قصة الشرايين التاجية

قصة الشرايين التاجية
اكتمل اعداد المائدة العامرة بألوان الطعام، وتحلّق حولها المدعوّون، وجلس في صدر المجلس صاحب الدعوة وضيف الشرف فضيلة الشيخ الذي يفترض أن يكون أول من يمد يده مبتدئا باسم الله، لكن صاحب الدعوة بادره بسؤال لم يكن متوقعا تلك اللحظة، فقد قال له:
هل يمكن ان تحكي لنا فضيلة الشيخ قصة يوسف؟
ادرك الشيخ ان رد طلب صاحب الدعوة لا يناسب الآداب السائرة، لكن الانشغال بقصة يوسف لا يناسب المائدة العامرة. أخيرا أنقذته سرعة البديهة فقال وهو يمد يده الى اول لقمة:
انه غلام فقده اهله ثم وجدوه.
هل احكي لكم قصة الشرايين التاجية على طريقة فضيلة الشيخ؟ أم على طريقة فضيلتي؟
على طريقة فضيلة الشيخ سأقول: انها الشرايين التي تغذي القلب، ولو تضيّقت لسبّبت الذبحة الصدرية، ولو انسدت لسبّبت الجلطة القلبية، ثم أمد يدي الى اول لقمة.
لكن طريقة فضيلتي تقتضي ان أعطي الموضوع حقه بما يتسع له المجال، واجعل القارئ يعرف معنى كل كلمة بوضوح لا يخلّ بالموازين العلمية ولا يتجاوز الحدود الصحفية، وهي مهمة شاقة يستطيع القارئ ان يعينني عليها بشيء من الصبر إذا واكبني في اكثر من حلقة.
لنعرف الاسماء و المسميات أوّلاً.
اوّلاً دعونا نعرف ما هي الشرايين؟ ولماذا سميت شرايين القلب بالتاجية؟ وما هي الذبحة الصدرية وما هي الجلطة القلبية؟
الشرايين هي الأوعية الدموية التي تنقل الدم من القلب لتوزعه توزيعا عادلا منصفا سخيا كريما سريعا الى جميع اعضاء وانسجة الجسم. تبدأ الشرايين كبيرة ثم تصغر تدريجيا كلما ابتعدت عن القلب. اول شريان هو الشريان الأبهر الذي يخرج من البطين الايسر محملا بتركيز عال للاوكسجين باشباع يقرب من 100%. يجري الدم في الشرايين بسرعة وتحت ضغط عال. تنظم الشرايينُ ضغط َالدم المار فيها عن طريق العضلات الملساء الموجودة في الطبقة الوسطى السميكة من جدرانها والتي تتقلص فيرتفع الضغط، أو تنبسط فينخفض. والعضلات الملساء هذه تخضع بدورها لسيطرة شبكة من الاعصاب تابعة لنظامين: مركزي يتلقى أوامره من الدماغ، ومحلّـي يستجيب للشروط والظروف المحلية الخاصة بكل عضو.
التاجية صفة للشرايين التي تغذي القلب، فالقلب - شأنه شأن سائر الاعضاء – يحتاج الى شرايين تنقل له الاوكسجين والسكر وسائر المواد الغذائية الضرورية. ينبع من الشريان الابهر في بدايته شريانان تاجيان (أيسر وأيمن) خاصان لتغذية القلب. القلب يشرب من المنبع الرئيسي، بل من رأس النبع قبل أن يذوق الـدم أي عضو آخر. يتفرع الشريانان التاجيان الى فروع بعضها ينزل في اتجاه النهاية المخروطية للقلب، وبعضها يدور حول القلب في الاخدود الذي يفصل البطينين عن الدهليزين. ومسيرة الشرايين القلبية المتفرعة تعطيها شكلا اشبه بالاكليل الذي يتسربل به القلب أو التاج الذي يضعه القلب على رأسه. ومن هنا اكتسبت شرايين القلب اسم الشرايين التاجية، ومن هنا ايضا يسميها البعض بالشرايين الاكليلية، فهي تشبه التاج على رؤوس الملوك، والاكليل على رؤوس العرائس.
الذبحة الصدرية هي شعور بأَلـَم في الصدر بسبب نقص الدم الوارد الى القلب عن طريق الشرايين التاجية. إذا كانت الشرايين التاجية سليمة فانها تنقل الى القلب ما يحتاجه من الدم الغني بالاوكسجين. فالاوكسجين هو أهم ما تنقله الشرايين التاجية الى القلب وهو (أي الاوكسجين) يمثل الحاجة الآنية والضرورية التي لا يصبر القلب على نقصها دقيقة واحدة، لأن القلب يريد أن يتنفس، أي يريد ان يتزود بالاوكسجين. ولأن القلب هو العضلة الوحيدة التي لا تتوقف عن العمل فهو في حاجة الى التزوّد بالاوكسجين لحظة بلحظة. اذا قلّ جريان الدم في الشرايين التاجية نقصَ الاوكسجين وأصيب القلب بالاختناق وضجّ القلب بالشكوى، وشكواه عبارة عن ألم الذبحة الصدرية والتي تسمى أيضا بالخناق الصدري. فإذا عاد جريان الدم الى حاله الطبيعي، دخل القلب كمية كافية من الاوكسجين وتنفس القلب الصعداء وزال الاختناق الصدري وزال ألم الذبحة الصدرية، اما اذا استمر نقص التروية ونقص الاكسجة (أي نقص تجهيز الاوكسجين) فان الذبحة الصدرية ستتحول الى جلطة قلبية.
الجلطة القلبية هي موت قسم من عضلة القلب بسبب استمرار حبس الاوكسجين عن ذلك القسم (بسبب نقص الدم الوارد عن طريق الشرايين التاجية) . نقص الاوكسجين اذا كان عارضا موقتاً فانه يسبب الذبحة الصدرية، اما اذا كان ثابتا او متزايدا فانه يسبب الجلطة القلبية. يعني ببساطة ان اختناق القلب إذا زال عادت المياه الى مجاريها، اما اذا استمر خنق القلب فكل خنق يؤدي في النهاية الى وفاة. الجلطة هي وفاة بسبب الخنق المتواصل. لكن الجلطة لا تعني موت كل عضلة القلب، بل هي موت ذلك القسم من القلب الذي يغذيه شريان تاجي تضيّقَ الى حد الاغلاق. وعادة يموت قسم محدد يمكن التنبؤ به عن طريق معرفة الشريان او فرع الشريان ومسير ذلك العرق، فيقال ان هناك جلطة في الجدار الامامي من القلب اذا كان الشريان المغلق هو الفرع النازل من الشريان التاجي الايسر، او ان الجلطة في الجدار الاسفل من القلب اذا كان الشريان المغلق هو الشريان التاجي الايمن، وهكذا.
لماذا تضيق الشرايين التاجية؟
الشرايين تشبه في وظيفتها انابيب الماء التي تنقل الماء من الانبوب الرئيسي الى اقسام البيت المختلفة (الحمام والمطبخ...الخ)، فهذه الأنابيب تعمل بكفاءة عندما يكون البيت حديث التأسيس (أي شابّاً في المصطلح الطبي)، فاذا شاخ البيت وظهر التصدع في جدرانه والثقوب في سقفه شاركت الانابيب البيت شيخوخته وظهرت فيها الشيخوخة في شكل ترسبات جيرية او كلسية داخلها تؤدي بالتدريج الى تضيّق مجرى الماء وانخفاض مساحة القطر الحر للأنبوب الذي عندما ينكسر تلاحظ ان داخله يكاد يمتلئ بالترسبات ولا يبقي مساحة كافية لمرور الماء.
شيء مشابه لهذا يظهر في الشرايين التاجية، فهي تضيق بمرور الزمن بسبب ترسبات تقلص فضاءها فتقلل كمية الدم المتدفق فيها. كل ما في الامر ان الترسبات ليست جيرية كما في مواسير المياه، بل هي ترسبات دهنية يشكل الكولسترول مادتها الرئيسة، وتضاف لها املاح الكالسيوم لتعطيها صلابة تستحق أن نسمي الحالة تصلب الشرايين.
اذن تصلب الشرايين هو الذي يضيقها، وهو يحدث كنتيجة طبيعية للشيخوخة ومضي السنين واقتراب السبعين، والتضيق اذا كان خفيفا فانه يسبب الذبحة الصدرية اثناء الاجهاد حيث «يختنق القلب» ويزول بعد الراحة حيث تقل حاجته الى الاوكسجين. اما اذا كان التضيق شديدا ودام الاجهاد، او اذا انسدت المنطقة المتضيقة بخثرة، ماتت المنطقة التي يغذيها ذلك الشريان وحدثت الجلطة.
لماذا تتصلب الشرايين؟
هناك تصلب بطيء يحدث لدى كبار السن وهو جزء من الشيخوخة الطبيعية، فلا يمكن ان يستمر الشباب في الانسان المخلوق للموت بعد أن يأخذ نصيبه من الدنيا.
وهناك تصلب شرايين مَرَضي يحدث في عمر مبكر وعليه تتركز البحوث الطبية والجهود الوقائية والعلاجية.
وسنتعرف في العدد المقبل ان شاء الله الى اسباب تصلب الشرايين كي نعرف اسباب الذبحة الصدرية والجلطة القلبية أجاركم الله منها.

» تصلب الشرايين التاجية وجلطة القلب Coronary Atherosclerosis and Myocardial infraction
» جراحة شرايين القلب التاجية
» الكوليسترول وأمراض القلب التاجية
» مرض شرايين القلب التاجية والوقاية منه الذبحة الصدرية و الجلطة القلبية
» مرض تصلب الشرايين