ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 مفهوم الوحدة الوطنية والعوامل المؤثرة عليها

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

مفهوم الوحدة الوطنية والعوامل المؤثرة عليها Empty
مُساهمةموضوع: مفهوم الوحدة الوطنية والعوامل المؤثرة عليها   مفهوم الوحدة الوطنية والعوامل المؤثرة عليها Emptyالإثنين أكتوبر 13, 2014 3:29 am

مفهوم الوحدة الوطنية والعوامل المؤثرة عليها SQQ9Wd
مفهوم الوحدة الوطنية والعوامل المؤثرة عليها
يتألف مفهوم الوحدة الوطنية من عنصري الوحدة والوطنية، وأن اندماج هذين العنصرين يشكل هذا المفهوم، فالوحدة تعنى تجميع الأشياء المتفرقة في كل واحد مطرد، أما مفهوم الوطنية فقد اختلف فيه الباحثون، فبحسب رأى البعض أن الوطنية هي انتماء الإنسان إلى دولة معينة، يحمل جنسيتها ويدين بالولاء إليها، على اعتبار أن الدولة ما هي سوى جماعة من الناس تستقر في إقليم محدد وتخضع لحكومة منظمة ([1])، ويرى البعض الآخر من الباحثين أن الوحدة بمفهوم الفكر السياسي المعاصر هي اتحادا اختيارياً بين المجموعات التي تدرك أن وحدتها تكسبها نمواً زائداً، وميزات اقتصادية وسياسية، تعزز مكانتها العالمية([2]).
كما رأى آخرين أن مفهوم الوطنية استمد من مفهوم كلمة الوطن الذي هو عامل دائم وأساسي للوحدة الوطنية، ومنها كانت كلمة وطني، وهى ما يوصف بها كل شخص يقيم في الوطن كتعبير عن انتمائه لمجتمعه وتفانيه في خدمته والإخلاص له، والأساس في الوحدة الوطنية هو الإنسان الذي يعيش في الوطن، والذي ارتبط به تاريخياً واجتماعياً واقتصادياً، وكان اختياره لهذا الوطن عن طيب خاطر([3])، لكن يرى آخرون أنها تعنى حب الوطن بسبب طول الانتماء إليه، وأنها تختلف عن القومية بما تعنيه من حب للأمة بسبب ترابط أفرادها ببعضهم البعض، بسبب الاعتقاد، أو وحدة الأصل، أو الاشتراك بالغة والتاريخ والتماثل في ذكريات الماضي، لكن هناك توافق بين الوطنية والقومية على اعتبار أن حب الوطن يتضمن حب الأرض والوطن، وأن الوطنية تنطبق على القومية بشرط أن يكون الوطن هو مجموع الأراضي التي تعيش عليها الأمة وتدير سياستها الدولة، ومثال عليها انطباق الوطنية العربية على القومية العربية، إضافة إلى انطباق القومية الألمانية على الوطنية الألمانية في كل من جزأي ألمانيا (الشرقية، والغربية) خلال فترة الحرب الباردة، ورغم ذلك قامت بينهما علاقات دبلوماسية دولية، كما لو كانتا دولتين مختلفتين تماماً ([4]).
ويرى البعض أن الوطنية تختلف عن القومية، على اعتبار أن الوطنية هي العاطفة التي تميز ولاء الإنسان لبلده أو قبليته أو شعبه سواء أكان ذلك في العصور القديمة أم الحديثة، وأن الولاء يأتي من خلال الاتصال بالعوامل الطبيعية والاجتماعية، وهى لا تقتصر على جماعة دون أخرى، وهى تنظر بشكل دائم للماضي، أما القومية فهي تعنى الخطة الدائمة نحو مستقبل الأمة، وأنها تقتصر على مجموعة من الناس لهم كيان الأمة، فقد تقوم في ظل القومية الواحدة أكثر من دولة لكل منها استقلاليتها، وفى هذه الحالة يصبح لكل منها وطنيتها الخاصة بها، بينما القومية تضم كل الدول المتفرقة وتدفعها جميعاً إلى الارتباط برباط عام، وشامل مستمد من مفهومها، وعلى ذلك تجمع القومية عدداً من الوطنيات، ولكن تظل الوطنيات قائمة ولا تنصهر بشكل كلي فيها، ومثال على ذلك وطنيات الدول العربية([5]).
لكن الوحدة الوطنية والوحدة القومية تشتركان في بعض المقومات التي تعتبر ضرورية لقيامها، مثل العنصر البشرى، واللغة المشتركة، والانتماء القومي والحضاري، بيد أن القومية لا ترتبط بالضرورة بوجود الأرض مثل القومية اليهودية، ألا أن الوطنية لا تقوم إلا بوجود مجموعات بشرية مرتبطة بإقليم محدد([6])، والوطنية حسب تعريف الثورة الهولندية (1787) هي: "إظهار الحب للبلد من خلال الرغبة بالإصلاح والثورة "([7])، وحسب تعريف هارت: "الوطنية هي: حب الإنسان لبلاده، وولاءه للأرض التي يعيش عليها" ([8]).
نلاحظ مما سبق أن الوطنية هي: شعور عاطفي بالحب للبلد أو الإقليم الذي يعيش عليه الفرد، أما القومية فتختلف عنها في أنها : تتقيد بالحب للأمة التي ينتمي إليها الفرد بغض النظر عن الإقليم الذي تعيش فيه هذه الأمة، لأنها لا ترتبط بوجود الإقليم.
وقد اختلف تعريف الوحدة الوطنية عبر التاريخ، كما اختلف بين الباحثين المحدثين، نتيجة لاختلاف الثقافات والبيئة الخارجية الدولية، فقد رأى ميكافيلى أن مفهوم الوحدة الوطنية هو : ارتقاء الحاكم في الدولة إلى درجة القداسة، لأنه محور الوحدة الوطنية في الدولة، وإذعان المحكومين لهذا الحاكم وخشيته من ضرورات هذه الوحدة، لأن الأخذ بآرائهم سيؤدى إلى الفوضى والاضطراب، لأنهم لا يمكن أن يكونوا طيبين إلا إذا اضطروا لذلك، ولا تختلف الوحدة الوطنية عن الوحدة القومية في ذلك([9])، إلا أن ماتزينى يرى أن الوحدة الوطنية هي وعي المحكومين جميعاً بانتمائهم للأرض التي يعيشون عليها واتحادهم وارتباطهم بها([10])
ويرى هوبز أن الوحدة الوطنية : هي سيطرة الدولة وزيادة مقوماتها من خلال الحكم المطلق الذي سيسهم في إضعاف المناوئين لها أو المنافسين لها، كما يجب على الدولة غرس صفات الولاء وحب الوطن عند الأفراد عن طريق برامج التعليم والتدريب والتوجيه السياسي([11]).
أما عند روسو فالوحدة الوطنية : هي قيام عقد اجتماعي بين الشعب والنظام السياسي القائم، بحيث يتوحد الشعب في وحدة قومية مصيرية، وفى إطار من مسؤولية مشتركة يطيع فيها الفرد الحكومة، التي هي نظام اجتماعي ارتضاه عن طواعية واختيار، والربط بين السيادة في توحيد الشعب وقيمه، والتعبير عن إرادته المندمجة في الإدارة العامة، التي هي محصلة إرادات الأفراد، والتي تختلف في مجموعها عن الإرادات الفردية على اعتبار أنها ليست تعبيراً عن شيء عفوي طارئ، وإنما هي تعبير عن الوطنية التي تستند إلى القيم والمثاليات، وتقترن هذه الوحدة بالديمقراطية من خلال حكومة ديمقراطية يستطيع الشعب في ظلها أن يجتمع، وأن يتمكن كل مواطن من التعرف على غيره من المواطنين([12]).
والوحدة الوطنية عند هيجل هي طاعة القانون في إطار الحرية الممنوحة منه على أن يتوافق القانون مع منطق العدل الذي هو منطق التاريخ، وقد فسر هيجل هذا التعريف من خلال فلسفته التي رمى فيها إلى تمجيد القومية الألمانية، وتأكيده أن رسالة الشعب الألماني تجاه العالم هي رسالة مقدسة، وقد كان لهذه الفلسفة دوراً كبيراً في قيام حركة وحدة ألمانيا، التي تحققت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر([13]).
أما الوحدة الوطنية عند فيختيه فهي اعتبار اللغة العامل الأول في تكوين الشعب الألماني وتاريخه وثقافته القومية، على اعتبار أن ثقافة هذا الشعب هي ثقافة نقية أصيلة، فالشعب الواحد يتكون من خلال اللغة القومية الواحدة([14]).
وعند رينان الوحدة الوطنية هي الاشتراك في تراث ثمين من الذكريات الماضية مع الرغبة في العيش المشترك والحفاظ على التراث المعنوي المشترك والسعي لزيادة قيمة ذلك التراث([15])، وعلى أساس هذا التعريف نرى أن الوحدة الوطنية تتمثل في أمرين : الأول يتعلق بالماضي، والآخر يتعلق بالحاضر، أي أنها قيم روحية وأخلاقية قبل كل شيء، لأن الوحدة الوطنية تظهر في الأمة التي تشترك في أمجاد الماضي من ناحية، ورغبات الحاضر، وآمال المستقبل من ناحية أخرى، كما أن الآلام المشتركة تربط وتوحد الأفراد أكثر مما توحدهم الأفراح المشتركة.
والوحدة الوطنية عند ماركس: هي القضاء على الصراع والانقسام بين الأفراد في المجتمع، من خلال القضاء التام على الملكية الخاصة التي كانت السبب في صراعات الماضي، لأن وجود تفاوت طبقي اقتصادي في المجتمع هو السبب في ذلك الصراع وتلك الانقسامات، ويتحقق القضاء على الملكية الخاصة والتفاوت الطبقي الاقتصادي من خلال سيطرة البروليتاريا على مقاليد الحكم في الدولة، وتحويل الإنتاج إلى الملكية العامة للمجتمع، وتفسير حالة الصراع والانقسام بنظره، أن تقسيم العمل قد أنتج الطبقات الاجتماعية التي يقوم التمايز بينها على أساس التخصص في العمل والإنتاج، ويقع التناقض الأساسي بين طبقتين، تسعى كلا منهما للسيطرة على المجتمع وتسخيره لحاجتها، ولكن اتساع الهوة بينهما في النهاية سيؤدى إلى الصدام الحتمي والمصيري أي بين الطبقة التي تملك قوة العمل وبين الطبقة التي تسيطر وتتحكم في هذه القوة([16]).
ويرى "لينين" أن الوحدة الوطنية هي تحقيق المساواة التامة في الحقوق بين الأمم، وحق الأمم في تقرير مصيرها، واتحاد عمال جميع الأمم كلهم هو البرنامج القومي للعمال والفلاحين والمثقفين الأمميين، وعلى هذا الأساس تتحقق الوحدة الأممية([17])، أما ستالين فله تعريفان للوحدة الوطنية : أما تعريفه الأول فهو يرى أن اشتراك الأفراد في اللغة والأرض والحياة الاقتصادية أو في التكوين النفسي الذي يتجلى في الخصائص التي تصف الثقافة القومية، ويكون ذلك الاشتراك من خلال استقرار الأفراد تاريخياً على أرض محددة([18])، أما تعريفه الثاني فهو يرى أنّ إلغاء جميع الإمتيازات القومية لأفراد الدولة من خلال قانون يسرى على جميع أنحاء الدولة، ويمنع كل تقييد على حقوق الأقليات مهما كان أصلها أو دينها سيحقق ذلك الوحدة الوطنية([19]).
وقد ارتأى لوك أن الوحدة الوطنية : هي قيام سلطة عامة يقبل بها جميع أفراد الشعب وفق إيراداتهم الحرة، فتكون السيادة للشعب، ويجب أن ياتى الحكام من الشعب، وأن تتطابق مصالحهم وإيراداتهم مع مصالح وإيرادات الشعب([20]).
والوحدة الوطنية عند انجل: هي نوع من التكامل التفاعلي المستمد من علاقات التأثير والتأثر المتبادل بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها، وبين الجماعات بعضها مع البعض الآخر، والمستمد من كل ما من شأنه أن يزيد من تماسك الأفراد والجماعات ويدعم تضمانهم الداخلي([21]).
وعند بلاك الوحدة الوطنية : هي البوتقة التي انصهرت فيها القوميات والجماعات الثقافية ذات اللغات المتعددة والأديان المختلفة([22]).
لكن يرى الباحث الكندي "غلين ويكشفن"، أن الوحدة الوطنية هي الأثر الذي يحدث نتيجة أسباب معينة في المجتمع، حيث تقود هذه الأسباب إلى ترابط الشعب مع بعضه البعض؛ بحيث يمنع هذا الترابط أي دعوات انفصالية في البلاد، وأنه لإدامة الوحدة الوطنية لابد من معرفة الأسباب التي تؤدي إلى تدميرها، مثل انعدام الأمن،وتأكيد المصلحة الخاصة على المصلحة العامة،والتمييز بين المواطنين من قبل الحكومة، ووجود محسوبية في أجهزة الدولة، كما يرى نفس الباحث أن زيادة الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية ليس حلاً لتحقيق الوحدة الوطنية، بل إن أفضل الحلول هو: التأكيد على الحريات الفردية للمواطنين([23]).
كما عرفها عدداً من الباحثين العرب، لكن اختلفت تعريفاتهم حولها أيضاً، بسبب اختلاف ثقافاتهم وتأثر المعاصرين منهم بالمدارس الفكرية الغربية، واختلاف أيديولوجياتهم السياسية، وأوضاع الدول العربية التي نشأوا فيها، فقد رأى أبو حامد الغزالي أن الوحدة الوطنية تتحقق من خلال الحاكم (الإمام) ؛ لأنه هو أساس وحدة الأمة، وأنه محور اتفاق الإدارات المتناقضة، والشهوات المتباينة المتنافرة من خلال جمعه لها حول رأى واحد، بسبب مهابته وشدته وتأييد الأمة له من خلال تعاقد سياسي بينهم وبينه على شرط أن يقوم هذا التعاقد على الرضي لا على الإكراه، وهذا سيؤدى إلى القضاء على التشتت والتضامن في الجماعة من أجل السلطة([24]).
وبحسب رأي محمد سليمان الطماوى أن الوحدة الوطنية هي قيام رابطة قوية بين مواطني دولة معينة، تقوم على عناصر واضحة يحس بها الجميع ويؤمنون بها، ويستعدون للتضحية في الدفاع عنها([25]).
ويرى جواد بولس: "أنها تعنى التعايش بين المجموعات الدينية والعرقية داخل الدولة "([26]).
أما عبد العزيز الرفاعى، فيرى أنها تجمع كل المواطنين تحت راية واحدة من أجل تحقيق هدف سام هو فوق أي خلاف أو تحزب في ظل ولاء أسمى يدين به كل فرد من أفراد المجتمع، ويحكم انتمائه للوطن، بحيث يجب هذا الانتماء أي انتماء طائفي أو مذهبي([27]).
وهى عند عبد الرحمن خليفة تعني : عدم وجود صراع محلي في المجتمع أو عدم وجود تفاعلات تتصف بالعنف([28]).
وعند عادل محمد زكى صادق هي : حاصل لإيرادات مجموعات بشرية مختلفة النزعات والغايات والمصالح، رأت أن في صالحها قيامها، وبناءاً على ذلك فهي محصلة مجموع الإرادات المختلفة، وهى صورة حقيقية وصادقة لجميع الاتجاهات والأبعاد، وهذا يعطيها قوة وسلطة تستطيع أن تعكس كل ما كان يحمل في نفوس هؤلاء الأفراد المختلفين في أصولهم ونزعاتهم، وقد جمعتهم الأرض الواحدة، وقام بينهم اقتناع شامل بإبعاد كل ما يعترى علاقاتهم من تناقضات وصراعات وانفعالات ويعملون من أجل غاية واحدة([29]).
ويرى محمد عمارة أن الوحدة الوطنية هي التآلف بين أبناء الأمة الواحدة من خلال الروابط القومية على أساس من حقوق المواطنة التي ترفض التمييز والتفرقة بين أبناء الأمة بسبب المعتقد والدين([30])، كما يرى عبد الرحمن الكواكبى أنها : تجمع الناس على أساس قومي بغض النظر عن الاختلاف في العقائد والمذاهب الدينية([31]).
ويعتبر التكامل القومي مرادفاً للوحدة الوطنية وقد عرفه آخرون بأنه تجميع الجماعة المتباعدة من المجتمع ودمجها في كل أكثر تكاملاً أو محاولة خلق قومية واحدة من عدة جماعات صغيرة من خلال ربط الجماعات وتحقيق التماسك فيما بينها، ويكون الغرض من التكامل القومي هو التحول بالولاء من المجتمعات الصغيرة المتعددة إلى المجتمع الكبير الواحد([32]).
ويرى عبد السلام إبراهيم بغدادي أن الوحدة الوطنية هي وجود نوع من الاتفاق والوفاق على ثقافة وطنية مشتركة وإطار من التفاعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين النظام السياسي وأعضاء الجماعة الوطنية من جانب، وبين الجماعات الإثنية المختلفة (بعضها عن بعض) من جانب آخر، بحيث يتحقق التفاعل والتلاحم بين جميع أعضاء الجماعة الوطنية (عموم سكان دولة)، بغض النظر عن انتماءاتهم الإثنية المختلفة (بين أغلبية وأقليات ) أو خليفاتهم الثقافية السياسية الفرعية أو انتمائهم الإقليمية أو القبلية([33]).
كما أورد نفس الباحث السابق تعريفاً آخر للوحدة الوطنية، حيث عرًفها بأنها الظاهرة أو الواقعة الاجتماعية التي تتجسد في تفاعل وتواصل جميع أعضاء الجماعة الوطنية، أي جميع سكان الدولة من أجل تحقيق أهداف مشتركة تخدم مصالحهم جميعاًُ، دون أن يعنى ذلك إلغاء الخصوصيات الفرعية لبعض أعضاء الجماعة الوطنية (عموم السكان) من جانب، وبما يميزهم ككل من جانب آخر عن غيرهم من الجماعات الوطنية الأخرى بسمات ثقافية معينة، بحيث لا تشكل تلك الخصوصيات الفرعية عائقاً أو مانعاً، أمام إظهار جميع أعضاء الجماعة الوطنية الواحدة، أي أبناء الوطن الواحد (أغلبية أو أقليات) في هوية ثقافية وطنية واحدة أو مشتركة، إزاء غيرهم من الجماعات الوطنية الأخرى أي أبناء الأوطان أو الدول الأخرى([34]).
وبناءً على هذين التعريفين يكون مفهومنا المعتمد للوحدة الوطنية، لكن بعد أن نزيد عليهما عنصر آخر وهو أن يكون عنصر هوية الجيش ( المؤسسة العسكرية) منبثقاً من الشعب بحيث يتحقق الاندماج والانصهار بين المؤسسة العسكرية وأفراد الشعب بجميع فئاتهم، وعلى هذا الأساس تكون الوحدة الوطنية حسب مفهوم هذه الدراسة بأنها تعني : تحقيق التفاعل والتلاحم والتعاضد بين جميع أفراد الشعب بغض النظر عن انتماءاتهم الأيديولوجية أو الثقافية أو الدينية أو المذهبية أو الإثنية أو اللغوية أو الإقليمية أو الطبقية أو العشائرية بما يساهم في تحقيق الأهداف التالية:
احترام وحدة البلاد ولغتها الرسمية (لغة الأغلبية، وثقافتها الوطنية)
تحقيق الحرية والعدالة والمساواة لجميع فئات الشعب أمام القانون.
تحقيق التفاعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين الشعب والنظام السياسي بما يحقق الرفاهية الاقتصادية للفرد والمجتمع.
التأكيد على الهوية الوطنية للجيش (المؤسسة العسكرية) على اعتبار أنه ملك للجميع ولا يخص فئة معينة من فئات المجتمع.
وسيوضح المطلب الثاني جزئيات كل عنصر من هذه العناصر ومدى أهميته بالنسبة لمفهوم الوحدة الوطنية التي اعتمدتها هذه الدراسة، على اعتبار أن أي خلل في أي جزء من جزئيات أي محدد (مؤشر) من هذه المحددات سيضعف هذا المحدد في تأثيره الإيجابي على الوحدة الوطنية في الدولة، كما أن تكامل هذه العناصر وبالتالي تكامل المحددات فيما يتعلق بالمفهوم المعتمد في الدراسة سيقود إلى تحقيق الوحدة الوطنية في الدولة.
نلاحظ مما سبق أن هذه الدراسة قد أوضحت اختلاف مفهوم الوحدة الوطنية في الدولة بين المنظرين والقادة السياسيين، بسبب اختلاف أيديولوجيات وثقافات وبيئات كل هؤلاء عن بعضهم البعض، لكن اتفقوا جميعاً على أن الوحدة الوطنية، هي انصهار جميع أبناء الشعب في بوتقة واحدة وكيان واحد، وعدم وجود أي صراع فيما بينهم، بحيث يؤمن الجميع أنهم أبناء وطن واحد، إلا أن وسيلة تحقيق ذلك قد اختلف معظم الباحثين حولها، فبعضهم رأى أن اللغة هي مصدر الوحدة الوطنية،وبعضهم الآخر رأى أن إيمان الشعب بالحاكم وطاعته هي أساس هذه الوحدة، وبعضهم رأى أن الإرادة الحرة للأفراد هي التي تصنع الوحدة الوطنية، وآخرون رؤوا أن إنهاء الصراع الطبقي في المجتمع هو السبيل إليها، وعلى هذا فان للوحدة الوطنية هدف واحد لكن وسائلها قد اختلفت باختلاف الباحثين نتيجة اختلاف أوضاعهم عن بعضهم البعض.

العوامل المؤثرة على الوحدة الوطنية
أولاً: العوامل الإيجابية
ثمة عوامل إيجابية عديدة تساهم في تقوية الوحدة الوطنية في الدولة، وتساعد على بروزها، وإن عدم وجود إحدى هذه العوامل أو مجموعة منها أو جميعها، سيزيد من ضعف الوحدة الوطنية في الدولة، وأهم هذه العوامل هي:
1- دور النظام السياسي في تحقيق الوحدة الوطنية من خلال عدة وسائل أهمها([35]):
الأدوات العسكرية من خلال الجيش الذي يسهم في تحقيق التكامل بين أفراد الشعب الواحد.
الأدوات الثقافية من خلال إيجاد نظام واحد للقيم، فعلى سبيل المثال اتبعت نيجيريا التي تتألف من أكثر من 50 ألف مجموعة سكانية (عرقية، دينية، عشائرية، إقليمية...... الخ) أسلوب، الاهتمام بالمتاحف التراثية لنيجيريا، فرغم أن بعض المتاحف لا يمثل سوى واحد بالمائة من السكان، إلا أنه يساهم في إحساس الفرد النيجيري أنه ذو تاريخ موحد وعريق، وهذا له دور إيجابي في تحقيق الوحدة الوطنية في الدولة([36]).
الأدوات الاقتصادية: من خلال المساواة بين أفراد الشعب وخلق حالة من الرضى بغض النظر عن الأصول السلالية.
الأدوات السياسية والإدارية: من خلال خلق قنوات الاتصال الحكومية والسياسية الفعالة والقادرة على إقامة الصلة بين المواطنين والدولة، وضمان تمثيل الأقليات القومية الإثنية المختلفة في هذه المؤسسات.
كما أن قيام القائد السياسي بإقامة مؤسسات مركزية قوية، ومحافظة على الوحدة الوطنية، ومساهمته في تطوير المجتمع، وأنظمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وترفعه فوق الاعتبارات الطائفية، والعشائرية، والإقليمية، والعرقية، والمصلحية، سيكون له، دور في إيمان الشعب به والتفافه حوله، مما يساهم في زيادة قوة الوحدة الوطنية، إضافة إلى أن فعالية الجهاز الإداري في السلطة التنفيذية للدولة، له دور في تنفيذ مخططات الدولة وقراراها، فدوره في التنفيذ سيؤدي إلى تقوية فكرة الوحدة الوطنية، كما أن له دور في تجميع فئات الشعب بغرسه لمشاعر الولاء للوطن والانتماء إليه من خلال تحقيقه للعدل بين الجميع([37]).
كما يقع على الدولة عاتق أن تسعى لإنهاء الولاءات العصبوية من خلال تبني علاقات سياسية واجتماعية أعلى من البناء العصبوي وهذا يتحقق من خلال([38]) :
فك حالة التعبئة النفسية والاحتقان العصبوية في المجتمع.
تفكيك بنى العصبيات.
إعادة الشعور بالاطمئنان والثقة وبالتوازن إلى الجميع على نحو ينتهي معه الخوف من الآخر ويتولد فيه الشعور بأن الدولة هي دولة الجميع، والوطن كيان مشترك للجميع، وبذلك تتولد كل أسباب الحماسة للمشاركة الإيجابية والفعالة في تطوير الحياة الوطنية على قاعدة الشعور بالاندماج الاجتماعي، فتتحول المنافسة السياسية بدلاً من حرب أهلية إلى مباراة سياسية نظيفة، يحكمها القانون الذي يرضى الجميع، بكل قواعده والتي يوافق ويجمع عليها بشكل طوعي حر، ويتحقق ذلك من خلال تصحيح قواعد السلطة في الدولة، وانتهاج الديمقراطية، واتخاذ موقع الحياد الكامل مع جميع الفئات، وعلى هذا الأساس تستطيع أن تمارس دوراً توحيدياً وتمنع الأحزاب من استغلال العصبيات في العمل السياسي من خلال الدستور والقانون والأمن وأن تجرم من يقدم على ذلك.
2- التمازح العنصري بين أفراد الشعب
ويكون ذلك من خلال التزاوج والتداخل بين أفراد الشعب بكل مكوناته العرقية والدينية المختلفة، ورغم أن هذه العملية قد تطول لتؤتي ثمارها إلا أنها يجب أن تتم من خلال التوافق والتراضي([39])، وأن يسبقها عملية استيعاب لهذه الأقليات العرقية، بهدف الوصول تدريجياً إلى امتصاص وهضم هذه العناصر الحضارية والثقافية وتياراتها الاجتماعية المغايرة للأغلبية أو للعناصر الأصلية، في بوتقة واحدة، مثل الولايات المتحدة، واستراليا، ونيوزلندا، الذين استطاعوا صهر جميع العناصر الوافدة في بوتقة واحدة.
3- التوافق الديني والطائفي والعرقي بين أفراد الشعب
إن الانتماء لطائفة أو لدين معين يولد نوعاً من الشعور بالوحدة بين الأفراد الذين ينتمون إليه، ويثير في نفوسهم بعض العواطف والنزاعات الخاصة التي يكون لها تأثير كبير على أفكارهم وأعمالهم، فالدين كان له الدور الأكبر في وحدة المسلمين في المعارك الكبرى، وله الدور الأكبر في تحقيق إمبراطوريتهم الشاسعة([40]).
أيضاً يسهم انتماء أفراد الشعب لعرق واحد في شعور الأفراد بالوحدة فيما بينهم، بسبب سماتهم البيولوجية أو اللغوية أو الدينية أو العادات ؛ فيشعر الجميع أنهم ينتمون إلى هوية مشتركة مختلفة عن الآخرين([41])، وهذا ينمي روح الوطنية عندهم، فانتماء الدويلات الألمانية قبل الوحدة الألمانية لعرق واحد هو العرق الآري قد ساهم في وحدة ألمانيا.
4- دور التعليم والثقافة والتربية
للتعليم والتربية دور في تحقيق الوحدة الوطنية من خلال التعريف بتاريخ البلاد والأمم، ودراسة النظام السياسي، والشعوب والدول، وتعريف الأفراد بحقوق وطنهم وحقوقهم، وهو ما يمكن أن يحدث نوعاً من الوعي لدى أفراد الشعب، بأنهم ينتمون لدولة واحدة، تتخطى الجماعات الصغيرة، كالعائلة أو القبيلة أو القرية، ووسيلة ذلك هي المدرسة التي تساعد على إحساس مشترك بالوحدة الوطنية، وأن يحل الولاء للدولة محل الولاء للقومية. فالمدرسة تغرس في نفوس طلابها روح الحوار والمناقشة في كل ما كون عليه خلافاً في الرأي، وهذا سيعودهم على المناقشة لأمورهم الهامة، وسيطور الإحساس بالتسامح إزاء الآخرين المخالفين لهم، خاصة إذا عملت المدرسة على إسقاط كل ما من شأنه أن يزيد الحساسيات بين فئات المجتمع، في مناهجها المدرسية، حتى وإن كانت تلك الأحداث صحيحة([42])، وحقيقة تاريخية، لأن القلوب لا تتفق إلا إذا اعتادت الوئام منذ الصغر.
كما أن الثقافة الواحدة بما تشمله من أدب وعلم وتربية ؛ تعبر عن الجانب المادي والروحي في المجتمع، على اعتبار أن الحياة الاقتصادية، والاجتماعية للأفراد تتأثر بمعتقداتهم الجماعية وأسلوبهم ووسيلتهم في تنظيم سلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم وفنونهم، كما يكون تناقل الثقافة من جيل لآخر، وتأثر الأجيال بها من خلال اكتساب الفرد للخصائص الثقافية لجماعة أخرى، بالاتصال والتفاعل، وهذا سيجعلها مصدر قوة دافعة لإحداث التماسك والترابط داخل الجماعة، وقياداتها الذين يتصرفون وفق ثقافتهم الخاصة، كما تؤثر الثقافة في سلوك الفرد وقيمة السياسية([43])، ولها دور في تحقيق التناسق والانسجام في أداء مختلف المؤسسات والتنظيمات المشرفة على النظام السياسي، وعلى استراتيجيته في تحقيق الوحدة الوطنية.
5- دور اللغة والأعراف والعادات والتقاليد
للغة دور مهم لتحقيق الوحدة الوطنية بين أفراد الشعب، لأنها تقاربهم في الفكر وتجعلهم يتماثلون ويتعاطفون أكثر من سواهم ممن يتكلم لغات أخرى وتصبح هذه اللغة سمة مميزة لهم من خلال جعلهم متماثلي التفكير والشعور بالانتماء داخل جماعة واحدة؛ لأن اللغة هي واسطة التفاهم ووسيلة التفكير ونقل الأفكار والمكتسبات من السلف إلى الخلف، وهي العامل الأول في تنمية وتقوية الروابط العاطفية والفكرية بين الفرد والجماعة، فهي تزيد مجالات النشاط الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وبذلك تساهم في فعالية الوحدة الوطنية([44]).
كما أن توافق عادات أفراد المجتمع سيحدث التجانس في تصرفاتهم ويقوي الروابط بينهم، إضافة إلى أن الأعراف التي يشترك فيها أبناء الشعب، من أفكار وآراء ومعتقدات نشأت عبر تاريخهم المشترك، وهذا ما ينعكس على أعمالهم وسلوكهم، ويخضع الأفراد لها في فكرهم وعقائدهم، فهي تمثل دستور لهم له قوة التوحيد عندهم، لكنه دستور غير مكتوب، إلا أنه يساهم في تمسكهم به، وبالتالي سيساعد على تحقيق الوحدة الوطنية في المجتمع، أيضاً التقاليد بما تمثله من مجموعة من قواعد السلوك الخاصة، عندما يشترك فيها أفراد المجتمع، فإنها تساعد على حل الصراعات والنزاعات فيه، وهذا يؤدي على زيادة قوة الوحدة الوطنية أيضاً ([45]).
6- دور التاريخ المشترك والأقاليم المشترك
يستمد أفراد الشعب من خلال التاريخ، مختلف التجارب التي تكون ذاكرته وأحاسيسهم من ذكرياته وأحداثه فالذكريات التاريخية، واستعادتها تساعد على تقريب النفوس، وتوحيد الصفوف لمواجهة المصير المشترك في المستقبل، ولاسيما في مقاومة العدوان على أرض الوطن، ذلك العدوان الموجه ضد الشعب بكل مقدساته القومية التي تربط بين الشعب وأجداده، وهذا ما فعله كل من بسمارك وغاليباردي، عندما وحدا ألمانيا وإيطاليا([46]).
كما أن وجود الشعب في إقليم واحد وعدم اتساع رقعة البلاد، وقصر المسافة بين الأقاليم التابعة للعاصمة التي فيها السلطة المركزية، يحول دون انفصال أجزاء الدولة، ويمنع أفراد الأقاليم من التفكير في الانفصال([47])، كما أن هذا القرب سيؤدي إلى بروز جماعة من الشعب الواحد التي تتماثل في العادات والطباع بين المواطنين؛ بسبب عدم وجود عوائق وفواصل طبيعية، وسيزيد من الاتصال والاندماج والمصالح المشتركة.
7- دور وسائل الاتصال الجماهيري
إن وسائل الاتصال الجماهيري من تلفزيون وراديو وصحف وسينما ومسرح، لها دور كبير في تخفيف حدة الصراعات والتناقضات الداخلية، ولها دور كبير في تقوية الشعور بالولاء والانتماء للدولة ككل، فهي تعمل على إقناع فئات الدولة المتمايزة، بأن الوطن فوق الاعتبارات العرقية والطائفية، ولا يوجد أي تعارض فيه ضد مصالحها، وتبرز كل ما هو مشترك بينها من لغة وتاريخ، وإقليم ومصالح، مما يزيد الثقة داخل المجتمع، وينهي روح التعاون بينهم، ويكون ذلك من خلال النخبة المثقفة داخل المجتمع.
كما أن هذا الجهاز له دور كبير في تزويد الشعب بآراء القيادات السياسية في الدولة، وتعظيم تصرفاتها إلى حد قبول الشعب بها، وهذا يجعلهم يقبلون بتلك القرارات، كما يبين حدود الاختلاف بين الشؤون العامة والشؤون الخاصة، ويزود القيادة السياسية، برغبات وتطلعات أفراد الشعب، إزاء العمليات السياسية([48])، وعلى هذا الأساس فله دور كبير في تضييق الهوة بين النخبة والجماهير، وله دوره في التنشية السياسية والتأثير على اتجاهات ومشاعر الشعب، وتنمية إدراكهم لدولتهم، وزيادة محبتهم بوطنهم، ومواجهة الدعاية الخارجية الضارة بالوطن.
8- دور المصالح الاقتصادية والأيديولوجية والسياسية بين أفراد الشعب
إن وجود المصالح الاقتصادية المشتركة بين أفراد الشعب سيعزز ترابطهم ويزيد من قوة وحدتهم الوطنية، كما أن وجود تنمية اقتصادية في الدولة سيسهم في تمسك الأفراد نظامهم السياسي، فاتفاقية (الزلفرين) بين الدويلات الألمانية هي التي وحدت الاتحادات الجمركية بينهم، ساهمت في تحقيق الوحدة الألمانية عام 1870([49])، وبالعكس من ذلك فضعف التنمية الاقتصادية، والعلاقات الاقتصادية بين الجورجيين والأبخاز ضمن الدولة الجورجية بعد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي، جعل الأبخاز يطالبون بالانفصال عن جسم الدولة، وتكوين دولة خاصة بهم([50]).
أيضاً ارتباط أفراد الشعب بأيديولوجية واحدة، أو بأيديولوجيات متقاربة؛ بحيث تحقق تلك الأيديولوجيات المصالح بين أعضائها، وتؤدي لسياسات مشتركة أو تهتم بقضايا مشتركة، تهم الوطن وتساعد على تنميتة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، سيساهم في تحقيق الوحدة الوطنية([51]).

ثانياً : العوامل السلبية
1- عدم التوافق الديني والطائفي و الإثنى والعشائري بين أفراد الشعب
إن وجود عدة أديان في الدولة، واستغلال السلطة السياسية للدين ؛ بغرض اللعب به كأداة في يدها، سيؤدي إلى صراعات دينية داخل الدولة، كما تؤدي الطائفية بما تعنيه من عزله دينيه لأفراد المجتمع، للقيام بتفكيك المجتمعات ؛ بسبب تكتل كل طائفة على نفسها، وهذا التكتل سيؤدي إلى اختلاف ثقافي وفوارق اجتماعية، وسيحدث صراعاً طائفياً في المجتمع([52])، بسبب العزلة التي تفرضها الطائفية على أفرادها، وجعلها إياهم يتعصبون، بما تحدثه من تأثير على عاطفة الفرد وتحركاته، وبما تنتجه من خوف وشك من الآخرين ؛ بسبب شعورهم بخطر الآخرين من أبناء الشعب المخالفين لهم بالعقيدة، فلا تخلو طائفة من وجود بعض الأشخاص ضعاف النفوس والوطنية، ممن يعملون لخلق حالة الخلل داخل المجتمع، ثم يأتي آخرون ويربطون الاختلاف الطائفي باختلاف الرأي والصراع في الحياة العامة، فكان من نتائج ذلك أن دعت بعض القوى الحزبية في الدولة إلى تبني العلمانية للحفاظ على وحدة المجتمع.
كما أن النزعة الفردية لدى البدو عادة ما تؤثر سلباً في سلوكهم الاجتماعي، حيث تحدث التنافس على الحكم والديكتاتورية في الحكم، فقلَّ على البدوي أن يسلِّم الواحد منهم الحكم لغيره، ويميل البدوي إلى الحرب، ويعتبر قبيلته هي مجتمعه المنفصل عن باقي المجتمع([53]).
ويقود وجود عدة قوميات إثنية في المجتمع الفرد إلى ولاء مزدوج فولاءه الأولي سيكون لصالح مجموعته الصغيرة، أما الآخر فنحو الوطن أو الأمة، وهذا يعيق الولاء للوطن، وينفي وجود رأي عام موحد تجاه المشاكل العامة، كما أن ذلك يؤدي إلى ابتعاد أبناء الوطن عن التعاضد والتناصر، وإرساء المصلحة المشتركة([54])، وهذا يؤدي إلى إعاقة التجانس والانصهار ين أبناء الشعب، ومن الممكن أن يؤدي إلى دعوات انفصالية في الدولة الواحدة، وقد يقود إلى حرب أهلية مدمرة بين أبناء الوطن الواحد، وعلى ذلك يقول لاسكي: " دولة مكونة من عدة قوميات ليست سوى وحش مولد ليس هناك تبرير لوجوده"([55])، وأكبر مثال على ذلك ما حدث في أفغانستان التي تتكون من عدة قوميات، ومذاهب دينية، إضافة إلى عشائر مختلفة،وعلى هذا الأساس اتجه ولاء الفرد فيها أولاً لعشيرته، ومن ثم لطائفته وقوميته، وتسبب في حدوث حرب أهلية مدمرة فيها ؛ مما سهل التدخل الخارجي وغزوها من قبل السوفييت أولاً، وبعد انتهاء الحرب الباردة، سيطرت فئات دينية متطرفة –طلبان- على الحكم بعد حرب أهلية جديدة دارت رحاها بين منظمة طالبان، وقوات أحد الزعماء الأفغان وهو برهان الدين رباني، لكن هذا النظام لم يستطع تحقيق الوحدة الوطنية في البلاد فكان من أسبابه تحالف فئات من المجموعات العرقية والقومية والعشائرية المعارضة لطلبان مع الولايات المتحدة وحلفائها، واستغلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2000 ؛ لإسقاط نظام طالبان، و إقامة نظام آخر تؤيده الولايات المتحدة في ظل نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة نفسها([56]).
2- افتقار النظام السياسي إلى الشرعية
وذلك إذا فقد النظام أحد عناصر الشخصية، التي حددها كارل دويتش بما يلي ([57]):
اعتراف الأحزاب والجماعات السياسية كلها بالقوانين.
تكون القوانين واضحة، ليس بها غموض، ومتناسقة ليس بها تناقض.
يدرك الجميع أن القوانين ليس بها تميز لفئة ما.
تتوفر الثقة لدى كل فرد بأن الجميع سوف يخضعون ويتمسكون بالقوانين.
يكون من السهل معرفة هؤلاء الذين يخرجون على القوانين.
يكون التمسك بالقانون مقبولاً من وجهة النظر الاجتماعيـة.
يصبح التمسك بالقانون قيمة أو تقليداً يحمده ويكافئه الجميع.
تعترف القيادة السياسية بنيَّتها تطبيق القوانين.
وعدم تحقق هذه العناصر، سينقص من شرعية النظام السياسي، وسيضعف الوحدة الوطنية في المجتمع، ويتيح المجال أمام الثورات الاجتماعية، التي تؤدي إلى تصديع المجتمع، لأن أعداء الوطن سيحاولون التسلل من خلال هذه الثورات لإثارة الفرقة والشكوك، وتأليب فئات الشعب ضد بعضها البعض([58])؛ حيث أن نظرية العمل الثوري هي أخطر ما يواجه الثورات الاجتماعية، وأخطر ما يهدد الوحدة الوطنية، فإذا كان أبناء الوطن يتفقون في وقت من الأوقات على فساد النظام الاجتماعي القائم وعلى ضرورة التخلص منه، فإن أشق الأشياء على النفس أن تحدد على وجه اليقين، الصورة المتكاملة للمجتمع الجديد، والذي يجب أن يحل محل المجتمع المنهار لرفع المظالم، وتوزيع أفضل لقيم المجتمع، وإرساء دعائم العدل في المعاملات العامة والخاصة، ولكن يجب أن يكون ذلك على أسس علمية، وعملية لتنفيذ هذه الإجراءات عملياً، ومن خلال جعل المواطنين تحت فكر واحد محدد المعالم([59]).
ومن السمات التي تظهر عدم وجود وحدة وطنية بسبب النظام السياسي([60]) :
وجود الاغتيالات السياسية ضد رجال الدولة.
الإضرابات العامة التي تقوم بها مختلف القطاعات، ووجود حرب عصابات.
وجود أزمة حكومية داخل البناء السياسي.
وجود عمليات التطهير داخل أجهزة الدولة.
وجود أعمال شغب داخل الدولة.
وجود مظاهرات معادية للحكومة.
وجود حرب أهلية من خلال العنف المحلي وعمليات القتل.
وجود اغتيالات وثورات داخل الدولة.
3- أثر الحرب النفسية، والتدخلات والحروب الخارجية
الحرب النفسية هي الحرب التي تعتمد على نقل أفكار ومعلومات معينة إلى العدو، من شأنها أن تضعف روحه المعنوية، وتهبط إصراره على مواصلة القتال، وتجعله يعتقد أن من الأفضل أن ينهي الحرب على أية صورة، وتقوم نظريتها على أن الإنسان هو محور المعركة والقتال، وأن الأسلحة والمعدات العسكرية هي وسائل المعاونة على التفوق أو النصر فلا قيمة للتفوق المادي مهما كانت أشكاله ودرجاته، إذا لم يصاحبه تفوق معنوي للفرد المحارب وغير المحارب، وأهدافها هي([61]):
التأثير على الكفاءة القتالية للعدو بإشعال أوجه الضعف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية الموجودة لديه، وبث اليأس من النصر في نفوس القوات المحاربة.
التأثير على الآراء والانفعالات والاتجاهات والسلوك بالنسبة للعدو وبما يساعد على الهزيمة في المستقبل.
التحكم في معتقدات وأفعال العدو باستخدام وسائل الاتصال المختلفة، لكي تحرض على التمارض والهروب والفتنة والاستسلام، وفقدان الثقة بالقيادة والأسلحة، وإثارة الشك حول أحقية أهداف حرب العدو، وزعزعة الإيمان في النصر، وخلق فجوة بين القيادة والشعب، وتشجيع الحركات المقاومة داخل مناطق العدو، وخلق فجوة بين نظام الدولة، والأنظمة الصديقة له، مما يحول دون مساعدتهم.
الحرب النفسية تمارس ضد جميع أفراد الشعب مدينين وعسكريين، وفي جميع الأوقات سواء كان ذلك في السلم أم في الحرب، ولكنها تصبح أكثر خطورة قبيل الحرب وأثنائها، من خلال وسائلها العديدة مثل الدعاية والإشاعة، والحرب الاقتصادية والقتال الفعلي.
لقد زاد دور الحرب النفسية ؛ بسبب ما طرأ من تغيرات على المعدات والأسلحة والفنون القتالية، بما يؤثر على سلوك ونفسية المقاتل في الظروف القتالية، حيث أكد الكثير من علماء النفس تأثير الحرب على نفسية المقاتل وجعله عاجزاً عندما يتعرض لصدمة العدو بسبب الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات، حيث يفقد الجنود تحت تأثير الفزع القدرة على التفكير والتصرف الذاتي، فيتجاهلون أوامر القيادة ولا ينفذونها، كما تؤثر على شعب الوطن بدعايتها، بما يحدث القلق والاضطراب، وإضعاف التماسك الداخلي وتحطيم الروح المعنوية([62]).
ومارس الاستعمار الذي سيطر على بعض الدول سياسة " فرق تسد " ؛ من أجل تحقيق مصالحه وأهدافه فيها، فعلى سبيل المثال: مارست الإدارة الاستعمارية الفرنسية سياسية المحاباة لصالح أبناء الأقليات الزنجية الموريتانية على حساب الأغلبية العربية، إذ فتحوا لهم أبواب التعليم في المدارس الفرنسية التي أهلتهم لتسلم المناصب الإدارية والخدمية العامة، حتى حصلوا على نسبة من الوظائف أكثر من نسبتهم العددية في عموم موريتانيا([63])، أيضاً قضية الأقليات في الوطن العربي، جرى ويجري استغلالها من أجل المصالح الغربية في المنطقة العربية، فتعمل هذه الدول على قاعدة التلاعب بحق الأقليات في تقرير مصيرها وتوظيف ذلك في سياستها الخارجية من خلال دعوتها للانفصال عن هوية المنطقة، وإعادة تشكيل هواياتها الخاصة، بدعوى أن هناك ثمة تمايز تاريخي بين شعوب المنطقة، وضرورة تدخل الدول الغربية من أجل حقوق الأقليات وأن هذه التدخلات هي تدخلات إنسانية مشروعة([64]).
كما أن بسط النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري الأجنبي في الدولة من خلال الضغط الاقتصادي، أو خلق الحروب والفتن المحلية، أو القتال والحروب العسكرية، أو من خلال المعاهدات غير المتكافئة، من أجل تطويع الإدارات وهذا يؤدي إلى انهيار الروح المعنوية لدى الدولة الضعيفة، التي عليها النفوذ، وتضطر إلى القبول بالشروط التي تفرضها الدول التي تريد فرض نفوذها، مثل معاهدات بريطانيا مع أمراء وشيوخ دول الخليج([65])، أو ما تمارسه الدول الغربية ضد المصالح الاقتصادية في دول جنوب شرق أسيا مثل مانيمار (بورما )، التي لم تستطع تحقيق استقلالها الاقتصادي عن الغرب بالرغم من نجاحها في تحقيق الاستقلال الوطني وهذا ما أثر سلباً على وحدتها الوطنية([66]).
كما أن وجود احتلال للدولة من قبل دولة أخرى، يناقض وجود أي وحدة وطنية فيها من خلال خلقه لطبقات موالية له، إقامة إدارة ـ في الدولة المحتلة ـ يمنحها السلطات والقدرات التي تكفل له السيطرة الكاملة على الدولة، واستتباب كل نواحي الحياة فيه، وعلى هذا الأساس يلجأ المستعمر إلى عدة وسائل للقضاء على الوحدة الوطنية منها([67]):
تقسيم البلاد إلى أقاليم متمايزة اعتماداً على النزعة الإقليمية أو الطائفية أو العرقية (كما فعلت فرنسا عند احتلالها لسورية عام 1920).
التفرقة بين أبناء الوطن الواحد عرقياً أو طائفياً، كما فعلت بريطانيا عندما احتلت العراق فلعبت بورقة كردي عربي، وورقة سني شيعي.
تشويه صورة الأمة في الدولة المستعمرة، بادعائه أنه جاء لتمدينها، ونشر الحضارة فيها.
ويلجأ مع أعوانه من أنظمة حاكمة، أو من خلال قواعده إلى العنف من أجل نشر حالة الخوف والقلق واليأس والتمزق الداخلي، ويشجع الحروب الداخلية التي تكون من خلال الصدام المسلح بين فئات الشعب المختلفة، مما يؤدي إلا تفكك الروابط الاجتماعية، وانهيار العلاقات الشخصية([68])، وبذلك يسهم في هدم الوحدة الوطنية وإنهاءها.
4- الصراع الحزبي والطبقي: والتباعد الإقليمي بين أفراد الدولة
إن اختلاق الارتزاق السياسي والرغبة السلطوية الجامحة لدى كثير من الأحزاب السياسية، كانت السبب في الزج بالعصبيات في العمل السياسي، مما نتج عنه خروج السياسة عن قواعدها الطبيعية، لتتحول إلى حرب إفناء، وإلغاء واستنزاف متبادل، وتشتيت لجهود أفراد المجتمع، وإحداث التفرقة فيما بينهم([69]).
كما أن وجود طبقات في المجتمع يساهم في إذكاء حالة التوتر بين أبناء المجتمع الواحد، خاصة عندما يشتد الصراع الطبقي نتيجة وجود ظلم اجتماعي، داخل الدولة، وقد يشتد مخاض الثورة الاجتماعية ؛ بسبب هذا الصراع، ويؤدي فيما بعد إلى ولادة الثورات الاجتماعية والانقلابات والتوترات داخل الدول ؛ مما يضعف الوحدة الوطنية، وهذا ما أكده وزير الاقتصاد الكندي فرانك ميلر، من أن من أساسيات الوحدة الوطنية في كندا كان وجود المساواة الاقتصادية فيها، إضافة لما حققه النظام السياسي عبر مسيرته الطويلة من إنجازات اقتصادية ساهمت في رفع الدخل الفردي والقومي([70]).
أيضاً العزل الجغرافي أو البعد الجغرافي عن العاصمة ووجود وصعوبة في الاتصال بين منطقة ما، والعاصمة قد يساهم في انفصال أجزاء المجتمع الواحد عن بعضه البعض، مما يسهم في إضعاف الوحدة الوطنية، خاصة عندما تدرك جماعات تلك المناطق أنها بعيدة عن السلطة المركزية، فتتشجع على الانفصال([71])، لذلك رأت الكثير من الدول أنه من سبل الحفاظ على الوحدة الوطنية تأمين المواصلات بين الأقاليم، بحيث يصح الانفصال شيئاً من المستحيل، كما أن زيادة المواصلات بين الأقاليم يساهم في رفع كفاءة الإنتاج الاقتصادي في الدولة وينشط اقتصادها([72]).
نخلص من هذا البحث أن مفهوم الوحدة الوطنية قد اختلف بين الباحثين الاجتماعيين والسياسيين، لكن هذا الاختلاف لا يعود إلى أنه مفهوماً غير محدد، بل على العكس من ذلك، فقد اتفق جميع الباحثين على جوهره، وأهدافه، فبيَّنوا أنه كل ما في شأنه أن يجمع الشعب ويلغي الحواجز بين فئاته المختلفة، وبين طبقاته، وبين نخبته، لكن صياغة المفهوم وفق إيديولوجية كل واحد منهم وتصوراته وبيئته وثقافته أعطته تعريفات عديدة، كما بيَّن هذا البحث محددات الوحدة الوطنية التي اعتمدتها الدراسة حيث أوضحت أن هناك أربعة محددات لمفهوم الوحدة الوطنية، ومدى أهمية كل محدد على ذلك المفهوم، ومدى تأثير عدم وجود كل عنصر من عناصر تلك المحددات على المفهوم الرئيسي بشكل عام، وبيَّن هذا البحث أيضاً العوامل السلبية والإيجابية التي تؤثر على مفهوم الوحدة الوطنية في الدولة، حيث أوضح المبحث أنه هناك ثمة عوامل سلبية تضعف من الوحدة الوطنية في الدولة، وكلما زادت هذه العناصر كلما تردت الوحدة الوطنية نحو نهايتها، كما أنه ثمة عوامل إيجابية تقوي من الوحدة الوطنية في الدولة، وكلما زادت قوة هذه العناصر كلما ازدادت متانة الوحدة الوطنية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مفهوم الوحدة الوطنية والعوامل المؤثرة عليها
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الوحدة الوطنية
» العوامل المؤثرة والمؤدية إلى اضطراب الأطفال النفسي
» خطاب تكليف بتشكيل حكومة15/2/2007م/تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية
» البدانة والعوامل النفسية
» العوامل المؤثرة على سلوك وشخصية الانسان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى التعليم والثقافة-
انتقل الى: