ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 عجائب القلب (بيان حال القلب)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

عجائب القلب (بيان حال القلب) Empty
مُساهمةموضوع: عجائب القلب (بيان حال القلب)   عجائب القلب (بيان حال القلب) Emptyالإثنين أبريل 02, 2012 2:14 am

عجائب القلب (بيان حال القلب) 8Ucyt-N57B_542824226

عجائب القلب (بيان حال القلب)
بالإضافة إلى أقسام العلوم العقلية والدينية والدنيوية والأخروية
اعلم أن القلب بغريزته مستعد لقبول حقائق المعلومات كما سبق ولكن العلوم التي تحل فيه تنقسم إلى عقلية وإلى شرعية. والعقلية تنقسم إلى ضرورية ومكتسبة. والمكتسبة إلى دنيوية وأخروية.
أما العقلية: فنعني بها ما تقضي بها غريزة العقل ولا توجد بالتقليد والسماع؛ وهي تنقسم إلى ضرورية: لا يدري من أين حصلت وكيف حصلت? كعلم الإنسان بأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين والشيء الواحد لا يكون حادثاً قديماً موجوداً معدوماً معاً؛ فإن هذه علوم يجد الإنسان نفسه منذ الصبا مفطوراً عليها ولا يدري متى حصل له هذا العلم ولا من أين حصل له? أعني أنه لا يدري له سبباً قريباً، وإلا فليس يخفى عليه أن الله هو الذي خلقه وهداه.
وإلى علوم مكتسبة: وهي المستفادة بالتعلم والاستدلال. وكلا القسمين قد يسمى عقلاً.
قال علي رضي الله عنه: رأيت العقل عقلـين فمطبوع ومسمـوع
ولا ينفع مسـمـوع إذا لم يك مطبـوع
كما لا تنفع الشمـس وضوء العين ممنوع
والأول هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لعلي "ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل" والثاني هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه "إذا تقرب الناس إلى الله تعالى بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك" إذ لا يمكن التقرب بالغريزة الفطرية ولا بالعلوم الضرورية بل بالمكتسبة. ولكن مثل على رضي الله عنه هو الذي يقدر على التقرب باستعمال العقل في اقتناص العلوم التي بها ينال القرب من رب العالمين، فالقلب جار مجرى العين وغريزة العقل فيه جارية مجرى قوة البصر في العين، وقوة الإبصار لطيفة تفقد في العمى وتوجد في البصر وإن كان قد غمض عينيه أو جن عليه الليل، والعلم الحاصل منه في القلب جار مجرى قوة إدراك البصر في العين ورؤيته لأعيان الأشياء. وتأخر العلوم عن عين العقل في مدة الصبا إلى أوان التمييز أو البلوغ يضاهي تأخر الرؤية عن البصر إلى أوان إشراق الشمس وفيضان نورها على المبصرات. والقلم الذي سطر الله به العلوم على صفحات القلوب يجري مجرى قرص الشمس. وإنما لم يحصل العلم في قلب الصبي قبل التمييز لأن لوح قلبه لم يتهيأ بعد لقبول نفس العلم. والقلم عبارة عن خلق من خلق الله تعالى جعله سبباً لحصول نفس العلوم في قلوب البشر قال الله تعالى "الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم" وقلم الله تعالى لا يشبه قلم خلقه كما لا يشبه وصفه وصف خلقه، فليس قلمه من قصب ولا خشب كما أنه تعالى ليس من جوهر ولا عرض؛ فالموازنة بين البصيرة الباطنة والبصر الظاهر صحيحة من هذه الوجوه إلا أنه لا مناسبة بينهما في الشرف؛ فإن البصيرة الباطنة هي عين النفس التي هي اللطيفة المدركة، وهي كالفارس والبدن كالفرس، وعمى الفارس أضر على الفارس من عمى الفرس بل لا نسبة لأحد الضررين إلى الآخر. ولموازنة البصيرة الباطنة للبصر الظاهر سماه الله تعالى باسمه فقال "ما كذب الفؤاد ما رأى" سمى إدراك الفؤاد رؤية وكذلك قوله تعالى "وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض" وما أراد به الرؤية الظاهرة فإن ذلك غير مخصوص بإبراهيم عليه السلام حتى يعرض في معرض الامتنان، ولذلك سمي ضد إدراكه عمى فقال تعالى "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب في الصدر" وقال تعالى "ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً" فهذا بيان العلم العقلي.
أما العلوم الدينية: فهي المأخوذة بطريق التقليد من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، وذلك يحصل بالتعلم لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم معانيهما بعد السماع، وبه كمال صفة القلب وسلامته عن الأدواء والأمراض، فالعلوم العقلية غير كافية في سلامة القلب وإن كان محتاجاً إليها، كما أن العقل غير كاف في استدامة صحة أسباب البدن بل يحتاج إلى معرفة خواص الأدوية والعقاقير بطريق التعلم من الأطباء، إذ مجرد العقل لا يهتدي إليه ولكن لا يمكن فهمه بعد سماعه إلا بالعقل، فلا غنى بالعقل عن السماع ولا غنى بالسماع عن العقل. فالداعي إلى محض التقليد مع عزل العقل بالكلية جاهل، والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسنة مغرور، فإياك أن تكون من أحد الفريقين وكن جامعاً بين الأصلين، فإن العلوم العقلية كالأغذية والعلوم الشرعية كالأدوية والشخص المريض يستضر بالغذاء من فاته الدواء، فكذلك أمراض القلوب لا يمكر علاجها إلا بالأدوية المستفادة من الشريعة وهي وظائف العبادات والأعمال التي ركبها الأنبياء صلوات الله عليهم لإصلاح القلوب، فمن لا يداوى قلبه المريض بمعالجات العبادة الشرعية واكتفى بالعلوم العقلية استضر بها كما يستضر المريض بالغذاء. وظن من يظن أن العلوم العقلية مناقضة للعلوم الشرعية وأن الجمع بينهما غير ممكن هو ظن صادر عن عمى في عين البصيرة نعوذ بالله منه، بل هذا القائل ربما يناقض عنده بعض العلوم الشرعية لبعض فيعجز عن الجمع بينهما. فيظن أنه تناقض في الدين، فيتحير به فينسل من الدين انسلال الشعرة من العجين. وإنما ذلك لأن عجزه في نفسه خيل إليه نقصاً في الدين وهيهات. وإنما مثاله مثال الأعمى الذي دخل دار قوم فتعثر فيها بأواني الدار فقال لهم: ما بال هذه الأواني تركت على الطريق لم لا ترد إلى مواضعها? فقالوا له: تلك الأواني في مواضعها! وإنما أنت لست تهتدي للطريق لعماك فالعجب منك أنك لا تحيل عثرتك على عماك وإنما تحيلها على تقصير غيرك? فهذه نسبة العلوم الدينية إلى العلوم العقلية.
والعلوم العقلية تنقسم إلى دنيوية وأخروية. فالدنيوية: كعلم الطلب والحساب والهندسة والنجوم وسائر الحرف والصناعات. والأخروية: كعلم أحوال القلب وآفات الأعمال والعلم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله -كما فصلناه في كتاب العلم- وهما علمان متنافيان -أعني أن من صرف عنايته إلى أحدهما حتى تعمق فيه قصرت بصيرته عن الآخر على الأكثر- ولذلك ضرب علي رضي الله عنه للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال: هما ككفتي الميزان، وكالمشرق والمغرب، وكالضرتين إذا رضيت إحداهما أسخطت الأخرى.
ولذلك ترى الأكياس في أمور الدنيا وفي علم الطب والحساب والهندسة والفلسفة جهالاً في أمور الآخرة. والأكياس في دقائق علوم الآخرة جهالاً في أكثر علوم الدنيا، لأن قوة العقل لا تفي بالأمرين جميعاً في الغالب فيكون أحدهما مانعاً من الكمال في الثاني. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "إن أكثر أهل الجنة البله أي البله في أمور الدنيا.
وقال الحسن في بعض مواعظه: لقد أدركنا أقواماً لو رأيتموهم لقلتم مجانين ولو أدركوكم لقالوا شياطين. فمهما سمعت أمراً غريباً من أمور الدين جحده أهل الكياسة في سائر العلوم، فلا يغرنك جحودهم عن قبوله إذ من المحال أن يظفر سالك طريق المشرق بما يوجد في المغرب، فكذلك يجري أمر الدنيا والآخرة ولذلك قال تعالى "إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها" الآية وقال تعالى "يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون" وقال عز وجل "فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم" فالجمع بين كمال الاستبصار في مصالح الدنيا والدين لا يكاد يتيسر إلا لمن رسخه الله لتدبير عباده في معاشهم ومعادهم وهم الأنبياء المؤيدون بروح القدس المستمدون من القوة الإلهية التي تتسع لجميع الأمور ولا تضيق عنها. فأما قلوب سائر الخلق فإنها إذا استقلت بأمر الدنيا انصرفت عن الآخر وقصرت عن الاستكمال فيها.
بيان الفرق بين الإلهام والتعلم
والفرق بين طريق الصوفية في استكشاف الحق وطريق النظار
اعلم أن العلوم التي ليست ضرورية - وإنما تحصل في القلب في بعض الأحول - تختلف الحال في حصولها فتارة تهجم على القلب كأنه ألقى فيه من حيث لا يدري، وتارة تكتسب بطريق الاستدلال والتعلم. فالذي يحصل لا بطريق الاكتساب وحيلة الدليل يسمى إلهاماً، والذي يحصل بالاستدلال يسمى اعتباراً واستبصاراً. ثم الواقع في القلب بغير حيلة وتعلم واجتهاد من العبد ينقسم إلى ما يدري العبد أنه كيف حصل له ومن أين حصل? وإلى ما يطلع معه على السبب الذي منه استفاد ذلك العلم وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب. والأول: يسمى إلهاماً ونفثاً في الروع والثاني: يسمى وحياً وتختص به الأنبياء. والأول يختص به الأولياء والأصفياء. والذي قبله - وهو المكتسب بطريق الاستدلال - يختص به العلماء. وحقيقة القول فيه أن القلب مستعد لأن تنجلي فيه حقيقة الحق في الأشياء كلها، وإنما حيل بينه وبينها بالأسباب الخمسة - التي سبق ذكرها - فهي كالحجاب المسدل الحائل بين مرآة القلب وبين اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله به إلى يوم القيامة. وتجلى حقائق العلوم من مرآة اللوح في مرآة القلب يضاهي انطباع صورة من مرآة في مرآة تقابلها، والحجاب بين المرآتين تارة يزال باليد وأخرى يزول بهبوب الرياح تحركه. وكذلك قد تهب رياح الألطاف وتنكشف الحجب عن أعين القلوب فينجلي فيها بعض ما هو مسطور في اللوح المحفوظ، ويكون ذلك تارة عند المنام فيعلم به ما يكون في المستقبل. وتمام ارتفاع الحجاب بالموت فيه ينكشف الغطاء، وينكشف أيضاً في اليقظة حتى يرتفع الحجاب بلطف خفي من الله تعالى، فيلمع في القلوب من وراء ستر الغيب شيء من غرائب العلم تارة كالبرق الخاطف، وأخرى على التوالي إلى حد ما. ودوامة في غاية الندور فلم يفارق الإلهام الاكتساب في نفس العلم ولا في محله ولا في سببه ولكن يفارقه من جهة زوال الحجاب، فإن ذلك ليس باختيار العبد ولم يفارق الوحي الإلهام في شيء من ذلك بل في مشاهدة الملك المفيد للعلم، فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا بواسطة الملائكة، وإليه الإشارة بقوله تعالى "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء".
فإذا عرفت هذا فاعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية. فلذلك لم يحصروا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة، بل قالوا الطريق تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى ومهما حصل ذلك كان الله هو المتولي لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنوار العلم، وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكلوت، وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية فليس على العبد إلا الاستعداد بالتصفية المجردة وإحضار الهمة مع الإدارة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة.
فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر وفاض على صدورهم النور لا بالتعلم والدراسة والكتابة للكتب، بل بالزهد في الدنيا والتبري من علائقها وتفريغ القلب من شواغلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى. فمن كان لله كان الله له. وزعموا أن الطريق في ذلك أولا بانقطاع علائق الدنيا بالكلية وتفريغ القلب منها وبقطع الهمة عن الأهل والمال والولد والوطن وعن العلم والولاية والجاه بل يصير قلبه إلى حالة يستوي فيها وجود كل شيء وعدمه، ثم يخلوا بنفسه في زواية مع الاقتصار على الفرائض والرواتب، ويجلس فارغ القلب مجموع الهم، ولا يفرق فكره بقراءة قرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديث ولا غيره، بل يجتهد أن لا يخطر ببال شيء سوى الله تعالى، فلا يزال بعد جلوسه في الخلوة قائلاً بلسانه: على الدوام مع حضور القلب حتى ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية على لسانه، ثم يصبر عليه إلى أن يمحى أثره عن اللسان ويصادف قلبه مواظباً على الذكر ثم يواظب عليه إلى أن يمحى عن القلب صورة اللفظ وحروفه وهيئة الكلمة، ويبقى معنى الكلمة مجرداً في قلبه حاضراً فيه كأنه لازم له لا يفارقه وله اختيار إلى أن ينتهي إلى هذا الحد واختيار في استدامة هذه الحالة بدفع الوسواس، وليس له اختيار في استجلاب رحمة الله تعالى، بل هو بما فعله صار متعرضاً لنفحات رحمة الله فلا يبقى إلا الانتظار لما يفتح الله من الرحمة كما فتحها على الأنبياء والأولياء بهذه الطريق؛ وعند ذلك إذا صدقت إرادته وصفت همته وحسنت مواظبته فلم تجاذبه شهواته ولم يشغله حديث النفس بعلائق الدنيا تلمع لوامع الحق في قلبه، ويكون في ابتدائه كالبرق الخاطف لا يثبت؛ ثم يعود وقد يتأخر، وإن عاد فقد يثبت وقد يكون مختطفاً؛ وإن ثبت قد يطول ثباته وقد لا يطول، وقد يتظاهر أمثاله على التلاحق وقد يقتصر على فن واحد. ومنازل أولياء الله تعالى فيه لا تحصر كما لا يحصى تفاوت خلقهم وأخلاقهم. وقد رجع هذا الطريق إلى تطهير محض من جانبك وتصفية وجلاء، ثم استعداد وانتظار فقط.
وأما النظار وذوو الاعتبار فلم ينكروا وجود هذا الطريق وإمكانه وإفضائه إلى هذا المقصد على الندور فإنه أكثر أحوال الأنبياء والأولياء، ولكن استوعروا هذا الطريق واستبطؤا ثمرته واستبعدوا استجماع شروطه، وزعموا أن محو العلائق إلى ذلك الحد كالمتعذر وإن حصل في حال فثباته أبعد منه، إذ أدنى وسواس وخاطر يشوش القلب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قلب المؤمن أشد تقلباً من القدر في غليانها" وقال عليه أفضل الصلاة والسلام "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن وفي أثناء هذه المجاهدة قد يفسد المزاج ويختلط العقل ويمرض البدن، وإذا لم تتقدم رياضة النفس وتهذيبها بحقائق العلوم نشبت بالقلب خيالات فاسدة تطمئن النفس إليها مدة طويلة إلى أن يزول وينقضي العمر قبل النجاح فيها، فكم من صوفي سلك هذا الطريق ثم بقي في خيال واحد عشرين سنة ولو كان قد أتقن العلم من قبل لانفتح له وجه التباس ذلك الخيال في الحال، فالاشتغال بطريق التعلم أوثق وأقرب إلى الغرض. وزعموا أن ذلك يضاهي ما لو ترك الإنسان تعلم الفقه. وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعلم ذلك وصار فقيهاً بالوحي. والإلهام من غير تكرير وتعليق وأنا أيضاً ربما انتهت بي الرياضة والمواظبة إليه ومن ظن ذلك فقد ظلم نفسه وضيع عمره، بل هو كمن يترك طريق الكسب والحراثة رجاء العثور على كنز من الكنوز، فإن ذلك ممكن ولكنه بعيداً جداً؛ فكذلك هذا. وقالوا: لا بد أولاً من تحصيل ما حصله العلماء وفهم ما قالوه ثم لا بأس بعد ذلك بالانتظار لما لم ينكشف لسائر العلماء فعساه ينكشف بعد ذلك بالمجاهدة.
بيان الفرق بين المقامين بمثال محسوس
اعلم أن عجائب القلب خارجة عن مدركات الحواس، لأن القلب أيضاً خارج عن إدراك الحس وما لبس مدركاً بالحواس تضعف الأفهام عن دركه إلا بمثال محسوس. ونحن نقرب ذلك إلى الأفهام الضعيفة بمثالين:
أحدهما: أنه لو فرضنا حوضاً محفوراً في الأرض احتمل أن يساق الماء من فوقه بأنهار تفتح فيه، ويحتمل أن يحفر أسفل الحوض ويرفع منه التراب إلى أن يقرب من مستقر الماء الصافي، فينفجر الماء من أسفل الحوض ويكون ذلك الماء أصفى وأدوم وقد يكون أغزر وأكثر. فذلك القلب مثل الحوض، والعلم مثل الماء، وتكون الحواس الخمس مثال الأنهار. وقد يمكن أن تساق العلوم إلى القلب بواسطة أنهار الحواس والاعتبار بالمشاهدات حتى يمتلئ علماً، ويمكن أن تسد هذه الأنهار بالخلوة والعزلة وغض البصر يعمد إلى عمق القلب بتطهيره ورفع طبقات الحجب عنه حتى تنفجر ينابيع العلم من داخله.
فإن قلت: فكيف يتفجر العلم من ذات القلب وهو خال عنه? فاعلم أن هذا من عجائب أسرار القلب ولا يسمح بذكره في علم المعاملة بل القدر الذي يمكن ذكره أن حقائق الأشياء مسطورة في اللوح المحفوظ بل في قلوب الملائكة المقربين. فكما أن المهندس يصور أبنية الدار في بياض ثم يخرجها إلى الوجود على وفق تلك النسخة فكذلك فاطر السموات والأرض كتب نسخة العالم من أوله إلى آخره في اللوح المحفوظ ثم أخرج إلى الوجود على وفق تلك النسخة، والعالم الذي خرج إلى الوجود بصورته تتأدى منه صورة أخرى إلى الحس والخيال، فإن من ينظر إلى السماء والأرض ثم يغض بصره يرى صورة السماء والأرض في خياله حتى كأنه ينظر إليها، ولو انعدمت السماء وارض وبقي هو في نفسه لوجد صورة السماء والأرض في نفسه كأنه يشاهدهما وينظر إليهما، ثم يتأدى من خياله أثر إلى القلب فيحصل فيه حقائق الأشياء التي دخلت في الحس والخيال. والحاصل في القلب موافق للعالم الحاصل في الخيال والحاصل في الخيال موافق للعالم الموجود في نفسه خارجاً من خيال الإنسان وقلبه. والعالم الموجود موافق للنسخة الموجودة في اللوح المحفوظ.
فكأن للعالم أربع درجات في الوجود: وجود في اللوح المحفوظ وهو سابق على وجوده الجسماني، ويتبعه وجوده الحقيقي، ويتبع وجوده الحقيقي وجوده الخيالي - أعني وجود صورته في الخيال - ويبتع وجوده الخيال وجوده العقلي - أعني وجود صورته في القلب وبعض هذه الوجودات روحانية وبعضها جسمانية. والروحانية بعضها أشد روحانية من البعض؛ وهذا اللطف من الحكمة الإلهية، إذ جعل حدقتك على صغر حجمها بحيث تنطبع صورة العالم والسموات والأرض على اتساع أكنافها فيها، ثم يسري من وجودها في الحس وجود إلى الخيال، ثم منه وجود في القلب فإنك أبداً لا تدرك إلا ما هو واصل إليك، فلو لم يجعل للعالم كله مثالاً في ذاتك لما كان لك خبر مما يباين ذاتك، فسبحان من دبر هذه العجائب في القلوب والأبصار ثم أعمى عن دركها القلوب والأبصار، حتى صارت قلوب أكثر الخلق جاهلة بأنفسها وبعجائبها.
ولنرجع إلى الغرض المقصود فنقول: القلب قد يتصور أن يحصل فيه حقيقة العالم وصورته تارة من الحواس وتارة من اللوح المحفوظ، كما أن العين يتصور أن يحصل فيها صورة الشمس تارة من النظر إليها وتارة من النظر إلى الماء الذي يقابل الشمس ويحكي صورتها. فمهما ارتفع الحجاب بينه وبين اللوح المحفوظ رأى الأشياء فيه وتفجر إليه العلم منه فاستغنى عن الاقتباس من داخل الحواس، فيكون ذلك كتفجر الماء من عمق الأرض. ومهما أقبل على الخيالات الحاصلة من المحسوسات كان ذلك حجاباً له عن مطالعة اللوح المحفوظ كما أن الماء إذا اجتمع في الأنهار منع ذلك من التفجر في الأرض، وكما أن من نظر إلى الماء الذي يحكي صورة الشمس لا يكون ناظراً إلى نفس الشمس؛ فإذن للقلب بابان: باب مفتوح إلى عالم الملكوت وهو اللوح المحفوظ وعالم الملائكة، وباب مفتوح إلى الحواس الخمس المتمسكة بعالم الملك والشهادة. وعالم الشهادة والملك أيضاً يحاكي عالم الملكوت نوعاً من المحاكاة. فأما انفتاح باب القلب إلى الاقتباس من الحواس فلا يخفى عليك. وأما انفتاح بابه الداخل إلى عالم الملكوت ومطالعة اللوح المحفوظ فتعلمه علماً يقيناً بالتأمل في عجائب الرؤيا واطلاع القلب في النوم على ما سيكون في المستقبل أو كان في الماضي من غير اقتباس من جهة الحواس. وإنما ينفتح ذلك الباب لمن انفرد بذكر الله تعالى وقال صلى الله عليه وسلم "سبق المفردون" قيل ومن المفردون يا رسول الله? قال "المتنزهون بذكر الله تعالى وضع الذكر عنهم أوزارهم فوردوا القيامة خفافاً" ثم قال في وصفهم إخباراً عن الله تعالى فقال "ثم أقبل بوجهي عليهم أترى من واجهته بوجهي يعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه? ثم قال تعالى: أول ما أعطيهم أن أقذف النور في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم" ومدخل هذه الأخبار هو الباب الباطن فإذا الفرق بين علوم الأولياء والأنبياء وبين علوم العلماء والحكماء هذا وهو أن علومهم تأتي من داخل القلب من الباب المنفتح إلى عالم الملكوت، وعلم الحكمة يتأتى من أبواب الحواس المفتوحة إلى عالم الملك، وعجائب عالم القلب وتردده بين عالمي الشهادة والغيب لا يمكن أن يستقصى في علم المعاملة. فهذا مثال يعلمك الفرق بين مدخل العالمين.
المثال الثاني: يعرفك الفرق بين العملين، أعني عمل العلماء وعمل الأولياء: فإن العلماء يعملون في اكتساب نفس العلوم واجتلابها إلى القلب، وأولياء الصوفية يعملون في جلاء القلوب وتطهيرها وتصفيتها وتصقيلها فقط، فقد حكي أن أهل الصين وأهل الروم تباهوا بين يدي بعض الملوك بحسن صناعة النقش والصور فاستقر رأي الملك على أن يسلم إليهم صفة لينقش أهل الصين منها جانباً وأهل الروم جانبياً ويرخى بينهم حجاب يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ففعل ذلك، فجمع أهل الروم من الأصباغ الغريبة ما لا ينحصر ودخل أهل الصين من غير صبغ وأقبلوا يجلون جانبهم ويصقلونه، فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم فرغوا أيضاً فعجب الملك من قولهم وأنهم كيف فرغوا من النقش من غير صبغ? فقيل: وكيف فرغتم من غير صبغ! فقالوا: ما عليكم ارفعوا الحجاب، فرفعوا وإذا بجانبهم يتلألأ منه عجائب الصنائع الرومية مع زيادة إشراق وبريق، إذ قد صار كالمرآة المجلوة لكثرة التصقيل فازداد حسن جانبهم بمزيد التقصيل؛ فكذلك عناية الأولياء بتطهير القلب وجلائه وتزكيته وصفائه حتى يتلألأ فيه جلية الحق بنهاية الإشراق كفعل أهل الصين، وعناية الحكماء والعلماء بالاكتساب ونقش العلوم وتحصيل نقشها في القلب كفعل أهل الروم، فكيفما كان الأمر فقلت المؤمن لا يموت وعلمه عند الموت لا يمحى وصفاؤه لا يتكدر وإليه أشار الحسن رحمه الله عليه بقوله: التراب لا يأكل محل الإيمان بل يكون وسيلة وقربة إلى الله تعالى.
وأما ما حصله من نفس العلم وما حصله من الصفاء والاستعداد لقبول نفس العلم فلا غنى به عنه ولا سعادة لأحد إلا بالعلم والمعرفة، وبعض السعادات أشرف من بعض كما أنه لا غنى إلا بالمال. فصاحب الدرهم غني وصاحب الخزائن المترعة غني، وتفاوت درجات السعداء بحسب تفاوت المعرفة والإيمان كما تتفاوت درجات الأغنياء بحسب قلة المال وكثرته، فالمعارف أنوار ولا يسعى المؤمنون إلى لقاء الله تعالى إلا بأنوارهم قال الله تعالى "يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم" وقد روي في الخبر "أن بعضهم يعطى نوراً مثل الجبل وبعضهم أصغر حتى يكون آخرهم رجلاً يعطى نوراً على إبهامقدميه فيضيء مرة وينطفئ أخرى فإذا أضاء قدم قدميه فمشى وإذا طفئ قام، ومرورهم على الصراط على قدر نورهم فمنهم من يمر طرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنهم من يمر كانقضاض الكواكب ومنهم من يمر كالفرس إذا اشتد في ميدانه، والذي أعطي نوراً على إبهام قدمه يحبو حبواً على وجهه ويديه ورجليه يجر يداً ويعلق أخرى ويصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص" الحديث فبهذا ظهر تفاوت الناس في الإيمان ولو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين سوى النبيين والمرسلين لرجح. فهذا أيضاً يضاهي قول القائل: لو وزن نور الشمس بنور السرج كلها لرجح؛ فإنما أحاد العوام نوره مثل نور السراج وبعضهم نوره كنور الشمع، وإيمان الصديقين كنور القمر والنجوم، وإيمان الأنبياء كالشمس. وكما ينكشف في نور الشمس صورة الآفاق مع اتساع أقطارها ولا ينكشف في نور السراج إلا زواية ضيقة من البيت فكذلك انشراح الصرد بالمعارف وانكشاف سعة الملكوت لقلوب العارفين. ولذلك جاء في الخبر "أنه يقال يوم القيامة اخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ونصف مثقال وربع مثقال وشعيرة وذرة" كل ذلك تنبيه على تفاوت درجات الإيمان وأن هذه المقادير من الإيمان لا تمنع دخول النار، وفي مفهومه أن من إيمانه يزيد على مثقال فإنه لا يدخل النار، إذ لو دخل لأمر بإخراجه أولاً وأن من في قلبه مثقال ذرة لا يستحق الخلود في النار وإن دخلها. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم "ليس شيء خيراً من ألف مثله إلا الإنسان المؤمن إشارة إلى تفضيل قلب العارف بالله تعالى الموقن فإنه خير من ألف قلب من العوام. وقد قال تعالى "وأنت الأعلون إن كنتم مؤمنين" تفضيلاً للمؤمنين على المسلمين والمراد به المؤمن العارف دون المقلد وقال عز وجل "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" فأراد ههنا بالذين آمنوا الذين صدقوا من غير علم وميزهم عن الذين أوتوا العلم. ويدل ذلك على أن اسم المؤمن يقع على المقلد وإن لم يكن تصديقه عن بصيرة وكشف.
وفسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى "والذين أوتوا العلم درجات" فقال يرفع الله العالم فوق المؤمن بسبعمائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، وقال صلى الله عليه وسلم "أكثر أهل الجنة البله وعليون لذوي الألباب وقال صلى الله عليه وسلم "فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي" وفي رواية "كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" فبهذه الشواهد يتضح لك تفاوت درجات أهل الجنة بحسب تفاوت قلوبهم ومعارفهم، ولهذا كان يوم القيامة يوم التغابن إذ المحروم من رحمة الله عظيم الغبن والخسران، والمحروم يرى فوق درجته درجات عظيمة فيكون نظره غليها كنظر الغني الذي يملك عشرة دراهم إلى الغني الذي يملك الأرض من المشرق إلى المغرب وكل واحد منهما غني ولكن ما أعظم الفرق بينهما وما أعظم الغبن على من يخسر حظه من ذلك "وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا".
بيان شواهد الشرع على صحة طريق أهل التصوف
في اكتساب المعرفة لا من التعلم ولا من الطريق المعتاد
اعلم أن من انكشف له شيء ولو الشيء اليسير بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري فقد صار عارفاً بصحة الطريق، ومن لم يدرك ذلك من نفسه قط فينبغي أن يؤمن به، فإن درجة المعرفة فيه عزيزة جداً، ويشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والحكايات:
أما الشواهد: فقوله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف والإلهام. وقال صلى الله عليه وسلم "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ووفقه فيما يعمل حتى يستوجب الجنة ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعلم ولم يوفق فيما يعمل حتى يستوجب النار وقال الله تعالى "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً" من الإشكالات والشبه "ويرزقه من حيث لا يحتسب" يعلمه علماً من غير تعلم ويفطنه من غير تجربة. وقال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً" قيل نوراً يفرق به بين الحق والباطل ويخرج به من الشبهات، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر في دعائه من سؤال النور فقال عليه الصلاة والسلام "اللهم أعطني نوراً وزدني نوراً واجعل لي في قلبي نوراً وفي قبري نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً حتى قال في شعري وفي بشري وفي لحمي ودمي وعظامي" وسئل صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" ما هذا الشرح? فقال "هو التوسعة إن النور إذا قذف به في القلب اتسع له الصدر وانشرح وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وقال علي رضي الله عنه: ما عندنا شيء أسره النبي صلى الله عليه وسلم إلينا إلا أن يؤتى الله تعالى عبداً فهماً في كتابه وليس هذا بالتعلم"? وقيل في تفسير قوله تعالى "يؤتى الحكمة من يشاء" إنه الفهم في:كتاب الله وقال تعالى "ففهمناها سليمان" خص ما انكشف باسم الفهم. وكان أبو الدرداء يقول: المؤمن من ينظر بنور الله من وراء ستر رقيق والله إنه للحق يقذفه الله في قلوبهم ويجريه على ألسنتهم. وقال بعض السلف: ظن المؤمن كهانة.
وقال صلى الله عليه وسلم "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى وإليه يشير قوله تعالى "إن في ذلك لآيات للمتوسمين" وقوله تعالى "قد بينا الآيات لقوم يوقنون" وروى الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "العلم علمان فعلم باطن في القلب فذلك هو العلم النافع" وسئل بعض العلماء عن العلم الباطن ما هو? فقال: هو سر من أسرار الله تعالى يقذفه الله تعالى في قلوب أحبابه لم يطلع عليه ملكاً ولا بشراً. وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن من أمتي محدثين ومعلمين ومكلمين وإن عمر منهم" وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث" يعني الصديقين والمحدث هو الملهم، والملهم هو الذي انكشف له في باطن قلبه من جهة الداخل لا من جهة المحسوسات الخارجة.
والقرآن مصرح بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف: وذلك علم من غير تعلم. وقال الله تعالى "وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون" خصصها بهم وقال تعالى "هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين" وكان أبو يزيد وغيره يقول: ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا نسي ما حفظه صار جاهلاً، إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء? بلا حفظ ولا درس. وهذا هو العلم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى "وعلمنا من لدنا علماً" مع أن كل علم من لدنه ولكن بعضها بوسائط تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علماً لدنيا بل اللدني الذي ينفتح في سر القلب من غير سبب مألوف من خارج فهذه شواهد النقل ولو جمع كل ما ورد فيه من الآيات والأخبار والآثار لخرج عن الحصر.
وأما مشاهدة ذلك بالتجارب فذلك أيضاً خارج عن الحصر وظهر ذلك على الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها عند موته: إنما هما أخواك وأختاك، وكانت زوجته حاملاً فولدت بنتاً فكان قد عرف قبل الولادة أنها بنت. وقال عمر رضي الله عنه في أثناء خطبته: يا سارية الجبل الجبل؛ إذ انكشف له أن العدو قد أشرف عليه فحذره لمعرفته ذلك، ثم بلوغ صوته إليه من جملة الكرامات العظيمة وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلت على عثمان رضي الله عنه وكنت قد لقيت امرأة في طريقي فنظرت إليها شزراً وتأملت محاسنها فقال عثمان رضي الله عنه لما دخلت: يدخل علي أحدكم وأثر الزنا ظاهر على عينيه أما علمت أن زنا العينين النظر? لتتوبن أو لأعزرنك فقلت: أوحي بعد النبي? فقال. لا، ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة. وعن أبي سعيد الخراز قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيراً عليه خرقتان، فقلت في نفسي: هذا وأشباهه كل على الناس، فناداني وقال "والله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه" فاستغفرت الله في سري فناداني وقال "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده" ثم غاب عني ولم أره.
وقال زكريا بن داود: دخل أبو العباس بن مسروق على أبي الفضل الهاشمي - وهو عليل وكان ذا عيال ولم يعرف له سبب يعيش به - قال: فلما قمت قلت في نفسي من أين يأكل هذا الرجل? قال: فصاح بي يا أبا العباس رد هذه الهمة الدنية فإن لله تعالى ألطافاً خفية. وقال أحمد النقيب: دخلت على الشبلي فقال مفتوناً: يا أحمد فقلت: ما الخبر? قال: كنت جالساً لجرى بخاطري أنك بخيل، فقلت: ما أنا بخيل، فعاد مني خاطري وقال: بل أنت بخيل، فقلت: ما فتح اليوم علي بشيء إلا دفعته إلى أول فقير يلقاني، قال: فما استتم الخاطر حتى دخل علي صاحب لمؤنس الخادم ومعه خمسون ديناراً فقال" اجعلها في مصالحك، قال: وقمت فأخذتها وخرجت وإذا بفقير مكفوف بين يدي مزيد يحلق رأسه فتقدمت إليه وناولته الدنانير، فقال: أعطها المزين، فقلت: إن جملتها كذا وكذا، قال: أوليس قد قلنا لك إنك بخيل? قال: فناولتها المزين فقال المزين: قد عقدنا لما جلس هذا الفقير بين أيدينا أن لا نأخذ عليه أجراً، قال: فرميت بها في دجلة وقلت: ما أعزك أحد إلا أذله الله عز وجل. وقال حمزة بن عبد الله العلوي: دخلت على أبي الخير النيناني واعتقدت في نفسي أن أسلم عليه ولا آكل في داره طعاماً، فلما خرجت من عنده إذا به قد لحقني وقد حمل طبقاً فيه طعام وقال: يا فتى كل فقد خرجت الساعة من اعتقادك، وكان أبو الخير النيناني هذا مشهوراً بالكرامات وقام إبراهيم الرقي: قصدته مسلماً عليه فحضرت صلاة المغرب فلم يكد يقرأ الفاتحة مستوياً فقلت في نفسي: ضاعت سفرتي! فلما سلم خرجت إلى الطهارة فقصدني سبع فعدت إلى أبي الخير وقلت: قصدني سبع، فخرج وصاح به وقال: ألم أقل لك لا تتعرض لضيفاني? فتنحى الأسد فتطهرت فلما رجعت قال لي: اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد، واشتغلنا بتقويم البواطن فخافنا الأسد.
وما حكي من تفرس المشايخ وإخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم يخرج عن الحصر بل ما حكي عنهم من مشاهدة الخضر عليه السلام والسؤال منه، ومن سماع صوت الهاتف، ومن فنون الكرامات خارج عن الحصر والحكاية لا تنفع الجاحدما لم يشاهد ذلك من نفسه، ومن أنكر الأصل أنكر التفصيل والدليل القاطع الذي لا يقدر أحد على جحد أمران أحدهما: عجائب الرؤيا الصادقة فإنه ينكشف بها الغيب وإذا جاز ذلك في النوم فلا يستحيل أيضاً في اليقظة فلم يفارق النوم اليقظة إلا في ركود الحواس وعدم اشتغالها بالمحسوسات فكم من مستيقظ غائص لا يسمع ولا يبصر لاشتغاله بنفسه! والثاني: إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيب وأمور في المستقبل كما اشتمل عليه القرآن وإذا جاز ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم جاز لغيره إذ النبي عبارة عن شخص كوشف بحقائق الأمور وشغل بإصلاح الخلق فلا يستحيل أن يكون في الوجود شخص مكاشف بالحقائق ولا يشتغل بإصلاح الخلق، وهذا لا يسمى نبياً بل يسمى ولياً، فمن آمن بالأنبياء وصدق بالرؤيا الصحيحة لزمه لا محالة أن يقر بأن القلب له بابان: باب إلى خارج وهو الحواس، وباب إلى الملكوت من داخل القلب وهو باب الإلهام والنفث في الروع والوحي، فإذا أقربهما جميعاً لم يمكنه أن يحصر العلوم في التعلم ومباشرة الأسباب المألوفة، بل يجوز أن تكون المجاهدة سبيل إليه فهذا ما ينبه على حقيقة ما ذكرناه من عجيب تردد القلب بين عالم الشهادة وعالم الملكوت. وأما السبب في انكشاف الأمر في المنام بالمثال المحوج إلى التعبير وكذلك تمثل الملائكة للأنبياء والأولياء بصور مختلفة فذلك أيضاً من أسرار عجائب القلب، ولا يليق ذلك إلا بعلم المكاشفة فلنقتصر على ما ذكرناه فإنه كاف للاستحثاث على المجاهدة وطلب الكشف منها. فقد قال بعض المكاشفين ظهر لي الملك فسألني أملي عليه شيئاً من ذكري الخفي عن مشاهدتي من التوحيد وقال: ما نكتب لك عملاً ونحن نحب أن نصعد لك بعمل تتقرب به إلى الله عز وجل فقلت: ألستما تكتبان الفرائض? قالا: بلى، قلت: فيكفيكما ذلك. وهذه إشارة إلى أن الكرام الكاتبين لا يطلعون على أسرار القلب وإنما يطلعون على الأعمال الظاهرة. وقال بعض العارفين: سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهدة اليقين فالتفت إلى شماله فقال: ما تقول رحمك الله? ثم التفت إلى يمينه فقال: ما تقول رحمك الله? ثم أطرق إلى صدره وقال: ما تقول رحمك الله? ثم أجاب بأغرب جواب سمعته فسألته عن التفاته فقال: لم يكن عندي في المسألة جواب عتيد، فسألت صاحب الشمال فقال لا أدري! فسألت صاحب اليمين وهو أعلم منه فقال لا أدري، فنظرت إلى قلبي وسألته فحدثني بما أجبتك فإذا هو أعلم منهما. وكأن هذا هو معنى قوله عليه السلام "إن في أمتي محدثين وإن عمر منهم".
وفي الأثر: إن الله تعالى يقول: أيما عبد اطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكرى توليت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه. وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه: القلب بمنزلة القبة المضروبة حولها أبواب مغلقة باب فتح له عمل فيه? فقد ظهر انفتاح باب من أبواب القلب إلى جهة الملكوت والملأ الأعلى، وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن شهوات الدنيا. ولذلك كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: احفظوا ما تسمعون من المطيعين فإنهم ينجلي لهم أمور صادقة. وقال بعض العلماء: يد الله على أفواه الحكماء لا ينطقون إلا بما هيأ الله لهم من الحق. وقال آخر: لو شئت لقلت إن الله تعالى يطلع الخاشعين على بعض سره.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عجائب القلب (بيان حال القلب)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عجائب القلب (بيان تسلط الشيطان على القلب بالوساوس ومعنى الوسوسة وسبب غلبتها)
» عجائب القلب بيان تسلط الشيطان على القلب بالوساوس
» عجائب القلب بيان الفرق بين الإلهام والتعلم
» عجائب القلب (بيان معنى النفس والروح والقلب والعقل)
» عجائب القلب (بيان ما يؤاخذ به العبد من وساوس القلوب وهمها وخواطرها وقصودها وما يعفى عنه ولا يؤاخذ به)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: