ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/باب في هواتف الجان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/باب في هواتف الجان Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/باب في هواتف الجان   الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/باب في هواتف الجان Emptyالسبت ديسمبر 19, 2009 2:52 am

[size=18]الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/باب في هواتف الجان Kunoooz04ffcb6f0d

وقد تقدم كلام شق وسطيح لربيعة بن نصر ملك اليمن في البشارة بوجود رسول الله ، رسول ذكي يأتي إليه الوحي من قبل العلي، وسيأتي في المولد قول سطيح لعبد المسيح: إذا كثرت التلاوة، وغاضت بحيرة ساوة، وجاء صاحب الهراوة، يعني بذلك رسول الله كما سيأتي بيانه مفصلا.
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، حدثني ابن وهب، حدثني عمرو - هو محمد بن زيد - أن سالما حدثه عن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر يقول لشيء قط إني لأظنه إلا كان كما يظن. بينما عمر بن الخطاب جالس إذ مر به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، علي الرجل، فدعى به فقال له ذلك فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجلا مسلما.
قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينما أنا في السوق يوما جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت:
ألم تر الجن وإبلاسها * ويلسها من بعد أنكاسها؟
ولحوقها بالقلاص وأحلاسها
قال عمر: صدق، بينا أنا نائم عند آلهتهم، جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول: يا جليح أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، فوثب القوم فقلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى يا جليح أمر نجيح، رجل فصيح يقول لا إله إلا الله، فقمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي. تفرد به البخاري.
وهذا الرجل هو: سواد بن قارب الأردي، ويقال: السدوسي من أهل السراة من جبال البلقاء له صحبة ووفادة.
قال أبو حاتم، وابن منده: روى عنه سعيد بن جبير، وأبو جعفر محمد بن علي. وقال البخاري: له صحبة.
وهكذا ذكره في أسماء الصحابة أحمد بن روح البرذعي الحافظ، والدارقطني، وغيرهما.
وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري: سواد بن قارب بالتخفيف.
وقال عثمان الوقاصي، عن محمد بن كعب القرظي: كان من أشراف أهل اليمن، ذكره أبو نعيم في (الدلائل) وقد روى حديثه من وجوه أخر مطولة بالبسط من رواية البخاري.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان أنه حدث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بينما هو جالس في الناس في مسجد رسول الله إذ أقبل رجل من العرب داخل المسجد، يريد عمر بن الخطاب، فلما نظر إليه عمر قال: إن الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد، أو لقد كان كاهنا في الجاهلية.
فسلم عليه الرجل ثم جلس، فقال له عمر: هل أسلمت؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فهل كنت كاهنا في الجاهلية؟
فقال الرجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين، لقد خلت في واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت ما وليت، فقال عمر: اللهم غفرا قد كنا في الجاهلية على شر من هذا، نعبد الأصنام، ونعتنق الأوثان، حتى أكرمنا الله برسوله وبالإسلام.
قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين لقد كنت كاهنا في الجاهلية.
قال: فأخبرني ما جاء به صاحبك؟
قال: جاءني قبل الإسلام بشهر أو شيعه، فقال: ألم تر إلى الجن وإبلاسها وإياسها من دينها، ولحوقها بالقلاص وإحلاسها.
قال ابن إسحاق: هذا الكلام سجع ليس بشعر.
قال عبد الله بن كعب: فقال عمر عند ذلك يحدث الناس: والله إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلا، فنحن ننتظر قسمه أن يقسم لنا منه، إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أشد منه، وذلك قبل الإسلام بشهر أو شيعه، يقول: يا ذريح أمر نجيح، رجل يصيح يقول: لا إله إلا الله.
قال ابن هشام: ويقال: رجل يصيح بلسان فصيح يقول: لا إله إلا الله. قال وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر:
عجبت للجن وإبلاسها * وشدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنو الجن كأنجاسها
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا يحيى بن حجر بن النعمان الشامي، حدثنا علي بن منصور الأنباري، عن محمد بن عبد الرحمن الوقاصي، عن محمد بن كعب القرظي قال: بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم جالس، إذ مر به رجل فقيل: يا أمير المؤمنين أتعرف هذا المار؟
قال: ومن هذا؟ قالوا: هذا سواد بن قارب الذي أتاه رئيه بظهور رسول الله .
قال: فأرسل إليه عمر فقال له: أنت سواد بن قارب؟
قال: نعم، قال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟
قال: فغضب، وقال: ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين! فقال عمر: يا سبحان الله ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك، فأخبرني ما أنبأك رئيك بظهور رسول الله ؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين، بينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان، إذ أتاني رئي فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب واسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما صادق الجن ككذابها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * ليس قداماها كأذنابها
قال: قلت: دعني أنام، فإني أمسيت ناعسا.
قال: فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب واسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته.
ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن وتحيارها * وشدها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنو الجن ككفارها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها وأحجارها
قال: قلت: دعني أنام فإني أمسيت ناعسا، فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن وتحساسها * وشدها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما خير الجن كأنجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى راسها
قال: فقمت وقلت: قد امتحن الله قلبي، فرحلت ناقتي، ثم أتيت المدينة - يعني مكة - فإذا رسول الله في أصحابه، فدنوت فقلت: اسمع مقالتي يا رسول الله، قال: هات. فأنشأت أقول:
أتاني نجيي بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد تلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لؤي بن غالب
فشمرت عن ذيلي الإزار ووسطت * بي الدعلب الوجناء غبر السباسب
فأشهد أن الله لا شيء غيره * وأنك مأمون على كل غالب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى * وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن سواد بن قارب
قال: ففرح رسول الله وأصحابه بمقالتي فرحا شديدا حتى رؤي الفرح في وجوههم، قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب فالتزمه وقال: قد كنت أشتهي أن أسمع هذا الحديث منك، فهل يأتيك رئيك اليوم؟
قال: أما منذ قرأت القرآن فلا، ونعم العوض كتاب الله من الجن.
ثم قال عمر: كنا يوما في حي من قريش يقال لهم: آل ذريح، وقد ذبحوا عجلا لهم والجزار يعالجه، إذ سمعنا صوتا من جوف العجل - ولا نرى شيئا - قال: يا آل ذريح: أمر نجيح، صائح يصيح، بلسان فصيح، يشهد أن لاإله إلا الله. وهذا منقطع من هذا الوجه. ويشهد له رواية البخاري، وقد تساعدوا على أن السامع الصوت من العجل هو عمر بن الخطاب، والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتابه الذي جمعه في (هواتف الجان): حدثنا أبو موسى عمران بن موسى المؤدب، حدثنا محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا سعيد بن عبيد الله الوصابي، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: دخل سواد بن قارب السدوسي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: نشدتك بالله يا سواد بن قارب هل تحسن اليوم من كهانتك شيئا؟
فقال: سبحان الله يا أمير المؤمنين، ما استقبلت أحدا من جلسائك بمثل ما استقبلتني به.
قال: سبحان الله يا سواد، ما كنا عليه من شركنا أعظم مما كنت عليه من كهانتك، والله يا سواد لقد بلغني عنك حديث إنه لعجيب من العجب.
قال: إي والله يا أمير المؤمنين إنه لعجب من العجب.
قال: فحدثنيه.
قال: كنت كاهنا في الجاهلية فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني نجي فضربني برجله، ثم قال: يا سواد اسمع أقل لك.
قلت: هات. قال:
عجبت للجن وأنجاسها * ورحلها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنوها مثل أرجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى رأسها
قال: فنمت ولم أحفل بقوله شيئا، فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله، ثم قال لي: قم يا سواد بن قارب اسمع أقل لك. قلت: هات. قال:
عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما صادق الجن ككذابها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * ليس المقاديم كأذنابها
قال: فحرك قوله مني شيئا ونمت، فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله، ثم قال: يا سواد بن قارب أتعقل أم لا تعقل؟
قلت: وما ذاك. قال: ظهر بمكة نبي يدعو إلى عبادة ربه فالحق به، اسمع أقل لك.
قلت: هات.
قال:
عجبت للجن وتنفارها * ورحلها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنو الجن ككفارها
فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها وأحجارها
قال: فعلمت أن الله قد أراد بي خيرا فقمت إلى بردة لي ففتقتها ولبستها، ووضعت رجلي في غرز ركاب الناقة، وأقبلت حتى انتهيت إلى النبي ، فعرض علي الإسلام فأسلمت، وأخبرته الخبر فقال: « إذا اجتمع المسلمون فأخبرهم ».
فلما اجتمع المسلمون قمت فقلت:
أتاني نجي بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لؤي بن غالب
فشمرت عن ذيلي الأزار ووسطت * بي الدعلب الوجناء غبر السباسب
وأعلم أن الله لا رب غيره * وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل * وإن كان فيما جاء شيب الذوائب
قال: فسر المسلمون بذلك، فقال عمر: هل تحس اليوم منها بشيء؟
قال: أما إذ علمني الله القرآن فلا.
وقد رواه محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه، عن عمر بن حفص قال: لما ورد سواد بن قارب على عمر قال: يا سواد بن قارب ما بقي من كهانتك؟ فغضب وقال: ما أظنك يا أمير المؤمنين استقبلت أحدا من العرب بمثل هذا، فلما رأى ما في وجهه من الغضب قال: انظر سواد للذي كنا عليه قبل اليوم من الشرك أعظم.
ثم قال: يا سواد حدثني حديثا كنت أشتهي أسمعه منك، قال: نعم، بين أنا في إبل لي بالسراة ليلا وأنا نائم، وكان لي نجي من الجن أتاني، فضربني برجله فقال لي: قم يا سواد بن قارب فقد ظهر بتهامة نبي يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، فذكر القصة كما تقدم، وزاد في آخر الشعر:
وكن لي شفيعا يوم لا ذو قرابة * سواك بمغن عن سواد بن قارب
فقال رسول الله : « سر في قومك وقل هذا الشعر فيهم ».
ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق سليمان بن عبد الرحمن، عن الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي، عن عباد بن عبد الصمد، عن سعيد بن جبير قال: أخبرني سواد بن قارب الأزدي قال: كنت نائما على جبل من جبال السراة، فأتاني آت فضربني برجله، وذكر القصة أيضا.
ورواه أيضا من طريق محمد بن البراء، عن أبي بكر ابن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: قال سواد بن قارب: كنت نازلا بالهند فجاءني رئي ذات ليلة فذكر القصة. وقال بعد إنشاد الشعر الأخير:
فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه وقال: « أفلحت يا سواد ».
وقال أبو نعيم في كتاب (دلائل النبوة): حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن علي بن حرب، حدثنا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله العماني قال:
كان منا رجل يقال له مازن بن العضوب يسدن صنما بقرية يقال لها سمايا من عمان، وكانت تعظمه بنو الصامت، وبنو حطامة، ومهرة - وهم أخوال مازن - أمه زينب بنت عبد الله بن ربيعة بن خويص أحد بني نمران.
قال مازن: فعترنا يوما عند الصنم عتيرة - وهي الذبيحة - فسمعت صوتا من الصنم يقول: يا مازن اسمع تسر ظهر خير وبطن شر، بعث نبي من مضر بدين الله الأكبر، فدع نحيتا من حجر، تسلم من حر سقر.
قال: ففزعت لذلك فزعا شديدا، ثم عترنا بعد أيام عتيرة أخرى، فسمعت صوتا من الصنم يقول: أقبل إلي، أقبل تسمع ما لا تجهل، هذا نبي مرسل، جاء بحق منزل، فآمن به كي تعدل عن حر نار تشعل، وقودها الجندل.
قال مازن: فقلت: إن هذا لعجب، وإن هذا لخير يراد بي، وقدم علينا رجل من الحجاز فقلت: ما الخبر وراءك؟ فقال: ظهر رجل يقال له أحمد، يقول لمن أتاه: أجيبوا داعي الله.
فقلت: هذا نبأ ما سمعت، فثرت إلى الصنم فكسرته جذاذا، وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول الله فشرح الله صدري للإسلام فأسلمت، وقلت:
كسرت باجرا أجذاذا وكان لنا * ربا نطيف به ضلا بتضلال
فالهاشمي هدانا من ضلالتنا * ولم يكن دينه مني على بال
يا راكبا بلِّغن عمرا وإخوتها * إني لمن قال ربي باجر قالي
يعني يعمرو الصامت وإخوتها حطامة. فقلت يا رسول الله: إني امرؤ مولع بالطرب، وبالهلوك من النساء وشرب الخمر، وألحت علينا السنون فأذهبن الأموال، وأهزلن السراري، وليس لي ولد، فادعُ الله أن يذهب عني ما أجد ويأتينا بالحيا، ويهب لي ولدا.
فقال النبي : « اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن، وبالحرام الحلال، وبالإثم وبالعهر عفة، وآته بالحيا وهب له ولدا ».
قال: فأذهب الله عني ما أجد، وأخصبت عمان، وتزوجت أربع حرائر، وحفظت شطر القرآن، ووهب لي حيان بن مازن، وأنشأ يقول:
إليك رسول الله خبت مطيتي * تجوب الفيافي من عمان إلى العرج
لتشفع لي يا خير من وطىء الحصى * فيغفر لي ربي فأرجع بالفلج
إلى معشر خالفت في الله دينهم * فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي
وكنت امرءا بالخمر والعهر مولعا * شبابي حتى آذن الجسم بالنهج
فبدلني بالخمر خوفا وخشية * وبالعهر إحصانا فحصن لي فرجي
فأصبحت همي في الجهاد ونيتي * فلله ما صومي ولله ما حجي
قال: فلما أتيت قومي أنبوني وشتموني، وأمروا شاعرا لهم فهجاني، فقلت: إن رددت عليه فإنما أهجو نفسي، فرحلت عنهم فأتتني منهم زلفة عظيمة، وكنت القيم بأمورهم.
فقالوا: يا ابن عم عبنا عليك أمرا وكرهنا ذلك، فإن أبيت ذلك فارجع، وقم بأمورنا، وشأنك وما تدين، فرجعت معهم وقلت:
لبغضكم عندنا مر مذاقته * وبغضنا عندكم يا قومنا لبن
لا يفطن الدهر إن بثت معائبكم * وكلكم حين يثني عيبنا فطن
شاعرنا مفحم عنكم وشاعركم * في حدبنا مبلغ في شتمنا لسن
ما في القلوب عليكم فاعلموا وغر * وفي قلوبكم البغضاء والإحن
قال مازن: فهداهم الله بعد إلى الاسلام جميعا.
وروى الحافظ أبو نعيم من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: إن أول خبر كان بالمدينة بمبعث رسول الله : أن امرأة بالمدينة كان لها تابع من الجن، فجاء في صورة طائر أبيض، فوقع على حائط لهم. فقالت له: لم لا تنزل إلينا فتحدثنا ونحدثك، وتخبرنا ونخبرك؟
فقال لها: إنه قد بعث نبي بمكة، حرم الزنا، ومنع منا القرار.
وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزهري، عن علي بن الحسين قال: إن أول خبر قدم المدينة عن رسول الله : أن امرأة تدعى فاطمة كان لها تابع، فجاءها ذات يوم فقام على الجدار، فقالت: ألا تنزل؟
فقال: لا إنه قد بعث الرسول الذي حرم الزنا.
وأرسله بعض التابعين أيضا وسماه بابن لوذان، وذكر أنه كان قد غاب عنها مدة، ثم لما قدم عاتبته فقال: إني جئت الرسول فسمعته يحرم الزنا فعليك السلام.
وقال الواقدي: حدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: قال عثمان بن عفان: خرجنا في عير إلى الشام - قبل أن يبعث رسول الله - فلما كنا بأفواه الشام - وبها كاهنة - فتعرضتنا فقالت: أتاني صاحبي فوقف على بابي فقلت: ألا تدخل؟
فقال: لا سبيل إلى ذلك خرج أحمد، وجاء أمر لا يطاق. ثم انصرفت فرجعت إلى مكة فوجدت رسول الله قد خرج بمكة، يدعو إلى الله عز وجل.
و قال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله الزهري قال: كان الوحي يسمع، فلما كان الإسلام منعوا، وكانت امرأة من بني أسد يقال لها سعيرة لها تابع من الجن، فلما رأى الوحي لا يستطاع، أتاها فدخل في صدرها، فضج في صدرها فذهب عقلها، فجعل يقول من صدرها: وضع العناق، ومنع الرفاق، وجاء أمر لا يطاق، وأحمد حرم الزنا.
وقال الحافظ أبو بكر الخرائطي: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي - بمصر - حدثنا عمارة بن زيد، حدثنا عيسى بن يزيد، عن صالح بن كيسان، عمن حدثه، عن مرداس بن قيس السدوسي قال: حضرت النبي - وقد ذكرت عنده الكهانة وما كان من تغييرها عند مخرجه -
فقلت: يا رسول الله قد كان عندنا في ذلك شيء، أخبرك أن جارية منا يقال لها: الخلصة لم يعلم عليها إلا خيرا، إذا جاءتنا فقالت: يا معشر دوس العجب العجب لما أصابني، هل علمتم إلا خيرا؟
قلنا: وما ذاك. قالت: إني لفي غنمي إذ غشيتني ظلمة، ووجدت كحس الرجل مع المرأة فقد خشيت أن أكون قد حبلت، حتى إذا دنت ولادتها وضعت غلاما أغضف له أذنان كأذني الكلب، فمكث فينا حتى إنه ليلعب مع الغلمان، إذ وثب وثبة وألقى إزاره وصاح بأعلى صوته، وجعل يقول: يا ويلة يا ويلة، يا عولة يا عولة، يا ويل غنم، يا ويل فهم من قابس النار، الخيل والله وراء العقبة، فيهن فتيان حسان نجبة.
قال: فركبنا وأخذنا للأداة، وقلنا: يا ويلك ما ترى؟
فقال: هل من جارية طامث، فقلنا: ومن لنا بها؟
فقال شيخ منا: هي والله عندي عفيفة الأم، فقلنا: فعجلها، فأتى بالجارية وطلع الجبل، وقال للجارية اطرحي ثوبك، واخرجي في وجوههم.
وقال للقوم: اتبعوا أثرها.
وقال لرجل منا يقال له أحمد بن حابس: يا أحمد بن حابس عليك أول فارس، فحمل أحمد فطعن أول فارس فصرعه، وانهزموا فغنمناهم.
قال: فابتنينا عليهم بيتا وسميناه ذا الخلصة، وكان لا يقول لنا شيئا إلا كان كما يقول، حتى إذا كان مبعثك يا رسول الله قال لنا يوما: يا معشر دوس نزلت بنو الحارث بن كعب فركبنا، فقال لنا: اكدسوا الخيل كدسا، احشوا القوم رمسا، انفوهم غدية واشربوا الخمر عشية.
قال: فلقيناهم، فهزمونا وغلبونا، فرجعنا إليه فقلنا: ما حالك وما الذي صنعت بنا؟ فنظرنا إليه وقد احمرت عيناه، وانتصبت أذناه، وانبرم غضبانا، حتى كاد أن ينفطر وقام، فركبنا واغتفرنا هذه له، ومكثنا بعد ذلك حينا، ثم دعانا فقال: هل لكم في غزوة تهب لكم عزا، وتجعل لكم حرزا، ويكون في أيديكم كنزا؟
فقلنا: ما أحوجنا إلى ذلك. فقال: اركبوا فركبنا، فقلنا: ما نقول؟ فقال: بنو الحارث بن مسلمة. ثم قال: قفوا. فوقفنا.
ثم قال: عليكم بفهم، ثم قال: ليس لكم فيهم دم، عليكم بمضرهم أرباب خيل، ونعم. ثم قال: لا، رهط دريد بن الصمة قليل العدد، وفي الذمة ثم قال: لا. ولكن عليكم بكعب بن ربيعة وأسكنوها ضيعة عامر بن صعصعة، فليكن بهم الوقيعة.
قال: فلقيناهم فهزمونا، وفضحونا فرجعنا، وقلنا: ويلك ماذا تصنع بنا؟ قال: ما أدري كذبني الذي كان يصدقني، اسجنوني في بيتي ثلاثا، ثم ائتوني، ففعلنا به ذلك ثم أتيناه بعد ثالثة، ففتحنا عنه فإذا هو كأنه حجرة نار.
فقال: يا معشر دوس، حرست السماء وخرج خير الأنبياء. قلنا: أين؟ قال: بمكة، وأنا ميت فادفنوني في رأس جبل، فإني سوف أضطرم نارا، وإن تركتموني كنت عليكم عارا، فإذا رأيتم اضطرامي وتلهبي فاقذفوني بثلاثة أحجار، ثم قولوا مع كل حجر: بسمك اللهم فإني أهدى وأطفى.
قال: وإنه مات فاشتعل نار، ففعلنا به ما أمر، وقد قذفناه بثلاثة أحجار نقول مع كل حجر: بسمك اللهم فخمد وطفى، وأقمنا حتى قدم علينا الحاج فأخبرونا بمبعثك يا رسول الله. غريب جدا.
وروى الواقدي، عن أبيه، عن ابن أبي ذئب، عن مسلم بن جندب، عن النضر بن سفيان الهذلي، عن أبيه قال: خرجنا في عير لنا إلى الشام، فلما كنا بين الزرقا ومعان، قد عرسنا من الليل، فإذا بفارس يقول وهو بين السماء والأرض: أيها النيام هبوا، فليس هذا بحين رقاد، قد خرج أحمد فطردت الجن كل مطرد، ففزعنا ونحن رفقة حزورة، كلهم قد سمع بهذا.
فرجعنا إلى أهلنا، فإذا هم يذكرون اختلافا بمكة بين قريش في نبي قد خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه أحمد، ذكره أبو نعيم.
وقال الخرائطي: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي - بمصر - حدثنا عمارة بن زيد، حدثني عبد الله بن العلاء، حدثني يحيى بن عروة، عن أبيه أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن جحش بن رئاب، وعثمان بن الحويرث كانوا عند صنم لهم يجتمعون إليه، قد اتخذوا ذلك اليوم من كل سنة عيدا.
كانوا يعظمونه وينحرون له الجزور، ثم يأكلون ويشربون الخمر، ويعكفون عليه فدخلوا عليه في الليل، فرأوه مكبوبا على وجهه، فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله، فلم يلبث أن انقلب انقلابا عنيفا، فأخذوه فردوه إلى حاله، فانقلب الثالثة، فلما رأوا ذلك اغتموا له وأعظموا ذلك.
فقال عثمان بن الحويرث: ما له قد أكثر التنكس إن هذا الأمر قد حدث، وذلك في الليلة التي ولد فيها رسول الله فجعل عثمان يقول:
أبا صنم العيد الذي صُفَّ حوله * صناديد وفد من بعيد ومن قُرب
تنكّست مغلوبا فما ذاك قُلْ لنا * أذاك سفيه أم تنكست للعتب
فإن كان من ذنب أتينا فإننا * نبوءُ بإقرار ونلوي عن الذنب
وإن كنت مغلوبا ونُكِّست صاغرا * فما أنت في الأوثان بالسيد الرب
قال: فأخذوا الصنم فردوه إلى حاله، فلما استوى هتف بهم هاتف من الصنم بصوت جهير وهو يقول:
تردّى لمولود أنارتْ بنوره * جميع فجاج الأرض في الشرق والغرب
وخرت له الأوثان طرا وأرعدتْ * قلوب ملوك الأرض طرا من الرعب
ونار جميع الفرس باخت وأظلمت * وقد بات شاهُ الفرس في أعظم الكرب
وصدّتْ عن الكهان بالغيب جنّها * فلا مخبرُ عنهم بحق ولا كذب
فيا لقصيِّ ارجعوا عن ضلالكم * وهبوا إلى الإسلام والمنزل الرحب
قال: فلما سمعوا ذلك خلصوا نجيا، فقال بعضهم لبعض: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، فقالوا: أجل. فقال لهم ورقة بن نوفل: تعلمون والله ما قومكم على دين، ولقد اخطئوا الحجة وتركوا دين إبراهيم، ما حجر تطيفون به لا يسمع، ولا يبصر، ولا ينفع، ولا يضر، يا قوم التمسوا لأنفسكم الدين، فإنكم و الله ما أنتم على شيء.
قال: فخرجوا عند ذلك يضربون في الأرض، ويسألون عن الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام ؛ فأما ورقة بن نوفل فتنصر وقرأ الكتب حتى علم علما.
وأما عثمان بن الحويرث فسار إلى قيصر فتنصر وحسنت منزلته عنده.
وأما زيد بن عمرو بن نفيل فأراد الخروج فحبس، ثم إنه خرج بعد ذلك فضرب في الأرض حتى بلغ الرقة من أرض الجزيرة، فلقي بها راهبا عالما فأخبره بالذي يطلب، فقال له الراهب: إنك لتطلب دينا ما تجد من يحملك عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلدك، يبعث بدين الحنيفية، فلما قال له ذلك، رجع يريد مكة فغارت عليه لخم فقتلوه.
وأما عبد الله بن جحش فأقام بمكة حتى بعث النبي ، ثم خرج مع من خرج إلى أرض الحبشة، فلما صار بها تنصر وفارق الإسلام فكان بها حتى هلك هنالك نصرانيا. تقدم في ترجمة زيد بن عمر بن نفيل له شاهد.
وقد قال الخرائطي: حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح أبو بكر الوراق، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثني أبي، حدثنا عبد الله بن عبد العزيز، حدثني محمد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أنس السلمي، عن العباس بن مرداس أنه كان يعر في لقاح له نصف النهار، إذ طلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بياض مثل اللبن.
فقال: يا عباس بن مرداس ألم تر أن السماء قد كفت أحراسها، وأن الحرب تجرعت أنفاسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الذي نزل بالبر والتقوى، يوم الإثنين ليلة الثلاثاء، صاحب الناقة القصوى.
قال: فرجعت مرعوبا قد راعني ما رأيت وسمعت، حتى جئت وثنا لنا يدعى الضماد وكنا نعبده ونكلم من جوفه، فكنست ما حوله، ثم تمسحت به وقبلته فإذا صائح من جوفه يقول:
قلْ للقبائل من سليم كلها * هلك الضماد وفاز أهلُ المسجد
هلك الضماد وكان يُعبدُ مرة * قبل الصلاة مع النبي محمد
إن الذي ورِث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريشٍ مهتد
قال: فخرجت مرعوبا حتى أتيت قومي فقصصت عليهم القصة، وأخبرتهم الخبر، وخرجت في ثلاثمائة من قومي بني حارثة إلى رسول الله وهو بالمدينة، فدخلنا المسجد فلما رآني رسول الله قال لي:
« يا عباس، كيف كان إسلامك؟ » فقصصت عليه القصة.
قال فسر بذلك، وأسلمت أنا وقومي.
ورواه الحافظ أبو نعيم في (الدلائل) من حديث أبي بكر بن أبي عاصم عن عمرو بن عثمان به.
ثم رواه أيضا من طريق الأصمعي: حدثني الوصافي عن منصور بن المعتمر، عن قبيصة بن عمرو بن إسحاق الخزاعي، عن العباس بن مرداس السلمي قال: أول إسلامي أن مرداسا أبي لما حضرته الوفاة أوصاني بصنم له يقال له ضماذ، فجعلته في بيت، وجعلت آتيه كل يوم مرة، فلما ظهر النبي سمعت صوتا مرسلا في جوف الليل راعني، فوثبت إلى ضماد مستغيثا وإذا بالصوت من جوفه وهو يقول:
قل للقبيلة من سليم كلها * هلك الأنيس وعاش أهل المسجد
أودى ضماد وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبي محمد
إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد
قال: فكتمته الناس، فلما رجع الناس من الأحزاب، بينا أنا في إبلي بطرف العقيق من ذات عرق راقدا، سمعت صوتا وإذا برجل على جناح نعامة وهو يقول: النور الذي وقع ليلة الثلاثاء مع صاحب الناقة العضباء في ديار إخوان بني العنقاء، فأجابه هاتف من شماله وهو يقول:
بشر الجن وإبلاسها * إن وضعت المطي أحلاسها
وكلأَتِ السماء أحراسها
قال: فوثبت مذعورا، وعلمت أن محمدا مرسل، فركبت فرسي واحتثثت السير، حتى انتهيت إليه فبايعته ثم انصرفت إلى ضماد فأحرقته بالنار، ثم رجعت إلى رسول الله فأنشدته شعرا أقول فيه:
لعمرك إني يوم أجعل جاهلا * ضمادا لرب العالمين مشاركا
وتركي رسول الله والأوس حوله * أولئك أنصار له ما أولئكا
كتاركِ سهل الأرض والحزن يبتغي * ليسلك في وعثِ الأمور المسالكا
فآمنت بالله الذي أنا عبدهُ * وخالفت من أمسى يريد المهالكا
ووجهت وجهي نحو مكة قاصدا * أبايع نبي الأكرمين المباركا
نبي أتانا بعد عيسى بناطقٍ * من الحق فيه الفصل فيه كذلكا
أمين على القرآن أولُ شافع * وأول مبعوث يجيب الملائكا
تلافى عرى الإسلام بعد انتقاضها * فأحكمها حتى أقام المناسكا
عنيتُك يا خير البرية كلها * توسطتَ في الفرعين والمجد مالكا
وأنتَ المصفى من قريش إذا سمت * على ضمرها تبقى القرون المباركا
إذا انتسب الحيان كعب ومالك * وجدناك محضا والنساء العواركا
قال الخرائطي: وحدثنا عبد الله بن محمد البلوي بمصر، حدثنا عمارة بن زيد، حدثنا إسحاق بن بشر وسلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، حدثني شيخ من الأنصار يقال له: عبد الله بن محمود من آل محمد بن مسلمة قال:
بلغني أن رجالا من خثعم كانوا يقولون: إن مما دعانا إلى الإسلام أنا كنا قوما نعبد الأوثان، فبينا نحن ذات يوم عند وثن لنا إذ أقبل نفر يتقاضون إليه، يرجون الفرج من عنده لشيء شجر بينهم، إذ هتف بهم هاتف يقول:
يا أيها الناس ذوو الأجسام * من بين أشياخٍ إلى غلام
ما أنتم وطائش الأحلام * ومسند الحُكم إلى الأصنام
أكلكم في حيرةٍ نيام * أم لا تَرون ما الذي أمامي
من ساطع يجلو دُجى الظلام * قد لاح للناظر من تِهَام
ذاك نبي سيد الأنام * قد جاء بعد الكفر بالإسلام
أكرمه الرحمن من إمام * ومن رسولٍ صادق الكلام
أعدل ذي حكم من الأحكام * يأمرُ بالصلاة والصيام
والبر والصلات للأرحام * ويزجرُ الناس عن الآثام
والرجسِ والأوثانِ والحرام * من هاشمٍ في ذروة السنام
مستعلنا في البلد الحرام
قال: فلما سمعنا ذلك تفرقنا عنه، وآتينا النبي فأسلمنا.
وقال الخرائطي: حدثنا عبد الله البلوي، حدثنا عمارة، حدثني عبيد الله بن العلاء، حدثنا محمد بن عكبر، عن سعيد بن جبير أن رجلا من بني تميم يقال له: رافع بن عمير - وكان أهدى الناس للطريق، وأسراهم بليل، وأهجمهم على هول، وكانت العرب تسميه لذلك دعموص العرب، لهدايته وجراوته على السير - فذكر عن بدء إسلامه قال:
إني لأسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبني النوم، فنزلت عن راحلتي ونختها وتوسدت ذراعها ونمت، وقد تعوذت قبل نومي فقلت: أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن من أن أوذي أو أهاج، فرأيت في منامي رجلا شابا يرصد ناقتي وبيده حربة يريد أن يضعها في نحرها، فانتبهت لذلك فزعا، فنظرت يمينا وشمالا فلم أرَ شيئا فقلت: هذا حلم.
ثم عدت فغفوت فرأيت في منامي مثل رؤياي الأولى، فانتبهت فدرت حول ناقتي فلم أرَ شيئا، وإذا ناقتي ترعد.
ثم غفوت فرأيت مثل ذلك، فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب والتفت فإذا أنا برجل شاب كالذي رأيت في المنام بيده حربة، ورجل شيخ ممسك بيده يرده عنها وهو يقول:
يا مالكَ بن مهلهل بن دِثار * مهلا فدىً لك مئزري وإزاري
عن ناقةِ الأنسي لا تعرض لها * واختَرْ بها ما شئت من أثواري
ولقد بدا لي منكَ ما لم أحتسب * ألا رعيتَ قرابتي وذِماري
تسمو إليه بحربةٍ مسمومةٍ * تُبا لفعلك يا أبا الغفار
لولا الحياءُ وأن أهلك جيرة * لعلمت ما كشّفتُ من أخباري
قال: فأجابه الشاب وهو يقول:
أأردتَ أن تعلو وتخفض ذكرنا * في غير مزرية أبا العيزار
ما كان فيهم سيد فيما مضى * إن الخيارَ هُمو بنو الأخيار
فاقصِدْ لقصدك يا معكبرُ إنما * كان المجيرُ مُهلهِلَ بن دثار
قال: فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش، فقال الشيخ للفتى: قم يا ابن أخت فخذ أيها شئت فداءً لناقة جاري الأنسي، فقام الفتى فأخذ منها ثورا وانصرف. ثم التفت إلى الشيخ فقال: يا هذا إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله فقل: أعوذ بالله رب محمد من هول هذا الوادي، ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها.
قال: فقلت له: ومن محمد هذا؟ قال: نبي عربي، لا شرقي ولا غربي، بعث يوم الإثنين.
قلت: وأين مسكنه؟ قال: يثرب ذات النخل.
قال: فركبت راحلتي حين برق لي الصبح، وجددت السير حتى تقحمت المدينة، فرآني رسول الله فحدثني بحديث قبل أن أذكر له منه شيئا، ودعاني إلى الإسلام فأسلمت.
قال سعيد بن جبير: وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا } [1].
وروى الخرائطي من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، عن داود بن الحسين، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن علي قال: إذا كنت بوادٍ تخاف السبع فقل: أعوذ بدانيال والجب من شر الأسد.
وروى البلوي عن عمارة بن زيد، عن إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، حدثني يحيى بن عبد الله بن الحارث، عن أبيه، عن ابن عباس قصة قتال علي الجن بالبئر ذات العلم التي بالجحفة حين بعثه رسول الله يستقي لهم الماء، فأرادوا منعه وقطعوا الدلو فنزل إليهم، وهي قصة مطولة منكرة جدا، والله أعلم.
وقال الخرائطي: حدثني أبو الحارث: محمد بن مصعب الدمشقي وغيره، حدثنا سليمان بن بنت شرحبيل الدمشقي، حدثنا عبد القدوس بن الحجاج، حدثنا خالد بن سعيد، عن الشعبي، عن رجل قال:
كنت في مجلس عمر بن الخطاب وعنده جماعة من أصحاب النبي يتذاكرون فضائل القرآن، فقال بعضهم: خواتيم سورة النحل، وقال بعضهم: سورة يس، وقال علي: فأين أنتم عن فضيلة آية الكرسي أما إنها سبعون كلمة في كل كلمة بركة. قال وفي القوم عمرو بن معدي كرب لا يحير جوابا، فقال: أين أنتم عن بسم الله الرحمن الرحيم؟
فقال عمر: حدثنا يا أبا ثور.
قال: بينا أنا في الجاهلية إذ جهدني الجوع فأقحمت فرسي في البرية، فما أصبت إلا بيض النعام، فبينا أنا أسير إذا أنا بشيخ عربي في خيمة، وإلى جانبه جارية كأنها شمس طالعة ومعه غنيمات له، فقلت له: استأسر ثكلتك أمك، فرفع رأسه إلي وقال: يا فتى إن أردت قرى فانزل، وإن أردت معونة أعنَّاك؟
فقلت له: أستأسر.
فقال:
عرضنا عليك النّزْل منا تكرما * فلم ترعوي جهلا كفعل الأشائم
وجئتَ ببهتان وزور ودون ما * تمنّيتهُ بالبيض حزُّ الغلاصم
قال: ووثب إلي وثبة وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فكأني مثلت تحته. ثم قال: أقتلك أم أخلي عنك؟ قلت: بل خلِّ عني. قال: فخلى عني. ثم إن نفسي جاذبتني بالمعاودة فقلت: استأسر ثكلتك أمك، فقال:
ببسم الله والرحمن فُزْنا * هنالك والرحيمُ به قَهَرنا
وما تغني جلادة ذي حفاظٍ * إذا يوما لمعركة برزنا
ثم وثب لي وثبة كأني مثلت تحته. فقال: أقتلك أم أخلي عنك؟ قال: قلت بل خل عني، فخلى عني فانطلقت غير بعيد. ثم قلت في نفسي: يا عمرو أيقهرك هذا الشيخ، والله للموت خير لك من الحياة، فرجعت إليه فقلت له: استأسر ثكلتك أمك، فوثب إلي وثبة وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم فكأني مثلت تحته.
فقال: أقتلك أم أخلي عنك؟ قلت: بل خل عني. فقال: هيهات، يا جارية إئتني بالمدية، فأتته بالمدية فجزَّ ناصيتي. وكانت العرب إذا ظفرت برجل فجزت ناصيته استعبدته، فكنت معه أخدمه مدة.
ثم إنه قال: يا عمرو أريد أن تركب معي البرية، وليس بي منك وجل، فإني ببسم الله الرحمن الرحيم لواثق.
قال: فسرنا حتى أتينا واديا أشبا مهولا مغولا، فنادى بأعلى صوته: بسم الله الرحمن الرحيم، فلم يبق طير في وكره إلا طار. ثم أعاد القول فلم يبق سبع في مربضه إلا هرب. ثم أعاد الصوت فإذا نحن بحبشي قد خرج علينا من الوادي كالنخلة السحوق.
فقال لي: ياعمرو إذ رأيتنا قد اتحدنا فقل غلبه صاحبي ببسم الله الرحمن الرحيم.
قال: فلما رأيتهما قد اتحدا قلت: غلبه صاحبي باللات والعزى فلم يصنع الشيخ شيئا، فرجع إلي وقال: قد علمت أنك قد خالفت قولي
قلت: أجل ولست بعائد، فقال: إذا رأيتنا قد اتحدنا فقل غلبه صاحبي ببسم الله الرحمن الرحيم، فقلت: أجل. فلما رأيتهما قد اتحدا قلت: غلبه صاحبي ببسم الله الرحمن الرحيم، فاتكأ عليه الشيخ، فبعجه بسيفه فاشتق بطنه فاستخرج منه شيئا كهيئة القنديل الأسود. ثم قال: يا عمرو هذا غشه وغله. ثم قال: أتدري من تلك الجارية؟ قلت: لا.
قال: تلك الفارعة بنت السليل الجرهمي من خيار الجن، وهؤلاء أهلها بنو عمها يغزونني منهم كل عام رجل ينصرني الله عليه ببسم الله الرحمن الرحيم.
ثم قال: قد رأيت ما كان مني إلى الحبشي، وقد غلب علي الجوع فائتني بشيء آكله، فأقحمت بفرسي البرية، فما أصبت الأبيض النعام، فأتيته به فوجدته نائما، وإذا تحت رأسه شيء كهيئة الحشبة، فاستللته فإذا هو سيف عرضه شبر في سبعة أشبار، فضربت ساقيه ضربة أبنت الساقين مع القدمين، فاستوى على قفا ظهره وهو يقول: قاتلك الله ما أغدرك يا غدار.
قال عمر: ثم ماذا صنعت؟ قلت: فلم أزل أضربه بسيفي حتى قطعته إربا إربا. قال: فوجم لذلك ثم أنشأ يقول:
بالغدر نلت أخا الإسلام عن كثب * ما إن سمعت كذا في سالف العرب
والعجم تأنف مما جئته كرما * تبا لما جئته في السيد الأرب
إني لأعجب أني نلت قتلته * أم كيف جازاك عند الذنب لم تنب
قرم عفا عنك مرات وقد علقت * بالجسم منك يداه موضع العطب
لو كنت آخذٍ في الإسلام ما فعلوا * في الجاهلية أهل الشرك والصلب
إذا لنالتك من عدلي مشطبة * تدعو لذائقها بالويل والحرب
قال: ثم ما كان من حال الجارية قلت: ثم إني أتيت الجارية فلما رأتني قالت: ما فعل الشيخ؟ قلت: قتله الحبشي. فقالت: كذبت بل قتلته أنت بغدرك، ثم أنشأت تقول:
يا عين جودي للفارس المغوار * ثم جودي بواكفات غزار
لا تملي البكاء إذ خانك الدهر * بواف حقيقة صبار
وتقي وذي وقار وحلم * وعديل الفخار يوم الفخار
لهف نفسي على بقائك عمرو * أسلمتك الأعمار للأقدار
ولعمري لو لم ترمه بغدر * رمت ليثا كصارم بتار
قال: فأحفظني قولها فاستللت سيفي ودخلت الخيمة لأقتلها، فلم أر في الخيمة أحدا، فاستقت الماشية وجئت إلى أهلي وهذا أثر عجيب.
والظاهر أن الشيخ كان من الجان، وكان ممن أسلم وتعلم القرآن، وفيما تعلمه بسم الله الرحمن الرحيم، وكان يتعوذ بها.
وقال الخرائطي: حدثنا عبد الله بن محمد البلوى، حدثنا عمارة بن زيد قال: حدثني عبد الله بن العلاء، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: كان زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل يذكران أنهما أتيا النجاشي بعد رجوع أبرهة من مكة، قالا: فلما دخلنا عليه قال لنا: أصدقاني أيها القرشيان هل ولد فيكم مولود أراد أبوه ذبحه فضرب عليه بالقداح فسلم، ونحرت عنه إبل كثيرة؟
قلنا: نعم. قال: فهل لكما علم به ما فعل؟ قلنا: تزوج امرأة يقال لها آمنة بنت وهب، تركها حاملا وخرج. قال: فهل تعلمان ولد أم لا؟ قال ورقة بن نوفل: أخبرك أيها الملك أني ليلة قد بت عند وثن لنا كنا نطيف به ونعبده إذ سمعت من جوفه هاتفا يقول:
ولد النبي فذلت الأملاك * ونأى الضلال وأدبر الإشراك
ثم انتكس الصنم على وجهه، فقال زيد بن عمرو بن نفيل: عندي كخبره أيها الملك. قال: هات. قال: أنا في مثل هذه الليلة التي ذكر فيها حديثه، خرجت من عند أهلي وهم يذكرون حمل آمنة، حتى أتيت جبل أبي قبيس أريد الخلو فيه لأمر رابني، إذ رأيت رجلا نزل من السماء له جناحان أخضران، فوقف على أبي قبيس، ثم أشرف على مكة فقال: ذل الشيطان، وبطلت الأوثان، ولد الأمين.
ثم نشر ثوبا معه، وأهوى به نحو المشرق والمغرب، فرأيته قد جلل ما تحت السماء، وسطع نور كاد أن يختطف بصري، وهالني ما رأيت، وخفق الهاتف بجناحيه حتى سقط على الكعبة، فسطع له نور أشرقت له تهامة.
وقال: ذكت الأرض، وأدت ربيعها، وأومأ إلى الأصنام التي كانت على الكعبة فسقطت كلها.
قال النجاشي: ويحكما أخبركما عما أصابني ؛ إني لنائم في الليلة التي ذكرتما في قبة وقت خلوتي، إذ خرج علي من الأرض عنق ورأس، وهو يقول: حل الويل بأصحاب الفيل، رمتهم طير أبابيل، بحجارة من سجيل، هلك الأشرم المعتدي المجرم، وولد النبي الأمي المكي الحرمي، من أجابه سعد، ومن أباه عتد.
ثم دخل الأرض فغاب، فذهبت أصيح فلم أطق الكلام، ورمت القيام فلم أطق، القيام فصرعت القبة بيدي فسمع بذلك أهلي فجاؤني. فقلت: أحجبوا عني الحبشة فحجبوهم عني، ثم أطلق عن لساني ورجلي.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في قصة المولد رؤيا كسرى في سقوط أربع عشرة شرافة من إيوانه، وخمود نيرانه، ورؤيا موئذانه، وتفسير سطيح لذلك على يدي عبد المسيح.
وروى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في (تاريخه) في ترجمة الحارث بن هانىء بن المدلج بن المقداد بن زمل بن عمرو العذري، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن زمل بن عمرو العذري قال: كان لبني عذرة صنم يقال له حمام، وكانوا يعظمونه، وكان في بني هند بن حرام بن ضبة بن عبد بن كثير بن عذرة، وكان سادنه رجلا يقال له طارق، وكانوا يعترون عنده.
فلما ظهر رسول الله سمعنا صوتا يقول: يا بني هند بن حرام ظهر الحق، وأودى صمام، ودفع الشرك الإسلام. قال: ففزعنا لذلك وهالنا فمكثنا أياما، ثم سمعنا صوتا وهو يقول: يا طارق يا طارق، بعث النبي الصادق، بوحي ناطق، صدع صادع بأرض تهامة، لناصريه السلامة، ولخاذليه الندامة، هذا الوداع مني إلى يوم القيامة.
قال زمل: فوقع الصنم لوجهه. قال: فابتعت راحلة ورحلت حتى أتيت النبي مع نفر من قومي، وأنشدته شعرا قلته:
إليك رسول الله أعملت نصها * وكلفتها حزنا وغورا من الرمل
لأنصر خير الناس نصرا مؤزرا * وأعقد حبلا من حبالك في حبلي
وأشهد أن الله لا شيء غيره * أدين به ما أثقلت قدمي نعلي
قال: فأسلمت وبايعته، وأخبرناه بما سمعنا فقال: ذاك من كلام الجن، ثم قال: يا معشر العرب إني رسول الله إليكم وإلى الأنام كافة، أدعوهم إلى عبادة الله وحده، وإني رسوله وعبده، وأن تحجوا البيت، وتصوموا شهرا من اثني عشر شهرا وهو شهر رمضان، فمن أجابني فله الجنة نزلا، ومن عصاني كانت النار له منقلبا.
قال: فأسلمنا وعقد لنا لواء، وكتب لنا كتابا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لزمل بن عمرو ومن أسلم معه خاصة، إني بعثته إلى قومه عامدا فمن أسلم ففي حزب الله ورسوله، ومن أبى فله أمان شهرين، شهد علي بن أبي طالب، ومحمد بن مسلمة الأنصاري. ثم قال ابن عساكر غريب جدا.
وقال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في (مغازيه): حدثني محمد بن سعيد - يعني عمه - قال: قال محمد بن المنكدر: إنه ذكر لي عن ابن عباس قال: هتف هاتف من الجن على أبي قبيس فقال:
قبح الله رأيكم آل فهر * ما أدق العقول والأفهام
حين تعصى لمن يعيب عليها * دين آبائها الحماة الكرام
حالف الجن جن بصرى عليكم * ورجال النخيل والآطام
توشك الخيل أن تردها تهادى * تقتل القوم في حرام بهام
هل كريم منكم له نفس حر * ماجذ الوالدين والأعمام
ضارب ضربة تكون نكالا * ورواحا من كربة واغتمام
قال ابن عباس: فأصبح هذا الشعر حديثا لأهل مكة يتناشدونه بينهم، فقال رسول الله :
« هذا شيطان يكلم الناس في الأوثان يقال له: مسعر والله مخزيه ».
فمكثوا ثلاثة أيام فإذا هاتف يهتف على الجبل يقول:
نحن قتلنا في ثلاث مسعرا * إذ سفه الجن وسن المنكرا
قنعته سيفا حساما مشهرا * بشتمه نبينا المطهرا
فقال رسول الله : « هذا عفريت من الجن اسمه سمج آمن بي سميته عبد الله أخبرني أنه في طلبه ثلاثة أيام ».
فقال علي: جزاه الله خيرا يا رسول الله.
وقد روى الحافظ أبو نعيم في (الدلائل) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن بن جعفر، حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن موسى بن أبي حرب الصفار، حدثنا عباس بن الفرج الرياشي، حدثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت، عن أبيه، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، عن سعد بن عبادة قال:
بعثني رسول الله إلى حضرموت في حاجة قبل الهجرة، حتى إذا كنت في بعض الطريق ساعة من الليل، فسمعت هاتفا يقول:
أبا عمرو ناوبني السهود * وراح النوم وامتنع الهجود
لذكر عصابة سلفوا وبادوا * وكل الخلق قصرهم يبيد
تولوا واردين إلى المنايا * حياضا ليس منهلها الورود
مضوا لسبيلهم وبقيت خلفا * وحيدا ليس يسعفني وحيد
سدى لا أستطيع علاج أمر * إذا ما عالج الطفل الوليد
فلأيا ما بقيت إلى أناس * وقد باتت بمهلكها ثمود
وعاد والقرون بذي شعوب * سواء كلهم إرم حصيد
قال: ثم صاح به آخر: يا خرعب ذهب بك العجب إن العجب كل العجب بين زهرة ويثرب.
قال: وما ذاك يا شاحب؟
قال: نبي السلام، بعث بخير الكلام إلى جميع الأنام، فاخرج من البلد الحرام، إلى نخيل وآطام.
قال: ما هذا النبي المرسل، والكتاب المنزل، والأمي المفضل؟
قال: رجل من ولد لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
قال: هيهات فات عن هذا سني، وذهب عنه زمني، لقد رأيتني والنضر بن كنانة نرمي غرضا واحدا، ونشرب حلبا باردا، ولقد خرجت به من دوحة في غداة شبمة، وطلع مع الشمس، وغرب معها، يروي ما يسمع، ويثبت ما يبصر، ولئن كان هذا من ولده لقد سل السيف، وذهب الخوف، ودحض الزنا، وهلك الربا.
قال: فأخبرني ما يكون.
قال: ذهبت الضراء والبؤس، والمجاعة والشدة والشجاعة، إلا بقية في خزاعة، وذهبت الضراء والبؤس، والخلق المنفوس إلا بقية من الخزرج والأوس، وذهبت الخيلاء والفخر، والنميمة والغدر، إلا بقية في بني بكر - يعني ابن هوازن - وذهب الفعل المندم، والعمل المؤتم، إلا بقية في خثعم.
قال: أخبرني ما يكون. قال: إذا غلبت البرة، وكظمت الحرة، فاخرج من بلاد الهجرة، وإذا كف السلام، وقطعت الأرحام، فاخرج من البلد الحرام.
قال: أخبرني ما يكون. قال: لولا أذن تسمع، وعين تلمع، لأخبرتك بما تفزع. ثم قال:
لا منام هدأته بنعيم * يا ابن غوط ولا صباح أتانا
قال: ثم صرصر صرصرة كأنها صرصرة حبلى، فذهب الفجر فذهبت لأنظر فإذا عظاية وثعبان ميتان.
قال: فما علمت أن رسول الله هاجر إلى المدينة إلا بهذا الحديث.
ثم رواه عن محمد بن جعفر، عن إبراهيم بن علي، عن النضر بن سلمة، عن حسان بن عبادة بن موسى، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر، عن ابن عباس، عن سعد بن عبادة قال: لما بايعنا رسول الله ليلة العقبة، خرجت إلى حضر موت لبعض الحاج، قال: فقضيت حاجتي، ثم أقبلت حتى إذا كنت ببعض الطريق نمت، ففزعت من الليل بصائح يقول:
أبا عمرو ناوبني السهود * وراح النوم وانقطع الهجود
وذكر مثله بطوله.
وقال أبو نعيم: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا إبراهيم بن علي، حدثنا النضر بن سلمة، حدثنا أبو غزية محمد بن موسى، عن العطاف بن خالد الوصابي، عن خالد بن سعيد، عن أبيه قال: سمعت تميما الداري يقول: كنت بالشام حين بعث النبي فخرجت لبعض حاجتي فأدركني الليل، فقلت: أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة.
قال: فلما أخذت مضجعي إذا أنا بمناد ينادي - لا أراه - عذبا لله فإن الجن لا تجير أحدا على الله، فقلت: أيم الله تقول؟ فقال: قد خرج رسول الأميين رسول الله وصلينا خلفه بالحجون.
فأسلمنا واتبعناه وذهب كيد الجن ورميت بالشهب، فانطلق إلى محمد رسول رب العالمين فأسلم.
قال تميم: فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب، فسألت راهبا وأخبرته الخبر، فقال الراهب: قد صدقوك، يخرج من الحرم ومهاجره الحرم، وهو خير الأنبياء، فلا تسبق إليه.
قال تميم: فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله فأسلمت.
وقال حاتم بن إسماعيل، عن عبد الله بن يزيد الهذلي، عن عبد الله بن ساعدة الهذلي، عن أبيه قال: كنا عند صنمنا سواع، وقد جلبنا إليه غنما لنا مائتي شاة قد أصابها جرب، فأدنيناها منه لنطلب بركته، فسمعت مناديا من جوف الصنم ينادي: قد ذهب كيد الجن ورمينا بالشهب لنبي اسمه أحمد.
قال: فقلت: غويت والله، فصدقت وجه غنمي منجدا إلى أهلي، فرأيت رجلا فخبرني بظهور النبي . ذكره أبو نعيم هكذا معلقا، ثم قال: حدثنا عمر بن محمد بن جعفر، حدثنا إبراهيم بن السندي، حدثنا النضر بن سلمة، حدثنا محمد بن مسلمة المخزومي، حدثنا يحيى بن سليمان، عن حكيم بن عطاء الظفري من بني سليم من ولد راشد بن عبد ربه، عن أبيه، عن جده، عن راشد بن عبد ربه قال:
كان الصنم الذي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/باب في هواتف الجان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/كعب بن لؤي
» الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/قصة سبأ
» الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/فصل في حال بني إسرائيل
» الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/قصة لقمان
» الجزء الثاني/كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)/ذكر خبر المائدة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: