ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن (هاروت - ماروت – بابل)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن (هاروت - ماروت – بابل) Empty
مُساهمةموضوع: من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن (هاروت - ماروت – بابل)   من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن (هاروت - ماروت – بابل) Emptyالإثنين نوفمبر 02, 2009 2:45 pm

هاروت - ماروت – بابل
ليس في التوراة والإنجيل" هاروت وماروت" ولا ذكر في قصص أهing;ل الكتاب لفتنة هاروت وماروت في بابل على نحو ما يقصه القرآن : {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} (102) سورة البقرة.
ولم تأت "هاروت" و"ماروت" و"بابل" في كل القرآن إلا مرة واحدة فقط، هي هذه الآية.
وقد حار المستشرقون المنكرون للوحي على القرآن في تفسير أصل " هاروت " و" ماروت" ، لأنهم يبنون مقولاتهم في أعلام القرآن على فرض بات مسلما عندهم، لغوا به حتي حسبوه الحقيقة: القرآن يتوكأ على التوراة والإنجيل، ولا علم له بما وراء أقاصيص أهل الكتاب. وقد خلت التوراة والإنجيل من ذكر" هاروت" و" ماروت" ، فمن أين أتي القرآن بهما؟
قالوا: ربما أخذهما القرآن نقلا عن الديانة الزرادشتية من "خُردت" "أمردت" في الفارسية البهلوية ("هَرفُوتت" ، أمُورتت" في الفارسية الأفستية) ومعناها " الكمال"، " الخلود" ، جائزة المتقين بعد الموت. ثم استدركوا على أنفسهم فقالوا إن العرب الجاهليين لم يستقوا عقائدهم من الفرس، فضلا عن أن التسمية بهذين الاسمين الفارسيين تشخيصا لملكين هبطا من السماء إلى الأرض ليعملا عمل هاروت وماروت، تسمية لا تنطبق ومن ثم لا تصح.
وقالوا أيضا : ربما أخذ القرآن "هاروت" و"ماروت" من كتاب ينسب إلى أخنوخ (إدريس في القرآن على ما نرجحه نحن)، ضاع أصله وبقيت منه ترجمة باللغة السلافية القديمة، وفيه أن ملكين أحدهما "أريوخ" والآخر "مريوخ" أمرا بإغلاق الكتاب على نبوءات أخنوخ حتى تمام الدهور. وهي كما تري ليست مهمة هاروت وماروت في بابل على نحو ما وصفها القرآن. ولكنهم وجدوا في كتاب بالحبشية ينسب إلى أخنوخ أيضا، أن ثمة ملائكة هبطوا يعلمون الناس فنون السحر والشعوذة وقطع الأرحام، فربما أخذ القرآن التسمية من أخنوخ السلافي، وأخذ الوظيفة من أخنوخ الحبشي. إلى آخر ما قالوا.
لم يهتد المستشرقون إذن إلى وجه في "هاروت وما روت" إلا هذا ، وهو ركيك كما ترى، ولكنه يريك إلى أي مدى يتخبط أولئك المستشرقون المنكرون الوحي على القرآن : زعموا أن القرآن يتوكأ على معاصريه من أهل الكتاب فكيف علم القرآن ما جهلوه؟ كيف حفظ هو أخبار أخنوخ السلافي وأخنوخ الحبشي، واضاع أصحاب التوراة الأصل العبري لسفر ينسب إلى أخنوخ؟ أكانت أنباء أخنوخ أخباراً يتناقلها الرواة على عصر النبي، خفي أمرها على يهود اليمن والحجاز والشام؟ فكيف خفيت على مفسري القرآن وقد توقفوا في هاروت وماروت؟ ولماذا اختلفت رواية أخنوخ السلافي عن أخنوخ الحبشي؟ أترجم الترجمان كل بمعزل عن " أخنوخ" واحد أم عن " أخنوخين" اثنين؟
فكيف أخذ القرآن نتفة من هنا ونتفة من هناك؟ كيف تسني له الجمع بين هاتين الروايتين في نسيج واحد؟ أفقد اطلع القرآن على الترجمتين معاً فانفرد وحده بعلم السلاف والأحباش وخفي علم هؤلاء على هؤلاء؟ أو قد فرغ القرآن نفسه لجهد استنفد من جمهرة المستشرقين سنين في تتبع أخبار السلاف والأحباش والجمع بينها كي يصوغ منها في النهاية خبراً يأتي عرضاً في آية أو بعض آية؟ فما بالك بغير "هاروت وماروت" من أخبار القرآن، ومن علوم القرآن. وما أدراك ما علوم القرآن؟ أنى يتسع لبعض هذا جهد بشر، أو عقل بشر، أو عمر بشر، فرداً أو جماعة، وإن عكفوا عليه أجيالاً؟
علي أن أحداً من هؤلاء المستشرقين - يهود ومسيحيين، ومنهم المؤمن والملحد لم يتوقف لمناقشة "سفر التكوين" في روايته لفتنة الملائكة ببابل، على ما مر بك من قوله إن "الله" هبط ببابل ليبلبل ألسنة الخلق فيتفرق شملهم و لا يتموا بناء المدينة ، ومقصوده بالطبع أن "الملائكة" هم الذين هبطوا، لا الله عز وجل (وهذا كثير في لغة التوراة): صاغ كاتب سفر التكوين روايته ليؤصل بها فهمه لمعنى "بابل"، وليفسر رأيه في سبب اختلاف ألسنة البشر، ولم يصب الكاتب كما مر بك في هذا وذاك جميعا، ناهيك بوهمه أن المدينة لم يتم بناؤها ، وربما شهد فيها أطلالا ظنها أبنية لم تكتمل (بنيت بابل حوالي 2800ق م ، وقد خربت وأعيد بناءها مرات، وكتب سفر التكوين على الراجح عند محققي نصوص التوراة بعد بابل الأولي بنحو ألفي سنة).
هبط الملائكة إذن في بابل كما يقول سفر التكوين، ولكن لمهمة غير التي ذكرها الكاتب، لأن الملائكة إذا أمروا فعلوا، فتحقق مراد الله عز وجل، ولكن الملائكة لم يؤمروا بهذا الذي ذكره سفر التكوين، فلم يهبطوا من أجله ولم يفعلوه، بدليل أنه لم يحدث ، وهو لم يحدث - تقولها بيقين لا شك معه، لأن ألسنة الناس لم تتبلبل في "بابل" التي بنيت أول ما بنيت في مطلع الألف الثالثة قبل الميلاد، وإنما هي تبلبلت فبل مولد بابل - ومن ثم قبل نزول أولئك الملائكة المكرمين بقرون لا يعلم عدتها إلا الله: حسبك أن المصريين وجدوا في مصر قبل أن توجد بابل، وهم كما تعلم يتكلمون لغة غير اللغة، بل حسبك أن الشومريين الذين غلبهم الساميون البابليون على أرض العراق (بابل من بعد) عاشوا على أرض بابل قبل وفود البابليين على تلك الأرض، ولا صلة محققة بين اللغتين الشومرية والبابلية. قد تباينت ألسنة الناس إذن وتفارق الخلق من قبل أن تولد بابل، ولا حاجة من ثم بالملائكة إلى إحداث ما هو حادث.
فيم إذن كان نزول الملائكة ببابل؟ اليس أقرب إلى المعقول ما ذكر في سفر أخنوخ الحبشي من أن ملائكة هبطوا إلى الأرض يعملون الناس فنون السحر والشعوذة و "قطع الأرحام" ؟ ألا يذكرك "قطع الأرحام" بما قاله القرآن في شأن هاروت وماروت: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (102) سورة البقرة؟
كيفما كان الأمر، فقد كان هاروت وماروت فتنة للناس. ولكنها لم تكن فتنة معماة، وإنما فتنة على بصيرة:
{إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} (102) سورة البقرة، أي تعلم منا هذا كيلا تعمله، إن حدثتك به النفس، أو علمك إياه شيطان.
وتستطيع أن تنسق على هذا أن " هاروت " و " ماروت" الملكين المكرمين لم يكفرا بما علماه الناس في بابل، لأنهما كانا به مأمورين فتنة للمتلقين منهما، تبصيرا للناس، وزجرا للناس عن إتيان السحر وعن تعلمه وتعليمه.
أما قول مفسري القرآن في " هاروت" و " ماروت" و " بابل" (راجع تفسير القرطبي للآية 120 من سورة البقرة) ، فقد توقفوا في تفسير معنى " هاروت" و " ماروت" مكتفين بأنهما علمان أعجميان منعا من الصرف للعجمة ، هذا يدلك على أن أهل الكتاب المعاصرين لهؤلاء المفسرين لم يكن لديهم هم أيضا شئ في تفسير معنى هذين العلمين ، فتستنبط من هذا أن أهل الكتاب هؤلاء كانوا إلى ما بعد عصر نزول القرآن لا يعلمون شيئا عن "أريوخ" و "مريوخ" في أخنوخ السلافي، ولا عن الملائكة الذين هبطوا إلى الأرض يعلمون الناس فنون السحر والشعوذة وقطع الأرحام في أخنوخ الحبشي، لا بأصل هذه الرواية ولا بترجمتها السلافية أو الحبشية اللتين استخرجهما المستشرقون من أوراق الكنيستين البلغارية والحبشية ، وان القرآن كان أسبق من هؤلاء وهؤلاء إلى مجمل هاتين الروايتين.
وأما قول مفسري القرآن في معنى "بابل"، فقد تابعوا أهل الكتاب في تفسير معناها بالبلبلة، ورددوا دون تثبت رواية سفر التكوين في المقصود من ذلك هو التعليل لتفاوت ألسنة الخلق، ولم يلتفتوا إلى قوله عز وجل:
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (22) سورة الروم، أي أن المخالفة بين ألسنة الناس آية ماضية في الخلق منذ بدء الخلق بآدم، شأنها شأن المخالفة بين ألوانهم، لا شان لها ببلبلة الملائكة في بابل: لو صح هذا الذي رواه سفر التكوين لتوقف عدد لغات أهل الأرض عند الذي انتهت إليه محنة بابل، ولكن الذي حدث هو أن لغات البشر لا تزال إلى اليوم تموت وتتوالد.
علي أن "أريوخ"، "مريوخ" ، لم يجيئا في "أخنوخ السلافي" عبثا: إنهما على الراجح عندي الرسم السلافي لهذين العلمين القرآنيين "هاروت" و "ماروت" . ولكن القرآن لم يعربهما عن السلاف كما ظن أدعياء الاستشراق على ما مر بك، ولكنه عربهما عن الأصل الذي تكلم به الناس في بابل ، والذي تحرف على قلم مترجم كتاب" أخنوخ السلافي".
فأنت تعمل أن مهبط هذين الملكين قد كان ببابل، فتقطع بأنهما تعرفا - أي تسميا- لأهل بابل بلغة أهلها.
والبابلية لغة سامية بادت، وما تجمع للغويين من ألفاظها نزر يسير، على شك في صحة نطقه ومعناه، استظهروه من كتابات بخط مسماري سبق إليه شومريون - غير ساميين - فخلا من أصوات تختص بها اللغات السامية، واستخدمه من بعدهم البابليون على علاته، فلا تدري أفسد لسانهم باستخدام ذلك الخط أم اعتجم علينا نطق ما كتبوه، أم كلا الأمرين معا. ومن ثم لا يستطاع رد اشتقاق هذين الاسمين "أريوخ"، "مريوخ" إلى أصل بابلي مقطوع بمعناه. على أن في عبرية التوراة الاسمين العلمين "أريوخ"، "مريوت"، الأول بمعنى "الأسدي" (أي الشبيه بالأسد) والثاني بمعنى "المراء" على الجمع ( أي "مراءات") وكلاهما في عبرية التوراة علم مذكر. واللفظ "آرا" ، "آري" في كل من البابلية والعبرانية والآرامية معناه "الأسد" (وهي "هر" العربية بضم الهاء وتشديد الراء ومعناها الأسد لا "هر" مكسورة الهاء بمعنى "القط") ، أما الواو والخاء في "أريوخ" فهي في البابلية الفارسية تفيد النسب على الصفة. وربما قلت إن "مريوت" العبرانية أصلها "مريوخ" البابلية الفارسية (مري+ وخ) على النسب إلى "مري" يعني العجل المسمن (وهو "الماري" في العربية). ومن ثم يكون معنى هذين الاسمين "أريوخ" و "مريوخ" ، هو المنسوب إلى الأسد والمنسوب إلى العجل" الماري" . وليس على هذا أو ذاك دليل تستريح إليه.
أما الذي نقوله نحن، فهو أن العلمين "هاروت" و"ماروت" لم تثبت لهما العلمية في الكتب السابقة حتي يلتزم القرآن بالاتيان بهما على ما جاءا به في التوراة والإنجيل على نحو ما مر بك، وإنما جاء بهما القرآن على أصلهما في العربية الأولي. وقد جاء بهما القرآن على زنة المبالغة "فعلوت"، كما تجئ "طاغوت" من "طغي"، "جالوت" من "جلا" ، "طالوت" من "طال".
إنهما على الراجح عندي تعريب على التفسير من الهراء والمرية، أو الهرء والمأر (أي القطع والإفساد) ، تسمية لهما لذلك "العلم" الذي علماه الناس في بابل، وكانت به " الفتنة" التي تعرفا بها للناس : {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} (102) سورة البقرة.
أما " بابل" في القرآن فهي مفسرة بذاتها لا تحتاج إلى تفسير، وقد علمت أنها من البابلية " باب+ ايلو" ، أي "باب + إل" ، يعني "باب الله" ، سهلت همزتها على المزجية ، ورغم أنها جاءت على وزن شائع في العربية وهو "فاعل"، فقد منعت من الصرف للعلمية والتأنيث قبل المزجية وقبل العجمة.
ولكنك تستشف من القرآن تفسيرا لمعنى بابل بالتصوير، أي بالسياق العام. فأنت تعلم أن البابليين كانوا من عبدة الكواكب، يديمون النظر في النجوم، وأنهم بنوا ذلك "البرج" الذي سميت به المدينة من بعد "باب ايلو"، والمقصود بالطبع "باب السماء" ، معبدا لإلههم الأكبر"مردوخ" (كوكب المريخ على الراجح)، كوة نافذة في السماء يرصدون منها آلهتهم هذه، على نحو ما فعل فرعون: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} (38) سورة القصص.
أرادوها كوة نافذة في السماء يرقبون ويتسمعون، فكان لهم ما أرادوا : كان "الباب" الذي صنعوا ، باباً نزل عليهم منه هاروت وماروت بالفتنة: {وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} (102) سورة البقرة.
هود – إرم - عاد
لا يعرف أهل الكتاب "هودا" ولا "عادا" ولكنهم يعرفون "إرم"، وهي عندهم "آرام" يعني "العالية" أو "المعلاة"، من الجذر العبري "رام/يروم" أو "رام/يرام"، أي ارتفع وعلا، فهو عال وعلي، ومن هذه "أبرام" ، أي "أبو العلاء"، اسم إبراهيم عليه السلام في التوراة، قبل أن يبتليه الله بكلمات فيتمهمن، فيسميه باسمه المعروف "إبراهيم". وسيأتي. ولا تزال أحرف هذا الجذر باقية في العربية تجدها في "رامه" يعني طلبه، وكأنها من استشرفه وتطلع إليه، وتجدها أيضا في "رمى" (لازما غير متعد) بمعنى ربا وزاد، وتجدها كذلك في "رام عليه" بمعنى فضل عليه زاد. لكن "رام" بمعنى علا وارتفع، غير معروف في العربية، فتستظهر من هذا أن "إرم" أعجمي غير عربي، يحتاج إلى تفسير في القرآن. وإلا لظننت "إرم" عربية من "أرمه" يعني استأصله وأفناه، أو أنها "الإرم" بمعنى الحجارة أو نحوها تنصب في المفازة ليهتدي بها (وتجمع على آرام وأروم) أو ظنتها بمعنى الأصل و"الارومة"، وقد فصل القرآن في هذا كما ستري.
علي أن عجمة "إرم"، وهي مدينة عاد قوم هود، توحي إليك بأن عاداً وهوداً لفظان أعجميان كذلك ، أعني أنهما من "العبرية الأولي"، التي يحتاج فهمها أحيانا إلى بحث في فصائل سامية عن جذور أميتت في العربية وبقيت حية في غيرها تقول بعجمة "هود" و"عاد" على الإتباع لعجمة "إرم" جازما قاطعا، لأن الرسول والمرسل إليهم واحد.
أما مفسرو القرآن (راجع تفسير القرطبي للآيات 65-69 من سورة الأعراف والآيات 50-60 من سورة هود) فقد اتفقوا على عجمة "عاد"، اسم رجل تسمت به قبيلته، نسبه ابن إسحاق إلى نوح فقال: هو عاد بن عوص بن إرم بن شالح ابن أرفخشد بن سام بن نوح (وكأنه يستقي من أحبار يهود ولكنهم لا يعلمون الكتاب إلا أماني كما قال الحق سبحانه فليس هذا هو عمود النسب في سفر التكوين بل ليس فيه أصلا "عاد"). ولكنهم تفاوتوا في عجمة "هود" (الاسم لا المسمي بالطبع) فقال بعضهم هو عربي تشتقه من الجذر العربي"هاد/يهود" أي تاب ورجع إلى الحق، وقال الباقون ومنهم ابن إسحاق إن"هودا" أعجمي، فهو هود بن عبدالله ابن رباح بن الجلود بن عاد بن عوص بن إرم الخ. وهذا أيضا على خلاف عمود النسب في سفر التكوين، بل ليس فيه أصلا هود، ناهيك بعبد الله والجلود.
أما قول مفسري القرآن في "إرم" (راجع تفسير القرطبي للآيتين 6-7 من سوه الفجر) فمنهم من قال جد عاد، نسبت إليه القبيلة فجاء اللفظ على التأنيث (ذات العماد) ومنهم من قال بل هو اسم مدينتهم، وشرحوا"ذات العماد" بأنها الأبنية العالية المرتفعة – وهو الصحيح في اللغة – وكأنهم يبنون أبنيتهم على العُمد. ومنهم من أشكلت عليه "عاد الأولي" (النجم:50) فظن أنهم "عادان"، أولى وثانية، "عاد إرم"، "عاد هود"، والصحيح ما قاله الآخرون، فليس إلا "عاد" واحدة، أهلكها الله أولا، ثم ثني بــ "ثمود"، فالقرآن لا يذكر عادا قوم هود إلا وهو يتبعها بثمود قوم صالح.
علي أن في حضرموت نبعا يدعي "برا- هوت"، اشتهر منذ القدم بأدخنته الكبريتية، بجواره قبر يدعي قبر"هود" يزوره الناس إلى اليوم ويتبركون به. يصح هذا أولا يصح فنحن لا نستطرد بك إليه، ولكن المستشرقين الذين ذكروه يلفتون النظر إلى ما قاله المفسرون من أن "عادا" كانت منازلهم ما بين اليمن وحضرموت، فهو إذن من أنبياء العرب. ويري هؤلاء المستشرقون أيضا أن هودا هو نفسه "عابر" الذي يرتفع بنسبه إلى سام بن نوح. وإلي عابر هذا ينتسب "العبرانيون" كما تعلم. وربما شجعت الجالية اليهودية في شبه الجزيرة هذه المقولة رغبة في إيجاد نسب موغل في القدم بينهم وبين مضيفيهم، تأليفاً لقلوب العرب عليهم، فقالوا إن "يهود" جاءت من "هود"، فهم إذن بنو- هود، النبي العربي. وليس بشئ إن أردت قرابة النسب، فاليهود أنفسهم يشتقون "هو" من "يهودا" بن يعقوب (وتنطق داله في العبرية ذالا لاعتلال ما قبلها كما مر بك) وليس تاصيل الأنساب من مقاصد هذا الكتاب الذي نكتب. ولكن لا بأس بهذا الذي قيل في أخذ "يهود" من "هود" إن أردت القرابة اللغوية في النحت والاشتقاق، ولو أن اللغات السامية جميعا في هذا سواء.
أما "هود"- إن أردتها عربية- فهين تسمية مشتقة من الجذر العربي هاد/ يهود/هودا، فهو "الهائد"، أي التائب الراجع إلى الحق (وتاب وثاب وآب كله واحد). تجد تأصيل هذا في القرآن من قوله عزوجل على لسان موسى في فتنة السامري: { إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (155-156) سورة الأعراف، أي رجعنا وأنبنا. لا تجد لها تأصيلا في العربية إلا من القرآن، وفي هذه الآية بالذات. ومنها أيضا يشتق القرآن معنى اسم اليهود (وسيأتي في موضعه) فيسميهم الذين هادوا في عشرة مواضع من مثل قوله عزوجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} (62) سورة البقرة، ويسميهم أيضا"هود" (جمع "هائد" أي الذي هاد) في ثلاثة مواضع من مثل قوله عزوجل يحكي مقالتهم: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ} (135) سورة البقرة، نافيا أن يكون هذا هو اسمهم قبل أن يقولها موسى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى} (140) سورة البقرة.
وليس معنى القول بعربية اسم "هود" - على إيغاله في القدم كما مر بك - أنه بالضرورة من هذه العربية نفسها التي نزل بها القرآن، وإنما المعني أن اسمه من"العربية الأولى" التي تكلم بها سكان شبه الجزيرة جميعا منذ أزمان سحيقة لا يعلمها إلا الله، وتفرقت من بعد في الساميات جميعا، وإنما نفهم نحن مفرادتها الآن بخاصية في تلك اللغة الفذة، هي "جذرها الثلاثي"، الذي تدور معانيه على أصل حروفه. وقد أصل القرآن معنى "هاد" على التوبة والإنابة، فهو كما قال، لأن القرآن هو الشاهد لتلك اللغة العربية في كافة مراحل تطورها، لا حاجة بك معه إلى غيره.

وربما قلت إن "الهائد" تفيد "المهدي"، لا لقرابة ما بين الجذرين" هدي" و"هاد" فحسب، وإنما أيضا لأن "الهائد" هو عكس "الضال". وفي هذا لفتة بعيدة المغزى قد تفوت على كثيرين: إنه نعت ينطبق على كل نبي بعث في قوم ضلوا جميعا سواء السبيل، ليس فيهم إلا هو وحده الذي انسلخ من ضلالتهم: هاد إلى الله وحده، فبعثه الله إليهم ليهديهم به، ولا يهدي غيره إلا الذي هاد من قبل، فهو الهائد المهدي، وهو الهادي المهتدي.
لم يكن "هود" عليه السلام من أنبياء التوراة، فجاء اسمه في القرآن على أصله عربيا، على ما مر بك من منهجنا في هذا الكتاب، لا يحتاج إلى "فك عجمته" بالتفسير، إلا ما كان من تأصيل معنى الجذر"هاد" في قوله عزوجل على لسان موسى: "إنا هدنا إليك".
علي أن أسفار التوارة (أخبار الأيام الأول 7/13) الاسم "هود" (مداً بالضم لا بالواو كما في "يوم" العربية العامية أو في Home الانجليزية) علماً على رجل من عامة سبط أشير، ليس بنبي أو رسول. ولكن علماء التوراة لا يشتقون "هود" الإسرائيلي هذا من التوبة والإنابة، ولكنه عندهم مصدر أميت جذره وبقي المصدر في لغتهم بمعنى الجلال والجمال والسناء، ومنه في العبرية المعاصرة"هود ملخوتو" خطاباً للملوك بمعنى "صاحب الجلالة". ولو كان المعني هو "هود" النبي لشاعت التسمية في بني إسرائيل، وهو مالم يحدث.
أما "عاد" و"إرم" فلا مجال لاشتقاقهما من العربية التي نزل بها القرآن، وإنما تشتقهما من العربية الأولي مستعينا بما بقي من جذروها في الآرامية والعبرية، ومن ثم كانتا من الأعجمي الذي يفسره القرآن.
"عاد" في الآرامية – العبرية معناها "الأبد" و "الخلود". ومنها في العبرية "لعاد"، يعني "إلي الأبد". فهي الباقية الخالدة التي لا تزول. وقد جاءت مفسرة في القرآن مرتين، الأولي على الترادف في قوله عزوجل: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} (8:6) سورة الحاقة. وفسرت في المرة الثانية على التقابل في قوله عز وجل: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} (51:49) سورة النجم، أي ما عادت عاد ولن تعود.
وأما "إرم" فهي في الآرامية - العبرية مشتقة من العلو والعلاء، فهي العالية والمعلاة، كما مر بك من معنى الجذر العبري "رام – يروم" . وقد وردت" إرم" في القرآن مرة واحدة فسرت فيها بهذا المعني نفسه، ولم يفطن إليه مفسرو القرآن رغم علمهم بأن " ذات العماد" تعني المدينة ذات الأبنية العالية المرتفعة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} (8:6) الفجر، وهو تفسير على الترادف اللصيق: إرم = ذات العماد. ودل قوله عزوجل "لم يخلق مثلها في البلاد" على أن القرآن يريد إرم المدينة لا عاداً القبيلة كما وهم بعض المفسرين الذين ظنوا أن إرم في القرآن هي نفسها عاد، اسم القبيلة، نسبة إلى الرجل إرم بن سام بن نوح، وليس هذا بفصيح في عربية القرآن الذي إذا أراد القبيلة جاء بضمير الجمع للمذكر: "وأما عاد فأهلكوا"، وإذا أراد المدينة أي الموضع استخدام ضمير المؤنث: "التي لم يخلق مثلها في البلاد".
أما " الإرميون" أصحاب إرم، أعني الناجين منهم مع هود، فهم آباء "الآرامين" الذين قدر لسلالة منهم في "الحجر" إلى الجنوب الغربي من تيماء بالمملكة العربية السعودية على طريق القوافل إلى الشام أن تسكن في نواحي "الحجر" ما يعرف إلى اليوم باسم "مدائن صالح" أو "قرآ صالح"، التي قيل أن الرسول صلي الله عليه وسلم في غزوة تبوك نهى عن التلبث بأطلالها كراهة المكث بموضع السخط والنقمة: إنهم "ثمود" أصحاب "الحجر"، قوم صالح.
صالح - ثمود
يرد الاسم "إرم" في التاريخ المدون، وفي جغرافية التوراة، بصورة عبرية آرامية هي "آرام" ليست هي إرم عاد التي في القرآن، وإنما المراد منها هو"سورية" بالمعني العام، سميت بهذا الاسم نسبة إلى قوم من العرب وفدوا عليها حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد: جاءوها بلغتهم هم "الآرامية"، وخلعوا عليها اسمهم هم "الآراميين"، فصارت سورية "ارس آرام" أي أرض آرام.وقد مر بك أن "إرم" فسرت في القرآن بمعنى العالية أو المعلاة (إرم ذات العماد)، وهو نفسه معنى لفظ "آرام" في اللغتين العبرية والآرامية، فتقطع بأن "الآراميين" هم "الإراميون" أصحاب إرم التي في القرآن، سلالة من الناجين مع هود تفرقوا في البلاد في عصور سابقة على وجود الآراميين في سورية. دليلك في هذا من القرآن على لسان صالح عليه لاسلام يحذر قومه مصير أسلافهم قوم هود: {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} (74) سورة الأعراف، ولم تخلف ثمود عادا على نفس الأرض، فشتان ما بين الحجر في الشمال الغربي من شبه الجزيرة وبين "آرام نهريم" أي آرام ما بين النهرين، يعني "إرم العراق"، وإنما كان أصحاب الحجر فحسب "سلالة من الناجين مع هود" خرجوا بعد نكبة "إرم ذات العماد" من ناحية ما في جنوبي بابل إلى حضرموت واليمن يحملون معهم اسم مدينتهم "إرم" أو "آرام" التي صارت علما عليهم فسموا "الإراميين" أو "الآراميين"، ثم ارتحلت بطون منهم في زمن لاحق إلى الشمال، ثم استقرت فصائل منهم في منطقة الحجر على طريق القوافل إلى الشام، كانوا هم "ثمود" قوم صالح. وتلمح في قول صالح عليه السلام يعظ قومه: {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} (74) سورة الأعراف، أن ثمود أرادوا محاكاة"ذات العماد" في العلو تحناناً إلى موطنهم القديم، ولكنهم لم يذكروا آلاء الله عليهم. بل ظلموا بها، فدمر الله عليهم "إرم الثانية"- إرم صالح- كما أهلك من قبل "عاداً الأولى"، إرم هود. ومن هذا قوله عزوجل: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} (50:49) سورة النجم، فتفهم أن ثمود هي "عاد الثانية".
لم يكن صالح عليه السلام من أنبياء التوراة، ومن ثم فاسمه كما علمت من منهجنا في هذا الكتاب، يجئ على أصله عربيا، لا يحتاج إلى تفسير. ولا يترتب على عربية هذا الاسم أن صالحا عليه السلام كان عربيا من بني إسماعيل، بل هو آرامي من قوم آراميين، سلالة من الناجين مع هود، واسمه – كاسم هود- مشتق من العربية الأولي التي تفرقت جذورها في الساميات جميعا. دليلك في هذا أن صالحا سبق إبراهيم – أبا إسماعيل وعم لوط- بقرون لا يعلم عدتها إلا الله. ودليلك فيه أيضا أن "قري صالح" أقرب إلى الشام من الحجاز، ناهيك باليمن.
علي أن الجذر العربي"صلح" باق بذات حروفه ولفظه ومعناه في العبرية والآرامية، ومنه على زنة الفاعل في الآرامية بالذات- لغة قوم صالح كما مر بك - "صاليح" (مدا للام بالكسر لا بالياء كما تنطق في "ليه" العربية العامية أو في Late الانجليزية) بمعنى "الذي صلح". فهو إذن في العربية والآرامية واحد، يعرب فقط بتقصير مد "كسرة اللام"، فيؤول إلى "صالح" العربية بنفس معناها ونطقها في القرآن.
"صالح" إذن مفسر في القرآن بالتعريب وحده، بل هو أبين أمثلة القرآن في التفسير بالتعريب.
وقد ذهب مفسرو القرآن (راجع تفسير القرطبي للآيتين رقم 73 كم سورة الأعراف ورقم 80 من سورة الحج) إلى أن صالحا وقومه كانوا قوما عربا، ولكنهم نسبوهم إلى العرب البائدة كعاد وطسم وجديس، وهذا يطابق ما قلناه نحن إن تمعنت لأن سكان شبه الجزيرة جميعا عرب بالمعني العام، لا يقدح في هذا تفاوت لهجاتهم ومنطقهم مهما بعدت عن العربية التي نزل بها القرآن. وهذا يدلك أيضا على علم العرب قبل القرآن بثمود، لا بوصفهم قوم صالح، وإنما بوصفهم قبيلة من قبائل العرب التي بادت، وهو علم شاركهم فيه أهل الكتاب معاصرو القرآن، وإن خلت أسفار التوراة من النص على قصة صالح مع قومه. بل قد ذكر مؤرخو اليونان، قبل القرآن بقرون "ثمود" و "لحيان"، وقالوا إن منازلهم كانت من جنوب العقبة إلى نواحي شمال ينبع بالقرب من الويلح وأنه كانت منهم جموع منتشرة في داخل البلاد إلى نواحي خيبر وفدك. وليس هؤلاء بالطبع هم "ثمود صالح"، وإنما هم سلالة من الناجين مع صالح، خلفوهم وانتسبوا إليهم.
أما "ثمود" فهي عربية أيضا بالمعني الذي ذكرناه: ثمد الماء يعني قل، وثمده هو يعني استنفد معظمه، وثمد الناقة يعني اشتفها بالحلب، وثمده يعني استنفد ما عنده، والثمد يعني الماء القليل الذي ليس له مدد، أو هو المكان يجتمع فيه الماء، من ثمد المكان يعني هيأه كالحوض ليجتمع فيه الماء. وعلي هذا تكون "ثمود" على زنة فعول بمعنى فاعل، أو فعول بمعنى مفعول، على المعاني الذي ذكرت لك، فهم أصحاب الماء القليل، يستنبطونه من الأرض ويحوضونه، الحريصون عليه. يذودون عنه ويمنعونه، فهو حجر عليهم، حرام على غيرهم. ومن هنا جاءت تسميتهم "أصحاب الحجر" (الحجر:80).

وقد جاءت "ثمود" مفسرة في القرآن بالتصوير في فتنة الناقة التي جعلها الله لهم آيه: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} (28:27) سورة القمر، "تشتف" ماءهم كله يوما، وتفيضه عليهم في الغداة لبنا إذ لا ماء لهم، "فيشتفونها"، "تثمدهم" و "يثمدونها".
وقد وهم بعض مفسري القرآن (راجع تفسير القرطبي للآية 38 من سورة الفرقان) أن "أصحاب الرس" هم ثمود قوم صالح، أصحاب تلك "البئر الحجر" لأن "الرس" في العربية معناها "البئر". وقد وردت "الرس" في القرآن مرتين: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} (38) سورة الفرقان، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ} (12) سورة ق. ولا يصح قول المفسرين في هذا لأن القرآن يعطف بالواو أصحاب الرس على ثمود في الآية الأولى، ويعطف ثمود على أصحاب الرس في الآية الثانية، لا يجتزئ من الواحدة بالأخرى كما قال "أصحاب الحجر" يعني قوم صالح، وكما قال "أصحاب الأيكة" يعني أهل مدين، قوم شعيب. أصحاب الرس إذن ليسوا قوم صالح، وإنما هم قوم آخرون أخبر القرآن بمهلكهم، ولم يسم نبيهم، في قرون قد خلت بين نوح وإبراهيم. بل وبعد إبراهيم، كما قال عزوجل: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} (45) سورة الحـج، وإن كان قد وجد من المفسرين(راجع تفسير القرطبي لهذه الآية من سورة الحج)، من جمع بين تلك البئر المعطلة وبين بئر ثمود. كل هذا يعارض ظاهر القرآن، فلا تلتفت إليه.
وقد بقي في العبرية والآرامية من "ثمد" العربية الجذر العبري- الآرامي "شمد" (بإبدال الثاء شينا)، بمعنى الاستئصال والإبادة، وهو من معنى الاستنفاد والاشتفاف في ثمد العربية جد قريب. وتستخدم العبرية المعاصرة الفعل"شمد" بمعنى محدد هو "استصفاء" اليهودية، يعني تصفيتها سلما، بإجبار أهلها كرها على الخروج منها إلى "المسيحية" في عصور اضطهادهم في أوربا، لا بمعنى إبادة أهلها وإهلاكهم، على أصل معنى "شمد" في عبرية التوراة، وربما قلت إن "ثمود" في القرآن جاءت تعريبا لـ"شمود" العبري أو "شميد" الآرامي على المفعولية من الجذر العبري- الآرامي "شمد" فهو الهالك البائد بمعنى "شمد" في عبرية التوراة. ولا يصح هذا، فلا أحد يسمي نفسه الهالك البائد وقد تسمت به قبيلة من كبرى قبائل العرب خلفوا "ثمود" قوم صالح كما مر بك. وإنما الصحيح أن "ثمود" جاءت من العربية الأولى بمعنى قل ونضب واستنفد واشتف، قبل أن تتحور في عبرية التوراة إلى باد وهلك.
شعيب - مدين
مر بك أن القرآن يضع شعيبا في الترتيب الزمني بعد لوط. ومر بك أيضا أن لوطاً من معاصري إبراهيم. بل كان إبراهيم عم لوط كما تنص التوراة. والقرآن ينص على تعاصر إبراهيم ولوط، لأن الملائكة الذين بعثوا لإيقاع العذاب بقوم لوط، مروا في طريقهم على إبراهيم يبشرونه بإسحاق. نص القرآن على هذا في أكثر من آية، منها قوله عزوجل: {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} (70:69) سورة هود. شعيب إذن بعد إبراهيم بلا خلاف، لمجئ شعيب بعد لوط معاصر إبراهيم أو ابن أخيه كما تقول التوراة. دليلك في هذا من القرآن أن لوطا لم يعلم بشأن شعيب مع قومه، بل حذر لوط قومه مصير قوم نوح وقوم عاد وقوم صالح، وما كان ليحذرهم مصير قوم شعيب، وشعيب لم يبعث بعد. أما شعيب فهو يحذر قومه مصير قوم لوط: { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} (89) سورة هود.
لم يكن أهل مدين- الواقعة جنوبي خليج العقبة- يسكنون بعيدا عن مدائن لوط، وقد بقيت منها "صوعر" على الشاطئ الجنوبي الشرقي من البحر الميت. ولم يكن "يوم الظلة" - مهلك الذين ظلموا من قوم شعيب - بعيداً كل البعد من فجر يوم وضع فيه جبريل جناحه تحت "القرية التي كانت تعمل الخبائث" فجعل عاليها سافلها.
ولكن التوراة التي اهتمت في سفر التكوين بتدوين ما كان من شأن لوط مع قومه، تصمت الصمت كله عما كان من شأن شعيب مع أهل "مدين"، على قرب مدين من مساكنهم. والتوراة تغفل الحديث عن قصة شعيب مع قومه عمدا، رغم هول العذاب الذي حاق بمن ظلموا من قومه، ورغم قرب "مدين" من "صوعر"، ورغم أن شعيبا تلا لوطاً وإبراهيم بفارق زمني "غير بعيد"، ولم يسبقهما، ورغم أن التوراة تذكر "مدين" بنحو ما ذكرها القرآن في قصة لجوء موسى إلى "مدين" فرارا من بطش فرعون بعد أن قتل موسى ذلك المصري الذي بغي على رجل من قومه. تتعمد التوراة إغفال شعيب - على الراجح عندي - لأنه عندها كان نبيا من غير بني إبراهيم، ولم يكن أيضا من بني يعقوب، أي من بني إسرائيل، الذين كتبت التوراة لتسجيل أخبارهم ونبواتهم. وهو - على الراجح عندي أيضا- سبب إغفال التوراة هودا وصالحاً كذلك، كيلا تضع أنبياء بين نوح وإبراهيم. وإنما حرصت التوراة على ذكر"نوح" كي تربط ما بين إبراهيم وآدم. وقد تعجل كاتب سفر التكوين هذا النسب كما مر بك بين آدم ونوح، وبين نوح وإبراهيم، حتى لتكاد تستخلص من حساباته أن نوحا كان أو يكاد من معاصري إبراهيم، فكيف يكون بينهما نبي؟
وربما قلت إن أسفار التوراة لم "تتكتم" أخبار شعيب، وإنما هي لم تعلم أصلا بمبعث شعيب إلى أهل مدين في التوراة ما بين لوط إلى موسى، لغياب بني إسرائيل آنذاك عن مسرح الأحداث في فلسطين وما حولها منذ خروج يعقوب وبنيه إلى مصر في ضيافة يوسف واحتباسهم فيها نحوا من أربعمائة وثلاثين سنة كما تقول التوراة حتى خروجهم منها إلى تيه سيناء مع موسى: اهتمت أسفار التوراة بأخبار بني إسرائيل في مصر سنوات احتباسهم فيها (وإن كانت في واقع الأمر تجتزئ اجتزاء مخلا فتنقلك فجأة من وفاة يوسف إلى مولد موسى غير عابئة بأحداث ما كان بين هذين النبيين الكريمين اللذين يفصل ما بين مبعثهما حوالي أربعة قرون) ولم تهتم، بل قل ولم تعلم، بما وقع خارج مصر خلال تلك القرون الأربعة، أخبار شعيب أو غير شعيب. وهذا التعليل - على وجاهته - مردود بما تقصه عليك التوراة من لجوء موسى إلى مدين فرارا من بطش فرعون، وإصهاره إلى "كاهن مدين"، وبقائه عنده عشر سنين، بل وعودته إلى لقاء صهره في التيه بعد خروج بني إسرائيل من مصر، فباركه صهره وأشار عليه باختيار نقباء يقومون مقام موسى في قومه. يحدث هذا كله ولا يقص عليه "كاهن مدين" شيئا مما كان من أمر شعيب في أهل مدين، إن سلمت بأنه قد كان ثمة "شعيب" بعثه الله إلى أهل مدين في الفترة ما بين لوط إلى موسى، ناهيك بأن تقول كما قال جمهور مفسري القرآن (راجع تفسير القرطبي للآية 85 وما بعدها من سورة الأعراف) أن صهر موسى هذا هو بعينه شعيب عليه السلام "أخو مدين".
علي أن التوراة لا تعترف لأحد من خارج بني إبراهيم بالنبوة مهما كان على دين الواحد الأحد، فلا تسميه "النبي" وإنما تسميه "الكاهن". من ذلك "ملكي - صادق" ملك شاليم (وهي "سليم" العربية)، الذي بارك إبراهيم وأدي له إبراهيم "العشر من كل شئ"، وتقول عنه التوراة "وكان (أي ملكي - صادق) كاهنا لله العلي" (راجع تكوين 14/18-20), ومن ذلك أيضا "يثرو" حمو موسى، الذي تسميه التوراة "كاهن مدين" (خروج 3/1).
ولحمي موسى عند أصحاب التوراة اسم ثان هو "حُباب" (وكأنه "الحُباب" عربيا فليس في أعلام بني إسرائيل من تسمي به)، وله أيضا اسم ثالث هو "رعوئيل"، ومعناها "راعي الله"، ويفسرونها في العبرية بمعنى "خليل الله". على أنك تستنبط من أسفار التوراة نفسها اسما رابعا لحمي موسى هو "دعوئيل" (بالدال لا بالراء) لأن أسفار التوراة تخلط بينه وبين "رعوئيل" (بالراء لا بالدال) في تسمية شخص بعينه، تسميه "إلياساف بن دعوئيل" (بالدال) في سفر العدد(1/14) ثم تسميه هو نفسه "الياساف بن رعوئيل"(بالراء) في الإصحاح التالي مباشرة من السفر (عدد2/14). وقد عالج علماء العبرية تفسير معنى اسم دعوئيل هذا (بالدال) فقالوا إنه من الجذر العربي "دعا"، فهو "داعي الله"، لأنه لا وجود في العبرية للجذر "دعا"، فتفهم أن "رعوئيل" عندهم تحرفت إلى "دعوئيل" لاشتباه رسم الدال بالراء في الخط العبري كما هما في الخط العربي، أو أن "دعوئيل" العربية هي التي تحرفت عليهم فصارت " رعوئيل" وهو الراجح.
(قد تفهم من (عدد 10/29) أن "حُباب" هذا هو ابن رعوئيل حمي موسى، وتقرأ لعلماء التوراة بعض يقول بل حباب حموه، وآخرون يقولون بل رعوئيل هو أبو حمي موسى. وصدق الحق إذ يقول في وصف القرآن: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء.)
كيفما كان الأمر، فسفر التكوين ينص على أن أهل مدين ("مديان" في عبرية التوراة) عرب من العرب. تستخلص هذا من رواية سفر التكوين لقصة يوسف حين أئتمر به إخوته فباعوه "للإسماعيليين بعشرين من الفضة. فأتوا به إلى مصر" (تكوين 37/28)، فتفهم من هذا أن الإسماعيليين هم الذين أتوا بيوسف إلى مصر. ولكنك تفاجأ في نهاية هذا الإصحاح السابع والثلاثين من سفر التكوين بأن الذين أتوا بيوسف إلى مصر وباعوه هناك "مديانيم"، أي رجال من أهل مدين: "وأما المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط" (تكوين 37/36). وهو تناقض لا سبيل إلى حله إلا بأن تتعلل لسفر التكوين بأنه لا يفرق بين الإسماعيليين والمديانيين: كلا الفريقين عنده عرب من العرب.
(لم يشع إطلاق الإسماعيليين عند اليهود على العرب عامة إلا بعد موسى عليه السلام بقرون، وما كانوا ليسمونهم كذلك على عصر يعقوب ابن أخي إسماعيل والإسماعيليين آنذاك بنو عمومتهم الأقربون. وهذا يدلك بالنقد اللغوي وحده على أن سفر التكوين – أول أسفار التوراة-كتب بعد موسى بقرون. ومن دلائل هذا أيضا استخدام سفر التكوين عبارة "يهواه إلوهيم" اسما لله عزوجل. كانت "إل"و "إلوهيم" اسم الله على عصر إبراهيم وما تلاه، ولم تعرف "يهواه" في العبرية إلا منذ موسى. أراد الكاتب الجمع بين القديم والحديث تدليلا على قدم أخبار سفر التكوين. ولكنها أعضلت على المترجم العربي فقال "الرب الإله"، وليس بجيد لأن "يهواه" يعني الله فحسب، ولكنه اضطر إلى ذلك كراهة أن يقول "الله الإله". والأجود عندي أن يترجم العبارة إلى "الله " الجامعة لكل أوصاف الألوهية، وفيها الغناء.)
تخلص من هذا إلى أن "أهل مدين" عند اليهود عرب من العرب، كانوا على طريق القوافل من خليج العقبة في شمال غربي شيه الجزيرة إلى مصر، عبر سيناء، وتلك بالفعل كانت مساكنهم في جغرافية التوراة (راجع الخرائط الملونة، الكتاب المقدس، طبعة العيد المئوي (1883-1983)، دار الكتاب المقدس بمصر).
وإذا كان أهل مدين عربا من العرب، فأخوهم شعيب كذلك، لا معنى للقول بخلافه، فالرسول والمرسل إليهم واحد كما مر بك. وليس معنى هذا أن مدين وشعيبا كانوا بالضرورة يتحدثون بتلك العربية التي نزل بها القرآن، وإنما المعنى أنهم كانوا يتحدثون بتلك اللغة العربية في مرحلة ما من مراحل تطورها إلى العربية التي نزل بها القرآن بعد نحو ألفي سنة من مبعث شعيب عليه السلام رسولا إلى أهل مدين.
ولأهل مدين في القرآن اسم آخر، هو"أصحاب الأيكة". قال عزوجل: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} (85) سورة الأعراف، وقال أيضا: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} (178:176) سورة الشعراء، فتفهم أن مدين وأصحاب الأيكة واحد، لا لوحدة الرسول فحسب ولكن لأن شعيبا يأخذ على هؤلاء ما يأخذ على أولئك: يأخذ عليهم خسرانهم الكيل والميزان، وبخسهم الناس أشياءهم وعثوهم في الأرض مفسدين.
وقد ظن بعض المفسرين أن "مدين" قوم غير "أصحاب الأيكة"، بعث شعيب إلى الثانية بعد ما فرغ من الأولي. ظنوا هذا لأن القرآن فيما رأوا فرق بين عذاب أصحاب مدين، الذين أهلكوا بالصيحة والرجفة: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (94) سورة هود، {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} (91) سورة الأعراف، وبين عذاب أصحاب الأيكة الذين كانوا شعيبا، {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (189) سورة الشعراء، والظلة غير الصيحة والرجفة (راجع ما رواه القرطبي في تفسيره للآيات 176-189 من سورة الشعراء). وليس بين يديك حديث يحسم الأمر، ولكنها أقوال الرواة: رووا أن الظلة سحابة احتموا بها من الحر الشديد فوجدوا لها بردا ونسيما، وما اجتمعوا تحتها حتى انقلبت عليهم نارا أحرقتهم، أو أنهم احتموا بأيكتهم فأضرمها الله عليهم، كالمحتمي من الرمضاء بالنار. وليس هذا كله بلازم، فالصيحة ايضا غير الرجفة، فبأيهما كان مهلك أهل مدين؟
الصواب أن يقال إن الصيحة هي صيحة جبريل عليه السلام، إيذان بإيقاع العذاب، وأن الرجفة هي أثر الصيحة، وتقول أيضا وما يمنع أن يجتمع على أهل مدين عذاب الرجفة وعذاب الظلة: ركضوا إلى البرية كما يركض الفار من الزلزال حين أحسوا الرجفة، يحتمون بأيكتهم، فأضرمها الله عليهم نارا إذ لا عاصم من أمر الله إذا جاء. وتقول أخيرا وما يمنع في اللغة أن تكون "الظلة"، هي فحسب غاشية العذاب الذي حل بهم ("أظله" بمعنى غشيه ولزمه) فأظلهم، لا ملجأ لهم منه؟ نقول هذا ولا نخوض في غيب الله، فالله عزوجل بغيبة أعلم.
أما الذي ألجأ مفسري القرآن إلى القول بأن شعيبا أخا مدين هو نفسه "الشيخ الكبير" الذي حل عليه موسى في مدين فزوجه إحدى ابنتيه على أن يأجره ثماني حجج أو عشرا (راجع الآيات 22- 28 من سورة القصص)، أي كاهن مدين في سفر الخروج، "يثرو" أو "حُباب" أو "رعوئيل" (وربما "دعوئيل" أيضا على ما مر بك)، فلأن شعيبا ما كان ليوجد إلا في الفترة ما بين لوط إلى موسى بنص القرآن وما كان ليوجد إلا في مدين هذه التي لجأ إليها موسى، وما كان يثرو هذا ليكون هو نفسه شعيبا إلا إذا كان مبعثه قد سبق نزول موسى ضيفا عليه، أي قبل مبعث موسى. تجد هذا الترتيب بيناً في قوله عزوجل: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} (44:42) سورة الحـج. يثرو إذن - إن كان هو نفسه شعيبا - استضاف موسى وقد فرق الله بينه وبين الذين ظلموا من قومه بعد مهلكهم: {الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} (93:92) سورة الأعراف. ربما قلت ولماذا لا يكون شعيب قبل موسى بقرنين أو ثلاثة، والمسافة بين لوط وموسي أربعة قرون، وقد نزل موسى في ضيافة رجل صالح من بقية الناجين مع شعيب، فما كان لموسي عليه السلام الذي صنعه الله على عينه ليصهر إلى رجل من عبدة الأوثان في مدين؟ لا بأس بهذا بالطبع، ولا ب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن (هاروت - ماروت – بابل)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصة الملكين هاروت و ماروت
» قصة الملكين هاروت و ماروت
» قصة الملكين هاروت و ماروت
» الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (إعجاز القرآن)
» علوم القرآن إعجاز القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: