ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء Empty
مُساهمةموضوع: باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء   باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء Emptyالأحد ديسمبر 27, 2009 8:46 am

باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء Kunooozd0fee10454
باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء
قد ذكرنا في أول البعثة ما تعنتت به قريش وبعثت إلى يهود المدينة يسألونهم عن أشياء يسألون عنها رسول الله .
فقالوا: سلوه عن الروح، وعن أقوام ذهبوا في الدهر فلا يدرى ما صنعوا، وعن رجل طواف في الأرض بلغ المشارق والمغارب.
فلما رجعوا سألوا عن ذلك رسول الله فأنزل الله عز وجل قوله تعالى: { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } [الإسراء: 85] .
وأنزل سورة الكهف يشرح فيها خبر الفتية الذين فارقوا دين قومهم وآمنوا بالله العزيز الحميد، وأفردوه بالعبادة واعتزلوا قومهم، ونزلوا غارا وهو الكهف فناموا فيه ثم أيقظهم الله بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين،
وكان من أمرهم ما قص الله علينا في كتابه العزيز، ثم قص خبر الرجلين المؤمن والكافر وما كان من أمرهما، ثم ذكر خبر موسى والخضر وما جرى لهما من الحكم والمواعظ ثم قال: { ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا } [الكهف: 83] .
ثم شرح ثم ذكر خبره وما وصل إليه من المشارق والمغارب وما عمل من المصالح في العالم، وهذا الإخبار هو الواقع في الواقع، وإنما يوافقه من الكتب التي بأيدي أهل الكتاب ما كان منها حقا وأما ما كان محرفا مبدلا فذاك مردود، فإن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب ليبين للناس ما اختلفوا فيه من الأخبار والأحكام.
قال الله تعالى بعد ذكر التوراة والإنجيل: { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه } [المائدة: 48] .
وذكرنا في أول الهجرة قصة إسلام عبد الله بن سلام وأنه قال: لما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل، فلما رأيت وجهه قلت: إن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول ما سمعته يقول:
« أيها الناس أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ».
وثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث إسماعيل بن عطية وغيره عن حميد، عن أنس قصة سؤاله رسول الله ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه وإلى أمه؟
فقال رسول الله : « أخبرني بهن جبريل آنفا ».
ثم قال: « أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه ».
وقد رواه البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن أبي معشر، عن سعيد المقبري فذكر مسألة عبد الله بن سلام إلا أنه قال: فسأله عن السواد الذي في القمر بدل أشراط الساعة فذكر الحديث إلى أن قال: « وأما السواد الذي في القمر فإنهما كانا شمسين، فقال الله عز وجل: « وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل » فالسواد الذي رأيت هو المحو ».
فقال عبد الله بن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
حديث آخر في معناه:
قال الحافظ البيهقي: أنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم المزكي، أنا أبو الحسن - أحمد بن محمد بن عيدروس -، ثنا عثمان بن سعيد، أنا الربيع بن نافع أبو توبة، ثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: أخبرني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان حدثه قال: كنت قائما عند رسول الله فجاءه حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها.
قال: لم تدفعني؟
قال: قلت: ألا تقول: يا رسول الله؟
قال: إنما سميته باسمه الذي سماه به أهله.
فقال رسول الله : « إن اسمي الذي سماني به أهلي محمد ».
فقال اليهودي: جئت أسألك.
فقال رسول الله : « ينفعك شيء إن حدثتك؟ »
قال: أسمع بأذني، فنكت بعود معه.
فقال له: « سل ».
فقال له اليهودي: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟
فقال رسول الله - -: « في الظلمة دون الجسر ».
قال: فمن أول الناس إجازة؟
فقال: « فقراء المهاجرين ».
قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟
قال: « زيادة كبد الحوت ».
قال: وما غذاؤهم على إثره؟
قال: « ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ».
قال: فما شرابهم عليه؟
قال: « من عين فيها تسمى سلسبيلا ».
قال: صدقت.
قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان.
قال: « ينفعك إن حدثتك؟ »
قال: أسمع بأذني.
قال: « جئت أسألك عن الولد؟
قال: « ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله ».
فقال اليهودي: صدقت، وإنك لنبي ثم انصرف.
فقال النبي : « إنه سألني عنه وما أعلم شيئا منه حتى أتاني الله به ».
وهكذا رواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني، عن أبي توبة الربيع بن نافع به.
وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو عبد الله بن سلام، ويحتمل أن يكون غيره، والله أعلم.
حديث آخر:
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب، حدثني ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود يوما عند رسول الله فقالوا: يا رسول الله حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي؟
قال: « سلوني ما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على نبيه إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه صدقا لتتابعني على الإسلام ».
قالوا: لك ذلك.
قال: « سلوا عما شئتم ».
قالوا: أخبرنا عن أربع خلال ثم نسألك: أخبرنا عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى يكون ذكرا؟ وكيف تكون الأنثى حتى تكون الأنثى؟ وأخبرنا عن هذا النبي في النوم ومن وليك من الملائكة؟
قال: « فعليكم عهد الله لئن أنا حدثتكم لتتابعني ».
فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق.
قال: « أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل - يعقوب - مرض مرضا شديدا طال سقمه فيه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه،
وكان أحب الشراب إليه ألبان الإبل وأحب الطعام إليه لحمان الإبل؟ ».
قالوا: اللهم نعم.
فقال رسول الله: « اللهم اشهد عليهم ».
قال: « فأنشدكم الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض وأن ماء المرأة رقيق أصفر فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، وإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله؟ »
قالوا: اللهم نعم.
قال رسول الله: « اللهم اشهد عليهم ».
قال: « وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ »
قالوا: اللهم نعم.
قال: « اللهم اشهد عليهم ».
قالوا: أنت الآن حدثنا عن وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك.
قال: « وليي جبريل عليه السلام ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه » فقالوا: فعندها نفارقك لو كان وليك غيره من الملائكة لبايعناك وصدقناك.
قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟
قالوا: إنه عدونا من الملائكة.
فأنزل الله عز وجل: { قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } [البقرة: 97] .
ونزلت: { فباءوا بغضب على غضب } [البقرة: 90] الآية.
حديث آخر:
قال الإمام أحمد: ثنا يزيد، ثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن سلمة يحدث عن صفوان بن عسال المرادي قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي حتى نسأله عن هذه الآية: { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات }. [الإسراء: 101] .
فقال: لا تقل له شيئا، فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين فسألاه.
فقال النبي : « لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تقذفوا محصنة - أو
قال: - لا تفروا من الزحف - شعبة الشاك - وأنتم يا معشر يهود عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت ».
قال: فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي.
قال: فما يمنعكما أن تتبعاني؟
قالا: إن داود - عليه السلام - دعا أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود.
وقد رواه الترمذي والنسائي، وابن ماجه وابن جرير، والحاكم والبيهقي من طرق عن شعبة به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
قلت: وفي رجاله من تكلم فيه وكأنه اشتبه على الراوي التسع الآيات بالعشر الكلمات، وذلك أن الوصايا التي أوصاها الله إلى موسى وكلمه بها ليلة القدر بعد ما خرجوا من ديار مصر وشعب بني إسرائيل حول الطور حضور، وهارون ومن معه وقوف على الطور أيضا، وحينئذ كلم الله موسى تكليما آمرا له بهذه العشر كلمات، وقد فسرت في هذا الحديث، وأما التسع الآيات فتلك دلائل وخوارق عادات أيد بها موسى عليه السلام وأظهرها الله على يديه بديار مصر وهي: العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والجدب، ونقص الثمرات، وقد بسطت القول على ذلك في التفسير بما فيه الكفاية، والله أعلم.
فصل المباهلة
وقد ذكرنا في التفسير عند قوله تعالى في سورة البقرة: { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين } [البقرة: 94-95] .
ومثلها في سورة الجمعة وهي قوله: { قل ياأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين } [الجمعة: 6- 7] .
وذكرنا أقوال المفسرين في ذلك، وأن الصواب أنه دعاهم إلى المباهلة، وأن يدعو بالموت على المبطل منهم أو المسلمين، فنكلوا عن ذلك لعلمهم بظلم أنفسهم وأن الدعوة تنقلب عليهم ويعود وبالها إليهم.
وهكذا دعا النصارى من أهل نجران حين حاجوه في عيسى بن مريم، فأمره الله أن يدعوهم إلى المباهلة في قوله: { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } [آل عمران: 61] .
وهكذا دعا على المشركين على وجه المباهلة في قوله: { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا } [مريم: 75] .
وقد بسطنا القول في ذلك عند هذه الآيات في كتابنا التفسير بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة.
حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بأنه رسول الله
ويتضمن تحاكمهم ولكن بقصد منهم مذموم، وذلك أنهم ائتمروا بينهم أنه إن حكم بما يوافق هواهم اتبعوه وإلا فاحذروا ذلك، وقد ذمهم الله في كتابه العزيز على هذا القصد قال عبد الله بن المبارك: ثنا معمر عن الزهري قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب، وعند سعيد رجل وهو يوقره وإذا هو رجل من مزينة كان أبوه شهد الحديبية وكان من أصحاب أبي هريرة قال: قال أبو هريرة: كنت جالسا عند رسول الله إذ جاء نفر من اليهود وقد زنا رجل منهم وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف فإن أفتانا حدا دون الرجم فعلناه واحتججنا عند الله حين نلقاه بتصديق نبي من أنبيائه.
قال مرة عن الزهري: وإن أمرنا بالرجم عصينا فقد عصينا الله فيما كتب علينا من الرجم في التوراة.
فأتوا رسول الله وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل منا زنا بعد ما أحصن؟
فقام رسول الله - - ولم يرجع إليهم شيئا، وقام معه رجال من المسلمين حتى أتوا بيت مدراس اليهود فوجدوهم يتدارسون التوراة.
فقال لهم رسول الله : « يا معشر اليهود أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنا إذا أحصن؟ »
قالوا: نجبيه، - والتجبية أن يحملوا اثنين على حمار فيولوا ظهر أحدهما ظهر الآخر - قال: وسكت حبرهم - وهو فتى شاب - فلما رآه رسول الله صامتا ألظ به النشدة.
فقال حبرهم: أما إذ نشدتهم فإنا نجد في التوراة الرجم على من أحصن.
قال النبي : « فما أول ما ترخصتم أمر الله عز وجل؟ »
فقال: زنا رجل منا ذو قرابة بملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، فزنا بعده آخر في أسرة من الناس فأراد ذلك الملك أن يرجمه فقام قومه دونه فقالوا: لا والله لا نرجمه حتى يرجم فلانا ابن عمه، فاصطلحوا بينهم على هذه العقوبة.
فقال رسول الله : « فإني أحكم بما حكم في التوراة ».
فأمر رسول الله بهما فرجما.
قال الزهري: وبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا } [المائدة: 44] .
وله شاهد في الصحيح عن ابن عمر.
قلت: وقد ذكرنا ما ورد في هذا السياق من الأحاديث عند قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم عن مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه } [المائدة: 41] .
يعني: الجلد والتحميم الذي اصطلحوا عليه وابتدعوه من عند أنفسهم، يعني: إن حكم لكم محمد بهذا فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا، يعني: وإن لم يحكم لكم بذلك فاحذروا قبوله.
قال الله تعالى: { ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم } [المائدة: 41] .
إلى أن قال: { وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } [المائدة: 43] .
فذمهم الله تعالى على سوء ظنهم وقصدهم بالنسبة إلى اعتقادهم في كتابهم، وإن فيه حكم الله بالرجم وهم مع ذلك يعلمون صحته ثم يعدلون عنه إلى ما ابتدعوه من التحميم والتجبية.
وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن الزهري قال: سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثهم فذكره وعنده.
فقال رسول الله لابن صوريا: « أنشدك بالله وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل هل تعلم أن الله حكم فيمن زنا بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟ »
فقال: اللهم نعم، أما والله يا أبا القاسم إنهم يعرفون أنك نبي مرسل ولكنهم يحسدونك.
فخرج رسول الله فأمر بهما فرجما عند باب مسجده في بني تميم عند مالك بن النجار.
قال: ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا فأنزل الله: « يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر » الآيات.
وقد ذكر عبد الله بن صوريا الأعور في حديث ابن عمير وغيره بروايات صحيحة قد بيناها في التفسير.
حديث آخر:
قال حماد بن سلمة: ثنا ثابت عن أنس أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي فمرض فأتاه رسول الله يعوده فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة فقال له رسول الله : « يا يهودي أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون في التوراة نعتي وصفتي ومخرجي؟
فقال: لا.
فقال الفتى: بلى والله يا رسول الله إنا نجد في التوراة نعتك وصفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
فقال النبي لأصحابه: « أقيموا هذا من عند رأسه ولوا أخاكم »
ورواه البيهقي من هذا الوجه بهذا اللفظ.
حديث آخر:
قال أبو بكر ابن أبي شيبة: ثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، عن أبي عبيدة ابن عبد الله، عن أبيه قال: إن الله ابتعث نبيه لإدخال رجل الجنة، فدخل النبي كنيسة وإذا يهودي يقرأ التوراة، فلما أتى على صفته أمسك.
قال: وفي ناحيتها رجل مريض.
فقال النبي : « ما لكم أمسكتم؟ »
فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة.
وقال: إرفع يدك، فقرأ حتى أتى على صفته.
فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله ثم مات.
فقال النبي : « لوا أخاكم ».
حديث آخر:
أن النبي وقف على مدراس اليهود فقال: « يا معشر يهود أسلموا، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله إليكم ».
فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم.
فقال: « ذلك أريد ».
فصل البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم
فالذي يقطع به من كتاب الله وسنة رسوله ومن حيث المعنى أن رسول الله قد بشرت به الأنبياء قبله، وأتباع الأنبياء يعلمون ذلك ولكن أكثرهم يكتمون ذلك ويخفونه.
قال الله تعالى: { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون * قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } [الأعراف: 157- 158] .
وقال تعالى: { والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } [الأنعام: 114] .
وقال تعالى: { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون } [البقرة: 146] .
وقال تعالى: { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ } [آل عمران: 20] .
وقال تعالى: { هذا بلاغ للناس ولينذروا به } [إبراهيم: 52] .
وقال تعالى: { لأنذركم به ومن بلغ } [الأنعام: 19] .
وقال تعالى: { ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده } [هود: 17] .
وقال تعالى: { لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين } [يس: 70] .
فذكر تعالى: بعثته إلى الأميين، وأهل الكتاب، وسائر الخلق من عربهم وعجمهم، فكل من بلغه القرآن فهو نذير له.
قال : « والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بي إلا دخل النار ».
رواه مسلم وفي الصحيحين: « أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأعطيت السماحة، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة ».
وفيهما « بعثت إلى الأسود والأحمر ».
قيل: إلى العرب والعجم، وقيل: إلى الإنس والجن.
والصحيح أعم من ذلك.
والمقصود أن البشارات به موجودة في الكتب الموروثة عن الأنبياء قبله حتى تناهت النبوة إلى آخر أنبياء بني إسرائيل - هو عيسى بن مريم - وقد قام بهذه البشارة في بني إسرائيل وقص الله خبره في ذلك.
فقال تعالى: { وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } [الصف: 6] .
فأخبار محمد - صلوات الله وسلامه عليه - بأن ذكره موجود في الكتب المتقدمة فيما جاء به من القرآن، وفيما ورد عنه من الأحاديث الصحيحة كما تقدم، وهو مع ذلك من أعقل الخلق باتفاق الموافق والمفارق، يدل على صدقه في ذلك قطعا لأنه لو لم يكن واثقا بما أخبر به من ذلك لكان ذلك من أشد المنفرات عنه، ولا يقدم على ذلك عاقل، والغرض أنه من أعقل الخلق حتى عند من يخالفه بل هو أعقلهم في نفس الأمر، ثم إنه قد انتشرت دعوته في المشارق والمغارب، وعمت دولة أمته في أقطار الآفاق عموما لم يحصل لأمة من الأمم قبلها، فلو لم يكن محمد نبيا لكان ضرره أعظم من كل أحد، ولو كان كذلك لحذر عنه الأنبياء أشد التحذير، ولنفروا أممهم منه أشد التنفير فإنهم جميعهم قد حذروا من دعاة الضلالة في كتبهم، ونهوا أممهم عن اتباعهم والإقتداء بهم، ونصوا على المسيح الدجال الأعور الكذاب، حتى قد أنذر نوح - وهو أول الرسل قومه - ومعلوم أنه لم ينص نبي من الأنبياء على التحذير من محمد ولا التنفير عنه ولا الإخبار عنه بشيء خلاف مدحه والثناء عليه، والبشارة بوجوده، والأمر باتباعه، والنهي عن مخالفته والخروج من طاعته قال الله تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين } [آل عمران: 81] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به وليتبعنه.
رواه البخاري.
وقد وجدت البشارات به في الكتب المتقدمة وهي أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، وقد قدمنا قبل مولده عليه السلام طرفا صالحا من ذلك، وقررنا في كتاب التفسير عند الآيات المقتضية لذلك آثارا كثيرة، ونحن نورد ههنا شيئا مما وجد في كتبهم التي يعترفون بصحتها، ويتدينون بتلاوتها مما جمعه العلماء قديما وحديثا ممن آمن منهم واطلع على ذلك من كتبهم التي بأيديهم:
ففي السفر الأول من التوراة التي بأيديهم في قصة إبراهيم الخليل عليه السلام ما مضمونه وتعريبه: إن الله أوحى إلى إبراهيم عليه السلام بعد ما سلمه من نار النمرود أن قم فاسلك الأرض مشارقها ومغاربها لولدك، فلما قص ذلك على سارة طمعت أن يكون ذلك لولدها منه، وحرصت على إبعاد هاجر وولدها حتى ذهب بهما الخليل إلى برية الحجاز وجبال فاران، وظن إبراهيم عليه السلام أن هذه البشارة تكون لولده إسحاق، حتى أوحى الله إليه ما مضمونه: أما ولدك إسحاق فإنه يرزق ذرية عظيمة، وأما ولدك إسماعيل فإني باركته وعظمته وكثرت ذريته، وجعلت من ذريته ماذ ماذ - يعني: محمدا وجعلت في ذريته اثنا عشر إماما، وتكون له أمة عظيمة.
وكذلك بشرت هاجر حين وضعها الخليل عند البيت فعطشت وحزنت على ولدها، وجاء الملك فأنبع زمزم وأمرها بالاحتفاظ بهذا الولد فإنه سيولد له منه عظيم له ذرية عدد نجوم السماء، ومعلوم أنه لم يولد من ذرية إسماعيل بل من ذرية آدم أعظم قدرا ولا أوسع جاها، ولا أعلى منزلة ولا أجل منصبا من محمد وهو الذي استولت دولة أمته على المشارق والمغارب، وحكموا على سائر الأمم.
وهكذا في قصة إسماعيل من السفر الأول: أن ولد إسماعيل تكون يده على كل الأمم وكل الأمم تحت يده، وبجميع مساكن إخوته يسكن، وهذا لم يكن لأحد يصدق على الطائفة إلا لمحمد .
وأيضا في السفر الرابع في قصة موسى أن: الله أوحى إلى موسى عليه السلام أن قل لبني إسرائيل سأقيم لهم نبيا من أقاربهم مثلك يا موسى، وأجعل وحيي بفيه وإياه تسمعون.
وفي السفر الخامس - وهو سفر الميعاد -: أن موسى عليه السلام خطب بني إسرائيل في آخر عمره - وذلك في السنة التاسعة والثلاثين من سني التيه - وذكرهم بأيام الله وأياديه عليهم وإحسانه إليهم وقال لهم فيما قال: واعلموا أن الله سيبعث لكم نبيا من أقاربكم مثل ما أرسلني إليكم يأمركم بالمعروف، وينهاكم عن المنكر، ويحل لكم الطيبات، ويحرم عليكم الخبائث، فمن عصاه فله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.
وأيضا في آخر السفر الخامس - وهو آخر التوراة التي بأيديهم -: جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران، وظهر من ربوات قدسه عن يمينه نور، وعن شماله نار، عليه تجتمع الشعوب أي: جاء أمر الله وشرعه من طور سيناء - وهو الجبل الذي كلم الله موسى عليه السلام عنده - وأشرق من ساعير وهي جبال بيت المقدس - المحلة التي كان بها عيسى بن مريم عليه السلام - واستعلن أي ظهر وعلا أمره من جبال فاران - وهي جبال الحجاز بلا خلاف - ولم يكن ذلك إلا على لسان محمد فذكر تعالى هذه الأماكن الثلاثة على الترتيب الوقوعي، ذكر محلة موسى، ثم عيسى، ثم بلد محمد ولما أقسم تعالى بهذه الأماكن الثلاثة ذكر الفاضل أولا ثم الأفضل منه، ثم الأفضل منه على قاعدة القسم.
فقال تعالى: { والتين والزيتون } [التين: 1] .
والمراد بها محلة بيت المقدس حيث كان عيسى عليه السلام.
{ وطور سينين } [التين: 2] . وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى.
{ وهذا البلد الأمين } [التين: 3] . وهو البلد الذي ابتعث منه محمدا قاله غير واحد من المفسرين في تفسير هذه الآيات الكريمات.
وفي زبور داود عليه السلام صفة هذه الأمة بالجهاد والعبادة، وفيه مثل ضربه لمحمد بأنه ختام القبة المبنية.
كما ورد به الحديث في الصحيحين: « مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى دارا فأكملها إلا موضع لبنة فجعل الناس يطيفون بها ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ »
ومصداق ذلك أيضا في قوله تعالى: { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } [الأحزاب: 40] .
وفي الزبور صفة محمد بأنه ستنبسط نبوته ودعوته وتنفذ كلمته من البحر إلى البحر، وتأتيه الملوك من سائر الأقطار طائعين بالقرابين والهدايا، وأنه يخلص المضطر ويكشف الضر عن الأمم، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له، ويصلى عليه في كل وقت، ويبارك الله عليه في كل يوم، ويدوم ذكره إلى الأبد، وهذا إنما ينطبق على محمد .
وفي صحف شعيا في كلام طويل فيه معاتبة لبني إسرائيل وفيه: فإني أبعث إليكم وإلى الأمم نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ القلب، ولا سخاب في الأسواق، أسدده لكل جميل، وأهب له كل خلق كريم، ثم أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى في ضميره، والحكمة معقوله، والوفاء طبيعته، والعدل سيرته، والحقع شريعته، والهدى ملته، والإسلام دينه، والقرآن كتابه، أحمد اسمه، أهدي به من الضلالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به بين القلوب المختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، قرابينهم دماؤهم، أناجليهم في صدورهم، رهبانا بالليل، ليوثا بالنهار { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } [الحديد: 21] .
وفي الفصل الخامس من كلام شعيا: يدوس الأمم كدوس البيادر، وينزل البلاء بمشركي العرب وينهزمون قدامه.
وفي الفصل السادس والعشرين منه: ليفرح أرض البادية العطشى، ويعطي أحمد محاسن لبنان، ويرون جلال الله بمهجته.
وفي صحف إلياس عليه السلام أنه خرج مع جماعة من أصحابه سائحا فلما رأى العرب بأرض الحجاز قال: لمن معه انظروا إلى هؤلاء فإنهم هم الذين يملكون حصونكم العظيمة.
فقالوا: يا نبي الله فما الذي يكون معبودهم؟
فقال: يعظمون رب العزة فوق كل رابية عالية.
ومن صحف حزقيل: إن عبدي خيرتي أنزل عليه وحيي، يظهر في الأمم عدلي، اخترته واصطفيته لنفسي، وأرسلته إلى الأمم بأحكام صادقة.
ومن كتاب النبوات: أن نبيا من الأنبياء مر بالمدينة فأضافه بنو قريظة والنضير، فلما رآهم بكى.
فقالوا له: ما الذي يبكيك يا نبي الله؟
فقال: نبي يبعثه الله من الحرة يخرب دياركم، ويسبي حريمكم.
قال: فأراد اليهود قتله فهرب منهم.
ومن كلام حزقيل عليه السلام يقول الله: من قبل أن صورتك في الأحشاء قدستك، وجعلتك نبيا، وأرسلتك إلى سائر الأمم.
في صحف شعيا أيضا مثل مضروب لمكة - شرفها الله -: إفرحي يا عاقر بهذا الولد الذي يهبه لك ربك، فإن ببركته تتسع لك الأماكن، وتثبت أوتادك في الأرض، وتعلو أبواب مساكنك، ويأتيك ملوك الأرض عن يمينك وشمالك بالهدايا والتقادم، وولدك هذا يرث جميع الأمم، ويملك سائر المدن والأقاليم، ولا تخافي ولا تحرني فما بقي يلحقك ضيم من عدو أبدا، وجميع أيام ترملك تنسيها.
وهذا كله إنما حصل على يدي محمد وإنما المراد بهذه العاقر مكة، ثم صارت كما ذكر في هذا الكلام لا محالة.
ومن أراد من أهل الكتاب أن يصرف هذا ويتأوله على بيت المقدس وهذا لا يناسبه من كل وجه، والله أعلم.
وفي صحف أرميا: كوكب ظهر من الجنوب أشعته صواعق، سهامه خوارق، دكت له الجبال، وهذا المراد به محمد .
وفي الإنجيل يقول عيسى عليه السلام: إني مرتق إلى جنات العلى، ومرسل إليكم الفارقليط روح الحق يعلمكم كل شيء، ولم يقل شيئا من تلقاء نفسه، والمراد بالفارقليط: محمد - صلوات الله وسلامه عليه -.
وهذا كما تقدم عن عيسى أنه قال: { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } [الصف: 6] .
وهذا باب متسع، ولو تقصينا جميع ما ذكره الناس لطال هذا الفصل جدا، وقد أشرنا إلى نبذ من ذلك يهتدي بها من نور الله بصيرته وهداه إلى صراطه المستقيم، وأكثر هذه النصوص يعلمها كثير من علمائهم وأحبارهم، وهم مع ذلك يتكاتمونها ويخفونها.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى بن الفضل ومحمد بن أحمد الصيدلاني قالوا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبيد الله ابن أبي داود المنادي، ثنا يونس بن محمد المؤدب، ثنا صالح بن عمر، ثنا عاصم بن كليب عن أبيه، عن الغليان بن عاصم قال: كنا جلوسا عند النبي إذ شخص ببصره إلى رجل فدعاه، فأقبل رجل من اليهود مجتمع عليه قميص وسراويل ونعلان فجعل يقول: يا رسول الله.
فجعل رسول الله يقول: « أتشهد إني رسول الله؟ ».
فجعل لا يقول شيئا إلا قال: يا رسول الله.
فيقول: « أتشهد أني رسول الله؟ »
فيأبى.
فقال رسول الله : « أتقرأ التوراة؟ »
قال: نعم.
قال: « والإنجيل؟ »
قال: نعم، والفرقان ورب محمد لو شئت لقرأته.
قال: « فأنشدك بالذي أنزل التوراة والإنجيل، وأنشأ خلقه بها تجدني فيهما؟ »
قال: نجد مثل نعتك يخرج من مخرجك، كنا نرجو أن يكون فينا، فلما خرجت رأينا أنك هو، فلما نظرنا إذا أنت لست به.
قال: « من أين؟ »
قال: نجد من أمتك سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وإنما أنتم قليل.
قال: فهلل رسول الله وكبر وهلل وكبر ثم قال: « والذي نفس محمد بيده إنني لأنا هو، وإن من أمتي لأكثر من سبعين ألفا وسبعين وسبعين ».
جوابه صلى الله عليه وسلم لمن ساءل عما سأل قبل أن يسأله عن شيء منه
قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، أنا الزبير بن عبد السلام عن أيوب بن عبد الله بن مكرز - ولم يسمعه منه - قال: حدثني جلساؤه وقد رأيته عن وابصة الأسدي وقال عفان: ثنا غير مرة ولم يقل: حدثني جلساؤه قال: أتيت رسول الله وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه، وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه فجعلت أتخطاهم.
فقالوا: إليك وابصة عن رسول الله.
فقلت: دعوني فأدنو منه فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه.
قال: « دعوا وابصة، أدن يا وابصة » مرتين أو ثلاثا.
قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه.
فقال: « يا وابصة أخبرك أم تسألني؟ »
فقلت: لا بل أخبرني.
فقال: « جئت تسأل عن البر والإثم ».
فقلت: نعم.
فجمع أنامله فجعل ينكت بهن في صدري ويقول: « يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك » ثلاث مرات « البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك ».
باب ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده
وهذا باب عظيم لا يمكن استقصاء جميع ما فيه لكثرتها، ولكن نحن نشير إلى طرف منها، وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، وذلك منتزع من القرآن ومن الأحاديث.
أما القرآن
فقال تعالى في سورة المزمل - وهي من أوائل ما نزل بمكة -: { علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله } [المزمل: 20] .
ومعلوم أن الجهاد لم يشرع إلا بالمدينة بعد الهجرة.
وقال تعالى في سورة اقترب - وهي مكية -: { أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر } [القمر: 44-45] .
ووقع هذا يوم بدر وقد تلاها رسول الله وهو خارج من العريش، ورماهم بقبضة من الحصباء فكان النصر والظفر، وهذا مصداق ذاك.
وقال تعالى: { تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد } [المسد: 1-5] .
فأخبر أن عمه عبد العزى بن عبد المطلب الملقب بأبي لهب سيدخل النار هو وامرأته، فقدر الله عز وجل أنهما ماتا على شركهما لم يسلما حتى ولا ظاهرا، وهذا من دلائل النبوة الباهرة.
وقال تعالى: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } [الإسراء: 88] .
وقال تعالى في سورة البقرة: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } [البقرة: 23-24] .
فأخبر أن جميع الخليقة لو اجتمعوا، وتعاضدوا وتناصروا وتعاونوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته وبلاغته، وحلاوته وإحكام أحكامه، وبيان حلاله وحرامه، وغير ذلك من وجوه إعجازه لما استطاعوا ذلك، ولما قدروا عليه ولا على عشر سور منه بل ولا سورة، وأخبر أنهم لن يفعلوا ذلك أبدا.
و لن لنفي التأبيد في المستقبل، ومثل هذا التحدي وهذا القطع، وهذا الإخبار الجازم لا يصدر إلا عن واثق بما يخبر به، عالم بما يقوله، قاطع أن أحدا لا يمكنه أن يعارضه، ولا يأتي بمثل ما جاء به عن ربه عز وجل.
وقال تعالى: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم } [النور: 55] .
وهكذا وقع سواء بسواء، مكن الله هذا الدين وأظهره وأعلاه ونشره في سائر الآفاق، وأنفذه وأمضاه.
وقد فسر كثير من السلف هذه الآية بخلافة الصديق، ولا شك في دخوله فيها ولكن لا تختص به بل تعمه كما تعم غيره.
كما ثبت في الصحيح: « إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لننفقن كنوزهما في سبيل الله ».
وقد كان ذلك في زمن الخلفاء الثلاثة: أبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم وأرضاهم -.
وقال تعالى: { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } [التوبة: 33] .
وهكذا وقع وعم هذا الدين وغلب وعلا على سائر الأديان في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمته في زمن الصحابة ومن بعدهم، وذلت لهم سائر البلاد ودان لهم جميع أهلها على اختلاف أصنافهم، وصار الناس إما مؤمن داخل في الدين، وإما مهادن باذل الطاعة والمال، وإما محارب خائف وجل من سطوة الإسلام وأهله.
وقد ثبت في الحديث: « إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها ».
وقال تعالى: { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون } [الفتح: 16] .
وسواء كان هؤلاء هوازن أو أصحاب مسيلمة أو الروم فقد وقع ذلك.
وقال تعالى: { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما * وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا } [الفتح: 20 -21] .
وسواء كانت هذه الأخرى خيبر أو مكة فقد فتحت وأخذت كما وقع به الوعد سواء بسواء.
وقال تعالى: { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا } [الفتح: 27] .
فكان هذا الوعد في سنة الحديبية عام ست، ووقع إنجازه في سنة سبع عام عمرة القضاء كما تقدم، وذكرنا هناك الحديث بطوله وفيه أن عمر قال: يا رسول الله ألم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟
قال: « بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ »
قال: لا.
قال: « فإنك تأتيه وتطوف به ».
وقال تعالى: { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم } [الأنفال: 7] .
وهذا الوعد كان في وقعة بدر لما خرج رسول الله من المدينة ليأخذ عير قريش، فبلغ قريشا خروجه إلى عيرهم فنفروا في قريب من ألف مقاتل فلما تحقق رسول الله وأصحابه قدومهم وعده الله إحدى الطائفتين أن سيظفره بها إما العير، وإما النفير، فود كثير من الصحابة ممن كان معه أن يكون الوعد للعير لما فيه من الأموال وقلة الرجال، وكرهوا لقاء النفير لما فيه من العدد والعدد، فخار الله لهم وأنجز لهم وعده في النفير بهم بأسه الذي لا يرد فقتل من سراتهم سبعون وأسر سبعون، وفادوا أنفسهم بأموال جزيلة، فجمع لهم بين خيري الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: { ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين } [الأنفال: 7] .
وقد تقدم بيان هذا في غزوة بدر.
وقال تعالى: { ياأيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم } [الأنفال: 70] .
وهكذا وقع فإن الله عوض من أسلم منهم بخير الدنيا والآخرة.
ومن ذلك ما ذكره البخاري أن العباس جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله أعطني فإني فاديت نفسي، وفاديت عقيلا.
فقال له: « خذ » فأخذ في ثوب مقدارا لم يمكنه أن يقله، ثم وضع منه مرة بعد مرة حتى أمكنه أن يحمله على كاهله وانطلق به كما ذكرناه في موضعه مبسوطا، وهذا من تصديق هذه الآية الكريمة.
وقال تعالى: { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء } [التوبة: 95] .
هكذا وقع عوضهم الله عما كان يغدو إليهم مع حجاج المشركين بما شرعه لهم من قتال أهل الكتاب، وضرب الجزية عليهم، وسلب أموال من قتل منهم على كفره كما وقع بكفار أهل الشام من الروم ومجوس الفرس بالعراق، وغيرها من البلدان التي انتشر الإسلام على أرجائها وحكم على مدائنها وفيفائها.
قال تعالى: { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } [التوبة: 33] .
وقال تعالى: { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس } [التوبة: 95] .
وهكذا وقع لما رجع من غزوة تبوك كان قد تخلف عنه طائفة من المنافقين فجعلوا يحلفون بالله لقد كانوا معذورين في تخلفهم، وهم في ذلك كاذبون، فأمر الله رسوله أن يجري أحوالهم على ظاهرها ولا يفضحهم عند الناس، وقد أطلعه الله على أعيان جماعة منهم أربعة عشر رجلا كما قدمناه لك في غزوة تبوك، فكان حذيفة بن اليمان ممن يعرفهم بتعريفه إياه .
وقال تعالى: { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا } [الإسراء: 76] .
وهكذا وقع لما اشتوروا عليه ليثبتوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه من بين أظهرهم، ثم وقع الرأي على القتل، فعند ذلك أمر الله رسوله بالخروج من بين أظهرهم فخرج هو وصديقه أبو بكر فكمنا في غار ثور ثلاثا ثم ارتحلا بعدها كما قدمنا وهذا هو المراد بقوله: { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم } [التوبة: 40] .
وهو مراد من قوله: { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } [الأنفال: 30] .
ولهذا قال: { وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا } [الإسراء: 76] .
وقد وقع كما أخبر فإن الملأ الذين اشتوروا على ذلك لم يلبثوا بمكة بعد هجرته إلا ريثما استقر ركابه الشريف بالمدينة، وتابعه المهاجرون والأنصار ثم كانت وقعة بدر فقتلت تلك النفوس وكسرت تلك الرءوس، وقد كان يعلم ذلك قبل كونه من إخبار الله له بذلك.
ولهذا قال سعد بن معاذ لأمية بن خلف: أما إني سمعت محمدا يذكر أنه قاتلك.
فقال: أنت سمعته؟
قال: نعم.
قال: فإنه والله لا يكذب.
وسيأتي الحديث في بابه، وقد قدمنا أنه عليه السلام جعل يشير لأصحابه قبل الوقعة إلى مصارع القتلى، فما تعدى أحد منهم موضعه الذي أشار إليه - صلوات الله وسلامه عليه -.
وقال تعالى: { الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [الروم: 1-6] .
وهذا الوعد وقع كما أخبر به، وذلك أنه لما غلبت فارس الروم فرح المشركون واغتم بذلك المؤمنون لأن النصارى أقرب إلى الإسلام من المجوس، فأخبر الله رسوله بأن الروم ستغلب الفرس بعد هذه المدة بسبع سنين، وكان من أمر مراهنة الصديق رءوس المشركين على أن ذلك سيقع في هذه المدة ما هو مشهور، كما قررنا في كتابنا التفسير فوقع الأمر كما أخبر به القرآن، غلبت الروم فارس بعد غلبهم غلبا عظيما جدا، وقصتهم في ذلك يطول بسطها وقد شرحناها في التفسير بما فيه الكفاية ولله الحمد والمنة.
وقال تعالى: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } [فصلت: 53] .
وكذلك وقع، أظهر الله من آياته ودلائله في أنفس البشر وفي الآفاق بما أوقعه من الناس بأعداء النبوة، ومخالفي الشرع ممن كذب به من أهل الكتابين والمجوس والمشركين، ما دل ذوي البصائر والنهى على أن محمدا رسول الله حقا، وأن ما جاء به من الوحي عن الله صدق، وقد أوقع له في صدور أعدائه وقلوبهم رعبا ومهابة وخوفا.
كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: « نصرت بالرعب مسيرة شهر » وهذا من التأييد والنصر الذي آتاه الله - عز وجل - وكان عدوه يخافه وبينه وبينه مسيرة شهر وقيل: كان إذا عزم على غزو قوم أرعبوا قبل مجيئه إليهم ووروده عليهم بشهر - صلوات الله وسلامه عليه - دائما إلى يوم الدين.
فصل الدلائل على إخباره صلى الله عليه وسلم بما وقع
وأما الأحاديث الدالة على إخباره بما وقع كما أخبر فمن ذلك ما أسلفناه في قصة الصحيفة التي تعاقدت فيها بطون قريش وتمالأوا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يؤووهم، ولا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله فدخلت بنو هاشم وبنو عبد المطلب بمسلمهم وكافرهم شعب أبي طالب آنفين لذلك، ممتنعين منه أبدا ما بقوا دائما ما تناسلوا وتعاقبوا، وفي ذلك عمل أبو طالب قصيدته اللامية التي يقول فيها:
كذبتم وبيت الله نبزي محمدا * ولما نقاتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا * يحوط الذمار غير درب مواكل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
وكانت قريش قد علقت صحيفة الزعامة في سقف الكعبة، فسلط الله عليها الأرضة فأكلت ما فيها من أسماء الله لئلا يجتمع بما فيها من الظلم والفجور، وقيل: إنها أكلت ما فيها إلا أسماء الله - عز وجل - فأخبر بذلك رسول الله عمه أبو طالب.
فجاء أبو طالب إلى قريش فقال: إن ابن أخي قد أخبرني بخبر عن صحيفتكم فإن الله قد سلط عليها الأرضة فأكلتها إلا ما فيها من أسماء الله - أو كما قال: - فأحضروها فإن كان كما قال وإلا أسلمته إليكم، فأنزلوها ففتحوها فإذا الأمر كما أخبر به رسول الله فعند ذلك نقضوا حكمها ودخلت بنو هاشم وبنو المطلب مكة، ورجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك كما أسلفنا ذكره، ولله الحمد.
ومن ذلك حديث خباب بن الأرت حين جاء هو وأمثاله من المستضعفين يستنصرن النبي وهو يتوسد رداءه في ظل الكعبة فيدعو لهم لما هم فيه من العذاب والإهانة فجلس محمرا وجهه وقال: « إن من كان قبلكم كان أحدهم يشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر ولكنكم تستعجلون ».
ومن ذلك الحديث الذي رواه البخاري: ثنا محمد بن العلاء، ثنا حماد بن أسامة عن يزيد بن عبد الله ابن أبي بردة، عن أبيه، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى أراه عن النبي قال: « رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض فيها نخل، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرا والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي أتانا بعد يوم بدر ».
ومن ذلك قصة سعد بن معاذ مع أمية بن خلف حين قدم عليه مكة. قال البخاري: ثنا أحمد بن إسحاق، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد.
فقال أمية لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت فبينا سعد يطوف فإذا أبو جهل فقال: من هذا الذي يطوف بالكعبة؟
فقال سعد: أنا سعد.
فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه؟
فقال: نعم، فتلاحيا بينهما.
فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي.
ثم قال سعد: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام.
قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك وجعل يمسكه.
فغضب سعد فقال: دعنا عنك فإني سمعت محمد يزعم أنه قاتلك.
قال: إياي؟
قال: نعم.
قال: والله ما يكذب محمد إذا حدث، فرجع إلى امرأته فقال: أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي؟
قالت: وما قال لك؟
قال: زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي.
قالت: فوالله ما يكذب محمدا.
قال: فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ.
قالت له امرأته: ما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟
قال: فأراد أن لا يخرج.
فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي فسر يوما أو يومين، فسار معهم فقتله الله.
وهذا الحديث من أفراد البخاري، وقد تقدم بأبسط من هذا السياق.
ومن ذلك قصة أبي بن خلف الذي كان يعلف حصانا له فإذا مر برسول الله يقول: إني سأقتلك عليه.
فيقول له رسول الله : « بل أنا أقتلك إن شاء الله ».
فقتله يوم أحد كما قدمنا بسطه.
ومن ذلك إخباره عن مصارع القتلى يوم بدر كما تقدم الحديث في الصحيح أنه جعل يشير قبل الوقعة إلى محلها ويقول: « هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان ».
قال: فوالذي بعثه بالحق ما حاد أحد منهم عن مكانه الذي أشار إليه رسول الله .
ومن ذلك قوله لذلك الرجل الذي كان لا يترك للمشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها ففراها بسيفه وذلك يوم أحد، وقيل: خيبر - وهو الصحيح - وقيل: في يوم حنين -.
فقال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
باب المسائل التي سئل عنها رسول الله فأجاب عنها بما يطابق الحق الموافق لها في الكتب الموروثة عن الأنبياء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تكملة العقيدة (14)ومن الكتب التي ذكرها الله
» حليمة السعدية رضي الله عنها مرضعة رسول الله صلى الله عليه و سلم
» الشمائل المحمدية/صفة درع رسول الله /مغفر رسول الله /عمامة رسول الله /إزار رسول الله /جلسة رسول الله
» الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وايامه(باب: قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهمليكتمون الحق وهم يعلمون} /البقرة: 146/.)
» فاطمة بنت أسد رضي الله عنها أم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالكفالة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: