ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 السير والأخلاق من جزئين (الجزء الاول)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

السير والأخلاق من جزئين (الجزء الاول) Empty
مُساهمةموضوع: السير والأخلاق من جزئين (الجزء الاول)   السير والأخلاق من جزئين (الجزء الاول) Emptyالثلاثاء أغسطس 30, 2011 4:13 pm

السير والأخلاق من جزئين (الجزء الاول) LSKg3-5K2s_734683938

السير والأخلاق من جزئين (الجزء الاول)
لابن حزم
(384-456هـ)
[رب يسر يا كريم]
قال أبو محمد علي بن أحمد بن [سعيد بن] حزم [الفقيه الأندلسي]رحمه الله:
الحمد لله على عظيم مننه، و صلى الله على محمدعبده و خاتم أنبيائه و رسله [ و سلم تسليمًا]، و أبرأ إليه تعالى من الحول والقوة ، وأستعينه على كل ما يعصم في الدنيا من جميع المخاوف والمكاره، و يخلص في الأخرى من ك
ل هول و ضيق.
أما بعد
فإني جمعت في كتابي هذا معاني كثيرة أفادنيها واهب التمييز تعالى بمرور الأيام و تعاقب الأحوال بما منحني عز و جل من التهمم بتصاريف الزمان ، والإشراف على أحواله،حتى أنفقت في ذلك أكثر عمري، و آثرت تقييد ذلك بالمطالعة [له] والفكرة فيه على جميع اللذات التي تميل إليها أكثر النفوس، و على الازدياد من فضول المال.
و زممت كل ما سبرت من ذلك بهذا الكتاب لينفع الله به من يشاء من عباده ممن يصل إليه ما أتعبت فيه نفسي، و أجهدتها فيه و أطلت فيه فكري فيأخذه عفواً ، و أهديت إليه هنيئًا، فيكون ذلك أفضل له من كنوز المال و عقد الأملاك إذا تدبره و يسره الله تعالى لاستعماله.
و أنا راجٍ في ذلك من الله تعالى، أعظم الأجرلنيتي في نفع عباده و إصلاح ما فسد من أخلافهم، و مداواة علل نفوسهم، و بالله تعالى أستعين.
[فصل في] مداواة النفوس و إصلاح الأخلاق [الذميمة]
لذة العاقل بتمييزه ولذة العالم بعلمه ولذة الحكيم بحكمته ولذة المجتهد لله عز وجل باجتهاده أعظم من لذة الآكل بأكله والشارب بشربه والواطيء بوطئه والكاسب بكسبه واللاعب بلعبه والآمر بأمره.
وبرهان ذلك أن الحكيم العاقل والعالم والعامل واجدون لسائر اللذات التي سمينا كما يجدها المنهمك فيها ويحسونها كما يحسها المقبل عليها [وقد تركوها وأعرضوا عنها وآثروا طلب الفضائل عليها] وإنما يحكم في الشيئين من عرفهما لا من عرف أحدهما ولم يعرف الآخر.
إذا تعقبت الأمور كلها فسدت عليك وانتهيت في
آخر فكرتك - باضمحلال جميع أحوال الدنيا-إلى أن الحقيقة إنما هي العمل للآخرة فقط لأن كل أمل ظفرت[ به فعقباه] حزن إما بذهابه عنك وإما بذهابك عنه ولا بد من أحد هذين الشيئين إلا العمل لله عز وجل فعقباه على كل حال سرور في عاجل وآجل.
أما العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس وإنك به معظم من الصديق والعدو وأما في الآجل فالجنة.
تطلبت غرضاً يستوي الناس كلهم في استحسانه وفي طلبه فلم أجده إلا واحداً وهو طرد الهم فلما تدبرته علمت أن الناس كلهم لم يستووا في استحسانه فقط ولا في طلبه فقط ولكن رأيتهم على اختلاف أهوائهم و مطالبهم (ص:49)[وتباين هممهم]وإراداتهم لا يتحركون حركة أصلاً إلا فيما يرجون به طرد الهم ولا ينطقون بكلمة أصلاً إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم فمن مخطيء وجه سبيله ومن مقارب للخطأ ومن مصيب وهو الأقل [من الناس في الأقل من أموره].
فطرد الهم مذهب قد اتفقت الأمم كلها مذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى عالم الابتداء ويعاقبه عالم الحساب على أن لا يعتمدوا بسعيهم شيئاً سواه وكل غرض غيره ففي الناس من لا يستحسنه إذ في الناس من لا دين له فلا يعمل للآخرة وفي الناس من أهل الشر من لا يريد الخير ولا الأمن ولا الحق وفي الناس من يؤثر الخمول بهواه وإرادته على بعد الصيت.
وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه على وجوده ككثير من الأنبياء عليهم السلام ومن تلاهم من الزهاد والفلاسفة. وفي الناس من يبغض اللذات بطبعه ويستنقص طالبها كمن ذكرنا من المؤثرين فقد المال على اقتنائه وفي الناس من يؤثر الجهل على العلم كأكثر من ترى من العامة.
وهذه هي أغراض الناس التي لا غرض لهم سواها. وليس في العالم مذ كان إلى أن يتناهى أحد يستحسن الهم ولا يريد طرده عن نفسه.
فلما استقر في نفسي هذا العلم الرفيع وانكشف لي هذا السر العجيب وأنار الله تعالى لفكري هذا الكنز العظيم بحثت عن سبيل موصلة [على]الحقيقة إلى طرد الهم الذي هو المطلوب للنفس الذي اتفق جميع أنواع الإنسان-الجاهل منهم والعالم والصالح والطالح-على السعي له فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة.
وإلا فإنما طلب المال طلابه ليطردوا به هم الفقر عن أنفسهم وإنما طلب الصوت من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الاستعلاء عليها. وإنما طلب اللذات من طلبها ليطرد بها عن نفسه هم فوتها وإنما طلب العلم من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الجهل وإنما هش إلى سماع الأخبار ومحادثة الناس من يطلب ذلك ليطرد بها عن نفسه هم التوحد ومغيب أحوال العالم عنه. وإنما أكل من أكل وشرب من شرب ونكح من نكح ولبس من لبس ولعب [من لعب] [واكتن من اكتن] وركب من ركب ومشى من مشى وتودع من تودع ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال وسائر الهموم.
[وفي كل] ما ذكرنا لمن تدبره هموم حادثة لا بد لها من عوارض تعرض في خلالها وتعذر ما يتعذر منها وذهاب ما يوجد منها والعجز عنه لبعض الآفات الكائنة، وأيضاً [نتائج سوء تنتج] بالحصول على ما حصل عليه من [كل] ذلك من خوف منافس أو طعن حاسد أو اختلاس راغب أو اقتناء عدو مع الذم والإثم وغير ذلك.
ووجدت للعمل للآخرة سالمًا من كل عيب خالصًا من كل كدر موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة ووجدت العامل للآخرة أن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم بل يسر إذ رجاؤه في عاقبة ما ينال به عون [له] على ما يطلب وزايد في الغرض الذي [إياه] يقصد.
ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم إذ ليس مؤاخذاً بذلك فهو غير مؤثر في ما يطلب. ورأيته إن قصد بالأذى سر وإن نكبته نكبة سر وإن تعب فيما سلك فيه سر فهو في سرور متصل أبداً وغيره بخلاف ذلك أبداً.(ص:53) فاعلم أنه مطلوب واحد وهو طرد الهم وليس إليه إلا طريق واحد وهو العمل لله تعالى فما عدا هذا فضلال وسخف.
لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل في دعاء إلى حق وفي حماية الحريم وفي دفع هوانٍ لم يوجبه عليك خالقك تعالى وفي نصر مظلوم. وباذل نفسه في عرض دنيا كبائع الياقوت بالحصى.
لا مروءة لمن لا دين له.
العاقل لا يرى لنفسه ثمناً إلا الجنة.
لإبليس في ذم الرياء حبالة وذلك أنه رب ممتنع من فعل خير خوف أن يظن به الرياء.
باب عظيم من أبواب العقل والراحة، وهو اطراح المبالاة [بكلام الناس واستعمال المبالاة] بكلام الخالق عز وجل بل [هذا باب] العقل والراحة كلها.
من قدّر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون. من حقق النظر وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن آلمتها في أول صدمة كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه لأن مدحهم إياه إن كان بحق وبلغه مدحهم له أسرى ذلك فيه العجب فأفسد بذلك فضائله وإن كان بباطل فبلغه فسره فقد صار مسروراً بالكذب وهذا نقص شديد.
وأما ذم الناس إياه فإن كان بحق فبلغه فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا ناقص.
وإن كان بباطل وبلغه فصبر اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر وكان مع ذلك غانماً لأنه يأخذ حسنات من ذمه بالباطل فيحظى بها في دار الجزاء أحوج ما يكون إلى النجاة بأعمال لم يتعب فيها ولا تكلفها وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا مجنون.
وأما إن لم يبلغه مدح الناس إياه فكلامهم وسكوتهم سواء وليس كذلك ذمهم إياه لأنه غانم للأجر على كل حال بلغه ذمهم أو لم يبلغه. ولولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثناء الحسن: ذلك عاجل بشرى المؤمن" لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل أكثر من رغبته في المدح بالحق ولكن إذا جاء هذا القول فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل، فإنما تجب البشرى بما في الممدوح لا بنفس المدح.
ليس بين الفضائل والرذائل ولا بين الطاعات والمعاصي إلا نفار النفس وأنسها فقط. فالسعيد من أنست نفسه بالفضائل والطاعات ونفرت من الرذائل والمعاصي والشقي من أنست نفسه بالرذائل والمعاصي ونفرت من الفضائل والطاعات وليس هاهنا إلا صنع الله تعالى وحفظه.
طالب الآخرة ليفوز في الآخرة متشبه بالملائكة وطالب الشر متشبه بالشياطين وطالب الصوت والغلبة متشبه بالسباع وطالب اللذات متشبه بالبهائم وطالب المال لعين المال لا لينفقه في الواجبات والنوافل المحمودة أسقط وأرذل من أن يكون له في شيء من الحيوان شبه ولكنه يشبه الغدران التي في الكهوف في المواضع الوعرة لا ينتفع بها شيء من الحيوان.
فالعاقل لا يغتبط بصفه يفوقه فيها سبع أو بهيمة أو جماد وإنما يغتبط بتقدمه في الفضيلة التي أبانه الله تعالى بها عن السباع والبهائم والجمادات وهي التمييز الذي يشارك فيه الملائكة.
فمن سر بشجاعته التي يضعها في غير موضعها لله عز وجل فليعلم أن النمر أجرأ منهن وأن الأسد والذئب والفيل أشجع منه ومن سر بقوة جسمه فليعلم أن البغل والثور والفيل أقوى منه جسماً ومن سر بحمله الأثقال فليعلم أن الحمار أحمل منه ومن سر بسرعة عدوه فليعلم أن الكلب والأرنب أسرع عدواً منه ومن سر بحسن صوته فليعلم أن كثيراً من الطير أحسن صوتاً منه وأن أصوات المزامير ألذ وأطرب من صوته فأي فخر وأي سرور في ما تكون فيه هذه البهائم متقدمة عليه. لكن من قوى تمييزه واتسع علمه وحسن عمله فليغتبط بذلك فإنه لا يتقدمه في هذه الوجوه إلا الملائكة وخيار الناس.
قول الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى". جامع لكل فضيلة لأن نهي النفس عن الهوى هو ردعها عن الطبع الغضبي وعن الطبع الشهواني لأن كليهما واقع تحت موجب الهوى فلم يبق إلا استعمال النفس للنطق الموضوع فيها الذي به بانت عن البهائم والحشرات والسباع.
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي استوصاه:لَا تَغْضَبْ". وأمره عليه السلام "أن يحب المرء لغيره ما يحب لنفسه" جامعان لكل فضيلة لأن في نهيه عن الغضب ردع النفس ذات القوة الغضبية عن هواها وفي أمره عليه السلام أن يحب المرء لغيره ما يحب لنفسه ردع النفس عن القوة الشهوانية وجمع لأزمة العدل الذي هو فائدة النطق الموضوع في النفس الناطقة.
رأيت أكثر الناس إلا من عصم الله تعالى وقليل ما هم يتعجلون الشقاء والهم والتعب لأنفسهم في الدنيا ويحتقبون عظيم الإثم الموجب للنار في الآخرة بما لا يحظون معه بنفع أصلاً من نيات خبيثة يضبون عليها من تمني الغلاء المهلك للناس وللصغار ومن لا ذنب له وتمني أشد البلاء لمن يكرهونه وقد علموا يقيناً أن تلك النيات الفاسدة لا تعجل لهم شيئاً مما يتمنونه أو يوجب كونه. وإنهم لو صفوا نياتهم وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم ولا قتنوا بذلك عظيم الأجر في المعاد من غير أن يؤخر ذلك شيئاً مما يريدونه أو يمنع كونه. فأي غبن أعظم من هذه الحال التي نبهنا عليها وأي سعد أعظم من التي دعونا إليها
إذا حققت مدة الدنيا لم تجدها إلا الآن الذي هو فصل الزمانين فقط. وأما ما مضى وما لم يأت فمعدومان كما لم يكن فمن أضل ممن يبيع باقياً خالداً بمدة هي أقل من كرّ الطرف؟!.
إذا نام المرء خرج عن الدنيا ونسي كل سرور وكل حزن فلو رتب نفسه في يقظته على ذلك أيضاً لسعد السعادة التامة.
من أساء إلى أهله وجيرانه فهو أسقطهم. ومن كافأ من أساء إليه منهم فهو مثلهم. ومن لم يكافئهم بإساءتهم فهو سيدهم وخيرهم وأفضلهم.
فصل في العلم
لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويجلونك وأن العلماء يحبونك ويكرمونك لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة! ولو لم يكن من نقص الجهل إلا أن صاحبه يحسد العلماء ويغبط نظراءه من الجهال لكان ذلك سبباً إلى وجوب الفرار عنه فكيف بسائر رذائله في الدنيا والآخرة!.
لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس لكان ذلك أعظم داع إليه فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره! ومن أقلها ما ذكرنا مما يحصل عليه طالب العلم.
وفي مثله أتعب ضعفاء الملوك أنفسهم فتشاغلوا عما ذكرنا بالشطرنج والنرد والخمر والأغاني وركض الدواب في طلب الصيد وسائر الفضول التي تعود بالمضرة في الدنيا والآخرة وأما فائدة فلا فائدة.
لو تدبر العالم في مرور ساعاته ماذا كفاه العلم من الذل بتسلط الجهال ومن الهم بمغيب الحقائق عنه ومن الغبطة بما قد بان له وجهه من الأمور الخفية عن غيره لزاد حمداً لله عز وجل وغبطة بما لديه من العلم ورغبة في المزيد منه.
من شغل نفسه بأدنى العلوم وترك أعلاها وهو قادر عليه كان كزارع الذرة في الأرض التي يجود فيها البر وكغارس الشعراء حيث يزكو النخل والزيتون.
نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد لهم كإطعامك العسل والحلواء من به احتراق وحمى أوكشميمك المسك والعنبر لمن به صداع من احتدام الصفراء.
الباخل بالعلم ألأم من الباخل بالمال لأن الباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده والباخل بالعلم بخل بما لا يفنى على النفقة ولا يفارقه مع البذل.
من مال بطبعه إلى علم ما وإن كان أدنى من غيره فلا يشغلها بسواه فيكون كغارس النارجيل بالأندلس وكغارس الزيتون بالهند وكل ذلك لا ينجب.
أجل العلوم ما قربك من خالقك تعالى وما أعانك على الوصول إلى رضاه.
أنظر في المال والحال والصحة إلى من دونك وانظر في الدين والعلم والفضائل إلى من فوقك.
العلوم الغامضة كالدواء القوي يصلح الأجساد القوية ويهلك الأجساد الضعيفة. وكذلك العلوم الغامضة. تزيد العقل القوي جودة وتصفية من كل آفة وتهلك ذا العقل الضعيف.
من الغوص على الجنون ما لو غاصه صاحبه على العقل لكان أحكم من الحسن البصري وأفلاطون الأثيني وبزرجمهر الفارسي.
وقف العقل عند أنه لا ينفع إن لم يؤيد بتوفيق في الدين أويسعد في الدنيا.
لا تضر بنفسك في أن تجرب بها الآراء الفاسدة لتري المشير بها فسادها فتهلك فإن ملامة ذي الرأي الفاسد لك على مخالفته وأنت ناج من المكاره خير لك من أن يعذرك ويندم كلاكما وأنت قد حصلت في مكاره.
إياك و أن تسر غيرك بما تسوء به نفسك فيما لم توجبه عليك شريعة أو فضيلة.
وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عز وجل. لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون.
من أراد خير الآخرة وحكمة الدنيا وعدل السيرة والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها واستحقاق الفضائل بأسرها فليقتد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليستعمل أخلاقه وسيره ما أمكنه أعاننا الله على الإتساء به بمنّه آمين.
غاظني أهل الجهل مرتين من عمري:
أحدهما: بكلامهم فيما لا يحسنونه أيام جهلي.
والثاني: بسكوتهم عن الكلام بحضرتي فهم أبداً ساكتون عما ينفعهم ناطقون فيما يضرهم.
وسرني أهل العلم مرتين من عمري:
أحدهما: بتعليمي أيام جهلي
والثاني: بمذاكرتي أيام عملي.
من فضل العلم والزهد في الدنيا أنهما لا يؤتيهما الله عز وجل إلا أهلهما ومستحقهما ومن نقص علو أحوال الدنيا من المال والصوت أن أكثر ما يقعان في غير أهلهما وفيمن لا يستحقهما.
من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة والبر والصدق وكرم العشيرة والصبر والوفاء والأمانة والحلم وصفاء الضمائر وصحة المودة.
ومن طلب الجاه والمال واللذات لم يساير إلا أمثال الكلاب الكلبة والثعالب الخلبة ولم يرافق في تلك الطريق إلا كل عدو المعتقد ، خبيث الطبيعة.
منفعة العلم في إستعمال الفضائل عظيمة وهو أنه يعلم حسن الفضائل فيأتيها ولو في الندرة ويعلم قبح الرذائل فيجتنبها ولو في الندرة ويسمع الثناء الحسن فيرغب في مثله والثناء الرديء فينفر منه فعلى هذه المقدمات يجب أن يكون للعلم حصة في كل فضيلة وللجهل حصة في كل رذيلة ولا يأتي الفضائل ممن لم يتعلم العلم إلا صافي الطبع جداً فاضل التركيب وهذه منزلة خص بها النبيون عليهم الصلاة والسلام لأن الله تعالى علمهم الخير كله دون أن يتعلموه من الناس.
وقد رأيت من غمار العامة من يجري من الاعتدال وحميد الأخلاق إلى ما لا يتقدمه فيه حكيم عالم رائض لنفسه ولكنه قليل جداً.
ورأيت ممن طالع العلوم وعرف عهود الأنبياء عليهم السلام ووصايا الحكماء وهو لا يتقدمه في خبث السيرة وفساد العلانية والسريرة شرار الخلق وهذا كثير جداً فعلمت أنهما مواهب وحرمان من الله تعالى.
فصل في الأخلاق والسير
إحرص على أن توصف بسلامة الجانب وتحفظ من أن توصف بالدهاء فيكثر المتحفظون منك حتى ربما أضر ذلك بك وربما قتلك.
وطّن نفسك على ما تكره يقل همك إذا أتاك ويعظم سرورك ويتضاعف إذا أتاك ما تحب مما لم تكن قدرته.
إذا تكاثرت الهموم سقطت كلها.
الغادر يفي للمجدود والوفي يغدر بالمحدود والسعيد كل السعيد في دنياه من لم يضطره الزمان إلى اختبار الإخوان.
لا تفكر فيمن يؤذيك فإنك إن كنت مقبلاً فهو هالك وسعدك يكفيك وإن كنت مدبراً فكل أحد يؤذيك.
طوبى لمن علم من عيوب نفسه أكثر مما يعلم الناس منها.
الصبر على الجفاء ينقسم ثلاثة أقسام:
فصبر عمن يقدر عليك ولا تقدر عليه
وصبر عمن تقدر عليه ولا يقدر عليك
وصبر عمن لا تقدر عليه ولا يقدر عليك.
فالأول ذل ومهانة وليس من الفضائل. والرأي لمن خشي ما هو أشد مما يصبر عليه المتاركة والمباعدة.
والثاني فضل وبر وهو الحلم على الحقيقة وهو الذي يوصف به الفضلاء.
والثالث ينقسم قسمين:
إما أن يكون الجفاء ممن لم يقع منه إلا على سبيل الغلط ويعلم قبح ما أتى به ويندم عليه فالصبر عليه فضل وفرض وهو حلم على الحقيقة.
وأما من كان لا يدري مقدار نفسه ويظن أن لها حقاً يستطيل به فلا يندم على ما سلف منه فالصبر عليه ذل للصابر وإفساد للمصبور عليه لأنه يزيد استشراء والمقارضة له سخف والصواب إعلامه بأنه كان ممكناً أن ينتصر منه وإنه إنما ترك ذلك استرذالاً له فقط وصيانة عن مراجعته ولا يزاد على ذلك.
وأما جفاء السفلة فليس جزاؤه إلا النكال وحده. من جالس الناس لم يعدم هماً يؤلم نفسه وإثما يُندم عليه في معاده وغيظاً ينضج كبده وذلاً ينكس همته فما الظن بعد بمن خالطهم وداخلهم والعزة والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم ولكن اجعلهم كالنار تدفأ بها ولا تخالطها.
لو لم يكن في مجالسة الناس إلا عيبان لكفيا: أحدهما: الاسترسال عند الأنس وبالأسرار المهلكة القاتلة التي لولا المجالسة لم يبح بها البائح.
والثاني: مواقعة الغلبة المهلكة في الآخرة فلا سبيل إلى السلامة من هاتين البليتين إلا بالإنفراد عن المجالسة جملة.
لا تحقر شيئاً من عمل غد أن تحققه بأن تعجله اليوم وإن قل فإن من قليل الأعمال يجتمع كثيرها وربما أعجز أمرها عند ذلك فيبطل الكل.
لا تحقر شيئاً مما ترجو به تثقيل ميزانك يوم البعث إن تعجله الآن وإن قل فإنه يحط عنك كثيراً لو اجتمع لقذف بك في النار.
الوجع والفقر والنكبة والخوف لا يحسن أذاها إلا من كان فيها ولا يعلمه من كان خارجاً عنها.
وفساد الرأي والعار والإثم لا يعلم قبحها إلا من كان خارجاً عنها وليس يراه من كان داخلاً فيها.
الأمن والصحة والغنى لا يعرف حقها إلا من كان خارجاً عنها وليس يعرف حقها من كان فيها.
وجودة الرأي والفضائل وعمل الآخرة لا يعرف فضلها إلا من كان من أهلها ولا يعرفه من لم يكن من أهلها.
أول من يزهد في الغادر من غدر له الغادر وأول من يمقت شاهد الزور من شهد له به وأول من تهون الزانية في عينه الذي يزني بها.
ما رأينا شيئاً فسد فعاد إلى صحته إلا بعد لأي فكيف بدماغ يتوالى عليه فساد السكر كل ليلة. وإن عقلا زين لصاحبه تعجيل إفساده كل ليلة لعقل ينبغي أن يتهم.
الطريق تبرم والزرايا تكرم وكثرة المال ترغب وقلته تقنع.
قد ينحس العاقل بتدبيره ولا يجوز أن يسعد الأحمق بتدبيره.
لا شيء أضر على السلطان من كثرة المتفرغين حواليه فالحازم يشغلهم بما لا يظلمهم فيه فإن لم يفعل شغلوه بما يظلمونه فيه.
وأما مقرب أعدائه فذلك قاتل نفسه. كثرة وقوع العين على الشخص يسهِّل أمره و يهوِّنه.
التهويل بلزوم زي ما والاكفهرار وقلة الإنبساط ستائر جعلها الجهال الذين مكنتهم الدنيا أمام جهلهم.
لا يغتر العاقل بصداقة حادثة له أيام دولته فكل أحد صديقه يومئذ. اجهد في أن تستعين في أمورك بمن يريد منها لنفسه مثل ما تريد لنفسك ولا تستعن فيها بمن حظه من غيرك كحظه منك.
لا تجب عن كلام نقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله فإن من نقل إليك كذباً رجع من عندك بحق.
ثق بالمتدين وإن كان على غير دينك ولا تثق بالمستخف وإن أظهر أنه على دينك.
من استخف بحرمات الله تعالى فلا تأمنه على شيء مما تشفق عليه.
وجدت المشاركين بأرواحهم أكثر من المشاركين بأموالهم. هذا شيء طال إختباري إياه ولم أجد قط على طول التجربة سواه فأعيتني معرفة العلة في ذلك حتى قدرت أنها طبيعة في البشر.
من قبيح الظلم الإنكار على من أكثر الإساءة إذا أحسن في الندرة.
من استراح من عدو واحد حدث له أعداء كثيرة. أشبه ما رأيت بالدنيا خيال الظل وهي تماثيل مركبة على مطحنة خشب تدار بسرعة فتغيب طائفة و تبدو أخرى.
طال تعجبي في الموت وذلك أني صحبت أقواماً صحبة الروح للجسد من صدق المودة فلما ماتوا رأيت بعضهم في النوم ولم أر بعضهم وقد كنت عاهدت بعضهم في الحياة على التزوار في المنام بعد الموت إن أمكن ذلك فلم أره في النوم بعد أن تقدمني إلى دار الآخرة فلا أدري أنسي أم شُغِل؟
غفلة النفس ونسيانها ما كانت فيه في دار الابتلاء قبل حلولها في الجسد كغفلة من وقع في طين غمر عن كل ما عهد وعرف قبل ذلك، ثم أطلت الفكر أيضاً في ذلك فلاح لي شعب زائد من البيان وهو أني رأيت النائم إذ همت نفسه بالتخلي من جسده وقوي حسها حتى تشاهد الغيوب قد نسيت ما كان فيه قبيل نومها نسياناً تاماً البتة على قرب عهدها به وحدثت لها أحوال أخر وهي في كل ذلك ذاكرة حساسة متلذذة آلمة ولذة النوم محسوسة في حاله لأن النائم يتلذ ويحتلم ويخاف ويحزن في حال نومه.
إنما تأنس النفس بالنفس فأما الجسد فمستثقل مبروم به ودليل ذلك استعجال المرء بدفن جسد حبيبه إذا فارقته نفسه وأسفه لذهاب النفس. وإن كانت الجثة حاضرة بين يديه.
لم أر لإبليس أصيد ولا أقبح ولا أحمق من كلمتين ألقاهما على ألسنة دعاته:
إحداهما: اعتذار من أساء بأن فلاناً أساء قبله
والثانية: إستسهال الإنسان أن يسيء اليوم لأنه قد أساء أمس أو أن يسيء في وجه ما لأنه قد أساء في غيره فقد صارت هاتان الكلمتان عذراً مسهلتين للشر ومدخلتين له في حد ما يعرف ويحمل ولا ينكر.
استعمل سوء الظن حيث تقدر على توفيته حقه في التحفظ والتأهب واستعمل حسن الظن حيث لا طاقة بك على التحفظ فتربح راحة النفس.
حد الجود وغايته أن يبذل الفضل كله في وجوه البر وأفضل ذلك في الجار المحتاج وذي الرحم الفقير وذي النعمة الذاهبة والأحضر فاقة. ومنع الفضل من هذه الوجوه داخل في البخل وعلى قدر التقصير والتوسع في ذلك يكون المدح والذم وما وضع في غير هذه الوجوه فهو تبذير وهو مذموم.
وما بذلت من قوتك لمن هو أمس حاجة منك فهو فضل وإيثار وهو خير من الجود وما منع من هذا فهو لا حمد ولا ذم وهو انتصاف.
بذل الواجبات فرض وبذل ما فضل عن القوت جود والإيثار على النفس من القوت بما لا تهلك على عدمه فضل ومنع الواجبات حرام. ومنع ما فضل عن القوت بخل وشح والمنع من الإيثار ببعض القوت عذر ومنع النفس أو الأهل القوت أو بعضه نتن ورذالة ومعصية.
والسخاء بما ظلمت فيه أو أخذته بغير حقه ظلم مكرر والذم جزاء ذلك لا الحمد لأنك إنما تبذل مال غيرك على الحقيقة لا مالك. وإعطاء الناس حقوقهم مما عندك ليس جوداً ولكنه حق.
حد الشجاعة بذل النفس للموت عن الدين والحريم وعن الجار المضطهد وعن المستجير المظلوم وعن الهضيمة ظلماً في المال والعرض وفي سائر سبل الحق سواء قل من يعارض أو كثر.
والتقصير عما ذكرنا جبن وخور وبذلها في عرض الدنيا تهور وحمق. وأحمق من ذلك من بذلها في المنع عن الحقوق الواجبات قبلك أو قبل غيرك وأحمق من هؤلاء كلهم قوم شاهدتهم لا يدرون فيما يبذلون أنفسهم فتارة يقاتلون زيداً عن عمرو وتارة يقاتلون عمراً عن زيد ولعل ذلك يكون في يوم واحد فيتعرضون للمهالك بلا معنى فينقلبون إلى النار أو يفرون إلى العار. وقد أنذر بهؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله" يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ".
حد العفة أن تغض بصرك وجميع جوارحك عن الأجسام التي لا تحل لك فما عدا هذا فهو عهر وما نقص حتى يمسك عما أحل الله تعالى فهو ضعف وعجز.
حد العدل أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه. وحد الجور أن تأخذه ولا تعطيه.
وحد الكرم أن تعطي من نفسك الحق طائعاً وتتجافى عن حقك لغيرك قادراً وهو فضل أيضاً وكل جود كرم وفضل وليس كل كرم وفضل جوداً. فالفضل أعم والجود أخص إذ الحلم فضل وليس جودا، والفضل فرض زدت عليه نافلة.
إهمال ساعة يفسد رياضة سنة.
خطأ الواحد في تدبير الأمور خير من صواب الجماعة التي لا يجمعها واحد لأن خطأالواحد في ذلك يستدرك وصواب الجماعة يضري على استدامة الإهمال وفي ذلك الهلاك.
نوار الفتنة لا يعقد.
كانت في عيوب فلم أزل بالرياضة وإطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم والأفاضل من الحكماء المتأخرين والمتقدمين في الأخلاق وفي آداب النفس أعاني مداواتها حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنه. وتمام العدل ورياضة النفس والتصرف بأزمة الحقائق هو الإقرار بها ليتعظ بذلك متعظ يوماً إن شاء الله.
فمنها كلف في الرضاء وإفراط في الغضب فلم أزل أداوي ذلك حتى وقفت عند ترك إظهار الغضب جملة بالكلام والفعل والتخبط وامتنعت مما لا يحل من الانتصار وتحملت من ذلك ثقلاً شديداً وصبرت على مضض مؤلم كان ربما أمرضني وأعجزني ذلك في الرضا وكأني سامحت نفسي في ذلك لأنها تمثلت أن ترك ذلك لؤم. ومنها دعابة غالبة فالذي قدرت عليه فيها إمساكي عما يغضب الممازح وسامحت نفسي فيها إذ رأيت تركها من الانغلاق ومضاهياً للكبر.
ومنها عجب شديد فناظر عقلي نفسي بما يعرفه من عيوبها حتى ذهب كله ولم يبق له والحمد لله أثر بل كلفت نفسي إحتقار قدرها جملة واستعمال التواضع.
ومنها حركات كانت تولدها غرارة الصبا وضعف الإغضاء فقصرت نفسي على تركها فذهبت.
ومنها محبة في بعد الصيت والغلبة فالذي وقفت عليه من معاناة هذا الداء الإمساك فيه عما لا يحل في الديانة والله المستعان على الباقي مع أن ظهور النفس الغضبية إذا كانت منقادة للناطقة فضل وخلق محمود.
ومنها إفراط في الأنفة بغضت إلي إنكاح الحرم جملة بكل وجه وصعبت ذلك في طبيعتي وكأني توقفت عن مغالبة هذا الإفراط الذي أعرف قبحه لعوارض اعترضت علي والله المستعان.
ومنها عيبان قد سترهما الله تعالى وأعان على مقاومتهما وأعان بلطفه عليهما فذهب أحدهما ألبتة ولله الحمد وكأن السعادة كانت موكلة بي فإذا لاح منه طالع قصدت طمسه وطاولني الثاني منهما فكان إذا ثارت منه مدوده نبضت عروقه فيكاد يظهر ثم يسر الله تعالى قدعه بضروب من لطفه تعالى حتى أخلد.
ومنها حقد مفرط قدرت بعون الله تعالى على طيه وستره وغلبته على إظهار جميع نتائجه وأما قطعه ألبتة فلم أقدر عليه وأعجزني معه أن أصادق من عاداني عداوة صحيحة أبداً.
وأما سوء الظن فيعده قوم عيباً على الإطلاق وليس كذلك إلا إذا أدى صاحبه إلى ما لا يحل وأما الذي يعيبني به جهال أعدائي من أني لا أبالي فيما أعتقده حقاً عن مخالفة من خالفته ولو أنهم جميع من على ظهر الأرض وإني لا أبالي موافقة أهل بلادي في كثير من زيهم الذي قد تعودوه لغير معنى فهذه الخصلة عندي من أكبر فضائلي التي لا مثيل لها ولعمري لو لم تكن في وأعوذ بالله لكانت من أعظم متمنياتي وطلباتي عند خالقي عز وجل وأنا أوصي بذلك كل من يبلغه كلامي فلن ينفعه اتباعه الناس في الباطل والفضول إذا أسخط ربه تعالى وغبن عقله أو آلم نفسه وجسده وتكلف مؤونة لا فائدة فيها.
وقد عابني أيضاً بعض من غاب عن معرفة الحقائق أني لا آلم لنيل من نال مني وأني أتعدى ذلك من نفسي إلى إخواني فلا أمتعض لهم إذا نيل منهم بحضرتي وأنا أقول إن من وصفني بذلك فقد أجمل الكلام ولم يفسره والكلام إذا أجمل أندرج فيه تحسين القبيح وتقبيح الحسن. ألا ترى لو أن قائلاً قال: إن فلاناً يطأ أخته لفحش ذلك ولاستقبحه كل سامع له حتى إذا فسر فقال: هي أخته في الإسلام ظهر فحش هذا الإجمال وقبحه.
وأما أنا فإني إن قلت لا آلم لنيل من نال مني لم أصدق فالألم في ذلك مطبوع مجبول في البشر كلهم لكني قد قصرت نفسي على أن لا أظهر لذلك غضباً ولا تخبطاً ولا تهيجاً فإن تيسر لي الإمساك عن المقارضة جملة بأن أتأهب لذلك فهو الذي أعتمد عليه بحول الله تعالى وقوته وإن بادرني الأمر لم أقارض إلا وبالجملة فإني كاره لهذا إلا لضرورة داعية إليه مما أرجو به قمع المستشري في النيل مني أو قدع الناقل إلي إذ أكثر الناس محبون لإسماع المكروه من يسمعونه إياه عن ألسنة غيرهم ولا شيء أقدع لهم من هذا الوجه فإنهم يكفون به عن نقلهم المكاره على ألسنة الناس إلى الناس وهذا شيء لا يفيد إلا إفساد الضمائر وإدخال التمائم فقط.
ثم بعد هذا فإن النائل مني لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما:
إما أن يكون كاذباً
وإما أن يكون صادقاً.
فإن كان كاذباً فلقد عجل الله لي الإنتصار منه على لسان نفسه بأن حصل في جملة أهل الكذب وبأن نبه على فضلي بأن نسب إلي ما أنا منه بريء العرض وما يعلم أكثر السامعين له كذبه إما في وقته ذلك وإما بعد بحثهم عما قال.
وإن كان صادقاً فإنه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه: إما أن أكون شاركته في أمر استرحت إليه استراحة المرء إلى من يقدر فيه ثقة وأمانة فهذا أسوأ الناس حالة وكفى به سقوطاً وضعة.
وإما أن يكون عابني بما يظن أنه عيب وليس عيباً فقد كفاني جهله شأنه وهو المعيب لا من عاب
وأما أن يكون عابني بعيب هو في على الحقيقة وعلم مني نقصاً أطلق به لسانه فإن كان صادقاً فنفسي أحق بأن ألوم منه وأنا حينئذ أجدر بالغضب على نفسي مني على من عابني بالحق.
وأما أمر إخواني فإني لست أمسك عن الامتعاض لهم لكني أمتعض إمتعاضاً رقيقاً لا أزيد فيه أن أندم القائل منهم بحضرتي وأجعله يتذمم ويعتذر ويخجل ويتنصل وذلك بأن أسلك به طريق ذم من نال من الناس وأن نظر المرء في أمر نفسه والتهمم بإصلاحها أولى به من تتبع عثرات الناس وبأن أذكر فضل صديقي فأبكته على اقتصاره على ذكر العيب دون ذكر الفضيلة وأن أقول إنه لا يرضى بذلك فيك فهو أولى بالكرم منك فلا ترض لنفسك بهذا أو نحو هذا من القول.
وأما أن أهارش القائل فأحميه وأهيج طباعه وأستثير غضبه فينبعث منه في صديقي أضعاف ما أكره فأنا الجاني حينئذ على صديقي والمعرض له بقبيح السب وتكراره فيه وإسماعه من لم يسمعه والإغراء به وربما كنت أيضاً في ذلك جانباً على نفسي ما لا ينبغي لصديقي أن يرضاه لي من إسماعي الجفاء والمكروه وأنا لا أريد من صديقي أن يذب عني بأكثر من الوجه الذي حددت فإن تعدى ذلك إلى أن يساب النائل مني حتى يولد بذلك أن يتضاعف النيل وأن يتعدى أيضاً إليه بقبيح المواجهة وربما إلى أبويّ وأبويه على قدر سفه النائل ومنزلته من البذاءة وربما كانت منازعة بالأيدي فأنا مستنقص لفعله في ذلك زارٍ عليه متظلم منه غير شاكر له. لكني ألومه على ذلك أشد اللوم وبالله تعالى التوفيق.
وذمني أيضاً بعض من تعسف الأمور دون تحقيق بأني أضيع مالي وهذه جملة بيانها:
أني لا أضيع منه إلا ما كان في حفظه نقص ديني أو إخلاق عرضي أو إتعاب نفسي فإني أرى الذي أحفظ من هذه الثلاثة وإن قلَّ أجلّ في العوض مما يضيع من مالي ولو أنه كل ما ذرت عليه الشمس.
ووجدت أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه وعلى الحق وإيثاره فما استعنت على قمع هذه الطوالع الفاسدة وعلى كل خير في الدين والدنيا إلا بما في قوتي من ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
وأما من طبع على الجور واستسهاله وعلى الظلم واستخفافه فلييأس من أن يصلح نفسه أو يقوم طباعه أبداً وليعلم أنه لا يفلح في دين ولا في خلق محمود.
وأما الزهو والحسد والكذب والخيانة فلم أعرفها بطبعي قط وكأنني لا حمد لي في تركها لمنافرة جبلتي إياها والحمد لله رب العالمين.
من عيب حب الذكر أنه يحبط الأعمال إذا أحب عاملها أن يذكر بها فكاد يكون شركاً لأنه يعمل لغير الله تعالى وهو يطمس الفضائل لأن صاحبه لا يكاد يفعل الخير حباً للخير لكن ليذكر به.
أبلغ في ذمك من مدحك بما ليس فيك لأنه نبه على نقصك وأبلغ في مدحك من ذمك بما ليس فيك لأنه نبه على فضلك ولقد انتصر لك من نفسه بذلك وباستهدافه إلى الإنكار واللائمة.
لو علم الناقص نقصه لكان كاملاً. لا يخلو مخلوق من عيب فالسعيد من قلت عيوبه ودقت. أكثر ما يكون ما لم يظن فالحزم هو التأهب لما يظن فسبحان من رتب ذلك ليري الإنسان عجزه وافتقاره إلى خالقه عز وجل.
فصل في الإخوان والصداقة والنصيحة
استبقاك من عاتبك وزهد فيك من استهان بسيئاتك. العتاب للصديق كالسبك للسبيكة فأما تصفو وإما تطير.
من طوى من إخوانك سره الذي يعنيك دونك أخون لك ممن أفشى سرك لأن من أفشى سرك فإنما خانك فقط ومن طوى سره دونك منهم فقد خانك واستخونك.
لا ترغب فيمن يزهد فيك فتحصل على الخيبة والخزي. لا تزهد فيمن يرغب فيك فإنه باب من أبواب الظلم وترك مقارضة الإحسان وهذا قبيح.
من امتحن بأن يخالط الناس فلا يلق بوهمه كله إلى من صحب ولا يبن منه إلا على أنه عدو مناصب ولا يصبح كل غداة إلا وهو مترقب من غدر إخوانه وسوء معاملتهم مثل ما يترقب من العدو المكاشف فإن سلم من ذلك فلله الحمد. وإن كانت الأخرى أُلفي متأهباً ولم يمت هماً.
وأنا أعلمك أن بعض من خالصني المودة وأصفاني إياها غاية الصفاء في حال الشدة والرخاء والسعة والضيق والغضب والرضى تغير علي أقبح تغير بعد اثني عشر عاماً متصلة في غاية الصفاء ولسبب لطيف جداً ما قدرت قط أنه يؤثر مثله في أحد من الناس وما صلح لي بعدها ولقد أهمني ذلك سنين كثيرة هماً شديداً.
ولكن لا تستعمل مع هذا سوء المعاملة فتلحق بذوي الشرارة من الناس وأهل الحب منهم. ولكن ها هنا طريق وعرة المسلك شاقة المتكلف يحتاج سالكها إلى أن يكون أهدى من القطا واحذر من العقعق حتى يفارق الناس راحلاً إلى ربه تعالى وهذه الطريق هي طريق الفوز في الدين والدنيا يجوز صاحبها صفاء نيات ذوي النفوس السليمة والعقود الصحيحة البرآء من المكر والخديعة. ويحوي فضائل الأبرار وسجايا الفضلاء ويحصل مع ذلك على سلامه الدهاة وتخلص الخبثاء ذوي النكراء والدهاء.
وهي أن تكتم سر كل من وثق بك وأن لا تفشي إلى أحد من إخوانك ولا من غيرهم من سرك ما يمكنك طيه بوجه ما من الوجوه وإن كان أخص الناس بك وأن تفي لجميع من أئتمنك ولا تأمن أحداً على شيء من أمرك تشفق عليه إلا لضرورة لا بد منها فارتد حينئذ واجتهد وعلى الله تعالى الكفاية.
وابذل فضل مالك وجاهك لمن سألك أو لم يسألك ولكل من احتاج إليك وأمكنك نفعه وإن لم يعتمدك بالرغبة ولا تشعر نفسك انتظار مقارضة على ذلك من غير ربك عز وجل ولا تبن إلا على أن من أحسنت إليه أول مضر بك وساع عليك فإن ذوي التراكيب الخبيثة يبغضون لشدة الحسد كل من أحسن إليهم إذا رأوه في أعلى من أحوالهم.
وعامل كل أحد في الأنس أحسن معاملة وأضمر السلو عنه إن فات ببعض الآفات التي تأتي مع مرور الأيام والليالي تعش مسالماً مستريحاً.
لا تنصح على شرط القبول ولا تشفع على شرط الإجابة ولا تهب على شرط الإثابة لكن على سبيل إستعمال الفضل وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف.
حد الصداقة الذي يدور على طرفي محدوده هو أن يكون المرء يسوءه ما يسوء الآخر ويسره ما يسره فما سفل عن هذا فليس صديقاً ومن حمل هذه الصفة فهو صديق وقد يكون المرء صديقاً لمن ليس صديقه.
وأما الذي يدخل في باب الإضافة فهو المصادق فهذا يقتضي فعلا من فاعلين إذ قد يحب الإنسان من يبغضه وأكثر ذلك في الآباء مع الأبناء وفي الإخوة مع إخوتهم وبين الأزواج وفيمن صارت محبته عشقاً.
وليس كل صديق ناصحاً لكن كل ناصح صديق فيما نصح فيه.
وحد النصيحة هو أن يسوء المرء ما ضر الآخر ساء ذلك الآخر أو لم يسؤه وإن يسره ما نفعه سر الآخر أو ساءه فهذا شرط في النصيحة زائد على شروط الصداقة.
وأقصى غايات الصداقة التي لا مزيد عليها من شاركك بنفسه وبماله لغير علة توجب ذلك وآثرك على من سواك. ولولا أني شاهدت مظفراً ومباركاً صاحبي بلنسية لقدرت إن هذا الخلق معدوم في زماننا ولكني ما رأيت قط رجلين استوفيا جميع أسباب الصداقة مع تأتي الأحوال الموجبة للفرقة غيرهما.
ليس شيء من الفضائل أشبه بالرذائل من الاستكثار من الإخوان والأصدقاء فإن ذلك فضيلة تامة متركبة لأنهم لا يكتسبون إلا بالحلم والجود والصبر والوفاء والاستضلاع والمشاركة والعفة وحسن الدفاع وتعليم العلم وبكل حالة محمودة.
ولسنا نعني الشاكرية والأتباع أيام الحرمة فأولئك لصوص الإخوان وخبث الأصدقاء والذين يظن أنهم أولياء وليسوا كذلك. ودليل ذلك إنحرافهم عند إنحراف الدنيا.
ولا نعني أيضاً المصادقين لبعض الأطماع ولا المتنادمين على الخمر والمجتمعين على المعاصي والقبائح والمتألفين على النيل من أعراض الناس والأخذ في الفضول وما لا فائدة فيه فليس هؤلاء أصدقاء. ودليل ذلك أن بعضهم ينال من بعض وينحرف عنه عند فقد تلك الرذائل التي جمعتهم.
وإنما نعني إخوان الصفاء لغير معنى إلا لله عز وجل إما للتناصر على بعض الفضائل الجدية وإما لنفس المحبة المجردة فقط.
ولكن إذا أحصيت عيوب الاستكثار منهم وصعوبة الحال في إرضائهم والغرر في مشاركتهم وما يلزمك من الحق لهم عند نكبة تعرض لهم فإن غدرت بهم أو أسلمتهم لؤمت وذممت وإن وفيت أضررت بنفسك وربما هلكت وهذا لا يرضى الفاضل بسواه إذا تنشب في الصداقة وإذا تفكرت في الهم بما يعرض لهم وفيهم من موت أو فراق أو غدر من يغدر منهم كاد السرور بهم لا يفي بالحزن الممض من أجلهم.
وليس في الرذائل أشبه بالفضائل من محبة المدح ودليل ذلك أنه في الوجه سخف ممن يرضى به وقد جاء في الأثر في المداحين ما جاء إلا أنه قد ينتفع به في الإقصار عن الشر والتزيد من الخير وفي أن يرغب في ذلك الخلق الممدوح من سمعه. ولقد صح عندي أن بعض السائسين للدنيا لقي رجلاً من أهل الأذى للناس وقد قلد بعض الأعمال الخبيثة فقابله بالثناء عليه وبأنه قد سمع شكره مستفيضاً ووصفه بالجميل والرفق منتشراً فكان ذلك سبباً إلى إقصار ذلك الفاسق عن كثير من شره.
بعض أنواع النصيحة يشكل تمييزه من النميمة لأن من سمع إنساناً يذم آخر ظالماً له أو يكيده ظالماً له فكتم ذلك عن المقول فيه والمكيد كان الكاتم لذلك ظالماً مذموماً. ثم إن أعلمه بذلك على وجهه كان ربما قد ولد على الذام والكائد ما لم يبلغه استحقاقه بعد من الأذى فيكون ظالماً له.
وليس من الحق أن يقتص من الظالم بأكثر من قدر ظلمه فالتخلص من هذا الباب صعب إلا على ذوي العقول.
والرأي للعاقل في مثل هذا إن يحفظ المقول فيه من القائل فقط دون أن يبلغه ما قال لئلا يقع في الاسترسال زائد فيهلك. وأما في الكيد فالواجب أن يحفظه من الوجه الذي يكاد منه بألطف ما يقدر في الكتمان على الكائد وأبلغ ما يقدر في تحفيظ المكيد ولا يزد على هذا شيئاً. وأما النميمة فهي لما سمع مما لا ضرر فيه على المبلغ إليه وبالله التوفيق.
النصيحة مرتان: فالأولى فرض وديانة والثانية تنبيه وتذكير وأما الثالثة فتوبيخ وتقريع وليس وراء ذلك إلا التركل واللطام اللهم إلا في معاني الديانة فواجب على المرء تزداد النصح فيها رضي المنصوح أو سخط تأذى الناصح بذلك أو لم يتأذ.
وإذا نصحت فانصح سراً لا جهراً وبتعريض لا تصريح إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك فلا بد من التصريح. ولا تصرح على شرط القبول منك.
فإذا تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح وطالب طاعة وملك لا مؤدي حق أمانة وأخوة. وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة لكن حكم الأمير مع رعيته والسيد مع عبيده.
لا تكلف صديقك إلا مثل ما تبذل له من نفسك فإن طلبت أكثر فأنت ظالم. ولا تكسب إلا على شرط الفقد. ولا تتول إلا على شرط العزل وإلا فأنت مضر بنفسك خبيث السيرة.
مسامحة أهل الاستئثار والاستغنام والتغافل لهم ليس مروءة ولا فضيلة بل هو مهانة وضعف وتضرية لهم على التمادي على ذلك الخلق المذموم وتغبيط لهم به وعون لهم على ذلك الفعل السوء وإنما تكون المسامحة مروءة لأهل الإنصاف المبادرين إلى الإنصاف والإيثار فهؤلاء فرض على أهل الفضل أن يعاملوهم بمثل ذلك لا سيما إن كانت حاجتهم أمس وضرورتهم أشد.
فإن قال قائل: فإذا كان كلامك هذا موجباً لإسقاط المسامحة والتغافل للإخوان فيه استوى الصديق والعدو والأجنبي في المعاملة فهذا فساد ظاهر.
فنقول: وبالله التوفيق كلاماً لا يحض إلا على المسامحة والتغافل والإيثار ليس لأهل التغنم ولكن للصديق حقاً فإن أردت معرفة وجه العمل في هذا الوقوف على نهج الحق فإن القصة التي توجب الأثرة من المرء على نفسه صديقه ينبغي لكن واحد من الصديقين أن يتأمل ذلك الأمر فأيهما كان أمس حاجة فيه وأظهر ضرورة لديه فحكم الصداقة والمروءة تقتضي للآخر وتوجب عليه أن يؤثر على نفسه في ذلك. فإن لم يفعل ذلك فهو متغنم مستكثر لا ينبغي أن يسامح ألبتة إذ ليس صديقاً ولا أخاً.
فأما إذا استوت حاجتهما واتفقت ضرورتهما فحق الصداقة ها هنا أن يسارع كل واحد منهما إلى الأثرة على نفسه فإن فعلا ذلك فهما صديقان وإن بدر أحدهما إلى ذلك ولم يبادر الآخر إليه فإن كان عادته هذه فليس صديقاً ولا ينبغي أن يعامل معاملة الصداقة وإن كان قد يبادر هو أيضاً إلى مثل ذلك في قصة أخرى فهما صديقان.
من أردت قضاء حاجته بعد أن سألك إياها أو أردت ابتداءه بقضائها فلا تعمل له إلا ما يريد هو لا ما تريد أنت وإلا فأمسك فإن تعديت هذا كنت مسيئاً لا محسناً ومستحقاً للوم منه ومن غيره لا للشكر ومقتضياً للعداوة لا للصداقة.
لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه ولا ينتفع بمعرفته فهذا فعل الأرذال. ولا تكتمه ما يستضر بجهله فهذا فعل أهل الشر ولا يسرك أن تمدح بما ليس فيك بل ليعظم غمك بذلك لأنه نقصك ينبه الناس عليه ويسمعهم إياه وسخرية منك وهزؤ بك ولا يرضى بهذا إلا أحمق ضعيف العقل.
ولا تأس إن ذممت بما ليس فيك بل إفرح به فإنه فضلك ينبه الناس عليه ولكن إفرح إذا كان فيك ما تستحق به المدح وسواء مدحت به أو لم تمدح واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم وسواء ذممت به أو لم تذم.
من سمع قائلاً يقول في امرأة صديقه قول سوء فلا يخبره بذلك أصلاً لا سيما إذا كان القائل عيابة وقاعاً في الناس سليط اللسان أو دافع معرة عن نفسه يريد أن يكثر أمثاله في الناس وهذا كثير موجود.
وبالجملة فلا يحدث الإنسان إلا بالحق وقول هذا القائل لا يدري أحق هو أم باطل إلا أنه في الديانة عظيم. فإن سمع القول مستفيضاً من جماعة وعلم أن أصل ذلك القول شائع وليس راجعاً إلى قول إنسان واحد أو إطلع على حقيقته إلا أنه لا يقدر أن يوقف صديقه على ما وقف هو عليه فليخبره بذلك بينه وبينه في رفق وليقل له: النساء كثير أو حصن منزلك وثقف أهلك أو اجتنب أمراً كذا وتحفظ من وجه كذا.
فإن قبل المنصوح وتحرز فحظ نفسه أصاب وإن رآه لا يتحفظ ولا يبالي أمسك ولم يعاوده بكلمة وتمادى على صداقته إياه فليس في أن لا يصدقه في قوله ما يوجب قطيعته.
فإن اطلع على حقيقة وقدر أن يوقف صديقه على مثل ما وقف عليه هو من الحقيقة ففرض عليه أن يخبره بذلك وأن يوقفه على الجلية. فإن غير فذلك وإن رآه لا يغير اجتنب صحبته فإنه رذل لا خير فيه ولا نقية.
ودخول رجل متستر في منزل المرء دليل سوء لا يحتاج إلى غيره. ودخول المرأة في منزل رجل على سبيل التستر مثل ذلك أيضاً. وطلب دليل أكثر من هذين سخف. وواجب أن يجتنب مثل هذه المرأة وفراقها على كل حال وممسكها لا يبعد عن الدياثة.
الناس في أخلاقهم على سبع مراتب:
• فطائفة تمدح في الوجه وتذم في المغيب وهذه صفة أهل النفاق من العيابين وهذا خلق فاش في الناس غالب عليهم.
• وطائفة تذم في المشهد والمغيب وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين.
• وطائفة تمدح في الوجه والمغيب وهذه صفة أهل الملق والطمع
• وطائفة تذم في المشهد وتمدح في المغيب وهذه صفة أهل السخف والنواكة.
• وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم في المشاهدة ويثنون بالخير في المغيب أو يمسكون عن الذم.
• وأما العيابون البرآء من النفاق والقحة فيمسكون في المشهد ويذمون في المغيب.
• وأما أهل السلامة فيمسكون عن المدح وعن الذم في المشهد والمغيب.
ومن كل من أهل هذه الصفات قد شاهدنا وبلونا.
إذا نصحت في الخلاء وبكلام لين ولا تسند سب من تحدثه إلى غيرك فتكون نماماً فإن خشنت كلامك في النصيحة فذلك إغراء وتنفير وقد قال الله تعالى: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا.
وَقَالَ: رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: َلَا تُنَفِّرُوا. "
وإن نصحت بشرط القبول منك فأنت ظالم ولعلك مخطئ في وجه نصحك فتكون مطالباً بقبول خطئك وبترك الصوا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
السير والأخلاق من جزئين (الجزء الاول)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» السير والاخلاق من جزئين (الجزء الثاني والاخير)
» عهد الفتح الإسلامي (من جزئين الجزء الاول)
»  خروج المهدي (من جزئين الجزء الاول)
» ملف الحج والعمرة (من جزئين الجزء الاول)
» زوال إسرائيل / من جزئين (الجزء الاول)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: الفئات العامة :: الملتقى الإسلامي-
انتقل الى: