ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 نظرة في تاريخ العقيدة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

نظرة في تاريخ العقيدة Empty
مُساهمةموضوع: نظرة في تاريخ العقيدة   نظرة في تاريخ العقيدة Emptyالجمعة مارس 05, 2010 3:27 pm

نظرة في تاريخ العقيدة 3c2aI-Mn1D_944299924

نظرة في تاريخ العقيدة
هل تطورت العقيدة عبر الزمان

يرى كثير من الباحثين الغربيين أن الإنسان لم يعرف العقيدة على ما يعرفها عليه اليوم مرة واحدة ، ولكنها ترقت ، وتطورت في فترات وقرون متعاقبة .
ولا عجب أن يقول بهذا القول الباطل قوم لم يمنحهم الله كتابه الذي يحكي تاريخ العقيدة بوضوح لا لبس فيه ، إلا أن العجيب أن يذهب هذا المذهب رجال يعدون أنفسهم باحثين مسلمين .
فهذا عباس محمود العقاد يرى في كتابه (الله) (1) - وهو كتاب يبحث في نشأة العقيدة الإلهية – أن " الإنسان ترقى في العقائد " ، ويرى أن ترقي الإنسان في العقائد موافق تماماً لترقيه في العلوم .
ويقول : " كانت عقائد الإنسان الأولى مساوية لحياته الأولى ، وكذلك كانت علومه وصناعاته ، فليس أوائل العلم والصناعة بأرقى من أوائل الأديان والعبادات ، وليس عناصر الحقيقة في واحدة منها بأوفر من عناصر الحقيقة في الأخرى " .


بل يرى أن تطور العقيدة لدى الإنسان كان أشق من تطور العلوم والصناعات ، يقول في هذا : " وينبغي أن تكون محاولات الإنسان في سبيل الدّين أشق وأطول من محاولاته في سبيل العلوم والصناعات ؛ لأن حقيقة الكون الكبرى أشق مطلباً وأطول طريقاً من حقيقة هذه الأشياء المتفرقة التي يعالجها العلم تارة والصناعة تارة أخرى " .

ويرى أن الحقيقة الإلهية لم تتجل للناس مرة واحدة ، يقول : " فالرجوع إلى أصول الأديان في عصور الجاهلية الأولى لا يدلّ على بطلان التدين ، ولا على أنها تبحث عن محال ، كل ما يدلّ عليه أنّ الحقيقة الكبرى أكبر من أن تتجلى للناس كاملة في عصر واحد " .

ثم أخذ يستعرض آراء الباحثين في تاريخ العقيدة ، فمنهم من يرى أنّ السبب في نشأة العقيدة هو ضعف الإنسان بين مظاهر الكون وأعدائه من قوى الطبيعة والأحياء ، ... وبعضهم يرى أن العقيدة الدينية حالة مرضية في الآحاد والجماعات ، ويرى بعضهم أن أصل العقيدة الدينية عبادة (( الطوطم )) ، كأن تتخذ بعض القبائل حيواناً (طوطمياً) تزعمه أباً لها . وقد يكون شجراً أو حجراً يقدسونه ، إلى آخر تلك الفروض التي قامت في أذهان الباحثين الغربيين .ومع الأسف فقد سرت هذه النظرية (2) إلى كثير من الكتّاب ، واعتنقها جملة من الدارسين (3) ، والذي أوقع هؤلاء في هذا الخطأ أمور :

الأول : أنهم قدّروا أن الإنسان الأول خُلق خلقاً ناقصاً ، غير مؤهل لأن يتلقى الحقائق العظمى كاملة ، بل إن تصوراتهم عن الإنسان الأول تجعله أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان .

الثاني : أنهم ظنوا أن الإنسان اهتدى إلى العقيدة بنفسه بدون معلم يعلمه ، ومرشد يوضح له . فما دام الأمر كذلك فلا بد أن يترقى في معرفته بالله كما ترقى في العلوم والصناعات .


الثالث : أنهم عندما بحثوا في الأديان ليتبينوا تاريخها لم يجدوا أمامهم إلا تلك الأديان المحرفة أو الضالة ، فجعلوها ميدان بحثهم ، فأخضعوها للدراسة والتمحيص ، وأنى لهم أن يعرفوا الحقيقة من تلك الأديان التي تمثل انحراف الإنسان في فهم العقيدة .


القرآن وحده يوضح تاريخ العقيدة :

ليس هناك كتاب في الأرض يوضح تاريخ العقيدة بصدق إلا كتاب الله سبحانه وتعالى ، ففيه علم غزير في هذا الموضوع ، وعلم البشر لا يمكن أن يدرك هذا الجانب إدراكاً وافياً لأسباب :

الأول : أن ما نعرفه عن التاريخ قبل خمسة آلاف عام قليل ، أما ما نعرفه قبل عشرة آلاف عام فيعتبر أقل من القليل ، وما قبل ذلك فيعتبر مجاهيل لا يدري علم التاريخ من شأنها شيئاً ، لذا فإن كثيراً من الحقيقة ضاع بضياع التاريخ الإنساني .

الثاني : أن الحقائق التي ورثها الإنسان اختلطت بباطل كثير ، بل ضاعت في أمواج متلاطمة في محيطات واسعة من الزيف والدجل والتحريف ، ومما يدل على ذلك أن كتابة تاريخ حقيقي لشخصية أو جماعة ما في العصر الحديث تعتبر من أشقّ الأمور ، فكيف بتاريخ يمتدّ إلى فجر البشرية ؟ !

الثالث : أن قسماً من التاريخ المتلبس بالعقيدة لم يقع في الأرض ، بل في السماء .
لذا فإن الذي يستطيع أن يمدنا بتاريخ حقيقي لا لبس فيه هو الله – سبحانه وتعالى – ( إنَّ الله لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السَّماء ) [ آل عمران : 5 ] .
تاريخ العقيدة كما يرويه القرآن الكريم


أعلمنا الله سبحانه أنه خلق آدم خلقاً مستقلاً سوياً متكاملاً ، ثم نفخ فيه من روحه ، وأسكنه جنته ، وأباح له أن يأكل هو وزوجته منها كيف شاءا إلا شجرة واحدة ، فأغراه عدوّه إبليس بالأكل من الشجرة ، فأطاع عدوه ، وعصى ربّه ، فأهبطه الله من الجنة إلى الأرض ، وقبل الهبوط وعده الله – سبحانه – بأن ينزل عليه وعلى ذريته هُداه ، كي يعرف الإنسان بربه ومنهجه وتشريعه ، ووعد المستجيبين بالهداية في الدنيا والسعادة في الأخرى ، وتوّعد المستكبرين بالمعيشة الضنكة في الدّنيا وبالشقاء في الآخرة : ( قلنا اهبطوا منها جميعاً فإمَّا يأتينَّكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – والَّذين كفروا وكذَّبوا بآياتنا أولئِك أصحاب النَّار هم فيه خالدون ) [ البقرة :38-39]

وفي سورة طه يقول : ( قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ فإمَّا يأتينَّكم مني هدىً فمن اتَّبع هداي فلا يضلُّ ولا يشقى – ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى – قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً – قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) [ طه : 123-126 ] .


الجيل الأول من البشرية كان على التوحيد :

هبط آدم إلى الأرض ، وأنشأ الله من ذريته أمة كانت على التوحيد الخالص كما قال الله تعالى : ( كان النَّاس أمَّةً واحدة ً ) [ البقرة : 213 ] ، أي على التوحيد والدين الحق فاختلفوا ( فبعث الله النَّبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقَّ ليحكم بين النَّاس فيما اختلفوا فيه ) [ البقرة : 213 ] ، وفي حديث أبي أمامة أن رجلاً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله أنبي كان آدم ؟ قال : ( نعم ، مكلم ) قال : قال : فكم بينه وبين نوح ؟ قال ( عشرة قرون ) رواه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه . وقال ابن كثير : " هذا على شرط مسلم ، ولم يخرجه " . (1)

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال : ( وكان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ) . (2)
ومقدار القرن مائة سنة ، وعلى ذلك يكون بين آدم ونوح ألف سنة .
وقد تكون المدة بينهما أكثر من ذلك ، إذ قيد ابن عباس هذه القرون العشرة بأنها كانت على الإسلام ، فلا ينفي أن يكون بينهما قرون أخرى على غير الإسلام .وقد يكون المراد بالقرن الجيل من الناس كما قال تعالى : ( وكم أهلكنا من القُرُونِ من بعد نوحٍ ) [ الإسراء : 17 ] ، وقوله : ( ثمَّ أنشأنا من بعدهم قرناً آخَرِينَ ) [ نوح : 23 ] . (3)


أول انحراف عن العقيدة وأول رسول :

وبعد أن كان الناس أمة واحدة على التوحيد حصل الزيغ والانحراف ، وكان أول انحراف حدث هو الغلو في تعظيم الصالحين ، ورفعهم إلى مرتبة الآلهة المعبودة .
ففي صحيح البخاري من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عند تفسير قوله تعالى : ( وقالوا لا تذرُنَّ آلهتكم ولا تذرُنَّ ودّاً ولا سُواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ) [نوح : 23] . قال : " هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ، وانتسخ العلم ( نُسي ودرس ) عُبدت " . (4)
فهذا أول انحراف وجد في تاريخ البشرية عن التوحيد ، فأرسل الله إليهم أول رسله نوحاً عليه السلام مصداقاً لوعده الذي أعطاه لأبي البشر آدم بإرسال الرسل وإنزال الكتب هداية للبشرية .


والدليل على أن نوحاً كان أول رسول مبعوث حديث الشفاعة الثابت في الصحيح ، وفيه : ( أن الناس يأتون بعد آدم نوحاً فيقولون له فيما يقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى الأرض ، وسماك الله عبداً شكوراً ) (5) . والنصوص التي بين أيدينا من كتاب ربنا تدل دلالة واضحة على أن نوحاً قد دعا إلى التوحيد الخالص ، فقد قال لقومه : ( اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره إني أخافُ عليكم عذاب يومٍ عظيمٍ ) [ الأعراف : 59 ] ، وقال : ( أن لاَّ تبعدوا إلاَّ الله إني أخافُ عليكم عذاب يومٍ أليمٍ ) [ هود : 26 ] وقال : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره أفلا تتَّقون ) [ المؤمنون : 23 ] .

والذين استجابوا لدعوته للتوحيد هم ضعفاء الناس ، وتنكّر لها السادة والزعماء الذين يظنون في أنفسهم العقل والذكاء حيث استكبروا عن متابعة الحق : ( قال الملأ ُ من قومه إنَّا لنراك في ضلالٍ مُّبينٍ ) [ الأعراف : 60 ] والملأ المذكورون في الآية هم السادة والكبراء ، وقالوا له : ( وما نراك اتَّبعك إلاَّ الَّذين هم أراذلنا بادي الرَّأي ) [هود : 27] ؛ أي : اتبعوك بدون تأمل عميق ، وتفكير ونظر ، وهذا الذي رموهم به هو ما يجب أن يُمدحوا به ، فإن الحق إذا ظهر لا يحتاج إلى نظر ، بل يجب اتباعه .وتعجبوا أن يبعث الله رسولاً بشراً فقالوا : ( ما نراك إلاَّ بشراً مثلنا ) [هود:27] ، ( فقال الملأُ الَّذين كفروا من قومه ما هذا إلاَّ بشرٌ مثلكم يريد أن يتفضَّل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائِكةٍ ) [ المؤمنون : 24 ] ، وطلبوا منه أن يطرد الضعفاء والمساكين الذين تابعوه فرفض طلبهم ( وما أنا بطارد الَّذين آمنوا إنَّهم مُّلاَقُو ربهم ولكني أراكم قوماً تجهلون ) [ هود : 29 ] .


وقد تطاول الزمان وكثرت المجادلة بينه وبينهم كما قال الله تعالى : ( فلبث فيهم ألف سنةٍ إلاَّ خمسين عاماً ) [ العنكبوت : 14 ] فدعا عليهم : ( وقال نوحٌ رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديَّاراً – إنَّك إن تذرهم يضلُّوا عبادك ولا يلدوا إلاَّ فاجراً كفَّاراً ) [ نوح : 26-27 ] فأهلكهم الله بالطوفان : ( وقوم نوح لَّمَّا كذَّبوا الرُّسل أغرقناهم ) [ الفرقان : 37 ] ، وأنجى نوحاً والمؤمنين برحمة منه ، وخلت الأرض من الظالمين ، ولم يبق فيها إلا الموحدون ، فلما انحرفوا عن التوحيد أرسل الله إليهم رسولاً ( ثمَّ أنشأنا من بعدهم قرناً آخرين – فأرسلنا فيهم رسولاً منهم ) [ المؤمنون : 31-32 ] ، فدعاهم إلى توحيد الله ( أن اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره ) [ المؤمنون : 32 ] .

وهكذا استمرت رحمة الله وعنايته ببني آدم كلما ضلوا وزاغوا أنزل إليهم هُداه يضيء لهم الظلمات : ( ثُمَّ أرسلنا رسلنا تترا كلَّ ما جاء أمَّةً رَّسولها كذَّبوه فأتبعنا بعضهم بعضاً وجعلناهم أحاديث فبعداً لقومٍ لاَّ يؤمنون ) [ المؤمنون : 44 ] .

هذه هي قصة البشرية الحقيقية صراع طويل بين الحق والباطل ، بين الرسل الذين يعرضون الهدى والحق ، وبين الضالين المعرضين عن التوحيد المتمسكين بما ألْفَوْا عليه الآباء والأجداد ، وبأهوائهم ومعتقداتهم الباطلة : ( ألم يأتكم نَبَأُ الَّذين من قبلكم قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والَّذين من بعدهم لا يعلمهم إلاَّ الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردُّوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنَّا كفرنا بما أرسلتم به وإنَّا لفي شكٍ مّمَّا تدعوننا إليه مُريبٍ – قالت رسلهم أفي الله شكٌّ فاطر السَّماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجلٍ مُّسمّىً قالوا إن أنتم إلاَّ بشرٌ مثلنا تريدون أن تصدُّونا عمَّا كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطانٍ مُّبينٍ ) [ إبراهيم : 9-10 ] .


وبالتأمل في دعوة الرسل التي عرضها القرآن تتبين لنا الحقائق التالية :

الأولى : أن الله خلق الإنسان منذ البداية خلقاً سوياً مكتملاً لغاية محددة ، هي عبادته ، وأن خلقه مؤهلاً لذلك .

الثانية : أن الله عرفه على نفسه منذ البداية ، ولم يتركه لفكره يتعرف على ربه بطريق التفكير والتأمل ، بل أرسل إليه رسلاً ، وقد كان هؤلاء الرسل من الكثرة بحيث إنهم بلّغوا البشرية كلها ( وإن من أمَّةٍ إلاَّ خلا فيها نذيرٌ ) [ فاطر : 24 ] .لذا فإننا لا نعلم أسماء جميع الرسل الذين أرسلهم الله ( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم مَّن قصصنا عليك ومنهم مَّن لَّم نقصص عليك ) [ غافر : 78 ] .
ومما يدل على ذلك أن الأمم المكذبة في يوم القيامة تقر وتعترف بتبليغ الرسل لها دعوة الله قوله تعالى : ( كلَّما ألقى فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ – قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذَّبنا وقلنا ما نزَّل الله من شيءٍ إن أنتم إلاَّ في ضلالٍ كبيرٍ ) [الملك : 8-9]

وما هذا التتابع في إرسال الرسل على مدار التاريخ إلا رحمة من الله بعباده ، ووفاء بوعده الذي وعد به آدم أبا البشرية ، وإعذاراً منه لخلقه: ( لئلاَّ يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسل ) [النساء : 165]، ( وما كُنَّا معذبين حتَّى نبعث رسولاً ) [الإسراء :15 ] .

الثالثة : دعوة الرسل واحدة ، فأصل دعوتهم جميعاً ولبها التوحيد ، بتعريف الناس على ربهم ومعبودهم ، وبيان الطريقة التي يعبدونه بها .


الرابعة : أن دين الرسل جميعاً الإسلام لا دين لهم سواه : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) [ آل عمران : 85 ] فنوح يقول : ( وأمرت أن أكون من المسلمين ) [ يونس : 72 ] . وقال الله عن التوراة : ( يحكم بها النبيُّون الَّذين أسلموا للَّذين هادوا ) [ المائدة : 44 ] ، وقال موسى لقومه : ( إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكَّلوا إن كنتم مُّسلمين ) [ يونس : 84 ] ، وأمر الله خليله إبراهيم بالإسلام ، فقال : ( أسلمت لرب العالمين ) [ البقرة : 131 ] ، ( ووصَّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إنَّ الله اصطفى لكم الدين فلا تموتُنَّ إلاَّ وأنتم مُّسلمون ) [البقرة : 132].

وعندما سأل يعقوب بنيه عن معبودهم من بعده ( قالوا نعبد إلهك وإله آبائِك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون ) [ البقرة : 133 ] ، وملكة سبأ قالت : ( رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) [ النمل : 44 ] ، ويوسف كان من دعائه : ( توفَّني مسلماً وألحقني بالصالحين ) [ يوسف : 101 ] ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( والأنبياء إخوة لعلاّتٍ ، أمهاتُهم شتى ودينهم واحد ) . (6) (7)

وهذا التنوع الذي نراه في الشرائع لا يدل على أن دينهم كان مختلفاً ؛ لأن الله قد يشرع أمراً لحكمة ، ثم يشرع أمراً آخر في وقت آخر لحكمة أخرى ، بل قد يكون هذا في الشريعة الواحدة ، كما شرع الله في بداية الأمر الاتجاه إلى بيت المقدس في الصلاة ، ثم نسخ ذلك بأن أمر بالتوجه إلى البيت الحرام فكان الإسلام أولاً التوجه إلى القدس ، ثم أصبح التوجه إلى الكعبة ، وكذلك شرائع الأنبياء ، فالمتأخر ينسخ المتقدم ، وأصبحت الشريعة المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم هي الشريعة الخاتمة الناسخة لما قبلها من الشرائع .


الخامسة : ليس الترقي في الاعتقاد عبر القرون هو السبب في الشرك واتخاذ معبودات من دون الله كما ذهب إليه ( العقاد ) والذين تابعهم من الغربيين ، بل سبب انحراف أتباع الرسل عما جاءت به الرسل ، وتركهم ما جاءت به الرسل ( ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكاً ) [ طه : 124 ] ، واتباعهم الظن والهوى وتركهم الهدى : ( إن يتَّبعون إلاَّ الظَّنَّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من رَّبهم الهدى ) [النجم :23] ، ( ولا تتَّبعوا أهواء قومٍ قد ضلُّوا من قبل وأضلُّوا كثيراً وضلُّوا عن سواء السَّبيل ) [المائدة : 77] .

وقال في اليهود : ( فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ) [ المائدة : 13 ] ، وقال في النصارى : ( ومن الَّذين قالوا إنَّا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) [ المائدة : 14 ] وقال فيهم مبيناً انحرافهم عن التوحيد الذي أمروا به : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاَّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاَّ هو سبحانه عمَّا يشركون ) [ التوبة : 31 ] .

لذا فإن الرسل يتبرؤون من الذين انحرفوا عن منهجهم ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقٍ إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنَّك أنت علاَّم الغيوب – ما قلت لهم إلاَّ ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربَّكم ) [ المائدة : 116-117 ] .
تصورات الأمم الضالة للمعبود

لا نريد من وراء هذا البحث في هذا الموضوع أن نؤرخ للجانب المنحرف في العقيدة ، فذلك ليس في مكنة الباحث لكثرة أنواع الانحراف ، وما الفائدة من التأريخ للجانب المظلم والكفر ملة واحد ! إنما مرادنا من وراء ذلك أن ندرك شيئاً مما وقعت فيه الأمم ، كي نعلم القيمة العظيمة التي تمتاز بها العقيدة الإسلامية.
إنّ الذين يدركون الباطل ويعرفونه هم أقدر على معرفة الحقّ إذا اعتنقوه وإنّ الذين يتبعون الإسلام ولا يعلمون الجانب المقابل له ، وهو الباطل يخشى عليهم من الانزلاق في طرق الباطل ، وصدق عمر بن الخطاب حيث يقول : "توشك أن تنقض عُرى الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"، ولا شك أنّ الذي يعرف ظلام الليل أقدر على معرفة ضوء النهار ، والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى .

وقد أدرك هذه الحقيقة سيد قطب حيث يقول : " الإنسان لا يدرك ضرورة هذه الرسالة ، وضرورة هذا الانفكاك عن الضلالات التي كانت البشرية تائهة في ظلماتها ، وضرورة الاستقرار على يقين واضح في أمر العقيدة ... حتى يطّلع على ضخامة ذلك الركام ، وحتى يرتاد ذلك التيه ، من العقائد والتصورات ، والفلسفات والأساطير ، والأفكار والأوهام ، والشعائر والتقاليد ، والأوضاع والأحوال ، التي جاء الإسلام فوجدها ترين على الضمير البشري في كل مكان ، حتى يدرك حقيقة البلبلة والتخليط والتعقيد التي كانت تتخبط فيها بقايا العقائد السماوية التي دخلها التحريف والتأويل ، والإضافات البشرية إلى المصادر الإلهية والتي التبست بالفلسفات والوثنيات والأساطير " .

ونكتفي بثلاثة نماذج : واحد منها يمثل عقيدة دولة من الدول التي يعدها الناس متمدنة في القديم . والثاني انحراف أهل ديانة سماوية عن الحق . والثالث الوثنية العربية قبل عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .


الرّب عند الرومان (1)

يعد الباحثون الرومان من الأمم المتحضرة في القديم ، فلننظر إلى عقيدة هذه الأمة الضالة . يزعمون أنّ (( جوبيتر )) هو ربّ الأرباب عندهم ، وكانت صورته عندهم أقرب إلى صورة الشيطان منها إلى صورة الأرباب المنزهين ، فقد كان حقوداً لدوداً مشغولاً بشهوات الطعام والغرام ، لا يبالي من شؤون الأرباب والمخلوقات إلا ما يعينه على حفظ سلطانه والتمادي في طغيانه ، وكان يغضب على (( أسقولاب )) إله الطب ، لأنّه يداوي المرضى ، فيحرمه جباية الضريبة على أرواح الموتى الذين ينتقلون من ظهر الأرض إلى باطن الهاوية .

ويزعمون أنه كان يغضب على (( برومثيوس )) إله المعرفة والصناعة ، لأنّه يعلّم الإنسان أن يستخدم النّار في الصناعة ، وأن يتخذ من المعرفة قوة تضارع قوة الأرباب ، وقد حكم عليه بالعقاب الدائم ، فلم يقنع بموته ولا بإِقصائه عن حظيرة الآلهة ، بل تفنن في اختراع ألوان العذاب له ، فقيّده إلى جبل سحيق ، وأرسل عليه جوارح الطير تنهش كبده طوال النهار ، حتى إذا جنّ الليل عادت سليمة في بدنه ، لتعود الجوارح إلى نهشها بعد مطلع الشمس ... ، ولا يزال هكذا دواليك في العذاب الدائم مردود الشفاعة مرفوض الدعاء .

ومما تخيله الشاعر الوثني الفيلسوف (( هزيود )) عن علة غضب الإله على ((برومثيوس)) : أنّه قسم له نصيبه من الطعام في وليمة الأرباب ، فأكثر فيه من العظام ، وأقل فيه من اللحوم والشحوم ، فاعتقد (( جوبيتر )) أنه تعالى عليه بمعرفته وحكمته وفطنته ، لأنه اشتهر بين الآلهة بمعرفة وافرة وفطنة نافذة لم يشتهر بها الإله الكبير .


وقد اجتهد (هزيود) الشاعر الفيلسوف قصارى اجتهاده في تنزيه (( جوبيتر )) وتصويره للناس في صورة القداسة والعظمة ، تناسب صورة الإله المعبود بعد ارتقاء العبادة شيئاً ما في ديانة اليونان الأقدمين .
ومع ذلك فإن الباحثين الرومان يتحدثون عن (( جوبيتر )) أنّه كان يخادع زوجته (( هيرة )) ويرسل إله الغمام لمدارة الشمس في مطلعها حذراً من هبوب زوجته الغيرى عليه مع مطلع النهار ومفاجأته بين عشيقاته على عرش (( الأولمب )) .

وحدث مرة أنّها فاجأته وهو يقبل ساقيه (( جانيميد )) راعي الضأن الجميل الذي لمحه في الخلاء ، فاختطفه ، وصعد به إلى السماء ، .... فلم يتنصل (( جوبيتر )) من تهمة الشغف بساقيه ، ومضى يسوغ مسلكه لزوجته بما جهلته من لذة الجمع بين رحيق الكأس ورحيق الشفاه .
هذا نموذج للعقيدة الشركية الضالة صنعتها الخرافة والوهم ، فغدت أساطير . إنّ الآلهة عند الرومان آلهة متعددة تتصارع وتتقاتل ، ويعذب بعضها بعضاً ، وهي كالبشر تأكل وتشرب ، وتتزوج ، ويخون الإله زوجته ، ويلوط ويبرر خطأه ، فكيف يكون أثر هذه العقيدة في نفوس معتنقيها ؟ وكيف يكون أثرها في سلوكهم أفراداً ومجتمعات ؟ وأي قيم تقرها هذه العقيدة الشركية الضالة المنحرفة ؟
الإله عند اليهود (1)


حفلت ديانة بني إسرائيل – اليهودية – بالتصورات الوثنية وباللوثة القومية على السواء ، فبنو إسرائيل – وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام – جاءتهم رسلهم ، وفي أولهم إسرائيل ، بالتوحيد الخالص الذي علمهم إياه أبوهم إبراهيم ، ثم جاءهم نبيهم الأكبر موسى عليه السلام بدعوة التوحيد أيضاً مع الشريعة الموسوية المبنية على أساسه ، ولكنّهم انحرفوا على مدى الزمن ، وهبطوا في تصوراتهم إلى مستوى الوثنيات ، وأثبتوا في كتبهم ( المقدسة ) وفي صُلب التوراة أساطير وتصورات عن الله – سبحانه – لا ترتفع عن أحط التصورات الوثنية للإغريق وغيرهم من الوثنيين الذين لم يتلقوا رسالة سماوية ، ولا كان لهم من عند الله كتاب .

ولقد كانت عقيدة التوحيد التي أنزلها الله على إبراهيم عقيدة خالصة ناصعة شاملة متكاملة ، واجه بها الوثنية مواجهة حاسمة كما صورها القرآن الكريم ، ووصى بها إبراهيم بنيه كما وصى بها يعقوب بنيه قبل أن يموت : ( واتل عليهم نبأ إبراهيم – إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون – قالوا نعبد أصناماً فنظلُّ لها عاكفين – قال هل يسمعونكم إذ تدعون – أو ينفعونكم أو يضُّرون – قالوا بل وجدنا آبَاءنَا كذلك يفعلون – قال أَفَرَأَيْتُم مَّا كنتم تعبدون – أنتم وَآبَاؤُكُمُ الأقدمون – فإنَّهم عدوٌّ لي إلاَّ ربَّ العالمين – الذي خلقني فهو يهدين – والَّذي هو يطعمني ويسقين – وإذا مرضت فهو يشفين – والَّذي يميتني ثمَّ ُيحيين – والَّذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين – ربَّ هب لي حكماً وألحقني بالصَّالحين – واجعل لي لسان صدقٍ في الْآخِرِينَ ) [ الشعراء : 69-84 ] .


( ومن يرغب عن ملَّة إبراهيم إلاَّ من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنَّه في الآخِرَةِ لمن الصَّالحين – إذ قال له ربُّه أسلم قال أسلمت لربّ العالمين – ووصَّى بها إبراهيم بَنِيهِ ويعقوب يا بنيَّ إنَّ الله اصطفى لكم الدين فلا تموتُنَّ إلاَّ وأنتم مسلمون – أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لِبَنِيهِ ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبَائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون ) [البقر: 130-133] .
ومن هذا التوحيد الخالص وهذه العقيدة الناصعة وهذا الاعتقاد في الآخرة انتكس الأحفاد ، وظلوا في انتكاستهم حتى جاءهم موسى عليه السلام بعقيدة التوحيد والتنزيه من جديد ، ولكنهم لم يستقيموا عليها ، بل انحرفوا عنها .

ولقد بدأ انحرافهم وموسى عليه السلام بين أظهرهم ، من ذلك عبادتهم للعجل الذي صنعه لهم السامري من الذهب الذي حملوه معهم من حليّ نساء المصريين ( قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنَّا حملنا أوزاراً من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامريُّ – فاخرج لهم عجلاً جسداً لَّه خوارٌ فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي ) [ طه : 87-88] .

وقبل ذلك طلبوا من موسى – عليه السلام – أن يقيم لهم صنماً يعبدونه : ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قومٍ يعكفون على أصنامٍ لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلِهَةٌ قال إنّكم قومٌ تجهلون ) [ الأعراف : 138 ].

وحكى القرآن الكثير عن انحرافهم وسوء تصورهم لله – سبحانه – وشركهم ووثنيتهم ، فنسبوا لله الولد ( وقالت اليهود عزيز ابن الله ) [ التوبة: 30 ] ونعتوه – سبحانه – بالبخل والفقر : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلَّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) [ المائدة : 64 ] ، ( لَّقد سمع الله قول الذين قالوا إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍ ) [ آل عمران : 181 ] .


ومن لوثة القومية واعتقادهم أنّ إلههم قومي ، لا يحاسبهم بقانون الأخلاق إلا في سلوك بعضهم مع بعض ، أما الغرباء ( غير اليهود ) فهو لا يحاسبهم على سلوك معيب بهم .
من هذه اللوثة كان قولهم الذي حكاه القرآن الكريم : ( ومنهم مَّن إن تأمنه بدينارٍ لا يؤده إليك إلاَّ ما دمت عليه قائِماً ذلك بأنَّهم قالوا ليس علينا في الأمّيين سبيلٌ ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) [ آل عمران : 75 ] ، وقد تضمنت كتبهم المحرفة أوصافاً لإلههم لا ترتفع كثيراً على أوصاف الإغريق في وثنيتهم لآلهتهم .
جاء في الإصحاح الثالث من سفر التكوين : " بعد ارتكاب آدم لخطيئة الأكل من الشجرة ( وهي كما يقول كاتب الإصحاح شجرة معرفة الخير والشر ) وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار ، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط الجنة ، فنادى الرب الإله آدم ، وقال له : أين أنت ؟ فقال : سمعت صوتك في الجنة ، فخشيتك ، لأني عريان ، فاختبأت ، فقال : من أعلمك أنك عريان ؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها ؟ .

وقال الرب الإله : هوذا الإنسان صار كواحد منا عارفاً الخير والشر ، والآن لعله يمد يده ، ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ، أو يأكل ويحيا إلى الأبد ، فأخرجه الربّ الإله من جنة عدن ، ليعمل في الأرض التي أخذ منها ، فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ، ولهيب سيف متقلب لحراسة شجرة الحياة " .
واضح ما في هذه النقول من وصف الله – سبحانه – بالجهل ، وأنه لا يدري أين آدم حتى عرّفه هو ، وأنه كالبشر يتمشى كما يتمشى البشر ، وأن السبب في إخراج آدم من الجنة ليس هو معصية آدم لربه كما وضحه القرآن ، وإنما هو خوف الله تعالى من أن يأكل الإنسان من شجرة الحياة فيكون من الخالدين ! وأن الله لم يُعرّف الإنسان الخير والشر ، وإنما علم ذلك عندما أكل من الشجرة ، وكل ذلك كذب وافتراء على الله سبحانه وتعالى .


ويفهم من كلامهم أن حياة الله التي لا آخر لها إنما كانت بسبب أكله من شجرة الحياة – سبحانه – عما يقولون .وكما نسبوا إلى الله – سبحانه – الجهل نسبوا إليه الحزن والندم على فِعْلٍ فَعَلَه ، فهم يذكرون أنه حزن على خلق الإنسان لما كثر شرّه وفساده في عهد نوح : " ورأى الربّ أن شرّ الإنسان قد كثر في الأرض ، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم ، فحزن الربّ أنه عمل الإنسان في الأرض ، وتأسف في قلبه ، فقال الربّ : أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته . الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء ، لأني حزنت أني عملتهم ، وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب .

واستمع إلى هذه الخرافة التي وردت في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين : " بعدما عمرت الأرض بذرية نوح ، وكانت كلّها لساناً واحداً ولغة واحدة ، وحدث في ارتحالهم شرقاً أنهم وجدوا نعمة في أرض شنعار ، وسكنوا هناك ، وقال بعضهم لبعض : هلم نصنع لبناً ونشويه شياً ، فكان لهم اللبن مكان الحجر ، وكان لهم الحجر مكان الطين ، وقالوا : هلم نبني لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه في السماء ونصنع اسماً ، لئلا نتبدد على وجه كل الأرض .فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كانوا بنو آدم يبنونهما ، وقال الرب : هوذا شعب واحد ، ولسان واحد لجميعهم ، وهذا ابتداؤهم بالعمل ، والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه . هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم ، حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض ، فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض ، فكفوا عن بنيان المدينة ، لذلك دعي اسمها بابل ، لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض ، ومن هناك بددهم الرب على وجه الأرض " .


أي خرافة هذه التي تزوّر الحقيقة ، وتكاد تمحو معالمها !، وأي إله هذا الذي ترسمه هذه الخرافة ؟ هذا الإله الذي يخاف البشر ، ويخاف تكتلهم واجتماعهم ، فإذا به يحاربهم قبل أن تجتمع كلمتهم ، ويصلب عودُهم ، ويشتتهم في أقطار الأرض بعد أن يبلبل ألسنتهم .

ونسب اليهود إلى الله فعل الشر ، كما نسبوا إليه الندم على ما فعل ، ففي سفر صموئيل الثاني ، الإصحاح الرابع والعشرون : " فجاء الربّ وباء في إسرائيل من الصباح إلى الميعاد ، فمات من الشعب من دان إلى بئر السبع سبعون ألف رجل ، وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها ، فندم الرب على الشر . فقال للملاك المهلك الشعب : كفى الآن ، رويدك " .

فإذا تركنا ما حكاه القرآن عن ضلالة اليهود في وصفهم لربهم ، وما في التوراة من تحريف وزيف ونظرنا في ( التلمود ) وهو الكتاب الذي سطره علماء اليهود وحاخاماتهم ، وله من الأهمية في نظرهم فوق ما للتوراة ، لو نظرنا فيه لهالنا ذلك الضلال الذي وقع فيه اليهود لا في العقيدة فحسب ، بل في شتى مناحي الشريعة .
وسأكتفي بأن أنقل من كتاب (( الكنز المرصود في قواعد التلمود )) ما يتعلق بالعزة الإلهية ، فمن ذلك أن الله عندهم يحتاج إلى أن يقرأ ويتعلم ، كما أنه يهزل ويلعب سبحانه وتعالى ، فقد ورد في تلمودهم (( أن النهار اثنتا عشرة ساعة : في الثلاثة الأولى منها يجلس ويطالع الشريعة ، وفي الثلاثة الثانية يحكم ، وفي الثلاثة الثالثة يطعم العالم ، وفي الثلاثة الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت ملك الأسماك )) .
واسمع ما هو أدهى وأعظم : " أنه لا شغل لله غير تعلمه التلمود مع الملائكة " ، وليس الملائكة فقط ، بل مع ( أسمودية ) ملك الشياطين في مدرسة السماء .


وما الحوت الذي يلعب معه الرب ؟ إنه حوت كبير جداً يمكن أن يدخل في حلقه سمكة طولها ثلاثمائة فرسخ بدون أن تضايقه ، وبما أن له هذا الحجم فإن الله خاف إذا ما تناسل أن يهلك الدنيا ، ولذا فإنه رأى أن يحرمه زوجته ، لأنه لو لم يفعل ذلك لامتلأت الدنيا وحوشاً أهلكت من فيها ، ولذلك حبس الله الذكر بقوته الإلهية ، وقتل الأنثى وملحها وأعدها لطعام المؤمنين في الفردوس .

ويضيفون إلى هذه الخرافات التي أصبحت عقائد لهم أن : " الله لم يلعب مع الحوت بعد هدم الهيكل ، ولم يمل بعدم هدم الهيكل إلى الرقص مع حواء بعدما زينها بملابسها ، وعقص لها شعرها " .
تباً لهم وبُعداً ، إنهم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل ، قول الأمم الضالة المشركة ، فإلههم حسب تصورهم لا يختلف عن البشر ، يفكر تفكيرهم ، ويفعل فِعلهم ، يلعب ، ويرقص ، ويحزن ، ويبكي ، على ماذا ؟ على هدم هيكل اليهود الذي بناه لهم سليمان .

والهيكل يرمز إلى مجد اليهود وقد جعلوا الله من ذلك التاريخ الذي هُدم فيه الهيكل إلى اليوم يبكي ثلاثة أرباع الليل يزأر كالأسد قائلاً : " تباً لي لأني صرّحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي " .
بل يغالون في التحريف والتدجيل ، فيقولون : إن الله تضاءلت ذاته – سبحانه وتعالى – عما يقولون علواً عظيماً – بسبب حزنه على خراب الهيكل " وشغل الله مساحة أربع سماوات بعد أن كان ملء السماوات والأرض في جميع الأزمان " .
ويصفون العلي المجيد بأنه يحقر نفسه – سبحانه – عندما يمجّده عباده – ويقصدون بهم اليهود طبعاً – " ولما يسمع الباري – تعالى – تمجيد الناس له ، يطرق رأسه ويقول : ما أسعد الملك الذي يمدح ويبجل مع استحقاقه لذلك ، ولكن لا يستحق شيئاً من المدح الأب الذي يترك أولاده في الشقاء " .قاتلهم الله أنّى يؤفكون .


ومما افتروه على ربّ العزة – جلّ وتقدّس عما يقولون – أنه يلطم ويبكي ، وتتساقط دموعه ، كل ذلك على شقاء اليهود وما حلّ بهم . " يتندم الله على تركه اليهود في حالة التعاسة ، حتى إذا يلطم ويبكي كل يوم ، فتسقط من عينه دمعتان في البحر ، فيسمع دويهما من بدء العالم إلى أقصاه ، وتضطرب المياه ، وترتجف الأرض في أغلب الأحيان ، فتحصل الزلازل " .

وينسبون إليه الخطأ والاعتراف بالذنب ، والتكفير عن الذنب ، فيزعمون كذباً وزوراً أن القمر خطأ الله سبحانه ، وقال للرب – سبحانه – عما يقولون : " أخطأت حيث خلقتني أصغر من الشمس ، فأذعن الله لذلك ، واعترف بخطئه ، وقال : اذبحوا لي ذبيحة أكفر بها عن ذنبي ، لأني خلقت القمر أصغر من الشمس " ولا أدري كيف ساغ أن يزعموا أن الله يكفِّر ، وترى لمن يكفر ؟!

إن العقول التي تفتري هذا الافتراء سخيفة سخافة كبيرة ، وإن العقول التي تؤمن بهذه السخافة وتصدقها لا تقل عنها سخافة ، والحمد لله الذي هدانا للحق والنور المبين .

ومن جملة سخافاتهم التي هي عقائد عندهم " أن الله يستولي عليه الطيش ، كما حصل ذلك منه يوم غضب على بني إسرائيل ، وحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية ، ولكنه ندم على ذلك بعد ذهاب الطيش منه ، ولم ينفذ ذلك اليمين لأنه فَعَلَ ضد العدالة " .

ولم يقف الأمر عند كونه يحلف ، ويحلف جهلاً وطيشاً ، ويظلم ويكفِّر ، بل زعموا أنه يحتاج إلى التكفير عن يمينه ، فقد جاء في تلمودهم " إن الله إذا حلف يميناً غير قانونية احتاج إلى من يحلله من يمينه ، وقد سمع أحد العقلاء من الإسرائيليين أن الله تعالى يقول : من يحللني من اليمين التي أقسمت بها ؟ ولما علم باقي الحاخامات أنه لم يحلله منها اعتبروه حماراً ، لأنه لم يحلل الله من يمينه ، ولذلك نصبوا ملكاً بين السماء والأرض اسمه (مي) لتحليل الله من أيمانه ونذوره عند اللزوم " . (2)


هذه نماذج من العقيدة اليهودية المحرفة المزيفة التي تشكل قاعدة دينهم ، وهي لا تقل في انحطاطها عن أساطير الإغريق والوثنيين في آلهتهم .
انحراف العرب عن التوحيد

كان العرب على دين التوحيد دين أبيهم إبراهيم عليه السلام ، واستمروا على ذلك إلى ما قبل البعثة بأربعمائة سنة حيث ظهر فيهم رئيس مسموع الكلمة مطاع لا يخالَف ، فغير دينهم ، ذلك هو عمرو بن عامر الخزاعي .

ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قُصْبَهُ في النار ، كان أول من سيب السوائب ) (1) ، وفي صحيح البخاري أيضاً عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً ، ورأيت عمراً يجر قُصْبَهُ ، وهو أول من سيب السوائب ) . (2)

فعمرو هذا غيّر دين العرب بدعوتهم لعبادة الأصنام ، وباستحداث بدع في دين الله تعالى ، أحلّ فيها وحرّم بهواه ، ومن ذلك ما ذكره الله في كتابه : ( ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائِبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ ولكنَّ الَّذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) [ المائدة : 103 ] . (3)
وتختلف الروايات في الكيفية التي نشر عمرو بها الأصنام في الجزيرة العربية ، فمن قائل إنّ عمراً كان له رئيٌ من الجن هو الذي دله على الأصنام التي كانت مدفونة منذ عهد نوح ، وكان قوم نوح يعبدونها ، فاستخرجها عمرو ، ووزعها في العرب ، وقيل : إنه جاء بالأصنام من بلاد الشام ، عندما رآهم يعبدونها ، فطلب منهم صنماً ، فأعطوه واحداً نصبه بمكة (4) .


والسبب في أن العرب تابعت عمرو بن لحي أنه كان ذا مكانة فيهم ، فقد كان سيد خزاعة في حال غلبتها على مكة وعلى البيت بعد أن نفت قبيلة جرهم من مكة ، وكانت العرب قد جعلته رباً ، لا يبتدع بدعة إلا اتخذوها شرعة ، لأنه كان يطعم الناس ويكسوهم في الموسم ، فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة ، وكسا عشرة آلاف حلة .

ويقال : إن عمراً هذا هو الذي دعا الناس إلى عبادة اللات ، وكان رجلاً يلت السويق للحاج بالطائف على صخرة هناك ، فلما مات زعم عمرو بن لحي أنه لم يمت ، وأنه دخل في الصخرة التي يلت عليها ، وأمرهم بعبادتها .ومما يذكر عنه أيضاً أنه هو الذي غير التلبية التي كانت تعلن التوحيد لله وحده ، فقد كانت التلبية من عهد إبراهيم عليه السلام ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ) واستمر الحال حتى كان عمرو بن عامر ، فبينما هو يطوف بالكعبة يلبي تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلبي معه ، فقال : ( لبيك لا شريك لك ) ، فقال الشيخ : إلا شريكاً هو لك ، فأنكر هذا عمرو ، فقال : ما هذا ؟ فقال الشيخ : قل تملكه وما ملك ، فإنه لا بأس بهذا ، فقالها عمرو ، فدانت بها العرب .

بداية الانحراف :
ويذكر لنا ابن إسحاق كيف كانت بداية الانحراف عند العرب من نسل إسماعيل عليه السلام في عبادتهم الأحجار ، فقد كان (( أول أمرهم أنهم كانوا يعظمون الحرم ، فلا يرتحلون منه حتى كثروا وضاق بهم ، فأخذوا يرتحلون عنه طالبين السعة والفسح في البلاد ، فكان لا يظعن ظاعن منهم عن الحرم إلى غيره إلا حمل معه حجراً من حجارة الحرم تعظيماً له ، فحيث ما نزلوا وضعوه ، فطافوا به كطوافهم بالكعبة ، ثم أدى بهم ذلك إلى عبادة هذه الأحجار ، ثم كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة )) (5) .


وانظر إلى ما صار إليه أمرهم وحالهم : عن أبي رجاء العطاردي قال : " كنا نعبد الحجر في الجاهلية ، فإذا وجدنا حجراً أحسن منه نلقي ذلك ونأخذه ، فإذا لم نجد حجراً جمعنا حثية من تراب ، ثم جئنا بغنم فحلبنا عليه ثم طفنا به " .
ومن عجائب أمر الجاهلية أن الرجل منهم كان إذا سافر حمل معه أربعة أحجار ، ثلاثة لقدره والرابع يعبده .


أصنام العرب :

واتخذوا الأصنام والأوثان ، قال هشام بن محمد السائب الكلبي : " وكان من أقدم أصنامهم (مناة) ، وكان منصوباً على ساحل البحر الأحمر من ناحية (المشلل) بقديد بين مكة والمدينة ، وكانت العرب جميعاً تعظمه ، وكانت الأوس والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من المواضع يعظمونه ويذبحون له ، ويهدون له ، ولم يكن أحد أشد إعظاماً له من الأوس والخزرج ، وبلغ من تعظيم الأوس ومن جاورهم من عرب يثرب له أنهم كانوا يحجون ، فيقفون مع الناس المواقف كلها ، ولا يحلقون رؤوسهم ، فإذا نفروا أتوه فحلقوا عنده رؤوسهم ، وأقاموا عنده لا يرون لحجمهم تماماً إلا بذلك .

وكانت (مناة) لهذيل وخزاعة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً عام الفتح فهدمها ، ثم اتخذوا (اللات) بالطائف وهي أحدث من مناة ، وكانت صخرة مربعة ، وكانت سدنتها من ثقيف ، وكانوا قد بنوا عليها ، وكانت قريش وجميع العرب يعظمونها ، وبها كانت تسمى زيد اللات ، وتيم اللات ، وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم ، فم تزل كذلك حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة ابن شعبة ، وأبا سفيان بن حرب لما أسلمت ثقيف ، فهدماها وحرقاها بالنار .
غير أن ابن جرير يروي في تفسيره عن مجاهد في قوله تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمُ الَّلات والعُزَّى ) [ النجم : 19 ] قال : كان اللات يلت السويق للحاج ، فمات فعكفوا على قبره ، وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس : كان يلتّ السويق للحاج . رواه البخاري بنحوه .


ثم اتخذوا (العزى) وهي أحدث من اللات ، اتخذها ظالم بن سعد بوادي نخلة فوق ذات عرق ، وبنوا عليها بيتاً ، فكانوا يسمعون منها الصوت ، قال الكلبي فيما يرويه عن ابن عباس قال : كانت للعزى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة .
فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد فقال : ائت بطن نخلة ، فإنك ستجد ثلاث سمرات ، فاعضد الأولى ، فأتاها فعضدها ، فلما جاء إليه قال : هل رأيت شيئاً ؟ قال : لا . قال : فاعضد الثانية ، فعضدها ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال : هل رأيت شيئاً ؟ قال لا ، قال : فاعضد الثالثة ، فأتاها فإذا هو بحبشية نافشة شعرها واضعة يديها على عاتقها تضرب بأنيابها وخلفها سادنها ، فقال خالد :
كفرانك لا سبحانك ، إني رأيت الله قد أهانك .

ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حممة ، ثم عضد الشجرة ، وقتل السادن ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : ( تلك العزى ، ولا عزى بعدها للعرب ) . وكانت العزى لأهل مكة في موضع قريب من عرفات ، وكانت شجرة يذبحون عندها ويدعون .

وقال الكلبي في كتابه ( الأصنام ) : " وكانت لقريش أصنام في جوف الكعبة وحولها ، وأعظمها عندهم (هبل) ، وكان فيما بلغني من عقيق أحمر على صورة الإنسان ، وكانوا إذا اختصموا في أمر أو أرادوا سفراً أتوه ، فاستقسموا عنده بالقداح .

ومن أصنامهم إساف ونائلة ، ويروي بعض الرواة أن رجلاً وامرأة زنيا في البيت الحرام ، فمسخهما الله حجرين ، ووضعتهما قريش عند الكعبة ليتعظ بهما الناس ، فلما طال مكثهما وعبدت الأصنام عبدا معها .


ولما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة وجد حول البيت ثلاثمائة وستين صنماً ، فجعل يطعن بقوسه في وجوهها وعيونها ويقول : ( جاء الحقُّ وزهق الباطل إنَّ الباطل كان زهوقاً ) [ الإسراء : 81 ] ، ( جاء الحقُّ وما يُبدئُ الباطل وما يُعيد ) [ سبأ:49] وهي تتساقط على رؤوسها ، ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وحرقت . أخرجاه في الصحيحين عن ابن مسعود بنحوه ولم يذكرا " وهي تتساقط ... إلخ " وعندهما يطعنها بعود كان في يده .

وقد انتشرت عبادة الأصنام حتى إنه كان لكل دار في مكة صنم يعبده أهلها ، فإذا أراد أحدهم السفر فكان أول ما يصنع في منزله أن يتمسح به ، وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به .
قال ابن إسحاق الكلبي : " وكان ( ذو الخلصة ) لدوس وخثعم وبجيلة ومن كان ببلادهم من العرب ، وكان مَرْوَةً بيضاء منقوشاً عليها كهيئة التاج ، وكان له بيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله البجلي Sad ألا تكفيني ذا الخلصة؟ ) فسار إليه بأحمس ، فقاتلته خثعم وباهلة ، فظفر بهم ، وهدم بيت ذي الخلصة وأضرم فيه النار " .

وفي البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا تريحني من ذي الخَلصَةَ ) ، وكان بيتاً في خثعم يسمى الكعبة اليمانية ، فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس إلى ذي الخلصة ، وكانوا أصحاب خيل ، فقلت : يا رسول الله ، إني لا أثبت على الخيل ، فضرب بيده في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري وقال : ( اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً ) ، فانطلق إليها فكسرها .
والأصنام التي كانت منتشرة في الجاهلية أكثر من هذا الذي ذكرناه .


ظلمة دامسة عند البعثة :


ولم يكن قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من بقايا النور السماوي الذي جاءت به الأنبياء إلا أضواء خافتة لا تكفي للهداية والاستقامة على المنهج الرباني ، لضياع ذلك المنهج واختلاطه بذلك الباطل الكثير ، وفي الحديث : ( إن الله نظر – قبيل البعثة – إلى أهل الأرض ، فمقتهم عربهم وعجمهم ، إلا بقايا من أهل الكتاب ) .

وقد حفظت لنا النصوص التاريخية أن أربعة من عقلاء قريش اعتزلوا قومهم في أحد أعياد قريش عند وثن من الأوثان ، وهم ورقة بن نوفل ، وعبيد الله بن جحش ، وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى ، وزيد بن عمرو بن نفيل .

فقال بعضهم لبعض : تعلمون والله ما قومكم على شيء ، ولقد أخطؤوا دين أبيهم إبراهيم ، ما حجر نطيف به ، لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ؟ يا قوم التمسوا لأنفسكم دينا ، فإنكم – والله – ما أنتم على شيء ، فتفرقوا في البلدان يلتمسون دين إبراهيم .

فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية ، واتبع الكتب من أهلها ، حتى علم علماً من أهل الكتاب .
وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة ، فلما قدمها تنصر ، وترك الإسلام حتى هلك نصرانياً .

وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم فتنصر ، وحسنت منزلته عنده .
وأما زيد فوقف ، فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية ، وفارق قومه ، فاعتزل الأوثان ، واجتنب الميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ، ونهى عن قتل الموءودة ، وقال أعبد رب إبراهيم ، وبدأ قومه بعيب ما هم عليه .


وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح ( واد غربي مكة ) قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي ، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة ، فأبى أن يأكل منها ، ثم قال زيد : إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه ، وإن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ، ويقول : الشاة خلقها الله ، وأنزل لها من السماء ماء ، وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله ؟ إنكاراً لذلك وإعظاماً له )) (6) .

قال موسى بن عقبة حدثني سالم بن عبد الله – ولا أعلمه يحدث به إلا عن ابن عمر – (( إن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه ، فلقي عالماً من اليهود ، فسأله عن دينهم فقال : إني لعلي أن أدين دينكم ، فأخبرني ، فقال : لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله ، قال زيد : ما أفر إلا من غضب الله ، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً ، وأنى أستطيعه ! فهل تدلني على غيره ؟ قال : ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً ، قال زيد : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم ، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ، ولا يعبد إلا الله .
فخرج زيد فلقي عالماً من النصارى ، فذكر مثله . فقال : لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نظرة في تاريخ العقيدة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع (نظرة في تاريخ وعمر علم الاجتماع)
» تاريخ دول عربية تاريخ ليبيا (من جزئين الجزء الثاني والاخير)
» نظرة عامة على الجيشين
» تاريخ دول عربية تاريخ الإمارات
» تاريخ دول عربية تاريخ الأردن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: