فلسطين بين الإمبراطوريات الثلاث

أولا الحكم الفارسي
تستوجب دراسة الحكم وبناء الدولة أو المماليك دائما العودة الى روح العصر وفلسفته وطبيعته ومن أجل الوصول الى غايتنا سنمر بإيجاز شديد على التاريخ القديم لأرض فلسطين أرض كنعان 0
فقد كان أول من حكم هو حكم الكنعانيين وأول حضارة كانت لهم إلا أن أرض كنعان وهي همزة الوصل بين آسيا وأفريقيا كانت منذ البداية مسرحا لغزوات الحثيين من جهة والمصريين من جهة أخرى أي منذ القرن الخامس عشرق0م ومنذ القرن الثاني عشر ق0م أخذ بنوا اسرائيل من جهة والفلسطينيون من جهة أخرى يبني كل منهما له حكما طالما امتدت المماليك المجاورة الى داخل البلاد جنوبا أو شمالا لتتقلص من جديد فسرعان ما كانت خرائط المماليك القديمة تتغير 0
وفي القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد عادت فلسطين من جديد مسرحا للغزوات الخارجية فتعرضت هذه المرة للآشوريين التي خضعت لهم سنة 732قبل الميلاد وللمصريين 608 قبل الميلاد وفي القرن السادس قبل الميلاد كانت مملكة يهوذا الجنوبية قد انتهت على يد الكلدانيين كما كانت المملكة الاسرائيلية الشمالية انتهت على يد الآشوريين 0
استعان الملك كورش باليهود على فتح بابل وقد طلبوا منه في المقابل العودة إلى فلسطين فسمح لهم بذلك وخصوصا أن زوجته أستير كانت يهودية وقد عاد منهم خمسون ألفا فقط وفضل الأغنياء بالذات البقاء في بابل 0
وأراد كورش ان يكون اليهود جواسيس له وأعوانا على استتباب حكمه في فلسطين وعلى فتح مصر 0
وفي عهد ابنه قمبيز تم للفرس الإستيلاء على مصر وقد ساعدهم العرب في جنوب فلسطين وبفتح مصر اصبحت المنطقة المعروفة في عصرنا (بالشرق الأوسط) خاضعة في القسم الأكبر منها 0
وفي عهد داريوس الكبير (521ق0م- 485ق0م) وصل الفرس الى أوروبا وأرادوا فتح اليونان فكانت الروب الفارسية اليونانية التي خسرها الفرس وربحها اليونان 0
وكانت نتيجة هذه المعركة الفاصلة بين الشرق والغرب ان اليونان هم الذين عادوا الى الشرق فاتحين بعد وفاة داريوس وضعف الدولة 0
حكم الفرس المنطقة مائتي سنة وفي عهد داريوس قسمت إداريا الى عشرين ولاية باستثناء مصر وبابل التي حكمت كل منهما حكما مباشرا وكانت فلسطين جزءا من الولاية الخامسة وتسمى ولاية ما وراء النهر 0
وانتهى العهد الفارسي بفتوحات الاسكندر المقدوني غير ان الفرس عادوا مرتين لسنوات معدودة 0
الأولى في عهد الإمبراطورية الرومانية وذلك سنة40ق0م والثابية في عهد الإمبراطورية الرومانية الشرقية سنة 614م 0
ثانيا الحكم اليوناني
دام حكم اليونان (الإغريق ) نحو ثلاثة قرون (332ق0م-63ق0م) 0
كما انطلق كورش الفارسي بعد توحيد أجزاء بلاده فاتحا في اتجاه الغرب تطلع أيضا فيليب المقدوني بعد توحيد أجزاء بلاده نحو الشرق فبعد ان حارب المدن اليونانية وانتصر عليها ووحد بلاد الاغريق كلها مع مقدونيا موطنه الأصلي في شمال اليونان صمم على قتال الفرس وبالنسبة الى فلسطين فسواء انطلق الجيش الفارسي من بابل في اتجاه الأناضول وأرض الاغريق أو انطلق الجيش اليوناني في اتجاه بابل فالنتيجة أن أرضها هي المسرح الحربي وهي الممر الدولي وهي ملتقى الجيوش 0
توفي فيليب المقدوني فجأة فتولى من بعده ابنه الإسكندر وهو مازال في العشرين من عمره واضطر الى اعادة اخضاع المدن اليونانية وإجبارها على الإعتراف بسلطانه ثم توجه بجيشه الجرار عبر الدردنيل لمحاربة الفرس 0
فابتدأ(334ق0م) بآسيا الصغرى فسوريا فلبنان ففلسطين ومن الشاطيء الكنعاني الفينيقي استعصت عليه مدينتا صور وغزة فقد قاومته صور سبعة أشهر وقاومته غزة شهرين وقد ساهم الأنباط العرب في الدفاع عن غزة طوال الحصار
أما القدس فقد فتحت له أبوابها بمساعدة اليهود من أبنائها وهم الذين ما عادوا الى القدس إلابمساعدة الفرس وقد جاء دخول الإسكندر القدس ما بين معركتي صور وغزة 0
بعد سقوط غزة (332ق0م) تولى الاسكندر فتح الشام 0
ولم يحكم الاسكندر طويلا فقد توفي (323ق0م) وهو في الثالثة والثلاثين من عمره 0
وفي العهد اليوناني كان سكان فلسطين باستثناء اليونان الحكام يتألفون من الكنعانيين ومن العرب القبائل العربية ومن خليط من السامريين والآراميين واليهود والفلسطينيين وكذلك من مجموعات من بقايا الأمم الفاتحة السابقة كالآشوريين والمصريين والبابليين والحثيين والفرس 0
ثالثا الحكم الروماني
الرومان هم الشعب الثالث بعد الفرس واليونان في حكم الامبراطورية الكبرى والإستيلاء على المنطقة 0
وفي القرن الثالث قبل الميلاد وبعد أن أمنت روما سيادتها على إيطاليا كلها تطلعت إلى خارج حدودها وعبر البحر 0
وكانت لقرطاجة التي بناها الفنيقيون في تونس السيادة على البحر المتوسط فأخذت روما تنازعها في ذلك واستمرت الحروب بينهما أكثر من مائة عام ولما انتهت في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد كانت السيادة قد تأمنت لروما وقرطاجنة قد أحرقت ومن تونس استولت روما غربا على بقية شمال افريقيا ولما حقق الرومان طموحهم غربا توجهوا شرقا ففتحوا مقدونيا بلد الاسكندر وبلاد اليونان كلها وابتدأوا بآسيا الصغرى ولما كان السلوقيون قد أصبحوا ضعفاء فتح القائد الروماني بومبي سوريا من دون عناء أما جنوب سوريا
(فلسطين) فقد كانت السيادة عليه تنقسم حينها بين المكابين والأنباط والمدن اليونانية وبالتعبير القومي في عصرنا هذا بين اليهود والعرب واليونان
قضر الرومان علي المكابيين في مطلع عهدهم وسعوا لإعادة المدن التي دمرها المكابيون ومنها الى السامرة وبيسان وغزة 0
في آخر القرن الرابع للميلاد انقسمت الإمبراطورية الرومانية الى امبراطوريتين غربية وشرقية وكانت فلسطين وسوريا من الأراضي الإمبراطورية الرومانية
الشرقية (395م- 636م) وفي العهد الروماني الشرقي البيزنطي هذا تكرس اسم فلسطين التاريخي اداريا وسياسيا وقسمت البلاد الى ثلاث مناطق :-
1- فلسطين الأولى وتشمل نابلس والخليل والسهل الساحلي حتى رفح وعاصمتها قيسارية 0
2- فلسطين الثانية وتشمل الجليل وأم قيس وقلعة الحصن وطبريا وعاصمتها بيسان0
3- فلسطين الثالثة وهي بلاد الأنباط وتشمل منطقة جنوب فلسطين وبئر السبع وكانت البتراء في الأردن عاصمتها 0
وهكذا ترك هذا التقسيم لمملكة الأنباط وللقبائل العربية وحدة ادارية وجغرافية 0
وعاشت الإمبراطورية في رخاء اقتصادي كبير طوال العهد الروماني الثاني المعروف بلعهد البيزنطي نسبة الى بيزنطة التي اقيمت مكانها القسطنطينية في آسيا الصغرى 0
وكان آخر الأباطرة الرومان في فلسطين وسوريا الإمبراطور هرقل وقد تمكن من استعادة القدس وفلسطين وسوريا بعد ان احتلها جيش كسرى لكن قدرته لم تصمد امام الفتح العربي الإسلامي ومن اشهر المدن حضارة في العهد الروماني كانت قيسارية وعسقلان وغزة 0