ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية Empty
مُساهمةموضوع: حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية   حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 3:25 pm

حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية XfbSRu
حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية
الحمد لله المتفضل بالنعم الذى جعل “المال والبنون زينة الحياة الدنيا”، والصلاة والسلام على النبى الأكرم أعظم والد وأفضل جد سيدنا ونبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- القائل: “أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم فإن أولادكم هدية إليكم”(1).
وبعد فهذا بحث موجز عن حقوق الطفل فى الإسلام مرتكزة أن تلك الحقوق جزء من الشريعة الإسلامية، وجديد تلك الحقوق أنها لا تبلى مع مرور الزمن ولا تخلق عن كثرة الرد، فهى من القرآن الكريم الذى ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (فصلت: 42)، وهى جزء من السنة النبوية المطهرة التى هى رديف الكتاب الكريم وهو مثله معه جاء بها من لا ينطق عن الهوى فالجزء من الكل لا يبلى ولا يخلق، وسوف أبين الجديد فى حقوق الطفل من خلال عرض التوصيات فى آخر البحث بعد عرض أنموذج لمضامين حقوق الطفل فى النظام الأساسى للحكم ومناهج التعليم فى المملكة العربية السعودية التى التزمت بتطبيق الشريعة الإسلامية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود- يرحمه الله- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود- يحفظه الله- استنادا إلى الحركة الإسلامية الإصلاحية التجديدية التى ظهرت فى الجزيرة العربية وتعاضد فيها الإمامان محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب- رحمهما الله تعالى.
وقبل البدء فى موضوع البحث رأيت من المناسب توضيح بعض المفاهيم الخاصة بالتجديد والاجتهاد فى الفكر الإسلامى والإنسان عموماَ والطفل خصوصاً إذ جعل الإسلام لهم حقوقاَ كثيرة. فالأطفال من نعم الله الكبيرة على الناس من وجوه كثيرة على ما سيأتى بيانه.
أولا: مفاهيم التجديد والتنوير:
يتقلب حال المسلمين فى واقعهم المعاصر بين تيارين اثنين :
أولهما :تيار الجمود والتقليد الذى يقف عند ظواهر النصوص الشرعية (الكتاب والسنة)، متجاهلا مقاصد الشارع من تلك النصوص. وهذا الاتجاه يخاصم الفكر والعقل ويحجر الاجتهاد والتجديد فى غير الأحكام الثابتة.
وثانيهما: تيار التغريب والحداثة الذى يجعل من المبادىء الفلسفية للفكر الوضعى المادى العلمانى مرجعاَ لأعمال الفكر فى مناقشة النصوص الشرعية بقصد التطوير والتجديد والاجتهاد الذى لا يقوم على أسسه الإسلامية الصحيحة، ويلحق ذلك حتى الأحكام الثابتة.
فالتيار الأول يدرأ أعمال العقل بالالتزام بالنقل.
والتيار الآخر يتبنى العقل ويدرأ النقل، وكلاهما على غير حق، والحقيقة أن الإسلام يأمر بالتجديد والاجتهاد وإحياء أصول الإسلام وثوابته والعودة إلى المنابع الجوهرية والنقية لهذا الدين الحنيف ودلالة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” وقوله لصحابته صلى الله عليه وسلم وأمته: “جددوا إيمانكم “، قيل يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: “أكثروا من قول لا إله إلا الله” (2) وقد أورد العلامة ابن القيم (3) كلاماَ نفيساَ يبين ما عليه حال الناس اليوم من أصحاب تيار الجمود ورفض التجديد والارتقاء بالتقليد، وأصحاب تيار الحداثة والتغريب، فبين رحمه الله تعالى فى الفصل الذى عقده بعنوان (فصل فى تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد) فقال: “إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد، وهى عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها”(4).
فالثابت فى الشريعة هو جوهر حكمة التشريع والقواعد والأحكام التى بينت الثوابت من أركان الإسلام والإيمان والإحسان وأحكام الحدود والقصاص والمواريث، أما التفاصيل والفروع والجزئيات التى هى موضوع الفقه فإن باب الاجتهاد والتجديد مفتوح فيها أمام العقل الإنسانى كى يبدع الجديد من الأحكام التى تواكب متغيرات الواقع ومستجدات الزمان والمكان والأحوال والنيات والعادات وبهذا تحددت وتحررت ووضحت المفاهيم مفاهيم: “التجديد” و”الحداثة”، وانتفت شبهات التتاقض بين اكتمال الدين وبين تجديده، وأيضاَ بين سلفية العودة إلى الأصول والثوابت وبين التجديد فى الفتاوى والأحكام، فالمجددون يرجعون إلى المنابع والأصول فيكون تجديدهم قائما على منهج السلف بإزالة عوالق الخرافات والبدع والشركيات فى مسائل العقيدة والاعتقاد ونفض غبار الابتداع فى الأحكام الفقهية، وكذلك إحياء تراث الإسلام فيما يظنه الحداثيون أنه مغفل فى الإسلام فى شئون العمران والسياسة والاقتصاد وحقوق الإنسان.
فالتجديد والاجتهاد فى الإسلام هو مبدأ التنوير وحرية إبداء الرأى بضوابطه الشرعية وفيه قوله صلى الله عليه وسلم. “من اجتهد فأصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد”(5) ويعتمد الاجتهاد والتجديد فى الإسلام على المرجعية الإلهية الربانية والوقوف عند حدود الله، وليس الأمر كما حصل فى موضوع التنوير فى الغرب الذى جعل المرجعية المادية الوضعية مرتكزا للانطلاق بلا حدود ولا قيود وأن الإنسان فوق كل شىء وليس عليه رقيب أو حسيب ولا مراعاة لحدود الله ومحارمه. فالتيار التجديدى فى الإسلام تتوازن فيه “الثوابت ” الدائمة الثبات على امتداد الزمان والمكان مع “التجديد” فى الفروع التى تطرحها متغيرات الواقع ومستجداته، الأمر الذى ينفى القطيعة “قطيعة الجديد والتجديد مع “الثوابت والثبات “، كما ينفى “الجمود والتقليد” الذى يحاربه دعاة الحداثية الغربية، التى اتخذت من القطيعة المعرفية مع الموروث الدينى على وجه الخصوص سبيلا لإعلاء الفكر العلمانى وبذلك تختلط مفاهيم المصطلحات ويعم الضلال والظلام بين أبناء الأمة الإسلامية، الأمر الذى أوجب ويستوجب تحديد مفاهيم ومضامين المصطلحات.
ليتميز “التجديد” كسبيل إسلامى أصيل فى التطور بعالم الأفكار عن “الحداثة” بمعناها الغربى تلك التى تعنى القطيعة المعرفية مع ثوابت الدين وأصوله ووصم الدين بالجمود أو الدعوة إلى تأويل النصوص الثابتة بما يفرغ الدين من محتواه، فى حين أن التجديد فى الإسلام يعنى البعث والإحياء لثوابت الدين وأصوله مع التطور فى الفروع والجزئيات لمواكبة المستجدات للواقع الذى يعيشه الإنسان، إذن “التجديد” وهو الاجتهاد غير الحداثة والتغريب فالمصطلحان نقيضان فى نظرة كل منهما إلى ثوابت الدين وأصوله، وأيضا فى النتائج التى يثمرها كل منهما إزاء الدين والالتزام به وجعله المرجعية الأساسية فى العقيدة والاعتقاد والتشريع.
إن سبب الخلط فى المفاهيم ومعرفة المصطلحات سببه تزوير المصطلحات فى العالم الإسلامى وتقديم ما يرد إلى المسلمين على أنها سوء وظلم وحيف وعدوان، فالسلفية تعنى الجمود، والأصولية تعنى التخلف.. إلخ، وتتعاون وسائل الإعلام على بث ذلك ظلماَ وزوراَ وعدواناَ (6).
والتتوير الذى حدث فى الغرب فى العصور الوسطى للخروج من ظلمات الكهنوت التى لحقت بالدين وسيطرة الكنيسة وتحريف الدين والكتب السماوية كل ذلك لا ينطبق على حال المسلمين، فتردى أحوالهم سببه ترك الحكم بما أنزل الله ولو عدتم عدنا.
إذن الحداثة فى النظرة الفكرية “الوضعية- العلمانية” الغربية، تسعى إلى تحرير الاجتماع الإنسانى من ثوابت التدبير للشريعة الإلهية حيث “لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين “.
وتسعى إلى تحرير الوطن من الدين ومن العبودية لله، ومن الالتزام بحاكمية الشريعة الإلهية بدعوى “أن الدين لله، والوطن للجميع “.
هذه الرؤية تعزل الإنسان عن ربه، وتحصر الفعل الإلهى فى نطاق دون نطاقه وهى التعبير الحديث والمعاصر عن الرؤية الوثنية الجاهلية التى وصفها الله جل جلاله بقوله تعالى: ( وجعلوا لله مما ذراً من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون)(7)
أما التجديد وهو الاجتهاد فى النظرة الإسلامية تجعل الدين لله (ألا لله الدين الخالص). دون طغيان الطواغيت والعبودية لهم، وتجعل الوطن أيضا لله، سخره الله بما فيه من إمكانات للإنسان- المستخلف لعمرانه وتدبيره وفق الشريعة الإلهية كما قال سبحانه وتعالى Sad قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين.
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (Cool. فالحق لا يعرف بالرجال، إنما يعرف الرجال بالحق. وهذا ما قاله الصحابى الجليل ربعى بن عامر رضى الله عنه إلى القائد الفارسى عن سبب جهاد المسلمين وخروجهم للدعوة إلى الله فقال رضى الله عنه: “إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ونخرخ الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جورا لأديان إلى عدل الإسلام” (9). لهذا فالإسلام بأركان العقيدة وأركان الشريعة يسع الجميع ولا يضيق بسعته
عن أى زمان أو أى مكان لكثرة السكان أو سعة المكان أو تعدد الأمم والشعوب فهو عالمى فى انتشاره وللناس جميعا لا يحض قوماَ أو إقليما أو أمة أو شعباَ لا يخص قوم أو إقليم أو أمة أو شعب.
والشورى فى الإسلام مثلاَ تستوعب جميع أنظمة الحكم المختلفة فى هذه الدنيا الإمبراطورية أو الملكية أو الجمهورية، كما أنها- أى الشورى- تستوعب مالا تستوعبه الديمقراطية لما فيها من تحقيق مصالح العباد بتبادل الرأى والمشورة. ويكون للناس من يرفع حوائجهم ويحقق منافعهم بحكم الكتاب والسنة، وهى تقوم على العدل وتقديم حقوق الله على رغبات الناس.
والشورى تقوم على التوازن فى الحكم والوسطية فى التشريع. هكذا إذن فالإسلام فى الجانب السياسى يسع الناس ولا يضيق بزمان أو مكان. وفى الجوانب الاقتصادية نلحظ أن الرأسمالية تطلق العنان للملكية الفردية دون ضوابط أو قيود ولو كان فى ذلك ظلم وحيف على الآخرين.
كما أن الاشتراكية تتدخل فى حقوق الملكية الفردية على حساب القدرات والمكتسبات الخاصة دون عدل أو إنصاف، ولكن الإسلام يسع الناس بقواعده الاقتصادية فى الفقه الإسلامي فى ضبط الملكية الفردية وحركة الأموال وتداولها بين الناس ويحرم الربا. فالإسلام فيه غنية عما لدى الآخرين من أنظمة وقوانين.
إلا ما كان له ضرورة لا محيد عنها فى غير الثوابت مما يحتاج إليه من تجديد واجتهاد. ولهذا يقول أبو حامد الغزالى: “الدين أسس، والحاكم ) أى ولى الأمر) له حارس، وما ليس له أسس مهدوم، وما ليس له حارس فهو ضائع”(9).
ثانيا: حقوق الطفل فى الإسلام:
أنعم الله سبحانه وتعالى على خلقه مسلمهم وكافرهم بنعم ظاهرة وباطنة، سخر لهم ما فى السموات والأرض وما فى البر والبحر، وآتاهم من كل ما سألوه، خلق آدم عليه الصلاة والسلام وخلق له من نفسه حواء أنيساً للمودة والرحمة والسكن والألفة، ثم تفضل عليهما بزينة الحياة الدنيا من الذرية التى منها تفرعت القبائل والشعوب والأمم وسعت إلى عمارة الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (الزلزلة: 7- Cool .
وجعل الإسلام للطفل قبل ميلاده حقوقاً، وتزيد هذه الحقوق بعد ميلاده وتستمر طيلة حياته شاباً ثم راشداً ثم شيخاً وفى دورة حياته المختلفة لا تنتهى حقوقه حتى بعد موته إذ تستمر حقوقه مصونة بحق الإسلام إلى يوم البعث والنشور ويوم الجزاء بنعيم مقيم فى جنات النعيم أو بعذاب السعير فى جهنم وبئس المصير.
ولئن كان الإسلام قد جعل للإنسان حقوقاً قبل ميلاده فهو أولى بها وهو فى حياته على هذه المعمورة، “فكل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”، وهذه القواعد الأصولية فى الدين، تبين مسئولية تربية الأطفال فأبناؤنا أكبادنا تمشى على الأرض. والتربية العقدية الشرعية للمولود أهم بكثير من التربية الجسدية، لأن أصل خلق الخلق وهو حق الله سبحانه وتعالى عبادته وتوحيده بالألوهية والربوبية جل جلاله، قال تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) (10).
وعن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: “يا ابن آدم تفرغ لعبادتى أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك “(11)، وأورد ابن كثير ما جاء فى بعض الكتب التى أوحى الله بها أنبيائه وفيها يقول الله تعالى: ( ابن آدم خلقتك لعبادتى فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب فاطلبنى تجدنى فإن وجدتنى وجدت كل شىء، وإن فتك فاتك كل شىء وأنا أحب إليك من كل شىء) (12).
إذن فأول حق للطفل على والديه أن يتعهداه بالتربية الإسلامية الصحيحة بتعريفه بأركان الإسلام والإيمان والإحسان، “ألا إن فى الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله”، وتربية الأطفال وحفظ حقوقهم عملية دينية شرعية، ودنيوية اجتماعية شاقة، فبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ولا يستحق الوالدان ما قاله الله تعالى: ( وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا) (13) إلا بمقتضاها مما يقدمه الوالد بتعريفه لولده بحقوق ربه وواجباته نحو الخالق ثم حقوق الخلق وواجباته نحوهم، والحفاظ على هذه الحقوق وأدائها على أكمل وجه، فمن حق الطفل وواجب الوالدين يجب أن ينبهه من رفاق السوء وأن يبعده عن مكامن الخطر ومظان الزيغ والانزلاق، لأن الأبناء أمانة عند أبويهم، فإن يحسنوا إليهم بحسن التربية، ويعودوهم على الخير ويعلموهم إياه، ينشأوا عليه، وتكون المثوبة لأبويه وإن يهملوهم يشقوا ويهلكوا، ويكون الوزر فى رقبة أبويهم.
قال الله تعالى: ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون) (14)، وأورد ابن كثير ما قاله ابن عباس- رضى الله عنهما-: “بنوك حيث يحفدونك ويرقدونك ويعينونك ويخدمونك (15).
وقال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الاجمال
إن جديد حقوق الطفل فى الإسلام يتمثل فى القواعد الراسيات التى جاء بها الإسلام قبل غيره من الأنظمة والقوانين والأديان. فالأنظمة الحديثة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها سعت إلى وضع نظام يخص حقوق الطفل فى العالم، حيث وافقت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة فى20/11/1959م على إعلان حقوق الطفل، وتضمن عشرة مبادئ منها حق التسمية والأمن الاجتماعى والرعاية والعلاج ومسئولية الوالدين، وحق التعليم الإجبارى وحق اللعب والرياضة والوقاية من الأمراض والقسوة والفساد، وخصصت لها هيئة خاصة هى “اليونيسيف”.وتحديد معنى”الطفل” وسن الطفولة وتحديد حقوقه أمر مختلف فى الشريعة الإسلامية لتتابع تنفيذ الاتفاقية لدى الدول التى انضمت إليها عما جاء فى اتفاقية الطفل، فالرضيع (إلى نهاية سنتين) والصبى غير المميز (إلى نهاية أربع سنوات، والصبى المميز (إلى مرحلة البلوغ أو المراهقة) ثم الشباب “بعد البلوغ”.
والشريعة الإسلامية تعتبر سن خمسة عشر عاما هو نهاية الطفولة وذلك لتقليل نسبة جرائم الأحداث، وتثبيت سن 21 عاما هو سن الرشد والتكليف، والطفل إما أن يكون نعمة من الله- إذا أحسنا تربيته وإعداده- وإما أن يكون نقمة- إذا أهملناه وضيعناه- والطفولة السعيدة تعنى مستقبلا أفضل- إن شماء الله- ونحن بحاجة إلى الصدق والواقعية عند الحديث عن الأطفال، عندها يكون للكلام والبحوث والمؤتمرات بركة ونفع وإلا صارت (كسابقتها) حبراً على ورق.
ولا أظن، بل أجزم ديناً وإيماناً بأن الشريعة الإسلامية هى الوحيدة التى اهتمت بالطفل ورعت حقوقه بكل دقة وإحكام وسيتبين للقارئ ذلك من خلال العجالة التى سأعرض فيها حقوق الطفل وإن تقديم هذه الحقوق وعرضها، ليس القصد منها بيان سماحة الإسلام وتميزه فى ذلك، بل لكى تعمل الدول الإسلامية التى انضمت إلى اتفاقية الطفل أو صادقت عليها أو تسعى إلى شىء من ذلك أن تضيف إلى إعلان حقوق الطفل كل النواقص التى لم تتضمنها الإتفاقية، وإسهام الإسلام فى تحديث ذلك الإعلان أو تلك الاتفاقية واستدراك ما فات ما هو إلا نوع من التجديد بإحياء التراث الإسلامى الذى أهمله المسلمون ولم يعلمه غير المسلمين. ونكون بذلك قد علمنا أمر ديننا ودعونا إليه بإيقاظه من نومه وسُباته.
ثالثا: الحقوق العامة للطفل:
1- اختيار الأبوين الصالحين:
إن الدنيا كلها متاع والمرأة من المتاع والمتعة، ولكن خير متاع فى النساء هى المرأة الصالحة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موصياً أمته بالحذر من المرأة الحسناء ولا خلق لها ولا دين، قال عليه الصلاة والسلام: “إياكم وخضراء الدمن “(16) بهذه الكلمة الجامعة ينبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من الاندفاع وراء الجمال الزائف النابت فى بيئة فاسدة، فالطبيعة الإنسانية تنساق وراء الجمال، ولكن ليس الجمال وحده ميزانا صالحاً لبناء الأسرة المثالية وحفظ حقوق الطفل، ولهذا قال الله تعالى: ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغتهم الله من فضله ) (17) لذلك لم يهتم الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بهذا الأمر وأغفله، وكذلك لم تهتم منظمة اليونيسيف بحقوق الطفل قبل أن يولد كما حفظها الإسلام، إن الإسلام رغب فى الولد والإنجاب، وجعل الأولاد قرة أعين، قال الله تعالىSad ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) (18).
فالعلاقة الشرعية السليمة بين الأب والأم واختيار كل منهما للآخر بعقد زواج شرعى هو الضمان والأمان للطفل وحقوقه، لأن الحمل قبل عقد زواج مشروع هو من الزنا، والزنا اعتداء على الطفل نفسه إذا نتج عن تلك العلاقة غير المشروعة حمل غير شرعى وإن أعقبه عقد للزواج، فإن بلغ ذلك إلى علم الطفل ما كان من أول أمره أنه ابن سفاح قد تتولد لديه مشكلات نفسية واجتماعية ربما تقوده إلى الإجرام والانتقام.. إلخ، هذا إذا كان زواج سبقه حمل، فَلُنرَ كيف حذر الإسلام من زواج غير مشروع لأسباب دنيوية قد تؤدى إلى ضياع حقوق الأطفال إذ قد يندفع بعض الناس وراء المال فيختارون المرأة لمالها، ويجهلون أن المال قد يكون مدعاة للطغيان والتسلط والتجبر فينهار كيان الأسرة ويتداعى الأمل الذى ابتغوه وراء المال، ومن الناس من يرغب فى امرأة ذات النسب العريق والأصل الكريم، ومنهم من يغريه الجمال فتقع المفاسد، ومنهم من يكون غايته الظفر بالمرأة التى تجمع خصال الخير والصلاح ويكون همها إرضاء ربها والعمل بما أمرها به وتطبيق شريعته التى جاء بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا ما حدده لنا الحديث الصحيح فى قوله صلى الله عليه وسلم: “تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك “(19)، وهنيئاً لمن يحظى بمن جمعت هذه الخصال الأربع كلها.. وأين هى؟ فإن لم يجدها فليتخير المرأة الصالحة التى ربيت ونشأت على الخير والفضيلة والصلاح، فهى التى يهنأ بها زوجة صالحة يأنس بها ويَسَكن إليها ويفضى إليها بهمومه ويبثها وجده، وتفيض هى عليه من حنانها وحبها ما يهون عليه مشقات الحياة وأعباء المعيشة ويجتهدان فى أداء حقوق أطفالهما.
والسنة النبوية المطهرة فى أقواله صلى الله عليه وسلم فيها بيان لنموذج المرأة الصالحة وردت فى أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم “خير النساء التى إذا تظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك فى نفسها ومالك ” وقوله صلى الله عليه وسلم: ” تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ” (20)، ومنها فيما يتعلق بالأولاد وحقوقهم وذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس “(21) وبالنسبة للزوج الصالح وهو الوالد الذى هو حق للولد أنه يكبر ليرى أباً صالحاً يشكرربه على تلك النعمة، إذ بالأم والأب الصالحين يكتمل بناء أسرة صالحة يرفرف عليها الأمن والسعادة، على المرأة الصالحة وأوليائها أن يختاروا الزوج الكفء الذى يحفظ لها كرامتها ويصون عفتها ويرعى جميع حقوقها، وأن يرضوا لها من اجتمع فيه الدين والخلق تحقيقاَ لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير”(22)، وليس من الحكمة اختيار مزايا المال والمكانة الاجتماعية والوظيفية والألقاب بل المعول كله على الدين والخلق. وإذا كانت منية الوالدين الحصول على الولد الصالح، فإن منية الولد إذا كبر أن يرى والدين صالحين أمامه.
2- حق الحياة:
حق الطفل فى الحياة يأتى فى الأهمية بل يتساوى مع حق الطفل فى اختيار الأبوين الصالحين اللذين من خلال معرفتهما بحقوق الله والشكر على فضله ونعمه الاعتراف بحق الطفل فى الحياة، وهى أعظم منحة من رب العالمين ذلك لأنه كان كثير من المجتمعات تجعل للأب سلطة فى قتل أولاده إذا أراد كالمجتمع الرومانى قديماً وبعض القبائل العربية قبل الإسلام، والتى اشتهرت بوأد بناتها وهن أحياء قال الله تعالى: ( وإذا الموءودة سئلت. بأى ذنب قتلت) (23)، لأن العربى غير المسلم كان يرى فى المرأة العار فيسعى إلى قتل ابنته بدفنها حية فى التراب لتموت لكى لا يلحقه العار قال الله تعالى: ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب ألا ساء ما يحكمون )(24) وجاء الإسلام فحرم وأد البنات وقتل الأولاد عموماً ذكوراَ أو إناثأ قال الله تعالى: ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا) (25)، بل حرم الإسلام قتل الأجنة فى بطون أمهاتها بأية طريقة من الطرق إذا دبت فيها الحياة، وجعل الإسلام للجنين المقتول خطأ دية معلومة فى الشريعة ليقدم أعظم تشريع لقيمة الحياة الإنسانية وحق الحياة، وحرم الإسلام إسقاط الجنين بالإجهاض قبل أوانه لأنه نوع من القتل وإن كان ابن زنا، إلا إذا كان فى ذلك إنقاذ لحياة الأم التى هى أصل حياته وكان ذلك ضرورة لازمة شرعاً وعقلاً وصحة.
رابعا: الحقوق الاجتماعية للطفل:
1- الحق فى النسب:
النسب من أهم الحقوق وأشدها تأثيراً فى شخصية الطفل ومستقبله، والنسب يحقق مصلحة للمجتمع، فهو من الروابط الوثيقة التى تربط المجتمع بعضه ببعض بأسره وقبائله وعشائره وعمائره.. إلخ، والنسب فى الإسلام يعطى الولاية للأب على الولد مادام صغيراً، وحق ضم الولد إليه عند انتهاء حضانة النساء له، وحق إرثه إذا مات الولد قبل أحد والديه، وأن ينفق الابن على أبيه إذا كان محتاجاً له متى كان الابن قادرا على الكسب، ويتبع النسب للولد حقوقاً منها حق النفقة، وحق الرضاع، وحق الحضانة، وحق الإرث من والديه وغير ذلك من الحقوق التى أثبتها له الشرع، قال الله سبحانه وتعالى: ( وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) (26)، فالإنسان فى ابتداء أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصبح صهراً، ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات، قال الله تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (27)، وفى هذا ما يدل على اهتمام الإسلام بمسألة النسب وصلة الرحم والصهر وحق الإنسان فيه، والإسلام يأمر بحفظ حقوق الأرحام والقرابات ووصلها وعدم قطعها باعتبارهم أناساً وجعل لهم عواطف ومشاعر وأحاسيس.
وحق النسب للطفل من أهم حقوق الأولاد على والديهم، لأنهم ثمرة الزواج الشرعى بين الأبوين البعيد عن الزنا، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك بقوله: ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (28)، لأن المولود جزء من صلب الأب وترائب المرأة فهو ماء بينهم، ولئن كان علماء الوراثة والأجنة يستخدمون العلاقة الوراثية فى الطب لعلاج الأمراض وعلماء الجريمة يستخدمونه للتدليل على إثبات التهم، فشريعة الإسلام أوفق وأصوب وأعدل فى حفظ الأنساب، ولهذا جاء قوله صلى الله عليه وسلم “ويقول الولد أطعمنى إلى من تدعنى ” (29)، فإضافة الولد لأبيه دليل على أنه المختص بالنسب إليه، ولما كانت هذه الصلة العظيمة صلة النسب على هذا الجانب من الأهمية لم يتركها الشارع نهبا للأهواء والعواطف تهبها لمن تشاء وتحرم منها من أرادت، ولهذا حرم الإسلام التبنى ولابد أن ينسب الإنسان إلى أبيه وإذا لم يعرف نسبهم فهم إخوان فى الدين وموالى عوضا عما فاتهم من النسب، ولهذا جاء فى الحديث: ” ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر” (30) كما أن الطعن فى أنساب الناس من الكفر لقوله صلى الله عليه وسلم “اثنتان فى الناس هما بهم كفر: الطعن فى النسب، والنياحة على الميت ” (31)، والله سبحانه وتعالى فى الشريعة الإسلامية لم يترك الأمر لأهواء الناس، فقضية الأنساب خطيرة، ومن أجل المحافظة على الأنساب وغيرها من مصالح العباد حرم الله الزنا، واشترط العدة على المرأة المطلقة والمتوفى عنها زوجها التى فارقها زوجها لاستبراء الرحم منعاً لاختلاط الأنساب، فقد قال صلى الله عليه وسلم “أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله فى شىء ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله عنه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين “(32). قال صلى الله عليه وسلم: “من دعى لغير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام”(33). وإذا ثبت النسب ثبت حق الولد فى الانتساب إلى عائلة أبيه، وإذا لم يثبت النسب يلحق بأمه، وفى الحالتين فله حق الجنسية فى البلد التى ولد فيها، وله على الدولة حق الرعاية والتربية، فليس له ذنب فى الطريق التى جاء منها !!!
ولثبوت النسب أو انتفائه آثار كبيرة على الفرد والأسرة، والحرمان من النسب له آثار بعيدة المدى إذا انتسب إليها من ليس منها مما يسبب مشكلات كثيرة، ويترتب على ذلك علاقات متشابكة من أخوة وعمومة وخؤولة ومحارم وتحريم. وإذا انتفى نسب فرد فالآثار أبعد وأشد خطورة، فالمحارم تصبح حلائل، وقد يرتكب محظورا، محرماً بالزواج من أخت أو خالة أو عمة أو ابنة أخ أو ابنة أخت وكذا الحال بالنسبة للمرأة قد تتزوج من أخ أو عم أو خال.. إلخ.
2- الحق فى الحضانة:
الحضانة حق للطفل منذ ولادته وهى تربيته ورعايته والقيام بجميع شئونه، من تدبير طعامه، وملبسه ونومه، والاهتمام بنظافته وصحته البدنية والنفسية فى سن معينة ممن عليه حق تربيته شرعاً من الوالدين، أو من الأقارب والأرحام إن كان ولداً يتيماً قال الله تعالى: ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) (34). الآية الكريمة فيها دليل على ثبوت حق الطفل فى الحضانة بحكم الشريعة الإسلامية، وبيان مدته، وما تستحقه المرضع من النفقة والكسوة، حتى لو أراد الوالدان أن ينفصلا بالطلاق، إذن لا بد لأحد أن يحضنه لكى لا تضيع حقوقه. وهو حق خالص للصغيرلأن مصلحته مقدمة على مصلحة أبويه، وأنه يجب العمل بما هو أنفع وأصلح للطفل، لأنه قد تتعرض الأسرة إلى
انفصال الزوجين بالطلاق أو الخُلع أو ربما بالموت فلا تترك الشريعة الإسلامية الأولاد للضياع، إنما تعمل على تربيتهم وحمايتهم والمحافظة عليهم حتى يصلوا إلى سن تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم وإدراك مصالحهم وهو سن البلوغ والرشد بعد مرحلة الطفولة والمراهقة.
خامسا: الحقوق الصحية للطفل:
1- الرضاعة:
إن سلامة البدن والعقل لكل إنسان وجه من وجوه السعادة وحق لصحته الجسمية وصحته النفسية، ولقد أمر الإسلام بالحفاظ على صحة الأبدان والقلوب والعقول، وأمر بالتداوى، والشريعة الإسلامية فيها كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تدل على اهتمام الإسلام بالطب والصحة والغذاء المادى والغذاء الروحى، قوام سعادة الإنسان وحياته فالغذاء المادى لصحة الطفل يبدأ مع الرضاع والرضاعة، والرضاعة هى من أهم حقوق الطفل الصحية للمحافظة على حياة الطفل وصحته وهى واجبة على أبويه أو أوصيائه، والرضاعة حق على الأم، لأن حليبها المختلط بالحنان والعطف هو أصلح غذاء لنمو الطفل بدنيا ونفسياً وروحياً، إذ هى تفيض عليه الرحمة والحب وهو يرضع من ثدييها حين تضمه إلى صدرها، وحليب الأم هو تتمة غذائه حين كان جنيناً فى أحشائها، فالطفل جزء من كيان الأم وفلذة من كبدها، فلذلك كان حليبها أصلح شىء لمولودها ما لم تكن هناك علة مانعة للرضاعة ولها وجه شرعى وليس سببا دنيوياً ومادياً تمنع به الطفل من الرضاعة لوجوب ذلك على الأم باعتباره حقاً من حقوق الطفل لمدة عامين تامين، ولعلم رب العالمين والناس بأن هذين العامين فيهما كفاية لتأسيس نمو الطفل ومن أعلم بالحق من اللطيف العليم الخبير قال الله سبحانه وتعالى: ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها، لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير) (35). وعن أبى أمامة أنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول فى قصة المعراج: ” ثم انطلق بى، فإذا أنا بنساء تنهش ثديهن الحيات، فقلت ما بال هؤلاء؟ فقيل لى هؤلاء اللواتى يمنعن أولادهن ألبانهن “(36) أى يحرموهن الرضاعة وهن صغار- وأورد البقاعى الآثر فى قوله: “جعل الله تعالى الأم أرض النسل الذى يتغذى من غذائها فى البطن دماً، كما يتغذى أعضاؤها من دمها، فكان لذلك لبنها أولى بولدها من غيرها ليكون مغذاه وليداً من مغذاه جنيناً فكان ألاحق أن يرضعن أولادهن “(37).
ولا يجوز لوالد الطفل أو وليه أن يمنع الأم من إرضاع ولدها لمصلحة خاصة غير مشروعة، لأن فى ذلك إيذاء للطفل أولاً ولأمه ثانياً، وأحياناً قد لا يوجد بديل عن الأم، فمثلاً بعض الأطفال لا يلتقمون إلا ثدى أمهاتهم، وأحياناً لا توجد مرضعة مأجورة لرضاع الطفل فيتعين حينئذ على الأم أن ترضع طفلها حتى ولو كانت غير راغبة كيدا أو عناداً لوالد الطفل أو أهله فى حال الطلاق إنفاذا لأمر الله تعالى وحفظا لحق الطفل، والحفاظ على صحة الطفل بالإرضاع من الأم المطلقة جعلت الشريعة الإسلامية للأم حق النفقة والأجر كسوة وإطعاما، وحددت هذه النفقة بحيث تكون لائقة بحال الأم ومكانتها فى قومها وبيئتها، ولا تلحقها غضاضة فى نوعها ولا فى طريقة أدائها إليها، ومما يشمل النفقة بالمعروف وكثرتها أو قلتها أن يكون ذلك بحسب قدرة الأب وضمن حدود طاقته، وذلك لقول الله تعالى: ( لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) (38)، وقوله تعالى: ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) (39). وقد أثبتت الأبحاث العلمية النفسية أن الطفل الذى يرضع من ثدى أمه لا يرضع الحليب فقط، إنما يرضع معه الحب والحنان، فيحس بدفء الأمومة وحنانها، وهذا يساعد الطفل على أن ينمو فى صحة نفسية جيدة، ويكون بعيداً عن الإصابة بالأمراض النفسية فى مراحل عمره اللاحقة، وللرضاعة الطبيعية دور فى سلوكيات الإنسان، فقد بينت الدراسات التى أجريت على بعض محترفى الإجرام فى العالم أن كثيراً منهم قد حرموا من الرضاعة الطبيعية فى طفولتهم. ومن أجل ضمان صحة الطفل وحقه فى الحياة من حق الإرضاع فإن الله سبحانه وتعالى قد أباح للمرضع الفطر فى رمضان إن خافت على نفسها أو على رضيعها، فالرضاعة الطبيعية رحمة من الله للأم والطفل، وليست عناءً وتعباً تتعلل الأم به لكى تقدم عملها على حق طفلها ولكى تحافظ على رشاقة صدرها – هكذا زعموا.
2- الختان:
ومن الجوانب التى اهتم الإسلام بها فى حفظ الحقوق الصحية للطفل الختان، وهو قطع الجلدة الزائدة التى تغطى رأس الحشفة لفرج المولود الذكر، والختان من خصال الفطرة التى هى شعار ديننا الحنيف، عن عمار بن ياسر رضى الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار ونتف الإبط، وقص الشارب”(40)، وهذه كلها من عوامل النظافة والتزين، فالإسلام يحث على كل ما من شأنه نظافة وطهارة المظهر إلى جانب نظافة المخبر عقيدة وخلقاً، ويستحب أن يتم الختان قبل البلوغ، حتى لا يكون فيه شىء من الخوف عند الطفل لما يتوهمه من ألم، فضلاً عما يكون مع مرور الزمن سبباً فى بعض الأمراض التى تجتمع على جلدة الحشفة التى من أجلها يكون الختان لأنها مجمع للميكروبات والجراثيم، هذا مع أن الإسلام يوجب على الإنسان التنزه بعد بوله ثم يستنجى بغسل فرجه لتطهيره مما قد يبقى حوله أو عليه فيتسبب فى تجميع الجراثيم، فما بالك بأن يجتمع عند الإنسان ترك الختان وكذلك ترك الطهارة، وهذه الأمور معلومة فى شريعة اليهود وهم ملتزمون بها حتى وقتتا الحاضر والواقع المشاهد فى مستشفيات الشرق والغرب حيث يعيش يهود فإنهم يختنون أولادهم فلماذا يعيب غيرهم على المسلمين ذلك ولا يعيبونه على اليهود، وكم يشعر الطفل المسلم بالسعادة والسرور حين يرى نفسه مختتنا إذا وصل مرحلة التمييز وتفهم الأمور، وبالختان يتميز الإنسان المسلم عن غير المسلم، فهو شعار فطرة الإسلام وهو الحنيفية السمحة، وأول من اختتن نبى الله إبراهيم الخليل عليه السلام.
وللاختتان فوائد بدنية وصحية وجنسية، فهو من دواعى النظافة ويمنع من تراكم الافرازات الدهنية، وتفسخها كما يمنع تراكم الجراثيم الضارة تحت الجلدة الزائدة، ويقى صاحبه كثيرا من الأمراض والأعراض فضلاً عن المتعة الجنسية.
فالختان قربة لله وصبغة الإسلام، وهو سنة مؤكدة للذكر يوم سابعه، فإذا تأخر عن السابع يستحب أن ينتظر حتى يوم شهره الأول، ويظل حق الختان ملازماً له، فإذا لم يختن وهو صغير ختن نفسه كبيراً، والختان سنة الأنبياء الطاهرين، أما ختان البنات: فهو مكرمة وهو قطع جلدة صغيرة جداً جداً مثل عرف الديك فوق الفرج فقط، ويسمى بالخفاض أحياناً. والإسلام برئ من الضجة التى حدثت أخيراً حول ختان البنات فى مؤتمرات السكان والمرأة التى ترعاها هيئة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات التى تجهل الحق وتنادى بالباطل، وختان البنات الذى تم فى بعض القبائل الإفريقية والآسيوية غير الحقيقة الموجودة فى الشريعة الإسلامية، إذ تلك القبائل يقطعون فيها الشفران الخارجيان للمرأة، وفى هذا تشويه لخلق الله وإفساد للفطرة السليمة وتضييع لحق المرأة فى المتعة الجنسية عند زواجها، ولا يصح لمسلم أن يندفع فيرمى سهمه فى الإسلام بالنقائص ويقول: إنه يجب التخلص منها، دون أن يفرق بين الإسلام عبادة وبين العرف عادة، وربما يحدث مثل هذا فى بلاد لا تدين بالإسلام، فخفاض المرأة مكرمة لها وأعدل لشهواتها وله أحكامه وشروطه لا تخفى على علماء الشريعة والأطباء المسلمين، فهى الفطرة التى هى الخلقة السليمة، ملة إبراهيم- عليه السلام- وقد ذكر ابن القيم الجوزية أن الفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب، وهى معرفة الله ومحبته وايثاره على ما سواه، وفطرة عملية وهى تلك الخصال، فالأولى تزكى الروح، والثانية تطهر البدن (41)، وجمهور العلماء أكد على أن الختان سنة مؤكدة يأثم تاركها، فذكر الزهرى فيمن أسلم فقال: “من أسلم فليختتن وإن كان كبيرا” وفى الصحيحين أن إبراهيم- عليه السلام- “أول من اختتن وهو ابن ثمانين سنة”(42)، وقال ابن القيم: “والختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعباد الصليب”(43).
سادسا: حقوق التربية والتعليم:
نا فى رسول الله محمد بن عبد الله النبى الأمى المربى المعلم أسوة حسنة فى حفظ حقوق الأطفال التربوية والتعليمية، فلقد ضرب النبى- صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى فى الرفق فى تربية الأطفال وعلاج أخطائهم بروح الشفقة والرأفة والعطف والرحمة، واعتبر صلى الله عليه وسلم الغلظة والجفاء فى معاملة الأطفال نوعاً من القسوة فى القلب، وهدد المتصف بها بأنه عرضة لعدم حصوله على الرحمة من الله، فقال صلى الله عليه وسلم: “إنه من لا يرحم لا يرحم” (44). وقد عمل النبى صلى الله عليه وسلم على إدخال السرور فى قلوب الأطفال حيث كان يقبلهم ويداعبهم ويحملهم فى صلاته، ويقوم صلى الله عليه وسلم بتنظيفهم. وقد أفاضت السنة المطهرة بالكثير من الآثار فى ذلك. ومن الواجب فى تربية الطفل أن ننتبه بأن تكون تربيته متكاملة بدنياً وخلقياً، وروحياً نهتم بغذائه، وكميته ونوعه، ونهتم بتعامله مع الناس القريب والصديق والبعيد والغريب، نعلمه آداب الطعام منذ نعومة أظفاره، وكيفية الجلوس إلى المائدة، وأن يأكل مما يليه،ولا ينظر إلى طعام غيره، ولا إلى طريقة الجالسين معه فى أكلهم، ونحذره من الشره فى الطعام، كما نعلمه أن يغسل يديه قبل الطعام وبعده، إذا انتهى من الطعام حمد الله وهذه آداب جليلة دعا إليها الإسلام، وما من شك فى أن طلب العلم الشرعى العام فريضة على كل مسلم ومسلمة فى أمور الدين والأحكام، ولكن هذا لا يعنى أنه لابد أن يكون جميع المسلمين فقهاء وقضاة إذ أن ذلك من فروض الكفاية إذن لابد من تخصص طائفة من المسلمين فى علوم الشريعة لحفظها وحفظ حقوق الله وحقوق الأنبياء وحقوق الناس فى العبادات والمعاملات وهذا ما كان فى تاريخ الأمة الإسلامية منذ أن جمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه القرآن الكريم وعكف الصحابة والتابعون على جمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأفنى علماء الإسلام أعمارهم فى التأليف والتصنيف فى أنواع العلوم والمعارف فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والعمران والطب والفلك فى ظل ضوابط الشريعة الإسلامية، أما العلوم الدنيوية الأخرى فهى فرض كفاية، وفيها حرية لأصحابها فى اختيار ما يناسب قدراتهم، وهذا ما جاء فى قوله تعالى: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) (45). والإسلام لا يفرق بين الذكور والإناث فى التربية والتعليم فلكل من الجنسين الحق فى تربية حسنة، وفى أن يتعلم العلم النافع، ويدرس المعارف الصحيحة، ويأخذ بأسباب التأديب ووسائل التهذيب لتكمل إنسانيته، وليستطيع النهوض بالأعباء الملقاة على عاتقه، قال عليه الصلاة والسلام، “طلب العلم فريضة على كل مسلم”(46)، وعن ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة “(47).
ويكفى أن نشيرهنا إلى فضل أمهات المؤمنين رضى الله عنهن جميعا وصحابيات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما روين وحفظن عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- الكثير من المرويات والآثار والأحكام حفظن به الدين للأمة وهو دليل ساطع على اهتمام الإسلام بالحقوق التعليمية للمرأة.
سابعا: الحقوق المالية:
إن النظام المالى فى الإسلام واضح المعالم محدد الأبعاد والمصادر، فالكسب المشروع هو ما كان من طريق الحلال مثل البيع والشراء فيما أحل الله لعباده، وليس من طرق محرمة أو الكسب من خلال العمل المباح المشروع من خلال التوارث أو من خلال الهبات ونحو ذلك، وقد يكون للطفل مال يحتاج إلى من يقوم بحفظه وصيانته واستثماره سواء كان الطفل يتيما أو حاضر الأبوين، ويسمى من يتولى ذلك بالولى الشرعى على الطفل، والأب مقدم فى هذه الولاية على غيره باتفاق فى الشريعة الإسلامية مالم يكن الأب سفيها أو ضعيفا أوغير عدل.. إلخ.
وقد أمرت الشريعة الإسلامية بحفظ الأموال وعدم أكلها بالباطل حتى بين الكبار والراشدين قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) (48) وهذا حكم عام فى مال الطفل الصغير والإنسان الكبير، وقال تعالى: ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (49) وهذا حكم خاص فى مال الطفل اليتيم، ولقد اتفق علماء المسلمين على أحقية الطفل فى الميراث ممن يستحق الإرث منهم، وإن كان جنيناً فى بطن أمه، فإذا مات رجل وترك امرأته حاملاً، فإنه يحجز للجنين أوفر نصيب من التركة، على أنه ذكر فيكون له سهمان أو ربما أنه خنثى فيكون له ثلاثة أسهم وهناك تفصيل أكبر لهذه المسالة فيما لو كان الحمل لأكثر من جنين توأم أو أكثر، المهم هو بيان دقة الشريعة الإسلامية فى حفظ الحقوق الاقتصادية والمالية للطفل قبل ميلاده، ويرى بعض الفقهاء أنه إذا نزل الجنين ميتاً فإنه لا يرث باتفاق العلماء، أما إذا انفصل عن أمه بسبب جناية على الأم فإن الغرة والتعويض يكون للأم، وتستثمر أموال اليتيم وتحفظ له حتى يبلغ
الرشد ثم تدفع إليه كما قال سبحانه وتعالىSad فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدار أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا) (50).
وقد انفردت الشريعة الإسلامية بهذه الأحكام، وهى الحقوق الاقتصادية للطفل والإنسان فى الإرث والتملك، غير أن الولاية أو الوصاية تمنعه من التصرف فى أمواله لحين بلوغه الرشد والقدرة على التصرف فى ماله

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية   حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية Emptyالخميس نوفمبر 13, 2014 3:26 pm

ثامنا: حق إبداء الرأى:
وشواهد التاريخ الإسلامي والتربية الإسلامية تؤكد هذا الحق، الذى اهتمت به الشريعة الإسلامية، حيث تحترم رأى الأطفال إذا كان صائباً، كرأيه فى نوع تعليمه ورأيه فى نوع حرفته، ورأيه فى هوايته- إذا كانت فى غير معصية لله- والإسلام يربى الأطفال على أن يكون لهم رأى مستقل، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى جلسة وكان من عادته أن يعطى الإناء لمن يجلس على يمينه، فنظر إلى عبد الله بن عباس رضى الله عنهما يستأدنه فى أن يسقى من هو أكبر منه، لكن عبد الله رضى الله عنه تمسك بحقه، فأعطاه النبى صلى الله عليه وسلم الإناء احتراما لرأيه، ولم يكن هدف ابن عباس من ذلك عدم احترام الكبار ولكن لينال بركة الشرب بعد النبى- صلى الله عليه وسلم- ، فكان ذلك حكماً شرعياً فى حفظ حق الطفل فى إبداء رأيه، كما ثبت أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو خليفة مز بالطريق فأسرع الصبية خوفاً وهيبة منه، لكن عبد الله بن الزبير بن العوام لم يفر، فسأله عمر: “لماذا لم تفر مثل أصحابك؟، فأجابه الغلام بكل ثقة: “ليست الطريق بضيقة فأوسع لك، ولم أرتكب دنباً فأخاف منك ى، ففال عمر رضى الله عنه لمن معه: لو عاش هذا الغلام فسيكون له شأن وصدقت فراسة عمر فقد ولىعبد الله بن الزبير رضى الله عنه الخلافة على الجزيرة خمس سنوات حتى قتل وهذا مما حرم احترم به الخليفة الراشد رأى الطفل الأريب. وقصة الخليفة عمر بن عبد العزيز- رضى الله عنه- مع وفود القبائل معروفة، عندما كان بين ممثلى القبائل غلام صغير أراد أن يتحدث، فقال له الخليفة: “انتظر حتى يتحدث من هم أكبر منك سنا، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين: “إن الإنسان بأصغريه قلبه ولسانه، ولو كان الأمر بالسن لكان هناك من هو أحق منك بالخلافة لأنه أكبر منك ” فاستحسن عمر جوابه وقال: تحدث يا غلام. وفى الصلاة تصح إمامة الغلام ذى العشر سنوات إذا كان حافظاً للقرآن أو شىء منه، وليس فى المصلين من هو أفقه منه وإن كان أكبر منه سناً.
من هنا يجب أن نحترم رأى أولادنا، وأن نربيهم على الاستقلالية والاعتماد على الله، فهذه جملة لحقوق الطفل التى فرضها الإسلام على الوالدين بزواج شرعى يتقدمه معرفة حقوقه، لكى يقدم الطاعة ويعرف البراء والولاء، فيكون قرة عين، وأمنية النفس وزينة الدنيا والعكس صحيح. وختاما نقول إن اتفاقية حقوق الطفل وما جاء فى أهداف منظمة اليونيسيف لم يذكر شىء عن حقوق الطفل فى حسن الاختيار عند الزواج ولا العقيقة ولا الرضاعة الطبيعية ولا الختان ولا الميراث ولا التربية على الدين فتلك الحقوق وغيرها انفردت بها الشريعة الإسلامية وأُغفلت فيما سواها.
تاسعا: حقوق الطفل ومضامينها فى النظام الأساسى للحكم، ومناهج التعليم فى المملكة العربية السعودية:
من المعلوم لدى جميع الأمم والشعوب والحكومات فى عالم اليوم أن النظام الأساسى للحكم فى المملكة العربية السعودية يقوم على هدى الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية، ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية فى عهد الملك عبدالعزيز- رحمه الله- فإن المملكة قد وضعت نظاماً للحكم مستمداً من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا النظام يخضع للتحديث والتجديد من وقت لآخر حسب متغيرات الحياة وتغيرظروف المجتمع فى غير الثوابت من أحكام الشريعة الإسلامية. وقد اهتم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود- حفظه الله- بتحديث النظام الأساسى للحكم الذى صدر عام 1412هـ- 1992م حيث تضمن الكثير من الأمور التى ترعى حقوق الإنسان الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية.. إلخ فى داخل المملكة وخارجها مع الدول العربية والإسلامية والدول الصديقة فقد جاء فى “المادة الثالثة والعشرين ما يلى: “تحمى الدولة عقيدة الإسلام وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله “.
وتنص المادة الخامسة والعشرون على ما يلى:” تحرص الدولة على تحقيق آمال الآمة العربية الإسلامية فى التضامن وتوحيد الكلمة وعلى تقوية علاقاتها بالدول الصديقة”.
وتبين المادة السادسة والعشرون ما يلى: “تحمى الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية”.
كما تشير المادة السابعة والعشرون إلى “تكفل الدولة حق المواطن وأسرته فى حالة الطوارىء والمرض والعجز والشيخوخة، وتدعم نظام الأسرة التى هى نواة المجتمع السعودى، ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولولى الأمر واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد”. وجاء فى المادة العاشرة :
“تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية الإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم “.
كما لتضمنت المادة الثالتة عشرة ما يلى: “يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية فى نفوس النشء وإكسابهم المعارف والمهارات وتهيئهم ليكونوا أعضاء نافعين فى بناء مجتمعهم محبين وطنهم معتزين بتاريخه” (51). وكل هذه القواعد التى تضمنها النظام الأساسى للحكم فى المملكة العربية السعودية جاء شرحها وتوضيحها فى كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيزآل سعود- حفظه الله- بمناسبة صدور النظام الأساسى للحكم
ونظام مجلس الشووى ونظام المناطق الذى جدد عام 1412 هـ – 1992م، لإخوانه وأبنائه المواطنين وفيه قال- حفظه الله-: “أيها الاخوة المواطنون إن الله إذا : أراد بقوم خيرأهداهم إلى التى هى أقوم، ونعم الله علينا كثيرة لا تحصى. ولاشك أن أعظم هذ ه النعم على الإطلاق هى نعمة الإسلام، فهو الدين الذى إن تمكسنا به لن نضل أبداً، بل نهتدى ونسعد كما أخبرالله تعالى بذلك . وكما أخبر رسوله عليه الصلاة والسلام “.
وحقائق التاريخ والواقع خير شاهد على ذلك، فقد سعد المسلمون بشريعة الإسلام حين حكموها فى حياتهم وشئونهم جميعاً. وفى التاريخ الحديث قامت الدولة السعودية الأولى منذ أكثر من قرنين ونصف على الإسلام حينما تعاهد على ذلك وجلان مصلحان هما الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب وحمهما الله- قامت هذه الدولة على منهاج واضح فى السياسة والحكم والدعوة والاجتماع. هذا المنهاج هو الإسلام عقيدة وشريعة.
ولئن كانت العقيدة والشريعة هى الأصول الكلية التى نهضت عليها الدولة فإن تطبيق هذه الأصول تتمثل فى التزام المنهج الصحيح فى العقيدة والفقه والدعوة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفى القضاء وفى العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وبذلك كانت الدولة السعودية نموذجاً متميزاً فى السياسة والحكم فى التاريخ السياسى الحديث. ولقد استمر الأخذ بهذا المنهاج فى المراحل التالية جميعاً حيث ثبت الحكام المتعاقبون على شريعة الإسلام، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ويستند هذا الثبات المستمر على منهج الإسلام إلى ثلاث حقائق هى:
(أ) حقيقة أن أساس المنهج الإسلامى ثابت لا يخضع للتغيير والتبديل، قال الله تعالى: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) .
(ب) وحقيقة وجوب الثبات على المنهج ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون).
(جـ ) وحقيقة وفاء حكام هذه الدولة لإسلامهم فى شتى الظروف والأحوال.
واستمر الوفاء للإسلام- عقيدة وشريعة- فى عهد الملك عبدالعزيز- رحمه الله- حيث بنى المملكة العربية السعودية ووحدها على نفس النهج، على الرغم من أنه واجه ظروفا تاريخية صعبة، وعلى الرغم من الصعوبات التى واجهته فى أثناء توحيد البلاد.
فقد حرص الملك عبد العزيز على إنفاذ منهج الإسلام فى الحكم والمجتمع مهما كانت الصعوبات والتحديات.
ويتلخص هذا المنهج فى إقامة المملكة العربية السعودية على الركائز التالية:
أولا: عقيدة التوحيد التى تجعل الناس يخلصون العبادة لله وحده لا شريك
له ويعيشون أعزة مكرمين.
ثانيا: شريعة الإسلام التى تحفظ الحقوق والدماء وتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتضبط التعامل بين أفراد المجتمع وتصون الأمن العام.
ثالثا: حمل الدعوة الإسلامية ونشرها حيث إن الدعوة إلى الله من أعظم وظائف الدولة الإسلامية وأهمها.
رابعاً: إيجاد بيئة عامة صحية صالحة مجردة من المنكرات والانحرافات تعين الناس على الاستقامة والصلاح وهذه المهمة منوطة بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
خامسا: تحقيق الوحدة الإيمانية التى هى أساس الوحدة السياسية والاجتماعية والجغرافية.
سادسا: الأخذ بأسباب التقدم وتقديم النهضة الشاملة التى تيسر حياة الناس ومعاشهم وترعى مصالحهم فى ضوء هدى الإسلام ومقاييسه.
سابعا: تحقيق الشورى التى أمر الإسلام بها ومدح من يأخذها إذ جعلها من صفات المؤمنين.
ثامنا: أن يظل الحرمان الشريفان مطهرين للطائفين والعاكفين والركع السجود- كما أرادهما الله- بعيدين عن كل ما يحول دون أداء الحج والعمرة والعبادة على الوجه الصحيح وأن تؤدى المملكة هذه المهمة قياما بحق الله وخدمة للأمة الإسلامية.
تاسعا: الدفاع عن الدين والمقدسات الوطن والمواطنين والدولة.
ونظراً لتطور الدولة وتكاثر واجباتها فقد أصدر الملك عبدالعزيز- رحمه الله- فى عام 1373هـ أمره بتأسيس مجلس الوزراء والذى يعمل وفقاً لنظامه الصادر فى عام 1373هـ وما طرأ عليه من تعديلات.
لقد استمر العمل بهذا المنهج حتى يومنا هذا- بحمد الله وتوفيقه- ولذلك لم تعرف المملكة العربية السعودية ما يسمى بالفراغ الدستورى فمفهوم الفراغ الدستورى من حيث النص هو ألا تكون لدى الدولة مبادىء موجهة ولا قواعد ملزمة ولا مرجعية فى مجال التشريع وتنظيم العلاقات.
إن المملكة العربية السعودية لم تشهد هذه الظاهرة فى تاريخها كله لأنها طوال مسيرتها تحكم بموجب مبادىء منهجية وقواعد ملزمة وأصولاً واضحة، يرجع إليها الحكام والقضاة والعلماء وسائر العاملين فى الدولة. وكافة أجهزة الدولة تسير فى الوقت الراهن وفق أنظمة منبثقة من شريعة الإسلام ومضبوطة بضوابطها.
ومن هنا فإن إصدارنا اليوم للأنظمة التالية: النظام الأساسى للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق بصيغ جديدة لم يأت من فراغ. إن هذه الأنظمة الثلاثة إنما هى توثيق لشىء قائم وصياغة لأمر واقع معمول به.
وستكون هذه الأنظمة خاضعة للتقويم والتطوير حسب ما تقتضيه ظروف المملكة ومصالحها. وللأنظمة الثلاثة صيغت على هدى من الشريعة الإسلامية معبرة عن تقاليدنا وأعرافنا القومية وعاداتنا الحسنة.
أما نظام مجلس الشورى فإنه يقوم على أساس الإسلام بموجب اسمه ومحتواه، استجابة لقول الله عز وجل: ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) (الشورى: 38)، وقوله جل شأنه: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران: 159).
ولقد ذكرنا من قبل فى مناسبات كثيرة أن البلاد شهدت قيام مجلس الشورى منذ وقت طويل وخلال هذه المدة استمرت الشورى فى البلاد بصيغ متعددة متنوعة. فقد دأب حكام المملكة على استشارة العلماء وأهل الرأى كلما دعت الحاجة إلى ذلك والنظام الجديد لمجلس الشورى إنما هو تحديث وتطوير لما هو قائم عن طريق تعزيز أطر المجلس ووسائله وأساليبه بمزيد من الكفاية والتنظيم والحيوية من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من أن الكفايات التى سيضمها هذا المجلس ستختار بعناية بحيث تكون قادرة على الإسهام فى تطور المملكة العربية السعودية ونهضتها واضعة فى اعتبارها المصلحة العامة للوطن والمواطنين.
ولئن كان مجلس الشورى سينهض- بعون الله- بالشورى العامة على مستوى الدولة فإنه لا ينبغى أن نغفل عن الشورى السائدة الآن فى أجهزة الدولة من خلال المجالس واللجان المتخصصة بل ينبغى على هذه الأطراف أن تنشط حتى يتكامل عملها مع مجلس الشورى العام.
ولقد شهدت البلاد فى الحقبة الأخيرة تطورات هائلة فى مختلف المجالات وقد اقتضى هذا التطور تجديداً فى النظام الإدارى العام البائد. وتلبية لهذه الحاجة والمصلحة جاء نظام المناطق ليتيح مزيداً من النشاط المنتظم من خلال وثبة إدارية مناسبة، وليرفع مستوى الحكم الإدارى فى مناطق المملكة. وإن العالم الذى يتابع تطور هذه البلاد وتقدمها لينظر بتقدير بالغ لما تسير عليه من سياسة داخلية تحرص على أمن المواطن واستقراره.
وسياسة خارجية متزنة تحرص على إقامة العلاقات مع الدول والإسهام فيما يبث دعائم السلام فى هذا العالم. إن المملكة العربية السعودية هى موئل مقدسات المسلمين ومكان حجهم وعمرتهم وزيارتهم، ولها مكانة خاصة فى نفوس كل المسلمين. وقد أكرم الله هذه الدولة بخدمة الحرمين الشريفين وتيسير سُبل الحج والعمرة وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد التزمت المملكة العربية السعودية فى مختلف مراحلها منهج الإسلام حكماً وقضاء ودعوة وتعليما أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وأداء لشعائر الله.
فالإسلام هو منهج الحياة ولا تفريط فيما جاء فى كتاب الله وثبت عن رسوله أو أجمع عليه المسلمون إن دستورنا فى المملكة العربية السعودية هو كتاب الله الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وسُنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذى لا ينطق عن الهوى. ما اختلفنا فيه من شىء رددناه إليهما وهما الحاكمان على ما تصدره الدولة من أنظمة.
وقد كان الحكام والعلماء فى المملكة العربية السعودية- ولا يزالون- متآزرين متعاونين وكان الشعب- ولا يزال- ملتفاً حول قيادته متعاوناً معها مطيعاً لها بموجب البيعة الشرعية التى تتم بين الحاكم والمحكوم. والحاكم يقوم بالتزاماته تجاه تطبيق الشريعة وإقامة العدل بين الناس وإعطاء كل ذى حق حقه وبذلك سعد المجتمع بالأمن والاستقرار ورغد العيش. إننا ثابتون- بحول الله وقوته- على الإسلام نتواصى بذلك جيلا بعد جيل وحاكما بعد حاكم لا يضرنا من خالفنا حتى يأتى وعد الله. وألا نغلق باباً دون المنجزات الحضارية النافعة لكى نستفيد منها بما لا يؤثر على ثوابتنا وهويتنا. إن المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية يهمها ما يهم العرب والمسلمين وتحرص على تضامنهم وجمع كلمتهم وتسهم بكل طاقاتها فيما يعود عليهم بالخير (52).
إن ما أشرنا إليه من نصوص بعض مواد النظام الأساسى للحكم، وما جاء فى كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود فيهما بيان لحقيقة التجديد والتطوير من منطلقاتها الإسلامية فى جميع جوانب الحياة وعلى الأخص فى مناهج التعليم. فمنذ تأسيس المملكة العربية السعودية، وعبر الأزمنة المختلفة وبحكم تمسك المملكة بالشريعة الإسلامية، كان المنهج التعليمى يقوم على تربية الإنسان السعودى تربية إسلامية إنسانية تعرفه الحقوق والواجبات نحو نفسه وغيره من بنى آدم، بدءاً من احترام أصحاب الأديان المخالفة لدين الإسلام باعتبار الدين أغلى ضميمة لقلب الإنسان كما هى ضميمة الوطن وحبه، والإنسان المسلم يعلم أنه لا يجبر أحداً على أن يترك دينه ليدخله فى دين الإسلام قسراً وقهراً وإكراهاً، قال الله تعالى: ( لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى) (53)، والإسلام يدعو إلى احترام أهل الأديان الأخرى إنسانياً، يقول الله تعالى: ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون) (54).
وهذا النهى إشارة إلى حسن المعاملة مع غير المسلم إذا لم يكن حربياً احتراماً لحق الدين، وتأكيدا لحسن معاملة المخالفين لدين الإسلام من غير المسلمين وحفظ حقوقهم الإنسانية، يأمر الله تعالى المسلمين بذلك، ويقول جل وعلا: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)(55).
وفى عصر كثرت الجاليات والأقليات فى أنحاء العالم، لزم على المسلمين النظر فى حاجات المسلمين فى غير بلاد المسلمين من خلال المبادىء التى دعا بها الإسلام حقوق الذميين والمستأمنين من خلال مناهج التربية والتعليم.
وتتضمن مناهج التعليم فى المملكة العربية السعودية الحقوق العامة، ومن أهمها حقوق المرأة، فقد شاركت المرأة الرسول صلى الله عليه وسلم فى الرأى وفى التعليم، وسافرت معه وشاركت فى بعض الحروب بتمريض الجرحى وسقى الماء، وسابق النبى- صلى الله عليه وسلم- بعض زوجاته أكثر من مرة.
إلى غير ذلك من صور تمتع المرأة بحقوقها فى الإسلام، وللمرأة حق المطالبة ورفع الدعوى، وهى تتمتع فى المملكة العربية السعودية بحرية المساواة بينها وبين الرجل فى حق التعليم والعمل والملكية الفردية… إلخ.
فالمناهج ومقررات التعليم فى المملكة العربية السعودية النظرية والتطبيقية (الدينية والأدبية والعلمية) تركز بصفة مباشرة على تنشئة وتربية المتعلمين تنشئة مباشرة على حقوق الإنسان بعد معرفة حقوق ربه سبحانه وتعالى وحقوق أنبيائه ورسوله- صلى الله عليه وسلم-.
فالمتعلم يتعرف على حقوقه كابن، ويتعرف على حقوق الوالدين والأسرة، وحقوق أقاربه وأرحامه وأصدقائه وجيرانه، حتى حقوق ضيوفه من داخل البلاد وخارجها، كما ينشأ المتعلم على حفظ حقوق الآخرين مهما اختلفت أديانهم وألوانهم، والتراث الإسلامى- وقوامه الكتاب والسنة- يزخران بهذه التعاليم الحقوقية التى يتلقاها المتعلم من خلال قراءة النصوص المتضمنة فى المقررات الدراسية.
وتنبثق سياسة التعليم فى الملكة العربية السعودية من الإسلام الذى تدين به الأمة عقيدة وعبادة وخلقاً وشريعة وحكماً ونظاماً متكاملاً للحياة، وهى جزء أساسى من السياسة العامة للدولة، ومن الركائز الأساسية لهذه السياسة: الإيمان بكرامة الإنسان، والعدل، والتكامل والمساواة. بغض النظر عن اللون والجنس واللغة.
وهذه الركائز ترجمت إلى أنشطة ومفاهيم تربوية تمحورت حولها المناهج والمقررات والمناشط التربوية والتعليمية والترفيهية (56)، وهذه بعض الأسس العامة التى يقوم عليها التعليم فى المملكة العربية السعودية بين الناشئة وطلاب العلم.
1- المثل العليا التى جاء بها الإسلام لقيام حضارة إنسانية رشيدة بناءة تهتدى برسالة النبى محمد صلى الله عليه وسلم لتحقيق العزة فى الدنيا والسعادة فى الدار الآخرة.
2- الإيمان بالكرامة الإنسانية التى قررها القرآن الكريم، وأناط به القيام بأمانة الله فى الأرض قال الله تعالى: (ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
3- فرص النمو مهيأة أمام الطالب والطالبة للمساهمة فى تنمية المجتمع الذى يعيش فيه، ومن ثم الإفادة من هذه التنمية التى شارك فيها.
4- تقرير حق الفتاة فى التعليم بما يلائم فطرتها ويعدها لمهمتها فى الحياة على أن يتم هذا بحشمة ووقار، وفى ضوء شريعة الإسلام، “فإن النساء شقائق الرجال”.
5- طلب العلم فرض على كل فرد بحكم الإسلام، ونشره وتيسيره فى المراحل المختلفة واجب على الدولة بقدر وسعها وامكانياتها.
6- الاستفادة من جميع أنواع المعارف الإنسانية النافعة فى ضوء الإسلام، للنهوض بالأمة ورفع مستوى حياتها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها.
7- التناسق المنسجم مع العلم والمنهجية التطبيقية ( التقنية) باعتبارهما من أهم وسائل التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، لرفع مستوى أمتنا وبلادنا، والقيام بدورنا فى التقدم الثقافى العالمى.
8- التفاعل الواعى مع التطورات الحضارية العالمية فى ميادين العلوم والثقافة والآداب، بتتبعها والمشاركة فيها، وتوجيهها بما يعود على المجتمع والإنسانية بالخير والتقدم.
9- احترام الحقوق العامة التى كفلها الإسلام وشرع حمايتها حفاظا على الأمن، وتحقيقاً لاستقرار المجتمع المسلم فى: الدين، والنفس، والنسل، والعرض، والعقل، والمال.
10- التكافل الاجتماعى بين أفراد المجتمع: تعاوناً، ومحبة، وإخاءً، وإيثاراً للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
11- النصح المتبادل بين الراعى والرعية بما يكفل الحقوق والواجبات، وينمى الولاء والإخلاص(57).
وبقدر ما تجتهد البشرية فى بحثها عن منطلقات ومناهج لحياة كريمة ينعم فيها الإنسان بالأمن، والاستقرار، والعدالة نجد أن ذلك كله قد دعت إليه وأقرته شريعة الإسلام، ولا يسع ذو العقل الحر المنصف إلا أن يقف أمام تلك التوجيهات والنظم بكل إجلال وتعظيم.
ومن ملامح نظام التعليم فى المملكة العربية السعودية التى يتربى عليها الطفل (الذكر والأنثى) نذكر ما يلى:
1- اعتنى الإسلام بحفظ الإنسان وصيانته من كل ما يتلفه أو يضره أو يدنسه أو يشينه سواء كان ذلك فى الدين أو فى النفس أو فى العقل أو فى النسل أو العرض أو فى المال.
2- يشعر الفرد عند التحاقه بالعمل باللذة والكرامة والرفعة عن ذل المسألة والحاجة وتكفف الناس ويحقق النظرة السليمة للحياة.
3- العمل بالنسبة للجماعة فإنه يحقق مزيداً من الرخاء والثروة والقوة والعزة للمجتمع.
4- أكدت سياسة التعليم ومناهجه على العناية بتعليم البنات وذلك لأن النفس جبلت على حب الولد منذ الأزل، وقد كان الإنسان الجاهلى يسود وجهه عند يرزق بأنثى، فرفع الإسلام قدر البنت وعظم شأنها قال تعالى: ( فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض).
5- الأسرة هى لبنة من لبنات المجتمع التى يتكون منها بناء المجتمع حتى يصبح بناء محكماً قوياً وهذا ما تدعو إليه الفطرة ويدعو إليه الدين الإسلامى.
6- الزوجة راعية فى بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، فهى مسئولة عن نفسها وعن المتاع وحرمة البيت والأطفال، فإن كانت صالحة صلح البيت وإلا كان العكس، ولهذا حض الإسلام على حسن اختيار الزوجة وشدد فيه، وقد شرع الإسلام النظر إلى المخطوبة ليكون الرجل على بينة من الأمر فلا يقدم إلا عن اقتناع (58).
كما أكدت المناهج على حق المرأة فى التعليم بمختلف أنواعه وحفظ حقوقها الاجتماعية والفكرية والثقافية، بينت حقوقها الاقتصادية ولها أن تتاجر وأن تزاول أى عمل مالى مادامت تؤديه فى وقار وبعيدة عن الفتنة، وأيضاً حقها فى حفظ شخصيتها وحقوقها المدنية والسياسية فى البيعة والشورى.
ورعاية الطفولة وتحقيق مبادئها العامة فى المملكة العربية السعودية تتولاها عدد من الجهات التى تشرف على الجوانب المختلفة من أوجه الرعاية اللازمة للطفل، ولضمان آلية وفعالية هذه الرعاية من خلال التنسيق بين هذه الجهات الحكومية وغير الحكومية شكلت لجنة وطنية لرعاية الطفولة تتولى أعمالها أمانة عامة مقرها وزارة المعارف منذ عام 1389هـ-1979م، وقد كلفت اللجنة الوطنية السعودية لرعاية الطفولة لتكون بمثابة جهاز دائم لرسم السياسة العامة لأنشطة الطفولة واحتياجها بشئون الطفولة فى المملكة العربية السعودية(59).
وتأسيساً على ما سبق فقد وافقت المملكة العربية السعودية بالمرسوم الملكى
رقم م/7 فى 16/4/1416 هـ 11/9/1995م على الانضمام إلى اتفاقية حقوق الطفل المقرة من الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة فى 20/11/1989م مع التحفظ على جميع المواد التى تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وذلك لما توليه المملكة السعودية من اهتمام بالغ لرعاية الطفولة، وهذا التحفظ إنما يأتى بأن الانضمام إلى الاتفاقية أمر جديد ولكن ما تتضمنه الاتفاقية فى بعض بنودها مما يمس ثوابت الدين فلم تقبله المملكة بحكم تطبيقها للشريعة الإسلامية، والانضمام إلى الاتفاقية يأتى من منطلق تحقيق التعاون الدولى الذى ترتبط به المملكة فى إطار المنظومة العالمية، فضلا عما اشتملت عليه اتفاقية حقوق الطفل من أمور توافق أحكام الشريعة الإسلامية من رعاية كاملة لحقوق الطفل بدءاً من حمله فى بطن أمه وهو جنين إلى انتقاله لمرحلة الشباب لتضمن له حقوقه كإنسان حتى بعد موته.
ولم يأت انضمام المملكة لهذه الاتفاقية نتيجة غياب المرجعية الحقيقية لحقوق الطفل بل إن الإسلام قبل هذه الاتفاقية احتفى بالطفل واهتم به قبل خمسة عشر قرناً كما نرى ذلك فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وكثير من أدبيات الفقه الإسلامى والتربية الإسلامية مما يمكن الرجوع إليها مما هو موجود فى مكتبات الجامعات والمكتبات العامة فى جميع أنحاء العالم لإحياء التراث الإسلامى الخاص بحقوق الطفل وتجديده.
عاشرا: توصيات التجديد فى الفكر الإسلامى لحقوق الطفل:
1- إن مجال التجديد فى حقوق الطفل يتمثل فى إحياء تراث الثوابت التى جاء بها الإسلام بسبب التفات المسلمين إلى أقوال قدمها الغرب إلينا هى من تراثنا ولكنها قدمت بصورة مشوهة مبتورة بما يتوافق مع أهواء الغربيين. قدمت هذه الثوابت بصورة تجعل غير العارفين بالإسلام عقيدة يظنون أن ما قدمه الغرب لا يخالف الإسلام. صحيح لا يخالف الإسلام فى الجزئية التى أخذها من الإسلام ولكن بقية الأجزاء تختلف فى الثوابت القطعية التى لا تحتمل التجديد أو الاجتهاد.
2- إن حقوق الطفل الموجودة فى اتفاقية الطفل ينقصها الكثير، وفيها بعض المفاهيم غير الإسلامية وينقصها تعريف الطفل بحقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الكبار، وحقوق ولاة الأمور وأكثر من هذا تحديد حقوق الولاء والبراء إذن إحياء هذه الجوانب الحقوقية وبيانها من خلال قواعدها الشرعية هو تجديد فى حد ذاته.
3- يجب ألا يكون انضمام الدول الإسلامية إلى اتفاقية الطفل أو اتفاقية المرأة اعترافاً بأن تلك الاتفاقية وافية كاملة، بل إن الشريعة بشمولها وكمالها أوفت الطفل حقوقه. فعلى الأمة الإسلامية السعى إلى تحديث اتفاقية الطفل وتجديدها بما فى الشريعة من ثبات وكمال دون نواقص أو نواقض، كما هو الحال فى اتفاقية الطفل التى قامت على ظروف طارئة ومرجعية وضعية ولا يكفى مجرد الانضمام إلى الاتفاقية والتوقيع عليها بل بيان رأى الإسلام فى ذلك.
4- على الذى يمارس التجديد فى موضوع حقوق الطفل لابد أن يكون مجتهداً وقادراً على ربط العلوم الكونية بالشريعة الإسلامية، فلابد من اجتماع عالم الشرع وعالم العصر للجمع بين النصوص الشرعية وفقه الواقع- من المعلوم- فتجديد الفقه وتجديد الفكر فى غير الثوابت قد يكون سببه اختلاف العصر والزمان وليس اختلاف الدليل والبرهان.
5- لا يصح التفريق فى التجديد بين العلوم النظرية والعلوم التطبيقية وبين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية، فبين الجميع تلازم لا ينفك بعضه عن بعض، وإلا فقد فصل الدين عن الدنيا والشرع عن الدولة.
6- إن البحث عن المجهول لا يكون إلا بمعرفة المعلوم، وإذا عرف المعلوم أمكن التفريق بين الثابت والمتغير فالمتغير يمكن التجديد فيه. والثابت باق على حاله فالحق قديم لا يتغير.
7- التجديد مطلب اجتماعى يقوم على أسس علمية وعقلية إذا اختلفت ا لعصور والأحوال.
8- ويجب ألا يقوم التجديد على الأخذ بالرخص والتلفيق بين أقوال الفقهاء،
إذ ذلك لا يعد اجتهاداً بل يكون بتراً للأقوال وتشويها للحق.
كل هذه التوصيات هى مما دعت إليه الشريعة الإسلامية فى حياة الناس وحفظ حقوقهم، وتأكدت مضامينها فى النظام الأساسى للحكم ومناهج التعليم فى المملكة العربية السعودية مما أوضحناه فى الكلمة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود- حفظه الله- مما تقدم ذكره وهى وثيقة يعتد بها فى توضيح مفاهيم التجديد والتطوير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حقوق الطفل بين التشريعات الوضعية والإلهية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» علم نفس الطفل مشاكل الطفل النفسيه وحلولها
» حقوق الإنسان وحقوق الطفل
» علم نفس الطفل مشاكل الطفل النفسيه وحلولها
» ضعف شهية الطفل وفقدان الشهية لدى الطفل اسبابها وعلاجها
» علم نفس الطفل مشاكل الطفل النفسيه وحلولها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى التعليم والثقافة-
انتقل الى: