ابو ايهاب حمودة :: المشرف العام ::
عدد المساهمات : 25191 تاريخ التسجيل : 16/08/2009
| |
ابو ايهاب حمودة :: المشرف العام ::
عدد المساهمات : 25191 تاريخ التسجيل : 16/08/2009
| موضوع: رد: الخوارج كما وردت في النصوص السبت ديسمبر 13, 2014 6:50 am | |
| كما أن قوله : ” إن له أصحاباً” يدل على أنهم يتحزبون تحت راية،وأنهم يكونون على إمرة واحدة، وهذه إحدى علامات الخوارج. الوقفة الخامسة عشرة : صفات الخوارج في النصوص 1-الاجتهاد في العبادة 2-القرآن لا يجاوز حناجرهم 3- سفهاء الأحلام 4-حدثاء الأسنان 5-يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان 6-الدعوة إلى كتاب الله 7-الجهاد على المسلمين 8-العجب بالنفس 9-المروق من الدين 10-وضع الآيات التي نزلت على الكفار على المسلمين 11- شر الخلق 12-أنهم أهل فرقة وافتراق 13- الخروج من بين أظهر المسلمين 14- ليس فيهم أهل العلم 15 – سيماهم التحليق 16- ليسوا من الامة 17- كلاب جهنم 18- الفتك بمن ينتسب إلى الإسلام بالقتل والسلب 19- إلى آخر القائمة الطويلة من صفاتهم. وما ذكرناه من صفات الخوارج هي خطوط عريضة ، وهو قِلُ من جُلٍّ، وغيض من فيضٍ، وهي مبثوثة في كتب التفاسير والحديث، وكتب العقائد ، والمؤلفات الخاصة بالفرق – وفي العصر الحاضر ألفت عشرات الكتب في الخوارج خاصة بعضها مفيد لكن كثيرا منها مجرد تأليف، وسرد لأقوال وأحكام دون ولوج للب الموضوع، والله المستعان . لكن الذي أنبه عليه أننا نسير في بحثنا عن صفات الخوارج ليس أخذ ما قيل عنهم، أو سُجّل من خلال النظر إلى واقعهم، وإنما الصفات التي وردت في النصوص الصحيحة، لأن الهدف من بحثنا هو أن نحذر منها ولا نقع فيها، وهي التي برأيي لا ينفك عنها أي خارجي في أي زمان ومكان، أما بقية الصفات التي تورد في هذا الكتاب أو ذاك ، فهي مجرد مواصفات لا يمكن أن تنضبط أو تكون عامة عليهم ، وبالتالي نعرض عنها صفحاً. الوقفة السادسة عشرة : الصفة الأولى : الاجتهاد في العبادة . فالأحاديث الصحيحة التي وردت في الخوارج اتفقت على هذه النقطة، وهي كثرة تعبدهم، وقد أشارت إلى أنواع من العبادة قال – صلى الله عليه وسلم -: ” فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ” . وعند أبي داود : ” ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئا ، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا ” [ أبو داود : 4768 ] وعند التأمل في الحديث الذي معنا نجد ما يلي : ( يحقر ) يعني التزامهم الواضح بحيث يكونون أفضل من غيرهم في ممارسة أركان الإسلام الظاهرة . ولا ننسى أن الخطاب ” أحدكم ” موجه للصحابة ، وهم من هم في إقامة الصلاة كما هي مطلوبة بأداء أركانها ، والمحافظة على واجباتها ، والإتيان بهيئأتها وسننها، وإذا كان الصحابة – رضي الله عنهم – يحتقرون صلاتهم مع صلاتهم فكيف بغير الصحابة ؟ ! كما نجد أن الأعمال المذكورة هي ثلاثة أعمال : الصلاة . الصيام . قراءة القرآن . وعند التأمل والتفكر في هذه الأعمال التي تضافرت الأدلة باجتهادهم عليها نجد بأنها أعمال ذاتية بدنية ، وهي التي يعبر عنها الفقهاء في بيان أقسام العبادات وأنواعها، بـ ” العبادات القاصرة النفع ” بمعنى أن نفعها لصاحبها دون غيره ، فلو صليتَ مائة ركعة فأجرها وثوابها لك – إن شاء الله – لكن فلانا من الناس تصدق بمليون شلن فأجرها وثوابها له، وينتفع بها أيضاً إخوانه من المسلمين . فلم يرد في أوصافهم مثلا ” الصدقة ” ، ولم يذكر الحج ، والعمرة ، ولا الجهاد ، وغيرها من شعب الإيمان وما زلت أفكر في الموضوع وأتامل ولم أر من اهتم بدارسة هذا الجانب . إن حديث الخوارج لهو علم من أعلم نبوته صلى الله عليه وسلم حيث جاءت أحوال هؤلاء القوم كما بينت هذه الأحاديث، وقد صور حبر هذه الأمة ، وترجمان القرآن ، وابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحسن تصوير لما عليه القوم من الاجتهاد في العبادة ، بكلمات يسيرة فقال بعد رجوعه من مناظرته للخوارج الشهيرة : ” فأتيتهم فدخلت على قوم لم أر أشد اجتهادا منهم , أيديهم كأنها ثفن الإبل , ووجوههم معلمة من آثار السجود ” [ مصنف عبد الرزاق (10/158) ، والمعجم الكبير (10/257). ولو لا هذه الأحاديث لتعجب الناس ولما صدقوا ما تترآ أعينهم كيف ! وهم قوم نحقر صلاتنا عند صلاتهم ، ولهذا أورد البخاري هذا الحديث في كتاب المناقب : علامات النبوة في الإسلام برقم (3341). الوقفة السابعة عشرة : الصفة الثانية : القرآن لا يجاز تراقيهم. ” فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم “ لقد كانت الخوارج يقرءون القرآن و لكنهم لم يكونوا أهل فهم و علم, يقول الرسول صلى الله عليه و سلم:”يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم” رواه البخاري (1/53). قال الإمام النووي – رحمه الله- ” المراد أنهم ليس لهم فيه حظ إلا مروره على ألسنتهم لا يصل إلى حلوقهم فضلا عن أن يصل إلى قلوبهم لأن المطلوب تعقله و تدبره بوقوعه في القلب” . وعند التأمل في هذا التعبير ” يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ” لم يكتف الحديث بوصفهم قراء يقرؤون القرآن، أو يحسنون قراءتهم كما في وراية أبي داود : ” ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا … ” [ أبو داود : 4768 ] وإنما وصفهم وصفا دقيقاً يصاحب الخوارج في كل زمان وعصر، وهو عدم الفهم، وقلة العلم الشرعي ، وأينما وجد الخارجي توجد هذه الصفة ملازمة له . يقول ابن تيمية- رحمه الله تعالى – ” وكانت البدع الأولى مثل – بدعة الخوارج – إنما هي من سوء فهمهم للقرآن لم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه ” [ الفتاوى (3/20)]. وفي زماننا هذا كثر القراء وقل الفقهاء العارفون بما جاء عن الله – سبحانه وتعالى – و رسوله – صلى الله عليه و سلم- , واستوى في القراءة الكبار و الصغار، و الرجال و النساء, بسبب كثرة مدارس تحفيظ القرآن الكريم ، وهي من نعم الله تعالى علينا، لكن الذي ينبغي التنبيه عليه، هو أن هناك فرقاً شاسعاً وبوناً كبيراً ، بين القارئ للقرآن والعلوم الشرعية ، والفقيه فيها، فينبغي الحذر وعدم الاغترار بقراءة الكتب الشرعية دون التلقي ممن آتاهم الله – سبحانه وتعالى – حتى لا يقع المرء فيما وقعت فيه الخوارج ، فيهلك كما هلكت . الوقفة الثامنة عشرة: ملخص ما يستفاد من الصفات الواردة في هذا الحديث: 1 – قوم يجتهدون في العبادات التي تكون بين العبد وبين ربه ، مثل الصلاة والصوم وقراءة القرآن ، لكن يسيئون العلاقة بينهم وبين خلق الله فيتعاملون معهم وفق أهوائهم . 2- يقعون في ما حرم الله عليهم في كتاب الله ، وذلك لعدم فقههم للقرآن ، مجرد قراءة ، حفظة دون فهم ووعي للمراد من الكلام ، وهذا ما عبر عنه الحديث في أحسن تعبير ، وأدق تصوير ( يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ) ، وهذا الحديث يتضمن أيضاً من الفوائد الكثيرة منها أن المهم ليس قرءة القرآن فحسب بل الفهم والوعي والعمل بأوامره . 3- وفي الحديث الآخر : ( القرآن إما لك أو عليك ) ، والخوارج من من القسم الثاني الذين يكون القرآن حجة عليهم . ذكر أهل البدع بما فيهم من الخير ليس تزكية لهم. كثرة الأعمال ليست دليلا على صحة العمل. إذا اجتمعت صفتان حميدة وذميمة في الشخص أو الجماعة أو الأمة ، تذكر الصفتان معا في حال الحذر ، وهذا فوق كونه في غاية الإنصاف فإنه مفيد لتبيان أمر المحذور منه حتى لا يختلط أمره على الناس فينظروا إلى الصفة المحمودة لتحجب عنهم الصفة المذمومة فيهلكوا في المتابعة عليه في أمره كله . الحديث الثاني : قال علي رضي الله عنه إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة ” [ رواه السبعة، البخاري ، ومسلم ، وأبو داود، و النسائي ، والترمذي، وابن ماجه، والإمام أحمد]. وفي رواية [ سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام .... ] [ البخاري : 6930] ، و [ مسلم : 1066] . وانفرد الإمام أحمد بسند صحيح عن علي – رضي الله عنه –[ يخرج في آخر الزمان أقوام أحداث الأسنان سفهاء الأحلام ] [ مسند الإمام أحمد 2/45]. وعند ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :” ينشأ نشء يقرءون القرآن لايجاوز تراقيهم ، كلما خرج قرن قطع ” قال ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :”كلما خرج قرن قطع ” أكثر من عشرين مرة ، “حتى يخرج في عراضهم الدجال ” [ ابن ماجه وصححه الألباني ] . سنقف مع هذا الحديث في حلقتنا السادسة عدة وقفات كما فعلنا مع الأحاديث السابقة، فقد تضمن هذا الحديث برواياته المتعددة عدة صفات نتاول كما هي مرتبة في الحديث . الوقفة التاسعة عشرة:الصفة الثالثة: حدثاء الأسنان. معنى ( حدثاء الأسنان ) صغار السن ، شباب. قال الحافظ – رحمه الله تعالى – ” بمهملة ثم مثلثة جمع حدث بفتحتين والحدث هو الصغير السن … قال في ” المطالع ” معناه شباب ….قال ابن التين : والأسنان جمع سن والمراد به العمر , والمراد أنهم شباب ” . قال ابن الأثير : ” حَداثَة السِّنّ: كناية عن الشّباب وأوّل العُمر ” [ النهاية 1/434] قال السندي في شرحه لابن ماجه : ” .. الناشئ بهمزة في آخره الغلام والجارية جاوز حد الصغر”[ سنن ابن ماجه – المقدمة – في ذكر الخوارج - برقم (170) ]. فعامة الخوارج، ومن يتبنى فكرهم من الشباب الذين تغلب عليهم الخفة والاستعجال والحماس وسفاهة العقول. الوقفة العشرون : الصفة الرابعة: سفهاء الأحلام. معنى ( سفهاء الأحلام ) ضعفاء العقل، قاصروا النظر والإدراك. قال النووي : ” صغار العقول ” جمع حلم بكسر أوله والمراد به العقل, والمعنى أن عقولهم رديئة. وقال الحافظ والسندي والسيوطي : ” ضعاف العقول ” وقال ابن الأثير : ” الأحلام : الألباب والعقول ، والسفه :الخفة والطيش “. وقال النووي:” يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل”. وقد تعقب الحافظ في الفتح على قول الإمام قائلاً:” ولم يظهر لي وجه الأخذ منه فإن هذا معلوم بالعادة لا من خصوص كون هؤلاء كانوا بهذه الصفة “. قال كاتب السطور: وأنا لم يتضح لي وجه اعتراض الحافظ على الإمام – رحمهما الله تعالى-، فإن مما لا شك فيه أن هذا المعنى الذي أشار إليه النووي واضح ، ويفهم من الحديث مباشرة ، فالعادات تختلف حسب الزمان والمكان، و العادات في الغالب مضطربة بفعل عوامل الزمن والمكان والبيئة ، فقد رأينا أقوما عادتهم تقديم الصغار على أولي النهى في شؤون العامة، وتتويج الصغار على أعلى منافذ الحكم ، وبهذا يتضح أن ما قاله الحافظ ينبطق على بيئته وليس كل البيئات، ولا أظن أن هؤلاء – المقدمين للصغار- علموا من عادتهم بأن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن. وعلى كل فالخوارج جمعوا بين حدثاء السن وسفاهة العقل ، فكيف اذا اجتمعت مع حداثة الالتزام ، وقلة العلم الشرعي، والإسلام منع من السفيه التصرف فيما يخصه وحجر عليه ، – كما هو معروف، فلم يخل كتاب من كتب الفقه باب الجحر على السفيه ، فكيف بالشأن العام ؟ لكن كما يقال إذا تفرقت الأغنام قادتها العنز العرجاء، وبالتالي فإن الخوارج لم يخرجوا إلا حين فرقة من الناس. ومن سفاهة العقل ارتكاب المحرم شرعا، والمجمع على تحريمه ثم الافتخار به والإعلان به، والجهر به . تأمل حول هذين الصفتين : تأملت حول هاتين الصفتين ، وهما من الصفات التي وردت في جميع النصوص الواردة في الخوارج ، ومن الصفات التي صحت سنداً ومتناً، وقد اتفقت كلمة الرواة على تقديم صفة حداثة السن على سفاهة الحلم ، ولا بد أن للتقديم هنا معنى مقصوداً لذاته ، منها أن حداثة السن – العمر – يمكن إدراكه وملاحظته بكل سهولة وبدون حاجة لغير حاسة العين المجردة، لكن سفاهة الحلم ليست بادية كما هي صفة الحداثة فقدمت ؛ لأنها يمكن ملاحظتها بدون تعقيد ، ولا تخفى على العين المجردة . إنهما صفتان متلازمتان، تلازم الرشد للبلوغ ، فإذا تحققت الأولى وهي -صغر السن – فستتحقق الثانية تباعاً، ولهذا تم تقديها على الثانية فيما يبدو لنا – والله أعلم – . بل إن حداثة السن بحد ذاتها – وإن لم يعتنق صاحبها الفكر الخارجي – مشكلة تحتاج إلى المراعاة، وانظر ماذا تفعل حداثة السن بالإنسان، وانظر كيف تورد المهالك، وكيف أن أولي الرأي مقدمون، وفيهم النجاة – بإذن الله تعالى – لهم ولغيرهم. أليست حداثة السن هي التي جعلت هؤلاء يتجاوزون كل الحدود المعقولة حتى قالو : ” يغفر الله لرسول – صلى الله عليه وسلم- يعطي قريشاً ويترك الأنصار، وسيوفنا تقطر من دمائهم” أي كلام هذا ؟! وأي جرأة تلك ؟! سبحان الله ! كيف يقال هذا لرسول الله ؟ لكن حكمة رسول رب العالمين ، وعفوه ، وخلقه العظيم تعالج الموقف ، فيستدعي الأنصار بعد ما بلغته هذه المقولة فيجتعون فيأتي إليهم فيقول : : ” ما كان حديث بلغني عنكم؟ ” ما أحلمك يا رسول الله !! موقف صعب جداً ، أيمكن أن يصدر هذا من الأنصار؟ فيأتي رد الأنصار ” فقال له فقهاؤهم: أما ذووا آرائنا يا رسول الله، فلم يقولوا شيئاً، وأما أناس منّا حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول – صلى الله عليه وسلم- يعطي قريشاً ويترك الأنصار، وسيوفنا تقطر من دمائهم! ” أخرجه البخاري في صحيحه برقم (3147). وضع – أيها القارئ الكريم – تحت كلمة ” فقهاؤهم ” وكلمة ” ذووا آرائنا ” مائة خط ثم تأمل مرات ومرات تدرك معنى ماذا يعني : الفقه والفقهاء والرأي في سبيل النجاة ، واعتدال السفينة ، والنجاح في قيادة الأمة ، وليس كما سوّل إبليس لبعضهم بمحاربة الفقه وأهله. وخلاصة القول أن هذين الصفتين ملازمة للخارجي في كل زمان ومكان. ولا أدري ما الذي جعل الشيخ عبد المحسن العبيكان يقول في كتابه : ” ثم قال : حدثاء الأسنان ، يقول ابن الأثير : حداثة السنِّ : كناية عن الشباب وأوّل العمر. فلم يكبروا حتى يعرفوا الحق ، وهذا ينطبق على أولئك القوم الذين استحلوا المسجد الحرام ، بينما الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ – رضي الله عنه – كانوا من أكابر الناس، ومن كبار السن، وفيهم كبار في قومهم. وقال : سفهاء الأحلام ، يقول ابن الأثير : الأحلام: الألباب والعقول، والسفه الخفة والطيش ، وهو ينطبق على من ذكرنا. بينما الخوارج الذين خرجوا على عليٍّ – رضي الله عنه – كانوا من ذوي العقول ” [ الخوارج والفكر المتجدد ص 20-21]. عجباً لك أيها الشيخ !! إن الذين خرجوا على علي – رضي الله عنه – انطبقت عليهم كل الصفات الواردة في الأحاديث الصحيحة، ولا يجوز بحال من الأحوال أن نصفهم بأنهم ” من أكابر الناس ، ومن كبار السن ، وأنهم كانوا من ذوي العقول ” في سبيل إثبات أن هناك خوارج جدد ، فإن من يأتي بعدهم ينضم إلى تلك القافلة، وما قلتَه عن الخوارج – الذين خرجوا على علي – رضي الله عنه – لم يسبق إليه أحد. الوقفة الحادية والعشرون : ولأولي الأحلام اعتبار في الإسلام؟ فعن أبي مسعود – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: ” استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ” مسلم ، كتاب الصلاة ، باب تسوية الصفوف برقم الحديث(654). قال النووي – رحمه الله – في شرحه لهذا الحديث : ” وأولو الأحلام هم العقلاء وقيل البالغون … قوله صلى الله عليه وسلم : ( ثم الذين يلونهم ) معناه الذي يقربون منهم في هذا الوصف . و في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام , ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى, ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة, ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس وليقتدي بأفعالهم من ورائهم ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة , ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها , ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة في ذلك الباب , والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك . وفيه تسوية الصفوف واعتناء الإمام بها والحث عليها ” . ومن الخطأ البين، والغبن الفاحش أن يتم تقديم الإنسان على أساس النسب والرحم ، أو التوافق الفكري والمذهبي ، أو الولاء الحزبي ، أو لاعتبارات أخرى غير العلم والكفأة والتدين ، فإذا كان هذا الأمر معروفا فيما أصاب بالأمة في دولها وحكوماتها، فما يفعله من الانحرافات أشد وأكثر في الجماعات التي وسمت نفسها بأنها مجاهدة، وتقدم صغار السن وضعاف العقول، وصفر العلم الشرعي للأمة على أنهم المراجع والأعلام ، والأسوأ من هذا أن يشن هجوم على أولي النهى للتشويش عليهم، ولعدم مجاراتهم سفهاء العقول . الحديث الثاني : قال علي رضي الله عنه إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة ” [ رواه السبعة، البخاري ، ومسلم ، وأبو داود، و النسائي ، والترمذي، وابن ماجه ، والإمام أحمد ]. وفي رواية ” يمرقون من الدين ” سنقف مع هذا الحديث في حلقتنا السابعة وقفات كما فعلنا مع الأحاديث السابقة، وقد تضمن هذا الحديث برواياته المتعددة عدة صفات نتاول كما هي مرتبة في الحديث. و نشير إلى أننا تناولنا في حلقات سابقة عدة صفات هي : الصفة الأولى : الاجتهاد في العبادة. الصفة الثانية : القرآن لا يجاز تراقيهم. الصفة الثالثة : حدثاء الأسنان. الصفة الرابعة : سفهاء الأحلام. الوقفة الثانية والعشرون: الصفة الخامسة : يقولون من خير قول البرية معنى ” يقولون من خير قول البرية ” ذهب العلماء في تفسير المراد من هذه الصفة إلى ثلاث أقوال : (1) القرآن. والمعنى:أي خير ما يتكلم به الخلائق، وهو القرآن، قال الحافظ :” أي من القرآن كما في حديث أبي سعيد الذي قبله ” يقرءون القرآن ” وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم: لا حكم إلا الله , وانتزعوها من القرآن وحملوها على غير محملها”. وقد بوّب الإمام البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه كتاب فضائل القرآن ، باب إثم من رآءى بقراة القرآن أو تأكل به أو فخر به وأورد هذا الحديث ، و قال الحافظ : ” يقولون من خير قول البرية ” هو من المقلوب والمراد من ” قول خير البرية ” أي من قول الله , وهو المناسب للترجمة. (2)الأحاديث . وهذا ما رجح به صاحب عون المعبود حيث قال : ” أي خير ما يتكلم به الخلائق , وقيل أراد بخير قول البرية القرآن , وفي بعض النسخ من قول خير البرية . والظاهر أن المراد بخير البرية النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم . [ عون المعبود شرح سنن أبي داود – كتاب السنة – باب في قتال الخوارج ] . (3)القول الحسن مطلقاً . وهو تفسير له وجاهة ولا ينفى ما سبق من التفاسير ، وقد أشار الحافظ – رحمه الله – إلى هذا الاحتمال بعد ذكره لمن قال : بأن المراد هو القرآن ، فقال : ” ويحتمل أن يكون على ظاهره والمراد القول الحسن في الظاهر وباطنه على خلاف ذلك كقولهم ” لا حكم إلا لله “. وهو اختيار الإمام النووي – رحمه الله تعالى – حيث قال : ” معناه : في ظاهر الأمر كقولهم : لا حكم إلا لله , ونظائره من دعائهم إلى كتاب الله تعالى . والله أعلم ” . [ 1771] . وهو ما ذهب إليه السندي – رحمه الله – : ” أي يتكلمون ببعض الأقوال التي هي من خيار أقوال الناس ” . الوقفة الثالثة والعشرون : الصفة السادسة : المروق من الإسلام أو الدين معنى المروق من الدين ؟ وردت صفة المروق من الدين ، أو الإسلام كما في بعض الروايات في الأحاديث الصحيحة والثابتة ، ومعنى المروق الخروج ، فقوله صلى الله عليه وسلم ” يمرقون من الدين ” كيخرجون لفظا ومعنى . قال ابن الأثير في معنى “يَمْرُقون ” : أي يَجُوزونَهُ ويَخْرِقُونَهُ وَيَتَعَدَّونَهُ كما يَخْرِقُ السَّهْمُ الشيء الْمَرْمِيَّ به ويخرج منه . [ النهاية 4/320 ] . وقال الرازي : ومَرَقَ السهم من الرميَّة خرج من الجانب الآخر وبابه دخل ومنه سُمِّيَتْ الخوارج مارِقةً لقوله – صلى الله عليه وسلم – : يمرقون من الدِّين كما يمرق السهم من الرميَّة ، وجمع الْمارِق مُرَّاقٌ . [ مختار الصحاح 1/259] قال القاضي عياض ” يخرجون منه … و ( الدين ) هنا هو الإسلام , كما قال سبحانه وتعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } ، وما قاله القاضي هو الذي ذهب إليه المحدثون ، وساروا عليه ، وهو الذي يقتضيه السياق، وتضافرت عليه روايات الباب . وقال الخطابي : ” هو الطاعة أي من طاعة الإمام ” ، قال كاتب السطور : وإذا كان يمكن أن يكون معنى الدين بمعنى الطاعة ، فإن الروايات التي وردت بلفظ الإسلام – وهي في الصحيحين وغيرهما تمنع هذا التوجيه . وعند الطبري و النسائي عن علي – رضي الله عنه – ” يمرقون من الحق ” قال الحفاظ – رحمه الله – ” فيه تعقب على من فسر الدين هنا بالطاعة ” ، وابن حجر يشير بذلك إلى الإمام الخطابي – رحهما الله تعالى – وبناء على هذه الصفة التي وردت في هذه الأحاديث لقبت الخوارج بــــ ” المارقة ” ، وهم يرضون بألقابهم ما عدى هذه الصفة كما قال القاضي عياض – رحمه الله – ” وهم يرضون الأسماء والألقاب كلها إلاّ المارقة ” . وقد استدل بهذه الصفة من يرى بأن الخوارج كفار، لكن سنتاول هذه المسألة – حكم الخوارج – بالتفصيل في وقفة خاصة بعد الانتهاء من الصفات الواردة فيهم . تأمل لهذه الصفة : إن هذه الصفة من أشد الصفات الواردة في الخوارج ذماً لهم ، وهي صفة تكفي للتنفير عن مذهبهم وطريقة تفكيرهم ، وهي التي تجعل كل مسلم يبتعد عن هذا الفكر والانزاق نحوه ، وهي التي بسببها استحقت الخوارج في كل زمان ومكان الذم ، إن هذه الصفة صريحة وواضحة لكل من يقرأ الأحاديث التي وردت فيهم ، وهي نتيجة للصفات التي سبقتها في الحديث من حداثة السن وسفاهة الحلم ، وعدم فهمهم للقرآن , وقلة فقههم. إنك لتدرك مدى مروق القوم من الدين عند تقرأ أبيات الهالك عمران بن حطان الذي قام يمدح قاتل ” الإمام علي – رضي الله عنه – ” قائلاً : لله درّ المرادي الذي سفكت***********كفّــاه مهجة شرّ الخلق إنسانــــا أمسى عشيّة غشّاه بضربته************ممــا جناه من الآثام عريـانــــا يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بها******إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا إنّي لأذكـــــره حيناً فأحسبه******أوفى البريّة عنــــد الله ميزانا ومن أحسن من ردّ على هذا الأفاك الأثيم ، المحدث الشاعر ، أبو عبد الرحمن التاهرتي – رحمه الله – الذي قال قصيدة مدوية رددها الزمان متجدة ومبطلة لفكر كل خارجي، فاستحق الثناء من كل سني منابذ للفكر الخارجي فرحمك الله – يا أبا عبد الرحمن – ورفع منزلتك في الفردوس الأعلى قل لابن ملجم والأقدار غالبةٌ***********هدمت ويحك للإسلام أركانا قتلت أفضل من يمشي على قدمٍ***********وأوّل الناس إسلاماً وإيمانا وأعلم الناس بالقرآن ثم بما**********سنّ الرسول لنا شرعاً وتبيانا صهر النبيّ ومولاه وناصره**************أضحت مناقبه نوراً وبرهانا وكان منه على رغم الحسود له**********مكان هارون من موسى بن عمران وكان في الحرب سيفاً صارماً ذكراً*******ليس إذا لقي الأقران أقرانا ذكرت قاتله والدمع منحدرٌ ************فقلت : سبحان ربّ الناس سبحانا إنّي لأحسبه ما كان من بشرٍ ************يخشى المعاد ولكن كان شيطانا أشقى مرادٍ إذا عدّت قبائلها***********وأخسر الناس عند الله ميزانا كعاقر الناقة الأولى التي جلبت *******على ثمود بأرض الحجر خسرانا قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها ********قبل المنيّة أزماناً فأزمانا فلا عفا الله عنه ما تحمّله ********ولا سقى قبل عمران بن حطّانا لقوله في شقيٍ ظلّ مجترماً ********ونال ما ناله ظلماً وعدوانا ” يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بها********إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا بل ضربةٌ من غويٍّ أوردته لظىً ********فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا ومن عجائب الزمان حقاً أن ظهرت – مؤخراً – بعض الكتابات التي تمجد مذهب الخوارج ، وتقارنها بالمذاهب الفقهية، بل تفضلها عليهم ليس بتلميح، وإنما بتصريح ، وليست فلتة لسان في مجلس، تدارك صاحبها بعد التنبيه ، وإنما في أشرطة مسجلة ، ومحاضرات عامة ، وتصفهم بأن ” عقيدتهم سلفية ” ” وإنما خطأهم كان في المنهج وليس في المعتقد ” فكيف تجتمع هذه النظرة للخوارج مع الادعاء بأنهم – أي الممجدون لهم – حاملوا راية الحديث ، وأنهم أهل الحديث ، إن أهل الحديث بريء لمثل هذه الأفكار الضالة، فهاتوا مَنْ مِنَ المحدثين سبقكم إلى هذا القول ” قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ” فإلى الله المشتكى .
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/book/16225.html#ixzz3J4qWmHU3
| |
|