ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 التعصب الحزبي .. نظرة تحليلية تاريخية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

التعصب الحزبي .. نظرة تحليلية تاريخية Empty
مُساهمةموضوع: التعصب الحزبي .. نظرة تحليلية تاريخية   التعصب الحزبي .. نظرة تحليلية تاريخية Emptyالإثنين يناير 14, 2013 8:15 pm

التعصب الحزبي .. نظرة تحليلية تاريخية A9p23111

التعصب الحزبي .. نظرة تحليلية تاريخية
التعصب الحزبي .. نظرة تحليلية تاريخية 4FN23263
الحمد لله رب العالمين، سبحانه وتعالى له الحمد الحسن والثناء الجميل، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد..
فمما لا شك فيه أن استقامة العبد على أمر الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتمسكه بما استبان له من الشرع الحنيف لهو من الأمور التي يُمدَح بها العبد، وإنّ تبنّيه وحرصه وحدبه على علو الشرع على أهواء العباد، ورغبته في توحيد الناس على ما يراه صوابًا، لهو شيء طيب يُثاب عليه، طالما أنه انطلق من دوافع شرعية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحدب على عباد الله، مع الانضباط الخُلقي، واستقامة الأسلوب الشرعي، واستخدام الوسيلة المناسبة، شريطة ألا يؤدي ذلك إلى تعدي المرء على إخوانه، وتسلطه عليهم، وطغيانه في التوجيه والتنبيه على ما يعتقد أنه الحق.
وإن من أسس العدل في الدعوة إلى الله تعالى: التلطف بالمخالف في غير معصية الله تعالى، وما أجمل التوجيه الإلهي للعباد في ذلك، قال الله تعالى: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ } [سبأ: 24- 26].
قال الشيخ أبو بكر الجزائري عند تفسير هذه الآيات (وقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} هذا أسلوب التشكيك، وحكمته التلطف بالخصم المعاند؛ حتى لا يلج في العناد، ولا يفكّر في الأمر الذي يجادل فيه، وإلاّ فالرسول والمؤمنون هم الذين على هدًى، والمشركون هم الذين في ضلال مبين وهو أمر مسلم لدى طرفي النزاع. وقوله تعالى {قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون} وهذا أيضاً من باب التلطف مع الخصم المعاند لتهدأ عاصفة عناده ويراجع نفسه عله يثوب إلى رشده ويعود إلى صوابه، فقوله: {لا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون} هو حق فإنهم لا يسألون عن ذنوب الرسول والمؤمنين، ولكن الرسول والمؤمنين لا ذنب لهم وإنما هو من باب التلطف في الخطاب، وأما المشركون فإن لهم أعمالاً من الشرك والباطل سيجزون بها والرسول والمؤمنون قطعاً لا يسألون عنها ولا يؤاخذون بها ما داموا قد بلغوا ونصحوا) [أيسر التفاسير 4/ 319].
وقال سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة: عند قوله تعالى: { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} .. (وهذه غاية النصفة والاعتدال والأدب في الجدال. أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين: إن أحدنا لا بد أن يكون على هدى، والآخر لا بد أن يكون على ضلال. ثم يدع تحديد المهتدي منهما والضال. ليثير التدبر والتفكر في هدوء لا تغشى عليه العزة بالإثم، والرغبة في الجدال والمحال! فإنما هو هادٍ ومعلم، يبتغي هداهم وإرشادهم لا إذلالهم وإفحامهم، لمجرد الإذلال والإفحام!
الجدل على هذا النحو المهذب الموحي أقرب إلى لمس قلوب المستكبرين المعاندين المتطاولين بالجاه والمقام، المستكبرين على الإذعان والاستسلام، وأجدر بأن يثير التدبر الهادئ والاقتناع العميق. وهو نموذج من أدب الجدل ينبغي تدبره من الدعاة .. ومنه كذلك الإيقاع الثالث، الذي يقف كل قلب أمام عمله وتبعته، في أدب كذلك وقصد وإنصاف : { قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون}) [في ظلال القرآن 6/ 119].
وهذا توجيه رباني بالتلطف مع المخالف، والحدب عليه، والحرص على هدايته.
• معنى التعصب لغةً:
وإن التعصب الحزبي الموجود على الساحة الإسلامية اليوم: لهو أمر يؤدي إلى الفُرقة والانقسام أكثر من أن يؤدي إلى الوحدة والاتحاد، وأصل التعصب في الأمر: مأخوذ من العصبية، وهي أن يوالي الرجل قومه وعصبته، ويدعوهم إلى نصرته بأيّ حال، وليس هذا فقط، بل يدعو قومه إلى الوقوف معه على من يُناوئه، سواء كان هو أو قومه ظالمًا أو مظلومًا. ومن معاني التعصب والعصبية: المحاماة والمدافعة والنصرة. ويكون ذلك على مستوى الأفكار والمشاعر، والأقوال والأفعال. [لسان العرب: 1/607 بتصرف].
• أصول شرعية في ضوابط الاختلاف:
وضَّح شيخ الإسلام ابن تيمية قواعد عظيمة في اختلاف العلماء، وبيَّن أن اختلاف التنوع صحي مقبول دون خلاف التضاد، فقال رحمه الله: (الْخِلَافُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي التَّفْسِيرِ قَلِيلٌ، وَخِلَافُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ أَكْثَرُ مِنْ خِلَافِهِمْ فِي التَّفْسِيرِ، وَغَالِبُ مَا يَصِحُّ عَنْهُمْ مِنْ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ تَنَوُّعٍ لَا اخْتِلَافِ تَضَادٍّ..) [مجموع الفتاوى 13/ 333].
ثم بيَّن شيخ الإسلام أن الاختلاف في بعض مسائل الشرع لا يهدم الأُخوة ولا يَجُبّ أواصر الرابطة الإيمانية بين المسلمين، فقال شيخ الإسلام -رحمه الله -: (وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي "الْأَحْكَامِ" فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَنْضَبِطَ، وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا اخْتَلَفَ مُسْلِمَانِ فِي شَيْءٍ تَهَاجَرَا: لَمْ يَبْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عِصْمَةٌ وَلَا أُخُوَّةٌ، وَلَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا سَيِّدَا الْمُسْلِمِينَ يَتَنَازَعَانِ فِي أَشْيَاءَ لَا يَقْصِدَانِ إلَّا الْخَيْرَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ: "لَا يُصَلِّيَن أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ قَوْمٌ : لَا نُصَلِّي إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَفَاتَتْهُمْ الْعَصْرُ . وَقَالَ قَوْمٌ : لَمْ يُرِدْ مِنَّا تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ فَصَلَّوْا فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ يَعِبْ وَاحِدًا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ" . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي الْأَحْكَامِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأُصُولِ الْمُهِمَّةِ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْأَحْكَامِ). [مجموع الفتاوى 24/ 173].
وقد ذكر شيخ الإسلام ضوابط وتوجيهات مهمة عند الاختلاف، وأن لا أحد معصوم بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن تيمية رحمه الله: (فَدِينُ الْمُسْلِمِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى: اتِّبَاعِ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُصُولٌ مَعْصُومَةٌ، وَمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ رَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ . وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُنَصِّبَ لِلْأُمَّةِ شَخْصًا يَدْعُو إلَى طَرِيقَتِهِ وَيُوَالِي وَيُعَادِي عَلَيْهَا غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُنَصِّبَ لَهُمْ كَلَامًا يُوَالِي عَلَيْهِ وَيُعَادِي غَيْرَ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، بَلْ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُنَصِّبُونَ لَهُمْ شَخْصًا أَوْ كَلَامًا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ يُوَالُونَ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ أَوْ تِلْكَ النِّسْبَةِ وَيُعَادُونَ) [مجموع الفتاوى 20/164].
• صور من التعصب الحزبي قديمًا وحديثًا:
ذكر لنا التاريخ الإسلامي صورًا مريرة وقصصًا أليمة للتعصب الحزبي الذي أصاب بعض المقلدين إما بجهل أو ضيق أفق، فمن ذلك:
أولاً: النزاع بين الطوائف والمذاهب:
أدى التعصب المذهبي المتغلغل قديمًا بين الطوائف السنية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، إلى اشتعال حدة النزاع على مستوى أصول الدين وفروعه، وأوصلها إلى الفتن المذهبية الدامية -خلال العصر الإسلامي-، فقد ذكرت بعض المصادر التاريخية صورًا مفزعة للتعصب الحزبي والمذهبي، فمنهم من كسر إصبع أحد المصلين أثناء الصلاة؛ لأنه خالف مذهبه في تحريك الأصبع أثناء التشهد، وهنا أعرض لبعض الفتن التي وقعت بين هذه الطوائف، فمن ذلك:
- ما حدث سنة 393 هـ بين الشافعية والحنفية ببغداد، سببها أن شيخ الشافعية أبا حامد الإسفراييني (ت406هـ) استطاع أن يُؤثر في الخليفة العباسي القادر بالله، ويُقنعه بتحويل القضاء من الحنفية إلى الشافعية، فلما فعل ذلك احتج الحنفية ودخلوا في مصادمات مع الشافعية. [المقريزي : كتاب المواعظ والاعتبار، ج 2 ص: 333-334].
وهذه الفتنة أساسها التعصب المذهبي القائم بين الطوائف السنية آنذاك؛ لأنه ليس من العدل أن تحتكر طائفة منهم القضاء دون الطوائف الأخرى؛ لأن كل طائفة تريد أن تتولى القضاء وتحتكم فيه إلى مذهبها، ولا تحتكم إلى غير مذهبها.
- والفتنة الثانية حدثت بمدينة مرو ببلاد خُراسان بين الشافعية والحنفية، عندما غيّر الفقيه منصور بن محمد السمعاني المروزي (ت 489هـ) مذهبه، فقد كان حنفيًّا مدة ثلاثين سنة، ثم تحوّل إلى المذهب الشافعي، وأعلن ذلك بدار الإمارة بمدينة مرو بحضور أئمة الحنفية والشافعية، فاضطرب البلد لذلك، وهاجت الفتنة بين الشافعية والحنفية، ودخلوا في قتال شديد، وعمّت الفتنة المنطقة كلها، حتى كادت تملأ ما بين خُراسان والعراق، لكن السمعاني ظل ثابتًا على موقفه ولم يتراجع عنه، لكنه اضطر إلى الخروج من مدينة مرو، والانتقال إلى مدينة طوس، ثم إلى نيسابور، ثم عاد إلى مرو بعد سكون الفتنة. [طبقات الشافعية للسبكي، ج 5 ص: 34].
- والفتنة الثالثة حدثت بين الحنابلة والشافعية ببغداد سنة 573هـ، وذلك أنه عندما تُوفي خطيب جامع المنصور محمد بن عبد الله الشافعي سنة 537 هـ، ومنع الحنابلة من دفنه بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل؛ لأنه شافعي وليس حنبليًّا، حدثت فتنة بين الطائفتين تدخل على إثرها الخليفة العباسي المقتفي (530- 555هـ) وأوقفها، وأفشل محاولة الحنابلة منع دفن المتوفى بمقبرتهم، وأمر بدفنه فيها، فتمّ ذلك. [أبو إسحاق الشيرازي: طبقات الفقهاء، ج1 ص: 240].
ويتضح من هذه الفتنة أن التعصب المذهبي كان على أشدّه بين الحنابلة والشافعية، حتى إنه أوصل الحنابلة إلى رفض دفن رجل مسلم شافعي بمقبرتهم بالمعروفة باسم إمامهم، ثم الدخول في مواجهات مع الشافعية، وهذا غريب جدًّا يأباه الشرع والعقل مهما كانت المبررات.
- والفتنة الرابعة حدثت بأصفهان –ببلاد فارس- بين فقهاء أصحاب المذاهب سنة 560هـ، كان في مقدمتهم عبد اللطيف الخُجنّدي الشافعي، مع مخالفيه من المذاهب الأخرى، فحدثت بينهم فتنة كبيرة بسبب التعصب للمذاهب، فخرج المتعصبون إلى القتال لمدة 8 أيام، فكثُرت بينهم الشرور والخُطوب، وقُتل منهم خلق كثير، وأُحرقت وخُرّبت منازل ومرافق كثيرة، وبعد ثلاثة أيام افترقوا على أقبح صورة. [ابن كثير: البداية والنهاية، ج 12 ص: 249. والذهبي: العبر ج 4 ص: 169].
- والفتنة الخامسة هي أيضًا حدثت بأصفهان بين الشافعية والحنفية في سنة 582 هـ، وذلك أنه لما مات الملك العادل البهلوان محمد سنة 582 هـ، كثُرت الفتن بين الشافعية والحنفية بسبب التعصب المذهبي، فكان على رأس الحنفية قاضي البلد -لم يُذكر-، وعلى رأس الشافعية ابن الخُجنّدي، فحدث بين الطائفتين من القتل، والنهب، والدمار، ما يجل عن الوصف. [الذهبي: تاريخ الإسلام، حوادث: 581-590، ص: 14] .
- وقد ذكر الرحالة ياقوت الحموي (ت 626هـ) أن مدينة أصفهان في زمانه عمها الخراب بسبب كثرة الفتن والتعصب بين الشافعية والحنفية، فكانت الحروب بينهما متصلة، فكلما ظهرت طائفة نهبت الأخرى، وأحرقتها، وخرّبتها، لا يأخذها في ذلك إلا ولا ذمة. [معجم البلدان، ج 1 ص: 209] .
ثانيًا: حرق كتب المخالفين تعصبًا:
حدثت في تاريخنا الإسلامي عدة وقائع أُحرقت فيها كُتب المخالفين تعصبًا عليهم وانتصارًا للمذهب، فكان ذلك مظهرًا من مظاهر التعصب المذهبي، ومن تلك الحوادث:
- لما تتابع البلاء على ابن تيمية وعلى تلاميذه ومؤلفاته؛ فكان إظهار مؤلفاته آنذاك يوجب العقوبة والسجن، كما كشف عن ذلك تلميذه ابن عبد الهادي قائلاً: ( لَمَّا حُبس - ابن تيمية - تفرَّق أتباعه، وتفرَّقت كتبه، وخَوَّفوا أصحابه من أن يُظْهروا كتبه، وذهب كل أحد بما عنده وأخفاه، ولم يُظْهروا كتبه، فبقي هذا يهرب بما عنده، وهذا يبيعه أو يهبه، وهذا يخفيه ويودعه، حتى إن منهم من تُسرق كتبه فلا يستطيع أن يطلبها، ولا يقدر على تخليصها..) [العقود الدرية، ص 48].
- ومن ذلك ما حدث لكتب أبي محمد بن حزم الأندلسي (ت456هـ)، فبسبب الخصومة التي كانت بينه وبين فقهاء المالكية بالأندلس جعلتهم –أي الخصومة- يمقتوه ويحرقون كتبه علانية، حتى قال ابن حزم في ذلك: فإن يحرقوا القرطاس، لا يحرقوا الذي تضّمنه القرطاس، بل هو في صدري. [ابن حجر: لسان الميزان، ج 4 ص: 200].
- وكذلك ما جرى لكتب أبي حامد الغزالي (ت 505هـ) بالمغرب الإسلامي زمن دولة المرابطين ( 451-541هـ)، وذلك أن السلطان علي بن يُوسف بن تاشفين أمر بإحراق كتب الغزالي، وهدد بفتل ومصادرة أموال كل من وُجدت عنده مصنفات الغزالي أو بعض منها. وكان القاضي عياض ( 544هـ) من بين الذين طالبوا بحرق كتب الغزالي، ويبدوا أنهم فعلوا ذلك لما وجدوه فيها من مقالات كلامية وأشعرية وفلسفية وصوفية، تخالف ما هم عليه من مذهب السلف وأهل الحديث في أصول الدين. [ابن العماد الحنبلي : شذرات، ج 6 ص: 227].
- ومن ذلك ما حدث لكتب الفقه المالكي في زمن دولة الموحدين (541-668ه) بالمغرب الإسلامي، وذلك أن الموحدين كانوا متعصبين على المذاهب الفقهية الأربعة، وخاصة المذهب المالكي، فدعوا الناس إلى تركها وأخذ الأحكام الشرعية مباشرة من الكتاب والسنة على طريقة الاجتهاد المطلق؛ فكتب بعض ملوكهم إلى طلبة العلم بالمغرب والأندلس بحرق كُتب الفروع (سنة 550هـ). ثم تكرر ذلك زمن السلطان الموحدي يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن (ت595هـ)، فأعرض عن المالكية، وهدد كل من يشتغل بكتب الفروع -أي الفقه- وأمر بإحراقها، فأُحرقت مؤلفات كثيرة من كتب المالكية، منها: مدونة سُحنون بن سعيد، والواضحة لابن حبيب، ونوادر ابن أبي زيد ومختصره. [الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج 21 ص: 314].
- ومن ذلك ما حدث لكتب أهل السنة على يد المغول وأعوانهم لما استولوا على العراق والشام سنة 656هـ، وذلك أنهم لما دمروا البلاد وقتلوا العباد قام وزيرهم نصير الدين الطوسي (ت672هـ) بالاستيلاء على كتب أهل السنة، فأخذ منها المؤلفات التي تهمه –منها كتب الفلسفة وعلم الكلام- وأحرق كتب العلوم الشرعية. [ابن تيمية : التفسير الكبير، ج 2 ص: 6، ج 3 ص: 132] .
• مفاسد التعصب الحزبي:
للتعصب الحزبي مفاسد متعددة، منها:
1- طعن أتباع المذاهب أو أتباع العلماء بعضهم في بعض.
2- شيوع المناظرات والجدل بين المذهبين أو العلماء أو تلاميذهم.
3- انتشار الأحزاب والفتن والتباغض والتقاطع والتهاجر بسبب التعصب المذهبي.
4- انهدام الرابطة الإيمانية وظهور الإعجاب بالرأي مع ازدراء الآخرين.
5- رد الحق وغمط الناس.
6- الإعجاب بالرأي وازدراء الآخرين، والوشاية بالمخالف والسعي في إيذائه.
8- تقديم من لا يستحق التقديم، ورفع من لا يستحق الرفعة؛ عنادًا وتكبرًا وتعصبًا.
• علاج ظاهرة التعصب الحزبي:
- أول علاج التعصب: إخلاص النية الصادقة لله تعالى في طلب الحق، وترك الباطل، والابتعاد الكلي عن التعصب الأعمى للمذاهب والأشخاص.
- ثانيها الخضوع التام لأحكام الشرع الحكيم، والتسليم المطلق له في كل ما يقرره، انطلاقًا من الفهم الصحيح له، بلا تأويل ولا تحريف، ولا مبالغة، وبلا خلفيات مذهبية مُسبقة متعصبة للباطل، مع رد متشابهه إلى محكمه، وتفسير القرآن بالقرآن أولاً، وبالسنة النبوية الصحيحة ثانيًا، وبما كان عليه الصحابة والسلف الصالح رابعًا، وبالحقائق العقلية والاجتماعية والطبيعية الصحيحة الثابتة خامسًا.
- الثالث: هو أن يكون مرجعنا في أفعالنا وأقوالنا، وأحكامنا وخلافاتنا الشرع الحكيم المتمثل في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الصحيحة، -عليه الصلاة والسلام – لأن الله تعالى لم يتعبدنا باتباع العلماء ولا الأعيان ولا الحكام، وإنما تعبّدنا باتباع كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا ما تعارضت أقوال البشر وأفعالهم مع الشرع رُفضت مهما كان قائلها.
- والرابع: هو التعامل الإيجابي مع تراثنا الإسلامي، - على اختلافه وتنوّعه- بأن ننظر إليه نظرة شمولية متوازنة نافعة، بلا إقصاء ولا إغماط، وبلا تقزيم ولا مبالغة، وبلا تعصب أعمى، فنستفيد من إيجابياته – وما أكثرها – فنأخذ بها، ونعتبر بسلبياته – وما أكثرها أيضًا- فنتعلم منها ونتجنبها ، بلا مخاصمات ولا مزايدات .
- والخامس: هو الحرص والسعي الجاد لإيجاد إرادة تغيير لدي السياسيين والعلماء والجماهير الإسلامية لتقبل مشروع مقاومة التعصب الحزبي، على مستوى الأفكار والمشاعر والأفعال، ويتم ذلك بناء على اتفاق مُسبق بين كل الأطراف المعنية .
- والسادس: إبعاد العوام عن التعصب الحزبي مطلقًا، -أصولاً وفروعًا-؛ لأن تمذهبهم يضرّ بهم وبالمجتمع، ولا يقدم نفعًا للأمة، فمن مصلحة الأمة إبعاد هؤلاء عن التعصب لشيخ أو إمام أو مذهب؛ لأن العامي-كما قال بعض العلماء- : لا مذهب له، لأنه يفتقد القدرة على الاختيار، فكيف يستطيع أن يختار لنفسه مذهبًا؟!، فعلى العوام أن يسألوا أهل العلم بلا تمذهب ولا تعصب، وهكذا كان حالهم زمن الصحابة والسلف الأول.
ولذلك ينبغي على المجامع العلمية والمجامع الفقهية أن تجمع للأمة كثيرًا من المسائل الفقهية المختلف فيها بين العلماء والمذاهب، وتحررها تحريرًا علميًّا موضوعيًّا نزيهًا صحيحًا، بلا تعصب للمذاهب والأشخاص، للخروج باتفاق يُرضي كل الأطراف، أو معظمها، مع الحرص على تضييق فجوة الخلاف ما أمكن، وعدم إقرار الأحكام المتناقضة مع روح الشريعة ومقاصدها، كالتي وقع فيها كثير من الشافعية والحنفية عندما أبطلوا صلاة الشافعي والحنفي خلف بعضهما بعض.
- والسابع: العمل لإحياء منهج الأئمة الأربعة في الاجتهاد الفقهي القائم على الدليل، لا على التقليد والتمذهب والتعصب، وتبليغ ذلك لأتباعهم المتعصبين لهم، بأن أئمتهم ما دعوا إلى تقليدهم ولا التعصب لهم، وإن الإتباع الصحيح لهم هو إحياء منهاجهم الاجتهادي فهما وممارسة، وليس هو تقليدهم في فتاويهم والتعصب لها .
- والثامن: الحرص على تربية أهل العلم على الاجتهاد الحر وحثهم عليه، والتأكيد على أن التقليد هو عجز وسلبية، وأن باب الاجتهاد مفتوح لا يصح غلقه، ولا يستطيع أحد غلقه -بعدما فتحه الشرع وحث عليه-، على أن يطرقه من هو أهلاً له، وفق منهج علمي صحيح، وبذلك نساعدهم-أي أهل العلم- على التخلّص من عقدة التقليد المذهبي، الذي هو من الأبواب الموصلة إلى التعصب المذهبي المذموم. [التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي.. للدكتور خالد كبير علال، دار المحتسب – 1429هـ - 2008م].
وختامًا أنقل لك درة من درر التاريخ وزهرة من بستان فقهاء الأمة: قال يونس الصدفي: «ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يومًا في مسألة ، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة» [سير أعلام النبلاء 10/16 - 17] .
قال الذهبي تعليقًا على كلام الإمام الشافعي: «هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون» [سير أعلام النبلاء 10/16 - 17] والحمد لله رب العالمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التعصب الحزبي .. نظرة تحليلية تاريخية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التعصب الحزبي
» التعصب الأعمى
» الحروب الإغريقية-الفارسية: نظرة تاريخية غير أسطورية
» سيكولوجية التعصب و نفسيه التعصب الاعمى
» فلسفة الخراب فيروس التعصُب الحزبي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى التعليم والثقافة-
انتقل الى: