بداية لابد من التذكير أن مصطلح ' الإسلاميين ' هو من المصطلحات الحديثة وارتبط بظهور الحركات الإسلامية السياسية فى العصر الحديث التى تتبنى الفكر الإسلامي كمنهج حياة وتدعو الى تحكيم شرع الله فى الأرض , ويزداد هذا المصطلح شيوعا وحضورا بقدر قوة الحركة الإسلامية فى ذات المكان المتواجدة فيه , وهو ليس انعكاس أصيل لمصطلح المسلمين أو الأمة الإسلامية لأن هذا المصطلح هو الجامع لكل من اعتنق الإسلام دينا .
وفي الآونة الأخيرة أصبح واضحا أن هناك تقسيم بين هؤلاء الإسلاميين الى قسمين هما القسم المعتدل والقسم المتشدد أو المتطرف , وفى قلب كل قسم من هؤلاء توجد مدارس فكرية وأراء وفتاوى وفهم خاص للأحكام الشرعية , والأمر الجامع بينها هو الهدف الأسمى لكل منها وهو تحكيم شرع الله فى الأرض وإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة كما أخبرنا بذلك رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم - , ولكن الخلاف الأساس هو فى استخدام الأسلوب الأمثل المؤدي الى تحقيق ذلك الهدف أو تحقيق نبوءة الرسول – عليه الصلاة والسلام - .
وخلال العصور الماضية اختلف المسلمون وتفرقوا الى كثير من الملل والمذاهب المختلفة وخاضوا معارك طاحنة فيما بينهم وتمسك كل فريق برأيه وأدلته لإثبات صحة فهمه للنصوص الشرعية والأساليب الصحيحة لتنفيذ الأحكام , ونتيجة لذلك تلاشت مذاهب وضعفت أخرى وحكمت بعضها ثم تراجعت , حتى بقي اليوم فريقين كبيرين هما أهل السنة والشيعة , ولازال التنافس بينهما قائما ويأخذ أشكالا وصورا متعددة من خلال المواجهات الفكرية المباشرة أو الحوار المذهبي للتقارب أو العداء والتكفير المطلق , وهذا من الخلافات القديمة الجديدة القائمة .
أما الشيعة فتمكنوا من إقامة دولة لهم فى إيران وتوحيد صفوفهم والاتفاق على مرجعية دينية وفقهية يلتفون حولها ويقدمون البيعة لها واستطاعوا بذلك تنظيم خلافاتهم وتحديد ما يريدون عبر خطط موضوعة ومتفق عليها , وبقيت خلافاتهم محدودة ومتعلقة فى بعض التفاصيل , أما أهل السنة فلازالت الفوضى الفكرية والمذهبية تعصف بهم بسبب عدم قدرتهم على الاتفاق لتحديد مرجعية فقهية واحدة لهم تستطيع قيادة مشروعهم الديني , وبالتالي فشلوا فى تقديم نموذج خاص بهم متفق عليه , وفشل الأزهر فى مصر وكذلك المملكة السعودية فى تحقيق هذا الهدف ، وأصبحوا منقسمين بين معسكر الاعتدال ومعسكر التطرف , ولكل منهم له أدلته الخاصة وحججه التى يستند عليها فى تبرير أعماله وتصوراته .
وكثرت التساؤلات حول النموذج الأقرب للتقليد فى هذا العصر هل يتمثل فى النموذج السعودي أو نموذج طالبان فى حكم أفغانستان أو نموذج حزب العدالة والتنمية التركي , وهذه النماذج التى تمكنت من الوصول للحكم , أم نموذج فكر الإخوان المسلمين أو جماعة الدعوة والتبليغ أو جماعة الدعوة السلفية ( وهؤلاء يختلفون عن السلفية الجهادية ) فى فهمهم الخاص لكيفية تطبيق أحكام الشريعة من خلال إتباع أسلوب التربية والتدرج وعدم إكراه الناس كما هو مكتوب فى أدبياتهم , ولكن هناك أيضا أفكار مغايرة تماما لهؤلاء وهم الذين يؤمنون باستخدام القوة لتحكيم شرع الله فى الأرض من خلال محاربة الحكام والخروج عليهم مثل تنظيم القاعدة وجماعة السلفية الجهادية وغيرها من الجماعات المشابهة .
ونتيجة لغياب المرجعية الفقهية والدينية لأهل السنة ستبقى هذه الظواهر ولن تنتهي , لأن لكل منها المرجع الخاص بها والأدلة التى يمتلكها عبر فهمهم الخاص لتفسير النصوص القرآنية أو السنة النبوية , ومن هنا كانت وستبقى الفوضى الفكرية بين الإسلاميين ويقع ضحيتها الشباب المخلص لدينه وعقيدته حيث ستبقى الأرضية خصبة لولادة الأفكار المنحرفة والتى تدفع أبناءها للخلاف والتعصب واستسهال الأحكام التى قد تؤدي الى ارتكاب جرائم القتل وتنفيذها معتقدا بأنه سيدخل الجنة ويحقق رضا الله – عز وجل - .
ومن هنا ستبقى هذه أمانة فى أعناق علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة فى توحيد المرجعية الدينية والفقهية لإنقاذ الأمة من الأفكار الغريبة والدخيلة على ديننا والتى يستغلها أعداؤنا لتشويه صورتنا وتاريخنا وسماحة ديننا الحنيف .