ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 أصناف الناس في الانتصار من البغي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

أصناف الناس في الانتصار من البغي Empty
مُساهمةموضوع: أصناف الناس في الانتصار من البغي   أصناف الناس في الانتصار من البغي Emptyالسبت نوفمبر 22, 2014 4:10 am

أصناف الناس في الانتصار من البغي ZQS6lS
أصناف الناس في الانتصار من البغي
إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
معاشرَ المسلمين! إنّ المتأمّلَ في العلاقات الاجتماعيّة وميادين التعامُل بين الناس يهُوله ما يرَى من تفشِّي مظاهرِ التقاطع والتدابر والنُّفرة والتهاجُر وانتشار لوثات التعالي والجفاءِ والتباغُض والشّحناء، في هوًى مُطاع وشُحٍّ متَّبع وإعجابِ كلِّ ذي رأيٍ برأيه، ورفعٍ لراية الشائِعات المغرِضة والأخبار المكذوبةِ الملفَّقة، وتلمُّس العيوبِ للبرَآء، وتضخيم الهِنات للعُلماء، وتتبُّع المثالِب للصّلَحاء، وانتقاص مقامَات الفضَلاء النّبلاء، حتى إنّ الغيورَ لينتابه شعورٌ بالإحباط وهو يرَى هذه المظاهرَ السوداويّة القاتمة تنتشِر في دنيا الناسِ انتشارَ النار في الهشيم، فلا يستطيع لها تفسيرًا، ولا يجدُ لها مساغًا أو تبريرًا.
دعوة الإسلام لحسن الخلق:
إن الإنسان كائن اجتماعي لا بد له من الاختلاط ببني جنسه، فلا يمكنه الاستغناء عنهم والاستقلال بنفسه في جميع أموره، فإذا كان الاختلاط بهم لازمًا طبعًا، ومعلوم أن الناس يختلفون في خصائصهم الخلقية والعقلية، فلا بد أن يحدث منهم ما يكدر صفو المرء، ويجلب له الهم والحزن، فإن لم يدفع ذلك بالخصال الفاضلة كان اجتماعه بالناس -ولا مفر له منه- من أكبر أسباب ضنك العيش وجلب الهم والغم. لذلك اهتم الإسلامُ بالناحية الأخلاقية وتربيتها أيما اهتمام، ويظهر ذلك كما في النماذج الآتية:
1- قال الله سبحانه وتعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:٤].
2- وقال سبحانه وتعالى في ذلك أيضا: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران:١٥٩].
3- وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:٢].
4- وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت:٣٤-٣٥].
5- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
6- وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».
طرق الناس في استيفاء الحقوق:
ومن القواعد التي قررها الإسلام هي طرق استيفاء الحقوق بين الناس، والتي جمعها سبحانه وتعالى في سورة الشورى في قوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى:٣٩-٤٣].
وقد تبين من هذه الآيات منهج الإسلام في مواجهة اعتداءات الآخرين، حيث ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: «عدل، وفضل، وظلم».
قال بعضهم: لما كانت الأقسام ثلاثة: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ﴾، ثم ذكر السابق بقوله: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾، ثم ذكر الظالم بقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾، فأمر بالعدل،وندب إلى الفضل، ونهى من الظلم».
فمرتبة العدل:
قال فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله: «إن دين الإسلام دين العدل، يقول الله عز وجل في أمور الخير: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء:٨٦]. ويقول عز وجل في ضد ذلك: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:١٩٤]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من الكبائر شتم الرجل والديه» قيل: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: «نعم. يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه». وهذا يدل على أنه يجوز للإنسان أن يرد على ظالِمِه بمثل ما ظلَمَه فيه، لكن لا يعتدي، فإن عفا وأصلح فأجره على الله».
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «العدل وضع كل شيء في موضعه، كما أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه».
وهذا هو ما اتضح من قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى:٤٠].
قال ابن كثير: «قوله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾، كقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:١٩٤]. وكقوله: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل:١٢٦]. فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، كقوله تعالى: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة:٤٥]؛ ولهذا قال هاهنا: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾، أي: لا يضيع ذلك عند الله كما صح في الحديث: «وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا»، وقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾، أي: المعتدين، وهو المبتدئ بالسيئة.
وقال الرازي: «هذه الآية أصل كبير في علم الفقه، فإن مقتضاها أن تقابل كل جناية بمثلها، وذلك لأن الإهدار يوجب فتح باب الشر والعدوان، لأن في طبع كل أحد الظلم والبغي والعدوان، فإذا لم يزجر عنه أقدم عليه ولم يتركه، وأما الزيادة على قدر الذنب فهو ظلم، والشرع منزّه عنه، فلم يبق إلا أن يقابل بالمثل، ثم تأكد هذا النص بنصوص أُخر، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل:١٢٦]، وقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ [غافر:٤٠]، وقوله عز وجل: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة:١٧٨]، والقصاص عبارة عن المساواة والمماثلة، وقوله تعالى: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة:٤٥]، وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة:١٧٩]، فهذه النصوص بأسرها تقتضي مقابلة الشيء بمثله».
فجزاء السيئة سيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص. فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.
قال صاحب التحرير والتنوير: «وليس المراد بالسيئة هنا المعصية التي لا يرضاها الله، فلا إشكال في إطلاق السيئة على الأذَى الذي يُلحق بالظالم » ا.هـ.
قال القرطبي: «قال ابن العربي: ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح؛ فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للأخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعًا إلى حالتين:
إحداهما: أن يكون الباغي معلنًا بالفجور؛ وقحا في الجمهور، مؤذيا للصغير والكبير؛ فيكون الانتقام منه أفضل. وفي مثله قال إبراهيم النخعي: «كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق».
الثانية: أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة؛ فالعفو ها هنا أفضل، وفي مثله نزلت: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة:٢٣٧]. ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة:٤٥]. وقوله: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور:٢٢]. وقال القرطبي: قلت: هذا حسن».
قال العلماء: جعل الله المؤمنين صنفين؛ صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم في قوله: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى:٣٧]. وصنف ينتصرون من ظالمهم. ثم بين حد الانتصار بقول: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ فينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي.
فالشريعة الإسلامية جمعت بين العدل والعفو، فمن حقك أن تعاقب من ظلمك، وذلك حتى لا تحمل النفس على خلاف ما جبلت عليه من حب الانتقام، وذلك ربما أدى بها إلى النفور من الأوامر الشرعية، فأجاز الله للمرء أن يأخذ حقه ممن اعتدى عليه، وله أن يهجره ثلاث ليال، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذى يبدأ بالسلام». وهي كافية للقلوب المؤمنة أن تمحو أثر الخطأ والظلم، أو الغضب والانتقام الذي يقع في النفس.
فمن المقامات ما ينبغي فيه الحلم وعدم المؤاخذة بالحق، ومن المقامات ما ينبغي فيه المؤاخذة بالحق وعدم التحلُّم كما قال المتنبي:
إذا قيل رفقا قال للحلم موضع
وحلم الفتى في غير موضعه جهل
أي أنه إذا أُمر بالرفق بالأقران، وقيل له: ارفق رفقًا، قال: موضع الحلم غير الحرب. يعني أن الرفق والحلم يستعملان في السلم، وأما الحرب فلا رفق فيها بالأقران، والمتحلم فيها جاهل واضع الشيء في غير موضعه، وقد أكثر الناس في هذا المعنى، فمن أشهر ما فيه قول الفند الزماني:
وبعض الحلم عند الجه
ل للذلة إذعان
وقول سالم بن وابضة:
إن من الحلم ذلا أنت عارفه
والحلم عن قدرةٍ فضل من الكرم
قال شيخ الإسلام: «قال سبحانه: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة:٨]، فنهى أن يحمل المؤمنين بغضُهم للكفار على ألا يعدلوا عليهم، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأوِّلٍ من أهل الإيمان؟ فهو أولى أن يجب عليه ألا يحمله ذلك على ألاَّ يعدل على مؤمن، وإن كان ظالمًا له».
مشروعية التعويض المالي:
وكذلك ثبت التعويض المالي في الاعتداء على الإنسان فيما دون النفس، وهو الاعتداء على الأعضاء، كقطع اليد أو الرجل، وهذا يسمى الأرش عند الفقهاء.
ومن النصوص الدالة على جواز أخذ التعويض المالي الآياات السابقة، و يدل على مشروعية التعويض بالمال -أيضًا- قصة داود وسليمان عليهما السلام في الغنم التي نفشت في الحرث، قال تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء:٧٨-٧٩]. قال الشوكاني رحمه الله: «فإن قلت فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية والملة الإسلامية؟ قلت: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل، وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها، وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عينًا أو قيمةً، وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث».
ومما يدل على ذلك أيضًا ما ورد في الحديث عن حرام بن محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائطًا فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وفي رواية أخرى أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته عليهم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل.
وقال الشافعي عن الحديث السابق: «أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله».
وحديث ناقة البراء يعتبر أصلاً في تضمين أصحاب الحيوانات لما أتلفته حيواناتهم ليلاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها». قال الحافظ ابن عبد البر: «ضامن هنا بمعنى مضمون». ومعنى ذلك أنه يلزمهم تعويض أصحاب الزروع والبساتين عما أتلفته حيواناتهم.
ومما يدل على جواز أخذ التعويض المالي أيضًا ما ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعامٌ فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: «كلوا» وحبس الرسول صلى الله عليه وسلم القصعة حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة. وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه: قال أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه طعامًا في قصعة، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «طعامٌ بطعامٍ وإناءٌ بإناءٍ».
قال الشوكاني: «قوله: «إناءٌ بإناءٍ» فيه دليل على أن القيمي يضمن بمثله، ولا يضمن بالقيمة إلا عند عدم المثل، ويؤيده ما في رواية البخاري المتقدمة بلفظ: ودفع القصعة الصحيحة للرسول. وبه احتج الشافعي والكوفيون، وقال مالك: إن القيمي يضمن بقيمته مطلقًا. وفي رواية عنه كالمذهب الأول. وفي رواية عنه أخرى: ما صنعه الآدمي فالمثل، وأما الحيوان فالقيمة. وعنه أيضا: ما كان مكيلاً أو موزونًا فالقيمة، وإلا فالمثل. قال في الفتح: «وهو المشهور عندهم»، وقد ذهب إلى ما قاله مالك من ضمان القيمي بقيمته مطلقًا جماعة من أهل العلم منهم الهادوية، ولا خلاف في أن المثلي يضمن بمثله».
أثر إقامة القصاص في إصلاح المجتمع:
1- كف المعتدين:
وذلك بكفهم عن الجناية على الأنفس، والجوارح، والأعضاء، والممتلكات، وحماية المجتمع من الاعتداء، بعضه على بعض، ومن التقاتل ثأرًا، بعقوبة رادعة، وزاجرة، ومماثلة لما فعله الجاني بأخيه.. يقول تعالى في وجوب إقامة القصاص: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة:١٧٨]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة:٤٥]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:١٧٩].
2- تأمين المجتمع:
وهو تأمينه من انتشار الجرائم، والعدوان، بعضه على بعض، وتماسك المجتمع، واستقراره، بالقصاص، أو بالعفو عنه، ممن جعلت لهم الشريعة هذا الحق.. وفي إثبات حق أولياء الدم في العفو، ما يحقق رعاية هذا الأمر، ويحقق التسامح مع من وقع في الخطيئة، من غير أن يكون من معتادي الجرائم، مع مراعاة حق الإمام الحاكم، في أن يوقع بالجاني، عقوبة تعزيرية مناسبة.
حكم مسألة الظفر:
قال الشنقيطي: «وهي أنك إن ظلمك إنسان بأن أخذ شيئًا من مالك بغير الوجه الشرعي ولم يمكن لك إثباته، وقدرت له على مثل ما ظلمك به على وجه تأمن معه الفضيحة والعقوبة؛ فهل لك أن تأخذ قدر حقك أو لا؟
أصح القولين، وأجراهما على ظواهر النصوص وعلى القياس أن لك أن تأخذ قدر حقك من غير زيادة؛ لقوله تعالى في هذه الآية: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل:١٢٦]، وقوله: ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:١٩٤]. وممن قال بهذا القول: ابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وسفيان، ومجاهد، وغيرهم.
وقالت طائفة من العلماء، منهم مالك: لا يجوز ذلك؛ وعليه درج خليل بن إسحاق المالكي في مختصره بقوله في الوديعة: «وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها».
واحتج من قال بهذا القول بحديث: «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك». وهذا الحديث على فرض صحته لا ينهض الاستدلال به؛ لأن من أخذ قدر حقه ولم يزد عليه لم يخن من خانه، وإنما أنصف نفسه ممن ظلمه» ا.هـ.
مرتبة الفضل:
وهو العفو عن المسيء والإصلاح له، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى:٤٠]، أي: يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كثيرًا. وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق بالعفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في – هذه الحال – لا يكون مأمورًا به. وفي جعل أجر العافي على الله، ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به. فكما يحب أن يعفو الله عنه، فليعف عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.
قال ابن عباس: من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو ﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾، أي: إن الله يأجره على ذلك. قال مقاتل: فكان العفو من الأعمال الصالحة.
وذكر أبو نعيم الحافظ عن علي بن الحسين رضي الله عنهم قال: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أيكم أهل الفضل؟ فيقوم ناس من الناس؛ فيقال: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة؛ فيقولون إلى أين؟ فيقولون إلى الجنة؛ قالوا: قبل الحساب؟ قالوا: من أنتم؟ قالوا: أهل الفضل؛ قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنا إذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا سيء إلينا عفونا؛.. قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. وذكر الحديث.
وكتب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي في كتابه: مجموع الفوائد واقتناص الأوابد كلامًا طيبًا، وفائدة مفيدة في العفو عن الناس فقال:
 العفو عن الناس إذا أساؤوا إليك كله محمود، وخصوصًا من لهم حق متأكد (عليك) من ولادة وقرابة وصداقة ونحوها.
 وأخص من ذلك من كانت إساءتهم إليك صادرة عن مقصد حسن هو فيه غالط في أصله أو مقداره.
 وكان بعضهم يقول: كل من أساء إلي بقول أو فعل أو اعتراض، وقصده بذلك وجه الله، أو كان قصده مشوبًا بعضه لله وبعضه تبع لغرض النفس، فهو مني في حل، وقد سامحته لله الذي للمسيء إلى نوع احتساب، وإن كان مخطئًا أو مزورًا عليه أو نانيًا على قول الطائفة التي عرفت بالاعتراض على، فكل هذه الأقسام قد سامحته لله علمت بإساءته أو جهلتها.
وهو محمول على الغفران عن غير المصر، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها. وقيل: أي إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزيلوه عنهم ويدفعوه؛ قال ابن بحر. وهو راجع إلى العموم على ما ذكرنا.
وقال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما: «لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه واعتذر في أُذني الأخرَى لقبِلتُ عذرَه».
وقال جعفرُ الصادِق رحمه الله: «لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً أحبُّ إليَّ من أندَم على العقوبة مرة واحدة».
وقال الفضيل بنُ عياض رحمه الله: «إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلاً فقل: يا أخي، اعفُ عنه؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمِل قلبي العفوَ ولكن أنتصر كما أمرَني الله عز وجل. فقل له: إن كنتَ تحسِن أن تنتَصِر، وإلاّ فارجع إلى بابِ العفو؛ فإنّه باب واسع، فإنه من عفَا وأصلحَ فأجره على الله، وصاحِبُ العفو ينام علَى فراشه باللّيل، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور؛ لأنّ الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان».
هل العفو عن المسيء واجب على الإنسان؟
اتفق الفقهاء على أنّ العفو والصفح عن المسيء حسن ومندوب إليه، لقوله سبحانه: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور:٢٢]، والأمر هنا للندب والإرشاد، وليس للوجوب، لأن الإنسان يجوز له أن يقتص ممّن أساء إليه، فلو كان العفو واجبًا لما جاز طلب القصاص، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ينال عبد صريح الإيمان حتى يصل من قطعه ويعطى من حرمه ويعفو عمن ظلمه ويغفر لمن شتمه ويحسن إلى من أساء إليه»، فيندب العفو عن المسيء لقوله تعالى: ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور:٢٢]؟ فعلّق الغفران بالعفو والصفح، قال الإمام الرازي: ولو لم يدل عليه إلا هذه الآية لكفى.
العفو قوة لا ضعف:
إِنَّ مِن تَلبِيسِ الشَّيطَانِ وَأَعوَانِهِ وَوَسوَسَتِهِم أَنَّهُم قَد يَصِفُونَ المُتَسَامِحَ بِالعَجزِ عَن أَخذِ حَقِّهِ، وَيَرمُونَهُ بِالضَّعفِ عَن تَحصِيلِهِ، وَيَتَّهِمُونَهُ بِالخَوفِ مِنَ النَّاسِ وَخَشيَةِ شَرِّهِم، ممَّا يَحمِلُ ضَعِيفَ الإِيمَانِ وَالإِرَادَةِ على الفُجُورِ، أَمَّا المُؤمِنُ القَوِيُّ الصَّابِرُ الوَاثِقُ بِأَنَّ مَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبقَى فَإِنَّهُ يختَارُ مَا عِندَ اللهِ، وَيَتَسَامَحُ مَعَ عِبَادِ اللهِ.
فالعفو والتجاوز لا يقتضِي الذّلَّةَ والضعف، بل إنه قمَّة الشجاعة والامتنانِ وغلَبَة الهوى، لا سيَّما إذا كان العفوُ عند المقدِرَة على الانتصار، فقد بوَّب البخاريّ رحمه الله في صحيحه بابًا عن الانتصارِ من الظالم لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى:٣٩]، وذكَرَ عن إبراهيم النخعيّ قوله: «كانوا يكرَهون أن يُستَذَلّوا، فإذا قدروا عفَوا».
وعلة ذلك أن العفو عن الآخرين ليس بالأمرِ الهيِّن؛ إذ له في النّفسِ ثِقلٌ لا يتِمّ التغلُّب عليه إلاّ بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقامِ للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياءِ الذين استعصَوا على حظوظ النّفس ورغباتها وإن كانت حقًّا لهم يجوزُ لهم إمضاؤُه لقوله تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى:٤٣]، غيرَ أنَّ التنازل عن الحقّ وملكةَ النفس عن إنفاذِه لهو دليلٌ على تجاوزِ المألوفِ وخَرق العادات. ومِن هنا يأتي التميُّز والبراز عن العُموم، وهذا هو الشَّديد الممدوحُ الذي يملِك نفسه عند الغضب كما قال صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب» ، وقال النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفِذَه دعاه الله على رؤوسِ الخلائق حتى يخيِّرَهُ من أيِّ الحور شاء».
أمثلة عن العفو المحمود:
ومن الأمثلة الدالة على هذا العفو ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف:٩٢]، مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم إليه بعدما رموه في اليم وباعوه بثمن بخس، ثم اتبعوا ذلك بالإساءة لأخيه الشقيق وتعريضه هو الآخر للعبودية نتيجة اتهامه كذبا بسرقة صواع الملك.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
وعن عُبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي لطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبْل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبي: أرى في وجهك سنعة من غضب، فقال: أجَل كان لي على فلان دين، فأتيت أهله وقلت: أثَمّ هو؟ قالوا: لا. فخرج ابن له فقلت له: أين أبوك؟ فقال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي. فقلتُ: اخرجْ إليَّ، فخرج. فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: خشيت والله أن أحدثك فأكذبك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنتُ والله معسرًا. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده، قال: إن وجدت قضاء فاقض وإلاّ فأنت في حلّ.
وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: «كان رجل تاجر يداين الناس فكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فلقى الله فتجاوز عنه».
وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي: يا يونس إذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادره العداوة وقطع الولاية فتكون ممن أزال يقينه بشك، ولكن ألقه وقُلْ له: بلغني عنك كذا وكذا، واحذر أن تسمي له المبلّغ؛ فإن أنكر ذلك فقل له: أنت أصدق وأبر. لا تزيدن على ذلك شيئًا، وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجهًا لعذر فاقبل منه، وإن لم تر ذلك فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ما له وجه من العذر فاقبل منه، وإن لم تر لذلك وجهًا لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ أثبتها عليه سيئة، ثم أنت في ذلك بالخيار؛ إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه، والعفو أقرب للتَّقوى وأبلغ في الكرم؛ لقول الله تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى:٤٠ٍ]، فإن نازعتك نفسك بالمكافأة فأذكر فيما سبق له لديك من الإحسان فعدها ثم ابدر له إحسانًا بهذه السيئة، ولا تبْخَسنّ باقي إحسانه السالف بهذه السيئة؛ فإن ذلك الظلم بعينه. يا يونس إذا كان لك صديق فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل».
فهذا هو الإسلام يدعو للسماحة التي هي الرأفة والسهولة في التعامل بين الناس في شتى مجالات المعاملات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « رحم الله عبدًا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى».
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عنا. فلما هلك قال الله: هل عملت خيرا قط؟ قال: لا، إلا أنه كان لى غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عنا. قال الله: قد تجاوزت عنك».
مرتبة الظلم:
وقد ذكرها سبحانه وتعالى بقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى:٤٠]، أي: الذين يجنون على غيرهم ابتداء،أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم..
فالتجاوز في استيفاء الحق من الظلم، كما أنه من سمات أهل الجاهلية، كما قال الشاعر:
ألا لا يجهلهن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى:٤٢]. ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ﴾ أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية ﴿عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، وهذا شامل للظلم والبغي على الناس، في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم. ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: موجع للقلوب والأبدان، بحسب ظلمهم وبغيهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: «المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما، حتى يعتدى المظلوم». فدل الحديث على جواز مجازاة من ابتدأ الإنسان بالأذية أو السب بمثله، وأن إثم ذلك عائد على البادئ، لأنه المتسبب لكل ما قاله المجيب، إلا أن يعتدي المجيب في أذيته بالكلام، فيختص به إثم عدوانه، لأنه إنما أذن في مثل ما عوقب به.
(ولمن صبر) على ما يناله من أذى الخلق (وغفر) لهم، بأن سمح لهم عما صدر منهم.(إن ذلك لمن عزم الأمور)، أي: الأمور التي حث الله عليها وأكدها وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يوفق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر. فإن ترك الانتصار للنفس، بالقول أو الفعل، من أشق شيء عليها. والصبر على الأذى، والصفح عنه، ومغفرته، ومقابلته بالإحسان، أشق وأشق. ولكنه يسير على من يسره الله عليه وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك. ثم إذا ذاق العبد حلاوته، ووجد آثاره، تلقاه برحب الصدر، وسعة الخلق، والتلذذ فيه.
قال ابن أبي حاتم في تفسيره: «يحكى أن رجلا سب رجلا في مجلس الحسن رحمه الله فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية؛ فقال الحسن: عقلها والله ! وفهمها إذ ضيعها الجاهلون».
دعوة للتسامح:
أيها المسلمون: التسامح هو الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده، أو اختلف معك اختلافًا غير أخلاقي، فالمفهوم بهذا الاعتبار قيمة أخلاقية عظمى، وانتصار لروح الخير والأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزغات الشيطان.
والتسامح هو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض، أما الإصرار على رفض التسامح فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين، وهو إصرار على المعاناة الشخصية في مواجهة قلب يموج بذكريات مؤلمة عن الآخرين.
دعوة الكتاب للتسامح:
الأصل في الحقوق أن يكون استيفاء الحق كاملاً، لكن الشارع ندب صاحب الحق إلى عدم استيفاء حقه كله أو بعضه تسامحًا وإحسانًا وإيثارًا، وبخاصة إذا كان المكلف أو المدين في ضائقة، وذلك خير يثاب عليه فاعله، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٢٨٠]، والمراد بالتصدق في الآية: إبراء المدين من دينه.
وفي تنازل المرأة عن شيء من حقوقها أو كل مهرها، قال سبحانه: ﴿وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء:٤]. ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة:٢٣٧]، وفي التنازل عن حق القصاص قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة:١٧٨].
أخي المسلم: أنت محتاج إلى المسامحة من نفسك ومن الآخرين، وكثير من الناس يتألم لأخطائه الماضية ويظل يحملها، فلا بد أن يكون متسامحًا مع نفسه، وقادرًا على نسيان أخطائه الماضية، ومسامحة كل الناس، وجرّب أن تتصدق بعرضك عليهم؛ فسوف تجد أن قلبك يتسع ويمتلئ بالسرور، وسوف تتنفس الصعداء، ولا تأنف من قولهم، فقد لا يقابلونك بالمثل، كما قال الشاعر:
فإن الذي بيني وبين عشيرتي
وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا قدحوا لى نار حرب بزندهم
قدحت لهم في كل مكرمة زندا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدًا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وأعطيهم مالي إذا كنت واجدا
وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدًا
رابط الموضوع : http://www.assakina.com/alislam/15157.html#ixzz3JXqFgSIL








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أصناف الناس في الانتصار من البغي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الناس عند الغضب أربعة أصناف، وهذه هي طبيعة الأمور / ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
» الإرهاب ومرادفاته من البغي والإفساد في ضوء آيات الكتاب
» الإرهاب ومرادفاته من البغي والإفساد في ضوء آيات الكتاب
» الانتصار الحقيقي
» الانتصار الحقيقي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: