ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله Empty
مُساهمةموضوع: الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله   الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 10:59 am

الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله 5EQ1Nn
الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [سورة قريش: الآية 3-4]، أشهد ألا إله إلا الله القائل: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [سورة الأنعام: الآية 86]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافًى في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»(1)، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
الأمن نعمة عظيمة لا يعرف قدرها ومنزلتها وآثارها إلا من افتقدها، ولو قلب الإنسان النظر في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، لرأى العجب العجاب من خلل الأمن في بعض بلاد المسلمين المجاورة، في فلسطين وفي العراق وفي الشيشان، وفي أفغانستان وفي الصومال، وفي أمكان عديدة فقدت هذه الدول أمنها أو بعض أمنها، فصار الواحد منهم لا يأمن على دينه ولا يأمن على ماله، ولا يأمن على دمه بل ولا يأمن على عرضه، أما سكان المملكة العربية السعودية خدَّامُ الحرمين الشريفين فهم والله في نعمة عظيمة، إن شُكِرَتْ قَرَّتْ وإن كُفِرَتْ فَرَّتْ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [سورة إبراهيم: الآية 7].
والأمن له آثاره العظيمة، إذا استتب في البلد أمن الناس على دينهم وعلى دمائهم، وعلى أموالهم بل وعلى أعراضهم، وبالمقابل إذا اختل الأمن فقد بعض الناس دينهم ولم يتمكنوا من إظهار شعائر دينهم ولم يأمنوا على أموالهم ودمائهم وأعراضهم فالله الله أيها الإخوة بالتمسك بهذا الدين العظيم ليستتب لنا الأمن ولتدوم لنا هذه النعم.
وموضوع المحاضرة في هذه الليلة وفي هذا الجامع المبارك هي بعنوان الأمن الفكري حقيقته وسبل الوقاية وستكون المحاضرة من عناصر متعددة أولها أهمية الأمن الفكري ثانيا مفهوم الأمن في الإسلام ثالثا مفهوم الأمن الفكري رابعا التأصيل الشرعي للأمن الفكري في الإسلام خامسا تاريخ الانحراف الفكري سادسا أسباب الانحراف الفكري سابعا وسائل حماية الأمن الفكري من الناحيتين الوقائية والعلاجية ثامنا صلة الأمن الفكري بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تاسعا المملكة العربية السعودية النموذج الفذ في العصر الحديث في الأمن والرخاء والاستقرار.
أهمية الأمن الفكري:
الأمن الفكري له أهمية عظمى، كأهمية تأمين الغذاء والمأوى تماما، وينبغي أن نحمد الله على سلامة العقول والأفكار؛ لأن النعم إذا شُكِرَتْ قَرَّتْ وإذا كُفِرَتْ فَرَّتْ، ومع أن الأمن بمفهومه الشامل سواء كان أمنا عقديا أو أمنا فكريا، أو أمنا اقتصاديا أو غير ذلك من أنوع الأمن، فهو مطلب رئيس لكل أمة من الأمم؛ إذ الأمن ركيزة استقرار تلك الأمم، وأساس أمنها واطمئنانها، إلا أن هناك نوعا يعد من أهم أنواعه بل ومن أخطرها، و بمثابة الرأس من الجسد لما له من الصلة الوثيقة بهوية الأمة وشخصيتها الحضارية، حيث لا غنى لنا عنه ولا غنى لأحد عنه ولا قيمة للحياة بدونه، فهو لب الأمن وركيزته الكبرى ذلكم هو الأمن الفكري.
لأن الناس إذا اطمئنوا على ما عندهم من الأصول والثوابت، وأمنوا على ما لديهم من قيم ومثل ومبادئ، فقد تحقق لهم الأمن في أسمى صوره وأجلى معانيه وأنبل مراميه، وإذا تلوثت أفكارهم بمبادئ وافدة، ومناهج دخيلة وأفكار منحرفة وثقافات مستوردة، فقد جاس الخوف خلال ديارهم، وحل بين ظهرانيهم ذلك الخوف المعنوي، الذي يهدد كيانهم ويقضي على مقومات بقائهم؛ لذلك حصرت شريعتنا الغراء على تعزيز جانب الأمن الفكري لدى الأفراد والمجتمعات، وكان لها قصب السبق في ذلك عن طريق تحقيق وسائل متعددة، أسهمت في حمايته والحفاظ عليه من كل قرصنة، سواء كانت فكرية أو سمسرة ثقافية أو تسللات عولمية، تهز مبادئه وتخدش قيمه وتمس ثوابته.
وإننا لو قلبنا النظر في تلك القنوات الفضائية، التي في أكثرها تبث ليل نهار الغث دون الثمين، وتنشر الشر دون الخير، ومنها قنوات المجون والعري والفساد، هذه القنوات إن لم يقف أمامها الإعلام الإسلامي المكتمل، الذي يؤمن الناس على عقائدهم ويدعوهم إلى الخير والفضيلة، ويحذرهم من الردى ومن الانحلال، ومن الفساد الفكري والخلقي؛ فسوف يترتب على فقد هذا الإعلام دوره، فساد المجتمعات التي ما من نبي أرسل؛ إلا ليرسي دعائم الأخلاق وسمو الأفكار والارتباط بالله رب العالمين.
مفهوم الأمن في الإسلام:
أما عن مفهوم الأمن في الإسلام، فهو أمر يتحقق للناس تحلو به العبادة، فيصلي المرء بكل خشوع وطمأنينة وارتياح، ويذهب إلى متجره وهو آمن على دمه وماله وعرضه، فكل هذه نعم عظيمة يجب أن تقابل بالشكر للمولى جل وعلا، وفي ظل الأمن والأمان تحلو العبادة وتطمئن النفوس وترتاح القلوب قال جل وعلا: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [سورة الأنعام: الآية 125] فبالاستغفار والأدعية والأذكار، وبتلاوة القرآن وتحكيم آياته، وبالإيمان بمحكمه وبمتشابهه تحلو الحياة وترتاح القلوب، وتطمئن النفوس، وبعكس ذلك إذا اختل الأمن الفكري تفسد الأخلاق وتفسد العقائد، وتهتز أركان الأمن في كل البلاد.
وربنا جل وعلا يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [سورة الذاريات: الآية 56-57] فعلى المرء أن يتمسك بأهداب دينه وأن يتقي ربه وأن يقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أفراد أسرته: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [سورة الشعراء: الآية 214]، وأن يقيم الأمر بالمعروف في مجتمعه؛ لأن ربنا – جل وعلا – يقول: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [سورة الحج: الآية 41]، فلا أمن ولا أمان إلا بتحقيق الدين والتمسك بأهداف الدين.
والأمن والأمان هما عماد كل جهد تنموي، فمن دونهما تتوقف الحياة وتتعسر، ولا يتحقق الأمن بدون دين، فلا أمن إلا بدين ولا ارتياح إلا بدين: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾، [سورة الزخرف: الآية 36] ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [سورة طه: الآية 124-126]
والأمن هدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها، بل الأمن مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت فانبثق عنها أمن وإيمان؛ إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء إلا بضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية، قيل لعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لما جاء رسول كسرى أو قيصر فقال: أين خليفتكم ؟ قالوا: هذا، وإذا هو – رضي الله عنه – قد نام تحت شجرة في الطريق، فماذا قال له ذلك الرجل وذلك المندوب الدبلوماسي ؟ قال له: عدلت فأمنت فنمت ” هل عمر بن الخطاب وقبله أبو بكر الصديق وقبله محمد سيد الورى – صلى الله عليه سلم – هل كانوا يمشون بحراسات لا، لماذا لأنهم لا يخشون إلا الله – عز وجل – ولكن مع ذلك لما انتهى أجل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قُتِلَ مِنْ قِبَلِ أبي لؤلؤة المجوسي، وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر.
إذن لا حرج أن يتخذ الإنسان حراس أمن، ولكن يجب أن يعدل ليأمن على نفسه وليأمن المجتمع، وليامن الأفراد بعضهم على بعض عدلت فأمنت فنمت
ولعظم الأمن في حياة الناس كانت دعوة أبينا إبراهيم عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا﴾ [سورة إبراهيم: الآية 35] وصح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافًى في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا»(2) فليس الأمن في جمع المال والعقارات، ولا تنال السعادة بذلك.
وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ
وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
وكم من تجار ملكوا مئات وآلاف الملايين، ولكنهم لا يشعرون بطعم السعادة ولا يتلذذون بمنام ولا بفراش؛ لأن البعض منهم تنكب جادة الصواب، ولم يعرف طاعة الله إلى قلبه لذا فقد طعم الإيمان؛ ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: « ثلاثة مَن كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار » (3). إذن الإيمان له حلاوة والسعادة لها طعم والأمن له أثر، فلنتق الله ولنتمسك بالدين القويم
وكان من أولويات الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما هاجر من مكة إلى المدينة، أن آخى بين المهاجرين والأنصار؛ لينتشر بينهم الود والإخاء الحب والوفاء، حتى سادت بينهم المحبة والمودة، وابتعدت عنهم الأحقاد والضغائن وساد الأمن؛ ولذا نجد النبي – صلى الله عليه وسلم – آخى بين المهاجرين والأنصار، وقرر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حفظ الكليات الخمس للمسلم؛ لأنه بحفظها يسود الأمن، فحفظ النفس المعصومة وحرم قتلها إلا بحقها، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [سورة النساء: الآية 93] وقال صلى الله عليه وسلم: « لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما »(4)، وبرئ الرسول – صلى الله عليه وسلم «ممن قتل معاهدا»(5).
فدماء المسلمين ودماء المعاهدين ودماء المستأمنين، محفوظة بحفظ الإسلام، ولكن يأبى بعض من انحرفت عقائدهم، وزاغت بصائرهم وقلوبهم إلا أن يتنكبوا جادة الصواب، فيرتكبون بعض الحماقات التي يريقون بها دماء المسلمين ودماء المعاهدين، ونسوا أن من قاتل معاهدا فقد برأت منه الذمة. فلا بد أن نحفظ للمعاهدين وللمسلمين وللمستأمنين حقوقهم كذلك، كما حفظ الإسلام النفس المعصومة، وحرم قتلها إلا بحقها، وحفظ النسب فحرم الله الزنا وحرم مقدمات الزنا، وما يؤول إلى الزنا؛ فحرم خلوة المرأة بغير المحرم، يقول صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل: يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال: الحمو الموت»(6)، وقال عليه الصلاة والسلام: «ما خلا رجل بامرأة، إلا وكان الشيطان ثالثهما»(7)، وقال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم»(Cool، ولم يجب الحج على المرأة إذا لم تجد المحرم، فقيل للرسول – صلى الله عليه وسلم – إن فلانا سجل اسمه ضمن المجاهدين، ولكنه بلغ الرسول – عليه الصلاة والسلام – بأن زوجته خرجت حاجة بدون محرم، فأمره أن يدع الجهاد في سبيل الله؛ ليصحب زوجته وليكون محرما لها(9)، وهذا من باب العناية والصيانة لحرمة المرأة، وهو أيضا من باب الإكرام، ألم نسمع قول الله – تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ [سورة: الآية]، فليس هذا من باب الشك في حصانة المرأة وعفتها، بل للحفاظ عليها، والإنسان إذا أراد أن يحافظ على شيء ثمين وعلى جواهر غالية، حفظها في مكان أمين، فكذلك المرأة في الإسلام تحفظ في مكان أمين، ولا تترك لذئاب البشر من المعاكسين والمغازلين، ومن المؤذين، فالله – جل وعلا – يقول: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [سورة الأحزاب: الآية 58]، فلا يجوز أن نؤذي المسلم بأي نوع من أنواع الأذى.
إذن حفظ الإسلام النفس المعصومة وحرم قتلها إلا بحقها، وحفظ نسب المسلم فحرم الله عليه الزنا وحفظ عرضه، ونهاه عن التطاول في عرض المسلم، وأمر بجلد القاذف؛ لأنه أساء إلى عرض المسلم وشوه سمعته، وحفظ الإسلام المال فحرم السرقة قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ [سورة المائدة: الآية 38]، وحرم كذلك قطع الطريق وأمر بقطع أيدي وأرجل قطاع الطريق، كل ذلك للمحافظة على المال، وحفظ للمسلم عقله فحرم المسكر من الخمور والمخدرات والمُفَتِّرَات: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ [سورة المائدة: الآية 90]، ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [سورة المائدة: الآية 91]، فإذا فقد المسلم عقله فإنه سيقود سيارته قيادة متهورة، وربما انقلبت عليه سيارته بمن معه، وربما دهس غيره وربما اصطدم بغيره فسبب الضرر له ولغيره، وربما وقع على إحدى محارمه، إذن فالإسلام ما حرم الخمر والمخدرات والمفترات، إلا ليحفظ للناس عقولهم وليحفظ للبلاد أمنها ورخائها واستقرارها، أعلن ذلك المصطفى – صلى الله عليه وسلم – في أعظم تجمع في يوم عرفة، عندما قال عليه الصلاة والسلام: «إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد»(10).
فالإسلام حفظ دمائنا وأنفسنا وأعراضنا وأموالنا، بل وحافظ على عقولنا وأمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بتبليغ هذا البلاغ العظيم، وقال: «ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه ألا هل بلغت»(11)،
مفهوم الأمن الفكري:
أما عن مفهوم الأمن الفكري فإن الأمن الفكري لدى هذه الأمة، يعني أن يعيش أهل الإسلام في مجتمعهم آمنين مطمئنين على مكونات شخصيتهم، وتميز ثقافتهم ومنظومتهم الفكرية المنبثقة من كتاب ربهم ومن سنة نبيهم، وتأتي أهميته من كونه يستمد جذوره من عقيدة الأمة ومسلماتها، ويحدد هويتها ويحقق ذاتيتها، ويراعي مميزاتها وخصائصها، وذلك بتحقيق التلاحم والوحدة في الفكر والمنهج والسلوك والهدف والغاية، كما أنه سر البقاء وسبب النماء وطريق البناء، وعامل العطاء وقاعدة الهناء، وضمانة من التلاشي والفناء، فإذا اطمأن أهل الإسلام على مبادئهم وقيمهم وفكرهم النَّيِّر، وثقافتهم المميزة وأمنوا على ذلك من لوثات المبادئ الوافدة، وغوائل الانحرافات الفكرية المستوردة، ولم يقبلوا التنازل عن شيء من ثوابتهم، ولم يسمحوا بالمسوامة والمزايدة عليها، وعملوا على حراستها وحصانتها، وصيانتها فقد تحقق لهم الأمن الفكري.
التأصيل الشرعي للأمن الفكري:
أما عن التأصيل الشرعي للأمن الفكري في الإسلام، فلقد جاء الإسلام ليحفظ على الناس ضرورات خمس هي: مقاصد الشريعة أولها، وأهمها ضرورة الدين؛ فكل اعتداء على الدين قولا أو فعلا مرئيا مقروءً أو مسموعا، فإن الشريعة الإسلامية تحرمه بل وتمنع منه، ويشمل ذلك: الاعتداء على عقائد الناس ومحاولة تغييرها بالقوة، والإخلال بأمنهم الفكري وإفساد عقائدهم، بتعاطي السحر والكهانة والعرافة وما أشبه ذلك، والإفساد لدين المشاهدين، ومع الأسف الشديد فإننا نشاهد ونسمع بأن بعض المسلمين في شتى بقاع الأرض استجابوا لهذه القنوات السحرية، وصاروا يتعاملون معها، والرسول – عليه الصلاة والسلام – يقول: «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأة حائضا، أو أتى امرأة في دُبُرِها، فقد برئ مما أُنزل على محمد»(12).
فلا بد إذن أن نصد هذا الاستعمار الفكري عبر القنوات الفضائية، وأن نسعى في مواجهة هذا البث الفاسد ببث صالح، يقضي عليه ويدمغ هذا الباطل دمغا: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [سورة الإسراء: الآية 81]، ولاسيما أن هذه القنوات أثرت في بعض شباب وشابات المسلمين، واستطاع رواد هذه القنوات الفضائية، أن يكون لهم كسب وإفساد لعقائد بعض المسلمين، الذين وقعوا فريسة لهذه القنوات السحرية، ولهذه القنوات المائعة الخليعة الماجنة، فلنتق الله عباد الله، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه، وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»(13)؛ ولذا يروي لنا الصحابي الجليل معقل بن يسار – رضي الله عنه – يقول: سمعت رسول – الله صلى الله عليه وسلم – يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته؛ إلا حرم الله عليه الجنة»(14)، فالذي يؤتمن على أمانة سواء أكانت كبيرة أو صغيرة، قليلة أو كثيرة، أسرة أو دولة وغشهم فإنه يخشى عليه أن يصيبه هذا الوعيد الشديد، يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته؛ إلا حرم الله عليه الجنة»(15) رواه البخاري ومسلم، فإذا غش المرء المسلم رعيته وأدخل عندهم هذه القنوات الفاسدة، هذه القنوات السحرية التي مع الأسف تعيث في الأرض فسادا وإفسادا، كما قال الله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ [سورة البقرة: الآية 102]، ثم قال: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [سورة البقرة: الآية 102]
ولذا فالسحر كفر مخرج عن ملة الإسلام، بل إنه من نواقض الإسلام، وحد الساحر أن يضربه ولي الأمر بأمره، ضربة بالسيف على رأسه ليطهر البلاد والعباد من رجسه ونجاسته وخبثه وسوء مسلكه، فليتق الله كل مسلم ولا يسمح لبناته ولا أبنائه، ولا إخوانه أو أخواته ولمن استرعاه الله رعايتهم، ألا يأذن لهم بمشاهدة هذه القنوات الفاسدة، التي تفسد على الناس عقائدهم وتفسد على الناس دينهم وأخلاقهم.
وقد تقرر أن الإسلام جاء؛ ليحفظ على الناس الضرورات الخمس، التي هي مقاصد الشريعة، فحفظ لنا الإسلام ديننا، وقال عليه الصلاة والسلام: «من بدل دينه فاقتلوه»(16)، وهذا حكم المرتد في الإسلام، وأهم هذه الضرورات الخمس ضرورة الدين؛ فكل اعتداء على الدين قولا أو فعلا، حرمته الشريعة الإسلامية بل وتمنع منه، ويشمل ذلك الاعتداء على عقائد الناس ومحاولة تغييرها، والإخلال بأمنهم الفكري والسعي في انحراف الفكر، ولاسيما عند الشباب.
ويستطيع الباحث أن يلاحظ صيانة الإسلام للأمن الفكري على مستويين: أولهما داخل المجتمع المسلم وذلك عن طريق، توحيد مصدر التلقي في العقائد والعبادات والقضايا الكبرى في حياة المسلمين، ومن شواهد ذلك أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – غضب على الخليفة الراشد، الذي دعا الرسول أن يعز الله الإسلام بأحب العمرين إليه، فنصر الله الدين بعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ومع ذلك عندما رآه الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في قطعة من التوراة قال: « أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟! والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي»(17) الرسول – صلى الله عليه سلم – لا تأخذه في الحق لومة لائم، يأمر بالمعروف ويهنى عن المنكر صغيرا أو كبيرا، قريبا أو بعيدا حبيبا أو بغيضا، فالرسول لما رأى عمر بن الخطاب يقرأ في التوراة قال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟! والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي»(18)، فهل يجوز لنا إذن أن نأذن لأبنائنا وبناتنا، أن يتابعوا الشبكة العنكبوتية الانترنت في قراءة كتب السحر وكتب الكهانة، وكتب الإلحاد والزندقة والفساد والانحلال ؟ أيرضى ربنا عن إقرارنا لأبنائنا وبناتنا أن يقرأوا وأن يشاهدوا في الانترنت، ما عَنَّ لهم من صالح وطالح، مع أن مطالعة أكثر الشباب والشابات للإنترنت، وللقنوات الفضائية يشاهدون أكثر الغث، وقل أن يشاهدوا الحق إلا من ندر منهم: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [سورة الأنعام: الآية 116]، فلا يجوز للأب ولا يجوز للأم أن يرضخوا لطاعة أبنائهم وبناتهم في إدخال المحرمات إلى بيتوهم، وأن يدعوهم فريسة لهذه القنوات الفاسدة المفسدة.
النهي عن الابتداع في الدين:
كذلك من العوامل النهي عن الابتداع في الدين؛ لأن الأمن الفكري يضطرب إذا انتشرت البدع والخرافات، التي مردها إلى استحسان العقول ولا اتباع فيها للنصوص، ومن هنا فإن بدعة الخوارج في التكفير بالمعاصي، تناقض بدعة المرجئة في اعتبار صاحب الكبيرة كامل الإيمان، وكلا طرفَيْ قَصْدِ الأمور ذميم، وقد قال – صلى الله عليه سلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»(19)، وقال: «إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»(20).
عدم الإفتاء بغير علم:
كذلك تحريم الإفتاء بغير علم، فالفتوى توقيع من المفتي بالحكم الشرعي، ألم نقرأ قول الله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 196]، والله تعالى يقول: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل: الآية 43]، وروي في الحديث: «ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العي السؤال»(21)، فالفتوى توقيع من المفتي بالحكم الشرعي في قضية ما، وتوسيع دائرة الفتيا لتمشل مَنْ لم يتأهل للفتوى؛ يوقع المجتمع في الفوضى الفكرية في مواجهة سيل الفتاوى، فليس كل مَنْ فُتِحَ عليه في باب الخطابة أو في باب المواعظ، أو في باب التربية أو في باب الزهد، يكون مؤهلا للإفتاء ولاسيما في النوازل، وتدافع الصحابة للفتيا وإحالتهم السائلين بعضهم إلى بعض معروف، مع علمهم وتأهلهم للفتوى، فكيف بِمَنْ يقول على الله بغير علم ؟! ألم نقرأ قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة الأعراف: الآية 33]، وتحريم الحلال على الناس مثل تحليل الحرام إن لم يكن أشد، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [سورة يونس: الآية 59]، ولقد ورد عن بعض الحكماء: “أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار”، والرسول – عليه الصلاة والسلام – حين سأله جبريل: «متى الساعة؟» قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل»(22).
والإمام مالك إمام دار الهجرة، لما سأله السائل أكثر من ثمان وأربعين سؤالا، لم يجب إلا على عشرة أو أقل أو أكثر بقليل، فقال: ماذا أقول ؟ أأرجع إلى بلدي، وأقول إن الإمام مالك يقول لا أدري ! قال: نعم قل لهم لا أدري”، إذ إن لا أدري نصف العلم، وليس عيبا في طالب العلم إذا خرج في فضائية في تلفزيون أو إذاعة وكان البث مثلا مباشرا، ليس عيبا أن يقول لا أدري، ولنا في شيخنا الفاضل سماحة مفتي عام المملكة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – تسمعونه في نور على الدرب يقول: لا أدري”، فهل يقول هذا لعيب فيه ؟ لا بل هذا والله من صفات الكمال، فهكذا العلماء الراسخون في العلم، إذا سئلوا عن مسألة ولم يعرفوا جوابها لا يتوقفون على أن يقول أحدهم: لا أدري.
فأقول لبعض المفتين الذين يفتون وليسوا أهلا للفتوى، اتقوا الله في أنفسكم فأنتم تخبرون عن الله: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 196].
علاقة المسلم مع غيره، وتأثير ذلك على الأمن الفكري:
ثانيا العلاقة مع الآخر من غير المسلمين في الأمن الفكري، فلا بد أن نعرف كيف تكون علاقتنا مع الكفار، وكيف تكون علاقتنا مع العصاة، كيف تكون علاقتنا مع المسلمين؛ حيث رسم الإسلام دائرتين لصيانة الأمن الفكري: إحداهما أكثر ضيقا من الأخرى، تختص الأولى بالعلاقة مع المشركين، فلا التقاء حينئذ في مجال الثقافة والفكر كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [سورة الكافرون: الآية 1-6] إذن لا نعبد ما يعبد الكفار، ولا نطيع الكفار في معصية الله – جل وعلا.
والثانية: وهي الأكثر اتساعا، تختص بالعلاقة مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وتتمثل في الدعوة إلى الالتقاء على قاسم مشترك، يجمع المسلمين بهم يتمثل في توحيد الخالق وعبادته وحده، وقد بينه الله – تعالى – في قوله: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران: الآية 64]، ويغفل البعض عن كون المعاملات الاجتماعية العادية خارج هذه الدائرة، فقد أباح الله للمسلم الزواج باليهودية والنصرانية إذا كانت محصنة، فقال جل مِنْ قائل: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [سورة المائدة: الآية 5]، وأباح الإسلام للمسلمين أن يأكلوا ذبائح اليهود والنصارى فقال: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [سورة المائدة: الآية 5]، وقد توفي رسول الله – صلى الله عليه سلم: «ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه منه»(23)، وقد عاد – صلى الله عليه سلم – غلاما يهوديا كان يخدمه، فدعاه الرسول إلى الإسلام، وهو في حالة الاحتضار فكأنه أحب الإسلام، ولكنه خشي من والده، فنظر إلى والده كأنه يستأذنه فقال: «أطع أبا القاسم»(24) فدخل هذا اليهودي في الإسلام بدعوة رسول الهدى والسلام، ومات على الإسلام عمل قليلا وأجر كثيرا.
فالرسول يعود حتى اليهود في مرضهم، وحتى النصارى في مرضهم؛ ليدعوهم إلى الإسلام ويقربهم إليه، فهكذا يجب أن نكون، وهذا هو التطبيق النبوي لأصول العلاقة مع الآخر في ضوء قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [سورة الممتحنة: الآية 8]
تاريخ الانحراف الفكري:
إن الانحراف الفكري قديم لمن تأمل حلقات التاريخ، وطالما كان لأساطين الاعتزال والرفض والمتصوفة والخوارج وأمثالهم دور وأثر، وكان لأئمة السلف في المقابل وأصحاب الدعوة السلفية دور وأثر، حتى نفع الله بعلمهم ونفع الله بجهدهم وجهادهم، وهدى الله بهم من الضلالة قوما كانوا عمين، وبلغ الحال ببعضهم ممن ضل عن جادة الصواب، من أهل الاعتزال أو الرفض أو المتصوفة أو الخوارج وأمثالهم، أن قال:
وَكُنْتَ امْرَأً مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ فَارْتَقَتْ
بِيَ الحَالُ حَتَّى صَارَ إِبْلِيسُ مِنْ جُنْدِ
وكل من لم يعتصم بكتاب ربه وبسنة نبيه – عليه الصلاة والسلام – وما عليه سلف هذه الأمة، فمآله إلى الحيرة والاضطراب والانحراف، وتجربة الرازي الضال واضحة حيث قال:
نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ
وَأَكْثَرُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا
وَغَايَةُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا
سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله   الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 11:00 am

وهذا الإمام الذهبي – رحمه الله – ينقل لنا تجربة في عصره في القرن الثامن الهجري، عن فئة كانت تتنقص الأكابر من العلماء والراسخين في العلم، بلسان الحال أو بلسان المقال، ويقول عنهم؛ أي عن هؤلاء الضلال، الذين أعجبوا بأنفسهم وبثقافتهم في القرن الثامن الهجري مَنْ أحمد يعني بن حنبل ؟! مِنْ باب الاحتقار والسخرية، وما ابن المديني ؟ وأي شيء أبو زرعة وأبو داوود ؟، هؤلاء محدثون ولا يدرون ما الفقه وما أصوله، ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني والبديع والدقائق، ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق، ولا يعرفون الله تعالى بالدليل ولا هم من فقهاء الملة.
فينبغي على من يتحد عن هؤلاء أن يسكت بحلم أو ينطق بعلم، فالعلم النافع هو من جاء عن أمثال هؤلاء، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل، ذوو الفضل. فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه، ومن تكلم بالجاه وبالجهل أو بالشر والبأس فأعرض عنه تركه في غيه فعقباه إلى الله، ونسأل الله العفو والعافية والسلامة ” انتهى من تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي – رحمه الله – فقبل ستة أو سبعة قرون يقول هذا الكلام، فكيف لو رأى بعض شبابنا الذين يُجَهِّلون علمائنا الراسخين في العلم، ويقللون من منزلتهم ويتتلمذ بعض الطلاب على بعض من الشباب الصغار، ولا يهلك الناس حتى يكون العلم سرا، ولا يهلك الناس حتى يكون الفقه في الأصاغر، أي في الأصاغر في علمهم وفقههم وورعهم، وزهدهم وخوفهم من الله – جل وعلا، وهذا الكلام مذكور في المجلد الثاني
أسباب الانحراف الفكري:
للانحراف الفكري عبر التاريخ وفي تاريخنا المعاصر أسباب ومسببات، بعضها أخطر وأشد من بعض، وإذا اجتمعت هذه أسباب الانحراف هذه، كانت القاسمة لفكر الأفراد والأمم، وخاصة في شبيبة هذه الأمة، ونعرج على أهم الأسباب التي تشارك في الخلل الفكري، أهمها ما يلي:
القصور في جوانب العقيدة وتطبيق الشريعة:
القصور في جوانب العقيدة تطبيق الشريعة، يقول الله – عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [سورة الأعراف: الآية 96]، ويقول جل وعلا: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [سورة النحل: الآية 112]، وأي بركة أعظم من تحقيق الأمن والرخاء والاستقرار ؟
التساهل في مجال الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
التساهل في مجالات الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة والحسبة صمام الأمان في تحقيق الأمن الفكري، إذن الحسبة والدعوة صمام الأمان في تحقيق الأمن الفكري.
التزهيد في علماء الشريعة:
التزهيد في علماء الشريعة، كما يحلوا لبعض المثقفين من بعض الشباب المعاصرين، الذين ضلوا عن جادة الصواب، يزهدوننا في علمائنا وفي كبار المفتين في بلادنا، والتزهيد في علماء الشريعة وترك الرجوع إليهم، خاصة في النوازل والمستجدات التي يتطلب النظر فيها إلى فهم دقيق واستنباط صحيح، وكذا الأخذ والتلقي عن أنصاف أرباع وأثمان المتعلمين، الخائضين في أمور الشريعة والإفتاء تحليلا وتحريما، وهم ليسوا من ذلك في ورد ولا صدر، فأصبحت نسبة لا يستهان بها من الشباب عاجزة عن مشائخ البلاد الكبار، زاهدة فيما عندهم ووجدت أو أوجدت فجوة بينهم وبين علمائهم، في مخالفة مُؤْذِنَةٍ بالخطر؛ لقول الله – تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [سورة النساء: الآية 83].
القصور في جوانب التربية والتعليم:
القصور في جوانب التربية والتعليم، ووجود الخلل في الأسرة ومناهج التعليم، وتضييق النطاق على العلوم الشرعية، بمزاحمتها من العلوم الأخرى من الأمور العصرية، التي لا يستفيد منها كثير من الطلاب والطالبات، مع أن علوم الشريعة هي الأصل التي تنبني عليه سائر العلوم المعاصرة، ولقد أدرك الخصوم والأعداء الألداء، أن قوة الأمة تكمن في التزامها بدينها، وأن ذلك لن يتحقق إلا بإعطاء المناهج التعليمية والشرعية الاهتمام والعناية، فعلموا على الحد من تعليم النشأة هذا الدين؛ لمحاسنه وجماله مما كان عاملا لسهولة التأثر بالأفكار المنحرفة والمناهج الدخيلة، التي ترمي إلى تقويض دعائم الأمن الفكري.
الحدة في الحكم ومصادرة آراء الآخرين:
الحدة في الحكم ومصادرة آراء الآخرين، والفشل في الحوار والمناقشة والتعالي على العلماء الراسخين في العلم، والعجب بالنفس والعياذ بالله
البث الفضائي المضر، وما لشبكة الإنترنت من السلبيات:
طوفان البث الفضائي المرئي والمسموع والمقروء، وظهور شبكة الانترنت بما فيها من السلبيات والإيجابيات، مما جعل أمام الشباب والشابات مصادر التلقي في مجال الفكر والتربية متعددة ومتنوعة، ولم تعد محصورة في المدرسة والمسجد والأسرة، وقد حمل هذا الطوفان غثا كثيرا وسيمنا قليلا، إضافة إلى تسويق الانحرافات العقدية والسلوكية والأخلاقية، التي جعلت تيار الوسط يفقد كثيرا من سالكيه، لصالح تيار الجفاء والتفريط في ثوابت الفكر والخلق في أكثر الأحيان، أو تيار الغلو والإفراط في أحيان أقل، لكنها أخطر كردة فعل خاطئة لما يشاهده عبر هذه الوسائل، ولصغر السن والعجز عن تحمل المفارقة بين ما يراه في الواقع وبين المثل التي يتعلمها:
لا خَيْرَ فِي الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ
فَكِلَاهُمَا عِنْدِي مِنَ التَّخْلِيطِ
محاولة تغيير الخطاب الديني:
محاولة البعض تغيير الخطاب الديني، فبعد أن كان التوازن هو سمته الظاهرة، سعى البعض إلى تغليب جانب الشحن العاطفي، على حساب الجانب العلمي العقلي من الخطاب الديني، وتم التركيز على أفضل ما في الماضي وأسوأ ما في الحاضر، مما أشاع جوا من اليأس والإحباط والرغبة في إحداث التغيير بطرق يائسة بائسة، وفي هذا السياق نفهم لماذا تم التركيز على تفرق المسلمين واختلافهم، واحتلال أجزاء مهمة من بلادهم، وشيوع الفساد الأخلاقي، والاستبداد السياسي في معظم بلاد المسلمين اليوم، مع استدعاء صورة تاريخية تمثل أفضل ما في الماضي الذي تلا عصر الخلفاء الراشدين، من حيث وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم وهيبتهم بين الأمم، وريادتهم في المجالات المختلفة واتساع رقعة الفتوحات الإسلامية.
وسائل حماية الأمن الفكري:
التشخيص لأسباب الإخلال بالأمن الفكري كان ميسورا لوضوحه، إلا أن وصف العلاج أشد صعوبة في هذه الظروف العصيبة، التي وصل فيها الخلل إلى درجة الاختراق الفكري، ومع ذلك فإن وسائل حماية الأمن الفكري، منها ما هو وقائي وهو الأنفع، ومنها ما هو علاجي وهو ضروري؛ ذلك أن العيش في مجتمع مزدحم يختلط أفراده، وفيهم الصحيح والسقيم، مظنة لانتشار بعض الأمراض فيه بفعل العدوى، فإما أن ننتظر حتى تظهر الأعراض على البعض فنبادر بعلاجهم، وإما أن وسائل الوقاية لأخذ الجميع جرعة من اللقاح الواقي من المرض.
واللقاح الفكري أولى وأكبر تأثيرا؛ ولذا نجد أن أي دولة من الدول، إذا انتشر مرض أن تسارع إلى التلقيح إلى والتحصين، وإلى التطعيم، والرسول – صلى الله عليه سلم – أرشدنا إلى ذلك في عهده: « من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة، لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر»(25)، فيتحصن المسلم بسبع تمرات على الريق، في الصباح تحفظه بحفظ الله من السحر، ومن غوائل الأمراض: «من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة، لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر»(26)، فلا غرو ولا خلاف في جواز التطعيم ضد الأمراض الوبائية، فإننا إذا سمعنا بأي مرض انتشر، وبأي وباء استشرى نسارع إلى التطعيم، وهذا مطلب شرعي.
والرسول – صلى الله عليه سلم – يقول: «تداووا عباد الله، لا تداووا بحرام»(27)، ويقول: «ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله»(28)، لكن هل لما أحسسنا بقنوات السحر، وبقنوات التفسخ والانحلال بقنوات التعري والمجون، هل طَعَّمْنَا وحَصَّنَّا أبنائنا وبناتنا؛ لئلا يتأثروا بهذه القنوات، لأن الوقت وقت تحصين لا تستطيع مهما بذلت أن تحفظ ابنك أو بنتك من القنوات الفضائية، ومن الصحف والجرائد، ومن المجلات ورفاق السوء، ومن طلاب السوء ومدرسي السوء، فالبلاد فيها الغث والسمين وفيها الصالح والطالح، ولكن يجب أن نحصن أولادنا وأن ننشئهم منذ نعومة أظفارهم على بغض الشر والتحذير عنه، وعلى حب الخير والترغيب فيه؛ لنحصن شبابا وشابات لا يتأثرون بتيارات الفساد والإفساد، وبهذا ننجح في تربيتنا لأبنائنا وبناتنا.
تنمية الشعور بالاستقلالية في التفكير والمنهج:
إذن من الوسائل الوقائية لحماية الأمن الفكري، تنمية الشعور بالاستقلالية في التفكير والمنهج المستمد من الكتاب والسنة، والرسول – صلى الله عليه سلم – حذرنا من التشبه بالكفار فقال: «من تشبه بقوم فهو منهم»(29)، وقال: « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال: فمن ؟» (30)؛ لأن المتأمل في تاريخ الأمة الإسلامية، يجد أن عزها ومجدها، في تمسكها بدينها وحكمها وتحاكمها إلى كتاب ربها وسنة نبيها – صلى الله عليه سلم – فكلما كثر التمسك بهذين المصدرين الكتاب والسنة وتحكيمهما، كلما زادت أمة الإسلام تقدما وقوة وازدهارا، وكلما بعدت عن الكتاب والسنة، كلما تخلفت وأصبحت في مؤخرة الركب، وساد الانحراف الأمني والفكري في البلاد.
وبسبب التبعية انحرف بعض الناس عن العمل بالكتاب والسنة، وتركوا الفكر الإسلامي البَنَّاء وجَمَّدُوا الفقه الإسلامي عن تنظيم الحياة بكاملها، وانبهر بعض الناس بالتقدم المادي، ولم يأخذوا بالكتاب والسنة، وجهلوا حقيقة الحضارة الغربية الجاهلية؛ فبسبب التبعية ضعفت التربية والتوجيه للأجيال المسلمة، ونجح أعداء الإسلام في السيطرة على المسلمين سياسيا وفكريا وعسكريا.
إظهار وسطية الإسلام واعتداله:
ومن الوسائل الوقائية لحماية الأمن الفكري، إظهار وسطية الإسلام واعتداله، وتوازنه وترسيخ الانتماء لدى الشباب لهذا الدين الوسط، وإشعارهم بالاعتزاز بهذه الوسطية كما قال جل وعلا: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [سورة البقرة: الآية 143]، وهذا يعني الثبات على المنهج الحق وعدم التحول عنه يمنة أو يسرة، وعدم نصرة طرف الغلو والإفراط أو طرف الجفاء والتفريط في صراعهما المستمر.
معرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها
معرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها، فلا بد من تعريفهم بهذه الأفكار وأخطائها، قبل وصولها إليهم منمقة مزخرفة، فيتأثرون بها؛ لأن الفكر الهدَّام ينتقل بسرعة كبيرة جدا، كانتشار بعض الأوبئة والأمراض المعدية، ولا مجال لحجبه عن الناس مع كثرة الفضائيات والجرائد والمجلات، ولقد كان الناس يسألون رسول الله – صلى الله عليه سلم – عن الخير، لكن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – كان يسأل الرسول عن الشر؛ مخافة أن يدركه، وهو منهج قرآني دلَّ عليه قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [سورة الأنعام: الآية 55].
إتاحة الفرصة الكاملة للحوار الحر الرشيد وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة:
إتاحة الفرصة الكاملة للحوار الحر الرشيد، داخل المجتمع المسلم وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والدليل، والبرهان والإقناع؛ لأن البديل هو تداول هذه الأفكار بطريقة سرية غير موجهة ولا رشيدة، مما يؤدي في النهاية إلى الإخلال بأمن المجتمع كما حدث. ومن تطبيقات هذه القاعدة في السنة النبوية، قول بعض حدثاء العهد بالإسلام لرسول الله – صلى الله عليه سلم -: «اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط»(31)، والمقصود طلب تخصيص شجرة يتبرك بها المسلمون، ويعتقدون فيها ما لا يحل اعتقاده في مخلوق، وعلى الرغم من مصادمة هذا الطلب لثوابت المعتقد، فإن البيئة الصحية التي كان المسلمون يعيشون فيها، جعَلَتْ هذا الانحراف الفكري يظهر للسطح فورا، وتتم مناقشته في العلن على القيادة العلمية والسياسية للأمة المتمثلة في توجيه النبي – صلى الله عليه سلم؛ لأن هذا نوع من أنواع الشرك، لا يجوز أن يتبرك الإنسان لا بشجرة ولا بصنم ولا بوثن ولا بحجر، فالرسول – صلى الله عليه سلم – أنكر عليهم وبين لهم أن التبرك بالأشجار باطل، وأن له مساس بالعقيدة، فإذا طفا الباطل على السطح، وأنكر وبين الحق من الباطل تبين، كما قال جل وعلا: ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [سورة الأنعام: الآية 55].
قيام الهيئات الحكومية برصد كل ما يهدد أمن الأمة الفكري وتحديد سبل العلاج:
قيام مراكز البحوث والدراسات والهيئات العليا بمختلف التخصصات، في الجامعات وفي الوزارات، وفي جميع الدوائر الحكومية التي تهتم برعاية الشباب، برصد كل ما يهدد أمن الأمة الفكري، ووضع آليات العمل المدروسة مع التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بذلك، للحفاظ على أمن الأمة الفكري.
الوسائل العلاجية لحماية الأمن الفكري:
أما عن الوسائل العلاجية لحماية الأمن الفكري، من الانزلاق والزيغ والضلال، فالواقع العملي أثبت أن البعض وقعوا في هذا المرض؛ الذي هو الانحراف الفكري، ولم تُجْدِ محاولة الوقاية شيئا في دفعه عنهم، ومن هنا وجب على المجتمع السعي في علاجهم قبل فوات الأوان، ومن وسائل العلاج:
العناية بتصحيح المفاهيم والتصدي لكل دعوات الانفتاح غير المنضبط:
لا بد من العناية بتصحيح المفاهيم وضبط المصطلحات الشرعية، وتنقيتها مما خالطها من المصطلحات المغلوطة والمشبوهة، والتصدي لكل دعوات الانفتاح غير المنضبط، والتحرر اللا مسئول والسير وراء مصطلحات الغير، واجترارها على حساب خصوصيتنا الثقافية ومميزاتنا الفكرية الشرعية، المصونة بكتاب ربنا وسنة نبينا – صلى الله عليه سلم.
محاولة إشغال الشباب بإيجاد فرص عمل لهم:
ثانيا محاولة إشغال الشباب بإيجاد فرص عمل لهم؛ حتى لا يتسبب الفراغ في إفساد عقولهم بل ومعتقاداتهم، وحث الجامعات على استيعاب جميع الأعداد التي تتخرج من الثانويات من بنين وبنات؛ لكي نقضي على كل أمر من شأنه أن يؤدي إلى انحراف الشباب والشابات، وأن يسبب لهم الفساد بسبب الفراغ:
إِنَّ الشَّبَابَ والْفَرَاغَ والْجَدَةْ
مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَةْ
التواصي على حماية التعليم في بلادنا وفي بلاد المسلمين عامة:
التواصي على حماية التعليم في بلادنا، وفي بلاد المسلمين عامة في جميع المراحل الدراسية الابتدائية، وقبلها الحضانة والتمهيدي والمتوسط والثانوية والجامعة، بل وفي الدراسات العليا، ودعم تعميمه في جميع المجالات والقطاعات؛ لأن العلم الشرعي هو الضمانة الأولى والأساسية في حفظ الوحدة الثقافية، وتنمية الشخصية على أساس من الدين القويم، ولا بد من إعطاء العلوم الشرعية من قرآن وحديث وسيرة، وتوحيد وفقه الأهميةَ البالغة والقدرَ الكافِيَ من الحصص الزمنية المخصصة، لما يليق بأهمية هذه المواد وأثرها في حياة الناشئ المسلم.
تعاون الوزارات تعاون الوزارات والهيئات على تنشئة الأجيال تنشئة دينية صالحة:
تعاون الوزارات كالإعلام والشئون الإسلامية، والثقافة والشباب والهيئات ووزارة التربية والتعليم، وسائر المؤسسات التعليمية والإعلامية في مختلف ديار المسلمين، وأن تتكامل في تنشئة الأجيال تنشئة دينية صالحة، وتغذية عقولهم ونفوسهم بالثقافة الإسلامية النافعة؛ بحيث تشتمل الوسائل الإعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة على البرامج التوجيهية الهادفة، والمسلسلات الإسلامية النظيفة التي تؤصل معاني الخير والبر والإحسان في نفوس أبناء المسلمين وبناتهم، وأن تخلو الصحف والمجلات ومختلف وسائل الإعلام من كل ما يناقض التوجه الإسلامي من صور متكشفة، أو كلمات مثيرة أو أفكار زائغة؛ حتى لا تهدم بعض مؤسسات الأمة ما تبنيه مؤسساتها الأخرى.
تنفيذ الضوابط الحازمة للمطبوعات المنشورات:
الحاجة الملحة إلى تنفيذ الضوابط الحازمة للمطبوعات المنشورات، والمعارض الدولية للكتب والوقوف بحزم ضد تيارات الغلو والغلو المضاد، وتعويد أبنائنا لغة الحوار، وتشجيع ثقافة التسامح والوئام على ضوء الكتاب والسنة، وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال.
العمل على سد الفجوة، بين العلماء والشباب:
العمل على سد الفجوة الخطيرة بين العلماء والشباب، مما يدفعنا إلى توجيه النداء الجاد لعلمائنا الكبار، بزيادة فتح عقولهم وقلوبهم وبيوتهم ومكاتبهم لهؤلاء الشباب، والنزول إلى مستوى إدراكهم وواقعهم، واتباع سياسة الأبواب المفتوحة في مواعيد ثابتة ومعروفة للالتقاء بالشباب وغيرهم، وزيادة الدروس في المساجد لئلا يختفي الشباب ؛ فيعلمهم من يضلهم عن جادة الصواب.
بيان المصادر الفاسدة التي يستقي منها الشباب ثقافتهم:
بيان المصادر الفاسدة التي يرجع إليها بعض الشباب، ويأخذون منها أحكام تصرفاتهم، ويعتبرونها مع الأسف الشديد المصادر الأساسية للتلقي، وقديما قيل: من كان شيخه كتابه كثر خطؤه وقل صوابه”، والمتأمل في مرجعيات بعض الشباب اليوم يجد أنها أحد ثلاثة مصادر: الأول الجهل بالنصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، صرح بذلك مرجع من مراجع العلم والتعليم في بلاد المسلمين. الثاني الفضائيات وما تبثه من مناهج عدائية لبلد الحرمين الشريفين، وما تروج له من أكاذيب وادعاءات باطلة، الهدف من ورائها النيل من ثوابت بلادنا، وزعزعة أمننا واستقرارنا ورخائنا ورغبة منهم في الإضرار بالاقتصاد، والقضاء على المؤسسات الإسلامية التي هي سمة هذه البلاد السعودية، فهل ما يروج له نقلة الأخبار في الفضائيات يتفق مع ما يذكره العلماء الموثوق بعلمهم ؟ لا أعتقد أنه يوافقهم في أغلب الأحيان، واستطال بين العباد كذبهم وحقدهم، وبذلك يتبين فساد المصدر لتلقي الأخبار المغرضة، التي هدفها الإفساد وليس الإصلاح.
الثالث الشبكات العنكبوتية في الإنترنت، وهذه قاصمة الظهر، التي أخذت تشوش على أفكار شبابنا، وتدعوهم إلى الرذيلة،
صلة الأمن الفكري بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أما عن صلة الأمن الفكري بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأسباب المخلة بالأمن الفكري بالجملة ترجع إلى المعاصي والكفر، والحيلولة دون وقوعها وانتشارها قدر الاستطاعة، وتغييرها وإزالة آثارها إن وجدت، هي وظيفة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في كل في كل قطاع من قطاعات الدولة، من المتطوعين الرسميين ولا وظيفة كفائية تتضامن الجماعة المسلمة في القيام بها، والاضطلاع بأعبائها على سبيل التضامن والتعاون والتكاتف، كما قال جل وعلا: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [سورة المائدة: الآية]؛ ولذلك برزت أهمية رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، فهم يقومون بعمل وقائي في حراسة الأمن من جانبهم، فيمتد عملهم إلى مواقع متقدمة في حفظ الأمن الأخلاقي وصيانته، فهم يراقبون المجرم ويأخذون على يده قبل أن يقع، وبعد أن يقع ويلاحقون إنسانا، ضعفت نفسه فغلبت عليه أهوائها ونوازعها الشيطانية، فرام أن ينتهك أعراض الناس، ويقتحم حدود الأخلاق ويدوس القيم، ويعكر صفو الأمن في المملكة العربية السعودية، وهي النموذج الفذ في العصر الحديث في الأمن والرخاء والاستقرار، والدور الرائد الذي تضطلع به بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية – حرسها الله من كل سوء ومكروه – فهي تحرس الأمن وتعزز جانب الأمن الفكري في الأمة، فلها فيه القدح المعلى والدور المجلى، وهي مع ما تواجهه من زوابع وحملات دعائية ومعادية، مصممة – بإذن الله – على السير في طريقها، كيف لا وهي تقف في خط الدفاع الأول في وجه التحديات المعاصرة، بما تقدمه من صورة مشرقة عن حضارة الإسلام العريقة، على الرغم من دعاوى منظمات حقوق الإنسان الزائفة وتعرضها لدعاوى الإرهاب، إنها ثقة عالية بمقومات راسخة وهوية واضحة، ترفض التبعية ولا تستسلم للضغوط، فلا تنسى الماضي العريق وتعمل للحاضر المشرق، وتتشرف آفاق المستقبل الواعد بإذن الله، حفظها الله وحفظ بلاد المسلمين من كيد الكائدين وحقد الحاقدين، وأدام علينا وعلى أمة الإسلام عزنا وأمننا، وأدام حكومتنا منارا للإسلام وقبلة للمسلمين، ولو كره الحاقدون الكافرون الحاسدون.
جهود المملكة العربية السعودية في حماية الأمن الفكري:
أما عن جهود المملكة العربية السعودية في حماية الأمن الفكري، فالسؤال هو لماذا نتحدث الآن عن تميز بلادنا في هذا المجال ؟ خصوصا وأن البعض يرى ذلك نوعا من مدح الذات وإطراء النفس، وهو الأمر الممجوج الذي بدأنا نتخلص منه في صحافتنا وإعلامنا ؟ الجواب: إننا نتحدث عن تميز المملكة في صيانة الأمن الفكري لأسباب منها:
أولا إحداث التوازن في التقييم، فقد هبت عاصفة النقد الذاتي الذي يصل أحيانا إلى حد جلد الذات، وإلى خلق القضايا واعتبار المحاسن عيوبا في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، دون النظر إلى الإيجابيات جنبا إلى جنب مع السلبيات والأخطاء.
ثانيا لتعزيز الجوانب الإيجابية والثبات عليها، قد أثبتت الدراسات الحديثة أهمية جانب التعزيز في تثبيت صفات المرغوبة، والخصال الإيجابية.
ثالثا نتحدث عن تميزنا في مجال رعاية الأمن الفكري؛ لأنه نعمة من نعم الله فمن شكر النعمة التحدث بها، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [سورة الضحى: الآية 11] وقال: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [سورة إبراهيم: الآية 7]، ولقد تمت رعاية هذا الأمن الفكري من خلال عدة وسائل، ومن أهمها: أولا مناهج التعليم. ثانيا توحيد المرجعية الدينية في الفتوى. ثالثا وجود المفاخر الثلاث في السعودية، وهي ليست مباني شاهقة بل معاني ناطقة، غير موجودة في أي بلد من بلدان المسلمين اليوم وأعني بها: أولا القضاء الشرعي، ثانيا الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثالثا المفخرة الثالثة تتمثل في مكاتب الدعوة الإرشاد، وتوعية الجاليات المنتشرة في طول البلاد وعرضها، تدعو المسلمين إلى الإسلام، بالحسنى وترشد المسلمين إلى زيادة التمسك بدينهم، عبر برامج متوازنة يتم الإشراف عليها من قبل وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
ووجود هذه المكاتب الدعوية وكل الدوائر الحكومية والوزارات تسهم في تحقيق الأمن، وفي تحقيق الأمر بالمعروف، ولقد أسهمت هذه المفاخر مجتمعة مع بقية العوامل السابقة في رعاية الأمن الفكري، وقلة تأثر السعودية بالتيارات الفكرية المنحرفة كما يظهر جليا التناغم الواضح بين معظم شرائح المجتمع، في حين كانت الكثرة من البلاد العربية والإسلامية الرئيسة تعاني من هذه التيارات.
تعليق الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وإمام المتقين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، أبدا دائما إلى يوم الدين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واستن بسنتهم، وسار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فهذا الموضوع موضوع له وزنه وثقله وأهميته وله أثره الفعال؛ ذلك أن هذا الموضوع عالج قضية مهمة، المسلمُ في أمس الحاجة إلى فهمها، قضية يعيشها أبناء المسلمين في هذه العصور المتأخرة، ألا وهي الأمن الفكري.
فالأمن الفكري احتاج إلى أن يوضح ويبين؛ لأن الأمر قد التبس على كثير من الناس فتساهلوا بهذا الأمر العظيم، وتهاونوا به وما كأن له شأنا بينهم، وهذا في الحقيقة من ضعف التصور وقلة الإدراك، فإن الأمن الفكري من أهم الأمور، والأمن الفكري هو الذي ارتكزت عليه عقيدة الإسلام، والذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، هذه الموضوع تحدث فيه معالي الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن غيث، الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديثا مستفيضا وحديثا شاملا؛ بين فيه الموقف من الأمن الفكري، وأنه أعظم من أمن الغذاء والشراب؛ ذلك أن المسلم إذا فهم دينه وفهم إسلامه على الحقيقة، فخضع قلبه لربه وأخبت قلبه لربه وعبد الله على علم وبصيرة، فعند ذلك يتحقق له هذا الأمن، لكن إذا ضعف تصور ذلك الأمن وقلة العناية بالتنبيه عليه، فلربما ضل البعض عن الطريق المستقيم من غير علم.
وأبناء الإسلام اليوم يمرون بتحديات عظيمة وحملات مسعورة، ما بين تضليل لهم في ثوابتهم، ومحاولة زعزعتهم عن ثوابتهم ومسلماتهم، وبين من يريد إبعادهم عن الأخلاق الكريمة وإيقاعهم في الرذائل، وما بين قوم يريدون تفريق شملهم وضرب قلوب بعضهم ببعض، آراء متعددة وأفكار متنوعة، فلا بد من تبصير النشئ بها وتوعيتهم بهذا الخطر العظيم؛ لأننا إذا استطعنا أن نثبت الأمن الفكري في نفوسنا، فنحصن أبنائنا بالتوعية السليمة والدعوة الصادقة، والنصيحة الهادفة والمناهج ذات الطابع العلمي الإسلامي، التي تؤصل العقيدة في النفوس وتثبت دعائم الأخلاق في النفوس، فزكوا النفوس وتصلح.
فإذا أمَّنَّا الفكر وأحطناه بسياج من التوعية السليمة، والحرص على إنقاذ شبابنا من أن تختطفهم أيادي السوء، الذين يدعون إلى ضلالات متنوعة، وإلى سبل متعددة: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [سورة الأنعام: الآية 153]، أمن فكري يرسخ في القلوب، الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله وبملائكته وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر، يقوى في النفوس تعظيم أركان الإسلام وشرائع الدين، وكمال هذا الدين وشموله لكل المصالح، وأنه الدين الذي أكمله الله وارتضاه وأتم به النعمة على العباد، حتى يعلم شبابنا حقا، كمال هذا الدين وسمو أخلاقه، فبهذا نقطع خط الرجعة على دعاة السوء ودعاة الضلال، والمشككين الأمة في دينها وأخلاقها والمحاولين أن يفصلوا بين الأمة وقيادتها، وأن يزعزعوا أمن الأمة، وأن يشككوها في قيادتها ويجلبوا عليها البلاء، في هذا البلد الآمن في دينه، والآمن في خيراته والآمن في أحواله، كلها محسود لدى الأعداء على اختلاف طبقاتهم، ولكن الله – جل وعلا – بفضله وكرمه، وفق هذه البلاد لقيادة حكيمة، نرجو من الله ان يمدها بعونه وتوفيقه، وأن يسدد خطاها في كل أفعالها؛ لتنطلق منطلقا سليما، وتحمي هذا البلد حماية العقيدة والأخلاق والقيم، حماية الاقتصاد والخير، حماية الوحدة والاجتماع؛ حتى يسلم هذا المجتمع من الاضطراب والفوضى.
وكما أشار الشيخ في أول الكلام، أن عالمنا الإسلامي يشكو فوضى واضطرابا، وقلة أمن وزعازع وفتن مترادفة، كما تسمعون في الأخبار، ونحن نعيش أمنا واستقرارا، فنرجوا الله أن يوفقنا للتمسك بشرعه، وأن يحفظ علينا نعمه من الزوال، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك ومن فاجئة نقمتك، نسأله أن يصلح ولاة أمرنا، وأن يأخذ بأيديهم إلى ما فيه صلاح الإسلام وعز الإسلام، وصلى الله على محمد.
الأسئلة
سؤال يقول نرجو منكم أن تبينوا لنا نحن معشر الشباب، كيف نقوم بالدعوة في بلاد الكفر للشباب المسلمين المنحرفين او غير المسلمين، وذلك بقدر العلم الذي نتحصل عليه من خلال الدروس والحااضرات، والبرامج التي نستمع لها من الشبكة أو الإذاعة ؟
الدعوة بابها عظيم، بابها واسع، فعليكم بالعلم بحقيقة ما تدعون إليه؛ فإن من عنده علم هو الذي يدعو، فما علمتم أنه حق فادعو إليه، وأخلصوا لله دعوتكم واسلكوا الطريق، وخذوا بالحكمة والرفق في كل أحوالكم لعل الله أن يفتح بكم.
نحن في أنحاء مختلفة من العالم، نشهد الحوادث الإجرامية والتفجيرات الدموية، وبالأخص في هذا البلد المبارك، يتسبب في مقتل العشرات وجرح المئات، ويتحمل القيام بها بما يسمى تنظيم القاعدة، فما موقف المسلم من هذه الأحداث ؟ وما موقفه من هذا التنظيم ؟ وما رأي علماء الدعوة في هذه التفجيرات ؟
في الحقيقة ما يحصل في العراق اليوم، وما تحمله الأنباء كل يوم من مقتل المئات من النساء والأطفال، هذه التفجيرات المروعة، التي يتمنى الإنسان ألا يسمع أحدا من ذاك، وهي أمور فظيعة ومؤامرة خبيثة، ولكن الله حكيم عليم فيما يرى ويقدر، وإنما على المسلم تقوى الله واعتقاد أن هذه التفجيرات والقتل أنه جرم، وأنه خطأ وأنه فساد وأنه ضلال وظلم وعدوان، هذه التفجيرات والحق، هذه تقتل وتحصد الأبرياء ولا تعود بخير، هذه بلاء، وعلى كل مسلم أن يعتقد أن هذه التفجيرات، أنها عدوان وظلم وإجرام ما أنزل الله به من سلطان، وأن فاعليها مخطئون غير مصيبين.
سؤال من فرنسا يقول سماحة الشيخ تنتشر الجرائد والمجلات والإذاعات والقنوات والمواقع فيما يسمى بالأبراج، أبراج الحظ. فهل ما فيها من التنبوء هو صحيح ؟ وما حكم مطالعتها ؟
كله كذب الحظوظ هذه التنبوء كذب، وإدعاء علم الغيب فهي كذب وباطل وخداع للناس: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [سورة النمل: الآية 65]
يقول السائل ما حكم لبس الفنايل، التي يكتب عليها اسم لاعب سواء كان مسلما أو كافرا ؟
والله هو في الصلاة صحيحة، لكن كون الإنسان يرتدي شيئا يحمل شعارا لغيره، ويظهر هذا في النفس شيء منه تعظيم، هذه التي لا تقدم للدين خدمة ولا تقدم للإسلام خدمة، وهذا كله أمر لا يليق بالمسلمين


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/mohadrat/20130.html#ixzz3Jb3TApCd
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأمن الفكري حقيقته وسبل تحصيله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإرهاب حقيقته وخطره
» الحرب النفسية وسبل مواجهتها
» عوائق الاتصال الفعال وسبل التغلب عليها
» عوائق الاتصال الفعال وسبل التغلب عليها
» العنف الفكري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: