الإسلام دستور أخلاقي[b]
قال الرسول (ص):[إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق].
حث الإسلام بقوة على الفضائل ونهى بقوة عن الرذائل ورتب على ذلك أعظم مراتب الثواب و العقاب المتأمل للمنهج الأخلاقي في الإسلام سنجده متأصل في نسيج هذه الدعوة .فالعقائد في الإسلام أساسها التوحيد و الإسلام يطفئ على التوحيد صبغة خلقية فيعتبره من باب العدل و الشرك من باب الظلم .
و الإيمان الإسلامي حين يتكامل و يؤتي أكله ,يتجسد في فضائل أخلاقية فاضت بها آيات القرآن , و أحاديث الرسول (ص).
نقرأ في القرآن مثل
قوله تعالى :{ قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ٍ و الذين هم عن اللغو معرضون و الذين للزكاة فاعلون}.
{و إنما المؤمنون الذين إذا ذكروا الله و جلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا و على ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا }.
{وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا،و إذا خاطبهم المؤمنون قالوا: سلاما. و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما والذين لا يدعون مع الله إلها أخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق و لا يزنون،و من بفعل ذلك يلق آثاما}.
و من الأحاديث النبوية ما ربط الفضائل الأخلاقية بالإيمان , و تجعلها من لوازمه و ثمراته :
{ من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليصل رحمه،من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره،من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت}.
{الإيمان بضع و ستون أو بضع و سبعون شعبة ,أعلاها :لا إله إلا الله ، وأدناها :إماطة الأذى عن الطريق،والحياء شعبة من الإيمان}.
{لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن , و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن , و لا يشرب الخمر حين يشربها و هو مؤمن}.العبادات الإسلامية الكبرى ذات أهداف أخلاقية واضحة .
فالصلاة و هي العبادة اليومية الأولى في حياة المسلم ,لها وظيفة مرموقة في تكوين الوازع الذاتي , و تربية الضمير الديني :{و أقم الصلاة ، إن الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر}.
والزكاة وهي العبادة التي قرنها القرآن بالصلاة ليست مجرد ضريبة مالية ، تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء . إنها وسيلة تطهير و تزكية في عالم الأخلاق ، كما أنها وسيلة تحصيل و تنمية في عالم الأموال :
{خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها}.
و الصيام في الإسلام : إنما يقصد به تدريب النفس على الكف عن شهواتها ، و الثورة على مألوفاتها . و بعبارة أخرى :إنه يهيئ النفس للتقوى وهي جماع
الأخلاق الإسلامية :
{ يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين نم قبلكم لعلكم تتقون }.
والحج في الإسلام تدريب للمسلم على التطهر و التجرد و الترفع عن زخارف الحياة و ترفها , و خضامها و صراعها. و لذا يفرض في الإسلام الإحرام ليدخل المسلم حياة قوامها التواضع و البساطة و السلام و الجدية و الزهد في مظاهر الحياة الدنيا :
{ الحج أشهر معلومات ، و فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج}.
وحين تفقد هذه العبادات الإسلامية هذه المعاني و لا تتحقق هذه الأهداف تفقد بذلك معناها و جوهر مهمتها , و تصبح جثة بلا روح .
و في مجال الاقتصاد :
نجد أن للأخلاق الإسلامية مجالها و عملها سواء في ميدان الإنتاج أم التداول أم التوزيع أم الاستهلاك .فليس للاقتصاد أن ينطلق كما يشاء بلا حدود و لا قيود ، دون ارتباط الاقتصاد بالأخلاق .
ليس للمسلم أن ينتج ما يشاء و لو كان ضارا بالناس ماديا ولا معنويا .
وليس للمسلم في ميدان التبادل أن يتخذ بيع الخمر أو الخنزير أو الميتة .
وليس للمسلم أن يحتكر الطعام و نحوه مما يحتاج إليه الناس رغبة في أن يبيعه بأضعف ثمنه .
وليس للتاجر المسلم أن يخفي مساوئ سلعته وعيوبها .
لا يجوز للمسلم أن يتملك ثروة من طريق خبيث .لهذا حرم الله الربا و الميسر ، و أكل أموال الناس بالباطل ، و الظلم بكل صوره ، و الضرر و الضرار بكل ألوانه .
و في مجال الاستهلاك ,لم يدع الإسلام للإنسان حبله على غاربه .
يقول تعالي :{ و لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا }
*{ و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا ، و إنه لا يحب المسرفين }.
كما ربط الإسلام الاقتصاد و الأخلاق والسياسة أيضا فليست السياسة الإسلامية سياسة (ميكافيلية )ترى أن الغاية تبرر الوسيلة أيا كانت صفتها بل هي سياسة مبادئ و قيم ، سواء في علاقة الدولة المسلمة بمواطنيها داخليا ,أم في علاقتها الخارجية بغيرها من الدول و الجماعات .
في علاقة الدولة بمواطنيها يقول الله تعالى مخاطبا أولي الأمر في المسلمين :{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل }.
وفي علاقة الدولة بغيرها من الدول يجب عليها الوفاء بعهودها ، و جميع التزاماتها
حتى الحرب في الإسلام تضبط الأخلاق
.يقول تعالى :{و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين }.
ويحذر من الغدر و التمثيل بالجثث و قطع الأشجار ,و هدم المباني , و قتل النساء و الأطفال و الشيوخ و الرهبان المنقطعين للعبادة و المزارعين المنقطعين لحراثة الأرض .
وفي معاملة الأسرى و ضحايا الحرب بعد أن تضع الحرب أوزارها , يجب ألا ينسى الجانب الإنساني و الأخلاقي في معاملتهم.
يقول تعالى في وصف الأبرار من عباده :
{ و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا إنما لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا } .[/b][b]