ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (من جزين الجزء الثاني والاخير)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (من جزين الجزء الثاني والاخير) Empty
مُساهمةموضوع: الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (من جزين الجزء الثاني والاخير)   الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (من جزين الجزء الثاني والاخير) Emptyالجمعة نوفمبر 26, 2010 4:15 pm

الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (من جزين الجزء الثاني والاخير) D8qt4-SA7H_687012668

الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (من جزين الجزء الثاني والاخير)
محاور السلطة
لا ينقسم المجتمع إلى طبقات، إنما إلى أفراد، وإن كان هناك "صراع" فهو صراع أفراد لا "صراع طبقات"، والصراع يدعو إلى التحالف، والتحالف يجر إلى "محاور سلطة" وليس إلى طبقات. والعلاقة بين رموز السلطة، أو الصراع الذي ينشأ داخل المحور الواحد أو بين محاور متباينة، أو التحالف الذي يطفو على السطح أحيانا... مجموع هذه العلاقات نقترح نعتها ب: "علاقات سلطة".
إن انتماء جماعة من الناس لمحور سلطة واحد، لا يعني أن رموز السلطة التي تحركهم واحدة بالضرورة: فقد تتحرك مجموعة بشرية باتجاه هدف واحد مكونة "محور سلطة" لكن الرموز التي تحرك كل فرد تختلف، فهذا تحرك بدافع اقتصادي والآخر بدافع جنسي والثالث رغبة في الاستشهاد...
فرموز السلطة إذن مختلفة رغم أن المحور واحد.
وحتى في الحالات التي تكون العقيدة الموجهة للمحور واحدة، نظريا، فإن فهم هذه العقيدة ذاتها يختلف داخل المحور الواحد (الجماعة التي تكونه)، بل ربما من فرد لآخر، وغياب التجانس التام داخل "المحور السلطوي" هو ما يجعله قابلا للانفصام على نفسه في أي لحظة. هكذا نعتقد أننا نؤول نص البلاذري (ص149) أحسن عندما نقرأه هذه القراءة المختلفة: «لما فرغ أبو بكر من أمر أهل الردة رأى توجيه الجيوش إلى الشام، فكتب إلى أهل مكة، والطائف، واليمن، وجميع العرب بنجد والحجاز يستنفرهم للجهاد ويرغبهم فيه وفي غنائم الروم، فسارع الناس إليه بين محتسب وطامع. » لاحظ ما تحته خط حيث يمتزج الديني بالاقتصادي، وقارن مع الحديث النبوي، الذي يؤصل لهذه العلاقة: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (العسقلاني ج1 ص11).
في أي علاقة سلطوية، لا وجود للموقف الوسط، الحياد لا وجود له إلا في مخيلاتنا، لأنه عند احتدام الصراع، أي صراع، تتكشف المواقف الحقيقية التي تجعل كل واحد ينضم للمحور الذي يرضي ميوله أو يدافع عن مصالحه، إن "الحياد في زمن الصراع تواطؤ" (كما يقول الروائي السوري حيدر حيدر)، ودفع التحليل بهذا الاتجاه يجعل من الحياد مجرد موقف سطحي يخفي الموقف الحقيقي ويختفي بمجرد احتدام الصراع، أما المحايد فلا محل له من الإعراب (حسين مروة).
لكن هل يعني ذلك أن الصراع يبقى صراع محاور ولا ينزل لمستوى الأفراد داخل المحور الواحد؟
قطعا لا، لأن ممارسة السلطة، كما أسلفنا، تتم على الأفراد أيضا. أي داخل كل محور على حدة تختفي ممارسات سلطة: سلطة المال، سلطة الجمال، سلطة الجنس... يجب إذن أن نميز بين "السلطة المحورية"، كسلطة جماعية، و"السلطة الفردية": علاقة الناس بعضهم ببعض كأفراد، أو علاقة الرموز المختلفة، أي ما يكون اليومي في التاريخ، وهي علاقات لا عد لها ولا حصر يسميها بروديل (1987 ص9) بالرتابة: إنها تحريضات واندفاعات وغرائز ونماذج أو طرائق والتزامات... متراكمة شذر مذر، تغرق فيها البشرية إلى النصف، وتشكل اليومي والرتيب. ولأنها تشكل هذا اليومي بالضبط فإن الذاكرة الجماعية، خاصة المدونة، لا تحتفظ بها عادة. وهي لأجل ذلك أيضا تبقى في حدود ممارسة السلطة الفردية التي لا تتدخل بشكل فاعل في التاريخ إلا بعد أن تكتسب أهمية أكبر- وهذا ما اقترحت نعته في مكان آخر (غوردو 2000) بالحدث/خارج التاريخ - أو من خلال السلطة الجماعية.
لا يعني ذلك تغييب الفردانية من التاريخ - التاريخ لم يصنعه كل الناس بشكل متساو - لكن فقط التأكيد على التفاعل بين الفردانية والجماعية لتشكيل التاريخ البشري: فحب السلطان لجاريته يجعلها تمارس عليه سلطة عبر إملاءاتها ونزواتها، لكن ذلك لا يعدو كون هذه العلاقة السلطوية، علاقة فردية، وخطورتها لا شك ستتضاعف إذا قبل السلطان المعني آراء جاريته، في توريث الحكم مثلا، وطبقها على المجتمع، وسنرى لاحقا مثالا على هذا في بلاط الرستميين، لذلك حق لنا أن نتساءل: كم من عرش عصف به بسبب آراء الجواري؟
مثال آخر عن علاقة سلطوية من نوع مختلف (وهو بالمناسبة أيضا مثال عن الحدث/خارج التاريخ):
نمت إحدى الفسائل وأصبحت يوما بعد يوم شجرة كبيرة، إن نموها حالة عادية طبيعية، وحتى البستاني المكلف بالحديقة لم ينتبه إلى أحد فروعها أثناء عملية التشذيب، أو أنه لاحظ الفرع ولم يعره أدنى اهتمام... إن نمو الأشجار لا يستدعي منا التدوين: فمئات الفروع تزهر كل يوم ومئات أخرى تموت، لكن فرع شجرتنا هذا سيكون سببا في مقتل السلطان المغربي الرشيد (الناصري ج7 ص43)، فهل يمكن اعتبار هذا الفرع "سبب" الأزمة السياسية العنيفة التي عصفت بالمغرب بعد السلطان المذكور، على اعتبار أن الأوضاع كانت تبدو هادئة حتى عشية مقتله؟ بعبارة أخرى، يثيرها عادة زملاؤنا الفلاسفة، إلى أي حد تتحمل رفة جناح الفراشة المسؤولية عن الاضطرابات الهوائية والأعاصير المدارية؟
يمكن أن نقدم، اعتمادا على الوقائع التاريخية، العشرات من الأمثلة عن علاقات سلطة مختلفة، بعضها مثير للغرابة فعلا، تتحكم فيها رموز سلطة تشكل اليومي والرتيب لنا جمعا: إن واقعنا الراهن قد تأسس على عدد كبير جدا من الأحداث التاريخية، لكنه تأسس أيضا، ومن المؤكد طبعا، على أضعاف هذا العدد من الأحداث خارج/التاريخية، والتي تساهم، بصمت، في حركة التاريخ.
هذه أمثلة عن علاقات سلطة داخل المحور الواحد والتي تسبب في كثير من الأحيان في تفجيره وبروز الصراع داخله، أما الصراع بين "محاور السلطة" فيعني في العمق أن تضادا ما قد وقع بين هذه المحاور في مصالحها، أو أن محورا ما يحاول احتواء محور، أو محاور أخرى، عبر أعمال العنف التي تجر إلى القتل والنهب والاغتصاب... وهي أفعال يرفضها المجتمع بين أفراده، وإن نظريا، بفعل أيديولوجيا القانون كعقد اجتماعي، لكن الحرب والثأر، وإبداعات بشرية أخرى، تحمل ضمنيا أيديولوجيا مبيحة، بل مشجعة على هذه الأفعال "الكلبونية" ضد المجتمعات الأخرى/الأعداء، حيث يتحول أكبر السفاحين إلى "بطل" يحق له أن يفخر ببطولاته/جرائمه (غوردو 2004). مع التنصيص على أن كل "محور سلطة" يظل، هو نفسه، قابلا للتصدع والانشقاق في أية لحظة، رغم أن عقيدة المحور الواحد تفترض ضمنيا رفض العنف بين أعضائه، بيد أن استحالة الحفاظ على هذه الوَحَدَة، بفعل تلاشي الانسجام المفترض نظريا بين أجزائها، يعود إلى غياب تجانس مطلق بين هذه الأجزاء نظرا لخاصية الوعي التي يتمتع بها الكائن البشري دون غيره من الكائنات.
الدين وتشكل محاور السلطة.
نسجل أولا حضور الدين في المجتمع، أي مجتمع (برتشارد1986) ، كأنما هو قدره المحتوم الذي لا مناص له منه. حتى أولئك الذين يعلنون بأنهم لا ينتمون لأي دين، أو أن "الدين أفيون الشعب" (ماركس ص16) يدينون بديانة معينة توجه محورهم السلطوي «ولعل ما يؤيد ذلك أننا نجد عبادات علمانية يسميها اللاهوتيون الديانات البديلة، نجدها حيثما زالت فكرة الله من التقويم الاجتماعي والسياسي لتحل محلها أفكار أخرى، وقيم مغايرة، مثل فكرة الدولة أو قيمة المجتمع» (جيب1977 ص33). كما أن نيتشه (1964)، وغيره، عندما أعلن عن إعدام "الإله" لم يأت بجديد يذكر، لأن فرعون كان قد أعدمه منذ مدة عندما بنى صرحا وارتقى فوقه ثم رمى بالسهام «فردت إليه وهي ملطخة دما فقال: قد قتلت إله موسى» (الطبري ج1 ص241).
نسجل ثانيا أن التأكيد على تاريخية الدين، أي وجوده كمعطى تاريخي، لا يعني بالضرورة أنه يتنسل مما هو اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، وأن رسالة الدين، كالعديد من القضايا الأخرى، ما زالت من «الرسالات التي تنتظر من يحل رموزها» (إلياد ص29).
لا يهمنا هنا اختلاف الدين، ولا أصلا ماذا يقصد بالدين كدين، بقدر ما تهمنا الوظيفة التي يلعبها بين أتباعه، وهل إنكار وجوده يجرده فعلا من هذه الوظيفة؟ وإذا دفعنا بالسؤال أكثر، حتى وقتنا الراهن، نقول: هل نحن فعلا قد دخلنا عصر الإعلام الآلي وحرب النجوم ولم يعد هناك من يصدق "خرافات" الدين؟
يحدثنا جلال العظم، بأسى عميق، منذ أزيد من ثلث قرن (1969 ص172...) عما سماه بالهستيريا الدينية التي تفجرت في مصر عقب انتشار أسطورة "ظهور العذراء"، التي ألهبت المخيلة الشعبية، فتسابق الناس لرؤيتها وراح ضحية ذلك العشرات من الأشخاص، رغم أن العصر لم يعد عصر الأنبياء والخوارق، على حد زعمه! لكننا نخاف أن يكون العظم قد خلّع أبوابا مفتوحة عندما راح يتهم العقل العربي بأنه عقل توغل في الخرافات والخزعبلات والدجل الخطير، عقل لا تاريخي، على حد تعبير العروي في كتابه: العرب والفكر التاريخي (ص206)، الذي كتب على ظهر غلافه بأن الفكر العربي لم يستوعب مكاسب العقل الحديث من عقلانية وموضوعية وفعالية وإنسية... لذا فهو عقل غارق في اللامعقول إلى النصف، أو عقل مستقيل، كما زعم الجابري (1984 ص220)، بل لا يمكننا الحديث عن "عقل" عربي وإنما مجرد "مخيال خرافي" لدى العرب، كما ذهب لذلك الجويلي (1993).
إن مثل هذه التحاليل تنتهي بهؤلاء المفكرين (العظم، العروي، الجابري، الجويلي) إلى مقارنة بين الغرب (العقلاني المتقدم)، والشرق (الخرافي المتخلف)، كما تنتهي بهم إلى تحميل الدين (الإسلام) مسؤولية هذا التخلف، وهكذا يظهر الغرب، كما يقول تيرنر (1981 ص15): «كمتلق للفضائل اليونانية (الفلسفة والديموقراطية والفردية)، بينما يظهر جمود الشرق الأوسط بفعل خصوصية اليهودية وانغلاقها من جهة، وتعصب الإسلام وبلادته من جهة أخرى».
في مطلع شهر مارس 1993 م، أثارت قضية محلية ضجة كبيرة سرعان ما أصبحت عالمية، واختطفت الأضواء من كل الأحداث الكبرى، وأصبحت مادة خصبة لوسائل الإعلام الدولية: فعلى الضفة الأخرى للأطلنتي، وبعيدا عن عقل الخرافة العربي، وفي قلب العالم "الفرداني/ الديموقراطي /العقلاني" – الولايات المتحدة – ظهر مدع للنبوة يزعم أنه المسيح عيسى! إن ادعاء النبوة في حد ذاته لم يكن يشكل خطرا على أجهزة النموذج الاجتماعي/الأمني الأمريكي، بل ما كان يحيرها فعلا هو العدد الكبير من الأتباع/الجند الذين آمنوا بالمسيح الجديد ودافعوا عن دعواه، بحيث أصبح مكتب التحقيقات الفيدرالي (f.b.i) في حيرة من أمره أمام الظاهرة الغريبة التي فجرت ولاية تكساس، ولم تنته إلا مساء الاثنين 19/04/1993 بأن أشعل المتنبي، وأتباعه، النار في "قلعتهم" في انتحار جماعي، وصف على أنه جحيم بشري فظيع! (ومثل ذلك نموذج "الحقيقة السامية" التي ظهرت باليابان، رمز العقلانية والإلكترونيات، سنة 1995).
قبل ذلك بأربع سنوات تقريبا ظهر لدى قبائل بني ورطناج (بنواحي مدينة تازة المغربية) مدع آخر للنبوة، ليس أية نبوة، بل نبوة محمد عليه السلام! ورغم أنه كان متأكدا من نبوته، فلم يتبعه أحد من عشيرته على الرغم من انتشار الجهل والأمية بينها؟
لا نريد عبر عقد هذه المقارنة أن نثبت بأن عقلية قبائل بني ورطناج هي أشد "عقلانية" من عقلية سكان تكساس، بل نريد فقط أن نضع آراء هؤلاء المتسائلين حول العقل العربي، وحده، وحول عقلانيته، موضع تساؤل بدورها؟ ولنقول من جديد: حقا إن رسالة الدين ما زالت من الرسالات التي تنتظر من يحل رموزها.
الغريب في الأمر أن الانتقادات التي توجه للدين، أي دين، تكون من طرف دين آخر: إما من طرف ديانة تتأسس أصلا كدين ثم تتحول إلى موضوع للفلسفة، فهي ديانة أولا وفلسفة ثانيا. وإما من طرف فلسفة سرعان ما تتحول إلى ديانة: فهي فلسفة أولا وديانة ثانيا (عندما تصبح أفكارها دوغمائية لدى معتنقيها، والأدلة التاريخية كثيرة: البوذية، الكونفوشية، المانوية...)، وكلاهما تتضمن عقيدة تُنظّر لمحور سلطوي معين.
إن الدين قد يفرغ من محتواه، أو يموت، وقد يتحول فعلا إلى "أفيون للشعب". أي إن كثيرا من الفئات الاجتماعية قد تستغل مبادئ الدين لتحقيق مصالحها الخاصة، هذا شيء أكيد، لكن ذلك لا يتم إلا إذا جهل عموم الناس البعد الغائب، أو المغيب، في الدين ، أي تهميش الجوانب الثورية فيه، لأن الدين لا يدعو للاستسلام والخضوع والاستغلال... وإلا فلن يعتنقه أحد أصلا!؟
فالمجتمع البشري فاسد أبدا، أو هو على الأقل يحتاج دائما إلى إصلاح، وهذا هو الشعار الذي ترفعه كل عقيدة: إصلاح الواقع الفاسد وتعويضه بواقع أفضل، فهي إذن مشروع إصلاحي شعاره تحقيق الخير للجميع. الخير الذي لن يتحقق في النهاية إلا منقوصا، لتنغلق الدائرة من جديد.
التعارض بين الواقع والدين، أي دين، تفرزه دائما السلطة السياسية لأنها تعمل على تمييعه، وبالتالي يزداد احتمال أن يصبح الدين مزيفا، ومن ثم احتياله على المجتمع. فالدين يقوم على مجموعة من المثاليات والأخلاقيات، التي ترسخت تاريخيا بين الناس، ويرفعها شعارا له، لكن السلطة السياسية – التي تولد من رحم الدين – هي التي تعمل على تطبيع هذه التعاليم داخل المجتمع، وبالتالي تتيح إمكانية تمييع الدين. هكذا فهذه المثالية المرفوعة كشعار للدين، كثيرا ما تلفظ أنفاسها بمجرد أن تتبلور السلطة السياسية.
إن التفكير الديني، بما هو تفكير اجتماعي ينظم ويؤطر سير المجموعات البشرية (محاور السلطة)، يفترض في مرحلة من مراحل تطوره انبثاق وتكشف الدولة كجهاز سياسي، إن ذلك يعني بالضرورة أن التفكير السياسي يخرج من صلب التفكير الديني رغم أنه في كثير من الأحيان يرتد عليه وينفيه.
فالسياسي هو الديني في شكل جديد، شكل قد يزعم أنه ليس دينيا رغم أصوله الدينية، لكن من الاستحالة تصديق هذا الزعم، إذ لا قطيعة فعلية بين الديني والسياسي (ألتوسير1981 ص56، مارسي1939 ص7، بيرك1936، آرون1980 ص49)، وحتى على فرض أن السياسي يستطيع أن يحقق القطيعة مع الديني ويرتفع عنه، فذلك لا ينفي عنه أنه خرج من صلبه: فهذا هو الجزاء الذي لا مفر منه لأي مجتمع "اختار" لنفسه أن يكون مجتمعا منظما. وبما أن الإنسان لا يمكنه أن يعيش إلا في جماعة، فإن الدولة، ولسنا هنا بصدد معالجة أشكالها النمطية، تبقى قدره المحتوم وقضاءه الذي لا مفر منه.
عندما تتفتق الدولة داخل المجموعة الاجتماعية (محور سلطة)، أي عندما يبدأ التشكيل السياسي في أخذ ملامحه كجهاز قانوني منظم وضابط لهذه المجموعة، ستحاول هذه أن تتوسع داخل المجال، ويعني ذلك اصطدامها مع مجموعات أخرى (محاور سلطة)، والسبيل الأكثر تجليا في التاريخ، لتحقيق التوسع هو الدخول في حرب معها، دون أن يفهم من قولنا أن التوسع هو الإمكانية الوحيدة لنشوب الحرب.
محور السلطة الإسلامي:
التطور التاريخي والامتداد المجالي
نعتبر مبدئيا أن موضوع ميلاد وتطور الدين الإسلامي من الدعوة الدينية إلى الدولة السياسية خلال القرنين الأول والثاني للهجرة (7 م – 8 م) مستغرق للغاية نظرا للبيبلوغرافيا الضخمة التي أنجزت في هذا الصدد، لذلك فإننا سنحاول تقديم قراءة مختلفة وتركيبية للامتداد الإسلامي خارج جزيرة العرب، دون أن نعرض لتفاصيل العمليات العسكرية للفتوحات الإسلامية (موضوع آخر مستغرق بدوره)، بل نريد أن نربطها بجذورها التاريخية منذ العهد النبوي، ونبرز الخط التطوري لامتدادها نحو بلاد المغرب كجزء من المناطق التي شملها الفتح.
تلعب الحرب دورا محوريا في تفسير هذا الامتداد، لأن مجرد التأكيد على مبدأ "الجهاد" في النص القرآني، (العسقلاني ج6 كاملا) يعني ضمنيا ضرورة الدخول في علاقات حرب مع "الأعداء" (مبدئيا المجال الذي لا يخضع للإسلام)، ويدل هذا أيضا على أن الإسلام لم ينتشر دائما بالطرق السلمية، كما قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين، بدعوى أن الجيش الإسلامي كان يقدم دائما للمناطق التي يغزوها خيارا من ثلاثة مضامين: الإسلام أو الجزية أو الحرب، ويضع الحرب في المستوى الثالث، لكنها تاريخيا كانت تقفز في غالب الأحيان للمستوى الأول (عمارة1993 ص47)، وهكذا فقد كان للسيف دوره الفاعل في هذا الشأن (علي عبد الرازق2006ص58)، ومن ينكر ذلك يلغي الجهاد أصلا من الإسلام.
الحرب في الإسلام إذن تحمل اسم الجهاد، لكن الجهاد لا تكتمل دلالته الشرعية إلا إذا كان فعلا دينيا خالصا (أي في سبيل الله): «فالرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال (النبي): من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (العسقلاني ج6 ص34)، وهذا ما لا نستطيع تأكيده في كل الحالات، إذ عندما يتم استنفار الجنود فليس هناك ما يمكننا من الاطلاع على نفسيتهم وبالتالي فإننا نعجز عن ضبط "رموز السلطة" التي حركتهم للغزو، لن نستطيع طبعا أن نحدد من سيخرج لأجل الدين الخالص ممن سيخرج لأجل غنيمة خالصة. لذا ورغم كثرة الآيات الدالة على أن من يقتل في مواجهته للكفار هو شهيد وجزاؤه الجنة، فالظاهر أن للاستشهاد شروطا ينبغي توافرها، ولنا في دعاء النبي عليه السلام يوم بدر دليلا على ما نقول: «والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة. قال عمير بن الحمام، أخو بني سلمة، وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه، فقاتل القوم حتى قتل» (ابن هشام م1 ص627)، ولنقارن ذلك مع نص الشكوى التي تقدم بها وفد الخوارج المغاربة إلى هشام بن عبد الملك: «فخرج ميسرة في بضعة وعشرين رجلا فقدموا على هشام فلم يؤذن لهم فدخلوا على الأبرش (حاجب الخليفة) فقالوا: أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده، فإذا غنمنا نفلهم، ويقول: هذا أخلص لجهادنا، وإذا حاصرنا مدينة قدمنا وأخرهم، ويقول: هذا ازدياد في الأجر...» (ابن الأثير1967 ج3 ص47). لكل هذا طالما أكد النص القرآني على دور النفس البشرية وطباعها وتقلباتها... (الأمر الذي أصبح يحتاج بدوره إلى جهاد آخر هو جهاد النفس) (ابن قيم الجوزية 1992). والحاصل أن الذي يعتنق الإسلام وينخرط في محوره مفروض عليه الدفاع عنه، ليس هذا وحسب وإنما عليه نشره أيضا. وتقدم العقيدة الإسلامية في هذا الشأن مثالا رائعا عن الكسب الذي يجنيه من يقوم بهذه العملية الحربية، فهي تقنع معتنقها بأنه الرابح من مواجهاته مع الأعداء سواء انتصر فعلا أم لا: فإما النصر والغنيمة وإما الاستشهاد والجنة. هكذا يلتحم الديني بالدنيوي (رموز السلطة) لإعطاء الزخم الحقيقي لعمليات الغزو.
ابتدأ "الجهاد" بالمفهوم الإسلامي بعد الهجرة النبوية، قبل ذلك لم يكن العرب يعرفون له معنى. فلسنا ندري، بالضبط، ما الذي كانت عليه علاقات يثرب بمكة في "الجاهلية" (سحاب1992، ننصح بقراءة العمل كله نظرا لأهميته التوثيقية). فباستثناء إشارات متفرقة هنا وهناك (مثلا وفد الأوس الذي اتصل به النبي في عكاظ، وكان قادما لعقد اتفاق مع قريش)، فليست لنا أدلة واضحة على نوعية العلاقة بين المركزين، وإن كان يغلب على الظن أنها كانت علاقات سلمية، إذ لم يكن من مصلحة قريش، على الأقل، بسبب مرور تجارتها (رحلة الصيف)، نحو الشمال بيثرب، أن تتوتر هذه العلاقة (كما كان من مصلحة يثرب في الواقع أن تحافظ عليها لأنها تتاجر وتحج سنويا إلى مكة).
لكن هذه العلاقة "السلمية" ستنقطع بمجرد الهجرة النبوية، إذ لم يعد بالإمكان أن تواصل النهج القديم. لقد أعلن الرسول عليه السلام القطيعة مع أدوات التواصل التقليدية، ونقصد هنا بالذات العصبية القبلية والروابط الدموية. فمن يريد أن يحكم المجال الحيوي لقبيلة معينة يمكنه أن يتكئ على آلية/إوالية "العصبية القبلية"، أما من يريد أن ينشئ دولة بطموح ممتد فإن هذه الآلية/الإوالية تصبح متجاوزة تماما، لأن مجال الدولة، أية دولة، يفترض أن يتشكل من عصبيات عدة، متباينة أو حتى متعارضة، ولا بد لذلك، ولكل من أراد توحيدها من حشد آليات/إواليات أخرى، غير العصبية القبلية (ما عجز ابن خلدون لاحقا عن فهمه)، وقد أدرك النبي ذلك جيدا، وجاء الجواب عبر آصرة العقيدة - آصرة العقيدة أوثق من آصرة القرابة - وإنشاء محور سلطة إسلامي كان يفرض ذلك. وقد عبر النص القرآني عن ذلك أبلغ تعبير في قصة نوح مع ابنه (هود/45)، وقصة إبراهيم مع أبيه (التوبة/114، الزخرف/26)، وفي التشهير بأبي لهب وزوجه في سورة المسد... كما عبر النبي عن ذلك عندما وضع يده في يد الأنصار، في بيعة العقبة الثانية، وقال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» (ابن هشام م1 ص442)، موقف سيتأكد من خلال رفضه لدعوى عمه العباس، عقب بدر، أنه مسلم أخفى إسلامه (ابن هشام م1 ص10، م2 ص3)، رغم الموقف الذي كان قد وقفه العباس لصالح الدعوة الإسلامية في مراحلها العصيبة، وخصوصا مع بيعة العقبة الثانية (ابن هشام م1 ص441). فالحرب كانت وسيلة ضرورية لحسم النزاع، أو لنقل بأن الصراع بين المحور "الجاهلي" بكل موروثه العتيق مجسد في قريش/مكة (والذي يخفي وراءه نمط سلطة عشائري)، والمحور الإسلامي الفتي/يثرب، بطموحاته العريضة (والذي يطمح إلى تأسيس نمط سلطة دولتي)، قد وصل حد اللاّ رجعة إلا بانحسار أحد المحورين. مع الإشارة إلى أن الحديث عن "محور السلطة الجاهلي"، ومحاوره الفرعية، يحتاج منا إلى دراسة مختصة في الموضوع. أما مفهوم "نمط السلطة العشائري" فهو مفهوم ابتدعناه للدلالة على مجموع العلاقات السلطوية داخل المجتمعات العشائرية، التي دأبت الأنتروبولوجيا على نعتها بالبدائية/الوحشية/البرية... ونستطيع القول بأن كل المجتمعات البشرية قد مرت بمرحلة "نمط السلطة العشائري" لتصل لنمط أعلى وهو "نمط السلطة الدولتي"، أما المميزات الخاصة بكل شعب أو كل مجموعة بشرية فهي مميزات فرعية داخل هذا الجذع المشترك الذي هو إما عشائري أو دولتي.
قلنا بأن العباس نفسه هو من جس نبض الأنصار في العقبة الثانية، حتى يطمئن إلى أنهم قوم حرب، قادرين بالتالي على منع الرسول وحمايته، وقد جاء الرد على ذلك على لسان البراء بن معرور عندما قال: «والذي بعثك بالحق نبيا، لنمنعك مما نمنع منه أزرنا (نساءنا)... فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة (السلاح) ورثناها كابرا عن كابر...» (ابن هشام م1 ص442). وهكذا يتأكد أن الإسلام استفاد من الخبرة الحربية لعرب الجاهلية لتحقيق مشروعه السياسي.
لم يكن عرب الجاهلية يعرفون الجيش النظامي، أي ذاك النوع من البشر الذي شغله الشاغل هو الحرب والعمل الحربي. لا ينفي ذلك عنهم صفة الحرب بتاتا، فالحرب كانت جزء من حياتهم اليومية: يغيرون ويغار عليهم، لكن بعد انقضاء الغارة يعود الراعي لقطيعه والتاجر لتجارته وهلم جرا... كما أن الأعراف الجاهلية ابتكرت شيئا جديدا (الأشهر الحرم) للاطمئنان والاستكانة، إلا أن هذه الأشهر (الحرم) نفسها قد انتهكت مرارا (حرب الفجار مثلا)، كما أن مواقعها من السنة كانت تتغير بحسب رغبة بعض القبائل وعلى رأسها قريش وسمت ذلك نسيئا (ابن هشام م1 ص184)، ثم جاء الإسلام أخيرا ليحسم الموضوع: ‹﴿يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير﴾› (البقرة/217)، ‹﴿إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما﴾› (التوبة/37).
بعد الهجرة النبوية بدأ الرسول في تكوين جيش بمعناه المتخصص، صحيح أنه لم يكن متفرغا للحرب بصفة نهائية إذ ظل أفراده يمارسون أنشطة مدنية مختلفة، لكن مع ذلك فقد بدأ التخصص يلوح في الأفق. فالروايات التاريخية تحدثنا أن السرايا التي بعثها النبي قبل بدر بلغ عددها ثمانية (أي في أقل من سنتين)، فإذا أحصينا عدد السرايا والغزوات في مرحلة الإقامة النبوية بالمدينة (حوالي عشر سنوات) فإننا نعد حوالي خمس وستين. فإذا قارنا ذلك بعدد الأيام التي التقت فيها بكر وتغلب في البسوس، أو عبس وذبيان في داحس والغبراء، وكلاهما دامت أربعين سنة على ذمة الرواة، فإن أيام المواجهة الفعلية كانت معدودة على أصابع اليد (فحرب البسوس مثلا لم تزد فيها أيام المواجهة الحقيقية عن ستة، وهي: يوم النهي ويوم الذنائب ويوم واردات ويوم عنيزة ويوم القصيبات ويوم تحلاق اللمم)، من هنا نفهم النقلة النوعية الكبيرة في المجال الحربي التي سنها الرسول، والتي كان لها بالغ الأثر في انتصاراته اللاحقة.
فإذا أضفنا لذلك أن الخروج للجهاد عند المسلمين يجب أن ينظر إليه بكامل الجدية والصرامة، أدركنا التحول الآخر الذي أحدثه النبي على النظام الحربي التقليدي. فمنذ أول مواجهة حقيقية بين "الإسلام" و"الشرك" يتضح الفرق في طريقة الخروج للحرب. لا تهمنا هنا الأسباب التي دفعت قريشا لمعركة بدر، ولا أيضا ما دفع المسلمين إليها، لكن ما يهمنا هنا النظام الذي خرج به المسلمون: الطاعة لله والرسول، ونظام الصف الذي لم يألفه العرب، والذي اقتبس مباشرة من مؤسسة المسجد وشعيرة الصلاة... وفي المقابل نرى قريشا تخرج بالجواري والدفوف والخمور، وهو ما عبرت عنه الآية: ‹﴿كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورياء الناس﴾›الأنفال/47.
من الناحية التاريخية نحن متأكدون أيضا أن النبي عليه السلام هو الذي أحدث بين مجتمعات القبائل، ولأول مرة في تاريخها، مبدأ تعمير الأرض بعد غزوها. ففي السابق كانت القبيلة تغير على القبيلة، بغية ثأر أو غنيمة، ثم تعود إلى مضاربها سواء حققت هدفها أم لا. لكن الرسول، وبعد العمليات الحربية الأولى، سيتخذ خطوة أخرى هي إخضاع المجال للدعوة الجديدة، وهذا يعني أن كل من سيستقر على ذلك المجال سيكون خاضعا لها، أي لقوانينها، سواء كان هناك قبل الغزو أم بعده, وقد دشن الرسول هذه السياسة أولا في أراضي اليهود (بني قريظة وفدك ووادي القرى)، حيث أجلى اليهود عنها وعمرها المسلمون، كما فرض على أهل خيبر دفع الجزية مما يعني أن المجال قد أصبح خاضعا له. إن الغزو/الجهاد بهذا المضمون التاريخي ليس فعلا دينيا خالصا، بل هو أيضا فعل دنيوي، لكن على المسلم أن يقاتل من أجل الدين (الأجر والاستشهاد) أولا، ومن أجل الدنيا (الكسب المادي) ثانيا، وفي هذه الحالة لا يعود هناك أي تعارض بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة، قد يكسب المسلم الأجر والغنيمة معا، لكنه يؤمن قطعا بأن الاستشهاد أعلى درجة، لذلك فإن أي تغليب للجانب الدنيوي على الديني يجعل "الجهاد" مشكوكا فيه أصلا رغم كونه لا يتعارض مع ما هو دنيوي.
نظام "الغزوية" (أندرسون1983 ص143) الذي دشنه الرسول إذن بعد هجرته إلى يثرب أصبح مصدرا هاما من مصادر الثروة للدولة الناشئة، أي منذ أن حلت "الغزوات" الإسلامية محل "الأيام" الجاهلية، والتي كادت بعضها (الغزوات) أن تشرخ الصف الإسلامي نفسه، كما حدث في توزيع غنائم حنين مثلا، لولا أن النبي/السياسي تدارك المسألة بذكاء عندما امتص غضب الأنصار بقوله: «ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟» (ابن هشام م2 ص499). ويؤكد ذلك، لاحقا، نظام المعاملة في الأموال وهو نظام معقد فرضته ظروف الحرب وعلاقة المحور الإسلامي بخصومه، فهناك: الغنيمة (الفيء) والجزية والخراج، وكلها مرتبطة بالغزوية، وكذا ما اصطلح عليه في الفقه الإسلامي بأراضي الفتح العنوة في مقابل أراضي الفتح الصلح، مما تطلب تنظيما خاصا ومعرفة دقيقة بظروف الحروب وكيفية إسلام أهل المناطق المختلفة (فيما يخص أرض المغرب يراجع الناصري ج1 ص90، والوزاني1993 ج4 ص580...).
كان ذلك يخفي أيضا إمكانية تفسير مشوهة للحقائق، خاصة بعد أن توسعت دار الإسلام، إذ كان بإمكان الأمير، إذا كان جائرا، أن يترجم مبدأ "الفتح عنوة" حسب هواه للزيادة في مداخيله المالية. ولنا في ثورة الخوارج ببلاد المغرب (122هـ) المثال الأقوى على ما نقول: «ثم إن عمر بن عبد الله المرادي، عامل طنجة وما والاها، أساء السيرة وتعدى في الصدقات والعشر وأراد تخميس البربر، وزعم أنهم فيء المسلمين، وذلك ما لم يرتكبه عامل قبله، وإنما كان الولاة يخمسون من لم يجب للإسلام» (ابن عذاري1980 ج1 ص50).
لكن إعلان الجهاد على قريش والجزيرة وحدها، يتناقض مع توتاليتارية الإسلام وتوجهاته العامة (أي فكرة العالمية)، لذلك جاءت الفتوحات الإسلامية لتزكي هذا التوجه وتدعمه، وهو ما نلمسه بالخصوص في عهد الخلفاء الراشدين بل وحتى زمن الرسول نفسه. علينا أن نتذكر هنا صلح الحديبية الذي أعطى للإسلام مشروعية العمل داخل الجزيرة العربية، أي بين قبائلها، لكنه أعطاه أيضا شيئا آخر: فبمجرد أن وقع النبي عليه السلام الصلح أدرك أن صراعه مع قريش، وباقي القبائل العربية الأخرى، محسوم لصالحه لا محالة، طال الزمان أو قصر، وهو ما يفسر توجيه نظره إلى خارج حدود الجزيرة فيكاتب "ملوك الأرض" إذاك بشأن الإسلام (حميد الله ص100،109،135،140)، بل حول ممالكهم لاحقا إلى "دار حرب" عندما جس نبض الروم في معركة مؤتة، ثم أنفذ جيشا – وهو على فراش الموت – بقيادة أسامة بن زيد للثأر من هزيمة مؤتة، وهو العمل الذي أتمه أبو بكر، رغم اشتعال الجزيرة بفتن المرتدين.
كانت "دار الحرب" زمن النبي توازي دار الكفر (لاحظ كلمة "دار" التي توحي بتجانس المضمون وانغلاقه، في مواجهة مضمون آخر ل"دار" أخرى)، لكن بمجرد وفاته، وخاصة مع توالي الأحداث زمن الفتنة الكبرى، أصبح من الصعب إعطاء تحديد دقيق لدار الحرب، ذلك أن دار الإسلام أصلا هي المجال المعتنق نظريا لهذا الدين، وهذا يعني ضمنيا مبدأ أحادية الخلافة (أي تعميم خلافة واحدة على كل دار الإسلام)، وفي المقابل تقف دار الحرب التي ينبغي إعلان الحرب عليها.
كانت مسألة الإرث السياسي/الخلافة هي الصخرة التي تحطمت عليها وحدة الإسلام وفجرت محوره السلطوي، وذلك مهما كان حجم هذا الإرث السياسي، الذي عجز علي عبد الرازق عن إدراكه يوما (1925ص53) لأنه افتقر إلى الحس التاريخي، أي الوعي بأن كل واقع تاريخي هو نتاج تراكم تاريخي حتما. وقد كانت وفاة النبي بداية المحك الحقيقي لهذا المحور الذي سيبدأ في التمزق منذ تلك اللحظة ليعلن أن محاور جديدة تريد أن تبرز للوجود، وكان الحباب بن المنذر خير من عبر عن هذا الانشقاق عندما قال: «أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير» (ابن العربي1983 ص40)، لكننا نعرف كيف امتص أبو بكر أحداث السقيفة ليعيد للمحور توازنه من جديد، ولو إلى حين.
إن التصدع الذي برز مع الفتنة الكبرى في صراع علي ومعاوية، يدل على أن محور السلطة الأصلي الذي كونه الرسول لم يعد قادرا على مواكبة التطورات المستجدة، وعاجز عن استيعاب كل الأحداث المتواترة بسرعة، وأن محورا جديدا قد خرج من صلبه لينفيه، ومع كل هذا تم تمييع مفهوم "دار الحرب" مع تمييع مفهوم "الفئة الباغية:" "عمار تقتله الفئة الباغية" حسب مضمون الحديث النبوي (الطبري ج3 ص98)، وهي تهمة كان يتراشق بها المحوران معا.
فقد كون النبي محور سلطة متجانس لا يسير وفق الموروث القبلي القديم، بل دخلت في تحديد ملامحه عناصر ومقومات أخرى مستمدة من الدين الجديد. وقد استطاع هذا المحور أن يحافظ على وحدته طيلة فترة خلافة أبي بكر وعمر، رغم الهزة العنيفة التي تعرض لها في السقيفة، لكن الأحداث اللاحقة زمن عثمان والتي أودت بحياته، وخاصة الصراع بين علي ومعاوية، تؤكد أن محورا جديدا، أو محاور جديدة، قد خرجت من صلب المحور الأصلي لترتد عليه وتواجهه: هكذا اتسع مفهوم دار الحرب، وهكذا حاولت المحاور الجديدة استيلاد ذاتها في مجال جغرافي مغاير، وتؤكد التطورات اللاحقة أنها وجدت في بلاد المغرب أرضا خصبة للنمو، وبما أن هذه المحاور كانت تحمل سمة العداء التقليدي في مهدها الأصلي (جزيرة العرب)، فإنها وإذ انتقلت لبلاد المغرب ظلت تحمل نفس السمة، لكن يوحدها أصل مشترك هو الإسلام.
محور السلطة الإسلامي:
تأسيس المدن المغربية ضمن سيرورة الفتح الإسلامي.
الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، بشقيه: العسكري والمدني، تواصل على مدة طويلة، خلال هذه المدة وصل العرب إلى المنطقة ووصل معهم الإسلام: إننا ننظر لعملية الوصول هذه على أنها عملية مستمرة، منظمة، ومتجانسة: بلاد المشرق تبعث أبناءها إلى بلاد المغرب لفتحها ونشر الإسلام بها؟
لكننا بهذا نجهل، أو نتجاهل، سؤالا محوريا هاما: أي "شرق" نقصد، وبالتالي أي محتوى للإسلام وصل للمغرب؟
جغرافيا: الوافدون يأتون من الشرق، لكن ما هو المضمون العقدي والثقافي لهؤلاء الوافدين، هل هو مضمون واحد أم مضامين متعددة؟ هل الفتح فعلا عملية مستمرة، منظمة، ومتجانسة أم لا؟
بتحليلنا للمدة التي نعالجها، نلاحظ أولا ثلاث خلافات تعاقبت على بلاد المشرق ورثت إحداها الأخرى: الراشدة، فالأموية، ثم العباسية، لكن عندما نحلل موضوع الفتوحات لا نثير بدقة هذه المعضلة. صحيح أننا تعودنا على مطالعة عناوين من نوع: الفتوحات في عهد عثمان، أو فتوحات عبد الملك وفتوحات يزيد... لكننا نهمش الشرخ الذي حصل بين كل خلافة ووريثتها، وهو الشرخ الذي أحدث تغيرا ملحوظا على الإسلام السياسي بكل مكوناته، فجعل حول كل خلافة عددا من المناوئين لها والطاعنين في مشروعيتها والمطالبين بتغييرها، ومع مرور الزمن أصبح من الاستحالة العودة إلى "مضمون الحكم" بالصورة التي كان عليها زمن النبي عليه السلام وأبي بكر وعمر، أي الفترة التي ستتحول إلى "رمز" كان وما زال إلى اليوم عالقا بالذاكرة الجماعية الإسلامية التي ترى أنه النموذج الذي ينبغي تأسيس حكم إسلامي على منواله، لكن بدل تحقيق هذا النموذج أصبحت هناك تأويلات متعددة أفرزتها التطورات المتتالية التي لم تزد المشكلة إلا تعقيدا.
أكيد إذن أن الحملات الاستكشافية التي احتكت مع بلاد المغرب زمن عثمان بن عفان، هي غير حملة عقبة بن نافع على المنطقة، وهي غيرها حملات حسان أو الوافدين على تاهرت الرستمية أو فاس الإدريسية، أي أن عقيدة الوافدين قد تغيرت مع مرور الزمن. مع التذكير بأننا لم نعتبر الفتح، ومنذ البداية، عملا عسكريا خالصا، ولم نعتبر أنه انتهى مع موسى بن نصير، إذ معروف مثلا أن الأدارسة لعبوا دورا كبيرا في نشر الإسلام بالمغرب الأقصى، مما يعني أن الفتح إلى ذلك التاريخ لم يكن قد حسم بعد.
لا نريد بطرح هذه الملاحظات أن نثير فقط فكرة أصبحت الآن قديمة جدا، مفادها أن ما جرى ببلاد المغرب لم يكن إلا انعكاسا طبيعيا لأحداث المشرق، والصراع السياسي والمذهبي الدائر فيها، بما أن المغرب أصبح جزء من الإمبراطورية العربية (سعد زغلول ص451، العروي1982 ص87)، وإنما نريد أن نتساءل: هل أصبح المغرب فعلا جزء من إمبراطورية عربية موحدة؟ وهل كان الإسلام فعلا يسعى عبر تشييد المدن، أو ترميمها، إلى التمهيد لتوحيد المنطقة؟ كما ذهب لذلك العروي (1982 ص105).
لا بأس أن نعود هنا إلى نقطة أساس كنا قد أثرناها في المبحث السابق من هذا الفصل وتتعلق بمفهوم دار الحرب والتطورات التي طرأت عليه. إن القول بتوحيد المناطق الخاضعة للإسلام يقتضي تعميم خلافة واحدة عليها. لا نستطيع أن ننكر بأن بلاد المغرب في إحدى فترات الأمويين قد أصبحت خاضعة للشرق – نقصد الخضوع الاسمي على الأقل ونقفز بالتالي على ثورات المغرب خاصة الخوارج – وبالتالي فإن "الإمبراطورية العربية" الموحدة (النعت لزغلول والعروي، ونفضل نحن استعمال "الإمبراطورية الإسلامية") أصبحت تضم ما بين بلاد السند وبحر الظلمات، لكننا لا ننظر لهذه القراءة إلا بوصفها قراءة مستعجلة للأحداث، إذ أن التطورات اللاحقة تثبت عكس ذلك تماما، وتأسيس المدن، الذي اعتقد العروي أنه هدف لتوحيد المنطقة، يعكس في حد ذاته سمة التجزيء التي عرفتها بلاد المغرب منذ البداية، خاصة مع ظهور "المحاور الجانبية" ونجاحها في تشكيل كيانات سياسية خلال القرن الثاني الهجري (الرستميون- المدراريون – الأدارسة – الأغالبة – برغواطة...) والتي استفادت من موقعها التجاري لتغذي طموحها السياسي، مما يظهر «إمكانيات المنطقة من حيث تمويل الحركات السياسية وإقامة الدول في إطار معاكس لإطار الوحدة، أي في إطار التمزق الذي تميزت به المنطقة» على حد رأي القبلي (1987 ص15).
نحن هنا حيال فكرتين متضادتين تماما: تزعم الأولى (العروي) بأن تأسيس المدن كان يهدف إلى تحقيق الوحدة التي يطمح إليها الإسلام، وتزعم الثانية (القبلي) بأن تكوين الإمارات، المدن إذن، دليل على إمكانيات المنطقة للسير بها نحو التجزئة!
لنضف إليهما فكرة ثالثة لم يتتبعها صاحبها لاستكشاف أبعادها الحقيقية، تبدو ظاهريا غريبة عن الفكرتين السابقتين، لكنها في العمق تطرح نفس الإشكال، يقول صاحبها (محمود إسماعيل1985 ص144): «ليس غريبا أن يرضخ بربر المغرب الأوسط لزعامة إمام من غير البربر (يقصد ابن رستم)، فإن كافة الدول التي قامات ببلاد المغرب حتى قيام الدولة الفاطمية اعتمدت على شخصيات من غير البربر بمنزلة دينية خاصة في معظم الأحيان».
قبل تركيب الأفكار الثلاثة، لا بأس أن نذيلها بالسؤال التالي: ما هو السبب الذي جعل شخصيات غير بربرية تقود البربر وتتزعمهم لإنشاء حركات سياسية (بنو صالح، بنو عصام، الرستميون، الأدارسة، الفاطميون...)؟ وقبل طرح هذا السؤال أيضا نسجل أننا لا ندري ما الذي حمل محمود إسماعيل على تعميم هذا الحكم (كافة الدول التي قامت بالمغرب قبل الفاطميين اعتمدت على غير البربر)، إذ نعرف بأن أبا قرة اليفرني (من زناتة) نجح في تكوين إمارة صفرية بتلمسان، وأبا القاسم سمكو بن واسول الصنهاجي أسس إمارة أخرى بسجلماسة.
سعى المحور الإسلامي الأصلي منذ البداية إلى الامتداد المجالي ووصل إلى بلاد المغرب وبدأ في تأسيس المدن (القيروان، تونس، مونستير، نكور... أي المدن التي كانت تدور في فلك خلافة المشرق عند تأسيسها)، وكان يسعى إلى تحقيق الوحدة وتثبيتها. لكن العملية انسحبت على مدة تاريخية طويلة، أثناءها حصلت انقسامات داخل المحور الأصلي وانبثقت عنه محاور جانبية أسست بدورها مدنا جديدة خاصة بها (تاهرت، سجلماسة، فاس... أي المدن التي تأسست أصلا في إطار انفصالي)، لهذا فبقدر ما كان المحور الأصلي يسعى لتحقيق الوحدة كانت المحاور الجانبية تطمح لتحقيق التجزئة والانفصال.
لكن المحاور الجانبية لا تنسى أنها خرجت من صلب المحور الأصلي، فهي ثقافيا تنتمي إليه رغم أنها سياسيا تريد الاستقلال عنه: إنها تشترك معه في حد أدنى من التصورات تجعلها تنتمي دائما للثقافة الإسلامية العامة، لكنها تريد أن تسير أمورها الدنيوية بمعزل عنه.
هناك إذن خلافات سياسية واختلافات حول قراءة وتأويل مشروع الحكم كما تبناه الإسلام، لكن هناك أيضا الانتماء إلى ثقافة واحدة وهي الثقافة الإسلامية التي حملها المسلمون لمختلف المناطق التي فتحوها ومنها بلاد المغرب، وتريد بالتالي أن تحل محل الموروث المغربي القديم، أي كل الثقافة التي تراكمت فيه إلى غاية مجيء الفاتحين، ويحصل الإنجاز العظيم عندما يشعر هؤلاء البربر فعلا أن موروثهم العتيق بكل قيمه ومقوماته ينبغي تجاوزه وتعويضه بالمحتوى الجديد، فتصبح العملية إذن قوة داخلية دافعة أكثر منها خارجية، ويصبح معها التطلع إلى هذا المحتوى الجديد تبنيا للمشروع الذي يقدمه والذي يشكل المثال النموذجي للبربر، وبما أن هذا المحتوى الإسلامي مقدم بلغة عربية، يصبح الإسلام والعربية يجسدان هذا المثال، وهو ما يفسر أن معظم الزعماء الأوائل كانوا من غير البربر، إلى أن يحين الوقت الذي يتقن فيه البربر الإسلام، فيتساووا بالتالي مع العرب: إن هذه العملية الطويلة والمعقدة هي ما اصطلح على نعته بتعريب بلاد البربر: إنها في الواقع نشر للإسلام أكثر منها للعربية، لأن العربية في النهاية لم تكن إلا وسيلة، رغم كونها ضرورية لنشر الإسلام (خاصة لتأدية الصلاة)، وقد لعبت المدن دورا هاما لتحقيق هذا التغيير بوصفها أولا مراكز لاحتضان السلطة السياسية، وبوصفها ثانيا مؤهلة، أكثر من البادية، للتعبير عن الثقافة الجديدة.
نظر العروي إلى المدن بمدلولها الثقافي وعزلها عن شحنتها السياسية فبدت له عملية التأسيس تميل لتحقيق الوحدة، ونظر القبلي إلى المدن نفسها لكن بوصفها مراكز سياسية ونزع عنها بعدها الثقافي فبدت له تجنح نحو التجزئة، كل منهما وصف الفيل، كما في الأسطورة الشهيرة، انطلاقا من العضو الذي لمسه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (من جزين الجزء الثاني والاخير)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الفتح الإسلامي لبلاد المغرب وأبعاده الحضارية
» الفتح الإسلامي لبلاد المغرب وأبعاده الحضارية
» الفتح الإسلامي لبلاد المغرب (من جزئين الجزءالاول)
» عهد الفتح الإسلامي (من جزئين الجزء الثاني والاخير)
» الفتح الإسلامي لبلاد الشام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى العالم العربي والإسلامي-
انتقل الى: