ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 جرير الشاعر / الجزء التاسع (البداية والنهاية)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

جرير الشاعر / الجزء التاسع (البداية والنهاية) Empty
مُساهمةموضوع: جرير الشاعر / الجزء التاسع (البداية والنهاية)   جرير الشاعر / الجزء التاسع (البداية والنهاية) Emptyالأربعاء ديسمبر 30, 2009 4:55 am

جرير الشاعر / الجزء التاسع (البداية والنهاية) Kunoooz13549c953f
جرير الشاعر
وهو جرير بن الخطفي، ويقال: ابن عطية بن الخطفي، واسم الخطفي: حذيفة بن بدر بن سلمة عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، أبو حرزة الشاعر البصري.
قدم دمشق مرارا، وامتدح يزيد بن معاوية والخلفاء من بعده، ووفد على عمر بن عبد العزيز، وكان في عصره من الشعراء الذين يقارنونه الفرزدق والأخطل، وكان جرير أشعرهم وأخيرهم.
قال غير واحد: هو أشعر الثلاثة.
قال ابن دريد: ثنا الأشنانداني، ثنا الثوري، عن أبي عبيدة، عن عثمان البني، قال: رأيت جريرا وما تضم شفتاه من التسبيح، فقلت: وما ينفعك هذا؟ فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد إن الحسنات يذهبن السيئات، وعد من الله حق.
وقال هشام بن محمد الكلبي، عن أبيه، قال: دخل رجل من بني عذرة على عبد الملك بن مروان يمتدحه بقصيدة، وعنده الشعراء الثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل، فلم يعرفهم الأعرابي، فقال عبد الملك للأعرابي: هل تعرف أهجى بيت قالته العرب في الإسلام؟
قال: نعم ! قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فقال: أحسنت ! فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟
قال: نعم ! قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح
فقال: أصبت وأحسنت ! فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟
قال: نعم ! قول جرير:
إن العيون التي في طرفها مرض * قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به * وهن أضعف خلق الله أركانا
فقال أحسنت ! فهل تعرف جريرا؟
قال: لا والله وإني إلى رؤيته لمشتاق.
قال: فهذا جرير وهذا الفرزدق وهذا الأخطل، فأنشأ الأعرابي يقول:
فحيا الإله أبا حرزة * وأرغم أنفك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به * ورقَّ خياشيمه الجندل
فأنشأ الفرزدق يقول:
يا أرغم الله أنفا أنت حامله * يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حكومته * ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
ثم أنشأ الأخطل يقول:
يا شر من حملت ساق على قدم * ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا * في معشر أنت منهم إنهم سفل
فقام جرير مغضبا وقال:
أتشتمان سفاها خيركم حسبا * ففيكم -وإلهي - الزور والخطل
شتمتماه على رفعي ووضعكما * لا زلتما في سفال أيها السفل
ثم وثب جرير فقبل رأس الأعرابي، وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له، وكانت خمسة آلاف، فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي، فقبض الأعرابي ذلك كله وخرج.
وحكى يعقوب بن السكيت: أن جريرا دخل على عبد الملك مع وفد أهل العراق من جهة الحجاج فأنشده مديحه الذي يقول فيه:
ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راح فأطلق له مائة ناقة وثمانية من الرعاء أربعة من النوبة وأربعة من السبي الذين قدم بهم من الصغد.
قال جرير: وبين يدي عبد الملك جامان من فضة قد أهديت له، وهو لا يعبأ بها شيئا، فهو يقرعها بقضيب في يده، فقلت: يا أمير المؤمنين المحلب، فألقى إلي واحدا من تلك الجامات، ولما رجع إلى الحجاج أعجبه إكرام أمير المؤمنين له فأطلق الحجاج له خمسين ناقة تحمل طعاما لأهله.
وحكى نفطويه: أن جريرا دخل يوما على بشر بن مروان وعنده الأخطل، فقال بشر لجرير: أتعرف هذا؟ قال: لا ! ومن هذا أيها الأمير؟
فقال: هذا الأخطل.
فقال الأخطل:
أنا الذي قذفت عرضك، أسهرت ليلك، وآذيت قومك.
فقال جرير: أما قولك شتمت عرضك فما ضر البحر أن يشتمه من غرق فيه، وأما قولك وأسهرت ليلك، فلو تركتني أنام لكان خيرا لك، وأما قولك وآذيت قومك، فكيف تؤذي قوما أنت تؤدي الجزية إليهم؟
وكان الأخطل من نصارى العرب المتنصرة، قبحه الله وأبعد مثواه، وهو الذي أنشد بشر بن مروان قصيدته التي يقول فيها:
قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق
وهذا البيت تستدل به الجهمية على أن الاستواء على العرش بمعنى: الاستيلاء وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل على ذلك، ولا أراد الله عز وجل باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، تعالى الله عن قول الجهمية علوا كبيرا.
فإنه إنما يقال: استوى على الشيء إذا كان ذلك الشيء عاصيا عليه قبل استيلائه عليه، كاستيلاء بشر على العراق، واستيلاء الملك على المدينة بعد عصيانها عليه، وعرش الرب لم يكن ممتنعا عليه نفسا واحدا، حتى يقال استوى عليه أو معنى الاستواء الاستيلاء، ولا تجد أضعف من حجج الجهمية، حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلى بيت هذا النصراني المقبوح، وليس فيه حجة، والله أعلم.
وقال الهيثم بن عدي: عن عوانة بن الحكم، قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد إليه الشعراء فمكثوا ببابه أياما لا يؤذن لهم ولا يلتفت إليهم، فساءهم ذلك وهموا بالرجوع إلى بلادهم، فمر بهم رجاء بن حيوة فقال له جرير:
يا أيها الرجل المرخي عمامته * هذا زمانك فاستأذن لنا عمرا
فدخل ولم يذكر لعمر من أمرهم شيئا، فمر بهم عدي بن أرطاة، فقال له جرير منشدا:
يا أيها الراكب المرخي مطيته * هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خلفيتنا إن كنت لاقيه * أني لدى الباب كالمصفود في قرن
لا تنس حاجتنا لاقيت مغفرة * قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني
فدخل عدي على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، فقال: ويحك يا عدي مالي وللشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين إن رسول الله قد كان يسمع الشعر ويجزي عليه، وقد أنشده العباس بن مرداس مدحه فأعطاه حلة، فقال له عمر: أتروي منها شيئا؟ قال: نعم ! فأنشده:
رأيتك يا خير البرية كلها * نشرت كتابا جاء بالحق معلما
شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا * عن الحق لما أصبح الحق مظلما
ونورت بالبرهان أمرا مدلسا * وأطفأت بالقرآن نارا تضرما
فمن مبلغ عني النبي محمدا * وكل امرئ يجزى بما كان قدما
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجه * وكان قديما ركنه قد تهدما
تعالى علوا فوق عرش إلهنا * وكان مكان الله أعلا وأعظما
فقال عمر: من بالباب منهم؟
فقال: عمر بن أبي ربيعة.
فقال: أليس هو الذي يقول:
ثم نبهتها فهبت كعابا * طفلة ما تبين رجع الكلام
ساعة ثم إنها بعد قالت * ويلنا قد عجلت يا ابن الكرام
أعلى غير موعد جئت تسري * تتخطى إلى رؤوس النيام
ما تجشمت ما تريد من الأمر * ولاحيت طارقا لخصام
فلو كان عدو الله إذ فجر كتم وستر على نفسه، لا يدخل والله أبدا، فمن بالباب سواه؟
قال: همام بن غالب - يعني: الفرزدق -
فقال عمر: أو ليس هو الذي يقول في شعره:
هما دلياني من ثمانين قامة * كما أنقض باز أقتم الريش كاسرة
فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا * أحي يرجى أم قتيل نحاذره
لا يطأ والله بساطي وهو كاذب، فمن سواه بالباب؟
قال: الأخطل.
قال: أو ليس هو الذي يقول:
ولست بصائم رمضان طوعا * ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عيسا بكور * إلى بطحاء مكة للنجاح
ولست بزائر بيتا بعيدا * بمكة أبتغي فيه صلاحي
ولست بقائم كالعير أدعو * قبيل الصبح حي على الفلاح
ولكني سأشربها شمولا * وأسجد عند منبلج الصباح
والله لا يدخل عليَّ وهو كافر أبدا، فهل بالباب سوى من ذكرت؟
قال: نعم، الأحوص.
قال: أليس هو الذي يقول:
الله بيني وبين سيدها * يفر مني بها وأتبعه
فما هو دون من ذكرت، فمن ههنا غيره؟
قال: جميل بن معمر.
قال: الذي يقول:
ألا ليتنا نحيا جميعا وإن نمت * يوافق في الموتى خريجي خريجها
فما أنا في طول الحياة براغب * إذا قيل قد سوَّى عليها صفيحها
فلو كان عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا ليعمل بذلك صالحا ويتوب، والله لا يدخل علي أبدا، فهل بالباب أحد سوى ذلك؟
قلت: جرير.
قال: أما إنه الذي يقول:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا * حين الزيارة فأرجعي بسلام
فإن كان لابد فأذن لجرير، فأذن له فدخل على عمر وهو يقول:
إن الذي بعث النبي محمدا * جعل الخلافة للإمام العادل
وسع الخلائق عدله ووفاؤه * حتى ارعوى وأقام ميل المائل
إني لأرجو منك خيرا عاجلا * والنفس مولعة بحب العاجل
فقال له: ويحك يا جرير، اتق الله فيما تقول.
ثم إن جرير استأذن عمر في الإنشاد فلم يأذن له ولم ينهه فأنشده قصيدة طويلة يمدحه بها.
فقال له: ويحك يا جرير لا أرى لك فيها ههنا حقا.
فقال: إني مسكين وابن سبيل.
قال: إنا ولينا هذا الأمر ونحن لا نملك إلا ثلاثمائة درهم، أخذت أم عبد الله مائة وابنها مائة وقد بقيت مائة فأمر له بها.
فخرج على الشعراء فقالوا: ما وراءك يا جرير؟
فقال: ما يسوءكم، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني عنه لراض، ثم أنشأ يقول:
رأيت رقى الشيطان لا تستفزه * وقد كان شيطاني من الجن راقيا
وقال بعضهم فيما حكاه المعافى بن زكريا الجريري: قالت جارية للحجاج بن يوسف: إنك تدخل هذا علينا، فقال: إنه ما علمت عفيفا، فقالت: أما أنك لو أخليتني وإياه سترى ما يصنع.
فأمر بإخلائها مع جرير في مكان يراهما الحجاج و لا يريانه، ولا يشعر جرير بشيء من ذلك.
فقالت له: يا جرير فأطرق رأسه وقال: هاأنذا.
فقالت: أنشدني من قولك كذا وكذا - لشعر فيه رقة - فقال: لست أحفظه ولكن أحفظ كذا وكذا - ويعرض عن ذاك وينشدها شعرا في مدح الحجاج -.
فقالت: لست أريد هذا إنما أريد كذا وكذا - فيعرض عن ذاك وينشدها في الحجاج - حتى انقضى المجلس.
فقال الحجاج: لله درك أبيت إلا كرما وتكرما.
وقال عكرمة: أنشدت أعرابيا بيتا لجرير الخطفي:
أبدل الليل لا تجري كواكبه * أو طال حتى حسبت النجم حيرانا
فقال الأعرابي: إن هذا حسن في معناه وأعوذ بالله من مثله، ولكني أنشدك في ضده من قولي:
وليل لم يقصره رقاد * وقصره لنا وصل الحبيب
نعيم الحب أورق فيه * حتى تناولنا جناه من قريب
بمجلس لذة لم نقف فيه * على شكوى ولا عيب الذنوب
فخشينا أن نقطعه بلفظ * فترجمت العيون عن القلوب
فقلت له: زدني، قال: أما من هذا فحسبك ولكن أنشدك غيره، فأنشدني:
وكنت إذا عقدت حبال قوم * صحبتهم وشيمتي الوفاء
فأحسن حين يحسن محسنوهم * وأجتنب الإساءة إن أساؤوا
أشاؤوا سوى مشيئتهم فآتي * مشيئتهم وأترك ما أشاء
قال ابن خلكان: كان جرير أشعر من الفرزدق عند الجمهور، وأفخر بيت قاله جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم * حسبت الناس كلهم غضابا
قال: وقد سأله رجل: من أشعر الناس؟
فأخذ بيده وأدخله على ابنه، إذا هو يرتضع من ثدي عنز، فاستدعاه فنهض واللبن يسيل على لحيتيه.
فقال جرير للذي سأله: أتبصر هذا؟
قال: نعم !
قال: أتعرفه؟
قال: لا !
قال: هذا أبي، وإنما يشرب من ضرع العنز لئلا يحلبها فيسمع جيرانه حس الحلب فيطلبوا منه لبنا، فأشعر الناس من فاخر بهذا ثمانين شاعرا فغلبهم، وقد كان بين جرير والفرزدق مقاولات ومهاجاة كثيرةً جدا يطول ذكرها، وقد مات في سنة عشر ومائة.
قال خليفة بن خياط وغير واحد: قال خليفة: مات الفرزدق وجرير بعده بأشهر.
وقال الصولي: ماتا في سنة إحدى عشرة ومائة، ومات الفرزدق قبل جرير بأربعين يوما.
وقال الكريمي: عن الأصمعي، عن أبيه، قال: رأى رجل جريرا في المنام بعد موته فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقيل: بماذا؟ قال: بتكبيرة كبرتها بالبادية.
قيل له: فما فعل الفرزدق؟ قال: أيهات أهلكه قذف المحصنات.
قال الأصمعي: لم يدعه في الحياة ولا في الممات.
وأما الفرزدق
واسمه همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن حنظلة بن زيد بن مناة بن مر بن أدّ بن طابخة، أبو فراس بن أبي خطل التيمي البصري الشاعر المعروف بالفرزدق، وجدّه صعصعة بن ناجية صحابي، وفد إلى رسول الله ، وكان يحيي الموؤدة في الجاهلية.
حدث الفرزدق، عن علي: أنه ورد مع أبيه عليه، فقال: من هذا؟ قال: ابني وهو شاعر، قال: علمه القراءة فهو خير له من الشعر.
وسمع الفرزدق: الحسين بن علي ورآه وهو ذاهب إلى العراق، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، وعرفجة بن أسعد، وزرارة بن كرب، والطرماح بن عدي الشاعر.
وروى عنه: خالد الحذاء، ومروان الأصغر، وحجاج بن حجاج الأحول، وجماعة.
وقد وفد على معاوية يطلب ميراث عمه الحباب، وعلى الوليد بن عبد الملك، وعلى أخيه، ولم يصح ذلك.
وقال أشعث بن عبد الله: عن الفرزدق، قال: نظر أبو هريرة إلى قدمي فقال: يا فرزدق إني أرى قدميك صغيرين، فأطلب لهما موضعا في الجنة، فقلت: إن ذنوبي كثيرة، فقال: لا بأس فإني سمعت رسول الله يقول: «إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها».
وقال معاوية بن عبد الكريم: عن أبيه، قال: دخلت على الفرزدق فتحرك فإذا في رجله قيد، فقلت: ما هذا؟ فقال: حلفت أن لا أنزعه حتى أحفظ القرآن.
وقال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت بدويا أقام بالحضر إلا فسد لسانه إلا رؤبة بن العجاج والفرزدق فإنهما زادا على طول الإقامة جدة و حدة.
وقال راويته أبو سهل: طلق الفرزدق امرأته النوار ثلاثا، ثم جاء فأشهد على ذلك الحسن البصري، ثم ندم على طلاقها وإشهاده الحسن على ذلك، فأنشأ يقول:
فلو أني ملكت يدي وقلبي * لكان عليَّ للقدر الخيار
ندمت ندامة الكسعي لما * غدت مني مطلقة نوار
وكانت جنتي فخرجت منها * كآدم حين أخرجه الضرار
وقال الأصمعي وغير واحد: لما ماتت النوار بنت أعين بن ضبيعة المجاشعي امرأة الفرزدق - وكانت قد أوصت أن يصلي عليها الحسن البصري - فشهدها أعيان أهل البصرة مع الحسن والحسن على بغلته، والفرزدق على بعيره، فسار فقال الحسن للفرزدق: ماذا يقول الناس؟ قال: يقولون شهد هذه الجنازة اليوم خير الناس - يعنونك - وشر الناس - يعنوني - فقال له: يا أبا فراس لست أنا بخير الناس ولست أنت بشر الناس.
ثم قال له الحسن: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة، فلما أن صلى عليها الحسن مالوا إلى قبرها، فأنشأ الفرزدق يقول:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني * أشد من القبر التهابا وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد * عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى * إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يساق إلى نار الجحيم مسربلا * سرابيل قطران لباسا مخرقا
إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم * يذوبون من حر الصديد تمزقا
قال: فبكى الحسن حتى بل الثرى ثم التزم الفرزدق، وقال: لقد كنت من أبغض الناس إلي، وإنك اليوم من أحب الناس إلي.
وقال له بعض الناس: ألا تخاف من الله في قذف المحصنات؟ فقال: والله لله أحب إلي من عيني اللتين أبصر بهما، فكيف يعذبني؟
وقد قدمنا أنه مات سنة عشر ومائة قبل جرير بأربعين يوما، وقيل: بأشهر، فالله أعلم.
وأما الحسن وابن سيرين فقد ذكرنا ترجمة كل منهما في كتابنا التكميل مبسوطة، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فأما الحسن بن أبي الحسن
فاسم أبيه يسار، وأبرد هو: أبو سعيد البصري مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى جابر بن عبد الله، وقيل: غير ذلك، وأمه: خيرة مولاة لأم سلمة، كانت تخدمها وربما أرسلتها في الحاجة فتشتغل عن ولدها الحسن وهو رضيع، فتشاغله أم سلمة بثدييها فيدران عليه فيرتضع منهما، فكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة من الثدي المنسوب إلى رسول الله ، ثم كان وهو صغير تخرجه أمه إلى الصحابة فيدعون له.
وكان في جملة من يدعو له عمر بن الخطاب، قال: اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس.
وسئل مرة أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا عنها مولانا الحسن، فإنه سمع وسمعنا، فحفظ ونسينا.
وقال أنس مرة: إني لأغبط أهل البصرة بهذين الشيخين - الحسن وابن سيرين -.
وقال قتادة: ما جالست رجلا فقيها إلا رأيت فضل الحسن عليه.
وقال أيضا: ما رأت عيناي أفقه من الحسن.
وقال أيوب: كان الرجل يجالس الحسن ثلاث حجج ما يسأله عن مسألة هيبة له.
وقال الشعبي لرجل يريد قدوم البصرة: إذا نظرت إلى رجل أجمل أهل البصرة وأهيبهم فهو الحسن، فأقرأه مني السلام.
وقال يونس بن عبيد: كان الرجل إذا نظر إلى الحسن أنتفع به وإن لم ير عمله ولم يسمع كلامه.
وقال الأعمش: ما زال الحسن يعي الحكمة حتى نطق بها.
وكان أبو جعفر إذا ذكره يقول: ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء.
وقال محمد بن سعد: قالوا: كان الحسن جامعا للعلم والعمل، عالما رفيعا فقيها مأمونا عابدا زاهدا ناسكا كثير العلم والعمل فصيحا جميلا وسيما.
وقدم مكة فأجلس على سرير، وجلس العلماء حوله، واجتمع الناس إليه فحدثهم.
قال أهل التاريخ: مات الحسن عن ثمان و ثمانين سنة، عام عشر ومائة، في رجب منها، بينه وبين محمد بن سيرين مائة يوم.
وأما ابن سيرين
فهو محمد بن سيرين، أبو بكر بن أبي عمرو الأنصاري، مولى أنس بن مالك النضري، كان أبو محمد من سبي عين التمر، أسره خالد بن الوليد في جملة السبي، فاشتراه أنس ثم كاتبه.
ثم ولد له من الأولاد الأخيار، جماعة: محمد هذا، وأنس بن سيرين، ومعبد، ويحيى، وحفصة، وكريمة، وكلهم تابعيون ثقاة أجلاء رحمهم الله.
قال البخاري: ولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان.
وقال هشام بن حسان: هو أصدق من أدركت من البشر.
وقال محمد بن سعد: كان ثقةً مأمونا عالما رفيعا فقيها إماما كثير العلم ورعا وكان به صمم.
وقال مؤرق العجلي: ما رأيت رجلا أفقه في ورعه، وأورع في فقهه منه.
قال ابن عون: كان محمد بن سيرين أرجى الناس لهذه الأمة، وأشد الناس إزارا على نفسه، وأشدهم خوفا عليها.
قال ابن عون: ما بكى في الدنيا مثل ثلاثة: محمد بن سيرين في العراق، والقاسم بن محمد في الحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام، وكانوا يأتون بالحديث على حروفه.
وكان الشعبي يقول: عليكم بذاك الأصم - يعني محمد بن سيرين -.
وقال ابن شوذب: ما رأيت أحدا أجرأ على تعبير الرؤيا منه.
وقال عثمان البتي: لم يكن بالبصرة أعلم بالقضاء منه.
قالوا: ومات في تاسع شوال من هذه السنة بعد الحسن بمائة يوم.
كان اللائق بالمؤلف: أن يذكر تراجم هؤلاء العلماء الأخيار قبل تراجم الشعراء المتقدم ذكرهم فيبدأ بهم ثم يأتي بتراجم الشعراء.
وأيضا: فإنه أطال القول في تراجم الشعراء، وأختصر تراجم العلماء، ولو كان فيها حسن وحكم ينتفع بها من وقف عليها، ولعلها أفيد من مدحهم والثناء عليهم، ولا سيما كلام الحسن وابن سيرين ووهب بن منبه كما ذكره بعد، وكما سيأتي ذكر ترجمته في هذه الزيادة، فإنه قد اختصره جدا.
وإن المؤلف أقدر وأوسع علما، فما ينبغي أن يخل ببعض كلامهم وحكمهم، فإن النفوس مستشرفة إلى معرفة ذلك والنظر فيه، فإن أقوال السلف لها موقع من القلوب، والمؤلف غالبا في التراجم يحيل على ما ذكره في التكميل الذي صنفه في أسماء الرجال، وهذا الكتاب لم نقف عليه نحن ولا من سألناه عنه من العلماء، فإنا قد سألنا عنه جماعة من أهل الفن فلم يذكر غير واحد أنه اطلع عليه، فكيف حال غيرهم.
وقد ذكرت في غالب التراجم زيادات على ما ذكره المؤلف مما وصلت إليه معرفتي واطلعنا عليه، ولو كان عندي كتب لأشبعت القول في ذلك، إذ الحكمة هي ضالة المؤمن.
ولعل أن يقف على هذا راغب في الآخرة، طالب ما عند الله عز وجل، فينتفع به أعظم مما ينتفع به من تراجم الخلف والملوك والأمراء، وإن كانت تلك أيضا نافعة لمعتبر ومزدجر، فإن ذكر أئمة العدل والجور بعد موتهم فيها فضل أولئك، وغم هؤلاء، ليعلم الظالم أنه وإن مات لم يمت ما كان متلبسا به من الفساد والظلم، بل هو مدون في الكتب عند العلماء وكذلك أهل العدل والصلاح والخير، فإن الله قد قص في القرآن أخبار الملوك والفراعنة والكفار والمفسدين، تحذيرا من أحوالهم وما كانوا يعملون، وقص أيضا أخبار الأتقياء والمحسنين والأبرار والأخيار والمؤمنين، للإقتداء والتأسي بهم، والله سبحانه أعلم.
فنقول وبالله التوفيق:
أما الحسن أبو سعيد البصري
فهو أبو سعيد البصري، الإمام الفقيه المشهور، أحد التابعين الكبار الإجلاء علما وعملا وإخلاصا.
فروى ابن أبي الدنيا، عنه، قال: كان الرجل يتعبد عشرين سنة لا يشعر به جاره، وأحدهم يصلي ليلة أو بعض ليلة فيصبح وقد استطال على جاره، وإن كان القوم ليجتمعون فيتذاكرون فتجيء الرجل عبرته فيردها ما استطاع، فإن غلب قام عنهم.
وقال الحسن: تنفس رجل عند عمر بن عبد العزيز فلكزه عمر - أو قال: لكمه - وقال: إن في هذا لفتنة.
وقد ذكره ابن أبي الدنيا، عن الحسن، عن عمر بن الخطاب.
وروي الطبراني، عنه، أنه قال: إن قوما ألهتهم أماني المغفرة ورجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة، يقول أحدهم: إني لحسن الظن بالله، وأرجو رحمة الله، وكذب، لو أحسن الظن بالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة، يوشك من دخل المفازة من غير زاد ولا ماء أن يهلك.
وروى ابن أبي الدنيا، عنه، قال: حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور، وأقذعوا هذه الأنفس فإنها تنزع إلى شر غاية.
وقال مالك بن دينار: قلت للحسن: ما عقوبة العالم إذا أحب الدنيا؟ قال: موت القلب، فإذا أحب الدنيا طلبها بعمل الآخرة فعند ذلك ترحل عنه بركات العلم ويبقى عليه رسمه.
وروي الفتني، عن أبيه، قال: عاد الحسن عليلا فوجده قد شفي من علته، فقال: أيها الرجل إن الله قد ذكرك فاذكره، وقد أقالك فاشكره، ثم قال الحسن: إنما المرض ضربة سوط من ملك كريم، فأما أن يكون العليل بعد المرض فرسا جوادا، وإما أن يكون حمارا عثورا معقورا.
وروى العتبي، عن أبيه أيضا، قال: كتب الحسن إلى فرقد: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله، والعمل بما علمك الله، والاستعداد لما وعد الله مما لا حيلة لأحد في دفعه، ولا ينفع الندم عند نزوله، فاحسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الجاهلين، وشمر الساق، فإن الدنيا ميدان مسابقة، والغاية الجنة أو النار، فإن لي ولك من الله مقاما يسألني وإياك فيه عن الحقير والدقيق، والجليل والخافي، ولا آمن أن يكون فيما يسألني وإياك عنه وساوس الصدور، ولحظ العيون، وإصغاء الأسماع، وما أعجز عنه.
وروى ابن قتيبة، عنه: أنه مر على باب ابن هبيرة فرأى القراء - وكانوا هم: الفقهاء - جلوسا على باب ابن هبيرة، فقال: طفحتم نعالكم، وبيضتم ثيابكم، ثم أتيتم إلى أبوابهم تسعون؟ ثم قال لأصحابه: ما ظنكم بهؤلاء الحذاء؟ ليست مجالسهم من مجالس الأتقياء، وإنما مجالسهم مجالس الشرط.
وروى الخرائطي، عن الحسن: أنه كان إذا اشترى شيئا وكان في ثمنه كسر جبره لصاحبه.
ومر الحسن بقوم يقولون: نقص دانق - أي: عن الدرهم الكامل، والدينار الكامل - إما أن يكون درهما ينقص نصفا أو ربعا، والعشرة تسعة ونصف، وقس على هذا، فكان الحسن يستحب جبران هذه الأشياء، وإن كان اشترى السلعة بدرهم ينقص دانقا كمله درهما، أو بتسعة ونصف كملها عشرة، مروءةً وكرما.
وقال عبد الأعلى السمسار: قال الحسن: يا عبد الأعلى ! أما يبيع أحدكم الثوب لأخيه فينقص درهمين أو ثلاثة؟ قلت: لا والله ! ولا دانق واحد، فقال الحسن: إن هذه الأخلاق فما بقي من المروءة إذا؟.
قال: وكان الحسن يقول: لا دين إلا بمروءة.
وباع بغلة له فقال له المشتري: إما تحط لي شيئا يا أبا سعيد؟ قال: لك خمسون درهما أزيدك؟ قال: لا ! رضيت. قال: بارك الله لك.
وروي ابن أبي الدنيا، عن حمزة الأعمى، قال: ذهبت بي أمي إلى الحسن فقالت: يا أبا سعيد ! ابني هذا قد أحببت أن يلزمك فلعل الله أن ينفعه بك، قال: فكنت اختلف إليه، فقال لي يوما: يا بني، أدم الحزن على خير الآخرة لعله أن يوصلك إليه، واِبك في ساعات الليل والنهار في الخلوة لعل مولاك أن يطلع عليك فيرحم عبرتك فتكون من الفائزين.
قال: وكنت أدخل على الحسن منزله وهو يبكي، وربما جئت إليه وهو يصلي فاسمع بكاءه ونحيبه، فقلت له يوما: إنك تكثر البكاء، فقال: يا بني ! ماذا يصنع المؤمن إذا لم يبك؟ يا بني إن البكاء داع إلى الرحمة، فإن استطعت أن تكون عمرك باكيا فافعل لعله تعالى أن يرحمك، فإذا أنت نجوت من النار.
وقال: ما هو إلا حلول الدار إما الجنة وإما النار، ما هناك منزل ثالث.
وقال: بلغنا أن الباكي من خشية الله لا تقطر من دموعه قطرة حتى تعتق رقبته من النار.
وقال: لو أن باكيا بكى في ملأ من خشية الله لرحموا جميعا، وليس شيء من الأعمال إلا له وزن إلا البكاء من خشية الله فإنه لا يقوم الله بالدمعة منه شيئا.
وقال: ما بكى عبد إلا شهد عليه قلبه بالصدق أو الكذب.
وروى ابن أبي الدنيا، عنه في كتاب اليقين، قال: من علامات المسلم: قوة دين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وحكم في علم، وحبس في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمل في فاقة، وإحسان في قدرة، وطاعة معها نصيحة، وتورع في رغبة، وتعفف وصبر في شدة، لا ترديه رغبته، ولا يبدره لسانه، ولا يسبقه بصره، ولا يغلبه فرجه، ولا يميل به هواه، ولا يفضحه لسانه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نيته. كذا ذكر هذه الألفاظ عنه.
قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، عن الحكم بن كثير، عن يحيى بن المختار، عن الحسن، فذكره.
وقال فيه أيضا عنه: يا ابن آدم ! إن من ضعف يقينك أن تكون بما في يدك أوثق منك بما في يدي الله عز وجل.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن إبراهيم اليشكري، حدثنا موسى بن إسماعيل الجيلي، حدثنا حفص بن سليمان أبو مقاتل، عن عون بن أبي شداد، عن الحسن: قال لقمان لابنه: يا بني ! العمل لا يستطاع إلا باليقين، ومن يضعف يقينه يضعف عمله.
وقال: يا بني إذا جاءك الشيطان من قبل الشك والريب فاغلبه باليقين والنصيحة، وإذا جاءك من قبل الكسل والسآمة فاغلبه بذكر القبر والقيامة، وإذا جاءك من قبل الرغبة والرهبة فأخبره أن الدنيا مفارقة متروكة.
وقال الحسن: ما أيقن عبد بالجنة والنار حق يقينهما إلا خشع وذبل واستقام واقتصد حتى يأتيه الموت.
وقال: باليقين طلبت الجنة، وباليقين هربت من النار، وباليقين أديت الفرائض على أكمل وجهها، وباليقين أصبر على الحق، وفي معافاة الله خير كثير، قد والله رأيناهم يتعاونون في العافية، فإذا نزل البلاء تفارقوا.
وقال: الناس في العافية سواء، فإذا نزل البلاء تبين عنده الرجال.
وفي رواية: فإذا نزل البلاء تبين من يعبد الله وغيره.
وفي رواية: فإذا نزل البلاء سكن المؤمن إلى إيمانه، والمنافق إلى نفاقه.
وقال الفريابي في فضائل القرآن: حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن، قال: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، لم يأتوا الأمر من قبل أوله، قال الله عز وجل: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص: 29] وما تدبر آياته إلا أتباعه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده.
حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما أسقط منه حرفا واحدا، وقد والله أسقطه كله، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل.
حتى إن أحدهم ليقول: والله إني لأقرأ السورة في نفس، لا والله ما هؤلاء بالقرآء ولا بالعلماء ولا الحكماء ولا الورعة، ومتى كانت القراءة هكذا، أو يقول مثل هذا، لا أكثر الله في الناس مثل هؤلاء.
ثم روى الحسن، عن جندب، قال: قال لنا حذيفة: هل تخافون من شيء؟ قال: قلت: والله إنك وأصحابك لأهون الناس عندنا، فقال: أما والذي نفسي بيده، لاتؤتون إلا من قبلنا، ومع ذلك نشء أخر يقرؤون القرآن يكونون في آخر هذه الأمة ينثرونه نثر الدقل، لا يجاوز تراقيهم، تسبق قراءتهم إيمانهم.
وروي ابن أبي الدنيا، عنه، في ذم الغيبة له قال: والله للغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكلة في جسده.
وكان يقول: ابن آدم ! إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تصيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان ذلك شغلك في طاعة نفسك، وأحب العباد إلى الله من كان هكذا.
وقال الحسن: ليس بينك وبين الفاسق حرمة.
وقال: ليس لمبتدع غيبة.
وقال أصلت بن طريف: قلت للحسن: الرجل الفاجر المعلن بفجوره ذكرى له بما فيه غيبة؟ قال: لا ولا كرامة. وقال: إذا ظهر فجوره فلا غيبة له.
وقال: ثلاثة لا تحرم عليك غيبتهم: المجاهر بالفسق، والإمام الجائر، والمبتدع.
وقال له رجل: إن قوما يجالسونك ليجدوا بذلك إلى الوقيعة فيك سبيلا، فقال: هون عليك يا هذا، فإني أطمعت نفسي في الجنان فطمعت، وأطمعتها في النجاة من النار فطمعت، وأطمعتها في السلامة من الناس فلم أجد إلى ذلك سبيلا، فإن الناس لم يرضوا عن خالقهم ورازقهم، فكيف يرضون عن مخلوق مثلهم؟
وقال: كانوا يقولون: من رمى أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يصيب ذلك الذنب.
وقال الحسن: قال لقمان لابنه: يا بني إياك والكذب فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يقلاه صاحبه.
وقال الحسن: اعتبروا الناس بأعمالهم ودعوا أقوالهم فإن الله عز وجل لم يدع قولا إلا جعل عليه دليلا من عمل يصدقه أو يكذبه، فإن سمعت قولا حسنا فرويدا بصاحبه، فإن وافق قول عملا فنعم ونعمت عين أخته وأخيه، وإذا خالف قول عملا فماذا يشبه عليك منه، أم ماذا يخفي عليك منه؟ إياك وإياه، لا يخدعنك كما خدع ابن آدم، إن لك قولا وعملا، فعملك أحق بك من قولك، وإن لك سريرة وعلانية، فسريرتك أحق بك من علانيتك، وإن لك عاجلة وعاقبة، فعاقبتك أحق بك من عاجلتك.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا حمزة بن العباس، أنبا عبدان بن عثمان، أنبا معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن، قال: إذا شبت لقيت الرجل أبيض حديد اللسان، حديد النظر، ميت القلب والعمل، أنت أبصر به من نفسه، ترى أبدانا ولا قلوبا، وتسمع الصوت ولا أنيس، أخصب ألسنة وأجدب قلوبا، يأكل أحدهم من غير ماله، ويبكي على عماله، فإذا كهضته البطنة قال: يا جارية أو يا غلام ايتني بهاضم، وهل هضمت يا مسكين إلا دينك؟
وقال: من رق ثوبه رق دينه، ومن سمن جسده هزل دينه، ومن طاب طعامه أنتن كسبه.
وقال فيما رواه عنه الآجري: رأس مال المؤمن دين حيث ما زال زال معه، لا يخلفه في الرحال، ولا يأتمن عليه الرجال.
وقال في قوله تعالى: { وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } [القيامة: 2] قال: لا تلقى المؤمن إلا يلوم نفسه، ما أردت بكلمة كذا، ما أردت بأكلة كذا، ما أردت بمجلس كذا، وأما الفاجر فيمضي قدما قدما لا يلوم نفسه.
وقال: تصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت، فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم، إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم، وإنما يصبر على هذا الحق من عرف فضله وعاقبته.
وقال: لا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته.
وقال ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس: حدثنا عبد الله، حدثنا إسماعيل بن زكريا، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن، قال: المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على أقوام أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.
إن المؤمن يفجأه الشيء ويعجبه فيقول: والله إنك لمن حاجتي وإني لاشتهيك، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات حيل بيني وبينك.
ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا أبدا إن شاء الله: إن المؤمنين قوم قد أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم.
إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله عز وجل، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه، وفي جوارحه كلها.
وقال: الرضا صعب شديد، وإنما معول المؤمن الصبر.
وقال: ابن آدم عِنْ نفسك فكايس، فإنك إن دخلت النار لم تجبر بعدها أبدا.
وقال ابن أبي الدنيا: أنبا إسحاق بن إبراهيم، قال: سمعت حماد بن زيد، يذكر عن الحسن، قال: المؤمن في الدنيا كالغريب لا ينافس في غِيرها ولا يجزع من ذلها، للناس حال وله حال، الناس منه في راحة، ونفسه منه في شغل.
وقال: لولا البلاء ما كان في أيام قلائل ما يهلك المرء نفسه.
وقال: أدركت صدر هذه الأمة وخيارها وطال عمري فيهم، فوالله إنهم كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم لله عليكم، أدركتهم عاملين بكتاب ربهم، متبعين سنة نبيهم، ما طوى أحدهم ثوبا، و لا جعل بينه و بين الأرض شيئا، و لا أمر أهله بصنع طعام، كان أحدهم يدخل منزله فإن قُرب إليه شيء أكل وإلا سكت فلا يتكلم في ذلك.
وقال: إن المنافق إذا صلى صلى رياء أو حياء من الناس أو خوفا، وإذا صلى صلى فقرأهم الدنيا، وإن فاتته الصلاة لم يندم عليها ولم يحزنه فواتها.
وقال الحسن فيما رواه عنه صاحب كتاب النكت: من جعل الحمد لله على النعم حصنا وحابسا، وجعل أداء الزكاة على المال سياجا وحارسا، وجعل العلم له دليلا وسائسا، أمن العطب، وبلغ أعلى الرتب.
ومن كان للمال قانصا، وله عن الحقوق حابسا، وشغله وألهاه عن طاعة الله، كان لنفسه ظالما، ولقلبه بما جنت يداه كالما، وسلطه الله على ماله سالبا وخالسا، ولم يأمل العطب في سائر وجود الطلب. وقيل: إن هذا لغيره، والله أعلم.
وقال الحسن: أربع من كن فيه ألقى الله عليه محبته، ونشر عليه رحمته: من رق لوالديه، ورق لمملوكه، وكفل اليتيم، وأعان الضعيف.
وسئل الحسن عن النفاق فقال: هو اختلاف السر والعلانية والمدخل والمخرج، وقال: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق - يعني: النفاق - وحلف الحسن: ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق.
وفي رواية: إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن: كيف حبك الدينار والدرهم؟ قال: لا أحبهما، فكتب إليه: تولَّ فإنك تعدل.
وقال إبراهيم بن عيسى: ما رأيت أطول حزنا من الحسن، وما رأيته قط إلا حسبته حديث عهد بمصيبة.
وقال مسمع: لو رأيت الحسن لقلت: قد بث عليه حزن الخلائق.
وقال يزيد بن حوشب: ما رأيت أحزن من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما.
وقال ابن اسباط: مكث الحسن ثلاثين سنة لم يضحك، و أربعين سنة لم يمزح.
وقال: ما سمع الخلائق بعورة بادية، وعين باكية مثل يوم القيامة.
وقال: ابن آدم ! إنك ناظرا غدا إلى عملك يوزن خيره وشره، فلا تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه، فإنك إذا رأيته غدا في ميزانك سرك مكانه.
وقال: ذهبت الدنيا وبقيت أعمالكم قلائد في أعناقكم.
وقال: ابن آدم ! بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولاتبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا، وهذا مأثور عن لقمان أنه قاله لولده.
وقال الحسن: تجد الرجل قد لبس الأحمر والأبيض وقال: هلموا فانظروا إليَّ، قال الحسن: قد رأيناك يا أفسق الفاسقين فلا أهلا بك ولا سهلا، فأما أهل الدنيا فقد اكتسبوا بنظرهم إليك مزيد حرص على دنياهم، وجرأة على شهوات الغنى في بطونهم وظهورهم.
وأما أهل الآخرة فقد كرهوك ومقتوك.
وقال: إنهم وإن هملجت بهم البراذين، وزفرت بهم البغال، وطئت أعقابهم الرجال، إن ذل المعاصي لا يفارق رقابهم، يأبى الله إلا أن يذل من عصاه.
وقال فرقد: دخلنا على الحسن فقلنا: يا أبا سعيد ! ألا يعجبك من محمد بن الأهتم؟ فقال: ماله؟ فقلنا: دخلنا عليه أنفا وهو يجود بنفسه.
فقال: انظروا إلى ذاك الصندوق - و أومأ إلى صندوق في جانب بيته - فقال: هذا الصندوق فيه ثمانون ألف دينار - أو قال: درهم - لم أؤد منها زكاة، ولم أصل منها رحما، ولم يأكل منها محتاج.
فقلنا: يا أبا عبد الله، فلمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزمان، و مكاثرة الأقران، وجفوة السلطان.
فقال: انظروا من أين أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه، ومكاثرة أقرانه، وجفوة سلطانه؟
ثم قال: أيها الوارث ! لا تخدعن كما خدع صويحبك بالأمس، جاءك هذا المال لم تتعب لك فيه يمين، ولم يعرق لك فيه جبين، جاءك ممن كان له جموعا منوعا، من باطل جمعه، من حق منعه.
ثم قال الحسن: إن يوم القيامة لذو حسرات، الرجل يجمع المال ثم يموت ويدعه لغيره فيرزقه الله فيه الصلاح والإنفاق في وجوه البر، فيجد ماله في ميزان غيره.
وكان الحسن يتمثل بهذا البيت في أول النهار يقول:
وما الدنيا بباقية لحيٍّ * ولا حيّ على الدنيا بباق
وبهذا البيت في آخر النهار:
يسر الفتى ما كان قدم من تقى * إذا عرف الداء الذي هو قاتله
ولد الحسن في خلافة عمر بن الخطاب، وأتي به إليه فدعا له وحنكه.
ومات بالبصرة في سنة عشر ومائة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
جرير الشاعر / الجزء التاسع (البداية والنهاية)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قدوم جرير بن عبد الله البجلي وإسلامه / الجزء الخامس / (البداية والنهاية)
» العكوك الشاعر / الجزء العاشر (البداية والنهاية)
» أبو نواس الشاعر / الجزء العاشر (البداية والنهاية)
» الحطيئة الشاعر / الجزء الثامن / (البداية والنهاية)
» أبو تمام الطائي الشاعر / الجزء العاشر (البداية والنهاية)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: