ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 القضاء في عهد الخلفاء الراشدين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

القضاء في عهد الخلفاء الراشدين Empty
مُساهمةموضوع: القضاء في عهد الخلفاء الراشدين   القضاء في عهد الخلفاء الراشدين Emptyالأحد مايو 22, 2011 1:17 pm

القضاء في عهد الخلفاء الراشدين HXwVf-60H0_228696172

القضاء في عهد الخلفاء الراشدين
القضاء في الاسلام
تعريف القضاء وأركانه
حكم القضاء
القضاء في عهد النبوة
القضاء في عصور ما بعد الخلافة الراشدة
نبذة عن القضاء في الشريعة الإسلامية
إن مما أدرك الناس قيمته وأثره في واقعهم ومجتمعاتهم عبر العصور المتعاقبة ، وعرفوا حاجتهم له واضطرارهم إليه ، إقامة العدل بينهم وإشاعته في عموم شؤونهم ، حتى أصبح استمساك الأمم بهذا الأمر عنوان سعادتها وسمة قوتها وسيادتها ، وهو الأصل والأساس في وضع النظم والتشريعات الحاكمة لجميع أحوالهم في معاملاتهم وتفاعلات حياتهم ، ولما كانت العدالة بهذه المنزلة شرفاً ورفعة واحتياجاً جُعلت في نظر النظار من أهم الوظائف المنوطة بمنصب الإمامة العظمى والسياسة العليا للأمة ، تحقيقاً لمصالحها ، ودرءً للمفاسد عنها ، لنبذ كل ما من شأنه الإخلال بنظامها من الشقاق والنزاع والمخاصمة ، ولذا وردت النصوص القواطع في شريعة الإسلام آمرة بالعدل ملزمة به بأمر عام
قال الله تعالي : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى) النحل 16/90 .
قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - : إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) الآية .
وقال أبو حيان - رحمه الله - : "العدل فعل كل مفروض من عقائد وشرائع وسَيْرٍ مع الناس في أداء الأمانات ، وترك الظلم والإنصاف ، وإعطاء الحق" .
وقال العلامة ابن العربي المالكي – رحمه الله - : "قوله : (بالعدل) وهو مع العَالَم ، وحقيقته التوسط بين طرفي النقيض وضده الجور ، وذلك أن البارئ خلق العالم مختلفاً متضاداً مزدوجاً ، وجعل العدل في طراد الأمور بين ذلك على أن يكون الأمر جارياً فيه على الوسط في كل معنى".
كما ورد النص بالحض على العدل والأمر به في مقام الحكم بين الناس خاصة لعظيم حاجتهم إليه ، ولكون أحوالهم لا تستقيم إلا به .
قال الله تعالي : (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم ببين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء .
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله - : "قوله : (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ، أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس ، ولهذا قال محمد بن كعب ، وزيد بن أسلم ، وشهر بن حوشب : إن هذه الآية إنما نزلت في الأمراء يعني الحكام بين الناس" .
وقال الشوكاني – رحمه الله -: "هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع .. والعدل هو : فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا الحكم بالرأي المجرد ، فإن ذلك ليس من الحق في شيء إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنة رسوله فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم بحكم الله سبحانه وبما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص" .
تعريف القضاء واركانه
تعريف القضاء
لغة : مأخوذ من مادة "قضى" وهو أصل صحيح يدل على إحكام الأمر وإتقانه والفراغ منه . قال الله تعالي :
(فقضاهن سبع سموات في يومين) فصلت 41/12 .
أي : أحكم خلقهن .
والقضاء : الحكم ، قال سبحانه :
(فاقض ما أنت قاضٍ) طه 20/72 .
أي : اصنع واحكم ، ومنه سمي القاضي قاضياً ، لأنه يحكم الأحكام وينفذها .
ويرد القضاء بمعنى القطع والفصل والإعلام .
والقضاء في الاصطلاح يدور معناه على فصل الخصومات ، وقطع المتنازعات بحكم شرعي على سبيل الإلزام
أركانه
للقضاء أركان ستة تجمع أجزاء ما هيته وهي :
القاضي - المقضي به - المقضي عليه المقضي فيه - المقضي له - كيفية القضاء
فالقاضي : هو الحاكم المنصوب للحكم .
والمقضي به : هو الحكم الصادر عنه .
والمقضي عليه : هو المحكوم عليه المُلْزَم بحكم الحاكم .
والمقضي فيه : هو موضع التقاضي والمنازعة .
والمقضي له : هو المحكوم له على خصمه بالحق الواجب له عليه .
وكيفية القضاء : تعني طرق الحكم الموصولة إليه .
الحكمة من القضاء
القضاء بين الناس في حكوماتهم ومنازعاتهم عمل جليل القدر والاعتبار ، يراد منه تحصيل مصالح ومنافع ، ودفع مفاسد ومضار للعموم تقوم الحاجة الملحة لاقتضاء ذلك .
ولذا نبه فقهاء الشريعة – رحمهم الله – إلى المقصد الجليل والهدف النبيل من هذه الوظيفة العظيمة السامية ، وأنه مرتكز على إيصال الحقوق ودفع المظالم وقطع التنازع تحقيقاً لإقامة العدل والمعروف ، ومنابذة الظلم والمنكر .
قال العلامة ابن فرحون المالكي – رحمه الله - : "وأما حكمته فرفع التهارج ورد التواثب وقمع الظالم ونصر المظلوم وقطع الخصومات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" .
وقال شيخ الإسلام بن تيمية - رحمة الله - : المقصود من القضاء وصول الحقوق إلى أهلها ، وقطع المخاصمة فوصول الحقوق هو المصلحة ، وقطع المخاصمة إزالة المفسدة ، فالمقصود هو جلب تلك المصلحة وإزالة هذه المفسدة ، ووصول الحقوق هو من العدل الذي تقوم به السماء والأرض ، وقطع الخصومة هو من باب دفع الظلم والضرر وكلاهما ينقسم إلى إبقاء موجود ودفع مفقود .
حكم القضاء
لما كان القضاء يترتب عليه مصالح ضرورية للأمة ، ويناط به تحقيق العدل والإنصاف ومنع التظالم والتنازع بين أفرادها ، فقد اتفقت عبارة الفقهاء – رحمهم الله – على أن حكمه فرض كفاية يجب على العموم ولا يتعين على أحد من الناس الا عند عدم وجود من تتوفر فيه شرائط القضاء إلا شخصاً بعينه فيلزمه فرضاً عينياً .
- قال ابن قدامه – رحمه الله - : "القضاء من فروض الكفايات لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه فكان واجباً عليهم كالجهاد والإمامة قال أحمد : لا بد للناس من حاكم أتذهب حقوق الناس " .
القضاء في عهد النبوة
أسس النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصول القضاء في شريعته الخاتمة للناس، وتولى صلوات الله وسلامه عليه هذا العمل الجليل بنفسه فكان هو المرجع في فصل الخصومات وقطع المنازعات ، وقد جاءت نصوص الشريعة موضحة لركائز الحكم وضوابطه ، وأبان المصطفى صلى الله عليه وسلم واقعها التطبيقي في أقضية متعددة ، وابرز الأسس التي تستوحي من سيرته صلى الله عليه وسلم في القضاء ما يلي :
اولاً: الأصل في الحكم والمرجع في القضاء لحكم الشريعة الإسلامية العادلة بمدلول قوله عز وجل : (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) المائدة 5/42 . وقوله سبحانه : (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) المائدة 5/49 .
ثانياً: الحكم بين الناس مبناه على إقامة العدل والقسط من غير ميلٍ أو حيف أو هوى . قال جل وعلا : (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء 4/58 . ويقول عز شانه : (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) سورة ص 38/26 .
ثالثاً: التحاكم بين الناس واجب إلى شرع الله وحكمه دون غيره من أحكام الطواغيت ، يقول تعالى : (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً * أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً) النساء 5/60-63 0 ويقول سبحانه : (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) النور 24/47-51 . ويقول عز شأنه : (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم أحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة 5/49-50 .
رابعاً: التسليم لحكم الله والرضى به والانقياد له أمر حتمي لازم لمن آمن ، والنكوص عن ذلك بأية صورة منافٍ لمقتضى الإيمان وحقيقته ، يقول الرب تعالى وتقدس : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء 4/65 .
خامساً: الحكم والقضاء في سائر الخصومات والمنازعات يقع من الحاكم على ظواهر الحال ودلائل المتخاصمين ، والحكم بموجب ذلك لا يحل الباطن لمن حكم له إذا كان الأمر في ذاته وحقيقته بخلاف ما ظهر وما حكم به ، دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" رواه البخاري ومسلم .
سادساً: المتولي لعمل القضاء ينظر إلى سلامته من توابع حكمه وقضائه برقابة ذاتية لكونه قد أنيط به إقامة الحق والقسط في الحكومة بحكم الشريعة ، ولذا لزمه الاجتهاد والتحري فيما وكل إليه ليحصل له أجر اجتهاده وإصابته وليسلم من تبعة المؤاخذة في التقصير في الآخرة ، روى بريدة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "القضاة ثلاثة : واحد في الجنة واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار" رواه أبو داود .
سابعاً: القاضي في اختصام الناس وشقاقهم يلي أمراً مهماً عظيماً يوجب عليه عناية خاصة فيما يعالج فيتعين خلوه من الشواغل والمؤثرات بحيث يضمن سلامة الحكم وصحته في أعيان الوقائع وفي مثل هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان" رواه البخاري ومسلم .
ومقيس على الغضب ما هو من جنسه من الشواغل المؤثرة .
ونتيجة لما سلف من أسس قضائية فريدة أسسها وأرسى دعائمها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتربى عليها وآمن بها أصحابه – رضوان الله عليهم – كان في الواقع عدل وإنصاف فريد متميّز ، وحظي الناس بحكم مقسط أظهر الحقوق ورد المظالم وقطع شقائق الخلاف والنزاع .
القضاء في عهد الخلفاء الراشدين
القضاء في عهد الخلافة الراشدة يُعد أول تجربة قضائية للمسلمين بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم ولئن تميّز عهد النبوة بالوحي الذي هو مصدر التشريع ، وبوجود النبي صلى الله عليه وسلم قائماً بأمر الحكم بين الناس ومتولياً لهذا الشأن بتسليم ورضى وانقياد منهم تحقيقاً لما أمروا به في مثل قوله تعالى : (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوات إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) النور 24/51 فان عهد الخلفاء الراشدين هو المرحلة التطبيقية للقضاء تأسيساً على نصوص الشريعة ، وتأصيلاً للأحكام على ما فهم من سنن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من بعده ، كما يظهر في هذه المرحلة الطريقة الصحيحة للنظر والاجتهاد في أعيان الحوادث المستجدة في واقع الناس ولم يكن لها نص يخص آحادها من المشرّع ، فيتحقق قيام المقتضي لاستخراج العلل وتحقيق المناطات واستجلاء الأقيسة السالمة من العوارض والنواقض ، ولقد كان في عهد الخلفاء النيّر تقعيد وتأصيل وتأسيس للأقضية والأحكام على ما جمعوه من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وحفظوه عنه فيها ، ومما يُظهر اعتبار عهد الخلافة الراشدة وتميّزه حتماً بمزيد من العناية ما صح به الأثر عن النبي المصطفى – صلوات الله وسلامة عليه – الأمر بالعمل بسنة الخلفاء الراشدين من بعده . فعن العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : "أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمّر عليكم عبد ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة" رواه أبو داود .
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله - : "وفي أمره صلى الله عليه وسلم بإتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين بعده وأمره بالسمع والطاعة لولاه الأمور عموماً دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة كإتباع سنته ، بخلاف غيرهم من ولاة الأمور" .
ويمكن أن نستجمع أهم مميزات عهد الخلافة المبارك وسماته في المجال القضائي بما يلي :
أولاً: المرجع في الأقضية والأحكام في قضاء الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – إلى وحي الرسالة بما ورد في كتاب الله تعالى وصح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث يعد النص من المشرع هو الأساس المعتبر المنتهي إليه في كل حكومة يرام فصلها والقضاء فيها اهتداء بما ورد من نصوص الكتاب والسنة الموجبة لهذا الاعتبار .
ثانياً: الحرص على تقفّي سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكامه واقضيته ، وإتباع سبيله فيها ، والعناية بجمعها . وتحقيق صحة وقائعها بالتتبع والسؤال والبحث وتلك أو وهي سمة ظاهرة في عمل الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – في حكوماتهم واقضيتهم .
ثالثاً: الأحكام والأقضية تحتاج إلى إعمال نظر وتأمل ومقايسة ، ولذا فقد كان من منهج الخلفاء - رضي الله عنهم - في قضائهم المشاورة وطلب الرأي فيما يعرض لهم من القضاء ابتغاء للحق ، وتطلباً لحكم الله في الوقائع .
رابعاً: آحاد القضايا وأعيانها تتجدد وتتنوع وقد لا يكون ثمة نص في عين قضية ما فيعمد الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم - إلى إعمال أنظارهم باجتهاد وبحث ونظر ، استخراجا لحكم الواقعة وما يرتبط بها من المناطات والعلل المعتبرة في منظور الشريعة مما يتخرج عليه حكمها .
توسعت أقاليم الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - حتى تجاوزت حدود جزيرة العرب نظراً للفتوحات الكثيرة ، وصاحب ذلك إقبال الناس على الدخول في دين الله أفواجاً ، فاقتضى الحال بعث جملة من القضاة يتولون الفصل والحكم في المنازعات والخصومات بين الناس في كل ناحية وإقليم ، وكان لهذا العمل مصالح كثيرة وإيجابيات متعددة في واقع القضاء حيث جرى ترتيب لهذه الإنابة القضائية من وليّ أمر المسلمين إلى من يقيمه لهذا الشأن بتقعيد أصول القضاء وبيان أساليبه ، وإيضاح سبله وطرائقة و من أشهر ما يذكر في هذا المقام كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - في أمر القضاء حيث قال في كتابه : "أما بعد : فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك ، فإنه لا ينفع تكلّم بحق لا نفاذ له ، وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك ، البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً ، ومن ادعى حقاً غائباً أو بينة فاضرب له أمداً ينتهي إليه ، فإن جاء ببينة أعطيته حقه ، فإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن ذلك أبلغ في العذر ، وأجلى للعمى ، ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق ، لأن الحق قديم لا يبطله شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشهادة إلا مجلوداً في حدٍ أو مجرباً عليه شهادة زور ، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة ، فإن الله تعالى تولى من العباد السرائر ، وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان ، ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ليس في قرآن ولا سنة ، ثم قايس الأمور عند ذلك ، واعرف الأمثال والأشياء ، ثم اعتمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق ، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس عند الخصومة والتنكر ، فأن القضاء في مواطن الحق يوجب الله به الأجر ، ويحسن به الذخر ، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزيّن بما ليس في نفسه شانه الله ، فان الله لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً ، وما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته .. والسلام" .
القضاء في عصور ما بعد الخلافة الراشدة
تتابعت عصور المسلمين ودولهم بعد عهد النبوة والخلافة الراشدة من بعد سنة الأربعين من الهجرة وللعمل القضائي قواسم مشتركة بين عموم الفترات والمراحل الزمنية المتعاقبة ، وإن كان للمتأمل في كل مرحلة وفترة خصائص تميزها عن غيرها إلا أن العناية بالجوامع بين العموم واستخلاصها وإبرازها أولى بالاعتبار والنظر ، كما أن ذلك يعطي تصوراً عاماً لمسيرة القضاء وعمله في تاريخ المسلمين وحضارتهم في الزمن الماضي ، فقد حكمت ديار المسلمين بعد الخلافة الراشدة عدد من الدول والحكومات في مختلف الأنحاء والأقاليم.
ولقد اتسم القضاء في عموم هذه الدول بسمات تدل على تقدم أعماله ورسوم وظيفته حيث ظهرت بحوث ودراسات وترتيبات وتنظيمات لهذا العمل الجليل تفيد بعدد من القواعد والضوابط والأحكام والرسوم لشكله ومضمونه مما أعطي هذا الجانب المزيد من العناية والاعتبار ، وأقام لهذه الولاية الشريفة مقاما يليق بمهمتها ووظيفتها السامية 00 ولعل من أبرز السمات الظاهرة للعمل القضائي في تلك العصور ما يلي :
أولاً: أن عمل المسلمين في قضائهم عبر عصورهم المتعاقبة ودولهم المتتابعة جار على تحكيم شرع الله المطهر وإعمال أحكامه وإقامة حدوده ولا غرو في ذلك فهو واجب مقطوع به في اصل الدين ، ولم يحصل إخلال به في مجمل أقضية المسلمين عبر تاريخهم إلى حين الزمن المتأخر الذي ظهرت فيه المنابذة لحكم الشريعة واستبداله بحكم الطاغوت .
ثانياً: إن عمل القضاء من وظائف الإمامة العظمى ، وقد كان ولاة الأمة في الصدر الأول يتولونه بأنفسهم ، وبعد توسع الفتوحات وتعدد البلدان والأقاليم ظهرت الحاجة إلى بعث القضاة في سائر النواحي للقيام بمهمة الحكم بين الناس في خصوماتهم ونزاعاتهم .
ثالثاً: إثراء الجوانب المتعلقة بالدراسات الفقهية والقضائية بنشاط التأليف والتصنيف والبحث والنظر وظهور المدارس العلمية في كثير من بلدان العالم الإسلامي مما كان له الأثر البالغ على تحرير الأحكام ، وتصوير وقائعها ، ومعرفة مآخذ الأحكام من النصوص والدلالات الشرعية ، وقد أنتجت العناية بهذا الشأن للمسلمين في عصورهم المتعاقبة مرجعية علمية ثرية بحيث يندر أن تند نازلة من النوازل عن مجموع هذه البحوث والدراسات في الأصول والفروع ، وشاهد ذلك ما تحفل به المكتبات الإسلامية من مؤلفات ومصنفات متنوعة في هذا الفن بين مطوّلات وشروحات ومجاميع ، ولقد كان لعناية الخلفاء والولاة والحكام في تلك العصور بأهل العلم والنظر والتصنيف وحفزهم وتشجيعهم مزيد إثراء لهذا العمل الجليل القدر ونماء للعطاء فيه .
رابعاً: حيث تكثر القضايا وتتباين أنواعها ، وتتسع أقاليم الدولة وتتباعد أنحاؤها وأطرافها ، تظهر الحاجة الملحة في الواقع إلى تخصيص العمل القضائي نوعاً ومكاناً ، تحقيقاً لمصلحة المتقاضين وقضاياهم ، وقد كان العمل القضائي المتخصص هو السمة الغالبة على قضاء المسلمين عبر تاريخهم ، ولهذا قرر فقهاء الشريعة بنصوص متظافرة جواز الأخذ بهذا المنهج المتخصص سواء أكان في النوع أو المكان .
خامساً: تعدد القضاة في المصر الواحد بحيث يتولى كل واحد منهم نوعاً من القضايا ، أو يتولى مجموعة منهم قضاء المصر من الأمور التي ظهرت في تاريخ قضاء المسلمين وعُدَّ سمة من سماته لقيام المقتضي له ، وقد سمي بعض هؤلاء القضاة بعمله كقاضي الجند ، وقاضي السوق ، وقاضي المناكح وهكذا .
سادساً: ولاية القضاء وعمل الحكم والفصل بين الناس هو جزء مستفاد من الإمامة العظمى المنوطة بولي الأمر العام ، وحين ظهر في عصور المسلمين تخلي الأئمة عن هذا العمل وإناطته بغيرهم ممن تأهّل له كان لابد في ظل ذلك من تحديد هذه الولاية ووظائفها ، ولذلك تظافرت كتب الفقهاء - رحمهم الله - في ذكر وظائف القاضي وبيان ما يرتبط بولايته من الأعمال ، وقد يتباين حديثهم عن هذه الوظائف بحسب مفهومها عند كل فقيه وما عاصره إلا أن هناك قواسم مشتركة في تحديد ذلك من حيث العموم ، حيث جعلوا من وظيفة المتولي لعمل القضاء الفصل في منازعات الناس وشقاقهم ، والقيام على أمر المحبوسين والموقوفين والحكم في شأنهم ، ورعاية الأيتام والقاصرين وأموالهم ، والنظر في شأن الأوقاف والوصايا والغيّب والمجاهيل ، والأخذ على السفهاء بالحجر عليهم وزجرهم حفاظاً لهم وللعموم ، وإقامة الحدود ، وإمامة الجمعة والعيد وغير ذلك .
وقد يكون من شأن القاضي القيام بهذه الأعمال وغيرها مما قد يزاد عليها في عصر من الأعصار ، وقد يحصر عمله في بعضها دون بعض ، ولكن تحديد وظيفة القاضي حال توليته صفة لازمة للعمل القضائي بعامة في زمنه الماضي .
سابعاً: درج الولاة على كفاية من يولون عمل القضاء بمنحهم ما يقوم بحاجتهم من رزق بيت المال ليكفوهم مؤونة المعاش ، وليتفرغوا لمعالجة الحكومات وما يعرض من أمر القضاء ، وليكون في ذلك بُعْدٌ للقضاة عن الصفق في الأسواق والدخول في معامع الاتجار وطلب المكاسب ، حفاظاً لمقامهم وشريف وظيفتهم ونبذ احتمال استمالتهم بعرض الدنيا من قبل أرباب المصالح في الخصومة ، وقد كان من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن كتب إلى عماله : "استعملوا صالحيكم على القضاء واكفوهم" وعلى هذا السنن جرى عمل القضاء في سائر أعصار المسلمين .
ثامناً: حيث كثر عدد القضاة في دول المسلمين عبر تاريخهم كان لابد من ترتيب هذا العدد وتشكيله وإيجاد مرجعية تؤول إليها أمور القضاء والقضاة ويكون لها نوع إشراف على عملهم .
تاسعاً: تسجيل الأحكام وتدوين وقائعها مفيد إفادة ظاهرة في حفظها وضبطها توثيقاً للحقوق ومقايسة للنظائر مما يقع فيما يستقبل من النوازل ، ولذا عني المعتنون بأمر القضاء فيما سلف برصد وقوعات الأحكام والأقضية وتسجيلها وتدوينها في محفوظات ووثائق وفق ضوابط وقيود توحي بتصور دقيق لهذا العمل ومحرراته وشرائط من يقوم به .
جاء الإسلام بنظام متكامل يشمل الدين وما فيه من إيمان وعبادات , والدولة وما فيها من أنظمة وقوانين ومعاملات ,أنظمة تلاءم جميع أجناس الشعوب على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وحتى على اختلاف أديانهم,أنظمة تجعل النفس تسلم بكل جوارحها اعتقادا واحتراما , ولعل من ابرز تلك النظم, النظم القضائية في الإسلام. قال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ} المائدة49 والقضاء أمر لازم لقيام الأمم وسعادتها, وحياتها حياة طيبة, ولنصرة المظلوم وقمع الظالم وفض الخصومات والنزاعات وأداء الحقوق إلى مستحقيها, وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وللضرب على أيدي العابثين وأهل الفساد, ولضمان سيادة النظام في المجتمع وتحقيق الأمن وفق نظم ربانية تداوي النفس الإنسانية. والقضاء هو الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام , حتى تفصل الخصومة بين الناس, أو يمنع ما يضر حق الجماعة, أو يرفع أي نزاع يمكن أن يقع بين ا لناس وأي شخص في جهاز الحكم , تبعا للأحكام المتلقاة من الكتاب والسنة. والقضاء فرض كفاية, إذا قام به بعض الأمة سقط الوجوب عن الباقين وإذا لم يقم به احد منها أثمت الأمة جميعا .
وأمر الناس لا يستقيم دون القضاء, فالأمر بالمعروف وردع الظالم ونصرة المظلوم واجبات لا تتم دون القضاء, فالقاعدة الشرعية تقول :ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ودليل ذلك في الكتاب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ }النساء135 . هذا بالنسبة للقضاء بصفة عامة, أما بالنسبة لدخول الأفراد فيه, فهذا يرجع إلى حالاتهم, فهو واجب على الشخص إذا لم يصلح غيره لهذا الأمر , ويحرم على الشخص الذي يعلم عن نفسه العجز وميله للهوى, ويخير المرء إذا وجد من يتساوون في الصلاحية للقضاء. سئل مالك رضي الله عنه : أيجبر الرجل على ولاية القضاء؟ قال: "نعم, إذا لم يوجد منه عوض," قيل له بالضرب والحبس؟ قال : "نعم." وأول قاض في الإسلام كان رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه, فقد كان مأمورا بالدعوة والتبليغ وكذلك بالفصل في الخصومات بين الناس, قال تعالى : {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ }المائدة49 وقال :{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} المائدة42 , فتولى الرسول صلى الله عليه وسلم القضاء بنفسه, وكذلك قلد غيره للقضاء, فولى عليا على اليمن ومعاذ بن جبل على الجند. وفي عهد الخلفاء الراشدين باشروا القضاء بأنفسهم, ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية, نتيجة للفتوحات, قاموا بتعيين القضاة, وفصلوا بين الولاية والقضاء, ووضعوا الأسس التي يستنير بها القضاة,
ومن أمثلة ذلك كتاب عمر بن الخطاب إلى قاضي الكوفة أبي موسى الأشعري الذي يعتبر بمثابة دستور القضاة الذي يسيرون على هديه في الأحكام وفيه يقول عمر رضي الله عنه : " من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس : سلام عليك أما بعد : فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة, فافهم إذا أدلي إليك وأنفذ إذا تبين لك, فانه لا ينفع تكلم لا نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك, وفي وجهك وقضائك, حتى لا يطمع شريف في حيفك , ولا ييأس ضعيف من عدلك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر, والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا احل حراما أو حرم حلالا ... ولا يمنعنك قضاء قضيتة اليوم فراجعت فيه عقلك, وهديت لرشدك, أن ترجع إلى الحق, فان الحق قديم لا يبطله شيء, ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله , ولا سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم اعرف الأشباه والأمثال, فقس الأمور عند ذلك بنظائرها, واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق. واجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه, فان احضر بينته أخذت له بحقه, وإلا استحللت عليه القضية, فان ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى وابلغ في العذر. المسلمون عدول بعضهم على بعض, إلا مجلودا في حد أو مجريا عليه شهادة زور, أو ظنينا في ولاء أو نسب, فان الله قد تولى منكم السرائر, ودرأ بالبينات والايمان . اياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم, والتنكر عن الخصومات, فان الحق في مواطن الحق يعظم به الأجر ويحسن به الذخر . فمن صحت نيته, واقبل على نفسه, كفاه الله ما بينه وبين الناس, ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس في نفسه شانه الله. فما ظنك بثواب عند الله عز وجل في عاجل رزقه وخزائن رحمته, والسلام".
أنواع القضاء في الإسلام:
القضاء في الإسلام على ثلاثة أنواع:
1- قضاء الخصومات : وهو القضاء بين الناس لفض النزاعات بينهم. يقوم به "القاضي". ودليله فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وتعيينه غيره قضاة على الناس. وقضاء الخصومات لا يكون إلا في مجلس القضاء حيث يجلس الخصمان بين يدي الحاكم وذلك لما روى الزبير حيث قال : " قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم" (رواه أبو داود) فمجلس القضاء شرط لصحة القضاء, وشرط لاعتبار اليمين. ولا تشترط في أنواع القضاء الأخرى, فواقعها مختلف. وقضاء الخصومات يتولاه الرجل والمرأة.
2- قضاء الحسبة: وهي الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يضر حق الجماعة. ويقوم به قاضي يدعى "المحتسب". وأعمال المحتسب كثيرة فتشمل نواحي أدبية ودينية وعمرانية وأخلاقية. ويمكن إجمال أعمال المحتسب في النواحي التالية:
أ- مراقبة التجار وأرباب الحرف أي مراقبة كل صاحب مهنة , ومن أمثلة ذلك : مراقبته للأطباء , فكان المحتسب في الدولة الإسلامية يأخذ على الأطباء عهد الإلتزام والإخلاص, ويجبرهم على دفع دية المريض إذا مات من سوء تصرف منهم. ومثال آخر: مراقبته للخبازين , فكان يأمرهم برفع سقائف أفرانهم , ويجعل في سقوفها منافس واسعة للدخان, ويأمرهم بغسل المعاجن وتنظيفها ويأمر العجان بان يكون ملثما لأنه ربما عطس أو تكلم , وأن يشد على جبينه عصابة بيضاء لئلا يعرق فيقطر منه شيء في العجين.
ب- مراقبة الأبنية والطرقات, فيأمر بهدم الأبنية البارزة ويدعو أصحاب البيوت المتداعية إلى هدمها ورفع أنقاضها.
ت- مراقبة الأخلاق العامة مثل طرح الكناسة على جوار الطريق, وتبديد قشور البطيخ, أو رش الماء بحيث يخشى منه التزحلق والسقوط.
ث- أعمال مختلفة مثل مراقبة نظافة المساجد, وإجبار الناس معاملة الخدم معاملة حسنة, وجمع الأشياء الضائعة وإعادتها لأصحابها, ومنع معلمي المكاتب من ضرب الصبيان ضربا مبرحا ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل.
ويصح أن تتولى المرأة قضاء الحسبة, وذلك أن عمر بن الخطاب استعمل امرأة من قومه وهي أم سليمان بن أبي حثمه " الشفاء" على قضاء الحسبة. ويملك المحتسب القضاء في المخالفة فور العلم بها دون الحاجة لمجلس قضاء في كل زمان ومكان طالما أن هناك تعدي على الحق العام.

3- قضاء المظالم: وهو القضاء الذي يحصل على اثر شكوى على الحاكم أو جهاز الحكم. ودليله قول الله تعالى {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء59 كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام فعله وتولاه بنفسه, وكذلك فعل الخلفاء من بعده , فكان جزء من عملهم. لكن عبد الملك بن مروان افرد وقتا مخصوصا للظلامات وأسلوبا معينا , فصار للمظالم جهاز خاص كان يسمى " دار العدل". وعليه يجوز للحاكم أن ينيب عنه في قضاء المظالم, وان يعين قاضيا معينا يقوم بها. ويقوم بقضاء المظالم قاض يسمى "قاضي المظالم", وعمله رفع كل مظلمة تحصل من الدولة على أي شخص يعيش تحت سلطانها سواء حصلت من الحاكم أو ممن دونه من الحكام والموظفين , فكل مظلمة تقع من رجال الدولة تعتبر مظلمة يستوجب البت فيها. فلو سعر الخليفة للناس مثلا يكون قد فعل شيئا لا حق له به . قيل للرسول صلى الله عليه وسلم عندما غلا السعر على عهده : لو سعّرت, فقال:" إن الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر واني لأرجو أن القى الله ولا يطلبني احد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال" (رواه الترمذي). ومن الأمور التي تنظر فيها محكمة المظالم مخالفات الخليفة للأحكام الشرعية إن حصلت, و فرضه ضرائب جائرة , أو إنقاصه لرواتب الموظفين والجند. وكذلك يعمل على رد الغصوب , سواء كانت سلطانية تغلب عليها ولاة الجور , أو كانت مما تغلب عليها ذوو الأيدي القوية. ويعمل على مراعاة العبادات الظاهرة كالجمع والأعياد والحج والجهاد , من تقصير فيها وإخلال بشروطها , ويمضي ما عجز القضاة أو غيرهم عن إمضائه , لعلو قدر المحكوم عليه وعظم خطره. ولا يشترط في قضاء المظالم مجلس قضاء ولا حضور المدعى عليه ولا وجود مدع, بل لها حق النظر في المظلمة ولو لم يدع احد. كما يعين ويعزل قاضي المظالم من قبل الخليفة أو من قبل قاضي القضاة إذا أعطي هذا الحق. كما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يعين القضاة بأنواعهم. لكن في حال كانت المظلمة مرفوعة ضد الخليفة, فان بقاء صلاحية عزل قاضي المظالم بيد الخليفة اثناءها قد تؤدي إلى الحرام, فالوسيلة إلى الحرام حرام, لأن صلاحية العزل في هذه الحالة ستؤثر في حكم القاضي, وبالتالي يحد من قدرة القاضي على عزل الخليفة فتكون صلاحية العزل هذه وسيلة إلى الحرام , أي بقاءها في يد الخليفة في هذه الحالة حرام.
الشروط الواجب توفرها في القاضي:
يشترط الإسلام توفر جملة من المواصفات في شخصية القاضي ليتمكن من أداء واجبه على أكمل وجه وهي:
1- أن يكون مسلما : قال تعالى:{وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} النساء141 فالقاضي حين يقضي يطبق أحكام الشريعة الإسلامية , وتطبيق الشريعة والدين يحتاج إلى إيمان به من قبل من يطبقه, وخوف من الله يمنعه من الحيد عن التطبيق السليم لأحكامه, وهذا لا يتوفر إلا بصاحب العقيدة المسلم.
2- حرا : فلا تجوز تولية من فيه شائبة رق ومن يعجز عن ولاية نفسه.
3- بالغا : فتولي الصبيان غير جائز.
4- عاقلا: لا يتولى القضاء المجنون والمعتوه, فالقاضي ذكي واسع الإدراك, قوي الفطنة.
5- عدلا : فلا يجوز تولية الفاسق بل القائم بالفرائض , التقي , النقي , الورع.
6- فقيها : عالما بالمسائل الشرعية وأدلتها وطرق استنباطها, فلا تصح تولية الجاهل.
7- سليم الحواس : فلا تجوز تولية الأصم والأعمى ولا الأخرس , وذلك أن الخلل في هذه الحواس يعيقه عن العمل. أما سلامة باقي الاعضاء فهي مستحبة, لان السلامة من الآفات أهيب لذوي الولاية.
8- وتشترط الذكورة في قضاء المظالم دون غيره. تقليد القضاة وعزلهم : يجوز تقليد القضاة (القاضي, المحتسب, وقاضي المظالم) تقليدا عاما بجميع القضايا في البلاد , وكذلك تقليدا خاصا بقضية واحدة. ثبت ذلك من افعال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قلد علي بن أبي طالب على قضاء اليمن وقلد عمرو بن العاص القضاء في قضية واحدة معينة.
أما عزل القضاة فيتم إذا:
1- وجد أفضل منه أو ظهر عجزه وعدم كفاءته , فقد عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة عن القضاء, فقال له شرحبيل : "أعن سخطة عزلتني" قال : "لا , ولكن وجدت من هو مثلك في الصلاح, واقوي منك في العمل."
2- وكذلك فسق القاضي أي قيامه بالأعمال الفاسقة كشرب الخمر أو ارتكابه للكبائر .
3- وأيضا الردة, لان الإسلام شرط في صحة ولاية القاضي.
4- أو تعرضه للمرض المعجز الذي يعيقه عن العمل أو من جنون ألمّ به.
5- ويضاف إلى ما يسبق انتهاء المدة التي حددت له بالعمل أو بفراغه من النظر في قضية محددة كلف بها.
رزق القضاة:
وبالنظر إلى عمل القاضي يستخلص أنه موظف في الدولة يستحق أجرا على عمله. ثبت ذلك من سيرة الصحابة رضوان الله عليهم, فقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعامله على مصر قائلا : "أن أفسح للقاضي في البذل ما يزيل علته, وتقل معه حاجته إلى الناس," ورتب للقاضي شريح 500 درهم في كل شهر.
تشكيل المحاكم:
1- لم يعين الرسول صلى الله عليه وسلم للقضية الواحدة قاضيين, وعليه لا يجوز أن تتألف المحكمة إلا من قاض واحد, له صلاحية الفصل في القضاء. ويمكن أن يشاور هذا القاضي آخرين, لكن رأيهم غير ملزم. كما أن حكم الله في حق المسلم لا يتعدد فهو حكم الله, وحكم الله واحد لا يتعدد.
2- لا يجوز أن يقضي القاضي إلا في مجلس القضاء, ولا تعتبر البينة واليمين إلا في مجلس القضاء وهذا خاص بقضاء الخصومات.
3- يجوز أن تتعدد درجات المحاكم بالنسبة لأنواع القضايا, فيجوز أن يخصص بعض القضاة بأقضية معينة إلى حد معين, وان يوكل أمر غير هذه القضايا إلى محاكم أخرى. وذلك لان القضاء وكالة من الخليفة, ويجوز أن تكون عامة وخاصة.
4- لا يوجد في قضاء الإسلام محاكم استئناف ولا محاكم تمييز, فالقضاء من حيث البت في القضية درجة واحدة. فإذا نطق القاضي بالحكم, فحكمه نافذ ولا ينقضه قاض آخر.

ولا يصح وجود محاكم تنقض أحكام محاكم أخرى. لكن إذا خالف القاضي نصا قطعيا, أو حكم بأحكام الكفر, أو حكم حكما مخالفا لحقيقة الواقع, فانه في هذه الحالات وأمثالها ينقض حكم القاضي من قبل قاضي المظالم.

نماذج مشرفة من القضاء الإسلامي:
بدراسة تاريخ القضاء الإسلامي نجده قضاء مشرفا وذلك أن الفقهاء كانوا لا يلتمسون القضاء بقلوبهم ولا بألسنتهم, لشدة خوفهم من الوقوع في الخطأ والظلم, فأكثرهم رفض القضاء خوفا من أن ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة قاضي في الجنة وقاضيان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل علم الحق فقضى به وقاض علم الحق فلم يقضي به وقاض قضى بجهل فهما بالنار" (رواه أبو داود) ومن أمثلة ذلك: رفض الإمام أبو حنيفة تولي القضاء في الكوفة زمن الأمويين, رغم تعرضه للتعنيف والضرب. ونتيجة لذلك الالتزام وتلك الخشية الفائقة تولى القضاء قضاة نزيهون شرفاء, يسعد المرء بذكر بعض المواقف المشرفة لهم, ومنها:
1- اختصم رجلان في شيء إلى إبراهيم بن اسحق القاري قاضي مصر سنة 204ھھ في خلافة المأمون , فقضى على احدهما , فشفع إلى الوالي, فأمره السرّي أن يتوقف عن تنفيذ الحكم , فجلس إبراهيم في منزله, فركب إليه السرّي و سأله الرجوع, فقال:"لا, لا أعود إلى ذلك المجلس أبدا ! ليس في الحكم شفاعة."
2- اختصم علي بن أبي طالب يهوديا في درع كان في حوزة اليهودي إلى القاضي صاحب المظالم, فطلب القاضي من عليّ شاهدين, فأتى له بابنه الحسن ومولاه قنبر, وكان مذهب القاضي يرى أن الولد لا يشهد لوالده, وان الوالد لا يشهد لولده, فلم يأخذ القاضي بشهادة الحسن وشهادة قنبر, وحكم لصالح اليهودي , وكان ذلك سببا في دخول اليهودي الإسلام.
3- جاءت امرأة متظلمة يوما للمأمون وأتته بثياب رثة , فاخذ حقها من خصمها وهو ابنه العباس, حيث جلس الخصمان في حضرة القاضي بن اكثم والمأمون, وأثناء النظر في الدعوى , ارتفع صوتها على صوت العباس , فزجرها احد الحجاب, فقال له المأمون : " دعها فان الحق انطقها والباطل أخرسه", وكانت ظلامتها ان العباس بن الخليفة اغتصب ضياعها, فأمر القاضي بردها إليها, وباشر المأمون تنفيذ الحكم على ابنه.
4- ومن المواقف التي تظهر نزاهة ونباهة وفطنة القضاة: تخاصم رجلا وامرأة لدى شريحا قاضي الكوفة, فأرسلت عيني المرأة وبكت, فقال احدهم: يا أبا أمية, ما أظن هذه البائسة إلا مظلومة , فقال: إن إخوة يوسف جاءوا أباهم يبكون.
5- ويروى عن نزاهة القضاة , أن قاضي مصر ابن عبد السلام , أفتى بشيء ثم ظهر له انه اخطأ, فنادى في المدينة عن نفسه : "من أفتى له ابن عبد السلام بكذا فلا يعمل به فانه اخطأ."
اللهم وفقنا إلى تطبيق أحكام الحق في قضاء الحق, في ظل دولة الحق دولة الإسلام, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
القضاء في عهد الخلفاء الراشدين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دولة الخلفاء الراشدين
» أقوال صدرت عن الخلفاء الراشدين
» التاريخ الاسلامي ( دولة الخلفاء الراشدين خلافة عثمان بن عفان (23 - 35 هـ/ 643- 655م )
» ترتيب اسماء الخلفاء الراشدين ثم الامويين ثم العباسيين
» التاريخ الاسلامي( دولة الخلفاء الراشدين) (خلافة أبى بكر الصديق (11 - 13 هـ / 632- 634م )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: