محن المسلمين

إن العالم الإسلامي يمر في هذه الأيام بمرحلة من أسوأ مراحله التاريخية إن لم يكن ما مر به في تاريخه كله 0
لم تكن الأزمات الماضية واليوم تصيب المسلمين كلهم في وقت واحد في كل بقاع الأرض كما هو الحال في هذه المرة 0
إنهم يذبحون في كل مكان ويستخدم معهم ابشع انواع العذاب التقتيل والتعذيب والتشريد 0 لم يكن الذل والهوان والضياع يشمل الأمة الإسلامية كلها كما يشملها هذه المرة 0
فإذا كانت نكبة الأندلس مثلا تعتبر من اسوأ ما مر بالمسلمين في القرون الماضية فنكبة فلسطين أسوأ 0
فحينما كان ظل المسلمين يتقلص عن الأندلس كانت الدولة العثمانية الفتية تقتحم الفسطنطينية وتجعل منها الخلافة الإسلامية ثم تتوغل بجيوشها في اوروبا حتى تصل الى فينا وبطرسبورغ 0
ومأساة المسلمين في اوروبا تكتشف من ورائها مدى الحقد الصليبي على الإسلام كما اعلنها الرئيس الأمريكي الإبن جورج بوش بعد احداث سبتمبر
الحرب الصليبي على الإسلام وفي اليوم التالي قال انها ذلة لسان بعدما وجد استنكارا من جميع الدول العربية والإسلامية على هذا التصريح ولكنها ليست ذلة لسان وإنما هذه هي الحقيقة لأن التاريخ قد اثبت ذلك بالنسبة للمجازر التي ارتكبت في افغانستان والعراق على يد القوات الأمريكية والبريطانية وقوات الدول الأوروبية المتحالفة مع امريكا وزرع الفتن 0
ومن هنا إن ما اصاب من يعض الدول العربية والإسلامية من المحن والضعف والهوان والذل الإكتفاء بإصدار بيانات الشجب والاستنكار التي عودهم عليها الغرب وزرع الفتنة بينهم0
(اللهم احفظ الأمة الإسلامية من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يخرج المسلمين من هذه الفتن المتلاحقة وأن يردهم الى دينهم ردا جميلا إنه سميع عليم)
ومن هذه المحن :ـ
اولا ـ احتلال اليهود لأرض فلسطين واستيلائهم على المسجد الأقصى
ثاتيا ـ ضعف المسلمين 0
ثالثا ـ فرقة المسلمين وانقسامهم على انفسهم 0
رابعا ـ محنة اليأس الذي اصاب اكثر المسلمين 0
خامسا ـ محنة المباديء الهدامة 0
سادسا ـ محنة الجهل بالإسلام 0
سابعا ـ محنة الفسق العام 0
ثامنا ـ انحراف المرأة المسلمة 0
اولا :ـ احتلال احتلال اليهود لأرض فلسطين واستيلائهم على المسجد الأقصى/
لاشك ان محنة قهر اليهود للمسلمين كل المسلمين باحتلال فلسطين والمسجد الأقصى اولى القبلتين وثالث الحرمين والتحكم في امة كبيرة لاشك انها محنة شديدة الوطأة على النفوس قاسية على القلوب دونها كل المحن ,لأن اليهود أعداء الله هم اشد أعداء المسلمين عليهم وأقساهم كما قال الله تعالى (لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) (المائدة : 82)
ومن اقسى المحن ولاشك ان يقهر المرء عدوه ويذله ويهينه ويتحكم فيه وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قهر الرجال من حديث انس رضي الله عنه قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال) ضلع الدين : أي ثقله وشدته , غلبة الرجال : أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا 0
ان هذه المحنة التي اصابت الفلسطينيين والمسلمين في ارض فلسطين حيث قتلوا وشردوا واستبيحت حرماتهم وجرفت وصودرت اراضيهم وهدمت بيوتهم ودنست مقدساتهم الإسلامية 0
ومما زاد من ثقل المحنة ان العدو هو اذل الناس واقلهم شأنا وارخصهم جنسا 0
لذا فلابد من مقاومة هذا العدو وبإذن الله اجلها لآت قريب لاريب فيه إذ قال الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم (لتقاتلن اليهود ثم لتسلطن عليهم حتى يقول الشجر والحجر : يامسلم هذا يهودي ورائي فاقتله)
ثاتيا ـ ضعف المسلمين
إن من اول محنة اصابت المسلمين كانت ضعفهم الروحي والمادي معا 0
الضعف الروحي /
فقد بعض المسلمون بصفة عامة ثقتهم بالله تبارك وتعالى فما اصبح منهم ان يعول على الله عز وجل في أي مهمة يراد لهم القيام بها ولايتوكلون عليه في أي عمل تتطلبه الحياة منهم فقعدوا عن طلب الوحدة والاتحاد وهو واجب عليهم
وتركوا الأخذ بأسباب التكتل والتجمع المفروض عليهم والضروري لبقائهم وقوتهم 0
وبه ايضا تركوا فريضة الجهاد التي هي اكبر سهم في الإسلام ورضوا بأن يعيشوا اتباعا للمعسكرات الشرقية والغربية 0
الضعف المادي /
لايقل ضعفا عن الجانب الروحي فتراهم بعضهم يعيشون فقراء الى اعدائهم الذين اصبحوا بحكم الإحتياج اليهم سادة لهم مفتقرين اليهم في كل شيء حتى لقمة العيش احيانا فضلا عن سلاحهم وعتادهم ومن مستلزمات الحياة اليومية 0
فكان من هذا الضعف الروحي والمادي من اعظم المحن التي اصابت المسلمين واقساها على الإطلاق 0
وللخروج من هذه المحنة ايجاد القوة المفقودة في المجالين الروحي والمادي وهذا ما يجب ان يعمل له المصلحون من هذه الأمة الإسلامية 0
لاشك بأنها محنة قاسية والخروج منها لايتأتى إلا بإيجاد هذا المفقود من القوتين الروحية والمادية معا وذلك بالجهد والجهاد والتضحية ولا الإستسلام لبعض الأنفس المريضة التي تقول بأن المسلمين ليسوا بأهل له ولا القيام به 0
ولكن بيد ان طاقة الإيمان والحمد لله موجودة بإذن الله وما زالت تكمن في نفوسهم وهي كفيلة بدفعهم الى حيث النهوض والقوة متى فجرت بحكمة وسخرت بعلم , ولتقلب هذه الأوضاع الفاسدة الغريبة رأسا على عقب ولتحيل الضعف الى قوة والذل الى عز والهوان الى كرامة ويومئذ يفرح المسلمون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم 0
ثالثا ـ فرقة المسلمين وانقسامهم على انفسهم
فرقة المسلمين كانت وما زالت السبب الأول في ضعفهم وعجزهم وانهزامهم في كل معارك الحياة 0
انها فرقة خطيرة قسمت الأمة الواحدة الى امم والدولة الى دويلات والجماعة الواحدة الى جماعات والطريقة الواحدة الى طرق 0
وياللأسى والأسف معا وسبحان الله كيف رضي المسلمون لأنفسهم مع ان العقول قد اطبقت والشرائع الإلهية كلها قد اجمعت على ضرر الفرقة واعتبرتها محنة تصاب بها الأمم والشعوب فتدمرها وتقضي على حياتها ووجودها والقرآن الكريم يحذر المسلمين من الوقوع بها فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات , وأولئك لهم عذاب عظيم) (آل عمران :105)
ويقول الله تعالى (إن الذين فرقوا دينهم شيعا لست منهم في شيء) (الأنعام:105) ويقول الله (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) (الأنعام :153)
الفرقة والاختلاف من طبائع البشر ,ومن مقتضيات وجودهم وحياتهم قال تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) (هود :119)
وهذه الفرقة وهذا الاختلاف مردهما الى تباين العقول واختلاف المدارك والفهوم والى تعدد المصالح واختلاف الأغراض واختلاف الاستعدادات النفسية والجسمانية ايضا 0
غير ان لسلطان الإيمان على النفوس وهيمنة روح الإخلاص على العمل والسلوك من الأثر الكبير ما يحول بإذن الله تعالى دون الفرقة والاختلاف في الجماعة السعيدة والأمة المرحومة وهذا وجه الاستثناء في قوله تعالى (إلا من رحم ربك)في آية (ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك) (هود :119) 0
أي فإنهم لايختلفون لوجود المانع من ذلك وهو الإيمان الصادق والإخلاص التام في اعمالهم لله تعالى 0
اما قوله ولذلك خلقهم ففيه اشارة الى الاختلاف الذي يقتضيه تباين العقول وتعدد المصالح وتنوع الأغراض 0
فإذا وجد المقتضي وعدم المانع كان الخلاف حتما , عرف هذه الحقيقة بوحي من الله ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقررها في قوله من رواية الترمذي (ليأتين على امتي كما أتى على بني اسرائيل حذو النعل بالنعل 00 وإن بني اسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة , وستفرق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة 0قالوا وما هي يارسول الله ؟ قال : من كان على ما أنا عليه وأصحابي)
فذكر ان الفرقة لا محالة وقد كانت وان (72) ملة هالكة واستثنى من العدد (73) ملة واحدة فهي ناجية مرحومة وذلك لاجتماعها على الحق الذي كان عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه فلم تتقاسمها الأهواء ولا المذاهب ولا الطرق وانما اجتمعت على دين الله ولم تختلف فيه لسلطان الإيمان وروح الإخلاص في العمل لله تعالى 0
وإذا بحثنا عن عوامل الفرقة الكائنة اليوم بين المسلمين فنجدها تدور على خمسة اسباب منها
السياسة وتنازع الحكم 0
عصبية الجنس أو الحزب والمبدأ0
عصبية المذاهب في الأصول والفروع0
القول في دين الله بالرأي والحكم فيه بالهوى0
دسائس اعداء الإسلام وكيدهم المتواصل للإسلام والمسلمين 0
هذه من اهم عوامل الفرقة والاختلاف بين المسلمين 0
لذا فلا بد من القضاء على تلك النعرات السياسية والحزبية والمذهبية والطائفية التي يدسها العدو في صفوف المسلمين والهدف منها هو الاقتتال والتناحر والعمل على الفرقة 0
لذا يجب على العمل بالوعي الصحيح والتعليم الهادف والتوجيه الصحيح القضاء على الفرقة والخلاف والعودة بالمسلمين الى اصل الدين الإسلامي وهما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تعلما وتعليما وعملا 0
وكذلك عن طريق التوعية والتربية الإسلامية وتعميق معاني الإخاء الإسلامي في النفوس وغرس الفضائل الخلقية في القلوب ووضع الخطوط العريضة للوحدة بين المسلمين والتعاون افرادا وجماعات والمتمثلة في قوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) (الحجرات : 10) وقوله تعالى (إن اكرمكم عند الله اتقاكم) 0الحجرات : 13 وقوله تعالى (إن هذه امتكم امة واحدة) (الأنبياء : 92) وقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) (المائدة: 2) وفي مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم) (والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وقوله (مثل المؤمن في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)
فإذا تعاونت وتظافرت جميع الجهود الإسلامي والعربية على التوحد فقد نجت هذه الأمة بإذن الله من هذه المحنة القاسية 0