الحروب الصليبية

تعرف بهذا الإسم الحملات العسكرية التي قامت بها في اوروبا المسيحية الى الشرق العربي والإسلامي في خلال القرنين (الثاني عشر والثالث عشر) الميلادي في فترة (1096- 1291م) وقد جرت هذه الحملات تحت ستار الدوافع الدينية (انقاذ بيت المقدس من المسلمين ) إلا انها كانت في الحقيقة ذات دوافع اقتصادية في الأساس وبلغ عدد هذه الحملات أو الحروب سبعة على النحو التالي :ـ
الحملة الصليبية الأولى (1096- 1099م)
بدأت هذه الحملة بكتائب شعبية من المشاه والنساء والأطفال قادها بطرس الناسك إلا انها أبيدت على أبواب مدينة نيقيه عاصمة السلجوقيين بآسيا الصغرى وعلى يد السلطان السلجوقي قليج ارسلان
اما الحملة الصليبية العسكرية الأولى فقد انطلقت بأربعة جيوس واحد من جنوبي فرنسا بقيادة ريموند سان جيل 0
الثاني من شمال فرنسا بقيادة روبرت كورت هوز 0
الثالث من اعالي فرنسا بقيادة غود فروا دي بيون 0
الرابع من جنوبي ايطاليا بقيادة تكريد 0
اتفق القادة الأربعة على ان يلتقوا عام 1097م في القسطنطينية وكانت عاصمة للبيزنطيين بل تجاوزتها الى الأناضول فاستولت على نقيه عاصمة السلجوقيين ثم الرها ثم انطاكية ثم بيت المقدس ثم عكا وطرابلس وصور 0
وقد اتمت فتح هذه البلدان جميعها في عام 1099م وكونت فيها مملكة وثلاث امارات هي /
امارة الرها وعليها بودوان اخو غود فروا دي وكانت اول امارة لاتينية اقيمت في الشرق الإسلامي 0
امارة انطاكية وعليها بوهيموند 0
امارة طرابلس وعليها ريمون دي سان جيل 0
مملكة بيت المقدس وعليها غود فروا دي بوبون 0
الحملة الصليبية الثانية (1147- 1149م)
برزت في هذه الفترة عائلة اسلامية قيادية جديدة هي عائلة (آل زنكي) وكان عماد الدين زنكي اتاباك في الموصل والعراق وكبيرامراء السلاجقة فقد عقد العزم على طرد الصليبيين من البلاد فقصد الشام واحتل حلب ثم سقطت امارة الرها بيده إلا أنه توفي قبل ان يحقق اهدافه في طرد الصليبيين فخلفه ابنه نور الدين زنكي على الشام الذي تابع القتال ضد الصليبيين وأخمد ثورة الأرمن في الرها عام 1147م فقدمت الحملة الصليبية الثانية لتتصدى لنور الدين زنكي الذي اصبح يهدد الحكم الصليبي في الشرق 0
قد تزعم هذه الحملة الراهب الفرنسي سان برنار وانضم اليه بعض الملوك والأمراء مثل لويس السابع ملك فرنسا وكونراد الثالث ملك المانيا ولكن هذه الحملة باءت بالفشل لاحتدام الخلاف بين قادتها من جهة وحصارها امام السلجوقيين من جهة اخرى وفي هذه الأثناء توفي نور الدين زنكي عام 1174م فاستلم صلاح الدين الأيوبي الذي خلف اسد الدين شيركوه في الوزارة فألغى الخلافة الفاطمية ودعا الى الخلافة العباسية بغداد وأعلن نفسه سلطانا عام 1183م على مصر والشام والعراق بعد ان اعلن توحيد هذه البلاد 0
ثم انطلق بجيوشه يحارب الصليبيين واضعا نصب عينيه تحرير بيت المقدس من قبضتهم0
وفي عام 1187م خاض صلاح الدين ضد الصليبيين معركته الشهيرة (حطين) فهزم الصليبيين فيها وقد بلغ عدد قتلاهم نحو عشرة آلاف وأسر ملك بيت المقدس وقتل آرناط صاحب الكرك ثم حرر صلاح الدين من
قبضة الصليبيين من نفس العام كلا من عكا وصيدا وجبيل وبيروت وسائر الساحل الشمالي ثم الرملة وغزة وبيت لحم ثم حاصر بيت المقدس مدة اسبوع استسلمت بعده وتم صلاح الدين ما ابتغى وهو اعادة بيت المقدس الى حكم المسلمين 0
اما فلول الصليبيين فقد اجتمعت بصور وتوجهت بعد ذلك الى عكا لمحصرتها 1189م 0
الحملة الصليبية الثالثة (1189- 1192م)
قاد هذه الحملة ثلاثة من اشهر ملوك اوروبا وهم :ـ
امبراطور المانيا فريدريك بربروس
ملك فرنسا فيليب أوغست
ملك انجلترا ريتشارد قلب الأسد
إلا أن مصيرها كان الفشل كسابقتها إذ ان الإمبراطور فريدريك قائد الجيش الألماني البالغ مائة الف مقاتل غرق في نهر (السالف) وهو في طريقه الى الشرق فتشتت جيشه من بعده ةرجع قسم كبير منه الى المانيا ولم يصل منه الى سوريا الا قسم ضئيل , وأما الجيشان الفرنسي والانجليزي فقد التقيا في صقلية ولكن قائديهما (ملك فرنسا وانجلترا) افترقا على خلاف فوصل الفرنسيون الى عكا ليعززوا القوة الصليبية التي تحاصرها اما ريتشارد فقد احتل قبرص ثم توجه بعدها لنجدة بيت المقدس الذي اطلقه صلاح الدين من الأمر 0
وسقطت عكا بيد الصليبيين من جديد بعد حصار طويل 0
إلا أن الخلاف بينهم عاد يظهر من جديد فرحل فيليب ملك فرنسا عائدا الى بلاده وظل ريتشارد يقاتل صلاح الدين راغبا بإعادة بيت المقدس الى الحكم الصليبي الى ان انتهى القتال بعجز ريتشارد عن استعادة بيت المقدس وبتوقيع صلح الرملة بين الطرفين 1192م وقد توفي صلاح الدين الأيوبي بعد هذا الصلح بعام واحد 1193م 0
الحملة الصليبية الرابعة (1203- 1204م)
كانت هذه الحملة موجهة ضد مصر التي كانت تعاني من الحرب الأهلية التي نشبت بين ابناء صلاح الدين الأيوبي وقد اشعل نارها البابا (الوسنت الثالث) داعيتها (فولوك دي نوبي ) ولقد استجاب لدعوته كثير من الإقطاعيين والأشراف بفرنسا منهم بودين التاسع 0
ولكن شعور الكراهية الذي كان ينتاب الأوروبيين ضد البيزنطيين جعلهم يعتقدون انه لن يكون بإمكانهم مقارعة المسلمين إلا إذا أقاموا دولة لاتينية على أنقاض الدولة البيزنطية في القسطنطينية وهكذا تحولت هذه الحملة عن هدفها الأصلي واتجهت نحو القسطنطينية فاحتلتها سنة1204م ونصب بودين التاسع امبراطورا عليها باسم (بودين الأول) 0
الحملة الصليبية الخامسة (1216- 1221م)
كان الداعية الى هذه الحملة البابا هونور ريوس الثالث وقد استجاب لدعوته الإمبراطور أندريه الثاني ملك الجر نزلت هذه الحملة بعكا 1217م فهب بصدها الملك العادل سلطان الدولة الأيوبية في مصر إلا انه لم يكن بوسعه مجابهة الصليبيين وجها لوجه لقلة جيشه فاحتل الصليبيون البلدان الشامية من بيسان الى بانياس ثم صيدا والشقيف وحاصروا قلعة الطور فلم يقدروا على فتحها فغادروا الى عكا وعاد امبراطور المجر الى بلاده 0
اما ملك بيت المقدس جان برين فقرر غزو مصر استولى على دمياط عام 1218م وفي هذه الأثناء مات الملك العادل وخلفه الملك الكامل الذي استطاع ان ينهي النزاعمع الصليبيين في مصر ويسترد دمياط 1221م 0
الحملة الصليبية السادسة (1228- 1229م)
قاد هذه الحملة فريدريك الثاني امبراطور المانيا وكان اعظم ملوك اوروبا يومذاك فنزل بعكا سنة1228م وكان الملك الكامل آنذاك في الشام وقد تم التفاهم بين الإمبراطور فريدريك الثاني والملك الكامل على ان يتخلى المسلمون عن الناصرة وبيت لحم وبيت المقدس للصليبيين وان يعطوهم ممرا للحجاج بين القدس والساحل على ان يتعهد فريدريك لقاء ذلك بمساندة الملك الكامل ذد خصومه ومنع وصول امدادات صليبية جديدة الى الشرق لمدة عشر سنوات 0
إلا أن هذا الاتفاق لم يعمر طويلا إذ أنه ما ان توفي الملك الكامل عام 1239م وخلفه ابنه الملك الصالح حتى وصلت قوات صليبية جديدة الى الشام قادته فرنسا فما كان من الملك الصالح الا ان اعلن الحرب من جديد على الصليبيين داخل بيت المقدس ليعيدها الى حظيرة الإسلام سنة 1244م 0
الحرب الصليبية السابعة (1248- 1251م)
لم يرق للأوروبيون ان يسترجع المسلمون بيت المقدس فهبوا لنجدتها من جديد وكانت الحملة الصليبية السابقة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا الذي اصطحب معه كثيرا من الأشراف في هذه الحملة ورأى لويس انه يتوجب عليه لإنقاذ بيت المقدس ان يبدأ بالقضاء على مملكة الأيوبيين في مصر0
فهاجم دمياط واحتلها عام 1249م وفي هذه الأثناء توفي الملك الصالح عام 1249م إلا أن شجرة الدر تسلمت زمام الأمور من بعده وتمكنت بمساعدة جيشها من دحر الصليبيين في عدة معارك اهمها معركة المنصورة سنة 1250م حيث قتل منهم نحو سبعين الفا وقيل خمسين الفا وقيل ثلاثين الفا وأسر مليكهم لويس التاسع ولم يفرج عنه إلا بعد ان تعهد بمغادرة مصر 0
بعد فشل الحملة الصليبية السابعة اصبح الصراع الرئيسي في المنطقة ولفترة من الزمن صراعا بين المماليك من جهة والمغول من جهة ثانية ومع انحسار خطر المغول بدأ السلطان الظاهر بيبرس تحرير ما تبقى من معاقل الصليبيين 0
وعلى اثر تحرير انطاكية في العام سنة 1268م لم يتبق سوى عكا وطرابلس وبعض القلاع المتفرقة في منطقة الصليبيين ولقد تمكن السلطان قلاوون من تحرير طرابلس عام 1289م ثم حرر ابنه السلطان خليل عكا عام 1291م وبهذا انتهى تواجد الصليبيين في الشرق 0