شعارات الثورة الامريكية

تذاكير:لماذا تتباين شعارات الثورات؟شعارات الثورة الامريكية
قامت ثورة المستعمرات الامريكية الثلاثة عشرة ضد الاستعمار البريطاني في 4 يوليو عام 1776م، ويوليو/ تموز هو شهر الثورات في الكثير من دول العالم، فثورة فرنسا كانت في 14 يوليو عام 1789م، وثورة مصر كانت في 23 يوليو عام 1952م وثورة العراق كانت أيضاً في 14 يوليو عام 1958، وكان سكان المستعمرات الامريكية في ذلك الوقت يقدرون بثلاثة ملايين ونصف نسمة لاغير لأن الولايات المتحدة الامريكية لم تصل الى مداها الحالي من حيث السكان والمساحة وعدد الولايات والموارد والقوة والصناعة والعلم والتكنولوجيا، بدأت هذه الدولة في الاساس كاتحاد كونفيدرالي «اتحاد تعاهدي» ثم تحولت رغبة في القوة والتضامن والوحدة لمواجهة التحديات والاخطار الخارجية الى اتحاد فيدرالي «اتحاد مركزي» وتعتبر معاهدة الاتحاد الفيدرالي التي أنشأت الاتحاد المذكور عام 1787م هي الدستور الامريكي الذي يعد اقدم دستور مكتوب في العصر الحديث، ويوصف ايضاً بالدستور الجامد من حيث ان امر تعديله يحتاج الى اجراءات معقدة وطويلة وصعبة.
ورغم ان الثورة الامريكية هي ثاني ثورة في العصر الحديث، إلا ان آثارها وتفاعلاتها فيما حولها من الدول والشعوب وعلى مستوى العالم كانت متواضعة ومحدودة، وذلك لأن ثوار امريكا لم يعلنوا التزامهم بنقل مبادئ واهداف ثورتهم خارج امريكا، فمحور اهتمامهم كان يدور حول آفاق بلادهم وما يرتبط بهذه الآفاق على سبيل الضرورة، كما ان شعب امريكا نفسه لم يؤمن بمبادئ واهداف ثورته بالقدر المطلوب، ولم يتفاعل معها كما يجب، ويتضح للمحلل والمتابع لتاريخ تلك الثورة ان اهم هدف للثوار هو تحقيق الاستقلال التام عن الغير وهيمنة وسيطرة الغير واقامة نظام رئاسي جمهوري مستقر، يقوم على سيادة القانون والدستور وعلى حكم المؤسسات المتوازنة نظرياً وعملياً، على مستوى الحكم الاتحادي المركزي وعلى مستوى اللامركزية السياسية، فسلطات الدولة المركزية محددة على سبيل الحصر، وماعدا ذلك يدخل في صلاحيات الولايات الداخلة فيها، وهناك قواعد للضبط والربط، وهناك محكمة دستورية فيدرالية عليا تفصل في الخصومات والخلافات باحكام لها صفة النفاذ، ويمكن القول: إن النظام الجمهوري الامريكي يجسد مقولة افلاطون التي قال فيها: « لم ار نظاماً جمهورياً ولد مستقيماً فأنعوج، ولم ار نظاماً جمهورياً ولد معوجاً فاستقام».
وهي من وحي وظروف المجتمع الامريكي وأولويات حاجاته وتطلعاته ومن تأثر رموزه السياسية والفكرية بطبيعة النظام السياسي البريطاني وبكتابات وتنظيرات "مونتسكيو" و"جون لوك" و"جان جاك روسو" عن الحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية والسلطات العامة وعلاقاتها والحكم الامثل، وتتحدد شعارات الثورة الامريكية في: العدل والحرية والمساواة ومبادئ حقوق الانسان واشهر من روج لها ونشرها عام 1774م هو "جفرسون"، وثورة امريكا هي ثورة تحررية قام بها سكان المستعمرات الامريكية تعبيراً عن تطلعات رموز المجتمع الامريكي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية من اجل العدل وازالة الظلم الواقع على المجتمع الامريكي من قبل الاستعمار البريطاني وسياساته وقوانينه المضرة بمصالحه وحرياته في العمل والفكر والمبادرات الفردية، وطابع الحرية المنشودة هي في الواقع حرية الفرد ومصالحه ودور الدولة ومؤسساتها التي يفترض انها تعبر عن المواطنين الذين اقاموها يجب ان يتركز في تنظيم هذه الحريات والمحافظة عليها، والحرية توافق وتوازن لا وحدة، والجمهورية الامريكية هي في المقام الاول عمل انساني وضعي مدروس لاقامة الحرية وليس بفعل الحتمية التاريخية او التطور العضوي.
والثورة الامريكية نجحت بدرجة جيدة في تحقيق مبادئها على مستوى المجتمع الامريكي مقارنة بما حدث لمبادئ وشعارات ثورات اخرى لم يحالفها التوفيق في الالتزام بها على مستوى التطبيق وارض الواقع، والثورة الامريكية بدورها قد حنثت وتنكرت لشعاراتها في علاقاتها بالدول والشعوب الاخرى، وما يقال ويردد في الوقت الحاضر عن الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وسعي امريكا بعد ان اصبحت القطب العالمي الاوحد المتحكم في المجتمع الدولي المعاصر والسياسة الدولية الحالية الى ترويج ونشر هذه المبادئ على مستوى العالم بالترغيب والترهيب هو في الواقع من قبيل التضليل الدعائي ليس إلا، فما يهم الولايات المتحدة هو مصالحها واستراتيجياتها القومية ذات المدى الكوني والمحافظة على قوتها المتفردة بما يخدم تنامي دخلها القومي الاجمالي ورفاهية شعبها وازدهاره وتقدمه المطّرد وسيادة اسلوب الحياة الامريكية والثقافة والقيم الامريكية.0