ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 الكتاب الأبيض ... فصل في السياسات الفلسطينية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

الكتاب الأبيض ... فصل في السياسات الفلسطينية Empty
مُساهمةموضوع: الكتاب الأبيض ... فصل في السياسات الفلسطينية   الكتاب الأبيض ... فصل في السياسات الفلسطينية Emptyالثلاثاء يوليو 05, 2011 12:55 am

الكتاب الأبيض ... فصل في السياسات الفلسطينية 2V6uc-5RuB_571322881

الكتاب الأبيض ... فصل في السياسات الفلسطينية
تمهيد
يحفل التاريخ السياسي لفلسطين وشعبها بمفترقات الطرق التي لو توفرت لها القيادة السياسية العربية الفلسطينية القديرة والواعية، لاُتجهت بالشعب العربي الفلسطيني وقضيته إلى طريق غير الطريق الذي آلت إليه، ولأنقذت القضية من التآكل، ولجنبت الشعب الكثير من المآسي والويلات. وأحد هذه المفترقات الهامة والمصيرية، هو الكتاب الأبيض الذي تبنته الحكومة البريطانية في عام 1939م بصفتها الدولة المنتدبة لإدارة فلسطين منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
والكتب البيضاء هي نوع من الوثائق السياسية الرسمية التي دأبت الحكومة البريطانية على إصدارها كمحدد لسياستها إزاء قضية معينة، وهي سياسات تكون في العادة إيجابية إزاء الطرف المتضرر من سياسات سابقة. ويبدو أن هذه الوثائق كانت تطبع على ورق أبيض لتمييزها عن غيرها من الوثائق.
وقد أصدرت الحكومة البريطانية على مدى سنوات إدارتها لفلسطين نحو أربعة كتب بيضاء موجهة إلى العرب الفلسطينيين، كان أولها كتاب تشرشل الأبيض الصادر بتاريخ الثالث من حزيران 1922 سعت فيه الحكومة البريطانية إلى إزالة المخاوف العربية بالنسبة لإعلان بلفور وذلك بالتأكيد على أن الوطن القومي لليهود الوارد في ذلك الإعلان "سوف لا يكون على حساب سكان فلسطين ككل وبأن حكومة جلالته لا تفكر في القضاء على السكان العرب أو إخضاعهم، وبأن جنسية الجميع ستكون الجنسية الفلسطينية، وبآن الهجرة اليهودية لفلسطين ستخضع للقدرة الاستيعابية الاقتصادية[1]."
غير أن الحكومة البريطانية لم تكن صادقة ولا أمينة في تنفيذ ما جاء في الكتاب المذكور، فاُتبعت سياسة مسرفة في انحيازها للجانب اليهودي الصهيوني تركت آثاراً بالغة الضرر في شعب فلسطين وقضيته.
أما الكتاب الأبيض الثاني، فقد أصدرته الحكومة البريطانية في 19/11/1928 للتأكيد على الملكية الإسلامية لحائط البراق في القدس، مع حقوق يهودية محددة للوصول إلى الحائط للصلاة[2]. وقد ظلّ هذا الالتزام قائماً وما زال الكتاب يشكل وثيقة هامة لصالح شعب فلسطين.
ثم تلا ذلك كتاب أبيض ثالث هو كتاب باسفيلد الصادر في تشرين الأول 1930 إثر صدور تقرير لجنة هوب ـ سمبسون المؤيد للحقوق العربية الفلسطينية، ونص على "التزام الحكومة البريطانية بمصالح مجموعتي السكان من عرب ويهود، وليس بمصالح مجموعة واحدة[3]." غير أن رئيس الوزراء البريطاني رامزي ماكدونلد، ما لبث تحت ضغط الحركة الصهيونية أن ألغاه، حيث أصبح هذا الكتاب يعرف عند العرب الفلسطينيين بالكتاب الأسود.
أما الكتاب الأبيض الرابع، فهو كتاب عام 1939 الذي أصدرته الحكومة البريطانية في 27/5/1939. وكان وزير المستعمرات مالكولم ماكدونلد هو الذي تبنّاه وعمل على إصداره، وتكمن أهميته في أنه ظل يشكل السياسة الرسمية الثابتة للحكومة البريطانية منذ صدوره وعلى مدى سنوات الحرب العالمية الثانية، على الرغم من محاولات الالتفاف عليه من قبل الحكومات البريطانية المتعاقبة وكان مصيره الفشل، ليس فقط بسبب محاولات الالتفاف البريطاني عليه، وإنما بسبب عدم وجود قيادة سياسية فلسطينية تعمل على الدفع باتجاه تنفيذه، وعدم وجود دعم عربي فاعل في الاتجاه ذاته، حيث ما لبثت موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية أن دفعت باتجاه غلبة خيار التقسيم بتداعياته الكارثية.
فما هو الكتاب الأبيض؟ ولماذا صدر؟ وما هي العوامل التي أدت إلى عدم تنفيذه؟
الكتاب الأبيض وتطوراته
الكتاب الأبيض هو الوثيقة التي أصدرتها الحكومة البريطانية بشكل رسمي في 27 أيار1939، بعد فشل مؤتمر سنت جيمس الذي دعت إليه الأطراف الفلسطينية والصهيونية والعربية لمناقشة مسوداته، والذي تعهدت بتنفيذه من جانبها حيث جاء فيه: "وسيسار في هذه العملية سواء اغتنم كلا الطرفين (العربي واليهودي) هذه الفرصة أم لا". ويتلخص المبدأ الأساسي الذي يحكم سياسة الكتاب في إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية تشمل كل فلسطين الانتدابية غربي نهر الأردن، ويتمثل فيها جميع سكانها من عرب ويهود على قاعدة التمثيل النسبي.
فمنذ أوائل الثلاثينيات وصلت فلسطين العديد من الوفود ولجان التحقيق وتقصي الحقائق بهدف إعداد التقارير والتقدم بتوصيات للحكومة البريطانية بشأن الأوضاع ونتائج السياسات المتبعة فيها، وبعد درسها لتلك التقارير، وبخاصة تقرير لجنة بيل الملكية عام 1937 الذي أوصى بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وعدم اقتناعها بنجاح فكرة التقسيم، فقد قررت الحكومة البريطانية طرح سياسة بديلة والدعوة لعقد مؤتمر يشارك فيه العرب الفلسطينيون واليهود الصهاينة وممثلون عن حكومات العراق والسعودية ومصر وشرقي الأردن*، لتدارس المسودة التي أعدت في هذا الشأن. وقد انعقد المؤتمر في لندن في قصر سنت جيمس واستغرق انعقاده نحو أربعين يوماً امتدت من 7/2 إلى 16/3/1939 حيث خصصت المرحلة الأولى منه لدراسة مراسلات حسين ـ مكماهون لعام 1915 بناء على طلب الوفود العربية، علماً بأن تلك المراسلات بقيت طي الكتمان إلى أن نشرت بشكل غير رسمي في ملاحق تقرير لجنة بيل الملكية عام 1937، ثم ظهرت في كتاب جورج انطونيوس "يقظة العرب" الذي صدر في لندن في عام 1938، ولم تنشر على نحو رسمي من قبل الحكومة البريطانية إلا مع افتتاح المؤتمر، وتركزت المناقشات التي استغرقت نحو أسبوع حول ما إذا كانت فلسطين قد اعتبرت في تلك المراسلات ضمن الأراضي التي تعهدت بريطانيا بأن تتمتع بالاستقلال والسيادة العربية. وإزاء عدم التوصل إلى نتيجة، تم تشكيل لجنة فنية للتدقيق في ترجمة تلك المراسلات وفحواها شارك فيها جورج انطونيوس عن الجانب العربي.
وقد جاء تقرير اللجنة غامضاً وملتبساً بحيث لم يعط جواباً قاطعاً بذريعة أن المراسلات قديمة والكتابة فيها غير واضحة، الأمر الذي جعل ترجمة بعض نصوصها أمراً متعذراً[4]. لذلك اتخذت الحكومة البريطانية موقفاً سلبياً من تلك المراسلات لدى إصدارها الكتاب الأبيض كما سيرد لاحقاً، وذلك على الرغم من وجود وثائق ومذكرات سرية بريطانية في هذا الشأن، لم تكن معروفة إلاّ لقلة من الساسة البريطانيين إلى حين الإفراج عن تلك الوثائق في عام 1964 منها المذكرة المعنونة "مذكرة حول التعهدات البريطانية للملك حسين"، كانت قد أعدت لعرضها على مؤتمر السلام في باريس في عام 1919 وجاء فيها :"فيما يتعلق بفلسطين، فإن حكومة جلالته ملتزمة في رسالة السير هنري مكماهون إلى الشريف في 24/10/1915 بأن تكون فلسطين ضمن حدود الاستقلال العربي"[5].
من جهة ثانية، قدمت الحكومة البريطانية للمؤتمر مسودتين للكتاب الأبيض، حيث جاء في المسودة الأولى المقدمة في 24/2/1939 أن الحكومة عازمة على إلغاء الانتداب في "الوقت المناسب"، حيث تقوم مقام هذا النظام دولة فلسطينية مستقلة ترتبط بمعاهدة مع بريطانيا، "على أن يعقد مؤتمر حول مائدة مستديرة في لندن في فصل الخريف القادم، لوضع تفاصيل الدستور للدولة .. وشروط المعاهدة .. بحيث تتمتع الأقلية اليهودية بحماية مقترنة بضمانات"[6]. وإزاء رفض الوفد الفلسطيني والوفد الصهيوني، تم تقديم مسودة ثانية في 15/3/1937 نصت على أمكانية أن تكون الدولة "ذات صيغة فيدرالية"، وعلى فترة انتقالية لعشر سنوات تسبق قيام الدولة، إلى جانب بنود أخرى. ونتيجة للرفض الصهيوني لكل تلك المقترحات واعتراض الجانب الفلسطيني على العديد من النقاط، أعلنت بريطانيا عن انتهاء المؤتمر وذلك بعد يوم واحد من تقديم المسودة الثانية.
أدت الجهود المصرية التي تزعمها رئيس الوزراء محمد محمود إلى إجراء مفاوضات جانبية في القاهرة بين عدد من أعضاء الوفد وعدد آخر من المسئولين البريطانيين والمسئولين المصريين. وتشير لائحة الاعتراضات والمطالب التي قدمها الوفد الفلسطيني وفقاً لروايات متعددة أعقبت ذلك الاجتماع الذي تم بعد فترة وجيزة من انفضاض المؤتمر، إلى أن الحكومة البريطانية قد أخذت بمعظمها حيث ظهرت في الصيغة الرسمية للكتاب الأبيض. فقد حذفت عبارة "في الوقت المناسب" بالنسبة لإنهاء الانتداب وحدد ذلك بعشر سنوات، وأضيفت استشارة عرب فلسطين والدول المجاورة إلى جانب عصبة الأمم المتحدة في حالة الاضطرار لتأجيل الاستقلال لأكثر من عشر سنوات. وكان النص الأول مقتصراً على استشارة العصبة. كما حذفت عبارة "قد تكون فيدرالية". كما وافقت بريطانيا على الإسراع في تنفيذ البنود الدستورية التي نوقشت في المؤتمر بحيث يستطيع العرب تسلم المراكز الرئاسية في الدوائر الحكومية "حالما يعود السلام إلى فلسطين" بدلاً من إرجاء ذلك إلى المرحلة الثانية من السنوات العشر. والملاحظ أن أياً من المصادر التي أطلعت عليها وهي عديدة، لم تشر إلى اعتراض فلسطيني جدي على أهم بندين في الكتاب، والبندان هما الهجرة وانتقال الأراضي*، الأمر الذي يعني أن البنود المتعلقة بهما كانت مرضية للجانب العربي الفلسطيني وقد ظهرت هذه البنود في المسودة الأولى والمسودة الثانية والنص النهائي.
وفي هذه السياق، قام وزير المستعمرات مالكوم ماكدونلد الذي تبنى التغيير في السياسة البريطانية والذي اقترن الكتاب الأبيض باسمه، بإبلاغ الجهات العربية والعربية الفلسطينية بأن الحكومة البريطانية يستحيل عليها أن تسير أكثر مما سارت إليه .."لأن الجو حافل بالسحب"، ولأن الحكومة البريطانية بحاجة لمساعدة الحكومة الأمريكية في حالة وقوع الحرب، وقال :"إن الحكومة البريطانية عازمة على تجميد السياسة الصهيونية تجميداً يحفظ للعرب كيانهم وحقوقهم، وإن مجلس العموم البريطاني على استعداد للموافقة على ما نتفق عليه، وهذا ليس ميسوراً في جميع الظروف"[7].
هكذا في 27/5/1939، أصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض وذلك بعد أن حصلت على مصادقة مجلس العموم البريطاني عليه في 22/5/1939 بأغلبية 268 صوتاً مقابل 178 صوتاً. وفي ضوء أن الحكومة البريطانية كانت تستمد شرعية حكمها لفلسطين من عصبة الأمم المتحدة، فقد كان مقرراً في وقت لاحق أن يتم عرض الكتاب على العصبة للمصادقة عليه، حيث نوقش في لجنة الانتدابات التابعة للعصبة ورفض بأغلبية أربعة أصوات مقابل ثلاثة أصوات. ولم تأخذ الحكومة البريطانية بذلك واعتبرت تصويت لجنة الانتداب مجرد توصية. غير أنه قبل التاريخ المقرر لاجتماع مجلس العصبة في15 أيلول 1939 كانت الحرب العالمية الثانية قد اندلعت في 3/9/1939 بدخول بريطانيا الحرب ضد ألمانيا. ولم يجتمع مجلس العصبة مند ذلك الحين حيث ما لبثت العصبة أن انحلت لتقوم مكانها بعد انتهاء الحرب في عام 1945 هيئة الأمم المتحدة.
مواد الكتاب الأبيض:
تألف الكتاب الأبيض من مقدمة وثلاثة أبواب: الأول للدستور، والثاني للهجرة والثالث للأراضي.
ففي المقدمة، أسندت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض إلى صك الانتداب فأشارت إلى أن الصك الذي يتضمن تصريح بلفور، كان أساس السياسة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة زهاء عشرين عاماً. تم أشارت إلى الغموض الذي يكتنف بعض العبارات في صك الانتداب كعبارة "وطن قومي للشعب اليهودي" وعزت ما نشب من قلق وشحناء بين العرب واليهود إلى ذلك الغموض وخلصت إلى ضرورة وضع تعريف واضح للخطة السياسية ولأهدافها، مشيرة إلى أن التقسيم المؤدي إلى إقامة دولتين عربية ويهودية من شأنه أن يوفر ذلك الوضوح، غير أنه غير عملي وليس بمستطاع أي من الدولتين سد نفقاتهما بذاتهما، لذا كان على الحكومة البريطانية استنباط بديل للتقسيم، أي سياسة أخرى من شأنها أن تفي بالالتزامات المترتبة عليها نحو العرب واليهود.
أما في باب الدستور، فإن المادة الرابعة تشير ثانية إلى عبارة وطن قومي يهودي، فتقول بأن واضعي صك الانتداب الذي أدمج فيه تصريح بلفور، لا يمكن أن يكونوا قد قصدوا تحويل فلسطين إلى دولة يهودية خلافاً لإرادة العرب سكان البلاد. ولذلك، فإن حكومة جلالته تعلن الآن بعبارات لا لبس فيها ولا إبهام أنه ليس من سياستها أن تصبح فلسطين دولة يهودية. أما المادة الخامسة فتقتبس فقرة من الكتاب الأبيض الصادر عام 1922 حول مفهوم الوطن القومي اليهودي، فتقول المادة بأن الحكومة البريطانية تتمسك بذلك التفسير الذي يعتبر اليهود في فلسطين طائفة لها في الحقيقة مميزات قومية، غير أن ما قصد بترقية الوطن القومي اليهودي في فلسطين لا يعني فرض الجنسية اليهودية على أهالي فلسطين إجمالاً، بل زيادة رقي الطائفة اليهودية حتى تصبح مركزاً يكون فيه للشعب اليهودي برمته اهتمام وفخر من الوجهتين الدينية والقومية، وحتى تدرك هذه الطائفة بأن وجودها في فلسطين حق وليس منّة، وذلك هو السبب الذي جعل من الضروري ضمان إنشاء الوطن القومي اليهودي ضماناً دولياً والاعتراف رسمياً بأنه يستند إلى صلة تاريخية. وتواصل المادة السادسة التأكيد على أن الحكومات البريطانية قد التزمت بهذا التفسير لمفهوم ترقية الوطن القومي اليهودي، فتشير إلى أنه منذ صدور الكتاب الأبيض في عام 1922، هاجر إلى فلسطين ما يزيد على ثلاثمائة ألف يهودي بحيث ارتفع عدد سكان الوطن القومي اليهودي إلى أربعمائة وخمسين ألفاً، أو ما يقارب ثلث سكان البلاد برمتهم.
ثم ينتقل الكتاب في المادة السادسة إلى مراسلات حسين ـ مكماهون (التي نوقشت في المؤتمر)، فتقول المادة، بأن المندوبين العرب والبريطانيين لم يتمكنوا من الاتفاق حول تفسير هذه المراسلات، لذلك فإن حكومة جلالته تتمسك بالرأي القائل أن جميع فلسطين الواقعة غربي نهر الأردن كانت قد استثنيت من العهد الذي قطعه السير هنري مكماهون، وهي لذلك لا تستطيع أن توافق على أن مراسلات مكماهون تشكل أساساً عادلاً للادعاء بوجوب تحويل فلسطين إلى دولة عربية مستقلة.
ثم تقول المادة الثامنة أن حكومة جلالته ملزمة بصفتها الدولة المنتدبة أن تضمن تطوير مؤسسات الحكم الذاتي في فلسطين، غير أنه لا يمكن إبقاء سكان فلسطين تحت التدريب إلى الأبد حيث أنه لا بد أن يتمتع سكان البلاد بما أمكن من سرعة بحقوق الحكم الذاتي التي يمارسها أهالي البلاد المجاورة، وفي ضوء أن حكومة جلالته لا تستطيع أن تتنبأ في الوقت الحاضر بشكل النظام الدستوري الذي سيكون عليه الحال لحكومة فلسطين في النهاية، فإن حكومة جلالته ترغب أن ترى قيام دولة فلسطينية في النهاية، وينبغي أن تكون تلك الدولة، دولة يساهم فيها الشعبان المقيمان في فلسطين.
ولذلك تشير المادة التاسعة، إلى ضرورة وجود فترة انتقالية قبل الانتقال إلى الدولة المستقلة، يتزايد خلالها نصيب أهالي البلاد في الحكم وتنمو فيها روح التفاهم والتعاون بين العرب واليهود. تم يخلص هذا الباب إلى القرارات في هذه الشأن والتي يمكن إيجازها بما يلي:
1ـ إقامة دولة فلسطينية في غضون عشر سنوات.
2ـ قيام الدولة يتطلب التشاور مع عصبة الأمم.
3ـ يسبق قيام الدولة فترة انتقالية يعطى خلالها السكان نصيباً متزايداً في حكم بلادهم.
4ـ تشكيل هيئة تشريعية عند توفر الظروف.
5ـ بعد خمس سنوات من بدء استتباب الأمن والنظام في البلاد تشكل هيئة من ممثلي أهالي فلسطين وحكومة جلالته لوضع دستور الدولة.
6ـ إذا لم تتوفر الظروف بعد عشر سنوات لإقامة الدولة المستقلة يتم التشاور مع أهالي فلسطين ومجلس العصبة والدول العربية المجاورة قبل اتخاذ قرار بالإرجاء. وإذا قررت الحكومة البريطانية الإرجاء فستدعو هؤلاء الفرقاء إلى التعاون معها لوضع خطوط المستقبل بغية الوصول إلى الهدف المنشود.
تم ينتقل الكتاب إلى باب الهجرة، فيخلص إلى:
1ـ يسمح بالهجرة اليهودية لفلسطين إلى أن يصبح اليهود يشكلون ثلث السكان.
2ـ بعد دراسة الوضع الراهن واحتمالات الزيادة الطبيعية والهجرة اليهودية غير الشرعية، سوف يسمح بإدخال 75 ألف يهودي على مدى خمس سنوات، تتوقف بعدها الهجرة نهائياً، ما لم يوافق عرب فلسطين على غير ذلك.
3ـ إن حكومة جلالته مصممة على قمع الهجرة غير الشرعية، وسوف يخصم عدد كل مهاجر غير شرعي يتمكن من دخول البلاد، من الكوتا المقررة أعلاه.
أما في باب الأراضي، يقر الكتاب بأن الحكومة البريطانية لم تطبق حتى الآن أي قيد على انتقال الأراضي على الرغم مما ينص عليه صك الانتداب من شرط ضمان عدم إلحاق أي أذى بحقوق جميع فئات الأهالي الآخرين. لذلك يقرر الكتاب منح المندوب السامي سلطات عامة لمنع وتنظيم انتقال الأراضي[8].
ويبدو واضحاً مما سبق، أن الكتاب يلغي حق تحول فلسطين إلى دولة عربية مستقلة كما يلغي حق تحولها إلى دولة يهودية خالصة، ويصل إلى حل وسط هو الدولة الفلسطينية الديمقراطية المستقلة المحكومة بعدم تجاوز اليهود نسبة ثلث السكان في أي وقت، وعدم الانتقال الحر للأراضي وفق نظام يتم وضعه لاحقاً. كما يتضح بأن هناك سياسة آنية مباشرة تتطلب التطبيق الفوري، وهي المتعلقة بالهجرة والأراضي، وسياسة لاحقة خاصة بالجانب الدستوري وتمتد إلى عشر سنوات.
تطبيق سياسة الهجرة وملابساتها
فور الإعلان رسمياً عن الكتاب الأبيض، بدأت الحكومة البريطانية بالإعداد لتنفيذ بابي الهجرة والأراضي، حيث عمدت في نيسان 1939 إلى تعديل قوانين الهجرة المعمول بها حتى ذلك الحين، بحيث تتفق مع سياسة الكتاب الأبيض في هذا المجال، وبدأت بتنفيذ تلك السياسة التي ما لبثت أن أدت إلى صراع صهيوني ـ بريطاني محموم امتد على مدى السنوات اللاحقة شمل غرق بواخر تحمل لاجئين وعمليات تفجير واغتيالات*.
وقد تواصلت عملية تنفيذ السياسة الخاصة بالهجرة على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من ضغوط عمليات خروج اليهود من الأراضي الألمانية والمناطق التي احتلتها ألمانيا خلال الحرب. ففي أيلول 1943، صدر تقرير بريطاني جاء فيه أنه "منذ نيسان 1939 دخل إلى فلسطين نحو 44 ألف يهودي، بحيث يبقي من الكوتا نحو 31 ألفا [9]."
وفي 25/8/1945، رد وزير المستعمرات البريطاني على الصهاينة بأن ما تبقى من الكوتا التي كان مقرراً لها أن تنتهي في 31/3/1944، هو ألفان فقط، وبأن أي تعديل لاحق "سيخضع للتشاور مع العرب حول زيارة عدد اللاجئين وذلك بالسماح بإدخال 1500 يهودي في الشهر"، وقد تم ذلك بعد سقوط حكومة تشرشل والمحافظين وفوز حزب العمال في عام 1945.
وفي 20/1/1946 أعلن مسؤول الإدارة البريطانية في فلسطين أن الكوتا قد انتهت، وأنه قد بوشر بتطبيق كوتا جديدة بمعدل 1500 يهودي في الشهر منذ 30/1/1946[10].
ولا يعرف ما إذا كانت الحكومة البريطانية قد تشاورت مع العرب في شأن هذه الزيادة على كوتا الكتاب الأبيض. فمن المرجح أن أياً من العرب الفلسطينيين لم يستشر في ذلك لأسباب سترد لاحقاً، كما يرجح بأن الحكومة البريطانية قد تشاورت مع بعض العرب وأخذت الموافقة على ذلك بشكل غير رسمي كما سيرد لاحقاً أيضاً.
كان الوضع قد تغير مع انتهاء الحرب ووصول حزب العمال البريطاني إلى الحكم في عام 1945. فإلى جانب السياسة العمالية المؤيدة للصهيونية، كانت الضغوط الأمريكية في مجال الهجرة كبيرة جداً، في وقت بدا فيه واضحاً أن بريطانيا لم تعد سيدة الموقف بمفردها.
ففي 13/11/1945 أدلى وزير الخارجية الجديد، إرنست بيفن ببيان في مجلس العموم البريطاني تحدث فيه عن رغبة الحكومة في إدخال 15 ألف لاجئ يهودي شهرياً إلى فلسطين، متجاهلاً سياسة الكتاب الأبيض كلياً [11]. كما تحدث بيفن في مؤتمر لندن حول فلسطين الذي عقد في أواخر عام 1946، عن ضرورة إدخال مائة آلف لاجئ يهودي إلى فلسطين على مدى عامين، حيث يتم تقرير حجم الهجرة بعد عامين وفقاً للقدرة الاستيعابية لفلسطين، وذلك ضمن خطة سياسية جديدة قوامها إقامة نظام وصاية بريطاني لخمس سنوات " لإعداد البلاد للاستقلال"[12]. والجدير بالذكر أنه الهجرة اليهودية غير الشرعية قد ازدادت منذ عام 1945 دون أي تشدد بريطاني على النحو الذي جرى خلال النصف الأول من الأربعينات.
غير أنه وفي سياق الكتاب الأبيض، لا بد من القول أنه وإلى حين صدور قرار التقسيم في29/11/1947، بقيت النسبة السكانية لليهود في فلسطين بحدود ثلث السكان.
سياسة انتقال الأراضي:
أما بالنسبة لسياسة الكتاب الأبيض الخاصة بانتقال الأراضي، فقد بدأت الحكومة البريطانية بتطبيقها مع إصدارها للتعليمات الخاصة بذلك في 28/2/1940 حيث قسمت هذه التعليمات أراضي فلسطين إلى ثلاثة مناطق: منطقة ساحلية تشكل 5% من المجموع الكلي يكون اليهود أحراراً في شراء الأراضي فيها، منطقة تشكل 63.4% من المجموع الكلي يحظر فيها انتقال الأراضي من عربي فلسطيني لغير عربي فلسطيني إلا في ظروف معينة، منطقة تشكل 31.6% من المجموع الكلي يخضع فيها انتقال الأراضي من عربي فلسطيني لغير عربي فلسطيني لقرار المندوب السامي [13].
وقد صادق مجلس العموم على هذه التنظيمات في 6/3/1940 بأغلبية 292 صوتاً مقابل 129صوتاً [14]. ومما لا شك فيه أن تلك التنظيمات قد ساعدت في الحد من انتقال الأراضي لليهود على الرغم من حدوث عمليات التفاف غير قانونية عليها وتغاضي حكومة الانتداب عنها، حيث كان يقوم عملاء عرب فلسطينيون بشراء أراضٍ من الفلاحين أو غيرهم، ثم يعطون الصهاينة شيكات بدون رصيد، فيستولي الصندوق القومي اليهودي على الأراضي[15].
دوافع السياسة البريطانية الجديدة وتطوراتها
بعد نحو عشرين عاماً من السياسات البريطانية الغاشمة في فلسطين، تلك السياسات التي بنيت على مصالح آنية قصيرة النظر أملتها الظروف الدولية المستجدة التي تمخضت عنها الحرب العالمية الأولى بدأت الحكومة البريطانية في أواخر الثلاثينات، إثر تأزم الوضع الدولي مجدداً، في إعادة النظر في تلك السياسة بهدف إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة العربية.
فمنذ أواسط الثلاثينيات، بدأت تلوح في الأفق البريطاني مخاطر جديدة تهدد مكانتها كقوة عظمى وحيدة في العالم، في مقدمتها استعادة ألمانيا لقوتها وبدء تطلعها مع صعود الحزب النازي بزعامة هتلر إلى سدة الحكم، نحو مجال حيوي يمتد من أوروبا إلى المناطق الحيوية من عالم الإمبراطورية البريطانية، وبخاصة المنطقة العربية التي تأكد وجود المخزون الهائل من النفط فيها.
هكذا لم تعد المصالح البريطانية في المنطقة العربية منصبة على حماية قناة السويس وطرق المواصلات إلى الهند، بقدر ما أصبحت تعني ضرورة الحفاظ على السيطرة على منابع النفط العربية، ليس فقط من الخطر الألماني، وإنما أيضاً من منافس آخر أخذت قوته تتعزز خلال الثلاثينيات، والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية التي حصلت على أول امتياز للنفط في العربية السعودية في ذلك الحين. وفي سياق تصاعد القوة الأمريكية المنافسة والمهددة للإمبراطورية البريطانية، بدأت تلوح في سماء السياسة البريطانية مخاطر تحول الحركة الصهيونية التي أنشأتها بريطانيا ورعتها نحو الولايات المتحدة، والتي سوف تستغلها لطرد بريطانيا من المنطقة العربية. وأمام تعاظم هذه المخاطر يوماً بعد يوم عدد وزير الخارجية البريطاني أنطوني إيدن عام 1937 الأسباب التي تدعو بريطانيا إلى القلق والتخوف من احتمال اضطرارها الدخول في حرب جديدة، وهي:
1ـ حماية سلامة ووحدة الإمبراطورية البريطانية
2ـ حماية فرنسا وبلجيكا ضد أي هجوم ألماني.
3ـ حماية قناة السويس.
4ـ حماية العراق"[16].
كذا نما تيار قوي في الأوساط السياسية البريطانية يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في السياسة العربية لبريطانيا. فبعد عقد المعاهدة البريطانية ـ العراقية في عام 1930 وحصوله على الاستقلال في عام 1932، ثم عقد معاهدة 1936 مع مصر، بدا واضحاً لهذا التيار، وبخاصة بعد اندلاع الثورة في فلسطين عام 1936، أن تلك الثورة في ظل الظروف الدولية المستجدة، من شأنها إشاعة عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، والتأثير في الرأي العام العربي وتأليبه ضد بريطانيا، في وقت هي في أمسّ الحاجة فيه لتعزيز رصيدها في المنطقة.
ففي أواسط الثلاثينيات، وبخاصة بعد اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1936، بدأ التفكير في بريطانيا باتجاه ضرورة إيجاد حل لمشكلة فلسطين. وقد تعزز الاتجاه نحو تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ونقل العرب من الدولة اليهودية وذلك مع صدور تقرير لجنة بيل الملكية التي أوصت في تقريرها الصادر في 22/6/1937 بالتقسيم، حيث ما لبثت الحكومة البريطانية أن أصدرت بيان سياسة في 7/7/1937 أيدت فيه فكرة التقسيم وطرحت الموضوع على مجلس العموم الذي أوصى بدوره برفع الموضوع إلى عصبة الأمم قبل المضي في التنفيذ. غير أن لجنة الانتدابات في العصبة وافقت من حيث المبدأ على فكرة التقسيم ولكنها أوصت بتأجيل إقامة الدولتين وتمديد فترة الانتداب[17].
وفي اجتماع لاحق لمجلس العصبة في أواخر 1937، شن الأعضاء حملة شعواء على تقرير لجنة بيل، على أساس أنه يوصي بإقامة دولة يهودية صغيرة لا تملك أية مقومات وأنه لا بد للدولة اليهودية أن تضم مناطق استراتيجية وتكون قابلة للحياة [18].
غير أن الاتجاه الذي أخذ يقوى في الدوائر السياسية البريطانية في ذلك الحين، هو ضرورة عدم التعامل مع المشكلة الفلسطينية بمفردها، وضرورة إشراك قيادات الدول العربية المجاورة في مناقشة موضوع التقسيم أو أي سياسة بديلة لذلك. ومنذ نوفمبر 1937، في الوقت الذي أخذت فيه الأوضاع الدولية بالتأزم، صدرت عدة مذكرات وبيانات سياسية عن الحكومة البريطانية تؤكد على هذا التوجه، منها مذكرة صادرة عن وزير الخارجية أنطوني إيدن في نوفمبر 1937، جاء فيها بأن السياسة البريطانية المقبلة في فلسطين لا يمكن التعامل معها بمعزل عن الدول العربية المجاورة، "فالبلدان العربية الشرق أوسطية تشكل كلاً عضوياً ومترابطاً بشكل وثيق.. إن أية سياسة لنا في فلسطين ستنعكس آثارها على جميع المنطقة وتؤثر كثيراً في مستقبل علاقاتنا مع قوى الشرق الأوسط وبخاصة العراق ومصر والعربية السعودية وهي دول تسيطر على مواصلاتنا البرية والبحرية إلى الشرق". ويشار إلى أن هذا الرأي قد جعل مجلس الوزراء ينقلب على فكرة التقسيم[19].
ومع استقالة وزير المستعمرات، أورمسبي غور المعروف بانحيازه القوي إلى الصهيونية في عام 1938، ومجيء مالكولم ماكدونلد، الأكثر اعتدالاً وموضوعية إلى وزارة المستعمرات، تعززت التوجهات نحو العرب في الحكومة البريطانية. ولم يتردد ماكدونلد من السفر إلى فلسطين متخفياً للإطلاع بنفسه على حقيقة الوضع فور تسلمه منصبه الجديد. وفي العام نفسه، قام بإرسال لجنة وودهيد إلى فلسطين التي أقرت في تقريرها الصادر في 27/4/1938 بأن التقسيم غير عملي "لأنه يتطلب نقلاً إجبارياً للعرب من الدولة اليهودية[20]، حيث ما لبث أن صدر بيان سياسة جاء فيه: "إن تقرير اللجنة يبين أن التقسيم يتضمن صعوبات جمة.. ولذا فهو غير عملي، لذلك فإن الحكومة ستواصل تحمل مسؤولياتها في فلسطين، وهي مصممة على بذل كل جهودها من أجل تعزيز التفاهم بين العرب واليهود، والدعوة إلى مؤتمر يشارك فيه العرب.. وإذا لم يؤد المؤتمر إلى أي اتفاق خلال فترة معقولة، فإن الحكومة ستتخذ قرارها وتعلن سياستها"[21].
وقد يكون صحيحاً القول بأن الحكومة البريطانية كانت تفكر في الرفض الصهيوني المتوقع لمقترحاتها، حيث أن حضور الدول العربية في المؤتمر كان من شأنه، ليس فقط إرضاء العرب في ظل الوضع الدولي المتوتر، بل كان يمكن له أن يرجح كفة الجانب العربي الفلسطيني، ويعمل في الآن ذاته على تهدئة الفلسطينيين ودفعهم لقبول الأفكار البريطانية الجديدة التي تتطلب موقفاً معتدلاً منهم. غير أنه يبدو واضحاً أن هذا لم يحدث على النحو الذي تصورته الحكومة البريطانية، حيث لم يتمكن العرب من دفع الفلسطينيين إلى قبول الكتاب الأبيض والتعاون مع الحكومة البريطانية على تطبيقه. لذلك تمسكت الحكومة البريطانية بالكتاب الأبيض بعد إعلانه رسمياً، ويستدل على ذلك من القرارات التي اتخذتها بشأن الهجرة والأراضي خلال عامي 1939 ـ 1940. ولم يكن ذلك بعيداً عما لمسته في المواقف العربية غير الفلسطينية من تأييد للكتاب الأبيض. وقد جرى كل ذلك في وقت كانت فيه الحرب العالمية الثانية ما زالت في مراحلها الأولى، وحينما كان الوضع العسكري البريطاني سيئاً.
في أيار 1940 حدث تبدل حكومي بريطاني أتى بونستن تشرشل المؤيد للصهيونية، إلى رئاسة الحكومة. وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من إلغاء سياسة الكتاب الأبيض، فهو قد سعى إلى عرقلتها ومحاولة الالتفاف عليها. فمن جهة، عمد تشرشل في أيار 1941 إلى تغيير الوضع الاستراتيجي العسكري في المنطقة العربية، حيث بعث بقواته إلى العراق فقضى على حركة رشيد عالي الكيلاني ـ الحاج أمين الحسيني وبعد إتمام المهمة وإعادة الوصي على عرش العراق ورئيس وزرائه نوري السعيد إلى لحكم، انطلقت القوات البريطانية في حزيران إلى سورية، فأسقطت حكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا ونصبت مكانها حكومة فرنسا الحرة "الموالية للحلفاء". وبذلك أصبحت بريطانيا مسيطرة سيطرة كاملة على المنطقة العربية الممتدة من العراق حتى مصر، على الرغم من وجود حليفتها الضعيفة فرنسا في سورية ولبنان، ولم تعد هناك تخوفات بريطانية جدية من احتمال قيام أية تحركات عربية مناهضة لها.
في الآن ذاته بدأ تشرشل يفكر في أن إقامة شكل من الوحدة أو الاتحاد العربي المحدود من شأنه أن يقضي على سياسة الكتاب الأبيض ويتيح إقامة حكم ذاتي يهودي مستقل في فلسطين. وكان المشروع المفضل لدى تشرشل في هذا المجال هو مشروع فيلبي.
والجدير بالذكر أن مشروع الكولونيل فيلبي، الذي كان يعمل في الثلاثينيات مستشاراً سياسياً للملك ابن سعود، هو في الأصل فكرة صهيونية طرحها بن غوريون على فيلبي في أواسط الثلاثينيات. ويتلخص مشروع بن غوريون في إقامة اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي عربي برئاسة الملك ابن سعود، فيضم إلى جانب العربية السعودية كلاً من العراق وشرقي الأردن وفلسطين، شرط الاعتراف بأن تكون فلسطين دولة يهودية ضمن الاتحاد، والموافقة على إطلاق الهجرة اليهودية إليها [22]. وقد راقت الفكرة لفليبي الذي أخذ يدرسها ويجري تعديلات عليها حتى أصبحت تعرف بمشروعه، وبخاصة أن فليبي كان يسعي في ذلك الحين إلى إحباط توجهات تي أي لورانس، المعروف بلورانس العرب، الذي كان يعمل هو الآخر على مشروع اتحاد عربي برئاسة أمير شرقي الأردن، الأمير عبد الله، وفي السياق ذاته بالنسبة لفلسطين. وقد يكون بن غريون هو صاحب فكرة هذا المشروع أيضاً.
استهوى مشروع بن غوريون ـ فليبي ونستون تشرشل، ومن غير المستبعد أن سبب ذلك هو أن هذا المشروع إنما يوفر لتشرشل اصطياد ثلاثة عصافير بحجر واحد. فالمشروع في الأساس صهيوني بمعنى أن اليهود يؤيدون اتحاداً عربياً يضمن لهم أقامة حكم ذاتي يهودي في فلسطين. والثاني هو أن تشرشل صاحب النظرة الثاقبة يدرك حجم التطلعات الأمريكية للسيطرة على المنطقة ولو من خلال المشروع الصهيوني، لذلك، فإن الولايات المتحدة ستتعاون مع بريطانيا على إنجاح المشروع. أما السبب الثالث والأهم، فهو السيطرة المباشرة على النفط السعودي من خلال حكومة ذاتية يهودية تشكل جزءاً من الاتحاد. ولا يمكن إغفال أن النفط كان وراء الفكرة الأساسية للمشروع الذي طرحه بن غوريون.
في 19/1941، وفيما كانت القوات البريطانية منهمكة في العراق وتستعد للتوجه إلى سورية، وزع تشرشل مذكرة غير رسمية على أعضاء حكومته، اقترح فيها تشكيل "خلافة" إسلامية يكون الملك ابن سعود هو الخليفة فيها وتضم إلى جانب العربية السعودية كلاً من العراق وشرق الأردن وفلسطين اليهودية ذات الحكم الذاتي[23].ثم أضاف إليها سورية وكذلك جبل لبنان ضمن صيغة حكم ذاتي[24].
غير أن وزارة الخارجية ووزارة المستعمرات وقفتا ضد أفكار تشرشل وتوجهاته، وذلك انطلاقاً من أن العديد من العرب الآخرين وبخاصة الهاشميين في العراق وشرقي الأردن، لن يقبلوا بذلك، حيث ما لبث وزير الخارجية أنطوني إيدن أن تصدى لتلك الأفكار بطريقة غير مباشرة في خطابه الشهير بخطاب مانشن هاوس في 29/5/1941 والذي قال فيه بأن إحداث انقلاب رشيد عالي في العراق "يجب أن لا تؤثر في علاقة بريطانيا بالعرب أو في تضامنها مع قضاياهم"، وبأن بريطانيا لن تتردد في دعم أية وحدة يترقبها العرب أنفسهم"[25]. وكانت هناك قناعه قوية في وزارة الخارجية وفي الاستخبارات البريطانية بضرورة التزام بريطانيا بسياسة الكتاب الأبيض وبأن هذه السياسة "لا تتعارض ولا تنفي إمكانية دعم أي اتحاد يترقبه العرب"[26].
وقد شهدت السنوات الثلاثة اللاحقة مناقشات ومداولات عديدة بشأن السياسة البريطانية في فلسطين والمنطقة العربية ككل، وأصبحت مسألة الوحدة أو الاتحاد العربي ومسألة فلسطين تشكلان مسألة واحدة مترابطة سلباً أو إيجاباً.
فالرأي السائد في الأوساط البريطانية في ذلك الحين كان يتمثل في أن طرح الأفكار حول اتحاد عربي في الوقت الذي لم يتم فيه استكمال تنفيذ الكتاب الأبيض يمكن أن يؤدي إلى تشكك العرب في صدق نوايا بريطانيا، لذلك لابد من استكمال تنفيذ الكتاب قبل التحدث عن أي مشروع عربي[27]. غير أن هذه الآراء كانت تقابلها آراء أخرى بأن تنفيذ الكتاب الأبيض، ثم إقامة وحدة أو اتحاد عربي من شأنه أن يهدد المصالح البريطانية في المنطقة، وذلك إذا فكر العرب في الانقلاب على بريطانيا بعد أن يكونوا قد توحدوا[28]. فقد كانت بريطانيا تفضل عقد معاهدات بريطانية مع كل دولة عربية على حدة. ومع ذلك، فقد كانت هناك قناعه لدى المؤيدين لاستكمال تنفيذ الكتاب الأبيض بصعوبة هذا التنفيذ طالما بقي تشرشل في رئاسة الحكومة[29].
ويبدو أن وجهة النظر الثانية، إلى جانب موقف تشرشل، هي التي أخذت تزداد قوة مع مرور الوقت، وقد تعزز ذلك بفعل التطورات التي شهدتها الحرب العالمية، إذ شكل عام 1943 نقطة تحول في مسار تلك الحرب، حيث أصبح نصر الحلفاء شبه مؤكد بفعل الانتصار البريطاني في معركة العلمين ومعارك البحر المتوسط التي انتهت باستسلام أكثر من 250 ألف جندي ألماني وإيطالي في تونس، إضافة إلى معركة الغواصات في الأطلنطي.
فقد شهد عام 1943 تحركاً عربياً باتجاه بريطانيا لدعم إقامة شكل من الاتحاد العربي، أبرزها تحركات الأمير عبد الله أمير شرقي الأردن وتحركات رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس، ومشروع رئيس الوزراء العراقي المعروف بمشروع الهلال الخصيب أو "استقلال العرب ووحدتهم"، أو الكتاب الأزرق، الذي قدمه للبريطانيين.
ويشكل هذا المشروع الأخير، وكذلك سابقه، نسفاً للكتاب الأبيض واستبداله بحكم ذاتي يهودي في فلسطين في إطار الاتحاد العربي، ولذلك فإن هذين المشروعين لا يختلفان بالنسبة لفلسطين عن مشروع فيلبي، آخذين في الاعتبار أن فكرة الحكم الذاتي اليهودي، إنما كانت تعني الاستقلال شبه الكامل لليهود في فلسطين، وهو شبه استقلال يحمل بذور الدولة المستقلة في أحشائه، بينما كان الكتاب الأبيض ينفي ذلك.
وتشير العديد من الوثائق البريطانية التي تم الإفراج عنها في السنوات اللاحقة إلى أن الدوائر السياسية البريطانية لم تكن في عام 1943 متحمسة على النحو الذي كانت عليه في عام 1939 و1940 لفكرة الاتحاد العربي، بل أن هناك آراء مستندة إلى الوثائق البريطانية، تؤكد أن التصريح الشهير الآخر الذي أدلى به وزير الخارجية أنطوني إيدن في فبراير 1943 الذي أكد فيه أن المبادرة من أجل الوحدة أو الاتحاد العربي "يجب أن تأتي من العرب أنفسهم" إنما كان بمثابة محاولة للتملص من الالتزام بذلك، كما شكل مراهنة على أن العرب أنفسهم لن يتفقوا على تحقيق ذلك نظراً للتنافس المستعر بين الزعامات العربية المختلفة من عراقية وسعودية ومصرية وشرق أردنية. بل إن تياراً قوياً بقي متمسكاً في ذلك الحين بضرورة تنفيذ الجانب الدستوري من الكتاب الأبيض فور انتهاء الحرب.
ففي اجتماع لمجلس الحرب الخاص بالشرق الأوسط عقد في القاهرة في أيار 1943، تم اتخاذ توصيات في مقدمتها التوصية بضرورة عدم الانحراف عن سياسة الكتاب الأبيض في فلسطين، وتوصية بالعمل على تشجيع الدول العربية على البدء بتحقيق اتحاد اقتصادي وثقافي قبل الحديث عن الوحدة السياسة، أما التوصية الثالثة فتدعو الحكومة إلى طرد فرنسا من سورية ولبنان لكي يتم ضمان السيطرة البريطانية التامة على المنطقة[30]. والجدير بالملاحظة أن وزارة الخارجية البريطانية رفضت كل توصيات مجلس الحرب، باستثناء التوصية الخاصة بالكتاب الأبيض[31].
ويمكن الاستنتاج في هذا المجال أن هذا التيار من البريطانيين المؤيدين لسياسة الكتاب الأبيض في عام 1943 لم يكن بعيداً عن التخوف من التأييد المتنامي في الولايات المتحدة للحركة الصهيونية، بكل ما يعنيه ذلك من تحول المشروع الصهيوني إلى أداة لطرد بريطانيا من المنطقة لصالح الولايات المتحدة.
وقد استمرت هذه السياسة خلال عام 1944، حيث يشار في العديد من الوثائق البريطانية إلى أن وزارة الخارجية ووزارة المستعمرات، وكذلك رئيس الوزراء تشرشل بالطبع، لم يدعموا فكرة تأسيس جامعة الدول العربية، وكانت هناك رغبة قوية في تأجيل اجتماع الإسكندرية الذي دعا إليه مصطفى النحاس، رئيس وزراء مصر. غير أن الأوساط البريطانية، وبعد عدم تمكنها من تأجيل الاجتماع، عمدت إلى التدخل في قراراته وفي صياغته ميثاق الجامعة، ودفعه إلى الاعتدال فيها[32].
فعلى الرغم من التأييد القائم للكتاب الأبيض، رفضت بريطانيا إطلاق سراح جمال الحسيني لكي يتمكن من حضور المؤتمر بصفته يتمتع بشرعية التمثيل الفلسطيني. كما تم تحذير الوفود العربية من إثارة أية مشاكل بشأن فلسطين، وأعطيت وعود للوفد السوري بشأن الاستقلال شرط عدم إثارة مثل هذه المشاكل[33].
ويمكن القول بشكل عام أن المواقف البريطانية، وبخاصة منذ عام 1943، قد خضعت لحقيقة تزايد اعتمادها مالياً وعسكرياً على الولايات المتحدة. وفي ظل غياب عصبة الأمم المتحدة، كان لابد لبريطانيا أن تحصل على موافقة الولايات المتحدة على أي قرار بشأن فلسطين.
في عام 1945 سقط ونستون تشرشل وحزب المحافظين، ووصل حزب العمال إلى الحكم. وعلى الرغم من التأييد الكبير في صفوف الحزب المذكور للحركة الصهيونية، فقد ظلت الحكومة ملتزمة على الصعيد الرسمي على أقل تقدير، ليس بسياسة الكتاب الأبيض وإنما بعدم إقامة دولة يهودية في فلسطين. ففي رده على طلب الرئيس الأمريكي ترومان بإدخال مئة ألف لاجئ يهودي إلى فلسطين فوراً، رد رئيس الحكومة البريطانية الجديد، كليمنت أتلي، باقتراح تشكيل لجنة تقصي حقائق أنجلو ـ أمريكية، حيث زارت اللجنة فلسطين وقدمت في 20/4/1946 تقريرها الذي وإن تكن رفضت فيه تقسيم فلسطين، فهي أوصت بإدخال مئة ألف لاجئ يهودي إليها فوراً [34]، ناسفة بذلك أهم أسس الكتاب الأبيض. ومع ذلك فقد قررت الحكومة الجديدة عقد مؤتمر في لندن لمناقشة الوضع، حيث عقد المؤتمر في27/1/1947 واستمر لغاية 14/2/1947 قدم خلالها وزير الخارجية آرنست بيفن مشروعاً يتضمن فرض نظام وصاية بريطانية على فلسطين لمدة خمس سنوات يقام خلالها حكم ذاتي منفصل لكل من العرب واليهود على أسس كانتونية يصار بعدها إلى إقامة دولة فلسطينية اتحادية أو يتم استمرار نظام الوصاية[35]. ويبدو واضحاً أن مشروع بيفن وإن يكن قد التزم بمبدأ إقامة الدولة الفلسطينية الواحدة التي نص عليها الكتاب الأبيض، إلا أنه جرد الكتاب الأبيض من أهم مبدأين من مبادئه، ألا وهما مبدأ وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومبدأ الدولة الديمقراطية حيث اقترح إدخال مائة ألف يهودي على مدى عامين يتم بعدها دراسة الموضوع. وبذا يكون قد رضخ للطلب الأمريكي بهذا الشأن.
كان ذلك آخر نبضة في نبضات السياسة البريطانية الفلسطينية، حيث ما لبثت بريطانيا أن قررت رفع المسألة الفلسطينية إلى الأمم التي شكل قيامها بديلاً لعصبة الأمم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مع انتصار معسكر الحلفاء. وثم انسحبت بريطانيا من فلسطين في 14/5/1948 مخلفة فلسطين لمصيرها المشؤوم. وفي محاولة منها لتأكيد موقفها، فقد رفضت بريطانيا التصويت في 29/11/1947 على مشروع قرار الأغلبية الذي طالب بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. غير أنها كذلك، لم تصوت إلى جانب مشروع قرار الأقلية الذي أوصى بإقامة دولة فلسطينية واحدة على نحو شبيه بسياسة الكتاب الأبيض. وبذلك انطوت صفحة يمكن القول بأنها كانت أهم صفحة في صفحات التاريخ السياسي الفلسطيني، صفحة كان فيها أمل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية أمراً ممكناً .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الكتاب الأبيض ... فصل في السياسات الفلسطينية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المواقف الفلسطينية من الكتاب الأبيض
» المواقف الأمريكية من الكتاب الأبيض
» المواقف العربية من الكتاب الأبيض
» من الوثائق الفلسطينية البرنامج السياسي المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية
» من الوثائق الفلسطينية(النص الحرفي "لإعلان القاهرة" الصادر عن الفصائل الفلسطينية في 17/3/2005)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى فلسطين-
انتقل الى: