساحة الاسلامية، نتجت عنها أسباب وعوامل تذكي روح الاختلاف.
فمنذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه تعرضت الامصار الاسلامية لهزات عنيفة افرزت بعض الاحداث التي ادخلت الى دائرة الاختلاف امورا كانت خارجها ربما أدت الى انطواء اهل كل بلد او مصر على ما وصلهم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خوف الوضع والدس كما أشرنا من قبل.
وظهرت مدرستا الكوفة والبصرة كبيئة خصبة لتفاعل الافكار السياسة وتعددت الفرق المختلفة كالخوارج والشيعة والمرجئة(106) وظهرت المعتزلة والجهمية وغيرهم من أهل الاهواء والبدع.
وتعددت المناهج العقلية والفكرية بتعدد تلك الفرق وأصبح لكل فرقة منطلقات وقواعد تنطلق منها في تعاملها مع نصوص الشارع وفي تفسيرها للمصادر الشرعية، وفي مواقفها من القضايا المختلفة التي استجدت وبدأت الحاجة تظهر الى وضع الضوابط والقيود وتحديد المناهج وطرق استنباط احكام الوقائع من الوحي الالهي، وتحديد ما يجوز الاختلاف فيه وما لا يجوز.
ولعل من فضل الله تعالى أن جعل الجانب الفقهي في دائرة ما يجوز فيه الاختلاف وذلك لأن «الفقه» عبارة عن معرفة الفقيه حكم الواقعة من دليل من الادلة التفصيلية الجزئية التي نصبتها الشارع للدلالة على احكامه من آيات الكتاب، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يصيب الفقيه حكم الشارع او يوافقه وقد لا يوافق ذلك ولكنه في الحالتين غير مطالب بأكثر من أن يبذل اقصى طاقته العقلية والذهنية للوصول الى حكم، فان لم يكن ما وصل اليه حكم الشارع فهو أقرب ما يكون اليه في حقيقته وغاياته وآثاره، ولذلك كان الاختلاف امرا مشروعا وذلك لتوفر امرين فيه:
الاول : أن لكل من المختلفين دليلا يصح الاحتجاج به، فما لم يكن له دليل يحتج به سقط ولم يعتبر اصلا.
الثاني: ألاّ يؤدي الاخذ بالمذهب المخالف الى محال او باطل فان كان ذلك بطل منذ البداية، ولم يسع لأحد القول به بحال، وبهذين الامرين يغاير «الاختلاف» «الخلاف».
فالاختلاف ما توافر فيه الشرطان المذكوران، وهو مظهر من مظاهر النظر العقلي والاجتهاد وأسبابه منهجية موضوعية في الغالب.
اما الخلاف فهو الذي يفقد الشرطين او احدهما، وهو مظهر من مظاهر التشنج والهوى والعناد، وليس له من سبب يمت الى الموضوعية.

أسباب الاختلافات الفقهية في عصر الفقهاء:
حرص الفقهاء الذين اجمعت الامة على الأخذ بمذاهبهم، على التزام الشرطين السابقين، وقد اختلف الناس في تحديد أسباب الاختلافات الفقهية في هذا العصر اختلافا بينا: فمن مكثر في ذكر هذه الاسباب الى مقتصد فيها، ومع ذلك فان من الممكن اعادة هذه الاسباب الى الامور التالية:

1 اسباب تعود الى اللغة:
وذلك كأن يرد في كلام الشارع لفظ مشترك، وهو ما وضع لمعان متعددة ومختلفة، كلفظة «عين» التي تستعمل في الباصرة والجارية، وفي الذهب الخالص، وفي الرقيب، وغيرها من المعاني.
فاذا وردت في كلام الشارع مجردة عن القرينة تساوت المعاني التي وضعت لها في احتمال كون كل منها مرادا — فيختلف المجتهدون في حمل ذلك اللفظ على أي من معانيه التي وضع لها، أو عليها كلها.
فقد اختلف الفقهاء في مراد الشارع من لفظ «القرء» في قوله تعالى: (والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء)«البقرة 228» فلفظ «القرء» مشترك بين الطهر والحيض، فاختلف الفقهاء في عدة المطلقة أتكون بالحيض ام بالاطهار؟ فذهب الحجازيون منهم الى أن عدة المطلقة ثلاثة أطهار، وذهب العراقيون الى أنها ثلاث حيض(107).
واحيانا يكون للفظ استعمالان: حقيقي، ومجازي، فيختلفون في ايهما استعمل اللفظ في ذلك النص من نصوص الشارع.
وقد اختلف العلماء بادئ ذي بدء في جواز وقوع المجاز في لفظ الشارع، فأثبته الاكثرون، ونفاه الاقلون، كالاستاذ أبي اسحاق الاسفراييني وشيخ الاسلام ابن تيمية.
والذين نفوه استدلوا بأن المجاز هو اطلاق اللفظ على غير ما وضع له في الاصل كاطلاق لفظ «الاسد» وارادة الرجل الشارع ونصوص الشارع جاءت لبيان الاحكام الشرعية واطلاق اللفظ وارادة غير ما وضع له مناف للبيان المقصود ولسنا بصدد مناقشة هذا الموضوع فان جماهير العلماء قد ذهبوا الى ورود المجاز في لفظ الشارع واعتبر ابن قدامة وغيره من الاصوليين انكار وقوعه في نصوص الشارع نوعا من المكابرة(108).
وعلى هذا فقد يختلف العلماء في فهم المراد من كلام الشارع اذا ورد بتركيب متردد بين الحقيقة والمجاز، او ورد لفظ مفرد يحتمل الامرين فيحمله بعضهم على المعنى الحقيقي، ويحمله آخرون على المعنى المجازي وذلك كلفظ «الميزان» فحقيقته تلك الارادة التي يزن الناس بها الاشياء.
ويطلق على «العدل» مجازر. قال تعالى:
(والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)«الرحمن 7 9». فالميزان في الاولى والثانية استعمل في «العدل» كما في قوله تعالى:
(لقد ارسنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)«الحديد: 25»، وفي الثالثة أريد به المعنى الحسي، وهو الاداة التي توزن بها الاشياء(109).
كما يقال للعروض «ميزان الشعر» وللنحو «ميزان الكلام»(110)، ومثله لفظ «السلسلة» وغيرها.
وأحيانا يكون المجاز في التركيب كما في قوله تعالى : (يا بني آدم قد انزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا) «الاعراف 26» فمن المعلوم أن اللباس لا ينزل من السماء وهو لباس، ولا الريش كذلك، ولكن الله تعالى أنزل المطر وأنبت النبات وخلق الحيوان وكساه الصوف والشعر والوبر وأنبت القطن والكتان ليتخذ منه اللباس فأسند الى المسبب وهو اللباس بدلا من السبب وهو الماء الذي جعل الله تعالى منه كل شيء حي.
ومن المعرف ان صيغة «افعل» للأمر «لا تفعل» للنهي ومطلق الامر يفيد الوجوب ومطلق النهي يفيد التحريم، ذلك هو الاستعمال الحقيقي لكل من الصيغتين، ولكن قد ترد كل منهما لمعان غير المعنى الذي وضعت له أولا.
فقد يرد الامر للندب مثل قوله تعالى:
(فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا)«النور 33».
والارشاد نحو قوله تعالى:
(واستشهدوا شهيدين ...) أو قوله:
(اذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه)«البقرة 282».
والتهديد نحو قوله تعالى:
(اعلموا ما شئتم)«فصلت 4» وغير ذلك(111).
وكذلك النهي قد يرد لغير التحريم، كالكراهة والتحقير في نحو قوله تعالى:
(لا تمدّن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم)«الحجر 88» والارشاد كما في قوله تعالى:
(لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)«المائدة 101» وغيرها (112).
كما أن الامر قد يرد بصيغة الخبر، وكذلك النهي قد يرد ايضا بصيغة الخبر والنفي، وكل ذلك له آثار في اختلاف الفقهاء، وفي طرائقهم وفي استنباط الاحكام الشرعية من النصوص، واحيانا تختلف مذاهب العلماء في فهم النص لاختلاف احوال كلمة واردة فيه، وان لم يختلف معناها، كاختلافهم في قوله تعالى: (ولا يضار كاتب ولا شهيد)«البقرة 282». حيث ذهب بعضهم الى أن المراد بها صدور الضرر من الكاتب والشهيد وذلك بأن يكتب الكاتب ما لم يمل عليه، ويشهد الشاهد بخلاف الواقع، ودليل هؤلاء قراءة ابن عباس رضي الله عنهما: (ولا يضارر كاتب ولا شهيد).
وذهب آخرون الى أن المراد ووقوع الضرر عليهما، كأن يمنعا من اشغالهما ويكلّفا الكتابة والشهادة في وقت لا يلائمهما ودليل من ذهب الى هذا قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (ولا يضار كاتب ولا شهيد)فلما كانت اللفظة مدغمة في لغة تميم احتمل بناء الفعل للمعلوم، وبناؤه للمجهول، فحدث هذا الاختلاف وان كان فك الادغام لغة أهل الحجاز(113).
والمتتبع لهذا النوع من أسباب الاختلاف يجد أمثلة كثيرة عليه في الكلمات المفردة. وفي التراكيب المختلفة وانواعها، وما يعرض لها من عموم وخصوص، واطلاق وتقييد واجمال وبيان، وغير ذلك .... ولعل فيما ذكرنا ما ينبه الى ما أغفلنا مما يمكن الاطلاع عليه في مظانه (114).
أسباب تعود الى رواية السنن:
وهذا النوع من الاسباب متعدد الجوانب مختلف الآثار واليه ترجع معظم الاختلافات الفقهية التي وقعت لعلماء السلف.
فأحيانا لا يصل الحديث الى مجتهد ما، فيفتي بمقتضى ظاهر آية او حديث آخر او بقياس على مسألة سبق فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء، او بمقتضى استصحاب للحال السابقة(115)، او بمقتضى أن الاصل البراءة وعدم التكليف(116) او بموجب أي وجه متغير من وجوه الاجتهاد.
وقد يصل في الواقعة موضع البحث الى مجتهد آخر حديث فيفتي بمقتضاه فتختلف فتياهما.
وأحيانا يصل الحديث الى المجتهد، ولكنه يرى فيه علة تمنع من العمل بمقتضاه كاعتقاده عدم صحة اسناده الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجود مجهول او متهم، او سيء الحفظ في سلسلة اسناده او لانقطاعه او ارساله، او لكونه يشترط في خبر الواحد العدل الحفاظ شروطا لا يشترطها غيره، فيعمل أحدهما بالحديث، لأن له طريقا صحيحا متصلا عنده، ولا يعمل الآخر بمقتضاه لعلّة من العلل المذكورة، فتختلف الاقوال.
وقد تختلف اقوال العلماء لاختلاف آرائهم في معاني الحديث ودلالته، وذلك كاختلاف اقوالهم في مسائل: «المزاينة»(117) و«المخابرة»(118) و«المحاقلة»(119) و«الملامسة»(120) و«المنابذة»(121) و«الغرر»(122) لاختلافهم في تفسيرها.
وقد يصل الحديث لبعضهم من طريق بلفظ، ويصل لمجتهد آخر بلفظ مغاير وذلك كأن يسقط احدهما من الحديث لفظا لا يتم المعنى الا به، او يتغير معنى الحديث بسقوطه.
وقد يصل الحديث الى أحد المجتهدين مقترنا بسبب وروده، فيحسن فهم المراد منه، ويصل الى آخر من غير سبب وروده، فيختلف فهمه له.
وقد يسمع راو بعض الحديث، ويسمع الآخر الحديث كاملا. وقد ينقل الحديث من كتاب بلفظ مصحّف او متغير، ويبني عليه، وينقله آخر بلفظ لم يدخله شيء من ذلك فتختلف الاقوال بناء على ذلك، وقد يصح الحديث عند المجتهد ولكنه يعتقد أنه معارض بما هو أصح منه او اقوى فيرجح الاقوى، او لا يتضح له أقوى الدليلين، فيتوقف عن الاخذ بكل منهما، حتى يظهر له مرجح.
و قد يعثر مجتهد على ناسخ للحديث، او مخصص لعامه، او مقيد لمطلقه ولا يطلع مجتهدا آخر على شيء من ذلك، فتختلف مذاهبهما(123).

3 أسباب تعود الى القواعد الاصولية وضوابط الاستنباط:
علم اصول الفقه هو: «معرفة ادلة الفقه على سبيل الاجمال، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد).
فهذا العلم عبارة عن: مجموع القواعد والضوابط التي وضعها المجتهدون لضبط عملية الاجتهاد واستنباط الاحكام الشرعية الفرعية من الادلة التفصيلية، فيحدد المجتهدون في مناهجهم الاصولية الادلة التي تستقى منها الاحكام، ويستدلون لحجية كل منها، ويبيّنون جميع العوارض الذاتية لتلك الادلة لتتضح طرائق استفادة الاحكام منها ويحددون طرق استفادة الحكم الشرعي من كل دليل من تلك القاعدة، والخطوات التي يسلكونها منذ البداية حتى الوصول الى الحكم الشرعي.
وهذه القواعد والضوابط اختلفت مذاهب المجتهدين فيها: فنجم عن الاختلاف فيها اختلاف في المذاهب الفقهية التي يذهب كل منهم اليها فبعض الائمة يذهب الى أن فتوى الصحابي اذا اشتهرت ولم يكن لها مخالف من الصحابة انفسهم حجة لأن الثقة بعدالة الصحابة تشعر بأن الصحابي ما أفتى بما أفتى به الا بناء على دليل، او فهم في دليل، او سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشتهر ولم يصل الينا.
وبعضهم لا يرى في مذهب الصحابي هذا الرأي، ويعتبر الحجة فيما يرويه الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما يراه، فتختلف مذاهب الفقهاء بناء على ذلك.
وبعض المجتهدين يأخذ بـ «المصالح المرسلة» أي: تلك الامور التي لم يوجد في الشرع ما يدل على اعتبارها بذاتها كما لم يوجد فيه ما يدل على الغائها بذاتها فهي مرسلة مطلقة عن الالغاء والاعتبار فاذا ادرك المجتهد في تلك الامور ما يحقق مصلحة، قال بمقتضى تلك المصلحة باعتبار أن الشارع ما شرع الاحكام الا لتحقيق مصالح العباد.
وهناك آخرون لا يأخذون بهذا ولا يعتبرونه أمرا تستفاد منه الاحكام فتختلف اقوالهم في الوقائع بناء على ذلك.
وهناك امور اخرى من هذا النوع اختلف المجتهدون فيها، وتعرف في كتب اصول الفقه بـ «الادلة المختلف فيها» كـ «سد الذرائع» و«الاستحسان» و«الاستصحاب» و«الاخذ بالاحوط» و«الاخذ بالاخف» و«الاخذ بالاثقل» و«العرف» و«العادة» وغيرها.
كما أن هناك اختلافا في بعض الامور المتعلقة بدلالات النصوص، وطرق تلك الدلالات، وما يحتج بها منها، وعن كل ذلك نشأت اختلافات فقهية في كثير من الفروع.
تلك هي أهم وأبرز الاسباب التي ترجع اليها الاختلافات الفقهية نبهنا اليها بايجاز ومن أراد الاستقصاء ومعرفة كل تلك الاسباب، او جلها مع امثلتها، فليرجع الى الكتب التي الفت لمعالجة هذا الامر قديما وحديثا(124).
في معالم الاختلاف بين الائمة وآدابه

لقد اختلف الائمة في كثير من الامور الاجتهادية، كما اختلف الصحافة والتابعون قبلهم، وهم جميعا على الهدى ما دام الاختلاف لم ينجم عن هوى او شهوة او رغبة في الشقاق، فقد كان الواحد منهم يبذل جهده وما وفي وسعه ولا هدف له إلا اصابة الحق وارضاء الله جل شأنه، ولذلك فان اهل العلم في سائر الاعصار كانوا يقبلون فتاوى المفتين في المسائل الاجتهادية ماداموا مؤهلين، فيصوبون المصيب، ويستغفرون للمخطئ، ويحسنون الظن بالجميع، ويسلمون بقضاء القضاء على أي مذهب كانوا، ويعمل القضاء بخلاف مذاهبهم عند الحاجة من غير احساسا بالحرج او انطواء على قول بعينه، فالكل يستقي من ذلك النبع وان اختلفت الدلائل، وكثيرا ما يصدون اختياراتهم بنحو قولهم: «هذا احوط» أو «أحسن» أو «هذا ما ينبغي» أو «نكره هذا» أو «لا يعجبني» فلا تضييق ولا اتهام ولا حجر على رأي له من النص مستند بل يسر وسهولة وانفتاح على الناس لتيسير امورهم.
لقد كان في الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ومن بعدهم من يقرأ البسملة ومنهم من لا يقرأها ومنهم من يجهر بها ومنهم من يسر، وكان منهم من يقنت في الفجر، ومنهم من لا يقنت فيها، ومنهم من يتوضأ من الرعاف والقيء، والحجامة، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يرى في مس المرأة نقضا للوضوء ومنهم من لا يرى ذلك ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الابل او ما مسته النار مسا مباشرا، ومنهم من لا يرى في ذلك بأسا.
ان هذا كله لم يمنع من أن يصلي بعضهم خلف بعض كما كان ابو حنيفة واصحابه والشافعي وائمة آخرون يصلون خلف ائمة المدينة من المالكية وغيرهم ولو لم يلتزموا بقراءة البسملة لا سرا ولا جهرا، وصلى الرشيد اماما وقد احتجم فصلى الامام ابو يوسف خلفه ولم يعد الصلاة مع أن الحجامة عنده تنقض الوضوء.
وكان الامام احمد بن حنبل يرى الوضوء من الرعاف والحجامة فقيل له: فإن كان الامام قد خرج من الدم ولم يتوضأ هل يصلى خلفه؟ فقال: «كيف لا أصلي خلف الامام مالك وسعيد بن المسيب»(125).
وصلى الشافعي رحمه الله الصبح قريبا من مقبرة أبي حنيفة رحمه الله فلم يقنت والقنوت عنده سنة مؤكدة فقيل له في ذلك، فقال : «أخالفه وأنا في حضرته» وقال ايضا: «ربما انحدرنا الى مذهب أهل العراق»(126).
وكان مالك رحمه الله اثبت الائمة في حديث المدنيين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوثقهم اسنادا، وأعلمهم بقضايا عمر وأقاويل عبدالله بن عمر وعائشة وأصحابهم من الفقهاء السبعة رضوان الله عليهم اجمعين، وبه وبأمثاله قام علم الرواية والفتوى وقد حدّث وأفتى رضي الله عنه، وألف كتابه «الموطأ» الذي توخى فيه ايراد القوي من حديث أهل الحجاز، كما نقل ما ثبت لديه من اقوال الصحابة وفتاوى التابعين، وبوّبه على أبواب الفقه فأحسن ترتيبه وأجاد، وقد اعتبر «الموطأ» ثمرة جهد الامام مالك لمدة اربعين عاما، وهو أول كتاب في الحديث والفقه ظهر في الاسلام وقد وافقه على ما فيه سبعون عالما من معاصريه من علماء الحجاز، ومع ذلك فحين اراد المنصور كتابة عدة نسخ منه، وتوزيعها على الامصار، وحمل الناس على الفقه الذي فيه حسما للخلاف كان الامام مالك أول من رفض ذلك، فقد روي عنه أنه قال: «يا أمير المؤمنين، لا تفعل هذا، فان الناس قد سبقت لهم اقاويل، وسمعوا احاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق اليهم وأتوا به من اختلاف الناس فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم. فقال الخليفة : وفقك الله يا أبا عبدالله»(127).
فأي رجل هذا الامام الجليل الذي يأبى أن يحمل الناس على الكتاب الذي أودع فيه أحسن ما سمع من السنة، وأقوى ما حفظ وأدرك من العلم الذي لا اختلاف فيه عند أهل المدينة وذلك الحشد من علماء عصره.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

أسباب الاختلاف وتطوره Empty
مُساهمةموضوع: رد: أسباب الاختلاف وتطوره   أسباب الاختلاف وتطوره Emptyالأحد نوفمبر 02, 2014 12:49 pm

رسالة الليث بن سعد الى الامام مالك:
ولعل من أفضل وأحسن أمثلة أدب الاختلاف تلك الرسالة العلمية الرائعة التي بعث بها فقيه مصر وامامها وعالمها الليث بن سعد الى الامام مالك، يعرض عليه فيها وجهة نظره في أدب جم رفيع حول كثير مما كان الامام مالك يذهب اليه ويخالفه فيه الليث بن سعد، ونظرا لطول الرسالة نقتطف منها ما يشير الى ذلك الادب الرفيع الذي اختلف فيه ظله سلف هذه الامة، وكرام علمائها، يقول الليث بن سعد:
... سلام عليك، فاني احمد الله الذي لا اله الا هو أما بعد: عافانا الله وإياك، وأحسن لنا العاقبة في الدنيا والآخرة، قد بلغني كتابك تذكر فيه من صلاح حالكم الذي يسرني، فأدام الله ذلك لكم، وأتمه بالعون على شكره والزيادة من احسانه ... ثم يقول: وإنه بلغك أني افتي الناس باشياء مخالفة لما عليه الناس عندكم، وأني يحق عليّ الخوف على نفسي لاعتماد من قبلي على ما أفتيهم به، وأن الناس تبع لأهل المدينة التي كانت اليها الهجرة، وبها نزل القرآن، وقد أصبت بالذي كتبت به من ذلك إن شاء الله تعالى ووقع مني بالموقع الذي تحب، وما أجد أحدا ينسب إليه العلم أكره لشواذ الفتيا، ولا أشد تفضيلا لعلماء أهل المدينة الذين مضوا، ولا آخذ لفتياهم فيما اتفقوا عليه مني والحمد لله رب العالمين لا شريك له».
ثم يمضي الإمام الليث بن سعد في رسالته موردا أوجه الاختلاف بينه وبين الإمام مالك رحمهما الله تعالى حول حجية عمل أهل المدينة مبينا أن كثيرا من السابقين الأولين الذين تخرجوا في مدرسة النبوة حملوا الى مشارق الارض ومغاربها، وهم يجاهدون، ما تعلموه من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبيّن أن التابعين قد اختلفوا في أشياء وكذلك من أتى بعدهم من أمثال: ربيعة بن أبي عبد الرحمن حيث يذكر بعض مآخذه عليه، ثم يقول: «ومع ذلك بحمد الله عند ربيعة خير كثير، وعقل أصيل، ولسان بليغ، وفضل مستبين، وطريقة حسنة في الإسلام، ومودة صادقة لإخوانه عامة، ولنا خاصة، رحمه الله وغفر له وجزاه بأحسن ما عمله» ثم يذكر من أمثلة الاختلاف بينه وبين الإمام مالك قضايا عديدة مثل: الجمع ليلة المطر والقضاء بشاهد ويمين ومؤخر الصداق لا يقيض إلا عند الفراق وتقديم الصلاة على الخطبة في الاستسقاء... وقضايا خلافية أخرى، ثم قال في نهاية الرسالة «.... وقد تركت أشياء كثيرة من أشباه هذا، وأنا أحب توفيق الله إياك، وطول بقائك، لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة، وما أخاف من الضيعة إذا ذهب مثلك، مع استئناسي بمكانك وإن نأت الدار، فهذه منزلتك عندي ورأيي فيك فاستيقنه، ولا تترك الكتاب إليّ بخبرك وحالك وحال ولدك وأهلك، وحاجة إن كانت لك، أو لأحد يوصل بك فإني أسر بذلك، كتبت إليك ونحن معافون والحمد لله، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر ما ألانا، وتماما ما أنعم به علينا، والسلام عليكم ورحمة الله»(128).
إن هناك كثيرا من المناظرات العلمية الدقيقة المليئة بأدب الاختلاف حفلت بها كتب التراجم والتاريخ والمناظرات ونحوها، ولا يكاد المرء يفتقد «أدب الاختلاف» بين أهل العلم إلاّ بعد شيوع التقليد وما رافقه من تعصب وتعثر في سلوك أهل العلم، ونظراتهم الى العلم نفسه، ولاسيما بعد أن خلت الساحة من أمثال العلماء الذين يقول فيهم الإمام الغزالي: «وكان قد بقي من علماء التابعين من هو مستمر على الطراز الأول، وملازم صفو الدين، ومواظب على سمت علماء السلف، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا» فاضطر الخلفاء إلى الإلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات، وحل محل هذا الرعيل المبارك طلاب الدنيا بالدين، وحل الذي هو أدنى مكان الذي هو خير، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: «فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء وإقبال الأئمة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم، فاشرأبوا بطلب العلم توصلا إلى نيل العز، ودرك الجاه من قبل الولاة، فأكبّوا على علم الفتاوى وعرضوا أنفسهم على الولاة، وتعرفوا اليهم، وطلبوا الولايات والصلات منهم، فمنهم من أنجح، والمنجح لم يخل من ذل الطلب ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين، وبعد أن كانوا أعزة بالإعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم إلاّ من وفقه الله تعالى في كل عصر من علماء دين الله»(129).
لقد صوّر الإمام الغزالي رحمه الله واقع العلماء بعد أن غدت الدنيا مطلبهم، وصار الدين الطريق الوحيد الموصل إلى أبواب الولاة، كما أصبحت الرغبة في كسب ودّهم هي التي تدفع فئات ممن تزيوا بزي العلماء إلى طلب العلم.
إن الإمام مالكا عليه رحمة الله يقول: «لا يؤخذ هذا العلم من أربعة، ويؤخذ ممن سواهم: لا يؤخذ من سفيه، ولا يؤخذ من صاحب هوى يدعو إلى بدعته، ولا من كذّاب يكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يتهم على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحمل ويحدث به»(130). وقال أيضا: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، لقد أدركت سبعين ممن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين (وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فما أخذت عنهم شيئا، وإن أحدهم لو اؤتمن على بيت مال كان أمينا، إلا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، وقدم علينا ابن شهاب فكنا نزدحم على بابه»(131).
ورجال تلك صفاتهم لم يكن ليقع بينهم كبير اختلاف، وإن وقع فمن أجل الحق، ولن يدس الهوى أنفه في خلاف لا يدعو إليه غير الحق... وحتى نؤصل الآداب التي سار على نهجها كرام علمائنا، فنجعل منهم لنا القدوة الصالحة، وتكون خلالهم الكريمة تلك مثلا نحتذي به، نقدم نماذج من أدب الاختلاف بين كبار الأئمة من السلف الصالح رضوان الله عليهم.

أبو حنيفة ومالك:
مرّ معنا في استعراضنا لمذهب الأئمة الاختلاف الكبير بين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله، وتباين الأسس التي يعتمدها كل منهما فيما يخص مذهبه؛ ولكن هذا لم يمنع، رغم فارق السن التي بينهما، أن يجلّ الواحد منهما صاحبه، وأن يكون معه على جانب كبير من الادب مع اختلاف مناحيهما في الفقه... أخرج القاضي عياض في «المدارك» قال: قال الليث بن سعد: لقيت مالكا في المدينة، فقلت له: إني أراح تمسح العرق عن جبينك. قال: عرقت مع أبي حنيفة، إنه لفقيه يا مصري،. قال الليث: ثم لقيت أبا حنيفة، وقلت له: ما أحسن قول هذا الرجل فيك (يشير إلى مالك) فقال أبو حنيفة: ما رأيت أسرع منه بجواب صادق، ونقد تام...(132).

محمد بن الحسن ومالك:
يعتبر محمد بن الحسن من أبرز أصحاب أبي حنيفة، وهو مدوّن مذهبه، رحل إلى مالك ولازمه ثلاث سنين، وسمع منه الموطأ، ويتذاكر الإمامان محمد بن الحسن والشافعي يوما، فيقول محمد: صاحبنا (يريد أبا حنيفة) أعلم من صاحبكم (أي مالك) وما كان لصاحبنا أن يسكت وما كان لصاحبكم أن يتكلم كأنه يستثير الإمام الشافعي بذلك فيقول الإمام الشافعي:
نشدتك الله من كان أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك أو أبو حنيفة؟ فيقول محمد: مالك، ولكن صاحبنا أقيس. يقول الشافعي: قلت نعم، ومالك أعلم بكتاب الله من ابي حنيفة، فمن كان أعلم بكتاب الله وسنة رسوله كان أولى بالكلام، فيسكت الإمام محمد بن الحسن(133).

الشافعي ومحمد بن الحسن:
يقول الإمام الشافعي: ذاكرت محمد بن الحسن يوما، فدار بيني وبينه كلام واختلاف، حتى جعلت أنظر الى أوداجه تدر، وتتقطع أزراره..(134).
ويقول محمد بن الحسن: إن كان أحد يخالفنا فيثبت خلافه علينا فالشافعي، فقيل له: فلم؟ قال: لبيانه وتثبته في السؤال والجواب والاستماع...(135).
تلك هي بعض نماذج ادب الاختلاف، من آداب علماء الأمة، نستنبط منها: أن خلف الأمة في قرون الخير كان يسير حذو السلف، والكل يستقي من ادب النبوة، ولم يكن أدب السلف الصالح يقتصر على تجنب التجريح والتشنيع، بل كان من الآداب الشائعة في ذلك الجيل من العلماء التثبت في أخذ العلم واجتناب الخوض فيما لا علم لهم به، والحرص على تجنب الفتيا خوفا من الوقوع في الخطأ. قال صاحب القوت: وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت في هذا المسجد (مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم احد يسأل عن حديث أو فتيا إلاّ ودّ ان أخاه كفاه ذلك. وفي لفظ آخر: كانت المسالة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر، ويردها الآخر حتى ترجع الى الذي سأل عنها أول مرة...(136).
وقد ارتفع هؤلاء الرجال فوق مشاعر الإحساس بالغضاضة، فقد يتوقف أحدهم أمام مسالة تأثما، فمن ذلك أن رجلا سأل مالك بن أنس عن مسألة، وذكر أن قومه أرسلوه يسأله عنها من مسيرة ستة أشهر، قال مالك: فأخبر الذي أرسلك أني لا علم لي بها. قال الرجل: ومن يعلمها؟ قال مالك: من علّمه الله، قالت الملائكة: (لا علم لنا إلا ما علّمتنا)(البقرة: 32).
وروي عن مالك أيضا ا،ه سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: «لا أدري».
وعن خالد بن خداش قال: قدمت على مالك من العراق بأربعين مسألة فسألته عنها فما أجابني منها إلاّ في خمس مسائل.
وكان ابن عجلان يقول: إذا أ+طأ العالم قول (لا أدري) أصيبت مقاتله.
وروي عن مالك، عن عبد الله بن يزيد بن هرمز قال: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول (لا أدري) حتى يكون ذلك في أيديهم أصلا يفزعون إليه، فإذا سئل أحد عما لا يدري قال: لا ادري.
وقال أبو عمر بن عبد البر (توفي سنة 463): صح عن أبي الدرداء أنه قال: لا أدري نصف العلم.

مالك وابن عيينة:
كان ابن عيينة(137) قرين مالك وندا له، يقول الإمام الشافعي: «ومالك وابن عيينة القرينان، ولولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز(138)» ومع ذلك فقد روي: أن ابن عيينة ذكر مرة حديثا فقيل له: إن مالكا يخالفك في هذا الحديث، فقال القائل: أتقرنني بمالك؟ ما أنا ومالك إلا كما قال جرير:
وابن اللبون إذا ما لزّ في قرن ……لم يستطع صولة البزل القناعيس
ويروي لسفيان بن عيينة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يوجد عالم أعلم من عالم المدينة) فيقال لسفيان: من هو؟ فيقول: إنه مالك بن أنس: ويقول: «كان لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا، ولا يحمل الحديث إلا عن ثقاة الناس، وما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موت مالك بن أنس»(139).

مالك والشافعي:
يقول الإمام الشافعي: مالك بن أنس معلمي، وعنه أخذت العلم، وإذا ذكر العلماء فمالك النجم، وما أحد آمن علي من مالك بن أنس...(140) وكان يقول: إذا جاءك الحديث من مالك فشد به يديك، كان مالك بن أنس إذا شك في الحديث طرحه كله(142).

أحمد بن حنبل ومالك:
عن أبي زرعة الدمشقي قال: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن سفيان ومالك إذا اختلفا في الرواية، فقال: مالك أكثر في قلبي. قال: قلت فمالك والأوزاعي إذا اختلفا؟ فقال: مالك أحب إليّ، وإن كان الأوزاعي من الأئمة، قيل له: وإبراهيم (أي النخعي) فكأنه كان يرى أن إبراهيم لا ينبغي أن يقرن بمالك لأنه ليس من أهل الحديث، فقال: ضعه مع أهل زمانه. وسئل عن رجل يريد أن يحفظ حديث رجل واحد بعينه قيل له: حديث من ترى له؟ قال: يحفظ حديث مالك(141).

آراء بعض العلماء في أبي حنيفة:
كان شعبة بن الحجاج أميرا للمؤمنين في الحديث(142)، وأبو حنيفة من أهل الرأي بالمكانة التي عرفنا، ورغم تباين منهجيهما فقد كان شعبة كثير التقدير لأبي حنيفة، تجمع بينهما مودة ومراسلة، وكان يوثّق أبا حنيفة، ويطلب إليه أن يحدّث، ولما بلغه نبأ موته قال: لقد ذهب معه فقه الكوفة تفضل الله عليه علينا برحمته(143).
وسأل رجل يحيى بن سعيد القطان عن أبي حنيفة فقال: ما يتزين عند الله بغير ما يعلمه الله عزك وجل، فإنا والله إذا استحسنا من قوله الشيء أخذنا به.
وهكذا لم يكن الاختلاف وتباين الآراء يمنع أحدا من الأخذ بما يراه حسنا عند صاحبه، وذكر فضله في هذا ونسبة قوله إليه.
وعن عبد الله بن المبارك روايات كثيرة في الثناء على أبي حنيفة: فقد كان يذكر عنه كل خير، ويزكيه، ويأخذ من قوله، ويثني عليه، ولا يسمح لأحد أن ينال منه في مسجده، وحاول بعض جلسائه يوما أن يغمز ابا حنيفة فقال له: اسكت، والله لو رأيت ابا حنيفة لرأيت عقلا ونبلا.
ونقل عن الشافعي أنه قال: سئل مالك يوما عن عثمان البتّي، فقال: كان رجلا مقاربا، وسئل عن ابن أبي شبرمة فقال: كان رجلا مقاربا، قيل: فأحبو حنيفة: قال: لو جاء إلى أساطينكم هذه (يعني سواري المسجد) فقايسكم على أنها خشب، لظننتم أنها خشب(144) إشارة الى براعته في القياس، أما الإمام الشافعي فما أكثر ما روي عنه قوله: ... الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة(145).
ولم تكن مجالس هؤلاء الرجال ليذكر فيها إلاّ الخير، ومن حاول تجاوز الآداب التي تجب مراعاتها مع أئمة هذه الأمة رد إلى الصواب، وحيل بينه وبين مس أحد بما يكره، فقد سئل الفضل بن موسى السيناني(146): ما تقول في هؤلاء الذين يقعون في أبي حنيفة؟ قال: إن ابا حنيفة جاءهم بما يعقلونه وبما لا يعقلونه من العلم، ولم يترك لهم شيئا فحسدوه (147).
هذه بعض الاقوال التي نقلت عن ائمة في الحديث كانوا مخالفين للإمام أبي حنيفة في معظم ما ذهب إليه، ولكن مخالفتهم له لم تمنعهم من الإشادة به، والثناء عليه، وذكره بما هو أهل له من الخير، ذلك لثقتهم بأن الخلاف بينهم وبينه لم يك وليد الهوى، ولا الرغبة في الاستعلاء، بل كان نشدان الحق ضالة الجميع رحمهم الله، ولولا هذه الاخلاق الكريمة والآداب الفاضلة لا ندثر فقه الكثير من علماء سلفنا الصالح، وما كانوا يذبون عن أحد إلاّ لعلمهم أن في ذلك صونا لفقه هذه الأمة التي لا تستقيم حياتهما إلاّ في ظله.

آراء بعض العلماء في الشافعي:
كان ابن عيينة هو من هو في مكانته إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا التفت الى الشافعي وقال: سلوا هذا. وكثيرا ما كان يقول إذا رآه: هذا أفضل فتيان زمانه. وحين بلغه نبأ وفاة الشافعي قال: إن مات محمد بن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه.
وكان يحيى بن سعيد القطان يقول: أنا أدعو الله للشافعي حتى في صلاتي. وكان عبد الله بن عبد الححم وولده على مذهب الإمام مالك، ولكن هذا لم منع عبد الله بن الحكم من أن يوصي ولده محمدا بلزوم الإمام الشافعي حيث قال له: الزم هذا الشيخ (يعني الشافعي) فما رأيت أحدا أبصر بأصول العلم أو قال: أصول الفقه منه. ويبدو أن الولد قد أخذ بنصيحة أبيه حيث يقول: لولا الشافعي ما عرفت كيف أرد على أحد، وبه عرفت ما عرفت، وهو الذي علمني القياس رحمه الله فقد ان صاحب سنة واثر، وفضل وخير، مع لسان فصيح، وعقل صحيح رصين(148).

بين الإمام أحمد والشافعي:
عن عبد الله بن الإمام أحمد قال، قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي، فإني أسمعك تكثر الدعاء له؟ فقال: يا بني: كان الشافعي رحمه الله كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو عوض؟
وعن صالح بن الإمام أحمد قال: لقيني يحيى بن معين فقال: أما يستحيي ابوك مما يفعل؟ فقلت: وما يفعل؟ قال: رأيته مع الشافعي والشافعي راكب، وهو راجل آخذ بزمام دابته. فقلت لأبي ذلك، فقال: إن لقيته فقل: يقول لك أبي: إذا اردت أن تتفقه فتعال فخذ بركابه من الجانب الآخر(149).
وعن أبي حميد بن أحمد البصري قال: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله لا يصح فيه حديث. فقال: إن لم يصح فيه حديث ففيه يقول الشافعي وحجته أثبت شيء فيه. (ثم قال: أي أحمد) قلت للشافعي: ما تقول في مسألة كذا وكذا فأجاب فيها، فقلت: من اين قلت؟ هل فيه حديث أو كتاب؟ قال: بلى فنزع في ذلك حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث نص(150).
وكان أحمد رحمه الله يقول: إذا سئلت في مسالة لا أعرف فيها خبرا قلت فيها: يقول الشافعي، لأنه إمام عالم من قريش (151).
وعن داود بن علي الأصبهاني قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال: تعالى حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله... فأراني الشافعي.
كان ذلك رأي أحمد بن حنبل في الشافعي، ولا غرو فأن يكون التلميذ معجبا بأستاذه معترفا له بالفضل، ولكن الشافعي نفسه لم يمنع تتلمذ أحمد عليه من أن يعترف به بالفضل والعلم بالسنة فيقول له: أما أنتم فأعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحا فأعلموني إن يكن كوفيا أو بصريا أو شاميا، أذهب إليه إذا كان صحيحا(152).
وكان الشافعي حين يحدث عن أحمد لا يسميه (تعظيما له) بل يقول: «حدثنا الثقة من أصحابنا أو أنبأنا الثقة أو أخبرنا الثقة»(153).
وبعد: فتلك لمحات خاطفة (154) توضح لنا بعض ما كان عليه أسلافنا من أدب جم، وخل عال لا ينال منه الاختلاف، ولا يؤثر فيه تباين الاجتهادات، وتلك آداب الرجال الذين تخرجوا في المدرسة المحمدية، فما عاد للهوى عليهم من سلطان؛ وكتب التراجم والطبقات والمناقب والتاريخ حافلة بما لا يحصى من المواقف النبيلة، والمناظرات الطريفة بين كبار الأئمة والتي كان الأدب سداها، والخلق الإسلامي الرفيع لحمتها، وحري بنا ونحن نعيش الشتات في كل أمورنا أن نعود إلى فيء تلك الدوحة المباركة، ونلتقي على الآداب الكريمة التي خلفها لنا سلفنا الصالح إن كنّا جادين في السعي لاستئناف الحياة الإسلامية الفاضلة.
ونحن لا ننكر أن هناك مواقف لم تلتزم فيها هذه الآداب، أو خلت من تلك السمات الخيرة التي ذكرناها، ولكنها كانت مواقف من أولئك المقلدين أو المتأخرين الذين أشربوا روح التعصب، ومردوا على التقليد، ولم يدركوا حقيقة الروح العلمية العالية الكامنة وراء أسباب اختلاف الفقهاء، ولم يلهموا تلك الآداب الرفيعة التي كانت وليدة النية الصادقة في تحري الحق، وإصابة الهدف الذي رمى إليه الشارع الحكيم، ويبدو أنهم كانوا من أولئك الذين قال فيهم الإمام الغزالي:
فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين، وبعد أن كانوا أعزّة بالإعراض عن السلاطين أذلّة بالإقبال عليهم.
والمطلوب سيد نفسه لا ينزع إلا عن الحق، الطالب باع نفسه فلا يشدوا إلا بما يطيب لشاريه، فحولوا الاختلاف الذي كان نعمة أثرت الفقه الإسلامي وأثبت واقعية هذا الدين ورعايته لمصالح الناس إلى عذاب أليم، وصار عاملا من أخطر عوامل الفرقة والتناحر بين المسلمين.. بل تحول إلى نقمة بددت الكثير من طاقات الأمة فيما لا جدوى منه، وشغلتها بما لا ينبغي أن تنشغل به.
والاختلاف الذي تعرضنا لبعض جوانبه في الصفحات السابقة وألمحنا إلى ما كان في رجاله من آداب رفيعة هو الاختلاف الذي وضع فيه الكاتبون كتبهم في «اسباب اختلاف الفقهاء» قديما وحديثا، أما الخلاف الذي لا تلا تلك القرون الخيرة فهو خلاف من نوع آخر، كما أن له اسبابا أخرى مختلفة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أسباب الاختلاف وتطوره
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أسباب الاختلاف بين الناس بصفة عامة "
» الجيش وتطوره في النظام الإسلامي
» أسباب الاختلاف بين الناس بصفة عامة "
» أسباب الاختلاف بين الناس بصفة عامة
» عن‏ ‏ماهية‏ ‏الوجدان‏ ‏وتطوره

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: