ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الإيمان وأثره في تحقيق الأمن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الإيمان وأثره في تحقيق الأمن Empty
مُساهمةموضوع: الإيمان وأثره في تحقيق الأمن   الإيمان وأثره في تحقيق الأمن Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 10:57 am

الإيمان وأثره في تحقيق الأمن 5EQ1Nn
الإيمان وأثره في تحقيق الأمن
المقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن والاه . وبعد :
الأمن ملازم للإيمان :
هناك خصلتان متلازمتان ؛ إحداهما توطن الأخرى وتأصلها هما : الأمن النفسي ، والإيمان الاجتماعي الديني . والأمم تسعى إليهما ، وتبذل المال والجهد والتخطيط والدراسة في سبيل توفيرهما والتمتع بهما ، لكن كثيرًا من أمم الأرض قد مالت عندهم إحدى كفتي هاتين الخصلتين ؛ فاهتموا بواحدة وهي الأمن ، وتجاهلوا الثانية ، أو على الأصح عصوا الله في الثانية ، فصاروا يُروعون ويزعجهم الإرهاب ، فكان العقاب العاجل من الله تعالى ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 112] . وجاء في الأثر « من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني » . فإن ظهرت هاتان الخصلتان في أي مجتمع قويت ركيزته ، وتماسكت أجزاءه ، فاستحق الخير والتوفيق في أموره ، ودافع الله عنه من الشرور والآفات ، كما قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [سورة الحج : الآية 38] .
فتظهر مع الإيمان آثار استتباب الأمن ؛ بحيث تطمئن القلوب في كل بيئة توافرت بها الأسباب المؤدية إلى ذلك ، أما إذا افتقدتها فإن الخلل يبين بحسب زاوية الانفراج بينهما قوةً وبعدًا ، ويتأثر الوضع بين الأفراد وفي المجتمع ، ويشتد الاحتراس والتخوف كلما نقص الإيمان ، وبنقص الإيمان يغيب الأمن في الأوطان والطمأنينة في البلدان وسائر المجتمع ، كما قال تعالى : ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ [سورة النساء : الآية 79] .
الأمن الذي يأخذ من الأمم جهدًا كبيرًا وأموالاً طائلة ، علاوة على الدراسات والتخطيط ، وتكريس الأعداد الهائلة من الأجهزة والأفراد والمعدات ، وهذا كله جزء من العمل الاجتماعي الذي يستنزف طاقات وقدرات كثيرة .
أما الإيمان فهو عمل وجداني منبعث من الأحاسيس ، وتوثق ركيزته عقيدة ثابتة محلها القلب ، وهو عامل ديني يدفع النفس إلى الأعمال التي يحبها الله ويأمر بها ، ولا يطلب حامل هذه العقيدة مردودًا من المجتمع وأفراده ، وإنما ذلك جزاء من الله سبحانه ؛ لأنه امتثل أمره ، واهتم بأداء الأمانة التي أوجبها الله عليه عقيدةً وهي الإيمان ، فتحملها بعلمه وعمله .
نموذج لتبعية الأمن للإيمان :
وهناك من الواقع دليل على ذلك ، وهو قصة مندوب ملك الروم الذي جاء إلى المدينة ، فبحث عن قائد المسلمين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في أمر مهم ، فوجده نائمًا تحت شجرة دون حراسة ولا قوات تحفظه ، ولم يكن له حافظ إلا الله ، وقد توسد كومة من التراب أثرت في وجهه ، فقال له : ” حكمت يا عمر فعدلت فأمنت فنمت ” .
وهذا من حرصه الشديد – رضي الله عنه – على أداء الأمانة التي تحملها ، وما ذلك إلا لإيمان عمر القوي ، وإدراكه لثقل الأمانة ، مما ذكره الله في آخر سورة الأحزاب : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ [سورة الأحزاب : الآية 72] . ومن حثِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ، فكان من الذين يتبعون القول فيتبعون أحسنه ويطبقونه ، ومع ذلك فإن يد الغدر والخيانة لأصحاب القلوب الخاوية من الإيمان امتدت إليه بإرادة منهم لإطفاء وهج الإيمان ، فاغتالت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في الصلاة مع جماعة المسلمين ، في فاتحة من أعمال الإرهاب يراد منها إطفاء نور الله ، إلا أن موت عمر وغيره من رجال مدرسة النبوة ، أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، لا يعني موت الحق .
ومن هنا نعلم أن راحة المجتمع لا تكون إلا بالإيمان ، ورخاءه لا يكتمل إلا بالأمان ، فالأمان ثمرة من ثمار الإيمان ، ونتيجة من نتائج العقيدة الصافية المرتبطة بالله جل وعلا وجدانيًّا ، وبالجوارح عمليًّا .
أما الإيمان فهو العقيدة الصافية ، ولا يكون له أثر ثابت ونتيجة ظاهرة مُرضية إلا بعد الدخول في الإسلام ، ثم يفهم فهمًا صحيحًا ويطبق عمليًّا ؛ لأن الله لا يقبل دينًا من الثقلين الإنس والجن إلا الإسلام ، كما قال سبحانه : ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 85] . فالإسلام هو المدخل لعقيدة الإيمان .
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » ( 1) وهذه الشهادة أول أركان الإسلام الستة ، فلهذا يجب أن يكون الإنسان مسلمًا بلسانه وجوارحه ، ويسلم الناس من أعماله السيئة ، فلا يكون إيمان المرء وإسلامه بلسانه فقط ، دون أن تكون جذوره راسخة في قلبه ، فهو ليس بالادعاء أو الانتماء ، ولكنه تحقيقٌ وبرهانٌ ، كما قال سبحانه ﴿ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [سورة الحجرات : الآية 14] .
مرتبة الإيمان :
فمرتبة الإيمان أعلى من مرتبة الإسلام ، ونفسٌ لا إيمان فيها نفسٌ مضطربة ، تتقاذفها الأهواء والنزعات ؛ لأنها قلقة ، ويُحرفها أصحاب الأهواء الخفية بمآربهم التي تضر بالأمة ، وتبقى تائهةً مضطربة تتخبط يمينًا وشمالاً ؛ لأنها لا تسير بما يرضي الله سبحانه ، وتحركها أفكار شاذة وأيد خفية ، تصور أما أصحاب هذه النفوس أمورًا تُخوِّفهم ؛ حتى يسهل توجيههم وانقيادهم ، بدون روية أو نظرة للعواقب ، ولا إدراك لما يساقون إليه ؛ من إضرارٍ بالنفس وبالمجتمع ، وإرهابٍ للأمة ، وقتلٍ للنفس البريئة المحرمة بغير حق ، وعصيانٍ لولي الأمر ، الذي قرَن الله طاعته سبحانه وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر .
وهذا تغرير بالشباب الجاهلين بالعواقب وقلبٌ للمفاهيم عندهم ، مما يجب معه إنقاذ الشباب حتى تتفتح أذهانهم ، ويعرفوا النافع فيتجهوا إليه ، والأمر الضار بعلاماته الدالة عليه فيحذروا من الانسياق نحوه ، وهم أمانة في أعناق أولياء الأمور ، بدءًا من الأسرة والبيت ، ثم المدرسة والمجتمع ، وكل من لديه القدرة على التوجيه والإبانة من العلماء والمفكرين والمدركين لبواطن الأمور ، لما أعطاهم الله من فطنة ، استيحاءً من قول الشاعر :
أَرَى تَحْتَ الرَّمَادِ وَمِيضَ نَارٍ *** فَيُوشِكُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ضِرَامُ
أثر غياب الإيمان :
ومن آثار غياب الإيمان اضطراب النفس ؛ فإنه عندما يخف ميزان الإيمان ووازعه من القلب ، الذي هو الموجِّه لأعمال البدن ، تصبح النفس كالسفينة في مهب الريح ، فتتقاذفها التيارات البحرية يمينًا وشمالاً ؛ حيث تتجاذبها تقلبات البحر . والنفس تميل مع العوامل المؤثرة التي تطغى عليها إذا لم تجد ما يرسيها أو يقويها ليوصلها إلى بر الأمان ، والعامل الموطِّن للنفس والمُرَسِّي لها هو الإيمان بالله جل وعلا ، الذي هو الركيزة الثانية في عقيدة المسلم ، التي تريحه وتريح المجتمع معًا ؛ ليترابط أبناؤه في أمن وأمان ، وما ذلك إلا أن لكل نفس مصدرًا تشريعيًّا في سلوكها ، ومنهجًا عقديًّا في تصرفاتها ، إلا أنَّ المنهج السليم هو المصدر الذي رضيه الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين ، واختص به سبحانه خير أمة أخرجت للناس ، وهو دينه الحق الذي بعث به رسلَه وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فيقول سبحانه : ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [سورة المؤمنون : الآية 115] فإن أي دين غير الإسلام لا يُلبي رغبةً ، ولا يُريح نفسًا ، ولا يُحقق أمنًا ترضاه النفوس الصافية ، ولا يريح المجتمعات من المشكلات والفوضى . وهذا ما يحسه كل من يراقب كثيرًا من المجتمعات ، وما يدور فيها من أمور سيئة زاد سوءها مع التيارات التي تعصف ببعض الأمم ، وهو عقاب عاجل من الله لكي تفيق تلك النفوس من غفلتها ، فيقول سبحانه : ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سورة فصلت : الآية 53] .
التمسك بكتاب الله وسنة نبيه :
ومن رحمة اله سبحانه بأمة محمد أنه لا يعاقبهم بمثل ما عاقب به الأمم السابقة ، استجابة لثلاثة أمور طلبها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من ربه ، فأُعطي اثنتين ، ومُنع الثالثة ، فمِمَّا أَعطى له ألا يُهلِك أمته كما أهلك الأمم بسنة عامة . وقد جعل الله سبحانه لأمة محمد – صلى الله عليه وسلم – مصدرين يسكنان اضطراب النفس البشرية لترتاح بهدى الله في مسيرتها ، وتطمئن على حاضر أمرها وأمن مجتمعها ، ألا وهما : كتاب الله ، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .
وهما وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأمته ، لما أنس الصحابة من خطبته في حجة الوداع قرب الفراق ، فقالوا : يا رسول الله ، كأنها خطبة مودِّع فأوصنا . فيجب الحرص على تمكينهما من قلوب الشباب فَهمًا وفكرًا وتطبيقًا ومنهج سلوك ؛ حتى تطمئن قلوبهم ، وتستقر مشاعرهم نتيجة هذه الوصية العظيمة . وبهذا تقوى الحصانة الفكرية لديهم ، ويتسلحون بسلاح مكين ؛ لأن العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، وهذا يترك أثرًا حسنًا مَهمَا حدث عند الشاب من غفوة ؛ لأنه سريع الإفاقة إذا وجد إنسانًا لدينة قوة على الإقناع والتأهيل ، ولديه قرائنه القريبة من عواطفهم . وأما كون النفس تائهة لأنه يسير بغير هدًى ، أو معرفة لشرع الله الذي شرع لعباده ، وهو كمن يمشي في ظلام ، أو يسير بغير هدى ؛ لأن شرع الله الذي شرع لعباده قد غاب عنه بمن جلبه !
وقد بين الله سبحانه حال أولئك الناس في تشبيه دقيق محسوس ، فقال عز وجل : ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ﴾ [سورة النور : الآية 39-40] وهذا ما يجب بذل الجهد فيه حتى لا تتيه العقول ، ومن ثَمَّ تضيع الأفكار ؛ لأن سلوك الطريق الصحيح بالعبادة والعقيدة ، كالطرق الموصلة من مكان إلى مكان .
فمن يأخذ المعروف منها بعلاماته وإرشاداته فهذا هو الآمن الموصل للهدف بالطمأنينة والارتياح ، أما غيره من الطرق فإنها تؤدي إلى الضياع والاضطراب النفسي ، ومن ثَم يدفع إلى الفساد والإفساد ، ويقوده لذلك الفكر الضال المغذَّى بالحقد والكراهية ، المستمد من أعداء دين الله ؛ رغبةً في التفريق بين المسلمين وإضعافهم ، وهذا ما يجب تحصين الشباب به ؛ حتى لا يؤثر فيهم الأعداء بفكرهم الضال ، وتأويلاتهم المجانبة للصواب ، وفتواهم الضالة ، فيضر نفسه وأهله ومجتمعه ، ويتسبب في فتح ثغرة على أمته وبني جنسه ، وبعد أن وجده الأعداء مطية سهلة الركوب تحققت مآربهم ، دون أن يبرزوا في المواجهة لا هم ولا أعوانهم ، وهذه أمنيتهم في تضليل شباب الأمة المسلمة .
وقد أورد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه وسيلة إيضاح تقرب هذا المعقول للمفهوم ، فكان جالسًا بين أصحابه ، فخط خطًّا في الأرض مستقيمًا ، ثم خط خطوطًا عديدة على جنباته ، وقرأ الآية الكريمة : ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف : الآية 108] . فأشار إلى الخط المستقيم ، وهو يقرأ هذه الآية ، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام هذه الآية : ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 153] . وأشار إلى أن السبل هي الخطوط الأخرى الجانبية .
الشباب وزرع الإيمان في قلوبهم :
وعند الاهتمام بالشباب يجب أن يتعلموا الحرص على ما ينفع المجتمع ، وأن يساعدهم المجتمع ومعهم العلماء بآرائهم وتوجيهاتهم ؛ للمحافظة على الشباب بصفة خاصة ، وتمكين الإيمان في قلوبهم ، وإعلامهم بأنهم هم المستهدفون من الانجراف مع تيارات أهل الأفكار الضالة ، فلا بد من رعايتهم ، والاهتمام بهم ، والمحافظة عليهم ، بالتحصيل الذي يُنمِّي عقولهم عن الحيد لآراء الآخرين .
كما أن الأطفال في أمسِّ الحاجة إلى الوقاية والرقابة ، وإبعادهم عن النماذج التي تظهر في وسائل الإعلام ، وإرشادهم إلى إعلام سليم يغذي عقولهم ، لما يُمكِّن عوامل الإيمان والمنفعة والخير ، وذلك بتخصيص قنوات جادة وبرامج خاصة في أوقات معينة للأطفال ؛ لتكون قاعدة راسخة لأولئك البراعم ، عِوضًا عما يوجد حاليًّا من القنوات والبرامج الأجنبية ، التي تعطي أطفالنا مفاهيم تبعدهم عما هم مُعدُّون له من مسئوليات عظيمة ، لذا وجب ترسيخ عقيدة الإيمان مع الأمانة ؛ لتكون خطوة يتحولون بها بعد ما يكبرون لينفعوا أنفسهم ومجتمعهم ، وهذا ليس بدعًا في المجتمع الإسلامي ، بل أمرٌ واجب . إلا أنه في كثير من مجتمعات العالم كله ، والغربية منها بصفة خاصة – وهم الذين ضاعوا في متاهات الحياة – نجد أوقاتًا محددة للبث التليفزيوني والفضائي وفي دور السينما للكبار فقط ، ويمنع منها الأطفال والنساء .
كيف يربي الغرب أولادهم ؟
وقد شاهدت هذا بنفسي في ديارهم ، وأوقات بثهم وما يعد فيها مما يغذي العقول تخصص للأطفال خاصة لتنمية ما يريدون في عقولهم ؛ ليرسخ ما يريدونه فيهم ، ونحن المسلمون – مع الأسف الشديد – لا نفعل ذلك ، وفي تعاليم ديننا وشريعة ربنا قاعدة راسخة في ثقافة الطفل إذا أحسن الاختيار ، وتنقية ما يعد للطفل حسب تدرج سنوات عمره ؛ حتى يصير متمكنًا في عقيدته ، وقويًا في كل أمر يعترضه ، وفيما ينفعه وينفع أمته بالشواهد المستدركة لأبناء الإسلام وأعمالهم ؛ حتى يتأثر بهم ، ويعمل مثلما عملوا .
وأما أفلام الرسوم المتحركة الخيالية فهي لا تنمِّي فكرًا ، ولا تؤصل عقيدة أو إيمانًا ، بل لا يوجد فيها ما يحثُّ على الأمانة ، فإن الطفل المسلم في أمسِّ الحاجة إلى أن يُوجَّه إلى ما فيه الخير والنفع ، في البث الموجه لهم ، وبأوقات مخصصة ، ويُحجب عنهم ما يوجه للكبار ، حمايةً لعقولهم من التذبذب والاختلاط ، وفقًا لقاعدة : العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، ومتابعة ذلك بأمانة وحرص شديدين ، حتى يكون المخزون الذهني عندهم جيدًا ونافعًا لهم إذا كبروا .
ومن الناحية الشرعية في حال انفصال الزوجين ولهما أطفال ، يجعل القاضي الولاية والحضانة لأسلمهما عقيدة ، وأنفعهما ترضيةً وحرصًا دينيًا رعاية للأمانة على العقول التي هي كنزٌ من عقيدة الإيمان في شريعة الإسلام ، والأمانة على العقول ، التي أساسها العقيدة الصافية والمعرفة السليمة في الدين ، ألزم من الأمانة على الدرهم والدينار ؛ لأن الأساس أمكن وأسلم من الفرائض ، فيجب المحافظة على الأساس أولاً . والأب السوي لا يتمنى لابنه إلا أمثل السبل وأحسنها ؛ لأنه يعتز بذلك ، وهذا من رعايته للأمانة التي هي من الإيمان .
والطفل أثمن جوهرة في عقد الأمة ، فيجب رعايته إذا كنا نريد أجيالاً نافعة صالحة . والمنفعة من هذه الأمور ، التي يحفظ الله بها الفرد والمجتمع ، لا تتم ولا يؤجر عليها الإنسان إلا بالنية الصالحة ، وبالترابط بين الأمن والإيمان ، فكلاهما من مادة أ م ن . ولأهمية هذه المادة فإن هذه المادة ( أ م ن ) ومشتقاتها قد جاءت في كتاب الله – جل وعلا – أكثر من ثمانمائة مرة ، في محكم التنزيل في كتاب الله . وقد رسم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأمته طريقًا من سلكه وسار فيه – كما قلنا من قبل – سلم ونجا ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ناصحًا ومرشدًا لما فيه الخير والصلاح ، وهو خير معلم وموجه ، عليه الصلاة والسلام .
دور العلماء في حفظ الأمن :
وحذيفة بن اليمان الصحابي الجليل يقول : كنت أتعلم الشر مخافة الوقوع فيه ، وكان يسألون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر . ولذا أعلمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمنافقين ، فكان أمين سر رسول الله – صلى الله عليه وسلم . ولا يجب على الجميع ؛ شبابًا وشيوخًا ، رجالاً ونساءً ، أن يعتدوا بقدراتهم ونظراتهم لما يدور حولهم ، بل لا بد من الاستشارة والمناصحة وسؤال الله ؛ لتثبيت القلوب على الحق والعقيدة الإيمانية الصادقة ؛ إذ إن مَن انحرف عن جادة الصواب يعتقد أن طريقه هو الأمثل والأصوب . وعندما تختلف المعايير ، وتختلط الأفكار ، فإن الله قد أمر بسؤال أهل العلم ، الذين يستمدون عِلمهم من مصدري التشريع : كتاب الله ، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – حتى يؤدوا دورهم بأمانة . قال جل وعلا : ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأنبياء : الآية 7] .
وقد حسم خادم الحرمين الشريفين – جزاه الله خيرًا – موضوع الفتوى ، بما أصدره قريبًا من قرارات تجعل الفتوى لهيئة كبار العلماء فقط ، بعد أن تناولها في الصحف والجرائد أناسٌ ليسوا من أهلها . ومن كان مؤمنًا عقيدةً فإن الناس يأتمنونه على شئونهم ، ولو خالفوه في بعض الأمر حتى يرسخ المدلول في أمور جدَّت في مؤخر الأيام في حياة البشر ، كالأمن الصحي ، والأمن النفسي ، والأمن الغذائي ، والأمن الاقتصادي ، والأمن الأخلاقي ، وغيرها من الأمور التي جاءت حسَب كل فئة ، لكن أهمها هو الأمن العَقَدي الإيماني .
والخلل بأي نوع من أنواع الأمن يضر بالحكومات التي تعهدت بحماية الوطن وسلامة مواطنيه ، فقد اهتمت به ، وأنشأت بذلك أجهزة برجالها وعتادها سميت قوة الأمن ، ويسهر رجالها على توفير الأمن بأشكاله ؛ وحماية الناس من التعديات والأضرار والإخلال بأي جانب من جوانب الأمن . وفي مقدمة الأمن مكافحة الجريمة والمخدرات بأشكالها وأنواعها . فالتهاون بالأمر يفتح باب الشر في المجتمع ، فإن الأمور لا تستقيم بدون أمن قوي ، يردع المتهاون ، ويقضي على الإرهاب والفساد ، ويُجفِّف منابع الجريمة .
وكما يُروى عن عثمان بن عفان الخليفة الراشد الثالث – رضي الله عنه – في قوله : إن الله يذع بالسلطان ما لا يذع بالقرآن . ويقوى هذا الوازع مع قوة الإيمان العقدي في المجتمع ؛ لأن كل ما نبع من العقيدة الدينية الشرعية سيبقى حارسًا أمينًا ، يُوجِّه القلوب والجوارح لكل خير . ونضرب مثلاً قريبًا ببعض البلاد التي قَوِي فيها الإيمان عقيدةً ، فقد انحسرت فيها الجريمة بفروعها ، وعرف كل فرد ما له وما عليه برقابة ذاتية ، ولا يحتاج لحراسة أمنية مسلحة ؛ لأن قوة الإيمان تزرع في النفس مهابة من عقاب الله ، وخوفًا من الإثم والعقوبات الشرعية ، ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا ، ويقترن بذلك الخوف من الفضيحة في المجتمع .
الإسلام ينشر الأمن في الأرض :
يقول أحد المستشرقين في أحد مؤتمراتهم التي يريدون بها محاربة الإسلام : ” عليكم بمكافحة الإسلام ؛ فإنه لو طبق المسلمون تعاليم دينهم حقيقة لأغلقت السجون ، وعمَّ الأمن ، وانقادت أوربا كلها إلى الإسلام ” . والإرهاب الذي أحدث فسادًا وخروجًا عن الجماعة ناتج عن سوء فَهم لمكانة الأمانة ، التي تبرأت منها السماوات والأرض والجبال ، وادَّعى الإنسان القدرة عليها ، فندب نفسه لحملها ، جاهلاً لمكانتها عند الله ، كما قال سبحانه : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ [سورة الأحزاب : الآية 72] .
ولجهل الضالين بالأمانة – وذلك بسبب فكرهم المنحرف – فقد أثاروا البلبلة في المجتمعات ، وغرروا بالأبرياء ، وأحدثوا ضوضاء بدون هدف بين ، ولا مطلب متعين ، وأفتوا بغير ما أنزل الله ، ذلك أن القلب الذي ضعف فيه الوازع الديني يصبح كالبيت الخرب ، إذا أُصلح فيه جانب تعطَّل جانب آخر . فعوامل الأمن في الجوانب الاجتماعية كلها ، التي ذكرنا بعضها ولم نذكر البعض الآخر ، لا تتحقق على الوجه المطلوب بدون الإيمان العقدي ، الذي يضرب سياجًا أمنيًّا على الإنسان في جميع تصرفاته ، وهو من مستلزمات الراحة والاطمئنان في الفرد والجماعة .
ولا تستقيم هذه الأمور مع الفكر الضال ، الذي هتك ستر الأمة لضعف الوازع الإيماني ، فنشأ عن ذلك الإرهاب والإفساد ، وشق عصا الجماعة ، والخروج على ولاة الأمر ، وقتل الأبرياء ، وتخويف الآمنين ، بدون هدف معين ، ولا مطلب ذات أهمية في الأمور الشرعية ، فكان الفكر الذي قاد إلى الإرهاب لا هدف له ، ولا وطن له ، حتى يمكن التفاهم مع منظرين له ولا قيادة تأخذ وتعطي وإنما تهديدات وتصرفات يحتار فيها الحليم كما قيل
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لا سَرَاةَ لَهُمْ وَلا سَرَاةَ إِذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
الأمن ضروري بأشكاله :
والأمن العام الذي ترعاه الحكومات من أجل حماية وراحة المواطنين ، والقضاء على ما يؤرقهم ؛ حتى يأمنوا على أنفسهم وأولادهم وأموالهم وجميع ممتلكاتهم ، هو المطمئن للفرد والجماعة ، حتى تستقيم أحوال الناس ، وتستقر أوضاعهم . وهو ما ترعاه شريعة الإسلام ، مع تقوية ركائز الإيمان بالعمل مع تقوى الله ، ذلك الحاجز الذي يمنع مَن استقر في قلبه الإيمان من التجرؤ عليه ؛ حيث تحمى بموجبه الأعراض والأموال ، وترعى المصالح بمهابة الدولة ، ومتابعة ولاة الأمر ، +وفيها كل ما يثبت أركان الإيمان في أطراف الدولة وحراسة المواطن .
وقد جاء في الحديث : « مَن أصبح منكم آمنا في سربه معافًى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا » (2 ) . وجاء أيضًا : « الأَمْنُ وَالْعَافِيَةُ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ ( 3) فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » ( 4) . وقد شدَّد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على من فارق الجماعة ، ومن مات وليس في عنقه بيعة لولي الأمر ، بعقاب شديد ، وميتته ميتة جاهلية . والحديث الذي جاء في صحيح مسلم : « مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةِ » . فقد جاء في آخره بعقاب شديد ، وهو قوله – صلى الله عليه وسلم : « فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً » . وفي لفظ آخر « فَاقْتُلُوهُ كائنًا مَنْ كَانَ » ( 5) ؛ لأن في قتله راحة لهم من إفساد المجتمع . ومن راحة الله بعباده أمنهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم بالجزاءات والحدود التي فرضها الله في كتابه الكريم .
فيجب على من أتاهم الله علمًا وفهمًا ، ومَن وهبه الله سلطة ، ومن يريد للأمة خيرًا ، أن يسعى للجميع وبتظافر الجهود في تأصيل المضامين الأمنية ، وإبراز أثرها العام والخاص ، في طبقات المجتمع ، وفي المحافل ، وعند الشباب بصفة عامة وخاصة ، ذكورًا وإناثًا ، وربط ذلك بالأمن العَقَدي الذي يحمي من الانحراف ، أو الاستهانة بتعاليم دين الله ، وما جعل الله للدولة من مهابة ؛ حيث قرن الله طاعته بطاعة ولي الأمر ، وإن من خرج عن طاعة ولي الأمر وفارق الجماعة لمآرب شخصية فقد خلع عنه حلة الإيمان ، ويخشى عليه ما لم يتب العقوبة العاجلة ، أو العقوبة الآجلة ، والله حكيم عليم .
ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكد أن من مات وليس في عنقه بيعة لولي الأمر مات ميتة جاهلية ، ولأهمية الأمر المرتبط بالأمان فقد حثَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أهمية تطبيق الحدود ، وبيَّن أن إقامة حد من حدود الله خير من أن يمطر الناس أربعين خريفًا ، وهذا مما بان في عهده عليه الصلاة والسلام ؛ لأن من اقترف ذنبًا من ذكر أو أنثى يأتي إليه – صلى الله عليه وسلم – ليطهره بالحدود ، واعتبر ذلك – صلى الله عليه وسلم – توبةً وتطهيرًا ، وأمانًا من عقاب الآخرة ، كما في قصة ماعز والغامدية ، وغيرهما .
دور الدولة والشريعة في تربية الشباب :
والشباب أمانة ، وحتى لا يكبر في أي مجتمع الاستهانة بتلك الثوابت الإيمانية ، وما يتحتم معها من أمور أمنية ، وذلك بالتهاون والتساهل وعدم المبالاة ، وإزلاف الشباب بدون رقابة ؛ لأنهم أمانة في أعناق ولاة الأمور ؛ حتى لا تتنازعهم الأفكار الضالة ، ولا تؤثر فيهم وجهات النظر المنكرة ، فيجب المحافظة عليهم وحمايتهم ، وتمكين شرع الله بحدوده وزواجره في قلوبهم ، بما في ذلك من حصانة ، يجعلها الله سدًّا صعب التخطي ؛ خوفًا من عقاب الله وحدوده في الدنيا والآخرة بتطهير القلب ؛ لأن عقاب الدنيا أخفُّ من عقاب الآخرة ، وفي الآخرة بالأمان من العقاب مع هذه التوبة الدنيوية ، التي جعلها الله حاجزًا يردع به النفوس الضعيفة ، وتخوف من في قلبه مرض .
وإن من حسن الرعاية للشباب ، والرقابة لمن يصاحبهم ، حماية من الله وحاجزًا يحمي من التأثر ، فإذا عرف أن الحرابة والتعدي على الممتلكات فيها عقابٌ شديد من الله ، يردع من يهم بالفعل ، فكيف بالفاعل ؛ حيث بيَّنت آية الحرابة في سورة المائدة عقاب من تسول له نفسه زعزعة الأمان في المجتمع المستقر ، أو الاستهانة بحرمات الآخرين ، وذلك بالقتل ، أو الصلب ، أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ، أو النفي من الأرض








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الإيمان وأثره في تحقيق الأمن Empty
مُساهمةموضوع: رد: الإيمان وأثره في تحقيق الأمن   الإيمان وأثره في تحقيق الأمن Emptyالجمعة نوفمبر 21, 2014 10:57 am

والتعدي بالقتل أو السرقة فيه جرأة على حرمة النفوس والممتلكات ، التي كفل لها الإسلام أمانًا ، وحرم الاستهانة بذلك نهبًا أو سرقة ، وحماية من التسلط بغير حق ، بالاستهانة بالحاجز الأمني ، والزجر لمن هتك الحرمات الآمنة ، والتعدي على مكانة ولي الأمر ، الذي جعله الله قَيِّمًا على الحدود ، وحارسًا على الأمن في المجتمع الإسلامي ، بما له من نفوذ ومهابة ، وسلطة يجتث الله بها جذور الفتنة وموقدي نارها ، لكن قوة الإيمان تجعل لدى بعض النفوس حارسًا أمنيًّا في المجتمع الإسلامي ، المتفهم لشرع الله وحكمته سبحانه في تشريع الحدود والزواجر .
فتجده خوفًا من النار يأبى أن يسرق ، ويأبى أن يكذب ، ويأبى أن يعتدي على الآخرين ، أو على أعراضهم . وإذا سئل : ما السبب الذي جعلك تترك هذه الأعمال ؟ قال : الخوف من النداءات والزواجر التي وجدتها في كتاب الله . فكان هذا من قوة الإيمان عنده ، وهذا مما يُؤمِّن المسلم ، ويردع الظالم ، ويقمع المعتدي بالسب والشتم والقذف والتطاول ، وغير هذا من أمور حفظها الله ، وحفظتها تعاليم دين الله .
وتبين مكانة هذا الدين أن كرامة الفرد ذكرًا أو أنثى يجب أن تصان ، وبين أهمية المحافظة على الأفراد والجماعات في البيئة الإسلامية ، مما كان له أثر في ترسيخ قاعدة الإيمان ، وأن الأمن الذي ترعاه الدولة وتمكن قواعده من الثوابت ؛ حتى يأخذ المواطنون ما يطمئنهم ، وهو من ثوابت دين الإسلام التي تعددت في كتاب الله مئات المرات ؛ لأهمية الأمان ، ولتمكين قاعدة عقيدة الإيمان بأركانه الستة .
ويبدأ هذا الدور مع الشباب منذ تفتحت مداركهم ؛ حتى يسلموا من تخطف الأيدي الضالة ، فيحصنوا أنفسهم من الأخطار الضالة ، ويحصنهم ولاة أمرهم ؛ من مدرسين ومعلمين وعلماء ، وكل مَن حمل راية العلم عن علم وفهم ومعرفة ، ولا يجوز ترويع المسلم ولو عن طريق المزاح ، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع الحديدة في وجهه ، وغير ذلك من أمور تُخيف المسلم ، وتخفف الحاجز الأمني ، وتنزع المكانة الأمنية في المجتمع الإسلامي ، وغير هذا من أمور تحفظ كرامة الفرد في المجتمع ، وتحافظ على أمن الجماعة الإسلامية ، الأمر الذي يجب تأصيله مكانة واحترامًا في قلوب الشباب ، منذ تفتحت عيونهم على المعرفة ، الذين هم عماد الأمة بعد الله سبحانه وتعالى في البناء والحرص ؛ حتى لا تتنازعهم الأهواء ، ولا يسمم أفكارهم المضللون ، ولا يعتدي عليهم بالتطاول والتنقيص ، ولا يعتدون هم أيضًا بفكر رافض .
البعد عن الله سبب الخوف :
وكل نفس تأخذ مصدرًا تشريعيًّا في سلوكها ، أو منهجًا عقديًّا في تصرفاتها ، من غير المصدر الذي رضيه الله سبحانه وتعالى للمؤمنين ، وبعث به رسله ، فإنه لا يلبي رغبة ، ولا يريح قلبًا ، ولا يحقق أمانيَ ؛ لأنه مما يراد به إشراك غير الله به ، والله لا يرضى إلا ما هو خالص لوجهه الكريم ، وهو الذي قاعدته الإيمان الصحيح .
يقول سبحانه : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [سورة الشورى : الآية 21] لأن المصدر الإيماني الذي ارتضاه الله سبحانه ، وتأمن به النفوس في حاضرها ، وينجيها من المخاوف في آخرتها ، هو ما أوضحه الله – جل وعلا – في كتابه الكريم ؛ من عقيدة شرعها لصالح الأمة ، وإنقاذهم من الضلالة ، وإرساله لرسله ، وآخرهم سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – الذين بعثهم الله لأممهم ؛ كي يخرجوا الناس من الظلمات إلى النور .
وأما الإنسان التائه في هذه الحياة فإنه من يسير بغير هدًى ، أو بغير معرفة بشرع الله ، الذي شرع لعباده ، ويكون بعيدًا عن العقيدة الإيمانية ، وهو كمن يسير في صحراء مقفرة ، وفي ظلام ، لا يدري أين يتجه ، ويكون خائفًا وبعيدًا عن طريق الأمان ، الذي يوضحه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل المناسبات لأصحابه ، وقد بلغوه للأمة بعده بعدما أصَّله ومكَّنه من قلوبهم ، فأخذوه عنه قولاً وعملاً ، ونقلوه لمن بعده بأمانة وإخلاص ، وامتثلوا أمره في التبليغ ؛ حيث أشهد عليهم ربه سبحانه وبحمده . وإن تمادى الإنسان في أهوائه ورغباته وإضراره بالآخرين فقد جعل الله له فرصة ما دام يعيش على وجه الأرض ، وذلك بالاستجابة لنداء رب العالمين ، بما يقوي نفسه على الرجوع إليه ، والاطمئنان برجاء وخوف في الفضل العظيم المحسوس والملموس أثره .
الرجوع إلى الله سبب للاطمئنان :
استمع إلى هذا الكرم من رب العزة والجلال : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾ [سورة الزمر : الآية 52-53] . فباب التوبة مفتوح قبل الموت لمن أدرك خطأه ، وأراد الرجوع إلى باب الأمان ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق . وهذه إشارة من الله مريحة ، تبعث الأمل ، وتقوي الإيمان ، الذي به الأمن الشخصي والأمن الاجتماعي ، وتكبر معها تقوى الله سبحانه ، التي تعني مراقبته في السر والعلن ، وعلامة إقفال باب التوبة الإصرار على المعصية حتى الممات ، وخروج الدابة عندما تكثر الشرور ، تلك الدابة التي تسم المؤمن والكافر بعقيدة كل منهما ، والآية التي في خروجها موجودة في سورة النمل . وذلك أن الخير في الإيمان ، وأن النجاة في التمسك به . وظواهره في الدنيا بارزة في أعمال الفرد ، وما تتجه إليه الجماعة ، وفي الفوز والنجاة بما تجده النفوس أمامها مُدخرًا .
وشيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – يتردد على لسانه دائما كلمة “الوعد قدام” . يعني إن من لم يتب فإن الموعد أمامه ، والموعد يعني به إما بالفوز أو الخسارة بعد الممات ؛ إذ إن الأعمال بالخواتيم .
ولدينا نموذج واقعي يجب أخذه عبرةً ، وذلك ما أخبر الله سبحانه وتعالى به في قصة فرعون الذي طغى وتجبر ، فبعد أن أدركه الغرق ، وعاين العقاب ضاع عنه عزه وسلطانه ، ودب فيه الخوف ، فأراد الرجوع إلى الإيمان طلبًا للنجاة ؛ حيث توضح حالته هذه الآيات الكريمات في سورة يونس : ﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [سورة يونس : الآية 90 : الآية 92] . فإيمان فرعون الذي تلفظ به يريد به الأمان ، والاطمئنان من عذاب الله وعقابه ، بعد أن عاين المصير الذي انتظره ، كما في الحديث الصحيح : « إذا وُضِعتْ الجنازةُ واحتملها الرجالُ على أعناقهِم فإنْ كانتْ صالحةً قالتْ قدمونى وإنْ كانتْ غيرَ صالحةٍ قالتْ لأهلِها يا ويلَها أين تذهبون بها يسمعُ صوتَها كلُّ شىءٍ إلا الإنسانَ ولو سمعه الإنسانُ لصُعِق » ( 6) .
روى ابن كثير في تفسيره لهذه الآية عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : « قَالَ لِي جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ رَأَيْتَنِي وَقَدْ أَخَذْتُ حَالًا مِنْ حَالِ الْبَحْرِ ، فَدَسَسْتُهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تَنالَهُ الرحمةُ » (7 ) . وفي عصرنا حرصت أجهزة الأمن المتنوعة لكل دولة ومجتمع أن تأخذ بالأسباب فاستخدمت الأجهزة والمتابعة لحفظ الأمن ، الذي يُطمْئِن الشعوب ، وتشعرهم بالاهتمام ، ورصد لذلك مبالغ هائلة ، وما يتطلبه الأمن المنشود من أجهزة وتدريبات وبحوث ونصائح وأعمال سرية وعلنية ، وابتكرت نماذج للمحافظة والحيطة ، لكن الأمن لم يتحقق ، فقد زادت جرائم القتل والنهب عندهم ، وخاصة في المجتمعات الغربية ، وجرائم الاعتداء على الضعيف والأعراض ؛ لأن السبب هو فقدان الأمن العقدي ، الذي هو الإيمان بأركانه الستة ، وترسيخ ذلك تطبيقًا وتأصيلاً ، والعلاج المريح من صيدلية الإسلام .
وجوب المحافظة على الأمن بالقوة :
حيث يقول – صلى الله عليه وسلم : « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى » (8 ) .
وفي قوله – صلى الله عليه وسلم : « لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ » ( 9) .
والأمن الذي تبحث عنه النفوس في كل شأن من شئون الحياة هو جزء من مشتقات مادة ” أ م ن ” . اللغويون أوضحوا معانيها ، وقد جعل الله سبحانه في القرآن الكريم وكذلك في هدي رسوله الكريم الأمن محور هذا الإيمان ، الذي مقره القلب ، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالنفس وترابطها ، أم فيما يتعلق بالمجتمع وترابطه ، كالأمن في الأوطان ، والأمن على النفوس والأعراض ، والأمن على الأموال والممتلكات ، والأمن على الأسرار والأعمال ، وعلى خصوصيات الآخرين ، إلى غير ذلك من مسائل الأمن الخاص والعام ، ومنها الأمن على أسرار العمل وأجهزة الدولة .
كل هذه الأنواع من الأمن مطالب ملحة تسعى إليها البشرية في كل عصر ومكان ، بل تهتم بها مخلوقات الله الأخرى العجماوات ، ويؤكد هذا قوله – صلى الله عليه وسلم – عندما كان في سفر ، فانطلق لحاجته ، فرأينا حمرة ( 10) معها فرخان ، فأخذنا فرخيها ، فجاءت الحمرة فجعلت تُفرِّش ( 11) ، فجاء النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا » . ( 12) إذن هنا سعى – صلى الله عليه وسلم – على تثبيت الأمن حتى في هذه الأنثى الصغيرة من الطيور ، ويقاس عليها غيرها . ويأصل هذا المدلول الأمني ما روي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قوله : « الأَمْنُ وَالْعَافِيَةُ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ » ( 13) .
وإن كانت بعض الزعامات البشرية تغفل عن الأمن الأخروي ، والأمن مع العلم بعقاب الله ، فإنما هذا عائد لنقص الإيمان لديها ، وعدم الخوف من الله ، وإلا لما تجرئوا على قتل الأبرياء ، وترويع النساء والأطفال وتخويفهم ، ونهب الخيرات ، وطرد الآمنين من بيوتهم ، فالمجرم لا يقدم على فعلته ، والخائن لا يستمر في خيانته ، إلا لخلو القلب من الإيمان الرادع ، الذي هو الرقيب على كل عمل ، والوازع لما بعد العمل .
المسلم يؤمن الناس بقوة الدين :
وهذه من خصائص المسلم ؛ فمَن خان الأمانة ، ومن خان العهد مع ولي الأمر ، وتمرد على طاعته ، ومن خوَّف الناس في أنفسهم وممتلكاتهم ، ومن زعزع أمن الدولة ، ومن أقدم على قتل نفسه وقتل الآخرين ، ومن أفتى بشرعية ذلك ، وغير ذلك ، فذلك بسبب فكر ضالٍّ ، وذهن ملوث تحت مسميات ومبررات وفتاوى ضالة ومضلة ، كل هذه تدعو إلى الشر ، وانتهاك ما حرم الله ، وما نهى عنه رسوله الكريم ؛ لأن معتقدات أصحاب هذه الأمور قد ارتكبوا المحظور ، وخانوا الأمانة التي ذكرها الله في آخر سورة الأحزاب التي مرت بنا قبل قليل ، وفي آيات أخرى من القرآن الكريم
ولأهمية ذلك الإسلام جاء لمصلحة البشرية جمعاء ، وتوجيههم إلى الخير ، وما فيه شهادتهم . ومن هنا ندعو كل فرد قبل أن يُقبل على أي عمل أن يدرك أهمية ما جاء في القرآن الكريم ؛ ليعمل به ، ولا يتجرأ عليه بتأويل أو تحريف ، وما فيه من دعوة للأمن والإيمان ، وينظر في سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما فيها من عبر تقوي الإيمان ، وتمكنه من معالجة النفوس من كل مرض يعتريها ، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .
والله سبحانه وتعالى يسوق الخوارق على البشر في الحياة الدنيا ، تنبيهًا للنفوس من غفلتها ، وليعيدها إلى خالقها ، ويربطها بمهمتها في الحياة أمانًا لها نفسيًّا ؛ حتى تدرك الخطأ ، فتعود إلى المنهج السليم كلما غفلت عن معرفة الحق ، الذي جاء من عند الله ، إيمانًا به سبحانه وتعالى . وتدل على ذلك آيات من كتاب الله ، فيقول سبحانه : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ ﴾ [سورة البقرة : الآية 155 : الآية 157] .
فإذا كان الإنسان في حياته الخاصة ، إذا أصابه مرض ، وأحس بالألم ، يلجأ إلى الطبيب ؛ ليأخذ علاجًا يهدئه ، وهذا من الأمان الصحيِّ ، فإن البلوى في نزول المصائب على النفوس المؤمنة أكبر من ذلك ، فهي مأمورة بما يقوي إيمانها ؛ لتستعين على ذلك بالصبر والتحمل ، الذي جعله الله مرتبة إيمانية في مجابهة ما ينزل من المصائب التي جاءت في الآية الكريمة . وهذا علاج يثبت الإيمان به ، ويتمكن في القلب ليطمئن ؛ لأن الإنسان يسلم الأمور لله ، فيسلم نفسه لخالقها ، ولا يجزع مما حل به ؛ فيأمن العواقب نتيجة الصبر والاحتساب ، بما أنعم الله به في الآيات الكريمة على كل مؤمن بأن يطمئن ويحتسب ، امتثالاً لأمر الله ووعده ، باسم المهتدين السائرين على الدرب المستقيم ، والراضين بما قدر الله عليهم .
أنواع الصبر :
والصبر يأتي على دربين :
الأول : صبر المؤمن الذي يرجو جزاء الله ، ويخاف عقابه ، فيتحمل في ذلك البلاء الكثير . وهذا هو الذي حث عليه سبحانه في أكثر من ستين موضعًا في كتابه الكريم ، وهذا هو أول نوع من الجهاد فُرض في الإسلام ؛ فقد مكث – صلى الله عليه وسلم – في مكة ثلاثة عشر عامًا يُرسِّخ في أصحابه عقيدة التوحيد ، ويأمرهم بالصبر على أذى المشركين ؛ حتى يجعل الله لهم مخرجًا يأمنهم ، ويطمئنهم بنصر الله وتأييده ، وأن الغلبة لله ولرسوله وللمؤمنين ، وهذا أمكن أمانًا للعبد .
الثاني : صبر الكافر على ما ينزل عليه من مصائب وكوارث ، قال سبحانه : ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [سورة السجدة : الآية 21] . فهم إن صبروا فبغير احتساب ، وصبرهم كصبر البهائم التي تحمل أثقالاً ، أو تلقى من أصحابها مشقة ، فإن هذا الصبر إذا جزع صاحبه فإنما يجزع وعليه سخط من الله ، الذي قدر الأشياء لحكمته وخبرته بعباده ، وتكون حياته حياة قلق وضجر . والقاسم المشترك بين المؤمن والكافر في البحث عن الإيمان يبرز في النية لما جاء في حديث جبريل ، ولتحمل المصائب والكوارث ، وتطبيقه في رضاء النفوس عنه بتسخط . والمحرك لذلك العامل الإيماني ، الذي تتفتح به النفوس ، وتتقبله الأفئدة ، كما توضحه الآية الكريمة ، في بلوى تمر بالإنسان ، فيها محك الإيمان بهذا الاختبار في المواقف الصعبة ، قال سبحانه : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ .
وفي هذا ربط كل عامل من عوامل الدنيا ، التي تجعل الإنسان قلقًا بشأنها بقوة العقيدة الإيمانية ، وسلامة الإيمان ونقاوته ، وبذلك تخف الوطأة ، وتهون المصيبة . فهو – جل وعلا – يخاطب النفوس بما يطمئنها ويريحها ، ويهدأ ثائرتها ، فمن استجاب أفلح وأنجح ، ومن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه . ولم يمر بالقارئ لكتاب الله سبحانه آية إلا ويلمس فيها سرًّا عجيبًا ، وعلاجًا مريحًا ، يزيل من الإنسان كابوس السقم ، ومؤشر الاضطراب ، ويريحه بالإيمان الصادق إن استجاب ، أو باللوم والثبور إن أصم أذنيه عن الحق ، وابتعد عن طريق العقيدة السليمة ، التي يؤمِّن الله بها من أراد به الخير .
يقول أحمد بن عاصم : ” من كان بالله أعرف كان له أخوف ” . (14 ) وهذا هو أمكن وأقوى طريق للعلاج والخروج بالنفس من ذلك الطريق المضطرب بالأمن الهادئ ؛ حيث اعترفت كثير من أمم الأرض أن سبب وجوده لدى المسلمين ما هو إلا بقوة الإيمان ، ولم يخف ميزانهم في بعض البلاد ؛ حيث توالت المحن ، وتكالبت عليهم الأمم ، إلا بعدما خفَّ فيهم بعض الوازع الإيماني ، وزاد التساهل في أمور الدين ، والبعد عن مصدر عزهم في الاهتمام بكتاب الله ، الذي هو أكبر مؤشر يريح النفس ، وتطمئن به القلوب ، بما فيه من عظات وعبر ووعد ووعيد ، ثم البعد عن سنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – الذي يعطي حديثًا لكل حادثة ، ويوضح عن كل حالة تتطلب حَلاًّ ومخرجًا .
القصاص والحدود ينشران الأمن :
وأنواع العقوبات المفروضة في الإسلام تطمئن المجتمع ، وتزيل الحقد من النفوس ، وتردع من تسول له نفسه الإقدام على أمر فيه جناية أو اضطراب للمجتمع ؛ حيث يقول سبحانه : ﴿ وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [سورة البقرة : الآية 179] . فالقصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع ، والقضاء على الجريمة بالردع ؛ حيث يقضى على الفئات الفاسدة ، ويخيفهم الجزاء الرادع ؛ حتى لا يتوسع النطاق في أماكن أخرى من المجتمع ، حسب ما يعرف المجتمعات الغربية ، وغير المتمسكة بشعيرة الإسلام . فبعضهم رأفوا بالمجرم ، فهو في نظرهم يحتاج للرعاية والعطف ، وهو لن يرتكب الإجرام على تقرير المهتمين بأمره إلا من مؤثرات تحيط به صحية ، أو اجتماعية ، أو أسرية ، وغيرها . فماذا كانت النتيجة ، هل أمن الناس وسلم المجتمع من الجريمة ؟ لا ، فبالنسبة للأفراد انتهاك أعراض ، وقتل أنفس بريئة ، وتشويه بعمل إجرامي متعمد . وبالنسبة للأموال نهب واعتداء وتسلط ، وبالنسبة للمجرم سجن محدود ، وغرامة مالية .
وأذكر في هذا الموقف أنني زرت مدينة مونت جالي عاصمة أولوباما في أمريكا ، وهي على الحدود المكسيكية ، وتشتهر هذه المدينة بكثرة الإجرام ، وكثرة السجون . وقد قابلت حاكم الولاية ، فقال لنا بلسانه : أنا أشهد شهادة الحق ؛ بأن المجتمع الأمريكي لن يخلص من الجريمة إلا بالإسلام ، ولي على ذلك شاهد ؛ فكل من دخل السجن عندي وهو مجرم – وهو غير مسلم – فإنه يرجع ثانية وثالثة ورابعة وخامسة ، وكل مرة يكون أشد إجرامًا ، وإذا دخله وهو مجرم ، وتعلم من المرشدين المسلمين ، الذين بدأنا نطلبهم فإنه يصلح ولا يرجع إلى الجريمة بعد ذلك أبدًا .
فهذا اعتراف منهم ، ومِن واقع مجتمعهم ، فنحن قد جعل الله لنا عقيدة ، ولذلك يجب أن نبث هذه العقيدة في الناشئة ، وفيمن كان فكره قاصرًا ، وفي الذين يتجرءون على شرع الله ؛ ليعرفوا حكمة الله سبحانه وتعالى في حدوده ، وفيما شرع لعباده ، وفيما أوجبه لهم ، وأن فيه خيرهم وسعادتهم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تعليق سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن آل الشيخ
مفتى عام المملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين ، وعلى آله ، وعلى صحابته أجمعين ، وعلى من تبعهم ، وسار على نهجهم ، واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :
الدكتور الشيخ / محمد بن سعد الشويعر – وفقه الله – تحدث اليوم عن موضوع يحتاجه كل فرد منا ، ألا وهو : ” الإيمان وأثره في تحقيق الأمن ” .
هذا الموضوع موضوع مهم ؛ لأنه يتعلق بحياة المسلم ، وبعد موته ، فإن أَمْنه لا يختص بحياته ، بل هناك أمن بعد موته ؛ أمنه من عذاب القبر ، أمنه من عذاب النار . فالأمن عام في الدنيا والآخرة ، والمؤمن إذا وفقه الله ومعه الإيمان الصادق عاش في هذه الدنيا في أمن وفي أمان على هذا الدين الذي منحه الله إياه ، خوفًا عليه من أن يطرأ عليه ما يرهقه .
فالمؤمن آمن في هذه الدنيا ؛ لأنه يعمل عملاً صالحًا ، يرجو به وجه الله جل وعلا . ويقول سبحانه : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ [سورة الكهف : الآية 30] ويقول : ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 195] ويقول : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [سورة النحل : الآية 97] .
إذن فالمؤمن في حياة طيبة سعيدة ، راضٍ بقضاء الله ، إن كان غنيًّا معافًى شكر ، وإن كان فقيرًا مبتلًى صبر ، فهو في أمن وراحة بال واستقرار ؛ لأنه رضي بالله ربًّا ، وبالإسلام دِينًا ، وبمحمد نبيًّا ورسولاً ، فعاش في خير وسعادة ، كما قال تعالى : ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [سورة طه : الآية 123 - 124] . فالمؤمن الذي آمَن بالله ورسوله فإنه لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، بلا يعيش سعادة في دنياه ، وسعادة في آخرته ، يعيش مطمئنًا مرتاح البال ؛ لأن قلبه امتلأ بمحبة الله ، وخوفه ورجائه ، فهو في نعمة .
ولهذا يقول بعض السلف : ” مساكين أهل الدنيا ؛ خرجوا وما ذاقوا أطيب ما فيها ” . ويقول بعضهم : ” إنه ليمر بالقلب أوقات أقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب ” ( 15) . فيرون السعادة والأمن الحقيقي في ذكر الله ، وانشراح الصدر به ، وفي اتباع أوامره ؛ لأنه يأمنهم يوم لقاء الله ، كما قال جل وعلا : ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ﴾ [سورة الزمر : الآية 68] . وكما قال : ﴿ وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [سورة النمل : الآية 89] . فهم في الدنيا في أمان ؛ لأنهم يعلمون أن الله لا يضيع أعمالهم ، ولا يضيع حسناتهم ، بل يدخرها لهم ، وهم يوم القيامة في أمان ، كما في قوله جل وعلا : ﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [سورة الأنبياء : الآية 103] .
والإيمان يحقق الأمن ؛ لأنه يمنع المسلم عن الجرائم ، فيحثه على الالتزام ، والمحافظة على دماء المسلمين ، وأموال المسلمين ، وأعراض المسلمين . فالمسلم من سَلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ، والمجاهد من جعل نفسه في ذات الله . فالشرع يهذب سلوك المؤمن ، ويقوم اعوجاج أخلاقه ، ويلزم احترام الدماء والأعراض ، فكل المسلم على المسلم حرام ؛ دمه وماله وعِرضه .
فدم المسلم وماله وعرضه حرام عليك انتهاكه ، ودينك يحرم عليك السرقة ، ويحرم عليك العدوان والظلم ، وجحد الحقوق ، وأكل أموال الناس بالباطل . ودينك يمنعك من انتهاك أعراض الناس ، والخوض في الناس بفيك . ودينك يمنعك من سفك الدماء الحرام ، ويحرمها عليك ويجرم ذلك . ودينك يدعوك إلى أن تكون صادقًا في أقوالك وأعمالك ، وسامعًا مطيعًا لربك ، مطيعًا لولي أمرك ، فيما يأمرك به من الخير والهدى .
إذن فالإيمان يجعلك في أمان في الدنيا ، والناس منك في أمان ، ولك في الآخرة الأمان العظيم ، يوم دخول الجنة ، والنجاة من النار . قال سبحانه : ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ ﴾ [سورة آل عمران : الآية 185] . فالإيمان إذا قوي حَالَ بين العبد وبين المعاصي ، ولكن إذا ضعف الإيمان قلَّ الخوف من الله ، وجاءت العقوبات والحدود الشرعية رادعة لكل من تزين له نفسه الإقدام على الجريمة ، وتردع كل من تسول له نفسه الوقوع بما حرم الله ، وتحول بين العبد وبين المعاصي .
وقد قال الله في القصاص : ﴿ وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [سورة البقرة : الآية 179] . وقال في السرقة : ﴿ نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ . وقال في الزنا : ﴿ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ [سورة النور : الآية 2] . فحدود الله رادعة ، وحاجزة للعبد عن الجريمة ، وأقوى من قوة الإيمان ، ولذا قال الله لما ذكر في توثيق الحقوق برهون وكتاب قال : ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ [سورة البقرة : الآية 283] . فهناك التوثيق عن ضياع الحقوق بكتابة العقود والرهون عليها .
لكن هناك فوق هذا كله ما في قلب العبد من حب للخير وكراهية للشر ووفاءً للعقود ، وعدم الخيانة . يقول سبحانه : ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ [سورة البقرة : الآية 283] . لأن الحق الذي لا كتابة عليه ، ولا يوثق بكتابة ولا رهون ، إنما يرجع أمره إلى ما يقوم بقلب العبد من الإيمان الصادق ، الذي يردعه عن الجريمة ، ويحول بينه وبين الوقوع فيها . نسأل الله للجميع التوفيق ، وجزى الله الشيخ محمدًا عما قدَّم من خير ، وصلى الله على محمد .


رابط الموضوع : http://www.assakina.com/mohadrat/16404.html#ixzz3JawSB7NA
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإيمان وأثره في تحقيق الأمن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مجلس الأمن
» تحقيق التوحيد
» غض البصر وأثره على صحة الإنسان
» تحقيق كامل عن الطلاق
» العقيدة تحقيق التوحيد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: