ابو ايهاب حمودة :: المشرف العام ::
عدد المساهمات : 25191 تاريخ التسجيل : 16/08/2009
| موضوع: إن الله يدافع عن الذين آمنوا السبت نوفمبر 19, 2011 10:45 am | |
|
إن الله يدافع عن الذين آمنوا قد ضمن للمؤمنين إذن أنه هو تعالى يدافع عنهم . ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتما من عدوه , ظاهر حتما على عدوه . . ففيم إذن يأذن لهم بالقتال ? وفيم إذن يكتب عليهم الجهاد ? وفيم إذن يقاتلون فيصيبهم القتل والجرح , والجهد والمشقة , والتضحية والآلام . . . والعاقبة معروفة , والله قادر على تحقيق العاقبة لهم بلا جهد ولا مشقة , ولا تضحية ولا ألم , ولا قتل ولا قتال ? والجواب أن حكمة الله في هذا هي العليا , وأن لله الحجة البالغة . . والذي ندركه نحن البشر من تلك الحكمة ويظهر لعقولنا ومداركنا من تجاربنا ومعارفنا أن الله سبحانه لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من "التنابلة " الكسالى , الذين يجلسون في استرخاء , ثم يتنزل عليهم نصره سهلا هينا بلا عناء , لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء , كلما مسهم الأذى ووقع عليهم الاعتداء نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة , وأن يرتلوا القرآن , وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء . ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها ; إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة . والذخيرة التي يدخرونها للموقعة , والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عنه سلاح التقوى والإيمان والاتصال بالله . لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم كي يتم نضجهم هم في أثناء المعركة . فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطر ; وهي تدفع وتدافع , وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة . . عندئذ تتحفز كل خلية بكل ما أودع فيها من استعداد لتؤدي دورها ; ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة ; ولتؤتي أقصى ما تملكه , وتبذل آخر ما تنطوي عليه ; وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها وما هي مهيأة له من الكمال . والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى استيقاظ كل خلاياها , واحتشاد كل قواها , وتوفز كل استعدادها , وتجمع كل طاقاتها , كي يتم نموها , ويكمل نضجها , وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها . والنصر السريع الذي لا يكلف عناء , والذي يتنزل هينا لينا على القاعدين المستريحين , يعطل تلك الطاقات عن الظهور , لأنه لا يحفزها ولا يدعوها . وذلك فوق أن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه . أولا لأنه رخيص الثمن لم تبذل فيه تضحيات عزيزة . وثانيا لأن الذين نالوه لم تدرب قواهم على الاحتفاظ به ولم تحشد طاقاتهم وتشحد لكسبه . فهي لا تتحفز ولا تحتشد للدفاع عنه . وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة , والكر والفر , والقوة والضعف والتقدم والتقهقر . ومن المشاعر المصاحبة لها . . من الأمل والألم . ومن الفرح والغم , ومن الاطمئنان والقلق . ومن الشعور بالضعف والشعور بالقوة . . ومعها التجمع والفناء في العقيدة والجماعة والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة وقبلها وبعدها وكشف نقاط الضعف ونقاط القوة , وتدبير الأمور في جميع الحالات . وكلها ضرورية للأمة التي تحمل الدعوة وتقوم عليها وعلى الناس . من أجل هذا كله , ومن أجل غيره مما يعلمه الله . . جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم ; ولم يجعله لقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء . والنصر قد يبطى ء على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا:ربنا الله . فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله قد يبطى ء النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها , ولم يتم بعد تمامها , ولم تحشد بعد طاقاتها , ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات . فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا ! وقد يبطى ء النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة , وآخر ما تملكه من رصيد , فلا تستبقي عزيزا ولا غالبا , لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله . وقد يبطى ء النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها , فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر . إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله . وقد يبطى ء النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله , وهي تعاني وتتألم وتبذل ; ولا تجد لها سندا إلا الله , ولا متوجها إلا إليه وحده في الضراء . وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله . فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله . وقد يبطى ء النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه , أو تقاتل حمية لذاتها , أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها . والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله , بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه . وقد سئل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى . فأيها في سبيل الله . فقال:" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " . كما قد يبطى ء النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير , يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا , ويذهب وحده هالكا , لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار ! وقد يبطى ء النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما . فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارا من المخدوعين فيه , لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله ; فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة . فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريا للناس , ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية ! وقد يبطى ء النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة . فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار . فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر , ولاستبقائه من أجل هذا كله , ومن أجل غيره مما يعلمه الله , قد يبطى ء النصر , فتتضاعف التضحيات , وتتضاعف الآلام . مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية . وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه , وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقائه: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة , وآتوا الزكاة , وأمروا بالمعروف , ونهوا عن المنكر ; ولله عاقبة الأمور). . فوعد الله المؤكد الوثيق المتحقق الذي لا يتخلف هو أن ينصر من ينصره . . فمن هم هؤلاء الذين ينصرون الله , فيستحقون نصر الله , القوي العزيز الذي لا يهزم من يتولاه ? إنهم هؤلاء: (الذين إن مكناهم في الأرض). . فحققنا لهم النصر , وثبتنا لهم الأمر . . (أقاموا الصلاة). . فعبدوا الله ووثقوا صلتهم به , واتجهوا إليه طائعين خاضعين مستسلمين . . (وآتوا الزكاة). . فأدوا حق المال , وانتصروا على شح النفس , وتطهروا من الحرص , وغلبوا وسوسة الشيطان , وسدوا خلة الجماعة , وكفلوا الضعاف فيها والمحاويج , وحققوا لها صفة الجسم الحي - كما قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]:" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " . . | |
|