ظهور هرتسل

ولد تيودور هرتسل في بودابست سنة 1860 م لعائلة يهودية ميسورة ولم يتلق تعليما دينيا متزامنا في صغره إذ نبعت دراسته وثقافته عامة من الروح السائدة يومئذ في أوروبا الوسطى وهي روح التنوير والاندماج اليهودي في الحضارة الألمانية وكان طموحه الأكبر إن يدرج اسمه في عداد الكتاب الكبار بالألمانية ، انتقل إلى فينا سنة 1878 م فدخل كلية الحقوق وحصل على الدكتوراه في التشريع الروماني سنة 1884م إلا انه سرعان ما تحول في اقل من عام من عالم الحقوق إلى عالم الأدب منصرفا إلى كتابة القصة والمسرح والنقد والمقالات الصحافية ، كان هرتسل في هذه المرحلة من شبابه في عداد التيار الاندماجي والى الحد الذي يسبق له مثيل وقد رشح هرتسل يهود النمسا طليعة اليهود المتحولون إلى المسيحية .
وكان يحلم بالوصول إلى بابا الفاتيكان ليقول له ( ساعدنا ضد معاداة السامية وأنا سأقود حركة ضخمة عظيمة من اجل اعتناق اليهود المسيحية اعتناقا حرا ومشرفا )وشرح هرتسل معنى الاعتناق الحر والمشرف بكونه يستثني قادة الحركة من التحول ويستثني نفسه بالذات فهؤلاء القادة سيبقون يهودا وإما الاعتناق الجماعي المنشود فسوف يتم في ضوء النهار وفي الآحاد وفي كاتدرائية سان ستيفان وسط مراسم الاحتفالات وقرع الأجراس فالتحول لن يكون معيبا كما كان اليهود الأفراد يتحولون من قبل مع مظاهر الكبرياء وبما إن قادة اليهود سيبقون يهودا وسيرافقون الجموع إلى عتبة الكنيسة ويقفون هم أنفسهم خارجها فالأداء الكامل مع هذه المسحة من الصراحة والإخلاص لابد من إن يرتفع شأنه.
وهكذا كان هيرتسل ينظر إلى الشعوب كلها ومن دون استثناء على أنها معادية للسامية وان يكن بعضها في رأيه يعلن معاداته للسامية وبعضها يخفيها.
ويتضح الربط العضوي بين الاضطهاد والقومية في فكر هيرتسل وهو يدلي بشهادته أمام لجنة ملكية بريطانية سنة 1902م إذ يقول:
أنا سأعطيكم تعريفي للشعب وانتم تستطيعون إن تضيفوا إليه صفة اليهودي فالشعب هو جماعة تاريخية تتميز بالتماسك الذي يجمع بينها عدو مشترك تلك نظرتي إلى الشعب فان أضفتم كلمة يهودي يصبح لديكم ما افهمه أنا ( الشعب اليهودي ) والعدو المشترك هو المعاداة للسامية.
ويعتبر هيرتسل موسس الحركة الصهيونية وزعيمها الأوحد منذ إنشائها حتى وفاته وهيرتسل الصحافي المثقف اللامع وهيرتسل الروائي والمسرحي والناقد والمفاوض والدبلوماسي والناور الذي امتلأت حياته السياسية على قصرها بمئات المقابلات والاتصالات والرحلات ومذ صدور كتابه عن ( الدولة اليهودية ) يبدو لنفسه بأنه الزعيم الأول والقائد منذ قيامه بمشروع كتابه هذا منذ سنة 1895م وكتب برسالة إلى مجلس آل روتشيلد في حزيران 1895م يقول فيها:-
سأتفاوض مع القيصر الروسي من اجل السماح لليهود الروس بمغادرة البلاد وعليه إن يعطيني كلمته الإمبراطورية كي تطبع في الجريدة الرسمية ثم أتفاوض مع القيصر الألماني ثم مع فرنسا بشأن اليهود الجزائريين، فكتب يقول أنا اعتقد إن الحياة بالمسبة إلي قد انتهت وان تاريخ العالم قد ابتدأ.
وهكذا يتضح إن هيرتسل كان يفكر ويخطط كزعيم قبل ولادة الصهيونية الرسمية والفعلية بسنوات، وينضح من ولادة الصهيونية ولدت متزامنة مع ولادة الزعامة في ذاته فالصهيونية والزعامة توأم شخصيته.
وقد كان هيرتسل هاجم هيرش اليهودي الثري بمشروعه الاستيطاني لبضعة آلاف من اليهود في الأرجنتين وقال هيرتسل إن هذا الإحسان إلى فقراء اليهود يبقيهم جبناء وضعفاء وإما توظيف المال في مشروع سياسي فيضمن لهم الأرض التي
تخصهم وحدهم ( أي مشروع الدولة ).

مؤتمر بازل
ابتدأ التحضير الجدي لعقد مؤتمر صهيوني مع مطلع سنة 1897م. وكان مقررا عقده في ميونخ، لكن لما أرسلت الدعوات الرسمية، غضب اليهود الغربيين وأعلنوا سخطهم على المؤتمر واعتبرته الصحافة الألمانية اليهودية خيانة. كما أعلنت رابطة رجال الدين اليهود في ألمانيا إن هذا المؤتمر يناقض الدعوة المسيائية، ولذا رفضته بشدة.
أدت هذه الحملة إلى نقل مكان المؤتمر إلى بازل في سويسرا وانصرف هيرتسل بكل ما أوتي من نشاط وحماسة إلى مراسلة زعماء اليهود قاطبة يحثهم على انتخاب النخبة البارزة بينهم.
عقد المؤتمر أخيرا في بازل ( 29- 31 آب / أغسطس 1897 ) وحضره مائتان وأربعة أعضاء من اليهود يمثلون خمسة عشر دولة وترأس هيرتسل المؤتمر ولم يكن بين الحاضرين من يفوقه شهرة وقدرة على الرئاسة فهو قد استفاد الكثير إثناء عمله الصحافي في باريس من مراقبة المناقشات البرلمانية الفرنسية وكان ابرز ما جاء في كلمة هيرتسل رفضه الوسائل القديمة باستعمار فلسطين قطعة وراء قطعة وتركيزه على أهمية الوعد الدولي وضرورة إنشاء مؤسسات جديدة وإعلانه إن
" معادة السامية منحتنا القوة الذاتية من جديد لقد رجعنا إلى وطننا " وإما عن الصهيونية فقوله " إن الصهيونية هي عودة اليهود إلى اليهودية حتى قبل عودتهم إلى ارض اليهود. "
إما الدكتور ناثان بيرنباوم فقد قال " الشعب اليهودي منقسم حاليا إلى جزئين... يهود الدولة الغربية ويهود أوروبا الشرقية والشرق بأسره " وان هدف الصهيونية يجب إن يكون " إرجاع الشرق إلى التقدم وإحياء اليهود العربيين من وربيتهم المميتة ".
إنشاء المؤتمر منظمة صهيونية دائمة وهي تقابل الجمعية اليهودية في كتاب الدولة اليهودية إما الجهاز التنفيذي للمنظمة الصهيونية فينبثق من الجمعية العامة للجنة التنفيذية الكبرى التي تتألف من ممثلين عن مختلف الاتحاديات الصهيونية ومن بين أعضائها تتألف اللجنة التنفيذية المركزية أو الصغرى التي كانت عمليا هي اللجنة التنفيذية الحقيقية وكان أعضاؤها يعيشون في فيينا في المرحلة الأولى وإما العضوية في المنظمة فهي لكل من يوافق على برنامج المؤتمر الصهيوني الأول في بازل ويدفع الرسم السنوي المطلوب: شيكلا واحدا.
وانتهى المؤتمر بانتخاب هيرتسل رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية الذي يعرف