ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الثاني )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الثاني ) Empty
مُساهمةموضوع: صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الثاني )   صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الثاني ) Emptyالخميس يوليو 21, 2011 7:47 am

صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الثاني ) SE8l7-I2Ci_372676241

صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الثاني )
قوله: "كوصوله إليها بعد الفجر، لا قبله" ، أي: كوصوله إلى مزدلفة بعد الفجر، فإذا وصل إلى مزدلفة بعد الفجر ولو بلحظة لزمه دم؛ لأنه لم يبت بها.
ولكن ظاهر حديث عروة بن مضرس - رضي الله عنه -، أن من أدرك صلاة الفجر في مزدلفة على الوقت الذي صلى فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام - يقتضي أنه لا شيء عليه؛ لقوله: "من شهد صلاتنا هذه" ، والإشارة "هذه" تفيد أنه لا بد أن تكون الصلاة في أول الوقت؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم صلى الفجر في أول وقتها.
وقوله: "لا قبله" ، أي: لا إن وصل إليها قبل الفجر، ولو بعد نصف الليل، فإنه لا شيء عليه.
والخلاصة على المذهب:
أنه إذا دفع من مزدلفة قبل منتصف الليل فعليه دم.
وإذا دفع بعد منتصف الليل فلا شيء عليه.
وإذا وصل إلى مزدلفة بعد الفجر فعليه دم.
وإذا وصل إليها بعد منتصف الليل فلا شيء عليه.
ولكن قلنا: إن ظاهر حديث عروة بن مضرس يقتضي أن من أدرك صلاة الفجر في أول وقتها فإنه يجزئه ولا دم عليه.
مسائل : -
الأولى : بعض الحجاج لا يصلون إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر، وبعد صلاة الفجر أيضاً حصرهم الزحام، فما الحكم؟
الجواب: على المذهب يجب عليهم دم، لأنه فاتهم المبيت بمزدلفة، وهو من الواجبات، والقاعدة عندهم أن من ترك واجباً فعليه دم.
وقال بعض العلماء: إن هؤلاء أحصروا إكراهاً، فيكون وصولهم إلى المكان بعد زوال الوقت كقضاء الصلاة بعد خروج وقتها للعذر، لذلك إذا أحصروا في هذه الحال، ولم يصلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر وذهاب وقت الصلاة، فإنهم يكونون كالذين عذروا عن وقت الصلاة حتى خرج وقتها، فيقضونها بعد الوقت، وهذا القول أقرب إلى الصواب.
فيقال: من حصر عن الوصول إليها، ولم يصل إلا بعد طلوع الفجر ومضي قدر الصلاة، أو بعد طلوع الشمس، فإنه يقف ولو قليلاً ثم يستمر؛ وذلك لأنه يشبه الصلاة إذا فاتت لعذر فإنه يقضيها.
ولو قيل أيضاً: بأنه يسقط الوقوف؛ لأنه فات وقته لم يكن بعيداً، فالراجح أنه لا يلزم بدم؛ لأنه ترك هذا الواجب عجزاً عنه.
الثانية: هل يشرع أن يحيي تلك الليلة بالقراءة والذكر والصلاة أم السنة النوم؟
الجواب: السنة النوم؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم اضطجع حتى طلع الصبح .
وهل يصلي الوتر في تلك الليلة؟
الجواب: لم يذكر في حديث جابر ولا غيره فيما نعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أوتر تلك الليلة، لكن الأصل أنه كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً، فنقول: إنه يوتر تلك الليلة، وعدم النقل ليس نقلاً للعدم، ولو تركه تلك الليلة لنقل؛ لأنه لو تركه لكان شرعاً، والشرع لا بد أن يحفظ وينقل، وكذلك يقال في سنة الفجر في مزدلفة، فجابر - رضي الله عنه - يقول: فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ولم يذكر سنة الفجر مع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان لا يدعها حضراً ولا سفراً.
الثالثة: إذا لم يستطع الإنسان أن ينام في مزدلفة ليلة العيد بسبب إزعاج السيارات - مثلاً - هل له أن يشتغل بالذكر والدعاء والصلاة؟
نقول له: اذكر الله وأنت على فراشك، وأما الصلاة فإن كان لا يراه أحد فلا بأس، وإن كان يرى فلا؛ لأنه لو رآه أحد وهي ليلة مباركة اقتدى به، ولا يعلم أنه معذور ولا سيما إذا كان طالب علم ومحل اقتداء.
الرابعة: الدفع في آخر الليل، هل يختص بأهل الأعذار أو هو عام؟
الجواب: قال بعض العلماء: إنه يختص بأهل الأعذار من الضعفاء كالنساء ونحوهن.
وقال بعضهم: هو جائز مطلقاً لأهل الأعذار وغيرهم.
حجة الأول:
أولاً : أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أقام في مزدلفة حتى صلى الفجر، وأسفر جداً، وقال: "خذوا عني مناسككم" .
ثانياً : أن عائشة - رضي الله عنها - تمنت أنها استأذنت الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن تدفع قبل الفجر كما استأذنت سودة، وأنها لو استأذنت لكان أشد من مفروح به ، أي: تبالغ في أنها لو فعلت لأحبت ذلك.
ولم نعلم للثاني حجة مستقيمة.
الخامسة: لو قائل قائل: لماذا لم يؤخر النبي صلّى الله عليه وسلّم أهله معه، وإذا وصلوا إلى منى انتظروا إلى أن يخف الزحام؟
فالجواب: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يفعل ذلك لأجل أن ينال هؤلاء الذين انصرفوا من قبل فرحهم بالعيد والتحلل من أول النهار؛ لأننا إذا قلنا اذهبوا إلى منى وانتظروا حتى يخف الزحام ربما لا يخف حتى الظهر فيتأخر حلهم، ولا يتم فرحهم بالعيد، فهذه هي الحكمة.
قوله: "فإذا صلى الصبح" ، لم يبين متى تكون هذه الصلاة، لكن قد ثبت في السنة أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم صلاها حين تبين له الصبح، ولم يتأخر، فصلاها بغلس .
قوله: "أتى المشعر الحرام" ، والمشعر الحرام جبل صغير معروف في مزدلفة، وعليه المسجد المبني الآن، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ركب ناقته، ووقف عند المشعر الحرام راكباً، لكنه قال: "وقفت هاهنا وجمع كلها موقف" ، جمع أي: مزدلفة، وسميت جمعاً؛ لأن الناس في الجاهلية يجتمعون فيها كلهم، وفي عرفات لا تجتمع قريش مع غيرهم؛ لأنهم يقفون في مزدلفة لا يخرجون إلى عرفة؛ لأن عرفة من الحل، فمن أجل هذا سميت جمعاً؛ لأنها تجمع الناس كلهم.
وقوله: "المشعر الحرام" وصف بالحرام؛ لأن هناك مشعراً حلالاً وهو عرفات، ففي الحج مشعران: حلال، وحرام.
فالمشعر الحرام مزدلفة، والمشعر الحلال عرفة.
ووصف بالحرام؛ لأنه داخل حدود الحرم.
قوله: "فيرقاه" ، أي: يرقى هذا المشعر، وهو جبل صغير كما قلنا.
قوله: "أو يقف عنده ويحمد الله ويكبره" ، لقوله تعالى:{ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } [البقرة: 198] ويحمد الله، ويكبره، ويدعو الله - عزّ وجل - رافعاً يديه إلى أن يسفر جداً، ويكون مستقبل القبلة.
قوله: "ويقرأ: {) فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ)(البقرة: من الآية198) } الآيتين" . وقراءة هاتين الآيتين لا أعلم فيها سنة، لكنها مناسبة؛ لأن الإنسان يذكر نفسه بما أمر الله به في كتابه.
وكأن الفقهاء قاسوا هذه المسألة على مسألة {)إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(البقرة: من الآية158) } حيث إن النبي صلّى الله عليه وسلّم حين أقبل على الصفا عند ابتداء السعي قرأ: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ }، وحين تقدم إلى مقام إبراهيم قرأ: { ) وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً )(البقرة: من الآية125) } .
قوله: "ويدعو حتى يسفر" ، يعني يدخل في سفر الصبح بحيث يتبين الضوء، ويرى الناس بعضهم بعضاً، ثم ينطلق قبل أن تطلع الشمس، لحديث جابر - رضي الله عنه - حتى أسفر جداً فيدفع قبل أن تطلع الشمس، فإذا أسفر سار قبل طلوع الشمس بسكينة خلافاً لأهل الجاهلية، فأهل الجاهلية لا يدفعون من مزدلفة إلا إذا طلعت الشمس، وكان من عباراتهم الموروثة: أشرِقْ ثبير كيما نغير.
وثبير: جبل معروف هناك؛ كان رفيعاً تتبين به الشمس قبل غيره مما حوله من الجبال، وكانوا يرقبون هذا الجبل فإذا أشرق دفعوا .
فأهل الجاهلية يبادرون الإسفار في أول الليل، وفي آخره؛ لأنهم يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ويدفعون من مزدلفة بعد طلوع الشمس، أما الرسول صلّى الله عليه وسلّم فخالفهم في الوقتين، فبقي في عرفة حتى غربت الشمس ودفع من مزدلفة قبل طلوعها.
مسألة: من انصرف من مزدلفة قبل الفجر، فهل يشرع له أن يدعو عند المشعر الحرام؟
الجواب: نعم، فقد كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يرسل أهله فيذكرون الله عند المشعر الحرام، ثم يأمرهم بالانصراف قبل الفجر .
قوله: "فإذا بلغ محسراً أسرع رمية حجر" .
ودليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حرك ناقته حين بلغ محسراً فيسرع ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أسرع فيه، وقد قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21] ومحسر بطن واد عظيم سُمي بذلك؛ لأنه يحسر سالكه، أي: يعيقه، لأن الوادي الذي هو مجرى السيل يكون في الغالب رملياً ويعيق سالكه؛ ولهذا سمي مُحسِّراً، وبهذا نعرف أن بين المشاعر أودية.
فبين المشعر الحرام والمشعر الحلال واد، وهو وادي عرنة، وبين المشعرين الحرامين منى ومزدلفة واد، وهو وادي محسر.
واختلف العلماء في سبب الإسراع، فقال بعضهم: أسرع؛ لأن بطن الوادي يكون ليناً يحتاج أن يحرك الإنسان بعيره؛ لأن مشي البعير على الأرض الصلبة، أسرع من مشيه على الأرض الرخوة، فحرك من أجل أن يتساوى سيرها في الأرض الصلبة وسيرها في الأرض الرخوة، وعلى هذا فالملاحظ هنا هو مصلحة السير فقط.
وقيل: أسرع؛ لأن الله أهلك فيه أصحاب الفيل، فينبغي أن يسرع؛ لأن المشروع للإنسان إذا مر بأراضي العذاب أن يسرع، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم: حين مر بديار ثمود في غزوة تبوك زجر الناقة - عليه الصلاة والسلام - وقنّع رأسه وأسرع، وبعض الناس يتخذ اليوم هذه الأماكن أعني ديار ثمود سياحة ونزهة - والعياذ بالله - مع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أسرع فيها، وقال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم" ، ففي عملهم خطر عظيم؛ لأن الإنسان إذا دخل على هؤلاء بهذه الصفة فقلبه يكون غير لين خاشع، فيكون قاسياً مع مشاهدته آثار العذاب، وحينئذٍ يصيبه ما أصابهم من التكذيب والتولي، هذا معنى الحديث، وليس المراد أن يصيبكم العذاب الرجز الحسي، فقد يراد به العذاب والرجز المعنوي، وهو أن يقسو قلب الإنسان، فيكذب بالخبر، ويتولى عن الأمر.
والذين يذهبون إلى النزهة أو للتفرج، الظاهر أنهم للضحك أقرب منهم للبكاء، فنسأل الله لنا ولهم العبرة والهداية.
وتعليل إسراع النبي صلّى الله عليه وسلّم في وادي محسر بذلك؛ فيه نظر لأن أصحاب الفيل لم يهلكوا هنا، بل في مكان يقال له المُغَمَّسُ حول الأبطح، وفي هذا يقول الشاعر الجاهلي:
حبس الفيل بالمُغَمَّسِ حتى
ظل يحبو كأنه مكسور
وقال بعض العلماء: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أسرع؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي، ويذكرون أمجاد آبائهم.
فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخالفهم، كما خالفهم في الخروج من عرفة وفي الخروج من مزدلفة، ولعل هذا أقرب التعاليل، ولهذا قال الله تعالى: { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] ، ثم قال: { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (البقرة:200) }.
وقوله: "أسرع رمية حجر" ، رمية حجر كيف قياسها؟ لأن الحجر قد يكون كبيراً، فإذا رميت به لم يذهب بعيداً، وقد يكون الرامي ضعيفاً، فإذا رمى بالحجر الصغير لم يذهب بعيداً؛ ولكن قال بعضهم: مقدار خمسمائة ذراع، والذراع نصف المتر تقريباً.
والظاهر أنه لا يمكن الإسراع الآن؛ لأن الإنسان محبوس بالسيارات فلا يمكن أن يتقدم أو يتأخر، وربما ينحبس في نفس المكان يحبس فيعجز أن يمشي، ولكن نقول: هذا شيء بغير اختيار الإنسان، فينوي بقلبه أنه لو تيسر له أن يسرع لأسرع، وإذا علم الله من نيته هذا فإنه قد يثيبه على ما فاته من الأجر والثواب.
قوله: "وأخذ الحصى" ، ظاهر كلام المؤلف: أنه يأخذه من وادي محسر أو من بعده، لأنه قال: "فإذا بلغ محسراً أسرع رمية حجر وأخذ" ، فعلى هذا يأخذه بعد أن يتجاوز محسراً في طريقه.
والذي يظهر لي من السنة أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - أخذ الحصى من عند الجمرة، لأنه "أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى، وهو واقف يقول للناس: بأمثال هؤلاء فارموا" ، وأما أخذه من مزدلفة، فليس بمستحب، وإنما استحبه بعض المتقدمين من التابعين؛ لأجل أن يبدأ برمي جمرة العقبة من حين أن يصل إلى منى؛ لأن رمي جمرة العقبة هو تحية منى، ويُفعل قبل كل شيء حتى إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم رمى وهو على بعيره قبل أن يذهب إلى رحله، وينزل رحله، والناس لا يتيسر لهم أن يقولوا لأحد منهم القط لنا الحصى، وهم على إبلهم، ولكن كثيراً من الخلق يظنون أنه يجب أن يكون الحَصَى من مزدلفة وجوباً.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا يغسل الحصا، وقال بعض العلماء: إنه يغسله تطهيراً له إن كانت قد أصابته نجاسة، أو تنظيفاً له إن لم تكن أصابته نجاسة.
والصحيح أن غسله بدعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يغسله.
قوله: "وعدده سبعون" بناءً على أنه يتأخر لليوم الثالث من أيام التشريق، فإن لم يتأخر، فأسقط من السبعين واحدة وعشرين تكن تسعاً وأربعين.
والصحيح أنه لا يأخذ السبعين، ولا تسعاً وأربعين، وإنما يأخذ الحصى كل يوم في يومه من طريقه، وهو ذاهب إلى الجمرة؛ لأن الشيء الذي ليس عليه دليل يكون عدم فعله لا سيما في العبادة هو الدليل، بل لو قال قائل: يأخذ في اليوم الثاني سبع حصيات للجمرة الأولى، وفي طريقه منها إلى الثانية يأخذ سبعاً وفي طريقه من الثانية إلى الثالثة يأخذ سبعاً، لم يكن هذا بعيداً، وأما أن يجمع سبعين حصاة من أول الأمر فهذا ليس بسنة.
قوله: "بين الحمص والبندق" ، بيَّن المؤلف حجمه، الحمص معروف، والبندق هو بالقدر الذي تضعه بين الإبهام والوسطى من الحصا، ثم ترمي به بالسبابة.
قوله: "فإذا وصل إلى منى، وهي من وادي محسر إلى جمرة العقبة" ، أي: إذا وصل الحاج إلى منى، ومنى اسم مكان معروف، وسميت بهذا الاسم لكثرة ما يمنى فيها من الدماء، أي: يراق من الدماء، وهي من حيث الإعراب مصروفة، فنقول: إلى منًى بالتنوين، وحدها شرقاً وغرباً من وادي محسر إلى جمرة العقبة.
وظاهر كلام المؤلف حسب دلالة "مِن" أن الوادي منها، وليس كذلك.
أما جمرة العقبة فليست منها؛ لأنه قال: "إلى جمرة العقبة" والمعروف في معاني الحروف أن ابتداء الغاية داخل، لا انتهاءها، لكن إذا كانت المسألة من باب الحد، فإن ابتداء الغاية، وانتهاءها لا يدخلان.
فإذا قلت: لك من هذه الأرض من كذا إلى كذا، فالحد لا يدخل في المحدود لا ابتداء ولا انتهاء، وبهذا يتقرر أن وادي محسر ليس من منى، وأن جمرة العقبة ليست من منى.
ومن الشمال والجنوب قال العلماء: كل سفوح الجبال الكبيرة ووجوهها التي تتجه إلى منى من منى، وبناءً على هذا تكون منى واسعة جداً، وتسع الحجاج لو أنها نظمت تنظيماً تاماً مبنياً على العدل، لكن يحصل فيها الظلم، فتجد بعض الناس يتخذ مكاناً واسعاً يسع أكثر من حاجته.
وتوجد مشكلة في الوقت الحاضر، يقول بعض الناس أنا لا أجد أرضاً بمنى إلا بأجرة، فهل يجوز أن يستأجر أرضاً في منى؟
الجواب: نعم يجوز، والإثم على المؤجر الذي أخذ المال بغير حق، أما المستأجر فلا إثم عليه، ولهذا قال فقهاء الحنابلة - رحمهم الله -: لا يجوز تأجير بيوت مكة، ولكن إذا لم يجد بيتاً إلا بأجرة دفع الأجرة، والإثم على المؤجر، وبيوت منى وأرضها من باب أولى؛ لأن منى مشعر محدود محصور، فأين يذهب الناس إذا استولى عليها من يقول: أنا لا أنزل فيها الناس إلا بأجرة؟!
أما مكة فيمكن أن ينزل الإنسان بعيداً، ولكن منى، وعرفة، ومزدلفة مشاعر كالمساجد، لا يجوز لأحد إطلاقاً أن يبني فيها بناء ويؤجره، ولا أن يختط أرضاً ويؤجرها، فإن فُعِلَ فالناس معذورون يبذلون الأجرة، والإثم على الذي أخذها.
قوله: "رماها بسبع حصيات" اقتداءً برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ؛ لأنه رماها بسبع حصيات، أما لماذا لم تكن خمساً، أو ثلاثاً، أو تسعاً، أو إحدى عشرة حصاة؟
فالجواب: أن هذا ليس لنا الحق في أن نتكلم فيه، كما أنه ليس لنا الحق أن نقول لماذا كانت الصلوات الخمس سبع عشرة ركعة؟ ولماذا لم تكن الظهر ستاً، والعصر ستاً، والعشاء ستاً مثلاً؟
لأن هذا لا تدركه عقولنا، وليس لنا فيه إلا مجرد التعبد.
قوله: "متعاقبات" ، أي: واحدة بعد الأخرى، فلو رمى السبع جميعاً من شدة الزحام لم تجزه إلا عن واحدة، أما لو رماها جميعاً غير مبال بتعاقبها فإنها لا تجزئ ولا عن واحدة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" ، أي مردود.
وقوله: "رماها" يفهم منه أنه لو وضع الحصا وضعاً فإنه لا يجزئ، فلا بد من الرمي لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "بأمثال هؤلاء فارموا" .
وقوله: "متعاقبات" هل يشترط أن تكون متوالية أو يجوز أن تكون متفرقة؟
كلام المؤلف يحتمل الوجهين، لكن هي عبادة واحدة والأصل في العبادة المكونة من أجزاء أن تكون أجزاؤها متوالية كالوضوء، إلا أنه إذا تعذرت الموالاة لشدة الزحام فينبغي أن يسقط وجوب الموالاة لقوله تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16] ، وقوله { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة: 286] .
وقوله: "رماها بسبع حصيات" قد يفهم منه أنه لا بد أن يرمي الشاخص "العمود القائم"، ولكنه غير مراد، بل المقصود أن تقع الحصاة في الحوض، سواءٌ ضربت العمود أم لم تضربه.
قوله: "يرفع يده حتى يرى بياض إبطه" ، علل صاحب الروض هذا بأنه أعون له على الرمي، وهذا إذا كان الإنسان بعيداً، لكن إذا كان قريباً فلا حاجة إلى الرفع، إذ المقصود هو الرمي، فالإنسان البعيد يحتاج إلى رفع يده حتى يصل الحصا إلى مكانه.
قوله: "ويكبر مع كل حصاة" ، أي: كلما رمى قال: الله أكبر مع كل حصاة ، وبهذا تُعرف الحكمة من رمي الجمرات، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله" ، فالحكمة إقامة ذكر الله، وتعظيم الله - عزّ وجل -، وتمام التعبد؛ لأن كون الإنسان يأخذ حصى يرمي به هذا المكان يدل على تمام انقياده، إذ إن النفوس قد لا تنقاد إلى الشيء إلا بعد أن تعرف المعنى الذي من أجله شرع، وأما ما يذكر من أن الرمي هنا إنما هو لإغاظة الشيطان، فإن هذا لا أصل له، إلا أن يكون من حيث عموم العبادة لأن الشيطان يغيظه أن يقوم العبد بطاعة الله، وعلى هذا المفهوم الذي لا أصل له صار بعض العامة إذا أقبل على الجمرة أقبل بانفعال شديد، وغضب شديد محمر العينين يضرب بأكبر حصاة يجدها، وبالنعال، والخشب وربما قال أقوالاً منكرة من السب واللعن لهذه الشعائر.
قوله: "ولا يجزئ الرمي بغيرها" أي: بغير الحصى، حتى ولو كان ثميناً، قال في الروض: "كجوهر، وذهب، ومعادن" ، لأن المسألة تعبدية، فلو رميت بجوهر، أو بألماس، أو بحديد، أو بخشب أو طين، أو إسمنت، فلا يجزئ، لكن لو كان في كسر الإسمنت حصا لأجزأ الرمي بها.
قوله: "ولا بها ثانياً" ، أي: لا يجزئ الرمي بها ثانياً بأن ترمى بحصاة رُمِيَ بها، وعللوا بما يلي:
أولاً : أن الماء المستعمل في الطهارة الواجبة لا يرفع الحدث، وهذه حصاة مستعملة في عبادة واجبة وهي الرمي فلا يجوز أن يرمى بها ثانية، كما لا يجوز أن تتوضأ بالماء المستعمل في طهارة واجبة.
ثانياً : أن العبد إذا أعتق في كفارة لم يجزئ إعتاقه مرة أخرى، فكذلك الحصاة المرمى بها لا يجزئ الرمي بها مرة أخرى.
وكلا التعليلين عليل:
أما الأول فإنه قياس مختلف فيه على مختلف فيه؛ لأن بعض العلماء قال: إن الماء المستعمل في رفع الحدث يجوز استعماله مرة أخرى في رفع الحدث، فكذلك الحصاة المرمي بها وهذا مذهب الشافعي - رحمه الله -.
والقياس لا بد فيه أن يتفق الطرفان على حكم الأصل، لأجل أن يلزم أحدهما الآخر بما يقتضيه القياس، أما إذا قال: أنا لا أسلم أن الماء المستعمل لا يرفع الحدث، بل يرفع الحدث، وحينئذٍ إذا بطل الأصل المقيس عليه بطل المقيس.
وأما الثاني فنقول: إن العبد إذا أعتق صار حراً، أي: زال عنه وصف العبودية، ولهذا لو قدر أن هذا العبد ارتد ثم ذهب إلى الكفار، ثم حارَبَنَا ثم سبيناه مرة ثانية، عاد رقيقاً وجاز أن يعتق في الكفارة، وأما الحصاة فلم تتغير ذاتاً ولا صفةً بعد الرمي بها فيكون هذا القياس قياساً مع الفارق.
إذاً القول الراجح أن الحصاة المرمي بها مجزئة، وهذا مع كونه هو الصحيح أرفق بالناس؛ لأنه أحياناً تسقط منك الحصاة، وأنت عند الحوض وتتحرج أن تأخذ مما تحت قدمك، فإذا قلنا بالقول الراجح أمكن الإنسان أن يأخذ من تحت قدمه ويرمي بها.
وأورد على هذا القول أنه يلزم منه أن يرمي الحجاج كلهم بحصاة واحدة وتجزئ عنهم؟
وأجيب: أن هذا إيراد غير وارد لتعذر إمكانه، فمن الذي يجلس ينتظر الآخر فالثاني ينتظر الأول، والثالث ينتظر الثاني وهكذا إلى آخر الحجاج؟! فيسقط هذا الإيراد.
قوله: "ولا يقف" ، أي: بعد رمي الجمرة للدعاء بل ينصرف إلى المنحر، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم .
مسألة: من أين يرمي جمرة العقبة؟
الجواب: يقول الفقهاء: يرمي جمرة العقبة مستقبل القبلة والجمرة عن يمينه وهذا لا يمكن خصوصاً في وقتنا الحاضر، ولا يمكن أن نتصور أن يفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم هكذا، والصواب أن يرميها من بطن الوادي؛ وكانت الجمرة - وقد أدركتها - في ظهر جبل لاصقة به، لكنه جبل ليس بالرفيع في عقبة، ولهذا تسمى جمرة العقبة يصعد الناس إليها، وكان تحتها واد يمشي معه المطر، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم رمى من بطن الوادي ، ولم يصعد على الجبل ليرمي من فوقه، وإذا رمى من بطن الوادي، تكون مكة عن يساره ومنى عن يمينه، وقد فعل ذلك عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وقال: "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة" . وهذا في الوقت الحاضر قد يكون صعباً، وقد ذكرنا قاعدة نافعة: أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة مكانها، فإذا أتاها من الشمال، كان أيسر؛ لعدم المانع من جبل أو عقبة، المهم أن ترميها من مكان يكون أيسر لك وأن يقع الحصا في المرمى، فإذا وقعت في المرمى ثم تدحرجت تجزئ؛ لأن الاستقرار ليس بشرط، وإذا وقعت خارج المرمى ثم تدحرجت فيه بغير فعل أحد تجزئ، وإذا ضرب العمود - الذي جعل علامة - فرجعت الحصاة خارج المرمى لا تجزئ، ولذلك ينبغي للإنسان ألا يشتد في الرمي ويكفي غلبة الظن في أن تقع في المرمى؛ لأن غالب العبادات مبناها على غلبة الظن، ولأن اليقين في عصرنا صعب وهذا من التيسير، والمهم أن تؤديها بخشوع، واستحضار أنك في عبادة، وتكبر الله - عزّ وجل -.
قوله: "ويقطع التلبية قبلها" ، يعني التلبية بالحج أو بالحج والعمرة إن كان قارناً، فيقطع قبل الرمي لقول الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - إن النبي صلّى الله عليه وسلّم: "لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة" . وعلى هذا فلا يزال يلبي في الدفع من منى إلى عرفة ومن عرفة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى.
ويقطع التلبية عند البدء في الرمي؛ لأنه إذا بدأ شرع له ذكر آخر، وهو التكبير.
قوله: "ويرمي بعد طلوع الشمس" الفاعل الحاج، يرمي بعد طلوع الشمس هذا هو الأفضل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم "رمى بعد طلوع الشمس" .
مسائل:
الأولى: من توكل عن غيره في الرمي، فلا بد أن يرمي أولاً سبعاً عن نفسه ثم عن واحد ممن وكله ثم الثاني ثم الثالث، بمعنى أن يميز كل واحد بالسبع، وكان بعض الفقهاء يقولون: لا بد أن يرمي الجمرات الثلاث عن نفسه، ثم يعود ويرمي الثلاث عن موكله الأول، ثم يعود ويرمي الثلاث عن موكله الثاني، وهذا ليس عليه دليل واضح فلا نلزم الناس به إذ لو ألزمنا الناس به لحصل مشقة عظيمة.
الثانية: قال الفقهاء - رحمهم الله -: إذا أراد أن يرمي عن الصبي، فالأفضل أن يجعلها في يد الصبي، ثم يأخذها ويرمي عنه، يعني يحملونهم معهم.
الثالثة: هل يجوز أن يوكل في الرمي من لم يحج؟
قال فقهاؤنا - رحمهم الله -: لا بد أن يكون الوكيل قد حج هذا العام.
قوله: "ويجزئ بعد نصف الليل" ، أي: يجزئ الرمي بعد نصف ليلة النحر، وظاهر كلام المؤلف أنه يجزئ مطلقاً للقوي والضعيف والذكر والأنثى، وسبق بيان ذلك، وأما من قال: إن العاجز يدفع من مزدلفة في آخر الليل ولكنه لا يرمي حتى تطلع الشمس، فقوله ضعيف لأنه ليس عليه دليل، ولأن أكبر فائدة لمن دفع آخر الليل أن يرمي، ولهذا كان النساء اللاتي يبعث بهن الصحابة في آخر الليل يرمين مع الفجر أو قريباً من الفجر متى وصلوا، فمتى وصل الإنسان فإنه يرمي سواء وصل قبل طلوع الشمس أو بعد طلوعها.
قوله: "ثم ينحر هدياً إن كان معه" ، عبَّر بالنحر من باب التغليب، أو من باب مراعاة لفظ الحديث حيث قال جابر - رضي الله عنه -: "ثم انصرف إلى المنحر فنحر" ، ومن المعلوم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أهدى إبلاً فمن كان أهدى إبلاً فإننا نقول له: انحر، ومن أهدى بقراً أو أهدى غنماً فإننا نقول له: اذبح، فإن لم يكن معه هدي ذهب واشترى من السوق، ونحره.
وقوله: "إن كان معه" ، هل كلام المؤلف على ظاهره؟ بمعنى أنه إن كان يحتاج إلى شراء وطلب فإنه يحلق أولاً أو نقول هذا بناء على الغالب؟
الثاني هو الظاهر وأنه حتى الذي يحتاج إلى شراء، نقول: الأفضل أن تنحر بعد الرمي ثم تحلق، وقد انصرف النبي صلّى الله عليه وسلّم لما رمى جمرة العقبة إلى رحله فنحر هديه ثم حلق .
قوله: "ويحلق أو يقصر من جميع شعره" ، لو قال المؤلف: "ثم يحلق..." لكان أولى حتى نعرف أنه مرتب، ويحلق جميع الشعر وذلك بالموسى وليس بالماكينة حتى ولو كانت على أدنى درجة، فإن ذلك لا يعتبر حلقاً، فالحلق لا بد أن يكون بموسى، والحكمة من حلق الرأس أنه ذل لله - عزّ وجل - لا للتنظيف؛ ولهذا لم يؤمر به في غير الإحرام، فلم نؤمر بحلق رؤوسنا، وأمرنا بحلق العانة ونتف الإبط للتنظيف، وعليه فيكون حلق الرأس عبادة لله نتقرب به إلى الله - عزّ وجل -.
وقوله: "أو يقصر" هنا للتخيير، ولكنه تخيير بين فاضل ومفضول، والفاضل الحلق؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة ، وأتى بحرف العطف دون أن يقول: "اللهم ارحم المقصرين" للدلالة على أن مرتبة التقصير نازلة جداً.
ولأن الله قدمه في الذكر، فقال تعالى: { )لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ } [الفتح: 27] .
ويحلق هو بيده، أو يكلف من يحلقه خلافاً لما قاله بعض العلماء: إنه إذا حلق نفسه بنفسه فعل محظوراً، فنقول لم يفعل محظوراً، بل حلق للنسك.
وأشار المؤلف بقوله: "من جميع شعره" ، إلى أن التقصير لا بد أن يكون شاملاً لرأسه بحيث يظهر لمن رآه أنه مقصر، لا من كل شعرة بعينها، وذكر ذلك خلافاً لما قاله بعض أهل العلم: إنه يكفي أن يقصر من ثلاث شعرات، أو من ربع الرأس، أو ما أشبه ذلك، بل الصواب ما ذكره المؤلف، وهو أنه لا بد أن يقصر من جميع شعره.
قوله: "وتقصر منه المرأة قدر أنملة" ، أي: أنملة الأصبع وهي مفصل الإصبع، أي أن المرأة تمسك ضفائر رأسها إن كان لها ضفائر، أو بأطرافه إن لم يكن لها ضفائر، وتقص قدر أنملة، ومقدار ذلك اثنان سنتمتر تقريباً، وأما ما اشتهر عند النساء أن الأنملة أن تطوي المرأة طرف شعرها على إصبعها فمتى التقى الطرفان فذاك الواجب فغير صحيح.
وإنما كان المشروع للمرأة التقصير؛ لأنها محتاجة إلى التجمل والتزين، والشعر جمال وزينة، وإنما كان الواجب بقدر الأنملة لئلا يجحف برأسها، وهذا يدل على أن الشريعة الإسلامية تراعي حوائج الناس وميولهم، وأنها لا تأتي أبداً بما فيه العسر والحرج - والحمد لله -.
قوله: "ثم قد حل له كل شيء إلا النساء" ، أي: بعد الحلق المسبوق بالرمي والنحر، حل له كل شيء إلا النساء، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء" ، فعندنا ثلاثة أشياء:
الرمي، والنحر، والحلق أو التقصير، إذا فعل هذه حلّ من كل شيء إلا النساء وطأً، ومباشرةً، وعقداً، وهذا هو المشهور من المذهب.
وقيل: وطأ، ومباشرة، لا عقداً وخطبة، وأنه يجوز العقد والخطبة بعد التحلل الأول؛ لأن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إلا النساء" ، فيه احتمال قوي أن المراد الاستمتاع بجماع أو غيره، خاصة وأن من تحلل التحلل الأول لا يطلق عليه أنه محرم إحراماً كاملاً.
فعلى المذهب لو أن أحداً من الناس رمى، ونحر، وحلق، ثم تزوج قبل أن يطوف بالبيت، فالنكاح محرم وغير صحيح، وهذا ربما يقع في غير هذه الصورة التي ذكرت، فربما يطوف الإنسان طواف الإفاضة على وجه لا يجزئه، ثم يرجع إلى بلده، ويتزوج في هذه المدة، قبل أن يصحح خطأه في الطواف فعلى المذهب لا يصح نكاحه.
وعلى القول الثاني وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو الصحيح، أنه يجوز عقد النكاح بعد التحلل الأول ويصح.
وهذا من الأمور التي ينبغي أن يسلك الإنسان فيها الاحتياط، فإذا جاءنا رجل ابتلي وعقد النكاح قبل أن يطوف طواف الإفاضة أو خطب امرأة قبل أن يطوف طواف الإفاضة، فنقول: لا تعد؛ لأن التحريم وإبطال العقد بعد أن وقع فيه صعوبة، ولكن لو جاءنا يستشير ويقول: هل تفتونني بأن أخطب أو أعقد النكاح وقد حللت التحلل الأول؟
فنقول له: لا.
وقوله: "ثم قد حل له كل شيء" ، ظاهره أنه لا يحل هذا الحل إلا بعد الرمي والنحر والحلق أو التقصير؛ أي: فعل الثلاثة، والظاهر أن اشتراط النحر غير مراد وأنه يحل التحلل الأول بدونه والحكمة من ذلك، والله أعلم، أن النحر لا يجب على كل حاج، فلا يجب على المفرد ولا على القارن والمتمتع إذا عدماه، وظاهر كلامه - أيضاً - أنه لا يحل بمجرد الرمي، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:
فقال بعض العلماء: إنه يحل بالرمي، أي رمي جمرة العقبة، سواء حلق أم لم يحلق وهذا رواية عن الإمام أحمد.
واستدلوا لذلك بأن الإنسان يقطع التلبية إذا شرع في الرمي، وهذا يعني أن نسكه انتهى، ولكن هذا التعليل فيه نظر لأننا نقول إن المعتمر يقطع التلبية إذا شرع في الطواف، ومع ذلك لم يشرع في التحلل، وبأنه ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم تعليق الحل بالرمي فقط .
ولكن الذي يظهر لي أنه لا يحل إلا بعد الرمي والحلق وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد لحديث: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء" ، ولكن الزيادة هذه "حلقتم" في ثبوتها نظر؛ لأن فيها الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف عندهم، ولحديث عائشة - رضي الله عنها -: "كنت أطيب النبي صلّى الله عليه وسلّم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" ، ولو كان يحل بالرمي لقالت: ولحله قبل أن يحلق، فهي - رضي الله عنها - جعلت الحل ما بين الطواف والذي قبله، والذي قبله هو الرمي والنحر والحلق، لا سيما وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر" .
فالاستدلال بحديث عائشة على ظاهره صحيح، ولكن إذا علمنا أن السبب في ذلك أنه حصل خلاف، هل يجوز للمحرم إذا حل التحلل الأول أن يتطيب قبل أن يطوف؟ فأرادت عائشة - رضي الله عنها - أن تبين جواز التطيب قبل الطواف فيكون سبب اقتصارها على الطواف أنه محل الخلاف؛ وذلك أن الطيب مما يعطي النفس نشوة ورغبة في النكاح، والنكاح ممنوع بعد التحلل الأول، فكره بعض السلف أن يتطيب الإنسان قبل أن يطوف بالبيت، فأرادت عائشة - رضي الله عنها - أن تبين أن هذه الكراهة لا وجود لها لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتطيب قبل أن يطوف.
تنبيه: من لم يتبين له في هذه المسألة الدليل الذي يحصل به رجحان أحد القولين على الآخر، فأيهما أحوط أن نقول: إنه لا يحل حتى يرمي ويحلق، أو نقول إن الأحوط أن يحل بالرمي؟
قد يكون الأحوط أن نقول بالأول وهو أنه يحل برمي جمرة العقبة، وقد نقول: إن الأحوط الثاني فإذا جامع رجل امرأته بعد رمي جمرة العقبة وقبل الحلق، فإن قلنا إنه يحل بالرمي لم يفسد نسكه لأن الوطء وقع بعد التحلل الأول، والوطء لا يفسد النسك إلا إذا كان قبل التحلل الأول، وأيضاً لا نوجب عليه فدية إلا شاة، وإذا قلنا إنه لم يحل ألزمناه ببدنة، فأيهما الأحوط الآن؟
الجواب: الأحوط أن يتحلل بالرمي، وألا نلزمه بشيء لم يتبين لنا لزومه، ولكن إذا قلنا: إنه لا يتحلل إلا بالرمي والحلق صار أحوط من جهة أننا نمنعه من محظورات الإحرام حتى يحلق.
ولعلنا نقول: ما دامت المسألة لم تتبين فلنتبع الأسهل، فإن جاءنا رجل يسأل أنه جامع بعد رمي جمرة العقبة وقبل الحلق نقول له حجك لم يفسد؛ لأنه ليس عندنا ما نستطيع به أن نجشمه المصاعب بأن نقول: حجك فاسد وعليك أن تمضي فيه وأن تقضيه من العام القادم وأن تفدي فعلك ببدنة، وأما إذا جاء يسأل هل يجوز أن يلبس ويتطيب قبل الحلق؟ قلنا: لا؛ لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة.
والفقهاء - رحمهم الله - توسعوا في ذلك، فقالوا: إذا فعل اثنين من ثلاثة حل التحلل الأول، فلو رمى وحلق، أو رمى وطاف، أو حلق وطاف حل التحلل الأول، مع أن الذي ورد في السنة أنه يحل بالرمي، أو بالرمي مع الحلق، لكنهم قالوا: لما كان طواف الإفاضة مؤثراً في التحلل الثاني فليكن مؤثراً في التحلل الأول، وذلك أنه إذا رمى وحلق وطاف حل التحلل الثاني.
ولو قال قائل: بأن سائق الهدي يتوقف إحلاله على نحره أيضاً؛ لكان له وجه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إن معي الهدي فلا أحل حتى أنحر" .
قوله: "والحلاق والتقصير نسك" ، أي: أن الحلق والتقصير نسك، وإنما نص على هذا دفعاً لقول من يقول: إنه إطلاق من محظور، وليس نسكاً، وبناءً على هذا ينوب مناب الحلق فعل أي محظور؛ لأن المقصود أن يعلم أنه تحلل من إحرامه، كما قال بعضهم في التسليم في الصلاة: إن المراد فعل ما ينافي الصلاة، وأنه إذا فعل ما ينافي الصلاة فإنه يغني عن التسليم.
وهذا قول ضعيف، يقول شيخ الإسلام: لو كان الأمر كذلك لكان لا فرق بين حلق الرأس وحلق العانة، على القول بأن محظورات الإحرام تشمل جميع شعور البدن، وصدق رحمه الله تعالى، وعلى القول بأنه إطلاق من محظور، قالوا: يجزئ لو يقص شعرتين أو ثلاثاً فيكفي، وهذه كلها أقوال لا أصل لها يعني ليس لها دليل، والصواب أنه نسك، وعبادة وقربة لله.
والدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا للمحلقين، وللمقصرين ولا يدعو إلا لشيء مطلوب شرعاً.
قوله: "لا يلزم بتأخيره دم ولا بتقديمه على الرمي والنحر" أي: لو أخر الحلق أو التقصير عن أيام التشريق، أو عن شهر ذي الحجة، أو أخره إلى ربيع، أو إلى رمضان أو إلى السنة الثانية فليس عليه شيء لكن يبقى عليه التحلل الثاني؛ لأنه لا يمكن أن يتحلل التحلل الثاني حتى يحلق أو يقصر.
ولكن الذي يظهر أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة؛ لأنه نسك، وقد قال الله تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } [البقرة: 197] .
لكن إن كان جاهلاً وجوب الحلق، أو التقصير، ثم علم فإننا نقول احلق، أو قصر، ولا شيء عليك فيما فعلت من محظورات.
وقوله: "ولا بتقديمه على الرمي والنحر" ، يعني أنه لو قدم الحلق والتقصير على الرمي والنحر كان جائزاً، فإن قيل: أو ليس الله تعالى قال: { وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه } [البقرة:196] ؟ فالجواب: بلى، ولكن الآية ليست صريحة في تحريم تقديم الحلق على النحر؛ لأن الله تعالى قال: { حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه } [البقرة:196] ولم يقل حتى تنحروا، وقد بينت السنة جواز تقديمه على النحر.
فالسنة إذا وصل إلى منى أن يبدأ برمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي، فإن قدم بعضها على بعض فالصحيح أن ذلك جائز، سواء كان لعذر كالجهل والنسيان، أو لغير عذر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم: كان يسأل في ذلك اليوم عن التقديم والتأخير فيقول: "افعل ولا حرج" .
وتأمل قوله صلّى الله عليه وسلّم: "افعل ولا حرج" ، ولم يقل: "لا حرج" فقط، بل قال: "افعل" فعل أمر للمستقبل، أي: أنك إذا فعلت في المستقبل، فلا حرج.
وقال بعض العلماء المحققين كابن دقيق العيد وغيره: إن هذا إنما يكون لمن كان معذوراً؛ لأنه في بعض ألفاظ الحديث: "لم أشعر فظننت أن كذا قبل كذا"، فقال: "افعل ولا حرج" ، ولكن لما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "افعل ولا حرج" وهي للمستقبل، ولم يقتصر على قوله: "لا حرج" علم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل وبين الذاكر والعالم، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكرة حين أسرع وركع قبل الصف: "زادك الله حرصاً ولا تعد" ، فلو كان الترتيب بين هذه الأنساك واجباً لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم للسائل: لا حرج ولا تعد وهذا الذي قررناه، كما أنه ظاهر الأدلة، فهو الموافق لمقاصد الدين الإسلامي في إرادة اليسر على العباد لا سيما في مثل هذه الأزمان؛ لأن ذلك أيسر للناس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الثاني )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الاول)
» صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الثالث )
» صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الرابع)
» صفة الحج والعمرة المقصود في المناسك.الكيفية التي ينبغي أن يؤدى عليها الحج، والعمرة(من خمسة اجزاء الجزء الخامس والاخير)
» ملف الحج والعمرة (محظورات الإحرام من جزئين الجزء الثاني والاخير)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: