10/6/1916م انطلاقة الثورة العربية الكبرى

هي الحركة المسلحة التي دعت إليها الجمعيات العربية السرية في المشرق العربي ضد الحكم العثماني .
وأعلنت بزعامة الشريف حسين بن علي أمير مكة في يونيو عام 1916م بهدف تحقيق دولة عربية حرة مستقلة تضم الجزيرة العربية والمشرق العربي .وقد كان الشريف حسين شريف مكة المكرمة يعتقد أنه أحق بالخلافة الإسلامية لكونه عربيا وهاشميا .كما كانت الدولة العثمانية تضايقة من خلال تعيين الباشاوات في جدة وفي نفس الوقت كانت بريطانيا تبحث عن حلفاء لها في المنطقة خاصة وأن غيوم الحرب الأولى كانت تتلبد في سماء العالم .وقد سبق إعلان الحركة اتصالات هامة مع بريطانيا التي شجعت قيامها وتعهدت بالتزامات محددة في حال المباشرة .لأن انضمام تركيا إلى ألمانيا إبان الحرب العالمية الأولى أصبحت تهدد قناة السويس والمواصلات الحربية والتجارية البريطانية في المنطقة .
فمن جهة أخرى تمكن بذور هذه الحركة في التطلعات القومية العربية والرغبة في بناء دولة عربية ناهضة تنقل العرب من عصر الانحطاط والتخلف إلى الارتقاء الحضاري والمساهمة في التقدم الإنساني وضد سياسة الاضطهاد القومي ومعادة العرب لقادة الإمبراطورية العثمانية التي اتبعوها خصوصا بعد انقلاب جمعية الاتحاد والترقي عام 1908م التي حالفت الحركة الصهيونية في فلسطين .
وقد وجدت هذه الجمعيات العربية في الشريف حسين بن علي وأولاده حليفا لها في تحقيق أهدافها ولا سيما بعد ان اتصلت بالأمير فيصل بن الشريف حسين واستمالته لصفها .
تكونت هذه الجمعيات قبل الحرب العالمية الأولى وكانت تضم نخبة من الشباب العربي في المشرق ولها امتداداتها في الضباط العرب في الجيش العثماني وكان لهم تنظيمهم السري الخاص(جمعية العهد ) ولما كان هؤلاء غير قادرين على إعلان الثورة وحدهم وضمن ظروف الحرب فقد تطلعوا إلى التحالف مع الشريف حسين فأوفدت الجمعية العربية الفتاة أحد أعضائها ليطلعه على أهدافها وعملها من أجل الإعداد للثورة وقد عرض عليه المندوب بأن يتصدر قيادة الثورة المرجوة إذا رغب0
استهوت الفكرة الشريف حسين الذي لم يكن على علاقة طيبة بالأتراك فأرسل ابنه فيصل في مارس عام 1915م إلى اسطنبول لكي يتسنى له المرور بدمشق والاتصال بالقادة الوطنيين الذين أدخلوا فيصل إلى الجمعية العربية الفتاة بعد أن اكتشف هؤلاء بأن فيصل لم يشاركهم طموحهم القومي ومخاوفهم من أطماع الدول الأوربية .
وقد سلم قادة الجمعية الفتاة الفيصل خطة عمل تضمنت شروط تعاون العرب مع بريطانيا ضد تركيا ليسلمها إلى أبيه ليعرضها بدوره على الانجليز كأساس للتعاون وقد عرفت هذه الخطة باسم (بروتوكول دمشق) الذي رسم حدود الاستقلال العربي وإلغاء الامتيازات الأجنبية وعقد تحالف بين بريطانيا والدول العربية العتيدة .
حيث أرسلت بريطانيا رجل المخابرات لورانس لبحث عن حليف لبريطانيا في الأسرة الهاشمية فوقع اختياره على فيصل .
وأرسل الشريف حسين الأمير فيصل إلى دمشق لاستطلاع رأي الجمعيات العربية والقومية وخاصة الجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد فيما يجب أن يطلبه العرب من الإنجليز مقابل اشتراكهم في الحرب إلى جانبهم وإعلان الثورة على تركيا .
وكانت اتصالات الشريف حسين الأولية قد بدأت عندما اجتمع الأمير عبد الله بن الحسين باللورد كيتشر المفوض السامي في القاهرة خلال فبراير 1914م حيث اتفق الطرفان على استمرار الاتصالات استؤنفت المفاوضات على شكل مراسلات حسين مكماهون وتضمنت الرسالة الأولى التي بعث بها الشريف المعتمد
البريطاني في نصوص بروتوكول دمشق كأساس للتحالف بين بريطانيا والعرب ضد الأتراك .بالإضافة إلى مطالبة بريطانيا الاعتراف بخليفة عربي للمسلمين حين إعداد ذلك .
ومن خلال المراسلات المتبادلة (1915-1916م)تعهدت بريطانيا الاعتراف بالاستقلال العربي وتأييده .
في الوقت الذي كانت فيه المراسلات تتجه نحو بلورة أسس التحالف العربي البريطاني كان الموقف يتجه نحو التدهور في المشرق العربي حيث صب جمال باشا السفاح جام غضبه على الضباط العرب بعد إخفاق حملته على قناة السويس فقد قام بإبعادهم إلى شمال تركيا واتبع البطش والإرهاب .
فصادر المؤن والغلال فانتشرت المجاعة وتفشت الأمراض ثم حاكم أحرار العرب وقادتهم ونصب المشانق لهم في عالية مما دفع قادة الحركة العربية في المشرق بالضغط على الشريف حسين للتعجيل في إعلان الثورة وتم في 10/6/1916م .
وفي 2/7/1916م أصدرت الحكومة التركية قرار بعزل الشريف حسين وعينت احد أقاربه (الشريف علي حيدر ) خلفا له.
فبادر زعماء العرب ومشايخ العرب في الحجاز إلى مبايعة حسين ملكا على الدولة العربية وكذلك كان في نهاية أكتوبر 1916م .
وبناء على ذلك قام العرب بالثورة وشكلوا أربع جيوش بقيادة أبناء الشريف حسين الأربعة (فيصل –عبد الله –زيد – علي )وحاربوا إلى جانب بريطانيا وهاجموا القوات التركية .
بدأت المعارك الحربية في جده في 13/6/1916م وانهزمت الحامية التركية وسقطت مكة في 9/7/1916م من العام نفسه وبعد شهرين تقريبا حرر العرب ثغري (الليث )على البحر الأحمر بين الحجاز واليمن وفي 13/9/1916م استسلمت الطائف وفي يوليو عام 1917م سقطت ميناء العقبة .
وعندما احتل البريطانيون بغداد احتج الحسين وكانت الإجابة البريطانية بان ذلك تدبير عسكري مؤقت ولا أهمية له من الوجهة السياسية .
وإبان عامي 1916-1917م انضم الجيش الشريفي عدد من الضباط الوطنيين من سوريا وفلسطين ممن كانوا في الجيش العثماني وتطوع عدد كبير من عرب المشرق فوصل الجيش الشريفي إلى سبعين ألف مقاتل وانطلق عام (1917-1918م) ليساعد جيوش الجنرال أللنبي لتحرير فلسطين .
فاحتلت القوات العربية طولكرم الفلسطينية في 19/9/1918م وكان أول من دخل دمشق ورفع العلم العربي عليها في 1/10/1918م وأصبح الأمير فيصل المتحدث الرسمي باسم القضية العربية وبعد ذلك قام الجيش الشريفي لتحرير بيروت وطرابلس وصيدا وصور وحمص وحلب وحماه .في أكتوبر ألف شكري الأيوبي الحكومة العربية الأولى في بيروت ورفع العلم العربي على سرايا بيروت وهكذا تمكنت الثورة العربية الكبرى من طرد القوات التركية من الحجاز ومن مناطق في شرق الأردن وساعدت المجهود الحربي البريطاني عسكريا وسياسيا
في المشرق العربي ورفع العلم العربي على دمشق وبيروت فاقترب العرب من إقامة الدولة العربية الموحدة في الجزيرة والمشرق .
لولا أن الغرب الامبريالي أخذ ينفذ مؤامرات في التجزئة والاحتلال والإلحاق بتقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق عسكرية جنوبية (فلسطين تحت الانتداب البريطاني ) وشرقية تمتد من العقبة جنوبا الى حلب شمالا تحت إدارة فيصل وغربية تضم المنطقة الساحلية من سوريا ولبنان من صور جنوبا إلى كليليكيا شمالا تحت الإدارة الفرنسية واتبع ذلك الغزو العسكري الفرنسي وفرض الانتداب البريطاني على فلسطين وشرق الأردن والعراق كما فرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان .
لقد أوفى العرب بدورهم وتعهدهم في الاتفاق ولكن بريطانيا تنكرت للعرب كالعادة عندما عقدت اتفاقية سايكس بيكو مع فرنسا وروسيا من وراء ظهورهم وعندما أصدرت تصريح بلفور الذي ينص على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين .