ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة الفتنة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة الفتنة Empty
مُساهمةموضوع: الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة الفتنة   الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة الفتنة Emptyالسبت ديسمبر 10, 2011 12:17 pm

الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة الفتنة WfX34-Jt3D_883163971


الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة الفتنة

39) الفتنة هي: مصادرة حرية الناس واضطهادهم من أجل عقيدتهم، مثل (أصحاب الأخدود) الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات. والقرآن يعتبر هذه الفتنة للناس أشد من القتل، وأكبر من القتل؛ لأن القتل يتلف الجسم، والفتنة تتلف العقل والإرادة، وهما حقيقة الإنسان. ولذا رد القرآن على المشركين الذين أعظموا القتال في الشهر الحرام، وقد وقع خطأ من بعض المسلمين، وهونوا من صدهم على سبيل الله وإخراج الناس من ديارهم وفتنتهم في دينهم، فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (سورة البقرة: 217) ومعنى هذا: أن الإسلام يشرع القتال، ليهيئ مناخ الحرية للناس، ليؤمن من آمن عن إرادة واختيار حر، ولا يخشى الفتنة في دينه والاضطهاد من أجل عقيدته. آية السيف: وإذا كان الأمر كما وضحته هذه الآيات، في شأن القتال، فما معنى (آية السيف) التي زعم من زعم أنها نسخت كذا وكذا من القرآن؟ إن القرآن يصدق بعضه بعضاً، ولا يجوز دعوى نسخ آية منه إلا بيقين. ونسأل هؤلاء: آية السيف التي زعموا أنها نسخت مائة وعشرين آية أين هي؟ قال بعضهم إنها آية: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (سورة التوبة: 36) وهذه ليست إلا المعاملة بالمثل، قاتلوهم كافة كما يقاتلونكم كافة. وقال آخرون: آية السيف هي قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (سورة التوبة: 5) وهذه الآية نزلت في مشركي العرب الذين نكثوا العهد، وأخرجوا المؤمنين من ديارهم، وبدأوا المسلمين بالقتال، كما قال تعالى في نفس السياق: {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ } (سورة التوبة: 13) وقد أمهلوا أربعة أشهر يسيحون في الأرض، ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا موقفهم. قبل هذه الآية نقرأ. {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } (سورة التوبة: 4) وبعدها نقرأ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } (سورة التوبة: 6) وعقبها نقرأ: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } (سورة التوبة: 7) وقال بعضهم: آية السيف هي قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } (سورة التوبة: 29) وهذه الآية في قتال انعقدت أسبابه بوقوف هؤلاء ضد الدعوة، وصدهم الدعاة أو قتلهم، أو تآمرهم على المسلمين، ومعاونتهم لأعدائهم المحاربين لهم. وقد نزلت بعد غزوة تبوك، التي وقعت مع دولة البيزنطية. وقوله: (حتى يعطوا الجزية) غاية للقتال، أي يقاتلون حتى يخضعوا للدولة المسلمية، ويدفعوا لها ضريبة الحماية لهم في أنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم. وليس من الضروري أن تسمي (جزية) كما فعل سيدنا عمر مع بني تغلب، فقد رضى منهم أن تسمى زكاة أو صدقة، فالعبرة عنده بالمسميات والمضامين، لا بالأسماء والعناوين. واستدل بعضهم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ "65" الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } (سورة الأنفال: 65 ، 66) وهذا في قتال قام بالفعل أو انعقدت أسبابه، فالتحريض من القيادة للجند واجب، حتى يدخلوا المعركة أقوياء متوكلين على الله. وقبل هذه الآية: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وبعدها: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } (سورة الأنفال: 61 ، 62) وقبلها: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } (سورة الأنفال: 60) فالمطلوب إذاً من المسلمين هو: 1. إعداد المستطاع من القوة والمعدات؛ إرهاباً لعدو الله وعدوهم، فهذه الرهبة هي التي تمنع وقوع الحرب. 2. الجنوح للسلم إذا جنح العدو لها حقيقة لا إدعاء. 3. الوقوف في وجه المخادعين بالسلم اعتماداً على نصر الله للمؤمنين المتآلفين. 4. تحريض المؤمنين على القتال، فإن الواحد منهم بعشرة حال القوة، وباثنين في حال الضعف. بين الجهاد والقتال: ومن المهم هنا أن نميز بين الجهاد والقتال، فقد حدث خلط شديد بينهما، في حين أنهما مختلفان لغة وشرعاً، واشتقاق كل منهما يدل على اختلافهما، فالجهاد: مشتق من بذل الجهد وهو الوسع، أو تحمل الجهد وهو المشقة. أما القتال فهو مشتق من القتل. وفي الشرع كل مسلم مطالب بالجهاد، كما قال تعالى في خطاب المؤمنين: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (سورة الحج: 78) وقال تعالى في وصف المؤمنين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } (سورة الحجرات: 15) وهذا يتم بمجاهدة النفس، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة المظالم والمنكرات في المجتمع، ومجاهدة المشركين: باللسان والقلم، وبالمال، وبالسلاح، كل في أوانه، وفي موضعه. ولا غرو أن نجد في القرآن المكي قبل أن يشرع القتال الأمر بالجهاد في مثل قوله تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } (سورة الفرقان: 52) وكذلك في أوائل العنكبوت: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (سورة العنكبوت: 6) والجهاد هنا هو جهاد الصبر واحتمال الأذى في سبيل الله. وفي أواخر السورة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (سورة العنكبوت: 69) فكل مسلم إذاً يجب أن يكون مجاهداً، وليس بالضرورة أن يكون مقاتلاً، إلا عندما توجد أسباب القتال. حديث (بعثت بالسيف): أما حديث "بعثت بالسيف ـ بين يدي الساعة ـ حتى يعبد الله وحده" فقد بحثنا في سنده ومتنه، وبينا في بحث ضاف: أنه ضعيف عند التحقيق، فليرجع إليه. أنظره في (مجلة بحوث السنة والسيرة) في جامعة قطر، العدد العاشر، ص27ـ 40. وفي الجزء الثالث من كتابنا (فتاوى معاصرة). أما من ناحية السند: فمداره على عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وقد اختلف الأئمة في توثيقه، وتجريحه، والمجرحون له اكثر، وهم من أمثال الإمام احمد الذي قال: أحاديثه مناكير، والإمام يحيى بن معين الذي ضعفه، والإمام النسائي وغيرهم. وحتى الذين وثقوه لم يوثقوه بإطلاق. بل منهم من قال: ليس به بأس، ومنهم من رماه بالقدر. على أنهم قالوا: تغير في آخر حياته. وهذا يكفي في التشكيك فيما يرويه. وقد ذكر البخاري في صحيحه جزءاً من هذا الحديث معلقاً، ولكن بصيغة التمريض، بقوله: (يذكر عن ابن عمر) مما يدل على ضعفه عنده. وقد ضعفه الشيخ شعيب وإخوانه في تخريج المسند، وفسروا ذلك بما يشفي ويكفي. وإذا غضضنا الطرف عن المسند، ونظرنا في متن الحديث ومضمونه، وجدناه مخالفاً مخالفة صريحة للقرآن، الذي لم يقر في آية واحدة من آياته بأن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالسيف، بل أرسله بالهدى ودين الحق، وبالبينات والشفاء والرحمة للعالمين والمؤمنين. وهذا ثابت بوضوح في القرآن المكي، وفي القرآن المدني على السواء. يقول تعالى في سورة الأنبياء وهي مكية: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (سورة الأنبياء: 107) وعبر عن هذا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما أنا رحمة مهداة" الحاكم 1/35 وصححه، ووافقه الذهبي. وقال تعالى في سورة النحل، وهي مكية: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } (سورة النحل: 89) وقال تعالى في سورة يونس، وهي مكية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (سورة يونس: 57) وقال تعالى في سورة التوبة، وهي مدنية: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } (سورة التوبة: 33) وقد تكررت بلفظها في سورة (الصف: 9) وهي مدنية. وفي سورة الفتح وهي مدنية نقرأ قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } (سورة الفتح: 28) ولقد بينت آيات القرآن موقف الرسول الكريم عند تولي الناس وإعراضهم عنه. في ختام سورة التوبة يقول: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ "128" فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } (سورة التوبة: 128 ، 129) وفي سورة آل عمران، وهي مدنية: {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } (سورة آل عمران: 20) وفي سورة النور، وهي مدنية: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } (سورة النور: 54) وهذه الآيات كلها قد اتفقت على أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما بعث بالرحمة والهدى ودين الحق، وتبيان كل شيء، وإقامة الحجة على الناس، ولم يبعث شاهراً سيفه على الناس، حتى في حالة تولي الناس عنه: لم يؤمر بأن يشهر في وجوههم السيف، إنما قيل له: إنما عليك البلاغ، وإنما عليه ما حمل، وعليهم ما حملوا، وقل: حسبي الله. والمبشرون والمستشرقون وغيرهم من خصوم الإسلام يشيعون أن الإسلام إنما انتشر بالسيف، وأن محمداً إنما انتصر بالسيف، ويستند كثيرون منهم إلى هذا الحديث وأمثاله. والحقيقة أن الإسلام إنما شهر السيف في وجه الذين صدوا عن سبيله، وقاوموه بالقوة، ورفعوا السيف في وجهه، وغزوه في عقر داره في أحد والخندق، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ "190" وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ "191" فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "192" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ } (سورة البقرة: 190 ـ 193) فهذا هو منطق القرآن، بين كل البيان، لا لبس فيه ولا غموض، فإذا عارضه حديث مثل حديث (بعثت بالسيف)، فلاشك أن القرآن هو المقدم، فهو المصدر الأول، والدليل الأول، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولو بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيف لظهر ذلك طوال ثلاثة عشر عاماً قضاها في مكة، وأصحابه يأتون إليه بين مضروب ومشجوج معتدى عليه، يسأذنونه في أن يدافعوا عن أنفسهم بالسلاح، فيقول لهم: كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة؛ حتى هاجروا إلى المدينة، فأذن الله لهم أن يدافعوا عن أنفسهم وحرماتهم ودعوتهم. كما قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ "39" الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } (سورة الحج: 39 ، 40) والخلاصة: أن هذا الحديث: (بعثت بالسيف) سواء نظرنا إلى إسناده أو نظرنا إلى متنه، فهو مردود غير مقبول في ضوء موازين العلم وقواعده الضابطة. العلاقة بغير المسلمين: منذ أكثر من أربعين سنة ذكرت في كتابي (الحلال والحرام في الإسلام): إن الإسلام قد حدد العلاقة مع غير المسلمين في آيتين محكمتين من كتاب الله، تعتبران بمثابة الدستور في ذلك، يقول تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "8" إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (سورة الممتحنة: 8 ، 9) وهاتان الآيتان نزلتا في شأن المشركين ـ عباد الأوثان، من قريش وأمثالهم ـ وقد شرع البر بالمسالمين منهم، والإقساط لهم، فاختار عنوان (البر) لهم، وهو الذي يستعمله المسلمون في أقدس الحقوق، بعد حق الله تعالى، وهو بر الوالدين. حث القرآن هنا على برهم والإقساط إليهم، والإقساط ـ أي العدل ـ أن يعطوا حقوقهم ولا يبخسوا شيئاً منها، والبر: أن يعطوا فوق حقوقهم. كما أن الإقساط أن تأخذ منهم الحق الواجب عليهم، ولا تزيد عنه، أما البر فهو أن تتنازل لهم عن بعض حقك اختياراً وكرماً. وهذا في شأن الوثنيين الذين نزلت بخصوصهم الآيتان الكريمتان. ولكن الإسلام أفرد (أهل الكتاب) بعنوان خاص، وبمعاملة خاصة، حتى أجاز مصاهرتهم والتزوج من نسائهم، ومع هذا أنه أجاز للمسلم أن تكون زوجته وشريكة حياته، وأم أولاده كتابية (مسيحية أو يهودية) ومقتضى هذا: أن يكون أهلها أصهاره، وهم كذلك أجداد أولاده وجداتهم، وأخوالهم وخالاتهم، وأولاد أخوالهم وخالاتهم، وهؤلاء لهم حقوق "أولى الأرحام، وذوي القربى". كما أن الإسلام اعتبر النصارى أقرب مودة للمسلمين من غيرهم، يقول تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } (سورة المائدة: 82) كما قال نبي الإسلام أيضاً: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، في الدنيا والآخرة" متفق عليه عن أبي هريرة (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، رقم 1526). 2. الخلل في فقه تغيير المنكر بالقوة: أما الخلل في فقه (تغيير المنكر بالقوة) فيتضح بأنهم لا يراعون شروط المنكر الذي أوجب الحديث تغييره، أي المنكر الذي يجب أن يغير باليد أو باللسان أو بالقلب، وذلك أضعف الإيمان. شروط تغيير المنكر باليد (أي القوة): لابد أن يكون مجمعاً على أنه منكر، إذ لا إنكار في المسائل الاجتهادية الخلافية. وأن يكون ظاهراً بحيث يراه الناس، دون أن يتجسس على صاحبه، ولهذا قال: "من رأى منكم منكراً". وأن يكون واقعاً بالفعل ساعة الإنكار، ولا يكون قد وقع وفرغ منه، ولا متوقعاً حدوثه بعد. ومراتب تغيير المنكر ـ كما ذكرها الإمام الغزالي في الإحياء ـ متفاوتة ومتدرجة. والتغيير بالقهر والمحاربة هو أشد مراتب التغيير، فلا يجوز إلا لذي قوة وشوكة بحيث يكون أقوى ممن ينكر عليه. ولا يجوز تغيير المنكر بوقوع اكبر منه، أو مثله، فالضرر لا يزال بضرر مثله أو اكبر منه. ولا بأس بأن نذكر بعض التفاصيل في هذه الشروط لأهميتها: الشرط الأول: أن يكون محرماً مجمعاً عليه: أي أن يكون "منكراً" حقاً، ونعني هنا: المنكر الذي يطلب تغييره باليد أولاً، ثم باللسان، ثم بالقلب عند العجز ولا يطلق "المنكر" إلا على "الحرام" الذي طلب الشارع تركه طلباً جازماً، بحيث يستحق عقاب الله من ارتكبه .. وسواء أكان هذا الحرام فعل محظور، أم ترك مأمور. وسواء أكان الحرام من الصغائر أو من الكبائر، وإن كانت الصغائر قد يتساهل فيها ما لا يتساهل في الكبائر، ولاسيما إذا لم يواظب عليها، وقد قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا } (سورة النساء: 31) وقال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر" رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة. فلا يدخل في المنكر إذاً المكروهات، أو ترك السنن والمستحبات، لابد إذاً أن يكون المنكر في درجة "الحرام"، وأن يكون منكراً شرعياً حقيقياً، أي ثبت إنكاره بنصوص الشرع المحكمة، أو قواعده القاطعة، التي دل عليها استقراء جزئيات الشريعة. وليس إنكاره بمجرد رأي أو اجتهاد قد يصيب ويخطئ، وقد يتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال. وكذلك يجب أن يكون مجمعاً على أنه منكر، فأما ما اختلف فيه العلماء المجتهدون قديماً أو حديثاً، بين مجيز ومانع فلا يدخل دائرة "المنكر" الذي يجب تغييره باليد وخصوصاً للأفراد؛ ولهذا قرر العلماء قاعدة أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية والخلافية. اقرأ أقوال العلماء في ذلك في كتابنا (كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف؟) نشر مكتبة وهبة ـ القاهرة. فإذا اختلف الفقهاء في حكم التصوير، أو الغناء بآلة، وبغير آلة، أو في كشف وجه المرأة وكفيها، أو في تولي المرأة القضاء ونحوه، أو في إثبات الصيام والفطر برؤية الهلال في قطر آخر بالعين المجردة، أو بالمرصد، أو بالحساب، أو غير ذلك من القضايا التي طال فيها الخلاف قديماً وحديثاً لم يجز لإنسان مسلم أو لطائفة مسلمة أن تتبنى رأياً من الرأيين أو الآراء المختلفة فيها، وتحمل الآخرين عليه بالعنف. حتى رأى الجمهور والأكثرية لا يسقط رأي الأقل، ولا يلغي اعتباره، حتى لو كان المخالف واحداً، مادام من أهل الاجتهاد، وكم من رأي مهجور في عصر ما أصبح مشهوراً في عصر آخر. وكم ضعف رأي لفقيه، ثم جاء من صححه ونصره وقواه، فأصبح هو المعتمد والمفتي به. وهذا آراء شيخ الإسلام "ابن تيمية" في الطلاق وأحوال الأسرة، قد لقي من أجلها ما لقي في حياته، وظلت تقاوم قروناً عدة بعد وفاته ثم هيأ الله لها من نشرها وأيدها، حتى غدت عمدة الإفتاء والقضاء والتقنين، في كثير من الأقطار الإسلامية. إن المنكر الذي يجب تغييره بالقوة لابد أن يكون منكراً بينا ثابتاً، اتفق أئمة المسلمين على أنه منكر، وبدون ذلك يفتح باب شر لا آخر له، فكل من يرى رأياً يريد أن يحمل الناس عليه بالقوة؟! الشرط الثاني: ظهور المنكر: أي أن يكون المنكر ظاهراً مرئياً، فأما ما استخفى به صاحبه عن أعين الناس وأغلق عليه بابه فلا يجوز لأحد التجسس عليه، بوضع أجهزة التصنت عليه، أو كاميرات التصوير الخفية، أو اقتحام داره عليه لضبطه متلبساً بالمنكر. وهذا ما يدل عليه لفظ الحديث: "من رأى منكم منكراً فليغيره .." فقد ناط التغيير برؤية المنكر ومشاهدته، ولم ينطه بالسماع عن المنكر من غيره. وهذا: لأن الإسلام يدع عقوبة من استتر بفعل المنكر ولم يتبجح به، إلى الله تعالى يحاسبه في الآخرة، ولم يجعل لأحد عليه سبيلاً في الدنيا، حتى يبدي صفحته ويكشف ستره. حتى إن العقاب الإلهي ليخفف كثيراً على من استتر بستر الله، ولم يظهر المعصية كما في الحديث الصحيح: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" متفق عليه عن أبي هريرة. (اللؤلؤ والمرجان: رقم 1883). ومن الوقائع الطريفة التي لها دلالتها في هذا المقام: ما وقع لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ما حكاه الغزالي في كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" من "الإحياء": أن عمر تسلق دار رجل، فرآه على حالة مكروهة فأنكر عليه، فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت أنا قد عصيت الله من وجه واحد، فأنت عصيته من ثلاثة أوجه، فقال: وما هي؟ قد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } (سورة الحجرات: 12) وقد تجسست، وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (سورة البقرة: 189) وقد تسورت من السطح، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (سورة النور: 27) وما سلمت، فتركه عمر، وشرط عليه التوبة. الإحياء 7/1218ط. الشعب، القاهرة. والشرط الثالث لتغيير المنكر بالقوة: القدرة الفعلية على التغيير: أي: أن يكون مريد التغيير قادراً بالفعل بنفسه، أو بمن معه من أعوان على التغيير بالقوة. بمعنى أن يكون لديه قوة مادية أو معنوية تمكنه من إزالة المنكر بسهولة. وهذا الشرط مأخوذ من حديث أبي سعيد أيضاً لأنه قال: "فعن لم يستطع فبلسانه" أي: فمن لم يستطع التغيير باليد، فليدع ذلك لأهل القدرة، وليكتف هو بالتغيير باللسان والبيان، إن كان في استطاعته. وهذا في الغالب إنما يكون لكل ذي سلطان في دائرة سلطانه، كالزوج مع زوجته، والأب مع أبنائه وبناته الذين يعولهم ويلي عليهم، وصاحب المؤسسة في داخل مؤسسته، والأمير المطاع في حدود إمارته وسلطته، وحدود استطاعته .. وهكذا. (أعني أن من الأمراء من يعجز عن بعض الأشياء في إمارته نفسها، وقد رأينا عمر بن عبد العزيز يعجز عن رد الأمر شورى بين المسلمين، بعيداً عن نظام الوراثة). وإنما قلنا: القوة المادية أو المعنوية؛ لأن سلطة الزوج على زوجته، أو الأب على أولاده، ليست بما يملك من قوة مادية، بل بما له من احترام وهيبة تجعل كلمته نافذة، وأمره مطاعاً. ومن الناس من يكون له مقام وجيه في جماعته يجعل أمره نافذاً، وإن لم يكن معه قوة مادية. إذا كان المنكر من جانب الحكومة: هنا تظهر مشكلة ما إذا كان المنكر من جانب الحكومة أو الدولة التي تملك مقاليد القوة المادية والعسكرية، ماذا للأفراد والفئات، أو عليهم أن يعملوا لتغيير المنكر الذي ترتكبه السلطة أو تحميه؟ والجواب: إن عليهم أن يملكوا القوة التي تستطيع التغيير، وهي في عصرنا إحدى ثلاث: الأولى: القوات المسلحة، التي يستند إليها كثير من الدول في عصرنا ـ ولاسيما في العالم الثالث ـ في إقامة حكمها، وتنفيذ سياستها، وإسكات خصومها بالحديد والنار، فالعمدة لدى هذه الحكومات ليس قوة المنطق، بل منطق القوة، فمن كان معه هذا القوات استطاع أن يضرب بها كل تحرك شعبي يريد التغيير، كما رأينا ذلك في بلاد شتى آخرها في الجزائر، وقبلها في الصين، وإخماد ثورة الطلبة المطالبين بالحرية. الثانية: المجلس النيابي، الذي يملك السلطة التشريعية، وإصدار القوانين وتغييرها، وفقاً لقرار الأغلبية، المعمول به في النظام الديمقراطي، فمن ملك هذه الأغلبية في ظل نظام ديمقراطي حقيقي غير مزيف أمكنه تغيير كل ما يرى من نكرات، بوساطة التشريع الملزم، الذي لا يستطيع وزير، ولا رئيس حكومة، ولا رئيس دولة أن يقول أمامه: لا. الثالثة: قوة الجماهير الشعبية العارمة، التي تشبه الإجماع، والتي إذا تحركت لا يستطيع أحد أن يواجهها، أو يصد مسيرتها؛ لأنها كموج البحر الهادر أو السيل العارم؛ لا يقف أمامه شيء، حتى القوات المسلحة نفسها؛ لأنها في النهاية جزء منها، وهذه الجماهير ليسوا إلا أهليهم وآباءهم وأبناءهم وإخوانهم. فمن لم يملك إحدى هذه القوى الثلاث فما عليه إلا أن يصير، ويصابر ويرابط، حتى يملكها، وعليه أن يغير باللسان، والقلم، والدعوة والتوعية والتوجيه، حتى يوجد رأياً عاماً يطالب بتغيير المنكر، وأن يعمل على تربية جيل طليعي مؤمن يتحمل تبعة التغيير. وهذا ما يشير إليه حديث أبي ثعلبة الخشني، حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } (سورة المائدة: 105) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودينا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فإن من ورائكم أياماً، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون كعملكم" رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب صحيح، وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك. ورواه ابن ماجه، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم. وفي بعض الروايات: "ورأيت أمراً لا يدان ـ أي لا طاقة ـ لك به". الشرط الرابع: عدم خشية منكر اكبر: أي ألا يخشى من أن يترتب على إزالة المنكر بالقوة منكر اكبر منه، كأن يكون سبباً لفتنة تسفك فيها دماء الأبرياء، وتنتهك الحرمات، و تنتهب الأموال، وتكون العاقبة أن يزداد المنكر تمكناً، ويزداد المتجبرون تجبراً وفساداً في الأرض. ولهذا قرر العلماء مشروعية السكوت على المنكر، مخافة ما هو أنكر منه وأعظم ارتكاباً لأخف الضررين، واحتمالاً لأهون الشرين. وفي هذا جاء الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: " لولا أن قومك حدثوا عهد بشرك، لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم" متفق عليه من حديث عائشة (اللؤلؤ والمرجان) رقم 841. أي لنقضها وأعاد بناءها من جديد حتى يدخل فيها ما ترك منها، حين بنتها قريش، فقصرت بها النفقة. وفي القرآن الكريم ما يؤيد ذلك، في قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، حين ذهب إلى موعده مع ربه، الذي بلغ أربعين ليلة، وفي هذه الغيبة فتنهم السامري بعجله الذهبي، حتى عبده القوم، ونصحهم أخوه هارون فلم ينتصحوا، وقالوا: {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى } (سورة طه: 91) وبعد رجوع موسى ورؤيته لهذا المنكر البشع ـ عباد العجل ـ اشتد على أخيه في الإنكار، وأخذ بلحيته يجره إليه من شدة الغضب: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا "92" أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي "93" قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (سورة طه: 92 ـ 94) ومعنى هذا: أن هارون قدم الحفاظ على وحدة الجماعة، في غيبة أخيه الأكبر حتى يحضر، ويتفاهما معاً كيف يواجهان الموقف الخطير بما يتطلبه من حزم وحكمة. وهذه هي الشروط الأربعة، التي يجب أن تتوافر لمن يريد تغيير المنكر بيده، وبتعبير آخر؛ بالقوة المادية المرغمة. تغيير المنكرات الجزئية ليس علاجاً: أود أن أنبه هنا على قضية في غاية الأهمية لمن يشتغلون بإصلاح حال المسلمين، وهي أن التخريب الذي أصاب مجتمعاتنا خلال عصور التخلف، وخلال عهود الاستعمار الغربي، وخلال عهود الطغيان والحكم العلماني؛ تخريب عميق ممتد، لا يكفي لإزالته تغيير منكرات جزئية، كحفلة غناء، أو تبرج امرأة في الطريق، أو بيع أشرطة "كاسيت" أو "فيديو" تتضمن ما لا يليق أو ما لا يجوز. إن الأمر اكبر من ذلك وأعظم، لابد من تغيير أشمل وأوسع وأعمق. تغيير يشمل الأفكار والمفاهيم، ويشمل القيم والموازين، ويشمل الأخلاق والأعمال، ويشمل الآداب والتقاليد، ويشمل الأنظمة والتشريعات. وقبل ذلك كله لابد أن يتغير الناس من داخلهم بالتوجيه الدائم، والتربية المستمرة، والأسوة الحسنة، فإذا غير الناس ما بأنفسهم كانوا أهلاً لأن يغير الله ما بهم وفق السنة الثابتة: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } (سورة الرعد: 11) ضرورة الرفق في تغيير المنكر: وقضية أخرى لا ينبغي أن ننساها هنا، وهي ضرورة الرفق في معالجة المنكر، ودعوة أهله إلى المعروف، فقد أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفق، وبين لنا: أن الله يحبه في الأمر كله، وأنه ما دخل في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. ومن الكلمات المأثورة: من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف. 3. الخلل في فقه الخروج على الحكام: وأما الخلل عند جماعات العنف في فقه الخروج على الحكام فهو يتمثل في أنهم يرون وجوب الخروج على الحكام المعاصرين في البلاد الإسلامية، للأسباب التي بيناها من قبل، ماداموا لا يحكمون بما أنزل الله، وماداموا يوالون أعداء الله، وماداموا يعادون الدعاة إلى الله، وماداموا قد فرضوا أنفسهم على شعوبهم بغير رضاها واختيارها. ومن هنا كان واجب النصيحة في الدين، وفرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب مقاومة الظلمة، وتغيير المنكر بالقوة أو باليد، وغير ذلك من عمومات القرآن والسنة، كلها توجب الخروج على هؤلاء الحكام الظلمة ـ أو الكفرة ـ وتطهير بلاد المسلمين من شرهم وفسادهم، حتى لا تعم نقمتهم الناس جميعاً، كما قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (سورة الأنفال: 25) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده" رواه احمد 1/14 وأبو داود برقم 4338 والترمذي برقم 2168 وبان حبان برقم 304 عن أبي بكر الصديق. الأحاديث تأمرنا بالصبر على جور الأئمة: وأود أن أبدأ حديثي هنا بأني من الذين يطالبون حكام المسلمين أن يطبقوا شرع الله في جميع جوانب الحياة، ولا يعطلوا بعضه ويأخذوا بعضه، كما قال تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (سورة المائدة: 49) ولا يكونوا كبني إسرائيل، الذين قرعهم الله تعالى بقوله: {ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } (سورة البقرة: 85) ولا أرى أن وضع الحكم في معظم الأقطار الإسلامية وضع يرضى عنه الله ورسوله والمؤمنون، بل هناك مخالفات شتى لشريعة الإسلام في مجالات عدة ـ لا يجوز السكوت عليها ـ في التشريع، والاقتصاد، والسياسة، والثقافة وغيرها، وإن كنا نعترف أن هذه المخالفات الشرعية متفاوتة في كمها وكيفها من بلد إلى آخر. وهذا يوجب علينا أن نعمل على إصلاحها ـ ما استطعنا ـ بالنصح والدعوة والإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق والحكمة، والجدال بالتي هي أحسن وتقديم البدائل الشرعية الصالحة للتطبيق المعاصر، بلد المحرمات القائمة، وتوعية الشعوب وتربيتها، وتجميعها لتسوق الحكام إلى التغيير السلمي، بدلاً من الفتن والمصادمات المسلحة. ولكنا نخالف جماعات العنف في حمل السلاح، والخروج على الحكام بالقوة المادية بدعوى أن هذا واجب ديني، وفريضة شرعة لما ذكروه من أدلة واعتبارات تؤيد وجهة نظرهم. فقد غفل هؤلاء ـ من جماعات العنف ـ عن أمر مهم، وهو أن الذي ذكروه هنا من النصوص، يدخل في باب العمومات والمطلقات، التي خصصتها أو قيدتها نصوص أخرى، جاءت تأمر بالصبر على جور الأئمة، ومظالم الأمراء وإن جاروا على حقوق الأفراد بأخذ المال، وضرب الظهر، ما لم يظهر منهم كفر بواح عندنا فيه من الله برهان. وما ذلك إلا للإبقاء على وحدة الأمة واستقرار الدولة، والحرص على حقن الدماء والخشية من أن تفتح أبواب فتن لا تسد، وأن تفتق فتوق يصعب رتقها، وقد شددت الأحاديث في هذا الجانب حتى لا يسارع أهل الورع وأهل الحماس بالخروج على السلطان الشرعي بكل ما يرونه مخالفاً. وحسبنا أن نلقي نظرة سريعة على الأحاديث، التي ذكرها صاحب (منتقي الأخبار) وشرحها الشوكاني في (نيل الأوطار) تحت عنوان: (باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والكف عن إقامة السيف) 1. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية" الطبراني 12/161. 2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي؛ وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟ قال ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم" متفق عليه. البخاري 4/206. قال الشوكاني: (قوله: من فارق الجماعة شبراً): كناية عن معصية السلطان ومحاربته. قال ابن أبي جمرة: المراد بالمفارقة: السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكني عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق. (قوله: فميتته جاهلية) وفي رواية لمسلم: "فميتته ميتة جاهلية" وفي أخرى له، من حديث ابن عمر: "من خلع يداً من طاعة الله لقي الله ولا حاجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية". والمراد بالميتة الجاهلية: أن يكون حاله في الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال، وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافراً بل يموت عاصياً. ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره؛ ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي، وإن لم يكن جاهلياً، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير، فظاهره غير مراد، ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه ما أخرجه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان وصححه؛ من حديث الحارث بن الحارث الأشعري من حديث طويل، وفيه: "من فارق الجماعة شبراً فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه". (قوله: فوا ببيعة الأول فالأول): فيه دليل على أنه يجب على الرعية الوفاء ببيعة الإمام الأول ثم الأول، ولا يجوز لهم المبايعة للإمام الآخر قبل موت الأول. (قوله: ثم أعطوهم حقهم) أي ادفعوا إلى الأمراء حقهم الذي لهم المطالبة به وقبضه، سواء كان يختص بهم أو يعم، وذلك من الحقوق الواجبة في المال كالزكاة، وفي الأنفس كالخروج إلى الجهاد. 3. وعن عوف بن مالك الأشجعي؛ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خيار أئمتكم: الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم، ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة" رواه مسلم. 4. وعن حذيفة بن اليمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي؛ ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله! إن أدركت ذلك قال: تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع واطع" رواه احمد ومسلم. 5. وعن عرفجة الأشجعي؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أتاكم وأمركم جميع ـ على رجل واحد ـ يريد: أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" رواه احمد ومسلم. 6. وعن عبادة بن الصامت قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثره علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم فيه من الله برهان" متفق عليه. قال الشوكاني: في باب أحاديث غير هذه، بعضها تقدم في باب (براءة رب المال بالدفع إلى السلطان الجائر) في كتاب الزكاة. وبعضها مذكور في غير هذا الكتاب، من ذلك حديث ابن عمر عند الحاكم بلفظ: "من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه، ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية" وقد قدمنا نحوه قريباً: عن الحارث بن الحارث الأشعري، ورواه الحاكم من حديث معاوية أيضاً، والبزار من حديث ابن عباس. وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة؛ بلفظ: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية". وأخرج أيضاً مسلم نحوه، عن ابن عمر، وفيه قصة. وأخرج الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري؛ بلفظ: "من حمل علينا السلاح فليس منا" وأخرجاه أيضاً من حديث ابن عمر، وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وسلمة بن الأكوع. وأخرج احمد وأبو داود والحاكم من حديث أبي ذر: "من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه". وأخرج البخاري من حديث أنس: "اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تعالى". وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة؛ "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني". وأخرج الشيخان وغيرهما، من حديث ابن عمر: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". وأخرج الترمذي، من حديث ابن عمر: "ألا أخبركم بخير أمرائكم وشرارهم؟ خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتدعون لهم ويدعون لكم، وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتعلنونهم ويلعنونكم". وأخرج الترمذي من حديث أبي بكرة: "من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله تعالى". والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهذا طرف منها. قال الشوكاني: (وقوله: خيار أئمتكم ..الخ): فيه دليل على مشروعية محبة الأئمة، والدعاء لهم، وأن من كان من الأئمة محباً للرعية محبوباً لديهم، داعياً لهم ومدعواً له منهم، فهو من خيار الأئمة، ومن كان باغضاً لرعيته مبغوضاً عندهم، يسبهم ويسبونه فهو من شرارهم، وذلك لأنه إذا عدل فيهم وأحسن القول لهم أطاعوه وانقادوا له وأثنوا عليه، فلما كان هو الذي تسبب بالعدل وحسن القول إلى المحبة والطاعة والثناء منهم كان من خيار الأئمة، ولما كان هو الذي يتسبب أيضاً بالجور والشتم للرعية إلى معصيتهم له وسوء القالة منهم فيه كان من شرار الأئمة. (قوله: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) فيه دليل على أنه: لا يجوز منابذة الأئمة بالسيف مهما كانوا مقيمين للصلاة، ويدل ذلك بمفهومه على جواز المنابذة عند تركهم للصلاة وحديث عبادة بن الصامت المذكور، فيه دليل على أنه لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر البواح. قوله: (فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة) فيه دليل على أن من كره بقلبه ما يفعله السلطان من المعاصي كفاه ذلك، ولا يجب عليه زيادة عليه. وفي الصحيح "فمن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه" ويمكن حمل حديث الباب، وما ورد في معناه على عدم القدرة على التغيير باليد واللسان، ويمكن أن يجعل مختصا بالأمراء إذا فعلوا منكراً، لما في الأحاديث الصحيحة من تحريم معصيتهم ومنابذتهم، فكفى في الإنكار عليهم مجرد الكراهة بالقلب؛ لأن في إنكار المنكر عليهم باليد واللسان تظاهراً بالعصيان، وربما كان ذلك وسيلة إلى المنابذة بالسيف. (قوله: في جثمان إنس) ـ بضم الجيم وسكون المثلثة ـ أي لهم قلوب كقلوب الشياطين وأجسام كأجسام الإنس. (قوله: وإن ضُرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع): فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء، وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم، فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (سورة البقرة: 194) وقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة الفتنة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة مبررات جماعات العنف ومدى اعتبارها
» الإسلام دين الرفق والرحمة لا دين العنف والنقمة
» الإسلام دين العدالة والسماحة والرحمة
» الإسلام دين العدالة والسماحة والرحمة
» العنف عوامله وأسبابه وموقف الإسلام منه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: