في الوقت الذي يسعى فيه العالم إلى التوحد وتشكيل مجتمعات كبيرة سواء كانت اقتصادية أم أمنية أم غير ذلك ومثال على ذلك ( الاتحاد الأوروبي) أو الجامعة العربية وما ينبثق عنها من تجمعات أخرى , وما ينتج من خلال ذلك من اتفاقات سياسية وغيرها فإن إسرائيل ما زالت في غطرستها وسياسية فرض الأمر
الواقع وهي السياسية المتبعة منذ احتلالها للأراضي العربية في حزيران عام 1967.
ولا يكاد يجف حبر أي اتفاق مع إسرائيل إلا وتنقضه حتى قبل ذلك , لأنها لا تخضع نفسها لاتفاقيات وترى أنها دائما سيدة القرار وهي التي تضع آلية وطريقة التنفيذ , وهذا ليس جزافا أو صدفة بل هو مخطط تنفذه جميع الحكومات الإسرائيلية بغض النظر عن الحزب الموجود في السلطة لكونه سياسية صهيونية مدروسة , فمنذ الأيام الأولى لاحتلال الضفة الغربية بدأ المشروع الاستيطاني وبناء المستعمرات وكانت معظمها خطه مبرمجة للضم في النهاية وبداية مع المستعمرات الإسرائيلية في منطقة القدس , ومن ثم مشروع الون وكذلك مشروع شارون , وقد جاءت الفرصة والظروف المناسبة لكي يغض العالم العين عن بناء الجدار الفاصل بين الأراضي الفلسطينية عام 1967 وعام 1948 بالفترة التي تم فيها هدم حائط برلين وفتح الحدود بين الدول ولكن إسرائيل لها مخططاتها وسياستها التي تفوق نظام الاتفاقيات , ولكن لو حدث ذلك في أي دولة أخرى مهما كانت مهمة فسيقف العالم وينبذه وبشكل خاص الأمم المتحدة , فما بالك إذا كانت إسرائيل ألتي تبني (جدارها الأمن) في الحدود التي تفرضها بسياسة ألأحتلال والأمر الواقع . وقد جاءت الظروف المناسبة لحكومة شارون لكي يحقق حلمه التاريخي بضم الكتل الاستيطانية الموجوده على حدود الخط الأخضر وبتغطيه ومشاركة حزب العمل , في الوقت الذي يتصف ألبناء بالتكلفه الباهظه وبعقبات أيديولوجية للطامعين بضم الضفة الغربية إلى حدود دولة إسرائيل بدون سكانها وبأكبر مساحة ممكنة.
في شهر حزيران 2002 قررت حكومة اسرائيل اقامة الجدار الفاصل بهدف منع دخول الفلسطينيين الى اسرائيل دون رقابة. في معظم المناطق مركب الجدار من سياج الكتروني بنيت على طول طرفيه طرق معبدة، سياج شيك وانفاق. يصل معدل عرض الجدار الى حوالي ستين مترا. قرر جهاز الامن اقامة حائط بطول ستة حتى ثمانية امتار في عدة مناطق بدلا من الجدار.
يمر مسار الجدار في معظم اراضي الضفة الغربية وليس على طول الخط الاخضر. وفي المناطق التي اتنهت فيها اقامة الجدار تتجلى واضحة الاساءة الواسعة بحقوق الانسان للفلسطينيين الساكنين بمحاذاته. ان استمرار اقامة الجدار في عمق اراضي الضفة الغربية، كيفما قررت الحكومة في تشرين الاول 2003، سيؤدي الى اساءة اضافية بحقوق الانسان لمئات الآلاف من السكان.
ويعاني حاليا الفلسطينيين الساكنين بمحاذاة الجدار من قيود جديدة على الحركة والتنقل بالاضافة الى القيود الواسعة المفروضة عليهم منذ اندلاع انتفاضة
الاقصى. ونتيجة لذلك، يستصعب آلآف الفلسطينيون في الوصول الى اراضيهم الزراعية وفي تسويق منتجاتهم الزراعية في باقي اراضي الضفة الغربية، اذ ان المناطق التي تم اقامة الجدار فيها تعتبر من اكثر المناطق الخصبة في الضفة الغربية وتعتبر الزراعة من اهم مصادر الرزق الاساسية في القرى والبلدات الواقعة فيها. ان الاساءة بالزراعة قد يؤدي الى تدهور الوضع الاقتصادي في الاراضي المحتلة بشكل بارز، ناهيك عن الوضع الصعب القائم. وبالتالي قد يؤدي الى تدهور الكثير من العائلات الى الفقر.
تسيء القيود على حرية الحركة والتنقل ايضا بحرية وصول السكان القرويين الى المستشفيات الموجودة في البلدان المجاورة. كما ويتضرر جهاز التعليم وذلك لأن الكثير من المدارس، خصوصا في القرى، تعتمد على المعلمين الذين يأتون من خارجها. بالاضافة، تمس هذه القيود بالعلاقات الاسرية والاجتماعية.
في بداية شهر تشرين الاول 2003 اعلن قائد المنطقة الوسطى المنطقة الواقعة بين الجدار الفاصل في شمال الضفة الغربية (مرحلة أ) والخط الاخضر كمنطقة عسكرية مغلقة بدون تقييد زمني. وعليه، فحسب الاوامر الجديدة على كل فلسطيني يبلغ ال- 12 وما فوق، والذي يسكن داخل الجيوب التي تشكلت داخل المنطقة المغلقة، الحصول على "تصريح ساكن ثابت" من الادارة المدنية من اجل الاستمرار في العيش داخل بيته. بالنسبة لباقي سكان الضفة الغربية فعليهم التزود بتصاريح خاصة من اجل الدخول الى المنطقة المغلقة.
على الرغم من ان اسرائيل قد اقامت بوابات على طول الجدار، عن طريقها يستطيع كل من بحوزته تصريح المرور، فمن التجارب الماضية يمكن الاشارة الى ان اسرائيل تستغل قدرتها في منع استصدار تصاريح للحركة والتنقل للسكان الفلسطينيين من اجل تحقيق اهداف مرفوضة، من ضمنها الضغط على السكان للتعاون مع اسرائيل او فرض عقاب جماعي على سكان بلدة معينة جراء هجوم نفذ ضد اسرائيليين. بالاضافة الى ذلك، فالحصول على تصاريح من الادارة المدنية لا يؤمن المرور عبر البوابات، اذ ان جميع التصاريح تلغى عند فرض "حصار محكم" على الاراضي المحتلة.
لقد تم تحديد مسار الجدار مع تجاهل تام تقريبا للاساءة الواسعة بحقوق الانسان للسكان الفلسطينيين. فقد تم تحديده حسب اعتبارات اجنبية لا تمت بصلة بأمن المواطنين الاسرائيليين. ان احد الاعتبارات المركزية كان شمل اكثر عدد ممكن من المستوطنات الواقعة غربي الجدار وذلك بهدف ضمها الى اسرائيل. اعتبار اضافي، والذي ادى بالاساس الى اقامة الجدار الفاصل داخل اراضي الضفة
الغربية، كان الامتناع من دفع الثمن السياسي الذي ينطوي عليه الاعتراف بالخط الاخضر كخط الحدود لإسرائيل.
تعطي جميع ميزات الجدار الفاصل والاعتبارات التي ادت الى تحديد مساره انطباعا ان اسرائيل تتشبث مجددا بإدعاءات امنية من اجل خلق حقائق احادية الجانب على ارض الواقع، والتي بدورها ستؤثر على الترتيب المستقبلي الذي سيتفق عليه بين اسرائيل والفلسطينيين. لقد اتخذت اسرائيل في الماضي هذه السياسة وعللت مصادرة الاراضي لإقامة المستوطنات ب "حجج عسكرية طارئة" وزعمت ان الخطوة مجرد مؤقتة. وعليه، اصبحت المستوطنات واقع قائم. من الممكن ان يصبح الجدار الفاصل حقيقة قائمة ثابتة، كما حدث مع المستوطنات، تمكن اسرائيل مستقبليا من المطالبة في ضم اراضي اليها.
من حق اسرائيل ومن واجبها حماية مواطنيها من عمليات مستهدفة. ولكن، اقامة الجدار الفاصل كوسيلة لمنع العمليات التفجيرية داخل اسرائيل يعتبر الحل الاكثر تطرفا والاكثر اساءة بالسكان الفلسطينيين. لقد فضلت اسرائيل هذا الحل على طرق بديلة كانت امامها والتي تلحق اقل ضررا على السكان الفلسطينيين. وحتى إن تم قبول الادعاء انه لم يكن هنالك مناص من اقامة الجدار، فعلى اسرائيل اقامته على طول الخط الاخضر او داخل اراضيها.
أما بخصوص الجدار فيشكل حدود الضفة الغربية ويقدر طوله بحوالي 400كم, واما الجزء الشمالي منه فيمتد من قرية سالم شمالا إلى حدود قلقيليه جنوبا ويقدر طول هذا الجزء بحوالي 115كم ويضم معظم التجمعات الاستيطانية وقد تم تغيير مساره إلى شرق الخط الأخضر لكي يضم اكبر عدد ممكن من المستعمرات وبالذات في منطقة قلقيليه.
ويشكل هذا الجزء في الوقت الحالي المرحلة الأولى من ثلاث مراحل , وقد تم لغاية الآن اكثر من مره إجراء تعديلات على مساره فبالإضافة إلى انه لم يطابق الخط الأخضر أو حدود حزيران عام 1967, فانه ايضا لم يطابق القرارات العسكرية الصادرة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي , علاوة على ما ذكر سابقا فان هذا الجدار سيأتي على مساحات شاسعه من الأراضي الفلسطينية وهي من أخصب الأراضي وأكثرها استخداما واستغلالا وخاصه منطقة الشعراويه ومنطقة قلقيليه والتي أتى الجدار على معظم أراضيها وحولها إلى كنتون (جيب ) ذات مخرج واحد هو الطريق الواصل بمدينة نابلس , أما عن المساحات ونوعية الأشجار والفواكه التي تم تدميرها واقتلاعها واثار ذلك على البيئة فهذا أمر طبيعي بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي , أما الجديد في ذلك فهو أن الأراضي والقرى التي وقعت بين فكي كماشه الجدار,أي بين الجدار والخط الأخضر وهذه
المساحة حوالي90كم مربع في الجزء الأول من الجدار , وهذه المساحه تستثنى ما تم تجريفه وكذلك المنطقة الأمنية للجدار والتي هي بعرض حوالي 100 متر على طول مسار الجدار , أما القرى التي حوصرت والموجودة في الناحية الغربية منه فهي أحد عشر تجمعا فلسطينيا يقدر عدد سكانها بحوالي (13الف نسمه) ومن أكثرها كثافة سكانية قرية باقه الشرقية التي كان الاحتلال قد قسمها إلى قسمين في ألعام 1948 , والان تم ضمها بالكامل داخل الجدار الفاصل , وكذلك برطعه الشرقية التي كان لها نفس النصيب من الاحتلال وكذلك قرية نزلة عيسى التي تم تدمير اكثر من 60 محل تجاري في حدود منطقة الجدار وتم ضمها كليا داخل كماشته .
أما القرى المتضرره فهي كثيره وخاصة أن معظم القرى الحدودية للخط الأخضر كان لها نصيب من ذلك ويقدر عدد القرى المتضرره مباشره بحوالي 40 قرية وتجمع سكاني واكثر من 35الف نسمه , هذا فقط في الجزء الأول من الجدار.