ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الجزء الاول / قصة موسى الكليم‏ (2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الجزء الاول / قصة موسى الكليم‏ (2) Empty
مُساهمةموضوع: الجزء الاول / قصة موسى الكليم‏ (2)   الجزء الاول / قصة موسى الكليم‏ (2) Emptyالإثنين نوفمبر 23, 2009 5:42 pm

الجزء الاول / قصة موسى الكليم‏ (2) Kunoooz92bcc83e31

كتاب بداية ونهاية (لابن كثير)
فقالت: إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة، وأنه لما جئت معه تقدمت أمامه، فقال: كوني من ورائي، فإذا اختلف الطريق فاقذفي لي بحصاة، أعلم بها كيف الطريق.
قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة: صاحب يوسف حين قال لامرأته أكرمي مثواه، وصاحبة موسى حين قالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب.
{ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } استدل بهذا جماعة من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله، على صحة ما إذا باعه أحد هذين العبدين، أو الثوبين، ونحو ذلك أنه يصح لقوله: إحدى ابنتي هاتين، وفي هذا نظر لأن هذه مراوضة لا معاقدة، والله أعلم.
واستدل أصحاب أحمد على صحة الإيجار بالطعمة، والكسوة، كما جرت به العادة، واستأنسوا بالحديث الذي رواه ابن ماجه في (سننه) مترجمًا عليه في كتابه: باب إستئجار الأجير على طعام بطنه.
حدثنا محمد بن الصفي الحمصي، حدثنا بقية بن الوليد، عن مسلمة بن علي، عن سعيد بن أبي أيوب، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح، قال: سمعت عتبة بن الدر يقول: كنا عند رسول الله فقرأ طس حتى إذا بلغ قصة موسى، قال:
« إن موسى عليه السلام آجر نفسه ثماني سنين أو عشرة على عفة فرجه، وطعام بطنه ».
وهذا من هذا الوجه لا يصح، لأن مسلمة بن علي الحسني الدمشقي البلاطي، ضعيف عند الأئمة، لا يحتج بتفرده.
ولكن قد روي من وجه آخر فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكر، حدثني ابن لهيعة، وحدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن الحار ث بن يزيد الحضرمي، عن علي بن رباح اللخمي، قال:
سمعت عتبة بن الندر السلمي صاحب رسول الله يحدث أن رسول الله قال:
« إن موسى عليه السلام آجر نفسه لعفة فرجه وطعمة بطنه ».
ثم قال تعالى: { ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت، فأيهما قضيت فلا عدوان علي والله على مقالتنا سامع ومشاهد، ووكيل علي وعليك، ومع هذا فلم يقض موسى إلا أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة.
قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: سألني يهودي من أهل الحيرة، أي الأجلين قضى موسى؟
فقلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فاسأله.
فقدمت فسألت ابن عباس فقال: قضى أكثرهما، وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال فعل.
تفرد به البخاري من هذا الوجه، وقد رواه النسائي في حديث الفتون كما سيأتي من طريق القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير.
وقد رواه ابن جرير، عن أحمد بن محمد الطوسي، وابن أبي حاتم، عن أبيه كلاهما، عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله قال:
« سألت جبريل أي الأجلين قضى موسى؟
قال: أتمهما وأكملهما ».
وإبراهيم هذا غير معروف، إلا بهذا الحديث.
وقد رواه البزار، عن أحمد بن أبان القرشي، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن أعين، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي فذكره.
وقد رواه سنيد عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مرسلًا أن رسول الله سأل عن ذلك جبريل، فسأل جبريل إسرافيل، فسأل إسرافيل الرب عز وجل، فقال: أبرهما وأوفاهما.
وبنحوه رواه ابن أبي حاتم، من حديث يوسف بن سرح مرسلًا، ورواه ابن جرير من طريق محمد بن كعب، أن رسول الله سُئل أي الأجلين قضى موسى.
قال: « أوفاهما، وأتمهما ».
وقد رواه البزار، وابن أبي حاتم، من حديث عويد بن أبي عمران الجوني - وهو ضعيف - عن أبيه، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر أن رسول الله سئل أي الأجلين قضى موسى، قال:
« أوفاهما، وأبرهما ».
قال: « وإن سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل: الصغرى منهما ».
وقد رواه البزار، وابن أبي حاتم، من طريق عبد الله بن لهيعة، عن الحارث بن يزيد الحضرمي، عن علي بن رباح، عن عتبة بن النذر أن رسول الله قال:
« إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه، وطعام بطنه ».
فلما وفى الأجل، قيل يا رسول الله: أي الأجلين؟
قال: « أبرهما وأوفاهما ».
فلما أراد فراق شعيب، سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت من غنمه، من قالب لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه سودًا حسانًا.
فانطلق موسى عليه السلام إلى عصا قسمها من طرفها، ثم وضعها في أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها ووقف موسى عليه السلام بإزاء الحوض، فلم يصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة، قال: فاتمئت، وآنثت، ووضعت كلها قوالب ألوان إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش، ولا ضبوب، ولا عزوز، ولا ثعول، ولا كموش، تفوت الكف.
قال النبي : « لو اقتحمتم الشام، وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية ».
قال ابن لهيعة: الفشوش: واسعة السخب. والضبوب: طويلة الضرع تجره، والعزوز: ضيقة السخب، والثعول: الصغيرة الضرع، كالحلمتين، والكموش: التي لا يحكم الكف على ضرعها لصغره.
وفي صحة رفع هذا الحديث نظر، وقد يكون موقوفًا كما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، قال:
لما دعا نبي الله موسى صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما، قال له صاحبه: كل شاة ولدت على لونها فلك ولدها، فعمد فوضع خيالًا على الماء، فلما رأت الخيال فزعت، فجالت جولة، فولدن كلهن بلقًا إلا شاة واحدة، فذهب بأولادهن كلهن ذلك العام، وهذا إسناد جيد رجاله ثقات، والله أعلم.
وقد تقدم عن نقل أهل الكتاب عن يعقوب عليه السلام حين فارق خاله لابان، أنه أطلق له ما يولد من غنمه بلقًا ففعل نحو ما ذكر عن موسى عليه السلام، فالله أعلم.
{ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } [القصص: 29-32] .
تقدم أن موسى قضى أتم الأجلين وأكملهما، وقد يؤخذ هذا من قوله: { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ } وعن مجاهد أنه أكمل عشرًا وعشرًا بعدها. وقوله: { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } أي: من عند صهره ذاهبًا فيما ذكره غير واحد من المفسرين وغيرهم، أنه اشتاق إلى أهله فقصد زيارتهم ببلاد مصر في صورة مختف، فلما سار بأهله ومعه ولدان منهم، وغنم قد استفادها مدة مقامه.
قالوا: واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة، وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلى السلوك في الدرب المألوف، وجعل يوري زناده فلا يرى شيئًا، واشتد الظلام والبرد، فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد نارًا تأجج في جانب الطور، وهو الجبل الغربي منه عن يمينه، فقال لأهله: { امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا } وكأنه - والله أعلم - رآها دونهم، لأن هذه النار هي نور في الحقيقة، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد.
{ لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ } أي: لعلي أستعلم من عندها عن الطريق.
{ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة، لقوله في الآية الأخرى: { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } [طه: 9-10] .
فدل على وجود الظلام، وكونهم تاهوا عن الطريق، وجمع الكل في سورة النمل في قوله: { قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [النمل: 7] .
وقد أتاهم منها بخبر وأي خبر، ووجد عندها هدى وأي هدى، واقتبس منها نورًا وأي نور. قال الله تعالى: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [القصص: 30] .
وقال في النمل: { فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [النمل: 8] أي: سبحان الله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
{ يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [النمل: 9]
وقال في سورة طه: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى } [طه: 11-16] .
قال غير واحد من المفسرين من السلف والخلف: لما قصد موسى إلى تلك النار التي رآها، فانتهى إليها وجدها تأجج في شجرة خضراء من العوسج، وكل ما لتلك النار في اضطرام، وكل ما لخضرة تلك الشجرة في ازدياد، فوقف متعجبًا، وكانت تلك الشجرة في لحف جبل غربي منه عن يمينه.
كما قال تعالى: { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [القصص: 44] . وكان موسى في واد اسمه: طوى، فكان موسى مستقبل القبلة، وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية الغرب، فناداه ربه بالواد المقدس طوى، فأمر أولًا بخلع نعليه تعظيمًا وتكريمًا وتوقيرًا لتلك البقعة المباركة، ولا سيما في تلك الليلة المباركة.
وعند أهل الكتاب: أنه وضع يده على وجهه من شدة ذلك النور، مهابة له وخوفًا على بصره، ثم خاطبه تعالى كما يشاء قائلًا له: { إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [القصص: 30] { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [طه: 14] .
أي: أنا رب العالمين الذي لا إله إلا هو، الذي لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلا له، ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما الدار الباقية يوم القيامة التي لا بد من كونها ووجودها { لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } أي: من خير وشر.
وحضه وحثه على العمل لها، ومجانبة من لا يؤمن بها، ممن عصى مولاه واتبع هواه. ثم قال له مخاطبًا ومؤانسًا ومبينًا له أنه القادر على كل شيء، الذي يقول للشيء كن فيكون. { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى } [طه: 17] أي: أما هذه عصاك التي نعرفها منذ صحبتها؟
{ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } [طه: 18] أي: بل هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها.
{ قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى } [طه: 19-20] وهذا خارق عظيم، وبرهان قاطع على أن الذي يكلمه هو الذي يقول للشيء كن فيكون، وأنه الفعال بالاختيار.
وعند أهل الكتاب: أنه سأل برهانًا على صدقه عند من يكذبه من أهل مصر فقال له الرب عز وجل: ما هذه التي في يدك؟
قال: عصاي. قال: ألقها إلى الأرض.
{ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى } [طه: 20] فهرب موسى من قدامها، فأمره الرب عز وجل أن يبسط يده ويأخذها بذنبها، فلما استمكن منها ارتدت عصا في يده.
وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى: { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } [النمل: 10] أي: قد صارت حية عظيمة لها ضخامة هائلة، وأنياب تصك، وهي مع ذلك في سرعة حركة الجان، وهو ضرب من الحيات.
يقال: الجان والجنان، وهو لطيف ولكن سريع الاضطراب والحركة جدًا. فهذه جمعت الضخامة والسرعة الشديدة، فلما عاينها موسى عليه السلام { وَلَّى مُدْبِرًَا } أي: هاربًا منها لأن طبيعته البشرية تقتضي ذلك. { وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي: ولم يلتفت، فناداه ربه قائلًا له: { يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ } [القصص: 21] .
فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها، { قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى } [طه: 21] فيقال: إنه هابها شديدًا فوضع يده في كم مدرعته، ثم وضع يده في وسط فمها.
وعند أهل الكتاب بذنبها، فلما استمكن منها إذا هي قد عادت كما كانت عصا ذات شعبتين، فسبحان القدير العظيم، رب المشرقين والمغربين.
ثم أمره تعال بإدخال يده في جيبه، ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر بياضًا من غير سوء أي: من غير برص ولا بهق، ولهذا قال: { اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ } قيل: معناه إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك.
وهذا وإن كان خاصًا به، إلا أن بركة الإيمان به حق، بأن ينفع من استعمل ذلك على وجه الاقتداء بالأنبياء.
وقال في سورة النمل: { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } [النمل: 12] أي: هاتان الآيتان: وهما العصا واليد، وهما البرهانان المشار إليهما في قوله: { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ }.
ومع ذلك سبع آيات أخر، فذلك تسع آيات بينات وهي المذكورة في آخر سورة سبحان، حيث يقول تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا } [الإسراء: 101-102] .
وهي المبسوطة في سورة الأعراف في قوله: { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } [130-133] .
كما سيأتي الكلام على ذلك في موضعه، وهذه التسع آيات غير العشر الكلمات، فإن التسع: من كلمات الله القدرية، والعشر: من كلماته الشرعية. وإنما نبهنا على هذا لأنه قد اشتبه أمرها على بعض الرواة، فظن أن هذه هي هذه، كما قررنا ذلك في تفسير آخر سورة بني إسرائيل.
والمقصود أن الله سبحانه لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } [القصص: 33-35] .
يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله، وكليمه موسى عليه السلام في جوابه لربه عز وجل، حين أمره بالذهاب إلى عدوه الذي خرج من ديار مصر فرارًا من سطوته وظلمه، حين كان من أمره ما كان في قتل ذلك القبطي، ولهذا { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ } أي: اجعله معي معينًا، وردءًا ووزيرًا يساعدني، ويعينني على أداء رسالتك إليهم، فإنه أفصح مني لسانًا وأبلغ بيانًا.
قال الله تعالى مجيبًا له إلى سؤاله: { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا } أي: برهانًا. { فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } أي: فلا ينالون منكما مكروهًا بسبب قيامكما بآياتنا. وقيل: ببركة آياتنا.
{ أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } وقال في سورة طه: { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي } [طه: 24-28] .
قيل: إنه أصابه في لسانه لثغة بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه التي كان فرعون أراد اختبار عقله، حين أخذ بلحيته وهو صغير، فهم بقتله فخافت عليه آسية وقالت: إنه طفل فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه، فهم بأخذ التمرة، فصرف الملك يده إلى الجمرة فأخذها، فوضعها على لسانه فأصابه لثغة بسببها، فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله، ولم يسأل زوالها بالكلية.
قال الحسن البصري: والرسل إنما يسألون بحسب الحاجة، ولهذا بقيت في لسانه بقية، ولهذا قال فرعون - قبحه الله - فيما زعم إنه يعيب به الكليم، { وَلَا يَكَادُ يُبِيْنُ } [الزخرف: 52] أي: يفصح عن مراده، ويعبر عما في ضميره وفؤاده.
ثم قال موسى عليه السلام: { وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى } [طه: 32-36] أي: قد أجبناك إلى جميع ما سألت، وأعطيناك الذي طلبت، وهذا من وجاهته عند ربه عز وجل، حين شفع أن يوحي الله إلى أخيه فأوحى إليه وهذا جاه عظيم. قال الله تعالى: { وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيْهًا } [الأحزاب: 69] .
وقال تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا } [مريم: 53] .
وقد سمعت أم المؤمنين عائشة رجلًا يقول لأناس وهم سائرون طريق الحج: أي أخ أمن على أخيه؟
فسكت القوم، فقالت عائشة لمن حول هودجها: هو موسى بن عمران حين شفع في أخيه هرون.
فأوحى إليه قال الله تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا }.
قال تعالى في سورة الشعراء: { وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ * فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [الشعراء: 10-19] .
تقدير الكلام: فأتياه فقالا له ذلك، وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وأن يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته، وتركهم يعبدون ربهم حيث شاؤوا، ويتفرغون لتوحيده ودعائه، والتضرع لديه، فتكبر فرعون في نفسه، وعتا وطغى ونظر إلى موسى بعين الازدراء والتنقص قائلًا له:
{ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } أي: أما أنت الذي ربيناه في منزلنا، وأحسنّا إليه، وأنعمنا عليه مدة من الدهر. وهذا يدل على أن فرعون الذي بعث إليه هو الذي فرّ منه، خلافًا لما عند أهل الكتاب من أن فرعون الذي فرّ منه مات في مدة مقامه بمدين، وأن الذي بعث إليه فرعون آخر.
وقوله: { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } أي: وقتلت الرجل القبطي، وفررت منا وجحدت نعمتنا.
{ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } [الشعراء: 20] أي: قبل أن يوحى إلي وينزل علي.
{ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ } [الشعراء: 21] ثم قال مجيبًا لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان إليه: { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [الشعراء: 22] أي: وهذه النعمة التي ذكرت، من أنك أحسنت إلي وأنا رجل واحد من بني إسرائيل، تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله، واستعبدتهم في أعمالك وخدمك وأشغالك.
{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } [الشعراء: 23-28] .
يذكر تعالى ما كان بين فرعون وموسى من المقاولة والمحاجة والمناظرة، وما أقامه الكليم على فرعون اللئيم، من الحجة العقلية المعنوية ثم الحسية، وذلك أن فرعون قبحه الله أظهر جحد الصانع تبارك وتعالى، وزعم أنه الإله { فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } [النازعات: 23-24] .
{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } [القصص: 38] وهو في هذه المقالة معاند، يعلم أنه عبد مربوب، وأن الله هو الخالق البارىء المصور الإله الحق، كما قال تعالى: { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } [النمل: 14] .
ولهذا قال لموسى عليه السلام على سبيل الإنكار لرسالته، والإظهار أنه ما ثم رب أرسله: { وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ } لأنهما قالا له: { إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فكأنه يقول لهما: ومن رب العالمين الذي تزعمان أنه أرسلكما وابتعثتكما؟
فأجابه موسى قائلًا: { رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ } يعني: رب العالمين، خالق هذه السموات والأرض المشاهدة، وما بينهما من المخلوقات المتعددة من السحاب، والرياح، والمطر، والنبات، والحيوانات، التي يسلم كل موقن أنها لم تحدث بأنفسها، ولا بدلها من موجد، ومحدث وخالق، وهو الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين.
قال أي فرعون لمن حوله من أمرائه ومرازبته ووزرائه، على سبيل التهكم والتنقص لما قرره موسى عليه السلام: { أَلَا تَسْتَمِعُونَ } يعني: كلامه هذا. قال موسى مخاطبًا له ولهم: { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ }.
أي: هو الذي خلقكم والذين من قبلكم من الآباء والأجداد، والقرون السالفة في الآباد، فإن كل أحد يعلم أنه لم يخلق نفسه ولا أبوه ولا أمه، ولم يحدث من غير محدث، وإنما أوجده وخلقه رب العالمين، وهذان المقامان هما المذكوران في قوله تعالى: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } [فصلت: 53] .
ومع هذا كله، لم يستفق فرعون من رقدته، ولا نزع عن ضلالته، بل استمر على طغيانه وعناده وكفرانه { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } [الشعراء: 27-28]
أي: هو المسخر لهذه الكواكب الزاهرة، المسير للأفلاك الدائرة، خالق الظلام والضياء، ورب الأرض والسماء، رب الأولين والآخرين، خالق الشمس والقمر والكواكب السائرة، والثوابت الحائرة، خالق الليل بظلامه، والنهار بضيائه، والكل تحت قهره وتسخيره وتسييره سائرون، وفلك يسبحون، يتعاقبون في سائر الأوقات ويدورون، فهو تعالى الخالق المالك المتصرف في خلقه بما يشاء.
فلما قامت الحجج على فرعون، وانقطعت شبهه، ولم يبق له قول سوى العناد، عدل إلى استعمال سلطانه وجاهه وسطوته { قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ } [الشعراء: 29-33] .
وهذان هما البرهانان اللذان أيده الله بهما، وهما: العصا واليد، وذلك مقام أظهر فيه الخارق العظيم، الذي بهر به العقول والأبصار، حين ألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، أي: عظيم الشكل بديع في الضخامة والهول، والمنظر العظيم الفظيع الباهر.
حتى قيل: إن فرعون لما شاهد ذلك وعاينه أخذه رهب شديد، وخوف عظيم، بحيث أنه حصل له إسهال عظيم أكثر من أربعين مرة في يوم، وكان قبل ذلك لا يتبرز في كل أربعين يومًا إلا مرة واحدة فانعكس عليه الحال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجزء الاول / قصة موسى الكليم‏ (2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجزء الاول / قصة موسى الكليم‏ (1)
» الجزء الاول / واخيرا قصة موسى الكليم‏
» الجزء الاول / ‏قصة موسى والخضر عليهما السلام
» الجزء الاول / ‏قصة قارون مع موسى عليه السلام
» الجزء الاول / ذكر وفاة موسى عليه السلام‏

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: