ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Empty
مُساهمةموضوع: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين   مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Emptyالأربعاء نوفمبر 12, 2014 5:32 am

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين UVc39r
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين
اجتناب النجاسة
(12/365)
________________________________________
سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى - : عن حكم صلاة من نسى وصلى بثياب نجسة ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا صلى الإنسان في ثياب نجسة وقد نسى أن يغسلها قبل أن يصلي ، ولم يذكر إلا بعد فراغه من صلاته ، فإن صلاته صحيحة ، وليس عليه إعادة لهذه الصلاة ، وذلك لأنه ارتكب هذا المحظور نسياناً ، وقد قال الله تبارك وتعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (1) ، فقال الله تعالى قد فعلت (2) ، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ذات يوم في تعليه وكان فيهما أذى ولما كان في أثناء الصلاة خلعهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي ولم يستأنف الصلاة (3) ، فدل ذلك على أن من علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإنه يزيلها ولو في أثناء الصلاة ويستمر في صلاته إذا كان يمكن أن يبقي مستور العورة بعد إزالتها ، وكذلك من نسى وذكر في أثناء الصلاة فإنه يزيل هذا الثوب النجس إن كان يبقي عليه ما يستر به عورته ، وأما إذا فرغ من صلاته ثم ذكر بعد أن فرغ ، أو علم بعد أن فرغ من صلاته فإنه لا إعادة عليه وصلاته صحيحه ، بخلاف الرجل الذي يصلي وهو ناس أن يتوضأ مثل أن يكون قد أحدث ونسي أن يتوضأ ثم صلى وذكر بعد فراغه من الصلاة أنه لم يتوضأ فإنه يجب عليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وكذلك لو كان عليه جنابة ولم يعلم بها مثل أن يكون قد احتلم في الليل وصلى الصبح بدون غسل جهلاً منه ، ولما كان في النهار رأى في ثوبه منياً من نومه فإنه يجب عليه أن يغتسل وأن يعيد ما صلى .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(2) تقدم تخريجه ص 301 .
(3) تقدم تخريجه ص 303 .
(12/367)
________________________________________
والفرق بين هذه والمسألة الأولى - أعني مسألة النجاسة _ أن النجاسة من باب ترك المحظور ، وأما الوضوء والغسل فهو من باب فعل المأمور ، وفعل المأمور أمر إيجادي لابد أن يقوم به الإنسان ، ولا تتم العبادة إلا بوجوده ، أما إزالة النجاسة فهي أمر عدمي لا تتم الصلاة إلا بعدمه فإذا وجد في حال الصلاة نسياناً أو جهلاً فإنه لا يضر ، لأنه لم يفوت شيئاً يطلب حصوله في صلاته .
* * *
وسئل فضيلته : عمن أتي عليه وقت الصلاة وهو في سفر وثيابه نجسة ولا يمكنه أن يطهرها ويخشى من خروج وقت الصلاة ؟
فأجاب بقوله : إذا كانت النجاسة في سؤال السائل الذي يقول أنه أتي عليه وقت الصلاة وهو في سفر وثيابه نجسة ولا يمكنه أن يطهرها ويخشى من خروج وقت الصلاة فإننا نقول له : خفف عنك ما أمكن من هذه النجاسة ، فإذا كانت ي ثوبه وعليه ثوب آخر فاخلع هذا الثوب النجس وصل بالطاهر ، وإذا كان عليك ثوبان أو ثلاثة وكل منها نجس فخفف ما أمكن من النجاسة ، وما لا يمكن إزالته أو تخفيفه من النجاسة فإنه لا حرج عليه فيه . يقول الله تعالى ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (1) . فتصلي بالثوب ولو كان نجساً ولا إعادة عليك على القول الراجح ، فإن هذا من تقوى الله تعالى ما استطعت فالإنسان إذا اتقى الله ما استطاع فقد أتي بما أوجب عليه ، ومن أتي بما أوجب عليه فقد أبرأ ذمته .

* * *
__________
(1) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(12/368)
________________________________________
وسئل فضيلته : عن بعض الناس عندما يريدون الوضوء يتوضؤن داخل الحمامات المخصصة لقضاء الحاجة فيخرجون وقد ابتلت ملابسهم ولا شك أن الحمامات لا تخلو من النجاسات فهل تصح الصلاة في ملابسهم تلك ؟ وهي يجوز لهم فعل ذلك ؟
فأجاب بقوله : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وبعد .
فقبل أن أجيب على هذا السؤال أقول : إن هذه الشريعة ولله الحمد كاملة في جميع الوجوه ، وملائمة لفطرة الإنسان التي فطر الله الخلق عليها ،وحيث إنها جاءت باليسر والسهولة ، بل جاءت بإبعاد الإنسان عن المتاهات في الوساوس والتخيلات التي لا أصل لها ، وبناء على هذا فإن الإنسان بملابسه الأصل أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه ، وهذا الأصل يشهد له قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين شكا إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في صلاته يعني الحدث ،فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( لا ينصرف حتى يسمع صوتاً ، أو يجد ريحاً )) (1) . فالأصل بقاء ما كان على ما كان ، فثيابهم التي دخلوا بها الحمامات التي يقضون بها الحاجة كما ذكر السائل إذا تلوثت بماء فمن الذي يقول إن هذه الرطوبة هي رطوبة النجاسة من بول أو غائط أو نحو ذلك ، وإذا كنا لا نجزم بهذا الأمر فإن الأصل الطهارة ، صحيح إنه قد يغلب على الظن أنها تلوثت بشيء نجس ، ولكنا مادمنا لم نتيقن ، فإن الأصل بقاء الطهارة ، ولا يجب عليهم غسل ثيابهم ولهم أن يصلوا بها ولا حرج .

* * *
__________
(1) أخرجه البخاري : كتاب الوضوء / باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن ، ومسلم : كتاب الحيض / باب الدليل على أن من تيقن الطهارة .
(12/369)
________________________________________
وسئل : عمن صلى وبعد عودته لمنزله وخلع ثيابه وجد بسرواله منياً فماذا عليه ؟
فأجاب بقوله : إذا كان الرجل الذي وجد المني على لباسه لم يغتسل فإنه يجب عليه أن يغتسل ، ويعيد الصلوات التي صلاها وهو على جنابة ، لكن أحياناً يرى الإنسان أثر الجنابة على لباسه ولا يدري أكان في الليلة الماضية أم في الليلة التي قبلها . فإنه في هذه الحال يعتبره من الليلة الماضية القريبة ، لأن ما قبل الليلة الماضية مشكوك فيه ، والأصل الطهارة ، وكذا لو نام بعد صلاة الصبح ، واستيقظ عند الظهر ، وجد في لباسه أثر الجنابة ، ولا يدرى أهو من النوم الذي بعد صلاة الفجر أو من النوم في الليل ، فإنه في هذه الحال لا يلزمه إعادة الفجر ، وهكذا . (( كلما شككت هل هذه الجنابة من نومة سابقة أو لاحقة فأجعها من اللاحقة )).

* * *
وسئل فضيلته : عن الدم إذا وقع على الثوب فهل يصلي فيه .
فأجاب بقوله : إذا كان الدم نجساً وكثيراً فإنه لا يصلي فيه ، وإذا كان طاهراً كدم الكبد واللحم بعد الذكاة فإنه لا يضر .

* * *
وسئل فضيلة الشيخ : عن التطيب بالكلونيا ؟ وإذا طيب الإنسان ملابسه بها فهل يصلي بتلك الملابس ؟
فأجاب بقوله : إن كانت نسبة الكحول فيها كبيرة فالأولى تجنب الطيب بها ، وإن كانت قليلة فلا حرج ، أما الصلاة فيها فصحيحة بكل حال .

* * *
(12/370)
________________________________________
وسئل فضيلته : عمن صلى وتبين بعد الصلاة أنه محدث حدثاً يوجب الغسل ؟
فأجاب قائلاً : كل إنسان يصلي ثم بعد الصلاة يتبين أن عليه حدثاً أكبر ، أو أصغر فالواجب عليه أن يتطهر من هذا الحدث وأن يعيد الصلاة ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( لا يقبل الله صلاة بغير طهور )) (1) . وسئل : عن الصلاة في ثوب به مني علماً بأن الرجل قد اغتسل ؟
فأجاب فضيلته بقوله : المني طاهر ، فلو صلى الإنسان في ثوب فيه مني فصلاته صحيحه ، سواء كان عمداً أو نسياناً ، ولو كان فيه بول ثم صلى وهو ناس أو جاهل ولم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة وسئل فضيلته : إذا حصل للإنسان رعاف في أثناء الصلاة فما الحكم ؟ وهل ينجس الثوب ؟
فأجاب بقوله : الرعاف ليس بناقض للوضوء سواء كان كثيراً أم قليلاً وكذلك جميع ما يخرج من البدن من غير السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء ، مثل القيء ، والمادة التي تكون في الجروح فإنه لا ينقض الوضوء سواء كان قليلاً أم كثيراً ، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأصل بقاء الطهارة ، فإن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي ، وما
__________
(1) أخرجه مسلم : كتاب الطهارة / باب وجوب الطهارة للصلاة .
(12/371)
________________________________________
ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن أن يرتفع إلا بمقتضى دليل شرعي ،وليس هنالك دليل على أن الخارج من غير السبيلين من البدن ينقض الوضوء ، وعلى هذا فلا ينتقض الوضوء بالرعاف أو القيء سواء كان قليلاً أو كثيراً ، ولكن إذا كان يزعجك في صلاتك ولم تتمكن من إتمامها بخشوع فلا حرج عليك أن تخرج من الصلاة حينئذ ،وكذلك لو خشيت أن تلوث المسجد إذا كنت تصلي في المسجد فإنه يجب عليك الانصراف لئلا تلوث المسجد بهذا الدم الذي يخرج منك ، أما ما يقع على الثياب من هذا الدم وهو يسير فإنه لا ينجس الثوب .

* * *
وسئل فضيلة الشيخ : - حفظه الله تعالى - : هل تصح صلاة من حمل معه قارورة فيها براز أو بول لأجل التحليل ؟
فأجاب فضيلته بقوله : صلاته لا تصح لأنه حمل نجاسة لا يعفي عنها .
فإن قيل :إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمل أمامه بنت زينب وهو يصلي .
فالجواب : إن النجاسة في معدنها لا حكم لها ولا يحكم بالنجاسة حتى تنفصل كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .

* * *
وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر ؟
فأجاب فضيلته بقوله : الصلاة في مسجد فيه قبر على نوعين :
الأول : أن يكون القبر سابقاً على المسجد ، بحيث يبنى المسجد على القبر ، فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة ، وعلى من بناه
(12/372)
________________________________________
أن يهدمه ، فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه .
والنوع الثاني : أن يكون المسجد سابقاً على القبر ، بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد ، فالواجب نبش القبر ، وإخراج الميت منه ، ودفنه مع الناس .
وأما المسجد فتجوز الصلاة فيه بشرط أن لا يكون القبر أما المصلي ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الصلاة إلى القبور .
أما قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي شمله المسجد النبوي فمن المعلوم أن مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني قبل موته فلم يبن على القبر ، ومن المعلوم أيضاً أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يدفن فيه ، وإنما دفن في بيته المنفصل عن المسجد ، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى أميره على المدينة وهو عمر بن عبد العزيز في سنة 88 من الهجرة أن يهدم المسجد النبوي ويضيف إليه حجر زوجات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك ، وقالوا : تركها على حالها أدعى للعبرة ، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة ، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً فكتب عمر بذلك إلى الوليد فأرسل الوليد إليه يأمره بالتنفيذ فلم يكن لعمر بد من ذلك ، فأنت ترى أن قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يوضع في المسجد ولم يبن عليه المسجد فلا حجة يه لمحتج على الدفن في المساجد أو بنائها على القبور ، وقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالSadلعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (1) ، قال ذلك وهو في سياق الموت تحذيراً لأمته مما صنع
__________
(1) أخرجه البخاري : كتاب المساجد / باب الصلاة في البيعة ، ومسلم : كتاب المساجد / باب النهي عن بناء المساجد على القبور .
(12/373)
________________________________________
هؤلاء . ولما ذكرت له أم سلمة رضى الله عنها كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور قال : (( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح ، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً ، أولئك شرار الخلق عند الله )) (1) . وعن ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون من القبور مساجد )) (2) . أخرجه الإمام أحمد بسند جيد . والمؤمن لا يرضى أن يسلك مسلك اليهود والنصارى ولا أن يكون من شرار الخلق . حرر في 7/4/1414 هـ .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين   مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Emptyالأربعاء نوفمبر 12, 2014 5:33 am

سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى - : عن حكم الصلاة في مسجد في قبلته قبر ؟
فأجاب بقوله : لا يجوز أن يوضع في المسجد قبر ، لا في قبلته ولا خلف المصلين ، ولا عن إيمانهم ، ولا عن شمائلهم ، وإذا دفن أحد في المسجد ولو كان هو المؤسس له فإنه يجب أن ينبش هذا القبر وأن يدفن مع الناس ، أما إذا كان القبر سابقاً على المسجد وني المسجد عليه فإنه يجب أن يهدم المسجد وأن يبعد عن القبر ، لأن فتنة القبور في المساجد عظيمة جداً فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زمن بعيد ، وربما يدعو إلى الغلو فيه ، وإلى التبرك به وهذا خطر عظيم على المسلمين ، لكن إن كان القبر سابقاً وجب أن يهدم المسجد ويغير
__________
(1) أخرجه البخاري : كتاب الجنائز / باب بناء المساجد على القبر ، ومسلم : كتاب المساجد / باب النهي عن بناء المساجد على القبور .
(2) أخرجه الإمام أحمد 1/405 و435.
(12/374)
________________________________________
مكانه ، وإن كان المسجد هو الأول فإنه يجب أن يخرج هذا الميت من قبره ويدفن مع المسلمين ، والصلاة إلى القبر محرمة ولا تصح الصلاة إلى القبر لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا تصلوا إلى القبور )) (1) . والله المستعان .

* * *
294 وسئل فضيلة الشيخ : ما حكم الصلاة في المقبرة والصلاة إلى القبر ؟
فأجاب فضيلته بقوله : ورد في ذلك حديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخرجه الترمذي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )) (2) . وروى مسلم عن أبي مرثد الغنوي رضى الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها )) (3) . وعلى هذا فإن الصلاة في المقرة لا تجوز ، والصلاة إلى البر لا تجوز ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أن المقبرة ليست محلاً للصلاة ، ونهى عن الصلاة إلى القبر ، والحكمة من ذلك أن الصلاة في المقبرة ، أو إلى القبر ذريعة إلى الشرك ، وما كان ذريعة إلى الشرك كان محرماً ، لأن الشارع قد سد كل طريق يوصل إلى الشرك ، والشيطان يجري من أبن أدم مجرى الدم ، فيبدأ به أولاُ في الذرائع والوسائل ، ثم يبلغ به الغايات ، فلو أن أحداً من الناس صلى صلاة فريضة أو صلاة تطوع في مقبرة أو على قبر فصلاته غير صحيحه
__________
(1) أخرجه مسلم : كتاب الجنائز / باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه .
(2) أخرجه الإمام أحمد 3/83 و96 ، وأبو داود : كتاب الصلاة / باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة ( 492 ) ، والترمذي : كتاب الصلاة / باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ( 317 ) ، وابن ماجة : كتاب المساجد / باب المواضع التي تكره فيها الصلاة ( 745 ) .
(3) تقدم تخريجه برقم (1)
(12/375)
________________________________________
أما الصلاة على الجنازة فلا بأس بها ، فقد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى على القبر في قصة المرأة أو الرجل الذي كان يقم المسجد فمات ليلاً فلم يخبر الصحابة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموته ، فلما أصبح الصبح قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( دلوني على قبره أو قبرها لصلى عليه )) (1) .
صلوات الله وسلامه عليه ، فيستثنى من الصلاة في المقبرة الصلاة على القبر ، وكذلك الصلاة على الجنازة قبل دفنها ، لأن هذه صلاة خاصة تتعلق بالميت ، فكما جازت الصلاة على القبر على الميت فإنها تجوز الصلاة عليه قبل الدفن .

* * *
295 وسئل فضيلته : عن رجل قام ببناء مسجد وأوصى قبل موته بأن يدفن في المسجد ، وبعد موته دفن ملاصقاً لجدار المسجد خلف المحراب فما حكم الوفاء بهذه الوصية ؟ وما حكم الصلاة في هذا المسجد ؟ وقد سألنا فضيلة الشيخ . . . فقال : لا تصلوا في المسجد ؟
فأجاب بقوله : هذه الوصية لا يلزم الوفاء بها أعني وصية باني المسجد أن يدفن فيه ، بل ولا يجوز الوفاء بها ، لأنها لما أوقف المسجد خرج من ملكه وليس له الحق بأن يدفن فيه ، ودفنه فيه بمنزلة دفنه في أرض مغصوبة إن لم يكن أعظم ، وعلى هذا فيجب على أولياء الميت من وصي أو غيره أن ينبشوه ويدفنوه في مقابر المسلمين .
وأما بالنسبة للصلاة في هذا المسجد فإن وجدتم غيره فهو أولى منه ، وإن لم تجدوا غيره فلا تصلوا إلى القبر ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الصلاة إلى القبور ، ولكن اجعلوه عن اليمين ، أو الشمال ، ولا مانع من
__________
(1) أخرجه البخاري : كتاب الصلاة / باب كنس المسجد .
(12/376)
________________________________________
الصلاة في هذا المسجد ، لأنه سابق على القبر ، ووضع القبر فيه عدوان عليه ، والعدوان عليه لا يستلزم بطلان الصلاة فيه ولا يحوله إلى مقبرة ، لكن إذا خشي من فتنة في المستقبل بحيث تظن الأجيال المقبلة أن هذا المسجد بني على القبر فهجر المسجد هذا أولى ، ويكون الآثم من حرم المسلمين الصلاة فيه وهم أولياء هذا الميت من وصى أو غيره .
لذا فإني أكرر نصيحتي لهم أن ينبشوا الميت من المسجد ويدفنوه مع المسلمين . وفق الله الجميع لما يجب ويرضى .
ملاحظة : إذا كنتم سألتم الشيخ العلامة . . . . . على وجه الاستفادة والأخذ بما يفتي فالتزموا بما أفتى به ، لأنكم سألتموه معتقدين أن ما يقوله هو الحق الذي تدينون الله به ، وإن كنتم سألتموه لمجرد استطلاع رأيه ومعرفة ما عنده فلا حرج بالعدول عما أجابكم به .

* * *
وسئل فضيلته : ورد في الحديث النهي عن الصلاة بين القبور ، فما المراد بالصلاة بين القبور علماً بأن الناس يصلون على الجنازة بين القبور إذا فاتتهم في المساجد ؟
فأجاب بقوله : المراد بالصلاة بين القبور ما سوى الصلاة على الجنازة ، أما الصلاة على الجنازة فلا بأس بها فقد صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قبر من مات وهو يقم المسجد ، وأيضاً فإن النهي عن الصلاة بين القبور إنما هو لخوف الفتنة والشرك بأهل القبور ، والصلاة على الجنازة أو القبر بعيد من ذلك كل البعد . حرر في 3/12/1402 هـ .

* * *
(12/377)
________________________________________
وسئل فضيلة الشيخ : يوجد قبر خارج القرية ، فنبتت على هذا القبر شجرة ، فجاءت الإبل تأكل من هذه الشجرة وتدوس على هذا القبر ، وحفاظاً على هذا القبر وضعوا عليه سوراً فهل هذا العمل جائز ؟
فأجاب بقوله : هذه الشجرة تقلع من أصلها ، وإذا قلعناها من أصلها لم تأت الإبل وسلما من شرها ، وبقي القبر على ما هو عليه ، وأما البناء حفاظاً عليه فأخشى إن طال بالناس زمان أن يضلوا بهذا فيعتقدون أنه قبر ولي أو صالح ثم تعود مسألة القبور إلى هذه البلاد بعد أن طهرها الله منها على يد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى .
فالآن لابد أن تبلغ القاضي الموضوع ، خصوصاً إذا كان البناء كأنه حجرة فهذا لابد أن يزال ، والقبر ينقل إلى مكان آخر إن خيف عليه في مكانه .
* * *
سئل فضيلة الشيخ : عن الصلاة في البيت المغصوب ؟
فأجاب بقوله : البيت المغصوب هو الذي أخذ من مالكه قهراً بغير حق ، وقد اختلف أهل العلم في صحة الصلاة فيه .
فمنهم من قال : إن الصلاة فيه صحيحه ، لأن النهي إنما هو عن سكنى البيت وليس عن الصلاة ، فالنهي لا يختص بهذه العبادة ، وكل نهي لا يختص بالعبادة فإنه لا يبطلها ، ولهذا إذا اغتاب الصائم أحداً فإن هذا الفعل محرم ولا يبطل به الصوم ، لأنه لم يحرم من أجل الصوم ولو أنه أكل أن شرب لفسد صومه ، لأن النهي يختص بالصوم فهنا
(12/378)
________________________________________
الصلاة في المكان المغصوب ليس منهياً عنها لذاتها ، بل لكونه استعمل هذا البيت الذي غصبه ، ولهذا فالمكث في هذا البيت للصلاة أو غيرها يكون حراماً ، وهذا رأي كثير من أهل العلم أن الصلاة في المكان المغصوب صحيحة ، ولكنه آثم بمكثه واستيلائه على هذا بغير حق .
والقول الثاني لأهل العلم في هذه المسألة : أن صلاته تكون باطلة لأنها وقعت في مكان مغصوب ، فكانت الصلاة التي تقع في زمان محرم فعلها فيه ، فصلاة النفل المطلقة لو وقعت في وقت النهي تكون باطلة ، وذلك لأن الزمن يحرم فيه إيقاع هذه الصلاة ، فكذلك هذا المكان المغصوب لما كان يحرم المكث فيه مطلقاً فالمكث فيه للصلاة يكون مكثاً في مكان يحرم المكث فيه فتقع الصلاة محرمة باطلة وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله .
لكن من حبس في مكان مغصوب ولم يتمكن من الخلاص منه وصلى فإنه صلاته صحيحة ولا إعادة عليه . ...

* * *
(12/379)
________________________________________
سئل الشيخ : ما حكم الصلاة فوق سطح الحمام ؟ وحكم الصلاة فوق سطح مجامع الفضلات النجسة ؟
فأجاب فضيلته بقوله : الصلاة فوق سطوح حماماتنا المعروفة لا بأس بها ، لأن الحمامات عندنا لا تستقل ببناء خاص ويكون سطحها سطح جميع البيوت ، والصلاة فوق سطح مجامع الفضلات النجسة لا بأس بها أيضاً لدخولها في عموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) (1) .

* * *
وسئل فضيلته : هل تجوز الصلاة إلى الحمام إذا كان بيننا وبينه جدار ؟
فأجاب بقوله : ثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : (( جعلت لي الأرض مسجداً طهوراً )) . إلا أنه يستثنى من ذلك ما ثبت به النص من تحريم الصلاة فيه ، والصلاة إلى الحمام ليس مما ورد فيه النهي ، فإذا كان الحمام بينك وبينه جدار فإن ذلك لا يؤثر ، أما إذا كان الجدار هو جدار الحمام فقد كره بعض أهل العلم الصلاة إليه ، وقالوا لا ينبغي أن يصلي إلى الحمام ، وعلى هذا فليتخذ الإنسان مكاناً آخر يصلي فيه .

* * *
وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم الصلاة على الإسفلت المرشوش بالماء ؟
فأجاب قوله : يجوز للإنسان أن يسجد على كل شيء من الأرض ، وعلى غير الأرض أيضاً ، كفراش القطن والصوف ، المهم فقط أن يمكن جبهته من الأرض ، سواء سجد على فراش ، أو عليه الصلاة والسلام حصير ، أو على الأرض ، على رمل أو على غير الرمل .

* * *
وسئل فضيلته : عن الأماكن التي لا تصح فيها الصلاة ؟
فأجاب : الأصل جواز الصلاة في جميع الأماكن لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( جعلت لي الأرض مسجداً )) (2) ويستثنى من ذلك ما يلي :
أولاً : المقبرة : لقول النبي فيما رواه الترمذي : (( الأرض كلها
__________
(1) تقدم تخريجه ص 95 .
(2) تقدم تخريجه ص 95 .
(12/380)
________________________________________
مسجد إلا المقبرة والحمام )) (1) . ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) (2) . ولآن الصرة في المقبرة فد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور ، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور ، ويستثنى من ذلك الصلاة على الجنازة ، فقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث المرأة التي كانت تقم المسجد أنها ماتت بليل فكرهوا أن يخبروا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي الصباح سأل عنها فقاوا : إنها ماتت فقال : (( دلوني على قبرها )) (3) فخرج الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى البقيع ودلوه على قبرها فصلى عليها .
ثانياً:الحمام: ودليله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَSad( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )) . والحمام مكان المغتسل ، والعلة في ذلك أن الحمام تكشف فيه العورات ولا يخلو من بعض النجاسة .
ثالثاً : الحش : وهو مكان فضاء الحاجة لأنه أولى من الحمام ، ولا يخلو من النجاسة ، ولأنه نجس خبيث ، ولأنه مأوى الشياطين والشياطين خبيثة ، فلا ينبغي أن يكون هذا المكان الخبيث الذي هو مأوى الخبائث مكاناً لعبادة الله عز وجل .
رابعاً : أعطان الإبل : وهو عبارة عن المكان الذي تبيت فيه الإبل وتأوي إليه ، والمكان الذي تبرك فيه عند صدورها من الماء ، أن انتظار الماء وذلك لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الصلاة فيه فقال : (( لا تصلوا في أعطان الإبل )) (4) والأصل في النهي التحريم ، مع العلم أن
__________
(1) تقدم تخريجه ص 375 .
(2) تقدم تخريجه ص 373 .
(3) تقدم تخريجه ص 376 .
(4) أخرجه الإمام أحمد / 4/86 ، وابن ماجه : كتاب المساجد / باب الصلاة في أعطان الإبل ومراح الغنم ( 768 ، 769 ، 770 )
(12/381)
________________________________________
أبوال الإبل وروثها طاهر .
والعلة في التحريم أن السنة وردت به،والواجب في النصوص الشرعية التسليم ، قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (1) .
وقال بعض العلماء : لأن أرواثها وأبوالها نجسة ، وهذا مبنى على أن الأبوال والأرواث نجسة ولو من الحيوان الطاهر ، والصحيح خلافه ، ولكن هذه العلة باطلة ، إذ لو كانت هذه هي العلة ما جازت الصلاة في مرابض الغنم ، لأن القائلين بنجاسة أبوال الإبل وأرواثها يقولون بنجاسة أرواث الغنم وأبوالها .
وقيل : لأن الإبل شديدة النفورة وريما تنفر وهو يصلي فإذا نفرت ربما تصيبه بأذى ، حتى وإن لم تصبه فإنه ينشغل قلبه إذا كانت هذه الإبل تهيج ، ليكون النهي عنها لئلا ينشغل قلبه ، لكن هذه العلة أيضاً فيها نظر ، لأن مقتضاها ألا يكون النهي إلا والإبل موجودة ، ثم قد تنتقض بمرابض الغنم ، فالغنم تهيج وتشغل ، فهل نقول إنها مثلها ؟ لا .
وقال بعض أهل العلم : إنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل أو أعطانها لأنها خلقت من الشياطين ، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح (2) ، فإذا كانت مخلوقة من الشياطين فلا يبعد أن تصحبها الشياطين ، وتكون هذه الأماكن مأوى للإبل ومعها الشياطين ، وتكون الحكمة في النهي عن الصلاة في الحش ، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو أقرب ما يقال في
__________
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 36 .
(2) أخرجه الإمام أحمد 5/55 ، والنسائي في المساجد 2/56 ، وابن ماجه في المساجد ( 769 )
(12/382)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين   مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Emptyالأربعاء نوفمبر 12, 2014 5:34 am

الحكمة ومع ذلك فالحكمة هي التعبد لله بذلك .
خامساً المغصوب : وهو الذي أخذ من صاحبه قهراً بغير حق وقد اختلقف العلماء فيه :
فذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة غير صحيحة ، وأن الإنسان منهي عن المقام في هذا المكان ، لأنه ملك غيره ، فإذا صلى فصلاته منهي عنها ، والصلاة المنهي عنها لا تصح ، لأنها مضادة للتعبد ، فكيف تتعبد لله بمعصيته ؟وذهب بعضهم إلى أن الصلاة في المكان المغصوب صحيحة مع الإثم واستدلوا بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( جعلت لي الأرض مسجداً )) (1) . فلا يوجد دليل على إخراج المغصوب من عموم هذا الحديث ، وإنما مأمور بهذا وهذا هو الأرجح ، ولأن الصلاة لم ينه عنها في المكان المغصوب بل نهي عن الغصب ، والغصب أمر خارج .
* * *
سئل فضيلة الشيخ : عن حكم الصلاة في غرفة فيها خمر ؟
فأجاب بقوله : يجوز للإنسان أن يصلي في غرفة فيها خمر ، وذلك لأنه إذا صلى في هذه الغرفة ولم يخل بشيء من شروط الصلاة وأركانها وواجباتها ولم يوجد شيء من مبطلاتها فإن الصلاة تصح لتوفر أسباب الصحة وانتفاء مبطلها ، ولكني أقول :
هل يمكن لمؤمن أن تكون في بيته خمرة وقد علم من الدين الإسلامي بالضرورة أن الخمر محرم حيث دل كتاب الله ، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإجماع المسلمين على أن الخمر حرام ، قال الله تعالىSadيَا أَيُّهَا
__________
(1) تقدم تخريجه ص 95 .
(12/383)
________________________________________
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (1) . وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( كل مسكر خمر وكل مسكر حرام )) (2) . وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ما أسكر كثيرة فقليله حرام )) (3) . وعلى هذا فلا يحل لمسلم بل لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكون في بيته خمرة ، كما أنه لا يحل له بيع الخمر ، ولا شراؤه ، ولا المعاونة فيه بأي نوع من أنواع المعاونة ، ولا شريه ، ومن شريه مستحلاً لشربه ، أن استحل شربه وإن لم يشربه فإنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة وإذا كان ممن عاش بين المسلمين ، لأنه أنكر تحريم ما علم بالضرورة من دين الإسلام تحريمه .
ونصيحتي لأخواني المسلمين عموماً أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وفي أهليهم ، وفي مجتمعهم ، وأن يجتنبوا مثل هذه القاذورات التي لا تزيدهم من الله إلا بعداً ، ولا تزيد في حياتهم إلا قلقاً وتعباً ، ونقصاً في الدين والعقل والمال .
* * *
304 سئل فضيلة الشيخ : عن حكم الصلاة في مسجد بني من مال حرام ؟ وإذا كانت الأرض مغصوبة ؟
__________
(1) سورة المائدة ، الآيات : 90- 92 .
(2) أخرجه مسلم : كتاب الأشربة / بباب بيان أن كل مسكر خمر .
(3) أخرجه الإمام أحمد 2/167 .
(12/384)
________________________________________
فأجاب بقوله : الصلاة فيه جائزة ولا حرج فيها ، لأن الذي بناه من مال حرام ريما يكون أراد في بنائه أن يتخلص من المال الحرام الذي اكتسبه ، وحينئذ يكون بناؤه لهذا المسجد حلالاً إذا قصد به التخلص من المال الحرام ، وإن كان التخلص من المال الحرام لا يتعين ببناء المساجد ، بل إذا بذله الإنسان في مشروع خيري حصلت به البراءة.
أما إذا كانت أرض المسجد مغصوبة فهذا محل نزاع بين العلماء ، فمن العلماء من قال : إن الصلاة في الأرض المغصوبة باطلة لا تصح ومنهم من قال : إنها صحيحة والإثم على الغاصب .
* * *
305 وسئل الشيخ : هل ما قيل إنه يجب على المرأة أن تخلف السروال عند كل صلاة صحيح ؟
فأجاب فضيلته قائلاً : ليس صحيحاً أن المرأة يجب عليها أن تخلع السروال عند كل صلاة ، مادام السروال طاهر فإنها تصلي به وهو أستر من غيره ، أما إذا كان السروال نجساً فإنه يجب عليها أن تخلعه وتطهره ، وإذا طهرته فلا بأس أن تصلي فيه .
وهنا مسألة بهذه المناسبة أود أن أذكر بها : وهي أن بعض الناس ينقض الوضوء قبل وقت الصلاة ، ثم يستنجي بالماء فيغسل فرجه قبلاً كان أو دبراً ، فإذا جاء وقت الصلاة فإن بعض الناس يظن أنه يجب عليه غسل فرجه مرة أخرى وإن لم يحصل بول أو غائط ، ولكن هذا ليس بصحيح ، بل إذا تبول الإنسان أو تغوط ثم غسل المحل واستنجى استنجاء شرعياً ، ثم جاء الوقت فإنه لا يلزمه إعادة الاستنجاء ، بل يتوضأ ولو كان الاستنجاء قبل ساعتين أو ثلاث ، والوضوء هو غسل
(12/385)
________________________________________
الوجه ، واليدين ، ومسح الرأس ، وغسل الرجلين .
* * *
306 سئل فضيلة الشيخ : عن حكم الصلاة في الحذاء ؟
فأجاب بقوله : الصلاة في الحذاء من السنة ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي في نعليه ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصل في نعليه (1) ، كما أنه أمر الناس أن يصلوا في نعالهم (2) ، ولكن لا يصلي المرء فيهما إلا بعد التأكد من نظافتهما ، فينظر فيهما فإن رأي فيهما أذى حكهما بالتراب حتى يزول ثم يصلي فيهما .

* * *
307 سئل فضيلة الشيخ : ما الحكم فيمن يمشون بأحذيتهم على أرض المسجد الحرام ؟
فأجاب فضيلته بقوله : المشي على أرض المسجد الحرام بالحذاء لا ينبغي ، وذلك لأنه يفتح باباً للعامة الذين لا يقدرون المسجد فيأتون بأحذية وهي ملوثة بالمياه ، وريما تكون ملوثة بالأقذار يدخلون بها المسجد الحرام فيلوثونه بها ، والشيء المطلوب شرعاً إذا خيف أن يترتب عليه مفسدة فإنه يجب مراعاة هذه المفسدة وأن يترك ، والقاعدة المقررة عند أهل العلم : (( أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد مع
__________
(1) أخرجه البخاري : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعال ، ومسلم : كتاب المساجد / باب جواز الصلاة في النعال .
(2) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/280 .
(12/386)
________________________________________
التساوي ، أو مع ترجح المفاسد فإن درء المفسدة أولى من جلب المصلحة )) ، وهذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يهدم الكعبة وأن يجدد بناءها على قواعد إبراهيم ، ولكن لما كان الناس حديثي عهد بكفر ترك هذا الأمر المطلوب خوفاً من المفسدة فقال لعائشة رضى الله عنها : (( لولا أن قومك حديثوا عهد لهدمت الكعبة ، وبنيتها على قواعد إبراهيم ، وجعلت لها بابين باباً يدخل منه الناس ، وباباً يخرجون منه )) (1) .
* * *
سئل فضيلة الشيخ : عن حكم الصلاة بالنعال ؟ وهل وجود السجاد في المساجد الآن يمنع من الصلاة في النعال ؟
فأجاب بقوله : الصلاة في النعال مشروعة ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي في نعليه كما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه أخرجه البخاري ومسلم ، وعن شداد بن أوس رضى الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم )) (2) . رواه أبو داود وله شواهد .
وأما السجاد فلا تمنع من الصلاة في النعال ، لكن المهم الذي أغفله كثير من الناس هو تفقد النعال قبل دخول المسجد ، وهذا خلاف ما أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فق قال : (( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأي في نعليه قذراً، أو أذى فليمسحه، وليصل فيهما) (3) . فلو عمل
__________
(1) أخرجه البخاري : كتاب الحج / باب فضل مكة وبنيانها ، ومسلم : كتاب الحج / باب نقض الكعبة وبنائها .
(2) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ( 652 ).
(3) أخرجه الإمام أحمد 3/20 ، وأبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ( 650 ).
(12/387)
________________________________________
الناس بهذا الحديث لم يكن على السجاد ضرراً إذا صلى الناس عليها في نعالهم .

* * *
وسئل فضيلته : يحصل عند بعض الناس إشكال في الصلاة بالنعال ويحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك فما قولكم ؟
فأجاب قائلاً : لا ريب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في نعليه كما في صحيح البخاري أن أنس بن مالك رضى الله عنه سئل : أكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في نعليه ؟ فقال : نعم (1) .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى سلفاً وخلفاً هل الصلاة فيهما من باب المشروعات فيكون مستحباً ، أو من باب الرخص فيكون مباحاً ، والظاهر أن ذلك من باب المشروعات فيكون مستحباً ، ودليل ذلك من الأثر والنظر :
أما الأثر : فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم )) (2) . أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه ، قال الشوكاني في شرح المنتقي : ولا مطعن في إسناده .
ومخالفة اليهود أمر مطلوب شرعاً .
وأما النظر : فإن النعال والخفاف زينة الأقدام ، وقد قال الله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (3) . ولا يعارض هذا المصلحة إلا أن القدمين في النعال ترتفع أطرافها عن الأرض ،
__________
(1) تقدم تخريجه ص 386 .
(2) تقدم تخريجه ص 376 .
(3) سورة الأعراف ، الآية : 31 .
(12/388)
________________________________________
وأطراف القدمين مما أمرنا بالسجود عليه ، لكن يجاب عن ذلك ، بأن النعلين متصلان بالقدم وهما لباسه ، فاتصالهما بالأرض اتصال لأطراف القدمين ، ألا ترى أن الركبتين مما أمرنا بالسجود عليا وهما مستوران بالثياب ، ولو لبس المصلي قفازين في يديه وسجد فيهما أجزأه السجود مع أن اليدين مستوران بالقفازين .
ولكن الصلاة بالنعلين غير واجبة لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي حافياً ومنتعلاً (1) . أخرجه أبو داود وابن ماجه . ولحديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحداً ، ليجعلهما بين رجليه ، أو ليصل فيهما )) (2) . أخرجه أبو داود . قال العراقي : صحيح الإسناد . وعن أبي هريرة رضى الله عنه أيضاً أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره ، إلا أن لا يكون عن يساره أحد ، وليضعهما بين رجليه )) (3) . رواه أبو داود وفي إسناده من اختلف فيه ويشبه أن يكون موقوفاً . وعن عبد الله بن السائب رضى الله عنه قال : رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره (4) .
__________
(1) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ( 653 ) ، وابن ماجه : كتاب إقامة الصلاة / باب الصلاة في النعال ( 1038 ).
(2) (1) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما ؟ (655 ).
(3) (2) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما ؟ ( 654 ).
(4) أخرجه الإمام أحمد 3/410 ، وأبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ( 648 ) ، والنسائي : كتاب القبلة / باب أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس ( 775 ) ، وابن ماجه : كتاب إقامة الصلاة / باب ما جاء في أين توضع النعل إذا خلعت في الصلاة ( 1431 ).
(12/389)
________________________________________
وبهذا علم أن الصلاة بالنعال مشروعة كالصلاة في الخفين ، إلا أن يكون في ذلك أذية لمن بجوارك من المصلين ، مثل أن تكون النعال قاسية ففي هذه الحال يتجنب المصلي ما فيه أذية لإخوانه ، لأن كف الأذى عن المسلمين واجب ، لاسيما إذا كان ذلك الأذى يشغلهم عن كمال صلاتهم ، لأن المفسدة في هذه الحال تتضاعف حيث تحصل الأذية والإشغال عن الخشوع في الصلاة .
وأما من قال:إن الصلاة في النعال حيث لا يكون المسجد مفروشاً فليس قوله بسديد ، لأن الحكمة في الصلاة في النعل مخالفة اليهود ، وكون النعلين من لباس القدمين ، وهذه الحكمة لا تختلف باختلاف المكان ، نعم لو كانت الحكمة وقاية الرجل من الأرض لكان قوله متجهاً . وأما قول من قال : إنك إذا صليت في نعليك أمامي فقد أهنتني أشد الإهانة .
فلا أدرى كيف كان ذلك إهانة له ، ولقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في نعليه وأصحابه خلفه ، أفيقال إن ذلك إهانة لهم ؟
قد يقول قائل : إن ذلك كان معروفاً عندهم فكان مألوفاً بينهم لا يتأثرون به ، ولا يتأذون به .
فيقال له : وليكن ذلك معروفاً عندنا ومألوفاً بيننا حتى لا نتأثر به ولا نتأذى به .
وأما قول من قال لمن صلى بنعليه:أأنت خير من الناس جميعاً ، أو من فلان وفلان ، لو كان خيراً لسبقوك إليه .
فيقال له : إن الشرع لا يوزن بما كان الناس عليه عموماً أو خصوصاً ، وإنما الميزان كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكم من
(12/390)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين   مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Emptyالأربعاء نوفمبر 12, 2014 5:35 am

عمل قولي ، أو فعلي عمله الناس وليس له أصل في الشرع ، وكم من عمل قولي أو فعلي تركه الناس وهو ثابت في السنة ، كما يعلم ذلك من استقرأ أحوال الناس ، ومن ترك الصلاة بالنعلين من أهل العلم فإنما ذلك لقيام شبهة أو مراعاة مصلحة .
ومن المصالح التي يراعيها بعض أهل العلم ما يحصل من العامة من امتهان المساجد، حيث يدخلون المساجد دون نظر في نعالهم وخفافهم اقتداء بمن دخل المسجد في نعليه ممن هو محل قدوه عندهم ، فيقتدون به في دخول المسجد بالنعلين دون النظر فيهما والصلاة فيهما فتجد العامي يدخل المسجد بنعليه الملوثتين بالأذى والقذر حتى يصل إلى الصف ثم يخلعهما ويصلي حافياً فلا هو الذي احترم المسجد ، ولا هو الذي أتى بالسنة .
فمن ثم رأي بعض أهل العلم درء هذه المفسدة بترك هذه السنة ، والأمر في هذا واسع – إن شاء الله – فإن لمثل هذه المراعاة أصلاً في كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أما في كتاب الله تعالى فقد نهى الله تعالى عن سبحانه وتعالى آلهة المشركين مع كونه مصلحة ، لئلا يترتب عليه مفسده وهي سبهم لإلهنا جل وعلا فقال تعالى ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ ) (1) .
وأما في سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشواهده كثيرة :
منها : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة رضى الله عنه وهو يتحدث عن شأن الكعبة : (( لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر
__________
(1) سورة الأنعام ، الآية : 108 .
(12/391)
________________________________________
قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه في الأرض )) (1) .
ومنها : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك قتل قوم من المنافقين مع علمه بهم ، مراعاة للمصلحة ، وتشريعاً للأمة أن يحكموا بالظواهر ، ويدعوا السرائر إلى عالمها جل وعلا . ومنها : ترك الصيام في السفر .
ومنها : إيثار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤلفة قلوبهم مع استحقاق جميع المقاتلين لها مراعاة للمصالح .
فعلى المرء أن يتأمل سيرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهديه ، ومراعاة للمصالح ويتبعه في ذلك ويعمل بسنته ما استطاع ، التزاماً بالواجب ، واغتناماً بالتطوع ، حتى يكون بذلك عالماً ربانياً وداعياً مصلحاً .
نسأل ا لله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير ، والصلاح ، والفلاح ، والإصلاح ، وأن لا يزيغ قلوبنا بع إذ هدانا ، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . في 10/8/1406 هـ .

* * *
وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم التزام الإنسان مكان معين في المسجد الحرام لغير المعتكف ليصلي فيه طيلة شهر رمضان ؟
فأجاب فضيلته بقوله : المسجد الحرام كغيره من المساجد يكون لمن سبق ، ولا يحل لأحد خارج المسجد أن يتحجر مكاناً له في المسجد .
أما إذا كان في نفس المسجد ، ولكنه أحب أن يبتعد عن ضوضاء
__________
(1) تقدم تخريجه ص 387 .
(12/392)
________________________________________
الناس ، وجلس في مكان واسع فإذا قربت الصلاة جاء ليصلي في مكانه الذي احتجزه فهذا لا بأس به ، لأن له الحق في أن يجلس في أي مكان في المسجد ، ولكن إذا ذهب ليصلي في مكان آخر أوسع له ثم لحقته الصفوف فإنه يجب عليه أن يتقدم إلى مكانه ، أو يتأخر لمكان أوسع ، لأنه إذا وصلته الصفوف وكان في مكانه هذا فقد اتخذ لنفسه مكاناً آخر من المسجد ، والإنسان لا يملك أن يتخذ مكانين له .
وإما التزام مكان معين لا يصلي إلا فيه فإن هذا منهي عنه بل ينبغي للإنسان أن يصلي حيث ما وجد المكان .

* * *
311 سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى - : عن حكم حجز المكان في المسجد ؟
فأجاب قائلاً : إن حجر الأماكن إذ كان الذي حجزها خرج من المسجد فهذا حرام عليه ، ولا يجوز ، لأنه ليس له حق في هذا المكان ، فالمكان إنما يكون للأول فالأول ، حتى إن بعض فقهاء الحنابلة يقول : إن الإنسان إذا حجز مكاناً وخرج من المسجد فإنه إذا رجع وصلى فيه فصلاته باطلة ، لأنه قد غصب هذا المكان لأنه ليس من حقه أن يكون فيه وقد سبقه أحد أليه ، والإنسان إنما يتقدم ببدنه لا بسجادته أو منديله أو عصاه ، ولكن إذا كان الإنسان في المسجد ووضع هذا وهو في المسجد لكن يحب أن يكون في مكان آخر يسمع درساً ، أو يتقي عن الشمس ونحو ذلك فهذا لا بأس به بشرط أن لا يتخطى الناس عند رجوعه إلى مكانه ، فإن كان يلزم من رجوعه تخطي الناس وجب عليه أن يتقدم إلى مكانه إذا حاذاه الصف الذي يليه لئلا يؤذي الناس .
* * *
(12/393)
________________________________________
سئل فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى : إذا ضاق المسجد فما حكم الصلاة في السوق وما يحيط بالمسجد ؟
فأجاب فضيلته بقوله : لا بأس بذلك إذا اضطر الإنسان إلى الصلاة في السوق أو في الساحات التي حول المسجد فإن هذا لا بأس به ، حتى الذين يقولون إن الصلاة لا تصح في الطريق يستثنون من ذلك صلاة الجمعة وصلاة العيد إذا امتلأ المسجد وخرج الناس إلى الأسواق ، والصحيح أنه يستثنى من ذلك كل ما دعت الحاجة إليه فإذا امتلأ المسجد فإنه لا بأس أن يصلوا في الأسواق .

* * *
313 وسئل فضيلة الشيخ : عن الفرق بين المسجد والمصلي ؟ وما ضابط المسجد ؟
فأجاب بقوله : أما بالمعنى العام فكل الأرض مسجد لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) (1) . وأما بالمعنى الخاص فالمسجد : ما أعد للصلاة فيه دائماً وجعل خاصاً بها سواء بني بالحجارة والطين والإسمنت أم لم يبن ، وأما المصلى فهو ما اتخذه الإنسان ليصلي فيه ، ولكن لم يجعله موضعاً للصلاة دائماً ، إنما يصلي فيه إذا صادف الصلاة ولا يكون هذا مسجداً ، ودليل ذلك أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي في بيته النوافل ، ولم يكن بيته مسجداً ، وكذلك دعاه عتبان بن مالك إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى ولم يكن ذلك المكان مسجداً (2) . فالمصلى ما أعد للصلاة فيه دون أن يعين مسجداً
__________
(1) تقدم تخريجه ص 95 .
(2) أخرجه البخاري : كتاب المساجد / باب المساجد في البيوت ، ومسلم : كتاب المساجد / باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر .
(12/394)
________________________________________
عاماً يصلي فيه الناس ويعرف أنه قد خصص لهذا الشيء .

* * *
سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله تعالى - : هل مساجد مكة فيها من الأجر كما في المسجد الحرام ؟
فأجاب فضيلته بقوله : قول السائل : هل مساجد مكة فيها من الأجر كما في المسجد الحرام جوابه : لا ليست مساجد مكة كالمسجد الحرام في الأجر ، بل المضاعفة إنما تكون في المسجد الحرام نفسه القديم والزيادة لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة )) (1) . أخرجه مسلم . فخص الحكم بمسجد الكعبة ، ومسجد الكعبة واحد ، وكما أن التفضيل خاص في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو خاص بالمسجد الحرام أيضاً ، ويدل لهذا أيضاً قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى )) (2) . ومعلوم أننا لو شددنا الرحال إلى مسجد من مساجد مكة غير المسجد الحرام لم يكن هذا مشروعاً بل كان منهياً عنه ، فما يشد الرحل إليه هو الذي فيه المضاعفة ، لكن الصلاة في مساجد مكة بل في الحرم كله أفضل من الصلاة في الحل ، ودليل ذلك أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزل الحديبية ، والحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم كان يصلي في الحرم مع
__________
(1) أخرجه مسلم : كتاب الحج / باب فضل الصلاة مسجدي مكة والمدينة .
(2) أخرجه البخاري : كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ، ومسلم : كتاب الحج / باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مسجد .
(12/395)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Empty
مُساهمةموضوع: رد: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين   مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين Emptyالأربعاء نوفمبر 12, 2014 5:35 am

أنه نازل في الحل ، وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم أفضل ، لكن لا يدل على حصول التضعيف الخاص في مسجد الكعبة .
فإن قيل : كيف تجيب عن قول الله تعالى ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (1) . وقد أسرى به من مكة من بيت أم هاني ؟
فالجواب : أنه ثبت في صحيح البخاري أنه أسرى به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحجر ، قال : (( بينا أنا نائم في الحجر أتاني آت . . . )) (2) إلخ الحديث ، والحجر في المسجد الحرام ، وعلى هذا فيكون الحديث الذي فيه أنه أسرى به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيت أم هاني - إن صحت الرواية - يراد ابتداء الإسراء ونهايته من الحجر ، كأنه نبه وهو في بيت أم هاني ، ثم قام فنام في الحجر فأسرى به من الحجر .

* * *
سئل فضيلة الشيخ : عن حكم هدم المساجد لصالح الشوارع ؟وهل يختلف الحكم فيما إذا كان يوجد مسجد آخر قريب منه يقوم مقامه ؟
فأجاب بقوله : هدم المساجد لمصلحة الشارع جائز إذا كان سيعمر بدله في مكان قريب منه بحيث لا يضر على أهل المسجد الأولين ، وقد ذكر الإمام أحمد وغيره عن عمر رضى الله عنه أنه أذن في نقل مسجد الكوفة لمصلحة بيت المال ، حيث إن بيت المال نقب وسرق ، فأمر عمر رضى الله
__________
(1) سورة الإسراء ، الآية : 1 .
(2) أخرجه البخاري : كتاب فضائل الصحابة / باب المعراج ، ومسلم : كتاب الإيمان / باب الإسراء .
(12/396)
________________________________________
عنه بنقل المسجد (1) ، وجعل بيت المال في قبلته ، معللاً ذلك بأنه ما زال في المسجد مصل ، فيمتنع من هم بالسرقة منها بسبب وجود المصلين في المسجد ، فصار المسجد في مكان سوق التمارين ، وسوق التمارين في مكان المسجد ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حكم هذه المسألة في الفتاوى ص 215- 238 مجلد 31 مجموعة ابن قاسم .

* * *
سئل فضيلة الشيخ : عن حكم إحضار الأولاد الصغار للمسجد إذا كانوا يشوشون على المصلين ؟
فأجاب بقوله : لا يجوز إحضار الأولاد للمسجد إذا كانوا يشوشون على المصلين ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون فقال : (( لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن أو قال في القراءة )) (2) . وإذا كان التشويش منهياً عنه حتى في قراءة القرآن فما بالك بلعب الصبيان ؟! .
أما إذا كانوا لا يشوشون فإحضارهم إلى المسجد خير ، لأنه يمرنهم على حضور الجماعة ويرغبهم في المساجد فيألفونها .

* * *
317 سئل فضيلة الشيخ : حفظه الله تعالى - : عن حكم منع الصبيان من الجلوس في الصف الأول ؟
فأجاب فضيلته بقوله : لا يمنع الصبيان من الصلاة في الصف
__________
(1) ذكر هذا الأثر كثير من الفقهاء ، أنظر المغني 5/632 ، المبدع 5/353 ، والكشاف 4/324 . وذكره شيه الإسلام في الموضع الذي أشار إليه الشيخ أعلاه .
(2) أرحه الإمام أجمد 2/36 .
(12/397)
________________________________________
الأول من المسجد إلا إذا حصل منهم أذية ، أما ما داموا لا مؤدبين فإنه لا يجوز إخراجهم من الصف الأول لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به )) (1) . وهؤلاء سبقوا إلى ما لم يسبقهم إليه أحد ، فكانوا أحق به من غيرهم .
فإذا قيل : قد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى )) (2) .
فالجواب : إن المراد بهذا الحديث حث أولي الأحلام والنهى على أن يتقدموا ، نعم لو قال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا يليني إلا أولوا الأحلام والنهى )) .لكان هذا نهياً عن تقدم الصبيان للصف الأول ، ولكنه إذا قال : (( ليليني أولوا الأحلام والنهى )) . فالمعنى حيث هؤلاء البالغين العقلاء على أن يتقدموا ليكونوا هم الذين يلون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولأننا لو أخرنا الصبيان عن الصف الأول سيكونون وحدهم في الصف الثاني ، ويترتب على لعبهم ما لا يترتب لو كانوا في الصف الأول وفرقناهم وهذا أمر ظاهر . والله الموفق .
* * *
318 وسئل فضيلته : قال بعض الفقهاء إن من شروط الصلاة اجتناب النجاسة في البدن ، والثوب ، والبقعة ، وهو شرط عدمي ، فما الفرق بين الشرط الإيجابي والعدمي ؟
فأجاب بقوله : الفرق بين الشرط الإيجابي والعدمي أن الأول يجب فعله والثاني يجب اجتنابه ، فإذا صلى الإنسان في ثوب نجس
__________
(1) أخرجه أبو داود : 3/177 .
(2) أخرجه مسلم : كتاب الصلاة / باب تسوية الصفوف وإقامتها .
(12/398)
________________________________________
ناسياً ، أو جاهلاً فإن صلاته صحيحة ، وليس عليه إعادة الصلاة ، مثال ذلك : أصاب ثوبك بول ولم تغسله ثم صليت بعد ذلك ناسياً غسله ، أو أنه أصابك فإن صلاتك صحيحه ولا إعادة عليك ، لأنك معذور بالنسيان ، قال تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (1) . وقد روى أهل السنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصلي بأصحابه ذات يوم فخلع نعليه ، فخلع الصحابة نعالهم ، فلما سلم سألهم ، فقالوا : يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، فقال : (( إن جبريل أتاني وأخبرني أن فيهما أذى أو قذراً )) (2) . فدل هذا على أن من صلى بنجاسة جاهلاً بها فإن صلاته لا تبطل ، فإن علم بها أثناء الصلاة أزالها ومضى في صلاته ولا حرج عليه .فإذا قال قائل : ألستم تقولون : إن الإنسان إذا صلى بغير وضوء ناسياً فإن صلاته باطلة غير صحيحة ، فكيف تقولون إنه إذا صلى بالنجاسة ناسياً غسلها تكون صلاته صحيحة فما الفرق إذاً ؟
نقول : إن الوضوء شرط إيجابي أي أنه شرط وجودي والشرط الوجودي لابد من وجوده فإذا عدم عدمت الصحة ، وأما اجتناب النجاسة فهو شرط عدمي ، وقد قال أهل العلم : إنه يفرق بين ترك المأمور وفعل المحذور ، فترك المأمور لا يعذر فيه الإنسان بالجهل أو النسيان ، وفعل المحذور يعذر فيه الإنسان بالجهل أو النسيان ، وهذه قاعدة مقررة عند أهل العلم دل عليها كتاب الله ، وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
__________
(1) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(2) تقدم تخريجه ص 303 .
(12/399)
________________________________________
فصل
قال فضيلة الشيخ - جزاه الله خيراً -:من إقام الصلاة الطهارة ، فإنها لا تقبل صلاة بغير طهور، قال النبي عليه الصلاة والسلامSadلا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )) (1) .
فلابد أن يقوم الإنسان بالطهارة على الوجه الذي أمر به ، فإن أحدث حدثاً أصغر مثل البول ، والغائط ، والريح ، والنوم ، وأكل لحم الإبل فإنه يتوضأ .
وفروض الوضوء كما يلي : غسل الوجه ، واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس ، وغسل الرجلين إلى الكعبين ، كما أمر الله بذلك في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (2) . ومن الوجه : المضمضة والإستنشاق ، ومن الرأس : الأذان ، فلابد في الوضوء من غسل هذه الأعضاء الأربعة ، غسل في ثلاثة ،ومسح في واحد .
وأما الاستنجاء أو الاستجمار فهو : إزالة نجاسة ولا علاقة له بالوضوء ، لو أن الإنسان بال أو تغوط واستنجى ، ثم ذهب لشغله ثم دخل الوقت فإنه يتوضأ بتطهيره الأعضاء الأربعة ، ولا حاجة إلى أن يستنجي ، لأن الاستنجاء إزالة نجاسة ، ومتى أزيلت فإنه لا يعاد الغسل مرة ثانية إلا إذا رجعت مرة ثانية .
__________
(1) (1) أخرجه البخاري : كتاب الحيل / باب في الصلاة ، ومسلم : كتاب الطهارة / باب وجوب الطهارة للصلاة .
(2) سورة المائدة ، الآية : 6 .
(12/400)
________________________________________
والصحيح : أنه لو نسي أن يستجمر استتجماراً شرعياً ثم توضأ فإن وضوءه صحيح ، لأنه ليس هناك علاقة بين الاستنجاء وبين الوضوء .
أما إذا كان محدثاً حدثاً أكبر مثل الجنابة فعليه أن يغتسل ، فيعم جميع بدنه بالماء لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (1) . ومن ذلك المضمضة والاستنشاق لأنهما داخلان في الوجه فيجب تطهيرهما كما يجب تطهير الجبهة والخد واللحية .
والغسل الواجب الذي يكفي هو أن تعم جميع بدنك بالماء سواء بدأت بالرأس ، أو بالصدر ، أو بالظهر ، أو أسفل البدن ،أو انغمست في بركة وخرجت منها بنية الغسل .
والوضوء قبل الغسل سنة وليس واجب ، وإذا اغتسل فلا حاجة إلى الوضوء مرة ثانية لأنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه توضأ بعد اغتساله .
فإذا لم يجد الماء ، أو كان مريضاً يخشى من استخدام الماء ، أن كان برد شديد وليس عنده ما يسخن به الماء فإنه يتيمم لقوله تعالىSadوَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (2) .
فبين الله حال السفر والمرض أنه يتيمم فيهما ، إذا لم يجد الماء في السفر .
أما خوف البرد فدليله قصة عمرو بن العاص رضى الله عنه قال :
__________
(1) سورة المائدة ، الآية : 6 .
(2) سورة المائدة ، الآية 6 .
(12/401)
________________________________________
احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن أغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : (( يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب ؟ )) (1) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله عز وجل يقول : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (2) . فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقل شيئاً . فأقره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك ولم يأمره بالإعادة ، لأن من خاف الضرر كمن فيه الضرر ، لكن بشرط أن يكون الخوف غالباً أو قاطعاً ، أما مجرد الوهم فهذا ليس بشيء .
وأعلم أن طهارة التيمم تقوم مقام طهارة الماء ، ولا تنتقض إلا بما تنتقض به طهارة الماء ، أو بزوال العذر المبيح للتيمم .
فمن تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده فإنه لابد أن يتطهر بالماء ، لأن الله تعالى إنما جعل التراب طهارة إذا عدم الماء ، وفي الحديث الذي أخرجه أهل السنن عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : (( الصعيد الطيب وضوء المسلم أو قال : طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإن وجده فليتق الله وليمس بشرته )) (3) .
وفي صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل في قصة الرجل الذي اعتزل فلم يصل مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله فقال : (( ما منعك أت تصلي معنا )) ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء فقال : (( عليك بالصعيد
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في " المسند " 4/203 ، وأبو داود : كتاب الطهارة / باب إذا خاف الجنب البرد يتيمم ، وعلقه البخاري / كتاب التيمم وصححه الحافظ في " الفتح " 1/354 .
(2) سورة النساء ، الآية : 29 .
(3) تقدم تخريجه ص 260 .
(12/402)
________________________________________
فإنه يكفيك )) ، ثم حضر الماء فأعطى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الرجل ماء وقال : (( أفرغه على نفسك )) (1) أي اغتسل به ، فدل هذا على أنه إذا وجد الماء بطل التيمم ، أما إذا لم يحضر الماء ، ولم يزل العذر فإنه يقوم مقام طهارة الماء ولا يبطل بخروج الوقت ، فلو تيمم الإنسان وهو مسافر ولا ماء عنده لصلاة الظهر مثلاً وبقي لم يحدث إلى العشاء فإنه لا يلزمه إعادة التيمم ، لأن التيمم لا يبطل بخروج الوقت ، لأنه طهارة شرعية كما قال الله في القرآن الكريم : ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (2) . فبين الله أن طهارة التيمم طهارة ، وقال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) بفتح الطاء أي أنها تطهر (( فإيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل )) (3) وفي حديث آخر : (( فعنده مسجده وطهوره )) (4) يعني ليتطهر وليصل .
ومن المحافظة على الطهارة إزالة النجاسة من ثوبك ، ومصلاك وبدنك ، فلابد من الطهارة في هذه المواضع الثلاثة . ودليل هذا في الثوب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أمر الحائض إذا أصابها الحيض أن تغسله ثم تصلي فيه )) (5) .
ولما صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعاله خلع نعليه فخلع الناس
__________
(1) أخرجه البخاري : كتاب التيمم / باب الصعيد الطيب وضوء المسلم ، ومسلم : كتاب المساجد / باب قضاء الصلاة الفائتة .
(2) سورة المائدة / باب قضاء الصلاة الفائتة .
(3) تقدم تخريجه ص 95 .
(4) أخرجه الإمام أحمد 5/248 .
(5) أخرجه البخاري : كتاب الحيض / باب غسل دم الحيض .
(12/403)
________________________________________
نعالهم فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم ؟ قالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، قال : (( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً )) (1) .
فدل هذا على أنه لابد من اجتناب النجاسة في الملبوس .
أما المكان : فدليله أن أعرابياً جاء فبال في طائفة المسجد أي في طرف منه ، فصاح به الناس وزجروه ولكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحكمته نهاهم وقال : اتركوه فلما قضي بوله دعاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال له : (( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة والتسبيح ، وقراءة القرآن )) (2) .
فدل هذا على أنه لابد من التنزه من البول وهكذا بقية النجاسات ولكن لو فرض أن الإنسان في البر وتنجس ثوبه وليس معه ما يغسله به فهل يتيمم من أجل صلاته في هذا الثوب .
__________
(1) تقدم تخريجه ص 303 .
(2) أخرجه البخاري : كتاب الوضوء / باب ترك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس الأعرابي ، ومسلم : كتاب الطهارة / باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات .
(12/404)
________________________________________
لا يتيمم ، وكذلك لو أصاب بدنه نجاسه ، رجله ، أو يده ، أو ساقه ، أو ذراعه وليس عنده ما يغسله فإنه لا يتيمم ، لأن التيمم إنما هو لطهارة الحدث فقط .
أما النجاسة فلا يتيمم لها لأن النجاسة عين قذرة ، وتطهيرها بإزالتها ، إن أمكن فذاك ، وإن لم يمكن تبقى حتى يمكن إزالتها ، والله أعلم
(12/405)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مسجات ورسائل روعة جدااا
» (فتاوى متفرقة)
» فتاوى مختارة (1)
» فتاوى مختارة 2
» فتاوى مختارة 3

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: