ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 ملامح الإطار الأخلاقي في الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ملامح الإطار الأخلاقي في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: ملامح الإطار الأخلاقي في الإسلام   ملامح الإطار الأخلاقي في الإسلام Emptyالإثنين ديسمبر 15, 2014 5:57 am

ملامح الإطار الأخلاقي في الإسلام GURVSy

ملامح الإطار الأخلاقي في الإسلام

تتبوَّأ الأخلاق والقيم مكانًا سامقًا، ومنزلة عظمى في الإسلام، وقد أفاض القرآن - وكذلك السنة - البلاغ بشأن فضلها وأهميتها؛ للتأكيد على أن المنظومة الأخلاقية ضرورة للتعايش بين الناس، وبدونها يفسد نظامُ الحياة.
ولَسْنا في هذا المقام بصدد التذكير بأهميتها وضرورتها من خلال سرد النصوص، ولكننا سنبرز هذه الأهمية من خلال التعرُّف على أهم ملامح وخصائص هذا الإطار، والقوانين التي تحكمُه، وهو ما يجعلُ المنظومة الأخلاقية في الإسلام متميزة ومختلفة عن غيره من المناهج الأخرى، سواء كانت السماوية المحرَّفة، أو الأرضية الوضعية، ولعل من أهم هذه الملامح:
أولاً: ربانية المصدر:
فمصدر الأخلاق والقيم الإسلامية وحيٌ من الله - تبارك وتعالى - فالكتاب والسنة قد حدَّدا ملامح الإطار الأخلاقي، وهو ما يعطيه أساسًا ثابتًا يستحيل عليه التغيير، ولا يُتخيَّل معه العور، ويظل نائيًا عن التعرُّض للنقد.
ولم يترك للعقل البشريِّ الحريةَ المطلقة في تحديد واستحسان ما يشاء من القِيَم؛ لكي تنتظم حاكمة على السلوك البشري، ولم يَدَعْها كذلك للتأرجحِ بين عادات الناس التي تختلف من بيئة لغيرها ومن حقبة لأخرى، (فالعادات قد تُعمِي الضمير الداخلي، والعقل قد يسخِّر نفسه لخدمة الغرائز البهيمية)[1].
ولا ينافي هذا ما أقرَّه الإسلام من أخلاق العرب في الجاهلية؛ كالكرم، والشجاعة، والغَيْرة...؛ لأن الله - تعالى - جعل أصلها مركوزًا في الفطرة البشرية، فما بقي منها على الجادَّة دون انتكاسٍ، أقرَّتْه الرسالة، بل أكدت عليه ونمَّته وحدَّدت له مساراته الصحيحة، وما انحرف منها عن الفطرة، أعادتْه التعاليم الربانية بمسالك التربية المختلفة.
وإننا إذ نشير إلى ربانية المصدر، فإننا بذلك نجلِّي فرقًا جوهريًّا بين منظومة القيم في الإسلام، وبين تلك القيم الإنسانية التي تُعَدُّ قاسمًا مشتركًا بيننا وبين الحضارات الأخرى؛ كقيمة العدل على سبيل المثال.
فالعدل قيمة لها مكانتها في النظام الإسلامي وفي الغربي كذلك، ولكن يبرز الفارق في أن الإسلام يعطي لهذه القيمة الثباتَ والاستقرار ما دامت ربانية المصدر، فلا تتبدل ولا تتغيَّر، حيث يكون الشعور الوجداني هو مصدرَ الإلزام؛ لارتباطها بالثواب والعقاب، وحيث عدم الانفصال عن النظام السياسي للدولة الإسلامية.
أما في الحضارة الغربية، فهي ترتبط بالمصلحة التي تُحدَّد على موائد القرارات السياسية، فتارة تترنم الدول الغربية بالعدل وتعلي من قيمته، إذا ما كان الحديث عن الأقليات في الدول الإسلامية، وتارة تتجاهله تمامًا أو تحرِّف تطبيقاته، إذا تعلق الأمر بأطماعها المستبدة، وتسويغها للعبث في مقدرات الأمم والشعوب، ومحاولة التحكم في مصايرها وإخضاعها للهيمنة الغربية.
ثانيًا: ارتباطها بالإيمان والعقيدة السليمة:
فالتوحيد الخالص لله - تبارك وتعالى - لا شكَّ أنه يُثمِر الأخلاق الفاضلة ويدلُّ عليها، تلك العقيدة الصافية التي صاغت شخصية عمر بن الخطاب، ذلك الرجل الصلب، صخري القلب، حاد الطباع، إلى عمر الذي يرقُّ قلبه وتدمعُ عيناه للأرامل والمساكين والأيتام، وأكسبتْ بلالَ بن رباح شجاعةً في مواجهة الباطل بعد أن كان عبدًا هملاً، لا صوت له في الجاهلية، وألبست مصعب بن عمير الفتى الناعم المدلَّل ثوبَ الرجولة والخشونة وشدة البأس.
وارتباط الأخلاق بالإيمان والتوحيد الخالص، نستطيع إدراكه من عدة جوانب:
1- من خلال التعرُّف على حقيقة الإيمان، فهو قول وعمل، أو كما قال شيخ الإسلام: "الإيمان هو قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان"[2]، فالعمل والسلوك جزء من الإيمان، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان))[3].
وفي نفس الوقت هو ثمرةٌ لأصلِه الذي في القلبِ، تظهرُ على عملِ الجوارح، والتي منها التمثُّل بالأخلاق الفاضلة، وهو ما أشار إليه الحسن البصري بقوله: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدَّقه العمل"[4].
2- من خلال خضوعها للإيمان باليوم الآخر، ومبدأ الجزاء الأخروي من ثواب أو عقاب، فالمسلم يلزم نفسه بالإطار الأخلاقي للإسلام، على اعتقاد منه بأن مكارم الأخلاق سبيله إلى الفوز، وأن مساوئها تهوي به إلى الخسران، وهو ما بيَّنه - صلى الله عليه وسلم - في حديثه الجامع: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يَهدِي إلى البر، وإن البر يَهدِي إلى الجنة، وما يزال الرجل يَصدُق ويتحرَّى الصدق؛ حتى يُكتَب عند الله صدِّيقًا، وإياكم والكذبَ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب؛ حتى يكتب عند الله كذَّابًا))[5].
3- من خلال اقترانها بالتوحيد في دعوة الرسل، فالله - تبارك وتعالى - عندما أرسل رُسُلَه إلى الأمم، لم تكن وظيفتُهم الدعوةَ إلى التوحيد فحسب؛ وإنما اقترن بذلك الدعوةُ إلى تقويم الأخلاقيات والسلوكيات المعوجَّة، كما حدَّث القرآن عن شعيب - عليه السلام -: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ﴾ [هود: 84]، وحكى عن لوطٍ دعوتَه قومه إلى التوحيد وإنكاره عليهم مساوئ الأخلاق: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 161 - 165].
ثالثًا: ارتباطها بالجانب التعبدي:
وكما ترتبط الأخلاقُ والقيم بالعقيدة والإيمان، فإنها ترتبط كذلك بأداء العبادات، فديمومة الأفعال الفاضلة تُثمِر أخلاقًا فاضلة، والقرآن الكريم يُشِير إلى هذه الحقيقة: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 19 - 23].
"وفسِّر الهلوع بأنه: ﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴾، فيجزع إن أصابه فقر أو مرض، أو ذَهاب محبوب له، من مال أو أهل أو ولد، ولا يستعمل في ذلك الصبر والرضا بما قضى الله.
﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾، فلا يُنفِق مما آتاه الله، ولا يَشكُر الله على نعمه وبرِّه، فيجزع في الضراء، ويمنع في السراء"[6].
ولكن يستثنى من هؤلاء أهل المداومة على العبادة ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾؛ لأن العبادة تقوِّم السلوك، وتهذِّب الطبائع، كما قال ربنا - تبارك وتعالى -: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
وتتجلَّى هذه الحقيقة كذلك في قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]؛ فالزكاة إذًا ليست مجرَّد ضريبة، ولكنها تهذيبٌ للنفس والسلوك، عندما تغرس مشاعر الرأفة والرحمة في القلوب.
وهذا هو مرادُ الشارع؛ أن ينتقل العباد بالتكاليف التعبدية إلى واقع سلوكي قويم، فالحكمة من الصيام مثلاً كما ذكر الله - تبارك وتعالى - هي تحقيق التقوى، والتي تحتلُّ الأخلاق والقيمُ فيها مكانةً أساسية.
والانحراف الأخلاقي لا بد وأن يكون مَرَدُّه إلى أحد أمرين: إما عدم القيام بالتكاليف التعبدية من الأصل، أو الخَلَل في أدائها، وهو ما يُفهَم من قوله - تعالى -: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾؛ حيث إن إقامتها لا يقتصر على أدائها فحسب، ولكن إقامة الصلاة كما روى الضحاك عن ابن عباس أنها "إتمام الركوع والسجود، والتلاوة والخشوع، والإقبال عليها فيها"[7]، وقال غيره نحوًا من ذلك.
رابعًا: المرونة:
ففي الوقت الذي يتَّسِم فيه الإطار الأخلاقي في الإسلام بالثبات والاستقرار؛ انطلاقًا من كونها ربانيةَ المصدر، نَلمَح كذلك - دون أي وجهٍ للتعارض - تلك المرونة التي تميِّزها وتجعلها متناسبة مع المتغيرات المختلفة ومراعاتها لقوانين الاجتماع البشري.
فالإسلام عندما يؤكِّد على قيمة الصدق، ويحذِّر من مغبَّة الكذب، فإنه لا يقف بهذا الخُلُق في دائرةٍ من الجمود تصطدم بمصالح الإنسان - والتي تحدِّدها الشريعةُ لا الأهواءُ - فتراه يرخِّص في بعض المواطن في الكَذِب على أساس أنه استثناء، وليس أصلاً، ولمصلحةٍ شرعية راجحة؛ "رخَّص النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكذب في ثلاث: في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس، وقول الرجل لامرأته"[8].
فالمتأمِّل في الحديث يلمسُ روح الشريعة، والتي تدورُ على تقدير المصالح والمفاسد، فالقيم الأخلاقية هنا قد تكيَّفت مع متطلبات مصلحة عليا، وهي علو الإسلام، ومع متطلبات مصلحة مجتمعية داخلية، وهي انصهار المجتمع المسلم والتماسك والتلاحم، ومع متطلبات مصلحة مجتمعية أكثر خصوصية، وهي الاستقرار الأسري، والذي يعدُّ دعامة للنهوض بالمجتمع.
فالأخلاق إذًا تتَّسِم بالمرونة التي تنسجم مع مقاصد الشريعة وروحها، في إطار من الانضباط الذي يكفل عدمَ الخلل في التطبيق.
خامسًا: احترام العقل والوجدان والتناغم مع الفطرة:
فالمنظومة الأخلاقية في الإسلام تحترم عقل المكلَّف، ومبادئها ترضي الوجدان، وتنسجم مع الفطرة، فالقرآن الكريم عندما يؤكِّد على خُلُق العفَّة ويحذِّر من الفتك به بالوقوع في براثن الفاحشة، ترى الخطاب القرآني مصرحًا أو ملوحًا بمسوغات النهي: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، وعندما يَنهَى عن الغِيبة، وهي من مساوئِ الأخلاق، يضعُ لها تشبيهًا يبيِّن قبحها: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ﴾ [الحجرات: 12]، وعندما نهى عن السخرية بالناس ذكر بنظرة عقلانية لا بد وأن تتَّجه إلى ذلك السلوك: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ﴾ [الحجرات: 11].
وعندما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالصدق بيَّن آثاره؛ كما تقدم في الحديث: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البِرِّ، وإن البِرَّ يهدي إلى الجنة)).
وهي من جانب آخر تقبلُها الفطرة السليمة، فلقد كان محورُ الصراع بين الإسلام ومشركي العرب هو النظامَ العقدي، أما النظام الأخلاقي، فلم يلقَ صدودًا من لدن العرب إلا ما تعارض منه مع شطط غرائزهم وجوانب الشذوذ في فطرتهم؛ فالعدل، والشجاعة، والكرم، والشهامة، والنخوة، والمروءة، والرحمة، والصدق...، كل ذلك لم يكن مستهجنًا من قِبَلهم؛ لأن لهم منها رصيدًا في فطرتهم، أما الصراع العقدي، فكان نتيجة خلل في تصوراتهم، وتمسُّكهم بموروثات اجتماعية ضحلة.
ولعل ما يؤكِّد على هذه الحقيقةَ أيضًا استحسانُ النجاشي محتوى حديث جعفر بن أبي طالب عن الأخلاق التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك استدلال هرقل قَيْصَر الروم على صدق نبوءة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من خلال حديث أبي سفيان بن حرب عن أخلاقه - صلى الله عليه وسلم.
سادسًا: امتداد الأفق:
فكما أن الإسلام قد وضع حدًّا أدنى للالتزام التعبدي بتحديد الفرائض، فإنه قد أفسح المجال لأُولِي الهمم المتطلِّعين إلى المعالي، فشرع لهم مجال النوافل الرحب الممتد، يتنافسون من خلاله في المراتب العلا.
وهو ذاته ما نراه جليًّا في الإطار الأخلاقي؛ حيث جعل لهم منها حدًّا إلزاميًّا، وفي نفس الوقت أفسح المجال للارتقاء الخلقي والتميز فيه، سواء كان بالتوسع في تمثُّل هذا الخلق، أو باقترانه بفضيلة أخرى تضاف إليه، فعلى سبيل المثال يحضُّ الإسلام على الإحسان إلى الخَلْق، وخاصة أُولِي القربى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، ولكن ماذا لو صَدَرت العداوة ممَّن يبسط إليهم العبد يدَه بالصدقة والنفقة غير الواجبة؟ حينئذٍ لا يؤاخَذ إن قطع عنهم المعونة لما صدر منهم، ولكن الإسلام يفسح المجال للوصول إلى المراتب العلا في خُلق الإحسان: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، وقد نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه - حيث منع نفقتَه على أحدِ أقربائه المساكين؛ لأنه كان ممَّن تكلم في عائشةَ - رضي الله عنها - في حادثة الإفك، فلما نزلت هذه الآيةُ عاد إلى الإنفاق عليه[9]، وبرغم ذلك هي عامَّة لكل مسلم ومسلمة، فالعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.
سابعًا: التوازن في التركيز على صفات الأمانة والقوة:
فاجتماع صفات الأمانة وصفات القوة في المسلم معيارٌ لتقويمه ووزنه؛ ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، وهذا هو منهج الإسلام في التربية الخُلقية، ففي الوقت الذي يؤكِّد على أخلاق الوفاء والأمانة، والصدق والبر، والإحسان والرحمة، لا يهمل صفات القوة التي تقوم بها الحضارات، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة؛ فتراه يحضُّ على خُلُق الشجاعة، والتي تقوم على ثبات القلب في أوقات المحن والشدائد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ﴾ [الأنفال: 45]، ويؤكِّد على قيمة الإيجابية بذكر قصص الدعاة المبادرين: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ [يس: 20]؛ فصفات الأمانة دون القوة لا تصنع حضارة، وصفات القوة دون صفات الأمانة تصنع حضارة مادية مهترئة.
ثامنًا: الواقعية:
ومعناه أن الأخلاق لا تخرجُ عن وسع الإنسان وقدرته في التخلُّق بها، فالأخلاق منها ما هو طبع، ومنها ما هو تطبُّع، فما كان منها في الإنسان طبعًا وجِبِلَّة، فهو محض فضلٍ من الله، وما لم يكن، فالتطبُّع بها ممكن بشيء من مجاهدة النفس، وحملها على مكارم الأخلاق.
ودليل ذلك النصوص التي تأمر بالخُلق الحَسَن، فإن لم تكن الأخلاق قابلة لأن يتخلَّق بها العبدُ، لانعدمت الحكمة من الأمر بها، فمحالٌ على اللهِ أن يأمر عباده بما لا يُطِيقون، وفي ذلك يقول الغزالي - رحمه الله -: "لو كانت الأخلاق لا تَقبَل التغيير، لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: ((حسِّنوا أخلاقكم))"[10].
فهي قابلة للتخلُّق بها كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم، ومَن يتحرَّ الخير يُعْطَه، ومَن يتقِ الشر يُوقَه))[11]، وهذا يتأتَّى - كما قال العلماء - بالصبر عليها، وتكلُّفِ التخلق بها؛ حتى تصير سجية وطبعًا.
فهذا ما يسَّره الله من عرضِ بعض ملامح الإطار الأخلاقي والقيمي في الإسلام، وهو ما يبرز أهميتها ومكانتها وأبعادها الغائبة عن الأذهان من جهة، ومن جهة أخرى يكون زادًا للدعاة إلى الله في الاستفادة من تلك الملامح في حقل التربية، والربط بين الدعوة إلى الأخلاق وبين قوانينها التي لا تنفك عنها، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ملامح الإطار الأخلاقي في الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رعاية الإسلام للجانب الأخلاقي
» رعاية الإسلام للجانب الأخلاقي
» الأسس التي يقوم عليها السلوك الأخلاقي في الإسلام
» علم الفراسه والفرساه في ملامح الوجه
» تعريف السلوك الأخلاقي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى التعليم والثقافة-
انتقل الى: