ابو ايهاب حمودة :: المشرف العام ::
عدد المساهمات : 25191 تاريخ التسجيل : 16/08/2009
| موضوع: سورة البقرة - فصة هاروت وماروت الأحد نوفمبر 09, 2014 10:47 pm | |
| سورة البقرة - فصة هاروت وماروت 6- قصة الملكين هاروت وماروت عليهما السلام والسحر هذه القصة يتداخل فيها عدة قصص لارتباطها ببعضها البعض منها: قصة السحر وتفريق الزوج عن زوجته, وسبي بابل, وتشريد بختنصر لليهود, وتبرئة سليمان عليه السلام من السحر. وردت هذه القصص في سورة البقرة آية رقم 102, يقول الله تبارك وتعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)الآيتين البينتين اللتين سبقتا هذه الآية الكريمة تحكيان فصلا من فصول قصة بني اسرائيل على مدار التاريخ, وقصة يهود من أعجب وأغرب قصص الأقوام والأمم, ولا تجد لها مثيلا ولا شبيها بين الشعوب, لاتسامها بسمات معينة, وصفات محددة عنوانها الشرور والآثام والجحود والنكران, والغدر وانعدام الوفاء. لقد كان من شأن بني اسرائيل أن أرسل الله تعالى اليهم الأنبياء والرسل العدد الكثير كي يستقيموا على الصراط ويلتزموا جانب الهداية ويحجموا عن كل شرّ وفتنة, وتلك رحمة من الله تعالى بعباده وخلقه, الا أنهم بما جبلوا عليه من السوء والشر أخذوا الأمر على غير حقيقته, وبعد أن كانوا شعب الله المختار في ذلك الزمان, غضب الله عليهم ولعنهم لقتلهم الأنبياء بغير حق. انّ يهود المدينة المنورة كانوا يقولون للأوس والخزرج أنهم أصحاب كتب ديانة سماوية وأنهم أهل كتاب, وهذا صحيح, وكانوا ينذرونهم بمجيء نبي آخر الزمان. محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة بأوصافه وعلاماته وهذا صحيح لا جدال فيه لقوله عزوجل على لسانه نبيه عيسى عليه السلام: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) لقد عجّل نفر من الأوس والخزرج الايمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه بيعة العقبة في مكة, ثم نقلوا اصول الدعوة الى أهلهم وذويهم في المدينة, كما حمّلوا لواء الجهاد في سبيل الله من بعد فكانوا أنصار الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وحين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة استمسك اليهود بما هم عليه من انحراف في العقيدة وضلال في السلوك الحياتية, ولم يتابعوه على الاسلام وهم يعلمون أنه دين الحق من ربهم, فعاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم على التعايش من غير اضرار طرف بالآخر أو الاساءة اليه وأقرهم على ما اختاروه لأنفسهم, من منطلق قوله عزوجل: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256), وقوله عزوجل: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6). ولأنّ الغدر طبعهم, فقد تحيّنوا الفرص لنبذ العهود والمواثيق, ولم يكتفووا بذلك بل حاولوا بكل وسيلة رخيصة أن يتخلصوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاولوا سحره, والسحر حقيقة واقعة على مر التاريخ, معلمها الشيطان, ورائدها ابليس, ومن جنده وأعوانه النفاثات في العقد اللواتي أمرنا الله عزوجل أن نستعيذ به منهنّ ومن شرورهنّ كما ورد في سورتي الفلق والناس. أما كيف تعلم اليهود السحر؟ فلهذا قصة تتلخص في أنّ سيدنا سليمان عليه السلام أعطاه الله تبارك وتعالى الملك والحكم والنبوة والحكمة والسلطان ما يؤته أحدا من العالمين من قبله, ولأنّ سليمان عليه السلام عبدا من عباد الله الصالحين فقد أيقن بداخله أنّ كل تلك النعم انما هي ابتلاء من الله تعالى واختبار, لقوله عزوجل على لسان عبده الصالح سليمان عليه السلام: قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومن جملة ما ابتلي به عليه السلام تسخير الجن له بأعمال خارقة ليست في مستطاع البشر ولا مقدورهم, واستخدمهم في أغراض شتى في سبيل الخير والحق. ومن ما سخر له عليه السلام الشياطين من كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37), بنّاء: يرفع شامخ القصور في أقل من طرفة عين, وغوّاص: يهبط الى أعماق البحار والمحيطات يستخرج دفينها من اللؤلؤ والمرجان والأحجار الكريمة, وآخرين مقرّنين في الأصفاد وهم نوع ثالث سلسل في الأغلال والقيود, وحبسوا عن الحركة لخطورتهم وآذاهم وعداوتهم للانسان. انّ شياطين الجن المقرنين في الأصفاد لا يملكون سوى ألسنتهم الطويلة التي تتجاوز محبسهم الى النفوس الضعيفة من بني اسرائيل الذين لم يؤمنوا بنبوة سليمان عليه السلام, فوسوست لهم شياطين الانس والجن كلاما كثيرا حول ملك سليمان عليه السلام, وأوهموهم أنه عليه السلام حصل على سلطانه بالسحر فاعتقدوا ذلك وأخذوا يتلقون تباعا اصول هذا الفن جيلا بعد جيل وانكبوا على دراسته واتقانه سواء في أورشليم (بيت المقدس) بعدـ أن شرّدهم بختنصر ملك بابل والذي عرف بسبي بابل. انّ مدينة بابل تقع في أرض العراق عند حدود فارس (ايران اليوم) وهي مدينة تاريخية عريقة, ولقد غزا أحد ملوكها ويدعى يختنصر أرض فلسطين وشرّد أهلها تشريدا قبيحا وسباهم سبيا فظيعا, لا يزال التاريخ يذكره الى يومنا هذا, ولو أنّ اليهود اتعظوا بما نالهم وأصابهم لكان خيرا لهم, الا انهم أغرقوا في الفتنة فعاودتهم شرورهم وآثامهم حتى في أرض بابل وأمعنوا في تعلم السحر واستخدامه أسوأ استخدام, وتفشى هذا الداء الوبيل والمرض الخطير فيهم حتى أصبح شغلهم الشاغل وقاعدتهم في كل شأن من شؤون حياتهم في المأكل والملبس والمشرب الحرام, وفي الكسب الغير المشروع وياذاء السر والعائلات, وقطع كل أصرة اجتماعية بين بني البشر واستغلال العقول, فكان الكفر بعينه وذاته. وكان لابد من مقاومة هذا التيار الشيطاني بتيار ملائكي, لكشف أساليب اليهود وألاعيبهم ومكرهم وخداعهم, فبعث الله عزوجل الملكين هاروت وماروت فتنة وابتلاء ليميز بهما الخبيث من الطيّب منهم, ولكن كما نعلم فانّ قلوب اليهود مشرئبة بحب الشر والميل الى الكفر, لذا راحوا يتعلمون أيضا من الملكين ماكان ينقصهما من أساليب السحر ذلك الفن الرخيص وظلوا على ولائهم للشيطان. وهاروت وماروت ملكان انزلهما الله تعالى الى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختبارا لعباده وامتحانا لهم, وقال الحسن البصري رحمه الله في تفسير هذه الآية: نعم أنزل الله الملكان ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله أن يبتلي به الناس, فاخذ عليهم الميثاق ألا يعلما أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر, أي بلاء ابتلينا به فلا تكفر. ويتعلمون أيضا من هاروت وماروت من علم السحر ما يفرق الرجل عن زوجته, وهذا من صنيع الشياطين لقوله صلى الله عليه وسلم: انّ الشيطان ليضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم منزلة عنده أعظمهم فتنة, يجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته يقول كذا وكذا, فيقول ابليس: لا والله ما صنعت شيئا! ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرّقت بينه وبين أهله, قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول: نعم أنت. انّ سبب التفريق بين الزوجين بالسحر ما يخيّل الى الرجل أو المرأة سوء منظر أو خلق تجاه أحدهما للآخر اأو نحو ذلك من الأسباب الباعثة للفرقة. وهكذا... نرى أنّ اليهود أصل من أصول الشر على الأرض والفساد فيها, فقد توسعوا من القدم في تعلم السحر واتقانه ونشره في آفاق الدنيا وبين الناس. والله وحده أعلم
| |
|