ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:45 am

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم 0315_11687be3e0c31
ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم
وهو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام قال تعالى: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا، وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا، ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا}.
وقد ذكره الله تعالى في مواضع كثيرة متفرقة من القرآن. وذكر قصته في مواضع متعددة مبسوطة مطولة وغير مطولة، وقد تكلمنا على ذلك كله في مواضعه من التفسير، وسنورد سيرته ها هنا من ابتدائها إلى آخرها من الكتاب والسنة وما ورد في الآثار المنقولة من الإسرائيليات التي ذكرها السلف وغيرهم إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
قال الله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم، طسم، تلك آيات الكتاب المبين، نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون، إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.
يذكر تعالى ملخص القصة ثم يبسطها بعد هذا فذكر أنه يتلو على نبيه خبر موسى وفرعون بالحق، أي بالصدق الذي كأن سامعه مشاهد للأمر معاين له.
{إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا }، أي تجبر وعتا وطغى وبغى وآثر الحياة الدنيا، وأعرض عن طاعة الرب الأعلى، وجعل أهلها شيعا، أي قسم رعيته إلى أقسام وفرق وأنواع، يستضعف طائفة منهم، وهم شعب بني إسرائيل، الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله، وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض. وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر يستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وأرداها وأدناها ومع هذا {يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين}.
وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه وذلك - والله أعلم - حين كان جرى على سارة امرأة الخليل من ملك مصر من إرادته إياها على السوء وعصمة الله لها. وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل فتحدث بها القبط فيما بينهم ووصلت إلى فرعون فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل حذرا من وجود هذا الغلام ولن يغني حذر من قدر.
وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة أن فرعون رأى في منامه كأن نارا قد أقبلت من نحو بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بني إسرائيل. فلما استيقظ هاله ذلك فجمع الكهنة والحزقة والسحرة وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسوان.
ولهذا قال الله تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} وهم بنو إسرائيل {ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} أي الذين يؤول ملك مصر وبلادها إليهم {ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} أي سنجعل الضعيف قويا والمقهور قادرا والذليل عزيزا، وقد جرى هذا كله لبني إسرائيل كما قال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا} الآية. وقال تعالى: {فأخرجناهم من جنات وعيون، وكنوز ومقام كريم، كذلك وأورثناها بني إسرائيل} وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه إن شاء الله.
والمقصود أن فرعون احترز كل الاحتراز أن لا يوجد موسى، حتى جعل رجالا وقوابل يدورون على الحبالى ويعلمون ميقات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكرا إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته.
وعند أهل الكتاب أنه إنما كان يأمر بقتل الغلمان لتضعف شوكة بني إسرائيل فلا يقاومونهم إذا غالبوهم أو قاتلوهم.
وهذا فيه نظر بل هو باطل، وإنما هذا في الأمر بقتل الولدان بعد بعثة موسى كما قال تعالى: {فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم} ولهذا قالت بنو إسرائيل لموسى {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا}.
فالصحيح أن فرعون إنما أمر بقتل الغلمان أولا حذرا من وجود موسى.
هذا، والقدر يقول: يا أيها ذا الملك الجبار المغرور بكثرة جنوده وسلطة بأسه واتساع سلطانه، قد حكم العظيم الذي لا يغالب ولا يمانع ولا تخالف أقداره، أن هذا المولود الذي تحترز منه، وقد قتلت بسببه من النفوس ما لا يعد ولا يحصى لا يكون مرباه إلا في دارك، وعلى فراشك ولا يغذى إلا بطعامك وشرابك في منزلك، وأنت الذي تتبناه وتربيه وتتفداه، ولا تطلع على سر معناه. ثم يكون هلاكك في دنياك وأخراك على يديه، لمخالفتك ما جاءك به من الحق المبين، وتكذيبك ما أوحى إليه، لتعلم أنت وسائر الخلق أن رب السماوات والأرض هو الفعال لما يريد وأنه هو القوي الشديد ذو البأس العظيم، والحول والقوة والمشيئة التي لا مرد لها.
وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن القبط شكوا إلى فرعون قلة بني إسرائيل بسبب قتل ولدانهم الذكور وخشي أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار فيصيرون هم الذين يلون ما كان بنو إسرائيل يعالجون. فأمر فرعون بقتل الأبناء عاما، وأن يتركوا عاما، فذكروا أن هارون عليه السلام ولد في عام المسامحة عن قتل الأبناء، وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتلهم، فضاقت أمه به ذرعا واحترزت من أول ما حبلت، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحبل. فلما وضعت ألهمت أن تتخذ له تابوتا ربطته في حبل وكانت دارها متاخمة للنيل فكانت ترضعه فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت فأرسلته في البحر وأمسكت طرف الحبل عندها فإذا ذهبوا استرجعته إليها به.
قال الله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين، فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين، وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون}.
هذا الوحي وحي إلهام وإرشاد، كما قال تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا، يخرج من بطونها..} الآية.
وليس هو بوحي نبوة كما زعمه ابن حزم وغير واحد من المتكلمين، بل الصحيح الأول كما حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة.
قال السهيلي: واسم أم موسى "أيارخا"، وقيل "أياذخت". والمقصود أنها أرشدت إلى هذا الذي ذكرناه، وألقي في خلدها وروعها أن لا تخافي ولا تحزني فإنه إن ذهب فإن الله سيرده إليك وأن الله سيجعله نبيا مرسلا يعلي كلمته في الدنيا والآخرة. فكانت تصنع ما أمرت به فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فذهب مع النيل فمر على دار فرعون {فالتقطه آل فرعون}
قال الله تعالى: {ليكون لهم عدوا وحزنا} قال بعضهم، هذه لام العاقبة، وهو ظاهر إن كان متعلقا بقوله فالتقطه. وأما إن جعل متعلقا بمضمون الكلام وهو أن آل فرعون قيضوا لالتقاطه ليكون لهم عدوا وحزنا صارت اللام معللة كغيرها والله أعلم. ويقوي هذا التقدير الثاني قوله {إن فرعون وهامان } وهو الوزير السوء {وجنودهما} المتابعين لهما {كانوا خاطئين} أي كانوا على خلاف الصواب فاستحقوا هذه العقوبة والحسرة.
وذكر المفسرون أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه فلم يتجاسرون على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف. وقيل إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى. وقيل: بل كانت عمته. حكاه السهيلي فالله أعلم.
وسيأتي مدحها والثناء عليها في قصة مريم بنت عمران وأنهما يكونان يوم القيامة من أزواج رسول الله في الجنة.
فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية والجلالة الموسوية، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديدا جدا. فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودفعت عنه {وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك} فقال لها فرعون: أما لك فنعم وأما لي فلا، أي لا حاجة لي به. والبلاء موكل بالمنطق وقولها: {عسى أن ينفعنا} وقد أنالها الله ما رجت من النفع. أما في الدنيا فهداها الله به، وأما في الآخرة فأسكنها جنته بسببه {أو نتخذه ولدا} وذلك أنهما تبنياه، لأنه لم يكن يولد لهما ولد. قال تعالى: {وهم لا يشعرون} أي لا يدرون ماذا يريد الله بهم حين قيضهم لالتقاطه من النقمة العظيمة بفرعون وجنوده؟
وعند أهل الكتاب: أن التي التقطت موسى (دربتة) ابنة فرعون، وليس لامرأته ذكر بالكلية، وهذا من غلطهم على كتاب الله عز وجل.
وقال الله تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين، وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون، وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون}.
قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم، {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} أي من كل شيء من أمور الدنيا، إلا من موسى {إن كادت لتبدي به} أي لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة {لولا أن ربطنا على قلبها} أي صبرناها وثبتناها {لتكون من المؤمنين، وقالت لأخته} وهي ابنتها الكبيرة،{قصيه}، أي اتبعي أثره واطلبي لي خبره {فبصرت به عن جنب} قال مجاهد عن بعد. وقال قتادة: جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده. ولهذا قال {وهم لا يشعرون} وذلك لأن موسى عليه السلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة، فلم يقبل ثديا ولا أخذ طعاما، فحاروا في أمره واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن فلم يفعل. كما قال تعالى {وحرمنا عليه المراضع من قبل} فأرسلوه مع القوابل والنساء إلى السوق لعلهم يجدون من يوافق رضاعته، فبينما هم وقوف به والناس عكوف عليه إذ بصرت به أخته فلم تظهر أنها تعرفه بل قالت: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون}. قال ابن عباس: لما قالت ذلك قالوا لها: ما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه؟ فقالت: رغبة في سرور الملك، ورجاء منفعته.
فأطلقوها وذهبوا معها إلى منزلهم، فأخذته أمه، فلما أرضعته التقم ثديها، وأخذ يمتصه ويرتضعه، ففرحوا بذلك فرحا شديدا، وذهب البشير إلى {آسية} يعلمها بذلك، فاستدعتها إلى منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها، وان تحسن إليها فأبت عليها، وقالت إن لي بعلا وأولادا، ولست أقدر على هذا، إلا أن ترسليه معي، فأرسلته معها ورتبت لها رواتب، وأجرت عليها النفقات والكساوي والهبات، فرجعت به تحوزه إلى رحلها، وقد جمع الله شمله بشملها.
قال الله تعالى: {فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق} أي كما وعدناها برده ورسالته، فهذا رده، وهو دليل على صدق البشارة برسالته {ولكن أكثرهم لا يعلمون}.
وقد امتن الله على موسى بهذا ليلة كلمه، فقال له فيما قال: {مننا عليك مرة أخرى، إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى، أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني} وذلك أنه كان لا يراه أحد إلا أحبه {ولتصنع على عيني} قال قتادة وغير واحد من السلف: أي تطعم وترفه وتغذى بأطيب المآكل، وتلبس أحسن الملابس بمرأى مني وذلك كله بحفظي وكلائتي لك فيما صنعت بك ولك وقدرته من الأمور التي لا يقدر عليها غيري {إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا}. وسنورد حديث الفتون في موضعه بعد هذا إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان.
{ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين، ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين، قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم، قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين}.
لما ذكر تعالى أنه أنعم على أمه برده لها وإحسانه بذلك وامتنانه عليها شرع في ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى وهو احتكام الخلق والخلق وهو سن الأربعين في قول الأكثرين آتاه الله حكما وعلما وهو النبوة والرسالة التي كان بشر بها أمه حين قال {إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين}.
ثم شرع في ذكر سبب خروجه من بلاد مصر وذهابه إلى أرض مدين وإقامته هنالك، حتى كمل الأجل وانقضى الأمد، وكان ما كان من كلام الله له وإكرامه بما أكرمه به كما سيأتي.
قال تعالى: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي، وذلك نصف النهار. وعن ابن عباس بين العشائين.
{فوجد فيها رجلين يقتتلان} أي يتضاربان ويتهاوشان {هذا من شيعته} أي إسرائيلي {وهذا من عدوه} أي قبطي. قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق.
{فإستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه}، وذلك أن موسى عليه السلام كانت له بديار مصر صولة بسبب نسبته إلى تبني فرعون له وتربيته في بيته وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة وارتفعت رؤوسهم بسبب أنهم أرضعوه وهم أخواله أي من الرضاعة فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى عليه السلام على ذلك القبطي أقبل إليه موسى {فوكزه}. قال مجاهد: أي طعنة بجمع كفه. وقال قتادة بعصا كانت معه {فقضى عليه} أي فمات منها.
وقد كان ذلك القبطي كافرا مشركا بالله العظيم ولم يرد موسى قتله بالكلية وإنما أزاد زجره وردعه ومع هذا {قال} موسى {هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين، قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم، قال رب بما أنعمت علي} أي من العز والجاه { فلن أكون ظهيرا للمجرمين}.
{فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين، فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين، وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين، فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين}.
يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفا - أي من فرعون وملئه - أن يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل فتقوى ظنونهم أن موسى منهم ويترتب على ذلك أمر عظيم.
فصار يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم {خائفا يترقب} أي يلتفت فبينما هو كذلك إذا ذلك الرجل الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس يستصرخه أي يصرخ به ويستغيثه على آخر قد قاتله، فعنفه موسى ولامه على كثرة شره ومخاصمته، قال له: {إنك لغوي مبين}.
ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي فيردعه عنه ويخلصه منه فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي {قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين}.
قال بعضهم إنما قال هذا الكلام الإسرائيلي الذي اطلع على ما كان صنع موسى بالأمس، وكأنه لما رأى موسى مقبلا إلى القبطي اعتقد أنه جاء إليه لما عنفه قبل ذلك بقوله {إنك لغوي مبين}، فقال ما قال لموسى وأظهر الأمر الذي كان وقع بالأمس، فذهب القبطي فاستعدى موسى إلى فرعون. وهذا الذي لم يذكر كثير من الناس سواه. ويحتمل أن قائل هذا هو القبطي. وأنه لما رآه مقبلا إليه خافه ورأى من سجيته جيدا للإسرائيلي، فقال ما قال من باب الظن والفراسة، إن هذا لعله قاتل ذاك القتيل بالأمس أو لعله فهم من كلام الإسرائيلي حين أستصرخه عليه ما دله على هذا والله أعلم.
والمقصود أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس فأرسل في طلبه وسبقهم رجل ناصح من طريق أقرب {وجاء رجل من أقصى المدينة} ساعيا إليه مشفقا عليه فقال {يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج} أي من هذه البلدة {إني لك من الناصحين} أي فيما أقوله لك.
قال الله تعالى {فخرج منها خائفا يترقب} أي فخرج من مدينة مصر من فوره على وجهه لا يهتدي إلى طريق ولا يعرفه قائلا {رب نجني من القوم الظالمين، ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل، ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}.
يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفا يترقب أي يتلفت خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون وهو لا يدري أين يتوجه، ولا إلى أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها.
{ولما توجه تلقاء مدين} أي اتجه له طريق يذهب فيه {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}. أي عسى أن تكون هذه الطريق موصلة إلى المقصود. وكذا وقع، فقد أوصلته إلى المقصود، وأي مقصود.
{ولما ورد ماء مدين} وكانت بئرا يستقون منها. ومدين هي المدينة التي أهلك الله فيها أصحاب الأيكة وهم قوم شعيب عليه السلام. وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى عليه السلام في أحد قولي العلماء.
ولما ورد الماء المذكور {وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان} أي تكفكفان عنهما غنمهما أن تختلط بغنم الناس.
وعند أهل الكتاب أنهن كن سبع بنات. وهذا أيضا من الغلط ولعلهن كن سبعا ولكن إنما كان تسقى اثنتان منهن. وهذا الجمع ممكن أن كان ذاك محفوظا، وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى بنتين {قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير} أي لا نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور الرعاء لضعفنا وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره قال الله تعالى {فسقى لهما}.
قال المفسرون: وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتجئ هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس، فلما كان ذلك اليوم جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده. ثم استقى لهما وسقى غنمهما ثم رد الحجر. كما كان. قال أمير المؤمنين عمر وكان لا يرفعه إلا عشرة وإنما استقى ذنوبا واحدا فكفاهما.
ثم تولى إلى الظل. قالوا: وكان ظل شجرة من السمر. وروى ابن جرير عن ابن مسعود أنه رآها خضراء ترف {فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}.
قال ابن عباس: سار من مصر إلى مدين لم يأكل إلا البقل وورق الشجر وكان حافيا فسقطت نعلا قدميه من الحفاء، وجلس في الظل - وهو صفوة الله من خلقه - وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وأنه لمحتاج إلى شق تمرة.
قال عطاء بن السائب لما قال: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} أسمع المرأة.
{فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين، قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثمانية حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين، قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل}.
لما جلس موسى عليه السلام في الظل وقال {فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} سمعته المرأتان فيما قيل فذهبتا إلى أبيهما فيقال إنه استنكر سرعة رجوعهما؛ فأخبرتاه بما كان من أمر موسى عليه السلام، فأمر إحداهما أن تذهب إليه فتدعوه، {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء}، أي مشى الحرائر، {قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا}. صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة. وهذا من تمام حيائها وصيانتها، {فلما جاءه وقص عليه القصص} وأخبره خبره، وما كان من أمره في خروجه من بلاد مصر فرارا من فرعونها {قال} له ذلك الشيخ {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} أي خرجت من سلطانهم فلست في دولتهم.
وقد اختلفوا في هذا الشيخ من هو؟ فقيل هو شعيب عليه السلام. وهذا هو المشهور عند كثيرين وممن نص عليه: الحسن البصري ومالك بن أنس. وجاء مصرحا به في حديث ولكن في إسناده نظر.
وصرح طائفة بأن شعيبا عليه السلام عاش عمرا طويلا بعد هلاك قومه حتى أدركه موسى عليه السلام، وتزوج بابنته.
وروى ابن أبي حاتم وغيره عن الحسن البصري: أن صاحب موسى عليه السلام هذا اسمه شعيب، وكان سيد الماء، ولكن ليس بالنبي صاحب مدين. وقيل: إنه ابن أخي شعيب. وقيل ابن عمه. وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب. وقيل رجل اسمه "يثرون"، هكذا هو في كتب أهل الكتاب: يثرون كاهن مدين. أي كبيرها وعالمها.
وقال ابن عباس وأبو عبيدة بن عبد الله اسمه يثرون. زاد أبو عبيدة وهو ابن أخي شعيب. وزاد ابن عباس صاحب مدين.
والمقصود أنه لما أضافه واكرم مثواه وقص عليه ما كان أمره بشره بأنه قد نجا، فعند ذلك قالت إحدى البنتين لأبيها {يا أبت استأجره} أي لرعي غنمك، ثم مدحته بأنه قوي أمين.
قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد: لما قالت ذلك قال لها أبوها وما علمك بهذا؟ فقالت إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة. وأنه لما جئت معه تقدمت أمامه فقال كوني من ورائي فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق.
قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة . صاحب يوسف حين قال لامرأته {أكرمي مثواه}، وصاحبة موسى حين قالت {أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}، وأبو بكر حين استخلف عمر بن الخطاب {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثمانية حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين}.
استدل بهذا جماعة من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله على صحة ما إذا باعه أحد هذين العبدين أو الثوبين ونحو ذلك أنه يصح لقوله {إحدى ابنتي هاتين}.
وفي هذا نظر لأن هذه مراوضة لا معاقدة والله أعلم.
واستدل أصحاب أحمد على صحة الاستئجار بالطعمة والكسوة كما جرت به العادة وأستأنسوا بالحديث الذي رواه ابن ماجة في سننه مترجما عليه كتابه "باب استئجار الأجير على طعام بطنه" حدثنا محمد بن المصفى الحمصي، حدثنا بقية بن الوليد، عن مسلمة بن علي، عن سعيد بن أبي أيوب، عن الحارث بن يزيد، عن علي بن رباح قال: سمعت عتبة بن الندر يقول: كنا عند رسول الله فقرأ طسم حتى إذا بلغ قصة موسى قال: "إن موسى عليه السلام آجر نفسه ثماني سنين أو عشرة سنين على عفة فرجه وطعام بطنه".
وهذا الحديث من هذا الوجه لا يصح، لأن مسلمة بن علي الحسني الدمشقي البلاطي ضعيف عند الأئمة لا يحتج بتفرده ولكن قد روى من وجه آخر فقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكر، حدثني ابن لهيعة. ح وحدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان حدثنا الوليد، حدثنا عبد الله بن لهيعة، عن الحارث بن يزيد الخضرمي، عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن الندر السلمي صاحب رسول الله يحدث أن رسول الله قال: "إن موسى عليه السلام آجر نفسه لعفة فرجه وطعمة بطنه".
ثم قال تعالى: {ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل} يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت فأيهما قضيت فلا عدوان علي، والله على مقالتنا سامع وشاهد، ووكيل علي وعليك. ومع هذا فلم يقض موسى إلا أكمل الأجلين، وأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة.
قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال سألني يهودي من أهل الحيرة: أي الأجلين قضى موسى فقلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله، فقدمت فسألت ابن عباس؟ فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال فعل. تفرد به البخاري من هذا الوجه، وقد رواه النسائي في حديث الفتون، كما سيأتي، من طريق القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير به.
وقد رواه ابن جرير، عن أحمد بن محمد الطوسي، وابن أبي حاتم عن أبيه، كلاهما عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، حدثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله قال: "سألت جبريل: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أتمهما وأكملهما".
وإبراهيم هذا غير معروف إلا بهذا الحديث. وقد رواه البزار عن أحمد بن أبان القرشي، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن أعين، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي فذكره.
وقد رواه سنيد عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مرسلا: أن رسول الله سأل عن ذلك جبريل؟ فسأل جبريل إسرافيل؟ فسأل إسرافيل الرب عز وجل؟ فقال: "أبرهما وأوفاهما".
وبنحوه رواه ابن أبي حاتم من حديث يوسف بن سرج مرسلا.
ورواه ابن جرير من طريق محمد بن كعب أن رسول الله سئل أي الأجلين قضى موسى؟ قال: "أوفاهما وأتمهما".
وقد رواه البزار وابن أبي حاتم من حديث عويد بن أبي عمران الجوني - وهو ضعيف - عن أبيه عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر أن رسول الله سئل: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: "أوفاهما وأبرهما". قال "وإن سئلت أي المرأتين تزوج؟ فقل: الصغرى منهما".
وقد رواه البزار وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن لهيعة، عن الحارث بن يزيد الخضرمي، عن علي بن رباح، عن عتبة بن الندر، أن رسول الله قال: "إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه وطعام بطنه". فلما وفى الأجل، قيل: يا رسول الله أي الأجلين؟ قال: "أبرهما وأوفاهما".
فلما أراد فراق شعيب، - سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت من غنمه من قالب لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه سوداء حسانا فانطلق موسى عليه السلام إلى عصا قسمها من طرفها، ثم وضعها في أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها، ووقف موسى عليه السلام بإزاء الحوض فلم يصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة قال "فأتأت وألبنت" ووضعت كلها قوالب ألوان، إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش، ولا ضبوب، ولا عزوز، ولا ثعول، ولا كموش تفوت الكف، قال النبي "لو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية".
قال ابن لهيعة: "الفشوش: واسعة الشخب، والضبوب: طويلة الضرع تجره، والعزوز. ضيقة الشخب، والثعول: الصغيرة الضرع كالحلمتين، والكموش: التي لا يحكم الكف على ضرعها لصغره".
وفي صحة رفع هذا الحديث نظر. وقد يكون موقوفا، كما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك قال: لما دعا نبي الله موسى صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما قال له صاحبه: كل شاة ولدت على لونها فلك ولدها. فعمد موسى فوضع حبالا على الماء فلما رأت الحبال فزعت فجالت جولة، فولدن كلهن بلقا إلا شاة واحدة فذهب بأولادهن كلهن ذلك العام. وهذا إسناد جيد رجاله ثقات، والله أعلم.
وقد تقدم عن نقل أهل الكتاب عن يعقوب عليه السلام حين فارق خاله لابان أنه أطلق له ما يولد من غنمه بلقا ففعل نحو ما ذكر عن موسى عليه السلام فالله أعلم.
قال الله تعالى {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون، فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين، اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين}.
تقدم أن موسى قضى أتم الأجلين وأكملهما وقد يؤخذ هذا من قوله {فلما قضى موسى الأجل} وعن مجاهد أنه أكمل عشرا وعشرا بعدها.
وقوله: {وسار بأهله} أي من عند صهره ذاهبا فيما ذكره غير واحد من المفسرين وغيرهم أنه اشتاق إلى أهله فقصد زيارتهم ببلاد مصر في صورة مختف، فلما سار بأهله ومعه ولدان منهم، وغنم قد استفادها مدة مقامه.
قالوا: واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلى السلوك في الدرب المألوف، وجعل يوري زناده فلا يرى شيئا، واشتد الظلام والبرد.
فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد نارا تأجج في جانب الطور - وهو الجبل الغربي منه عن يمينه - فـ {قال لأهله امكثوا إني آنست نارا}، وكأنه والله أعلم رآها دونهم، لأن هذه النار هي نور في الحقيقة، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد {لعلي آتيكم منها بخبر} أي لعلي أستعلم من عندها عن الطريق {أو جذوة من النار لعلكم تصطلون} فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة لقوله في الآية الأخرى {وهل أتاك حديث موسى، إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى} فدل على وجود الظلام وكونهم تاهوا عن الطريق وجمع الكل في سورة النمل في قوله {إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون}. وقد أتاهم منها بخبر، وأي خبر ووجد عندها هدى، وأي هدى واقتبس منها نورا، وأي نور.
قال الله تعالى: {فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين}.
وقال في النمل {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} أي سبحان الله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد {يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:46 am


وقال في سورة طه {فلما أتاها نودي يا موسى، إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى، وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى، إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري، إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى}.
قال غير واحد من المفسرين من السلف والخلف: لما قصد موسى إلى تلك النار التي رآها فانتهى إليها وجدها تأجج في شجرة خضراء من العوسج، وكل ما لتلك النار في اضطرام وكل ما لخضرة تلك الشجرة في ازدياد، فوقف متعجبا، وكانت تلك الشجرة في لحف جبل غربي منه عن يمينه، كما قال تعالى: {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين} وكان موسى في واد اسمه "طوى" فكان موسى مستقبل القبلة، وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية الغرب {إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى} فأمر أولا بخلع نعليه تعظيما وتكريما وتوقيرا لتلك البقعة المباركة ولاسيما في تلك الليلة المباركة.
وعند أهل الكتاب أنه وضع يده على وجهه من شدة ذلك النور مهابة له وخوفا على بصره.
ثم خاطبه تعالى كما يشاء قائلا له: {إني أنا الله رب العالمين} {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} أي أنا رب العالمين الذي لا إله إلا هو الذي لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلا له.
ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار وإنما الدار الباقية يوم القيامة التي لابد من كونها ووجودها {لتجزى كل نفس بما تسعى} أي من خير وشر. وحضه وحثه على العمل لها ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى مولاه واتبع هواه. ثم قال له مخاطبا ومؤانسا ومبينا له أنه القادر على كل شيء، والذي يقول للشيء كن فيكون. {وما تلك بيمينك يا موسى} أي أما هذه عصاك التي تعرفها منذ صحبتها؟ {قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى} أي بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها. {قال ألقها يا موسى، فألقاها فإذا هي حية تسعى}.
وهذا خارق عظيم وبرهان قاطع على أن الذي يكلمه هو الذي يقول للشيء: كن فيكون وأنه الفعال بالاختيار.
وعند أهل الكتاب: أنه سأل برهانا صادقا على صدقه عند من يكذبه من أهل مصر، فقال له الرب عز وجل ما هذه التي في يدك؟ قال: عصاي، قال ألقها إلى الأرض {فألقاها فإذا هي حية تسعى} فهرب موسى من قدامها، فأمره الرب عز وجل أن يبسط يده ويأخذها بذنبها، فلما استمكن منها ارتدت عصا في يده.
وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى: {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب} أي قد صارت حية عظيمة لها ضخامة هائلة وأنياب تصك وهي مع ذلك في سرعة حركة الجان وهو ضرب من الحيات يقال الجان والجنان وهو لطيف، ولكن سريع الاضطراب والحركة جدا، فهذه جمعت الضخامة والسرعة الشديدة، فلما عاينها موسى عليه السلام {ولى مدبرا} أي هاربا منها لأن طبيعته البشرية تقتضي ذلك {ولم يعقب} أي ولم يتلفت، فناداه ربه قائلا له: {يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين}.
فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها. {قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى}. فيقال إنه هابها شديدا، فوضع يده في كم مدرعته ثم وضع يده في وسط فمها. وعند أهل الكتاب أمسك بذنبها، فلما استمكن منها، إذا هي قد عادت كما كانت عصا ذات شعبتين، فسبحان القدير العظيم رب المشرقين والمغربين!
ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه. ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر بياضا من غير سوء، أي من غير برص ولا بهق. ولهذا قال: {اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب} قيل: معناه: إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك. وهذا وإن كان خاصا به إلا أن بركة الإيمان به حق بأن ينفع من استعمل ذلك على وجه الاقتداء بالأنبياء.
وقال في سورة النمل: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين} أي هاتان الآيتان وهما العصا واليد وهما البرهانان المشار إليهما في قوله {فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين} ومع ذلك سبع آيات أخر فذلك تسع آيات بينات وهي المذكورة في آخر سورة سبحان حيث يقول تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا، قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا}.
وهي المبسوطة في سورة الأعراف في قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون، فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون، وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين، فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين} كما سيأتي الكلام على ذلك في موضعه.
وهذه التسع آيات غير العشر الكلمات، فإن التسع من كلمات الله القدرية والعشر من كلماته الشرعية، وإنما نبهنا على هذا لأنه قد اشتبه أمرها على بعض الرواه فظن أن هذه هي هذه كما قررنا ذلك في تفسير آخر سورة بني إسرائيل.
والمقصود أن الله سبحانه لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون {قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلوني، وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبوني، قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون}.
يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وكليمه موسى عليه السلام في جوابه لربه عز وجل حين أمره بالذهاب إلى عدوه الذي خرج من ديار مصر فرارا من سطوته وظلمه حين كان من أمره ما كان في قتل ذلك القبطي ولهذا {قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلوني، وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبوني}. أي اجعله معي معينا وردءا ووزيرا يساعدني ويعينني على أداء رسالتك إليهم فإنه أفصح مني لسانا وأبلغ بيانا.
قال الله تعالى مجيبا له إلى سؤاله {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا} أي برهانا {فلا يصلون إليكما} أي فلا ينالون منكما مكروها بسبب قيامكما بآياتنا. وقيل ببركة آياتنا {أنتما ومن اتبعكما الغالبون}.
وقال في سورة طه {اذهب إلى فرعون إنه طغى، قال رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي} قيل إنه أصابه في لسانه لثغة بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه والتي كان فرعون أراد اختبار عقله حين أخذ بلحيته وهو صغير، فهم بقتله فخافت عليه آسية، وقالت: إنه طفل فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه، فهم بأخذ التمرة فصرف الملك يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها على لسانه فأصابه لثغة بسببها، فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله، ولم يسأل زوالها بالكلية.
قال الحسن البصري: والرسل إنما يسألون بحسب الحاجة. ولهذا بقيت في لسانه بقية.
ولهذا قال فرعون قبحه الله فيما زعم إنه يعيب به الكليم: {ولا يكاد يبين} أي يفصح عن مراده ويعبر عما في ضميره وفؤاده.
ثم قال موسى عليه السلام {واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا، قال قد أوتيت سؤلك يا موسى}.
أي قد أجبناك إلى جميع ما سألت وأعطيناك الذي طلبت وهذا من وجاهته عند ربه عز وجل حين شفع أن يوحى الله إلى أخيه فأوحى إليه وهذا جاه عظيم قال الله تعالى: {وكان عند الله وجيها}.
وقال تعالى: {ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا}.
وقد سمعت أم المؤمنين عائشة رجلا يقول لأناس وهم سائرون في طريق الحج: أي أخ أمن على أخيه؟ فسكت القوم، فقالت عائشة لمن حول هودجها: هو موسى بن عمران حين شفع في أخيه هارون فأوحى إليه. قال الله تعالى: {ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا}.
وقال تعالى في سورة الشعراء: {وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين، قوم فرعون ألا يتقون، قال رب إني أخاف أن يكذبوني، ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون، ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلوني، قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون، فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين، أن أرسل معنا بني إسرائيل، قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين، وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين}.
تقدير الكلام: فأتياه فقالا له ذلك، وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وأن يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته، ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاؤا ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه.
فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى ونظر إلى موسى بعين الازدراء والتنقص قائلا له: { ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين} أي أما أنت الذي ربيناه في منزلنا وأحسنا إليه وأنعمنا عليه مدة من الدهر؟
وهذا يدل على أن فرعون الذي بعث إليه هو الذي فر منه خلافا لما عند أهل الكتاب من أن فرعون الذي فر منه مات في مدة مقامه بمدين، وأن الذي بعث إليه فرعون آخر.
وقوله: {وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} أي وقتلت الرجل القبطي وفررت منا وجحدت نعمتنا.
{قال فعلتها إذا وأنا من الضالين} أي قبل أن يوحى إلي وينزل علي، {ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين} ثم قال مجيبا لفرعون عما امتن به من التربية والاحسان إليه {وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل} أي وهذه النعمة التي ذكرت من أنك أحسنت إلي وأنا رجل واحد من بني إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله واستعبدتهم في أعمالك وخدمتك وأشغالك.
{قال فرعون وما رب العالمين، قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين، قال لمن حوله ألا تستمعون، قال ربكم ورب آبائكم الأولين، قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون، قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون}.
يذكر تعالى ما كان بين فرعون وموسى من المقاولة والمحاجة والمناظرة، وما أقامه الكليم على فرعون اللئيم من الحجة العقلية المعنوية ثم الحسية.
وذلك أن فرعون - قبحه الله - أظهر جحد الصانع تبارك وتعالى، وزعم أنه الإله {فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى} {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري}.
وهو في هذه المقالة معاند يعلم أنه عبد مربوب، وأن الله هو الخالق البارئ المصور الاله الحق كما قال تعالى {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}.
ولهذا قال لموسى عليه السلام على سبيل الإنكار لرسالته والإظهار أنه ما ثم رب أرسله {وما رب العالمين} لأنهما قالا له {إنا رسول رب العالمين} فكأنه يقول لهما: ومن رب العالمين الذي تزعمان أنه أرسلكما وابتعثكما؟.
فأجابه موسى قائلا: {رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} يعني رب العالمين خالق هذه السماوات والأرض المشاهدة وما بينهما من المخلوقات المتعددة من السحاب والرياح والمطر والنبات والحيوانات التي يعلم كل موقن أنها لم تحدث بأنفسها ولابد لها من موجد ومحدث وخالق. وهو الله الذي لا إله إلا هو رب العالمين.
{قال} أي فرعون {لمن حوله} من أمرائه ومرازبته ووزرائه على سبيل التهكم والتنقص لما قرره موسى عليه السلام {ألا تستمعون}؟ يعني كلامه هذا.
{قال} موسى مخاطبا له ولهم: {ربكم ورب آبائكم الأولين} أي هو الذي خلقكم والذين من قبلكم من الآباء والأجداد والقرون السالفة في الآباد فإن كل أحد يعلم أنه لم يخلق نفسه ولا أبوه ولا أمه ولا يحدث من غير محدث، وإنما أوجده وخلقه رب العالمين. وهذان المقامان هما المذكوران في قوله تعالى {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}.
ومع هذا كله لم يستفق فرعون من رقدته ولا نزع عن ضلالته، بل استمر على طغيانه وعناده وكفرانه: {قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون، قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} أي هو المسخر لهذه الكواكب الزاهرة. المسير للأفلاك الدائرة. خالق الظلام والضياء. ورب الأرض والسماء رب الأولين والآخرين خالق الشمس والقمر والكواكب السائرة والثوابت الحائرة، خالق الليل بظلامه والنهار بضيائه، والكل تحت قهره وتسخيره وتسييره سائرون، وفي فلك يسبحون، يتعاقبون في سائر الأوقات ويدورون، فهو تعالى الخالق المالك المتصرف في خلقه بما يشاء.
فلما قامت الحجج على فرعون وانقطعت شبهته ولم يبق له قول سوى العناد عدل إلى استعمال سلطانه وجاهه وسطوته: {قال لئن اتخذت إله غيري لأجعلنك من المسجونين، قال أولو جئتك بشيء مبين، قال فأت به إن كنت من الصادقين، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين}.
وهذان هما البرهانان اللذان أيده الله بهما وهما العصا واليد. وذلك مقام أظهر فيه الخارق العظيم الذي بهر به العقول والأبصار حين ألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين. أي عظيم الشكل بديع في الضخامة والهول، والمنظر العظيم الفظيع الباهر، حتى قيل: إن فرعون لما شاهد ذلك وعاينه أخذه رهب شديد وخوف عظيم بحيث أنه حصل له إسهال عظيم أكثر من أربعين مرة في يوم، وكان قبل ذلك لا يتبرز في كل أربعين يوما إلا مرة واحدة فانعكس عليه الحال.
وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها أخرجها وهي كفلقة القمر تتلألأ نورا تبهر الأبصار فإذا أعادها إلى جيبه رجعت إلى صفتها الأولى.
ومع هذا كله لم ينتفع فرعون - لعنه الله - بشيء من ذلك بل استمر على ما هو عليه، وأظهر أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة فأرسل يجمعهم من سائر مملكته، ومن هم في رعيته وتحت قهره ودولته، كما سيأتي، بسطه وبيانه في موضعه من إظهار الله الحق المبين والحجة الباهرة القاطعة على فرعون وملئه وأهل دولته وملته ولله الحمد والمنة.
وقال تعالى في سورة طه: {فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى، واصطنعتك لنفسي، اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري، اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى، قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى}.
يقول تعالى مخاطبا لموسى فيما كلمه به ليلة أوحى إليه وأنعم بالنبوة عليه وكلمه منه إليه قد كنت شاهدا لك وأنت في دار فرعون وأنت تحت كنفي وحفظي ولطفي ثم أخرجتك من أرض مصر إلى أرض مدين بمشيئتي وقدرتي وتدبيري فلبثت فيها سنين {ثم جئت على قدر} أي مني لذلك فيرافق ذلك تقديري وتسييري {واصطنعتك لنفسي} أي اصطفيتك لنفسي برسالتي وبكلامي.
{اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري} يعني ولا تفترا في ذكري إذ قدمتما عليه ووفدتما إليه فإن ذلك عون لكما على مخاطبته ومجاوبته وأداء النصيحة إليه وإقامة الحجة عليه.
وقد جاء في بعض الأحاديث يقول الله تعالى: "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه" وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا} ثم قال تعالى: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} وهذا من حلمه تعالى وكرمه ورأفته ورحمته بخلقه مع علمه بكفر فرعون وعتوه وتجبره، وهو إذ ذاك أردأ خلقه، وقد بعث إليه صفوته من خلقه في ذلك الزمان ومع هذا يقول لهما ويأمرهما أن يدعواه إليه بالتي هي أحسن برفق ولين ويعاملاه بألطف معاملة من يرجو أن يتذكر أو يخشى.
كما قال لرسوله {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} وقال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} قال الحسن البصري: {فقولا له قولا لينا} أعذرا إليه قولا له أن لك ربا ولنا معادا، وإن بين يديك جنة ونارا.
وقال وهب بن منبه: قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة. قال يزيد الرقاشي عند هذه الآية: يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؟!
{قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى} وذلك أن فرعون كان جبارا عنيدا وشيطانا مريدا له سلطان في بلاد مصر طويل عريض وجاه وجنود وعساكر وسطوة فهاباه من حيث البشرية وخافا أن يسطو عليهما في بادئ الأمر فثبتهما تعالى وهو العلي الأعلى فقال: {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} كما قال في الآية الأخرى{إنا معكم مستمعون}.
{فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى، إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} يذكر تعالى أنه أمرهما أن يذهبا إلى فرعون فيدعواه إلى الله تعالى أن يعبده وحده لا شريك له وأن يرسل معهما بني إسرائيل ويطلقهم من أسره وقهره ولا يعذبهم {قد جئناك بآية من ربك} وهو البرهان العظيم في العصا واليد {والسلام على من اتبع الهدى} تقييد مفيد بليغ عظيم. ثم تهدداه وتوعداه على التكذيب فقالا: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} أي كذب بالحق بقلبه وتولى عن العمل بقالبه.
وقد ذكر السدي وغيره: أنه لما قدم من بلاد مدين دخل على أمه وأخيه هارون وهما يتعشيان من طعام فيه "الطفشيل"، وهو اللفت فأكل معهما، ثم قال: يا هرون إن الله أمرني وأمرك أن ندعو فرعون إلى عبادته فقم معي، فقاما يقصدان باب فرعون، فإذا هو مغلق، فقال موسى للبوابين والحجبة أعلموه أن رسول الله بالباب، فجعلوا يسخرون منه ويستهزؤن به. وقد زعم بعضهم أنه لم يؤذن لهما عليه إلا بعد حين طويل.
وقال محمد بن إسحاق: أذن لهما بعد سنتين، لأنه لم يك أحد يتجاسر على الاستئذان لهما فالله أعلم ويقال: إن موسى تقدم إلى الباب، فطرقه بعصاه فانزعج فرعون، وأمر باحضارهما فوقفا بين يديه فدعواه إلى الله عز وجل كما أمرهما.
وعند أهل الكتاب أن الله قال لموسى عليه السلام: إن هارون اللاوي - يعني من نسل لاوى بن يعقوب - سيخرج ويتلقاك، وأمره أن يأخذ معه مشايخ بني إسرائيل إلى عند فرعون، وأمره أن يظهر ما أتاه من الآيات وقال له إني سأقسي قلبه فلا يرسل الشعب، وأكثر آياتي وأعاجيبي بأرض مصر. وأوحى الله إلى هرون أن يخرج إلى أخيه يتلقاه بالبرية عند جبل حوريب، فلما تلقاه أخبره موسى بما أمره به ربه. فلما دخلا مصر جمعا شيوخ بني إسرائيل وذهبا إلى فرعون، فلما بلغاه رسالة الله، قال: من هو الله، لا أعرفه، ولا أرسل بني إسرائيل.
وقال الله مخبرا عن فرعون: {قال فمن ربكما ياموسى، قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، قال فما بال القرون الأولى، قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى، كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى، منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى}.
يقول تعالى مخبرا عن فرعون: إنه أنكر إثبات الصانع تعالى قائلا: {فمن ربكما يا موسى، قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} أي هو الذي خلق الخلق وقدر لهم أعمالا وأرزاقا وآجالا وكتب ذلك عنده في كتابه اللوح المحفوظ ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدره له فطابق عمله فيهم الوجه الذي قدره وعلمه لكمال علمه، وهذه الآية كقوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى} أي قدر قدرا وهدى الخلائق إليه.
{قال فما بال القرون الأولى} يقول فرعون لموسى: فإذا كان ربك هو الخالق المقدر الهادي الخلائق لما قدره، وهو بهذه المثابة من أنه لا يستحق العبادة سواه فلم عبد الأولون غيره؟ وأشركوا به من الكواكب والأنداد ما قد علمت؟ فهلا اهتدى إلى ما ذكرته القرون الأولى؟ {قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى} أي هم وإن عبدوا غيره فليس ذلك بحجة لك ولا يدل على خلاف ما أقول لأنهم جهلة مثلك كل شيء فعلوه مستطر عليهم في الزبر من صغير وكبير وسيجزيهم على ذلك ربي عز وجل ولا يظلم أحد مثقال ذرة لأن جميع أفعال العباد مكتوبة عنده في كتاب لا يضل عنه شيء ولا ينسى ربي شيئا.
ثم ذكر له عظمة الرب وقدرته على خلق الأشياء وجعله الأرض مهادا والسماء سقفا محفوظا وتسخيره السحاب والأمطار لرزق العباد ودوابهم وأنعامهم كما قال: {كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى} أي لذوي العقول الصحيحة المستقيمة والفطر القويمة غير السقيمة فهو تعالى الخالق الرازق. وكما قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون، الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لهت أندادا وأنتم تعلمون}.
ولما ذكر إحياء الأرض بالمطر واهتزازها باخراج نباتها فيه نبه به على المعاد فقال {منها} أي من الأرض {خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} كما قال تعالى: {كما بدأكم تعودون} وقال تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}.
ثم قال تعالى: {ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى، قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى، فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى، قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى}.
يخبر تعالى عن شقاء فرعون وكثرة جهله وقلة عقله في تكذيبه بآيات الله واستكباره عن إتباعها، وقوله لموسى إن هذا الذي جئت به سحر ونحن نعارضك بمثله، ثم طلب من موسى أن يواعده إلى وقت معلوم ومكان معلوم.
وكان هذا من أكبر مقاصد موسى عليه السلام أن يظهر آيات الله وحججه وبراهينه جهرة بحضرة الناس ولهذا: {قال موعدكم يوم الزينة} وكان يوم عيد من أعيادهم ومجتمع لهم {وأن يحشر الناس ضحى} أي من أول النهار في وقت اشتداد ضياء الشمس فيكون الحق أظهر وأجلى، ولم يطلب أن يكون ذلك ليلا في ظلام كيما يروج عليهم محالا وباطلا، بل طلب أن يكون نهارا جهرة لأنه على بصيرة من ربه ويقين بأن الله سيظهر كلمته ودينه وإن رغمت أنوف القبط!.
قال الله تعالى: {فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى، قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى، فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى، قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى، فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى}.
يخبر تعالى عن فرعون أنه ذهب فجمع من كان ببلاده من السحرة، وكانت بلاد مصر في ذلك الزمان مملوءة سحرة فضلاء، في فنهم غاية، فجمعوا له من كل بلد، ومن كل مكان، فاجتمع منهم خلق كثير وجم غفير، فقيل: كانوا ثمانين ألفا - قاله محمد بن كعب - وقيل: سبعين ألفا قاله القاسم بن أبي بردة. وقال السدي: بضعة وثلاثين ألفا. وعن أبي أمامة: تسعة عشر ألفا. وقال محمد بن إسحاق خمسة عشر ألفا. وقال كعب الأحبار: كانوا إثني عشر ألفا.
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: كانوا سبعين رجلا، وروى عنه أيضا: أنهم كانوا أربعين غلاما من بني إسرائيل، أمرهم فرعون أن يذهبوا إلى العرفاء فيتعلموا السحر، ولهذا قالوا: {وما أكرهتنا عليه من السحر}، وفي هذا نظر.
وحضر فرعون وأمراؤه وأهل دولته وأهل بلده عن بكرة أبيهم. وذلك أن فرعون نادى فيهم أن يحضروا هذا الموقف العظيم فخرجوا وهم يقولون: {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين}.
وتقدم موسى عليه السلام إلى السحرة فوعظهم وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل الذي فيه معارضة لآيات الله وحججه، فقال: {ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى، فتنازعوا أمرهم بينهم}.
قيل: معناه أنهم اختلفوا فيما بينهم، فقائل يقول: هذا كلام نبي وليس بساحر، وقائل منهم يقول: بل هو ساحر فالله أعلم. وأسروا التناجي بهذا وغيره.
{قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما} يقولون: إن هذا وأخاه هارون ساحران عليمان مطبقان متقنان لهذه الصناعة، ومرادهما أن يجتمع الناس عليهما، ويصولا على الملك وحاشيته ويستأصلاكم عن آخركم، ويستأمرهما عليكم بهذه الصناعة.
{فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى} وإنما قالوا الكلام الأول ليتدبروا ويتواصوا ويأتوا بجميع ما عندهم من المكيدة والمكر والخديعة والسحر والبهتان.
وهيهات! كذبت والله الظنون واخطأت الآراء. أنى يعارض البهتان. والسحر والهذيان. خوارق العادات التي أجراها الديان. على يدي عبده الكليم. ورسوله الكريم المؤيد بالبرهان الذي يبهر الأبصار وتحار فيه العقول والأذهان!
وقولهم: {فأجمعوا كيدكم} أي جميع ما عندكم {ثم ائتوا صفا} أي جملة واحدة، ثم حضوا بعضهم بعضا على التقدم في هذا المقام، لأن فرعون كان قد وعدهم ومناهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.
{قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى، قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى، وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى}.
لما اصطف السحرة ووقف موسى وهرون عليهما السلام تجاههم قالوا له إما أن تلقي قبلنا، وإما أن نلقي قبلك؟ {قال بل ألقوا} أنتم وكانوا قد عمدوا إلى حبال وعصي فأودعوها الزئبق وغيره من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطرابا يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها، وإنما تتحرك بسبب ذلك. فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم وألقوا حبالهم وعصيهم وهم يقولون {بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون}.
قال الله تعالى: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم}. وقال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى} أي خاف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم ومحالهم قبل أن يلقي ما في يده فإنه لا يضع شيئا قبل أن يؤمر فأوحى الله إليه في الساعة الراهنة {لا تخف إنك أنت الأعلى، وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} فعند ذلك ألقى موسى عصاه وقال {ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين، ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون}.
وقال تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وألقي السحرة ساجدين، قالوا آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون}.
وذلك أن موسى عليه السلام لما ألقاها صارت حية عظيمة ذات قوائم فيما ذكره غير واحد من علماء السلف وعنق عظيم وشكل هائل مزعج بحيث أن الناس انحازوا منها وهربوا سراعا وتأخروا عن مكانها وأقبلت هي على ما ألقوه من الحبال والعصي فجعلت تلقفه واحدا واحدا في أسرع ما يكون من الحركة، والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها.
وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم وحيرهم في أمرهم واطلعوا على أمر لم يكن في خلدهم ولا بالهم ولا يدخل تحت صناعاتهم وأشغالهم. فعند ذلك وهنالك تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس بسحر ولا شعوذة ولا محال ولا خيال ولا زور ولا بهتان ولا ضلال بل حق لا يقدر عليه إلا الحق الذي ابتعث هذا المؤيد به بالحق وكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة وأنارها بما خلق فيها من الهدى وأزاح عنها القسوة وأنابوا إلى ربهم وخروا له ساجدين وقالوا جهرة للحاضرين ولم يخشوا عقوبة ولا بلوى {آمنا برب هارون وموسى}، كما قال تعالى {فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى، قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى، قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى، إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا، ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا، جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى}.
قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي بردة والأوزاعي وغيرهم: لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيأ لهم وتزخرف لقدومهم ولهذا لم يلتفتوا إلى تهويل فرعون وتهديده ووعيده.
وذلك لأن فرعون لما رأى هؤلاء السحرة قد أسلموا وأشهروا ذكر موسى وهرون في الناس على هذه الصفة الجميلة أفزعه ذلك ورأى أمرا بهره وأعمى بصيرته وبصره، وكان فيه كيد ومكر وخداع وصنعة بليغة في الصد عن سبيل الله فقال مخاطبا للسحرة بحضرة الناس {آمنتم له قبل أن آذن لكم} أي هلا شاورتموني فيما صنعتم من الأمر الفظيع بحضرة رعيتي ثم تهدد وتوعد وأبرق وأرعد وكذب فأبعد قائلا {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} وقال في الآية الأخرى {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون}.
وهذا الذي قاله من البهتان يعلم كل فرد عاقل ما فيه من الكفر والكذب والهذيان، بل لا يروج مثله على الصبيان، فإن الناس كلهم من أهل دولته وغيرهم يعلمون أن موسى لم يره هؤلاء يوما من الدهر، فكيف يكون كبيرهم الذي علمهم السحر؟ ثم هو لم يجمعهم ولا علم باجتماعهم حتى كان فرعون هو الذي استدعاهم واجتباهم من كل فج عميق وواد سحيق ومن حواضر بلاد مصر والأطراف ومن المدن والأرياف.
قال الله تعالى في سورة الأعراف: {ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين، وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين، حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل، قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين، قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون، قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين، يأتوك بكل ساحر عليم، وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين، قال نعم وإنكم لمن المقربين، قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين، قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وألقي السحرة ساجدين، قالوا آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون، قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون، لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين، قالوا إنا إلى ربنا منقلبون، وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:47 am


وقال تعالى في سورة يونس: {ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين، فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين، قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون، قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين، وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم، فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون، فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين، ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون}.
وقال تعالى في سورة الشعراء: {قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين، قال أولو جئتك بشيء مبين، قال فأت به إن كنت من الصادقين، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين، قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم، يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون، قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين، يأتوك بكل سحار عليم، فجمع السحرة لميقات يوم معلوم، وقيل للناس هل أنتم مجتمعون، لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين، فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين، قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين، قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون، فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، فألقي السحرة ساجدين، قالوا آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون، قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين، قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون، إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين}.
والمقصود أن فرعون كذب وافترى وكفر غاية الكفر في قوله: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} وأتى ببهتان يعلمه العالمون، بل العالمون في قوله: {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون} وقوله: {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} يعني يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه {ثم لأصلبنكم أجمعين} أي ليجعلنهم مثلة ونكالا لئلا يقتدي بهم أحد من رعيته وأهل ملته ولهذا قال: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي على جذوع النخل لأنها أعلى وأشهر {ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى} يعني في الدنيا.
{قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات} أي لن نطيعك ونترك ما وقر في قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات {والذي فطرنا} قيل معطوف. وقيل قسم {فاقض ما أنت قاض} أي فافعل ما قدرت عليه {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} أي إنما حكمك علينا في هذه الحياة الدنيا فإذا انقلنا منها إلى الدار الآخرة صرنا إلى حكم الذي أسلمنا له واتبعنا رسله {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى} أي وثوابه خير مما وعدتنا به من التقريب والترغيب {وأبقى}، أي وأدوم من هذه الدار الفانية وفي الآية الأخرى {قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون، إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} أي ما اجترمناه من المآثم والمحارم {أن كنا أول المؤمنين} أي من القبط بموسى وهارون عليهما السلام.
وقالوا له أيضا: {وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا} أي ليس لنا عندك ذنب إلا إيماننا بما جاءنا به رسولنا وأتباعنا آيات ربنا لما جاءتنا {ربنا أفرغ علينا صبرا} أي ثبتنا على ما أبتلينا به من عقوبة هذا الجبار العنيد والسلطان الشديد بل الشيطان المريد {وتوفنا مسلمين}.
وقالوا أيضا يعظونه ويخوفونه بأس ربه العظيم {إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا} يقولون له فإياك أن تكون منهم فكان منهم {ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا} أي المنازل العالية {جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى} فاحرص أن تكون منهم فحالت بينه وبين ذلك الأقدار التي لا تغالب ولا تمانع وحكم العلي العظيم بأن فرعون - لعنه الله - من أهل الجحيم ليباشر العذاب الأليم يصب من فوق رأسه الحميم. ويقال له على وجه التقريع والتوبيخ وهو المقبوح المنبوح والذميم اللئيم {ذق إنك أنت العزيز الكريم}.
والظاهر من هذه السياقات أن فرعون لعنه الله صلبهم وعذبهم رضي الله عنهم. قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير: كانوا من أول النهار سحرة فصاروا من آخره شهداء بررة!
ويؤيد هذا قولهم {ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين}.
ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم، وهو الغلب الذي غلبته القبط في ذلك الموقف الهائل، وأسلم السحرة الذين استنصروا بهم، لم يزدهم ذلك إلا كفرا وعنادا وبعدا عن الحق.
قال الله تعالى بعد قصص ما تقدم في سورة الأعراف: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون، قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}.
يخبر تعالى عن الملأ من قوم فرعون وهم الأمراء والكبراء أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى عليه السلام ومقابلته بدل التصديق بما جاء به بالكفر والرد والأذى.
قالوا: {أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك} يعنون - قبحهم الله - أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له والنهي عن عبادة ما سواه فساد بالنسبة إلى اعتقاد القبط لعنهم الله. وقرأ بعضهم: {ويذرك وآلهتك} أي وعبادتك ويحتمل شيئين أحدهما ويذر دينك وتقويه القراءة الأخرى. الثاني ويذر أن يعبدك فإنه كان يزعم أنه إله لعنه الله.
{قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم} أي لئلا يكثر مقاتلتهم {وإنا فوقهم قاهرون} أي غالبون.
{وقال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} أي إذا هموا هم بأذيتكم والفتك بكم فاستعينوا أنتم بربكم واصبروا على بليتكم {إن الأرض لهل يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} أي فكونوا أنتم المتقين لتكون لكم العاقبة كما قال في الآية الأخرى {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين، فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} وقولهم {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} أي قد كانت الأنبياء تقتل قبل مجيئك وبعد مجيئك إلينا {قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} وقال الله تعالى في سورة حم المؤمن: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب}.
وكان فرعون الملك وهامان الوزير، وكان قارون إسرائيليا من قوم موسى إلا أنه كان على دين فرعون وملئه، وكان ذا مال جزيل جدا، كما ستأتي قصته فيما بعد إن شاء الله تعالى.
{فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال} وهذا القتل للغلمان من بعد بعثة موسى إنما كان على وجه الاهانة والاذلال والتقليل لملأ بني إسرائيل لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها، ويصولون على القبط بسببها وكانت القبط منهم يحذرون فلم ينفعهم ذلك ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء كن فيكون.
{وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}. ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم: صار فرعون مذكرا. وهذا منه، فإن فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلهم موسى عليه السلام!
{وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب}، أي عذت بالله ولجأت إليه واستجرت بجنابه من أن يسطو فرعون وغيره علي بسوء وقوله {من كل متكبر}، أي جبار عنيد لا يرعوي ولا ينتهي ولا يخاف عذاب الله وعقابه، لأنه لا يعتقد معادا ولا جزاء. ولهذا قال: {من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب}.
{وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب، يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}.
وهذا الرجل هو ابن عم فرعون، وكان يكتم إيمانه من قومه خوفا منهم على نفسه، وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيليا وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظا ومعنى والله أعلم.
قال ابن جريج: قال ابن عباس: لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا، والذي جاء من أقصى المدينة، وامرأة فرعون. رواه ابن أبي حاتم.
قال الدارقطني: لا يعرف من اسمه شمعان - بالشين المعجمة - إلا مؤمن آل فرعون. حكاه السهيلي.
وفي تاريخ الطبراني: أن اسمه "خير" فالله أعلم.
والمقصود أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه فلما هم فرعون - لعنه الله - بقتل موسى عليه السلام وعزم على ذلك وشاور ملأه فيه خاف هذا المؤمن على موسى فتلطف في رد فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب، فقال على وجه المشورة والرأي.
وقد ثبت في الحديث عن رسول الله أنه قال: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" وهذا من أعلى مراتب هذا المقام، فإن فرعون لا أشد جورا منه وهذا الكلام لا أعدل منه لأن فيه عصمة نبي ويحتمل أنه كاشفهم بإظهار إيمانه، وصرح لهم بما كان يكتمه، والأول أظهر والله أعلم.
قال: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} أي من أجل أنه قال ربي الله، فمثل هذا لا يقابل بهذا بل بالإكرام والاحترام والموادعة وترك الانتقام.
يعني لأنه {قد جاءكم بالبينات من ربكم} أي بالخوارق التي دلت على صدقه فيما جاء به عمن أرسله، فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة لأنه {وإن يك كاذبا فعليه كذبه} ولا يضركم ذلك {وإن يك صادقا}
وقد تعرضتم له {يصبكم بعض الذي يعدكم} أي وأنتم تشفقون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به فكيف بكم إن حل جميعه عليكم؟
وهذا الكلام في هذا المقام من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام.
وقوله: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز فإنه ما تعرضت الدول للدين الا سلبوا ملكهم وذلوا بعد عزهم!.
وكذا وقع لآل فرعون، ما زالوا في شك وريب ومخالفة ومعاندة لما جاءهم موسى به، حتى أخرجهم الله مما كانوا فيه من الملك والأملاك والدور والقصور والنعمة والحبور، ثم حولوا إلى البحر مهانين، ونقلت أرواحهم بعد العلو والرفعة إلى أسفل السافلين.
ولهذا قال هذا الرجل المؤمن المصدق البار الراشد التابع للحق الناصح لقومه الكامل العقل: {يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض} أي عالين على الناس حاكمين عليهم، {فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا} أي لو كنتم أضعاف ما أنتم فيه من العدد والعدة والقوة والشدة لما نفعنا ذلك ولا رد عنا بأس مالك الممالك.
{قال فرعون} أي في جواب هذا كله {ما أريكم إلا ما أرى} أي ما أقول لكم إلا ما عندي {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}.
وكذب في كل من هذين القولين وهاتين المقدمتين، فإنه قد كان يتحقق في باطنه وفي نفسه أن هذا الذي جاء به موسى من عند الله لا محالة، وإنما كان يظهر خلافه بغيا وعدوانا وعتوا وكفرانا.
قال الله تعالى، إخبارا عن موسى: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا، فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا، وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا}.
وقال تعالى: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}.
وأما قوله: {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} فقد كذب أيضا فإنه لم يكن على رشاد من الأمر بل كان على سفه وضلال وخبل وخبال، فكان أولا ممن يعبد الأصنام والأمثال. ثم دعا قومه الجهلة الضلال إلى أن اتبعوه وطاعوه وصدقوه فما زعم من الكفر المحال في دعواه أنه رب تعالى الله ذو الجلال. قال الله تعالى: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين، فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين، فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين، فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين، فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}.
وقال تعالى: {فأراه الآية الكبرى، فكذب وعصى، ثم أدبر يسعى، فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى}.
وقال تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد، يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود، وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود}.
والمقصود بيان كذبه في قوله: {ما أريكم إلا ما أرى} وفي قوله: {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}.
{وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد، ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التنادي، يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد، ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب، الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار}.
يحذرهم ولي الله إن كذبوا برسول الله موسى أن يحل بهم ما حل بالأمم من قبلهم من النقمات والمثلات، مما تواتر عندهم وعند غيرهم، ما حل بقوم نوح وعاد وثمود ومن بعدهم إلى زمانهم، ذلك مما أقام به الحجج على أهل الأرض قاطبة في صدق ما جاءت به الأنبياء لما انزل من النقمة بمكذبيهم من الأعداء، وما أنجى الله من اتبعهم من الاولياء، وخوفهم يوم القيامة وهو يوم التناد، أي حين ينادي الناس بعضهم بعضا، حين يولون مدبرين إن قدروا على ذلك ولا إلى ذلك سبيل {يقول الإنسان يومئذ أين المفر، كلا لا وزر، إلى ربك يومئذ المستقر} وقال تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان، فبأي آلاء ربكما تكذبان، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران، فبأي آلاء ربكما تكذبان}.
وقرأ بعضهم {يوم التنادي} بتشديد الدال أي يوم الفرار، ويحتمل أن يكون يوم القيامة، ويحتمل أن يكون يوم يحل الله بهم البأس فيودون الفرار، ولات حين مناص. {فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون}.
ثم أخبرهم عن نبوة يوسف في بلاد مصر ما كان منه من الاحسان إلى الخلق في دنياهم وأخراهم، وهذا من سلالته وذريته، ويدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته، وأن لا يشركوا به أحدا من بريته، وأخبر عن أهل الديار المصرية في ذلك الزمان، أي من سجيتهم التكذيب بالحق ومخالفة الرسل، ولهذا قال: {فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} أي وكذبتم في هذا ولهذا قال: {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب، الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم} أي يريدون حجج الله وبراهينه ودلائل توحيده بلا حجة ولا دليل عندهم من الله، فإن هذا أمر يمقته الله غاية المقت، أي يبغض من تلبس به من الناس ومن اتصف به من الخلق {كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} قرئ بالاضافة وبالنعت، وكلاهما متلازم أي هكذا إذا خالفت القلوب الحق - ولا تخالفه الا بلا برهان - فإن الله يطبع عليها أي يختم عليها بما فيها.
{وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب}.
كذب فرعون موسى عليه السلام في دعواه أن الله أرسله، وزعم فرعون لقومه ما كذبه وافتراه في قوله لهم {ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا} وقال هاهنا: {لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات} أي طرقها ومسالكها {فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا} ويحتمل هذا معنيين: أحدهما: واني لأظنه كاذبا في قوله: إن للعالم ربا غيري، والثاني في دعواه أن الله أرسله. والأول أشبه بظاهر حال فرعون، فانه كان ينكر ظاهر إثبات الصانع، والثاني أقرب إلى اللفظ حيث قال: {فأطلع إلى إله موسى} أي فاسأله هل أرسله أم لا: {وإني لأظنه كاذبا} أي في دعواه ذلك. وإنما كان مقصود فرعون أن يصد الناس عن تصديق موسى عليه السلام وأن يحثهم على تكذيبه.
قال الله تعالى: {وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل} وقرئ: {وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب}.
قال ابن عباس ومجاهد: يقول الا في خسار، أي باطل لا يحصل له شيء من مقصوده الذي رامه، فانه لا سبيل للبشر أن يتوصلوا بقواهم إلى نيل السماء أبدا - أعني السماء الدنيا - فكيف بما بعدها من السماوات العلى؟ وما فوق ذلك من الارتفاع الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل. وذكر غير واحد من المفسرين أن هذا الصرح وهو القصر الذي بناه وزيره هامان له لم ير بناء أعلى منه وان كان مبنيا من الآجر المشوي بالنار ولهذا قال: {فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا}.
وعند أهل الكتاب: أن بني إسرائيل كانوا يسخرون في ضرب اللبن، وكان مما حملوا من التكاليف الفرعونية أنهم لا يساعدون على شيء مما يحتاجون إليه فيه، بل كانوا هم الذين يجمعون ترابه وتبنه وماءه، ويطلب منهم كل يوم قسط معين إن لم يفعلوه وإلا ضربوا وأهينوا غاية الاهانة وأذوا غاية الأذية. ولهذا قالوا لموسى: {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون}. فوعدهم بأن العاقبة لهم على القبط، وكذلك وقع، وهذا من دلائل النبوة.
ولنرجع إلى نصيحة المؤمن وموعظته واحتجاجه.
قال الله تعالى: {وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب}.
يدعوهم رضي الله عنه إلى طريق الرشاد والحق، وهي متابعة نبي الله موسى وتصديقه فيما جاء به من عند ربه، ثم زهدهم في الدنيا الدنية الفانية المنقضية لا محالة، ورغبهم في طلب الثواب عند الله الذي لا يضيع عمل عامل لديه، القدير الذي ملكوت كل شيء بيديه الذي يعطي على القليل كثيرا، ومن عدله لا يجازي على السيئة إلا مثلها. وأخبرهم أن الآخرة هي دار القرار التي من وافاها - مؤمنا قد عمل الصالحات - فلهم الدرجات العاليات والغرف الآمنات والخيرات الكثيرة الفائقات والأرزاق الدائمة التي لا تبيد. والخير الذي كل ما لهم منه في مزيد.
ثم شرع في إبطال ما هم عليه وتخويفهم مما يصيرون إليه فقال: {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار، لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد، فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب، النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}.
كان يدعوهم إلى عبادة رب السماوات والأرض الذي يقول للشيء كن فيكون، وهم يدعونه إلى عبادة فرعون الجاهل الضال الملعون!
ولهذا قال لهم على سبيل الانكار: {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار}.
ثم بين لهم بطلان ما هم عليه من عبادة ما سوى الله من الأنداد والأوثان وأنها لا تملك من نفع ولا إضرار فقال: {لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار} أي لا تملك تصرفا ولا حكما في هذه الدار فكيف تملكه يوم القرار؟ وأما الله عز وجل فانه الخالق الرازق للأبرار والفجار، وهو الذي أحيا العباد ويميتهم ويبعثهم فيدخل طائعهم الجنة وعاصيهم إلى النار.
ثم توعدهم إن هم استمروا على العناد بقوله: {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد}.
قال الله: {فوقاه الله سيئات ما مكروا} أي بإنكاره سلم مما أصابهم من العقوبة على كفرهم بالله ومكرهم في صدهم عن سبيل الله مما أظهروا للعامة من الخيالات والمحالات التي لبسوا بها على عوامهم وطغامهم ولهذا قال: {وحاق} أي أحاط {بآل فرعون سوء العذاب، النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} أي تعرض أرواحهم في برزخهم صباحا ومساء على النار {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}، وقد تكلمنا على دلالة هذه الآية على عذاب القبر في التفسير ولله الحمد.
والمقصود أن الله تعالى لم يهلكهم إلا بعد إقامة الحجج عليهم وإرسال الرسول إليهم وازاحة الشبه عنهم وأخذ الحجة عليهم منهم فبالترهيب تارة والترغيب أخرى، كما قال تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون، فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون، وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين، فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين}.
يخبر تعالى أنه ابتلى آل فرعون وهم قومه من القبط بالسنين، وهي أعوام الجدب التي لا يستغل فيها زرع ولا ينتفع بضرع، وقوله {ونقص من الثمرات} وهي قله الثمار من الأشجار {لعلهم يذكرون} أي فلم ينتفعوا ولم يرتدعوا بل تمردوا واستمروا على كفرهم وعنادهم {فإذا جاءتهم الحسنة} والخصب ونحوه {قالوا لنا هذه} أي هذا الذي نستحقه وهذا الذي يليق بنا {وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه} أي يقولون هذا بشؤمهم أصابنا هذا ولا يقولون في الأول انه بركتهم وحسن مجاورتهم لهم ولكن قلوبهم منكرة مستكبرة نافرة عن الحق اذا جاء الشر أسندوه إليه، وإن رأوا خيرا ادعوه لأنفسهم. قال الله تعالى: {ألا إنما طائرهم عند الله}أي الله يجزيهم على هذا أوفر الجزاء {ولكن أكثرهم لا يعلمون}.
{وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} أي مهما جئتنا به من الآيات - وهي الخوارق للعادات - فلسنا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نطيعك ولو جئتنا بكل آية، وهكذا أخبر الله عنهم في قوله {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم}.
قال الله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين} أما الطوفان فعن ابن عباس هو كثرة الأمطار المتلفة للزروع والثمار. وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والسدي والضحاك وعن ابن عباس وعطاء: هو كثرة الموت، وقال مجاهد: الطوفان الماء والطاعون على كل حال، وعن ابن عباس: أمر طاف بهم.
وقد روى ابن جرير وابن مردويه من طريق يحيى بن يمان، عن المنهال بن خليفة، عن الحجاج، عن الحكم بن ميناء، عن عائشة عن النبي "الطوفان الموت" وهو غريب.
وأما الجراد فمعروف، وقد روى أبو داود عن أبي عثمان عن سلمان الفارسي قال: سئل رسول الله عن الجراد؟ فقال: "أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه". وترك النبي أكله إنما هو على وجه التقذر له، كما ترك أكل الضب، وتنزه عن أكل البصل والثوم والكراث، لما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفي قال: غزونا مع رسول الله سبع غزوات نأكل الجراد. وقد تكلمنا على ما ورد فيه من الأحاديث والآثار في التفسير.
والمقصود أنه استاق خضراءهم فلم يترك لهم زرعا، ولا ثمارا ولا سبدا ولا لبدا. وأما القمل فعن ابن عباس: هو السوس، الذي يخرج من الحنطة، وعنه: انه الجراد الصغار الذي لا أجنحة له. وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة. وقال سعيد بن جبير والحسن: هو دواب سود صغار. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم القمل هي البراغيث. وحكى ابن جرير عن أهل العربية أنها الحمنان، وهو صغار القردان فوق القمامة فدخل معهم البيوت والفرش فلم يقر لهم قرار ولم يمكنهم معه الغمض ولا العيش. وفسره عطاء بن السائب بهذا القمل المعروف. وقرأها الحسن البصري كذلك بالتخفيف.
وأما الضفادع فمعروفة، لبستهم حتى كانت تسقط في أطعمتهم وأوانيهم، حتى إن أحدهم إذا فتح فاه (لطعام أو شراب) سقطت فيه ضفدعة من تلك الضفادع.
وأما الدم فكان قد مزج ماؤهم كله به فلا يستقون من النيل شيئا إلا وجدوه دما عبيطا، ولا من نهر ولا بئر ولا شيء إلا كان دما في الساعة الراهنة.
هذا كله لم ينل بني إسرائيل من ذلك شيء بالكلية. وهذا من تمام المعجزة الباهرة والحجة القاطعة أن هذا كله يحصل لهم من فعل موسى عليه السلام، فينالهم عن آخرهم، ولا يحصل هذا لأحد من بني إسرائيل، وفي هذا أدل دليل.
قال محمد بن إسحاق: فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوبا مغلولا ثم أبى إلا الاقامة على الكفر والتمادي في الشر فتابع الله بالآيات فأخذه بالسنين فأرسل عليه الطوفان ثم الجراد ثم القمل ثم الضفادع ثم الدم آيات مفصلات، فأرسل الطوفان - وهو الماء - ففاض على وجه الأرض ثم ركد. لا يقدرون على أن يحرثوا، ولا أن يعملوا شيئا حتى جهدوا جوعا.
فلما بلغهم ذلك: {قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل}. فدعا موسى ربه فكشفه عنهم فلما لم فلما لم يفوا به بشيء فأرسل الله عليهم الجراد فأكل الشجر فيما بلغني حتى أن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا فأرسل الله عليهم القمل، فذكر لي أن موسى عليه السلام أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم، فضربه بها فانثال عليهم قملا، حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار.
فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا له، فدعا ربه فكشف عنهم فلما لم يفوا بشي مما قالوا أرسل عليهم الضفادع فملأت البيوت والأطعمة والآنية فلا يكشف أحد ثوبا ولا طعاما إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه.
فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دما لا يستقون من بئر ولا نهر يغترفون من إناء إلا عاد دما عبيطا. وقال زيد بن أسلم: المراد بالدم الرعاف. رواه ابن أبي حاتم.
قال الله تعالى: {ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل، فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون، فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}.
يخبر تعالى عن كفرهم وعتوهم واستمرارهم على الضلال والجهل والاستكبار عن إتباع آيات الله وتصديق رسوله مع ما أيده به من الآيات العظيمة الباهرة والحجج البليغة القاهرة التي أراهم الله إياها عيانا وجعلها عليهم دليلا وبرهانا.
وكلما شاهدوا آية وعاينوها وجهدهم وأضنكهم حلفوا وعاهدوا موسى لئن كشف عنهم هذه ليؤمنن به وليرسلن معه من هو من حزبه، فكلما رفعت عنهم تلك الآية عادوا إلى شر مما كانوا عليه وأعرضوا عما جاءهم به من الحق ولم يلتفتوا اليه فيرسل الله عليهم آية أخرى هي أشد مما كانت قبلها وأقوى فيقولون فيكذبون، ويعدون ولا يفون: {لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل} فيكشف عنهم ذلك العذاب الوبيل، ثم يعودون إلى جهلهم العريض الطويل.
هذا والعظيم الحليم القدير ينظرهم ولا يعجل عليهم، ويؤخرهم ويتقدم بالوعيد إليهم، ثم أخذهم بعد إقامة الحجة عليهم، والانذار إليهم أخذ عزيز مقتدر فجعلهم عبرة ونكالا وسلفا لمن أشبههم من الكافرين، ومثلا لمن اتعظ بهم من عباده المؤمنين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:47 am


كما قال تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين في سورة حم والكتاب المبين: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين، فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون، وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون، وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون، فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون، ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين، فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين، فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين، فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين، فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين}.
يذكر تعالى إرساله عبده الكليم الكريم إلى فرعون الخسيس اللئيم وأنه تعالى أيد رسوله بآيات بينات واضحات تستحق أن تقابل بالتعظيم والتصديق وأن يرتدعوا عما هم فيه من الكفر ويرجعوا إلى الحق والصراط المستقيم، فإذا هم منها يضحكون وبها يستهزئون وعن سبيل الله يصدون، وعن الحق ينصرفون، فأرسل الله عليهم الآيات تترى يتبع بعضها بعضا، وكل آية أكبر من التي تتلوها لأن التوكيد أبلغ مما قبله.
{وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون، وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون}.
لم يكن لفظ الساحر في زمنهم نقصا ولا عيبا لأن علماءهم في ذلك الوقت هم السحرة ولهذا خاطبوه به في حال احتياجهم إليه وضراعتهم لديه قال الله تعالى: {فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون}.
ثم أخبر تعالى عن تبجح فرعون بملكه وعظمة بلده وحسنها وتخرق الأنهار فيها، وهي الخلجانات التي يكسرونها أيام زيادة النيل، ثم تبجح بنفسه وحليته وأخذ يتنقص رسول الله موسى عليه السلام ويزدريه بكونه {ولا يكاد يبين} يعني كلامه بسبب ما كان في لسانه من بقية تلك اللثغة التي هي شرف له وكمال وجمال، ولم تكن مانعة له أن كلمه الله تعالى وأوحى إليه وأنزل بعد ذلك التوراة عليه.
وتنقصه فرعون - لعنه الله - بكونه لا أساور في يديه ولا زينة عليه، وانما ذلك من حلية النساء لا يليق بشهامة الرجال، فكيف بالرسل الذين هم أكمل عقلا وأتم معرفة وأعلى همة وأزهد في الدنيا، وأعلم بما أعد الله لأوليائه في الأخرى؟.
وقوله {أو جاء معه الملائكة مقترنين} لا يحتاج الأمر إلى ذلك إن كان المراد أن تعظمه الملائكة، فالملائكة يعظمون ويتواضعون لمن هو دون موسى عليه السلام، بكثير، كما جاء في الحديث "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع" فكيف يكون تواضعهم وتعظيمهم لموسى الكليم عليه الصلاة والتسليم والتكريم!.
وان كان المراد شهادتهم له بالرسالة فقد أيد من المعجزات بما يدل قطعا لذوي الألباب ولمن قصد إلى الحق والصواب ويعمى عما جاء به من البينات والحجج والواضحات من نظر إلى القشور وترك لب اللباب وطبع على قلبه رب الأرباب وختم عليه بما فيه من الشك والارتياب كما هو حال فرعون القبطي العمي الكذاب.
قال الله تعالى: {فاستخف قومه فأطاعوه} أي استخف عقولهم ودرجهم من حال إلى حال إلى أن صدقوه في دعواه الربوبية لعنه الله وقبحهم {إنهم كانوا قوما فاسقين، فلما آسفونا} أي أغضبونا {انتقمنا منهم} أي بالغرق والاهانة وسلب العز والتبدل بالذل وبالعذاب بعد النعمة والهوان بعد الرفاهية والنار بعد طيب العيش عياذا بالله العظيم وسلطانه القديم من ذلك.
{فجعلناهم سلفا} أي لمن اتبعهم في الصفات {ومثلا} أي لمن اتعظ بهم وخاف من وبيل مصرعهم ممن بلغه جلية خبرهم وما كان من أمرهم كما قال الله تعالى: {فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون، وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين، واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون، فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين، وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين}.
يخبر تعالى أنهم لما استكبروا عن اتباع الحق وادعى ملكهم الباطل ووافقوه عليه وأطاعوه فيه اشتد غضب الرب القدير العزيز الذي لا يغالب ولا يمانع عليهم فانتقم منهم أشد الانتقام، واغرقه هو وجنوده في صبيحة واحدة فلم يفلت منهم أحد ولم يبق منهم ديار، بل كل قد غرق فدخل النار وأتبعوا في هذه الدار لعنة بين العالمين، ويوم القيامة بئس الرفد المرفود ويوم القيامة هم من المقبوحين.
لما تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم متابعة لملكهم فرعون ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام؛ وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحير العقول، وهم مع ذلك لا يرعون ولا ينتهون ولا ينزعون ولا يرجعون.
ولم يؤمن منهم إلا القليل؛ قيل: ثلاثة، وهم امرأة فرعون ولا علم لأهل الكتاب بخبرها، ومؤمن آل فرعون الذي تقدمت حكاية موعظته ومشورته وحجته عليهم، والرجل الناصح الذي جاء يسعى من أقصى المدينة، فقال: {قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين}.
قاله ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عنه، ومراده غير السحرة فانهم كانوا من القبط.
وقيل: بل آمن به طائفة من القبط من قوم فرعون، والسحرة كلهم، وجميع شعب بني إسرائيل. ويدل على هذا قوله تعالى: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين}.
فالضمير في قوله {إلا ذرية من قومه}، عائد على فرعون لأن السياق يدل عليه. وقيل؛ على موسى لقربه، والأول أظهر كما هو مقرر في التفسير
وإيمانهم كان خفية لمخافتهم من فرعون وسطوته وجبروته وسلطته ومن ملئهم أن ينموا عليهم إليه فيفتنهم عن دينهم.
قال الله تعالى مخبرا عن فرعون وكفى بالله شهيدا {وإن فرعون لعال في الأرض} أي جبار عنيد مشتغل بغير الحق {وإنه لمن المسرفين} أي في جميع أموره وشئونه وأحواله، ولكنه جرثومة قد حان انجعافها وثمرة خبيثة قد آن قطافها، ومهجة ملعونة قد حتم إتلافها.
وعند ذلك قال موسى: {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين، فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} فأمرهم بالتوكل على الله والاستعانة به والالتجاء إليه، فأتمروا بذلك، فجعل الله لهم مما كانوا فيه فرجا ومخرجا.
{وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين}.
أوحى الله تعالى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يتخذا لقومهما بيوتا متميزة فيما بينهم عن بيوت القبط ليكونوا على أهبة من الرحيل إذا أمروا به ليعرف بعضهم بيوت بعض، وقوله {واجعلوا بيوتكم قبلة} قيل مساجد، وقيل معناه كثرة الصلاة فيها.
قاله مجاهد وأبو مالك وابراهيم النخعي والربيع والضحاك وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وغيرهم.
ومعناه على هذا الاستعانة على ما هم فيه من الضر والشدة والضيق بكثرة الصلاة كما قال تعالى {استعينوا بالصبر والصلاة} وكان رسول الله إذا حزبه أمر صلى.
وقيل: معناه أنهم لم يكونوا حينئذ يقدرون على إظهار عبادتهم في مجتمعاتهم ومعابدهم فأمروا أن يصلوا في بيوتهم عوضا عما فاتهم من إظهار شعار الدين الحق في ذلك الزمان الذي اقتضى حالهم إخفاءه خوفا من فرعون وملئه. والمعنى الأول أقوى لقوله {وبشر المؤمنين} وإن كان لا ينافي الثاني أيضا والله أعلم.
وقال سعيد بن جبير: {واجعلوا بيوتكم قبلة} أي متقابلة.
{وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون}.
هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون غضبا لله عليه لتكبره عن اتباع الحق وصده عن سبيل الله ومعاندته وعتوه وتمرده واستمراره على الباطل ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي والبرهان القطعي، فقال: {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه} يعني قومه من القبط ومن كان على ملته ودان بدينه {زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك} أي وهذا يغتر به من يعظم أمر الدنيا فيحسب الجاهل أنهم على شيء لكن هذه الأموال وهذه الزينة من اللباس والمراكب الحسنة الهنية والدور الأنيقة والقصور المبنية والمآكل الشهية والمناظر البهية والملك العزيز والتمكين والجاه العريض في الدنيا لا الدين.
{ربنا اطمس على أموالهم} قال ابن عباس ومجاهد: أي أهلكها. وقال أبو العالية والربيع بن أنس والضحاك: اجعلها حجارة منقوشة كهيئة ما كانت. وقال قتادة: بلغنا أن زروعهم صارت حجارة. وقال محمد بن كعب: جعل سكرهم حجارة. وقال أيضا: صارت أموالهم كلها حجارة. ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال عمر بن عبد العزيز لغلام له: قم ايتني بكيس فجاءه بكيس فاذا فيه حمص وبيض قد حول حجارة. رواه ابن أبي حاتم.
وقوله: {واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} قال ابن عباس: أي اطبع عليها. وهذه دعوة غضب لله تعالى ولدينه ولبراهينه.
فاستجاب الله تعالى لها وحققها وتقبلها. كما استجاب لنوح في قومه حيث قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} ولهذا قال تعالى مخاطبا لموسى حين دعا على فرعون وملئه وأمن أخوه هارون على دعائه فنزل ذلك منزلة الداعي أيضا{قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون}.
قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب: استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم فأذن لهم وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج وتأهبوا له، وإنما كان في نفس الأمر مكيدة بفرعون وجنوده ليتخلصوا منهم ويخرجوا عنهم.
وأمرهم الله تعالى - فيما ذكره أهل الكتاب - أن يستعيروا حليا منهم فأعاروهم شيئا كثيرا، فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم طالبين بلاد الشام فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق واشتد غضبه عليهم، وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده لتلحقهم ويمحقهم.
قال الله تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون، فأرسل فرعون في المدائن حاشرين، إن هؤلاء لشرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائظون، وإنا لجميع حاذرون، فأخرجناهم من جنات وعيون، وكنوز ومقام كريم، كذلك وأورثناها بني إسرائيل، فأتبعوهم مشرقين، فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا إن معي ربي سيهديني، فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، وأزلفنا ثم الآخرين، وأنجينا موسى ومن معه أجمعين، ثم أغرقنا الآخرين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.
قال علماء التفسير: لما ركب فرعون في جنوده طالبا بني إسرائيل يقفوا أثرهم، كان في جيش كثيف عرمرم، حتى قيل كان في خيوله مائه ألف فحل أدهم، وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف فالله أعلم. وقيل: إن بني إسرائيل كانوا نحوا من ستمائه ألف مقاتل غير الذرية، وكان بين خروجهم من مصر صحبة موسى عليه السلام ودخولهم إليها صحبة أبيهم إسرائيل أربعمائة سنة وستا وعشرين سنة شمسية.
والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود فأدركهم عند شروق الشمس وتراءى الجمعان ولم يبق ثم ريب ولا لبس وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه ولم يبق إلا المقاتلة والمجاولة والمحاماة فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون: إنا لمدركون، وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر، فليس لهم طريق ولا محيد الا سلوكه وخوضه. وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه، والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة، وفرعون قد غالقهم وواجههم، وعاينوه في جنوده وجيوشه وعدده وعدده وهم منه في غاية الخوف والذعر لما قاسوا في سلطانه من الاهانة والمكر.
فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه وعاينوه، فقال لهم الرسول الصادق المصدوق {كلا إن معي ربي سيهديني} وكان في الساقة فتقدم إلى المقدمة ونظر إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه ويتزايد زبد أجاجه وهو يقول: هاهنا أمرت، ومعه أخوه هارون ويوشع بن نون وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل وعلمائهم وعبادهم الكبار، وقد أوحى الله اليه وجعله نبيا بعد موسى وهارون عليهما السلام كما سنذكره فيما بعد إن شاء الله، ومعهم أيضا مؤمن آل فرعون وهم وقوف وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف ويقال: إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مرارا في البحر هل يمكن سلوكه فلا يمكن، ويقول لموسى عليه السلام: يا نبي الله أههنا أمرت. فيقول نعم.
فلما تفاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر واقترب فرعون وجنوده في جدهم وحدهم وحديدهم وغضبهم وحنقه وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير رب العرش الكريم إلى موسى الكليم {أن اضرب بعصاك البحر} فلما ضربه يقال إنه قال له انفلق باذن الله، ويقال إنه كناه بأبي خالد فالله أعلم.
قال الله تعالى: {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} ويقال: إنه انفلق اثنتي عشرة طريقا لكل سبط طريق يسيرون فيه، حتى قيل: إنه صار أيضا شبابيك ليرى بعضهم بعضا. وفي هذا نظر لأن الماء جرم شفاف إذا كان من ورائه ضياء حكاه.
وهكذا كان ماء البحر قائما مثل الجبال مكفوفا بالقدرة العظيمة الصادرة من الذي يقول للشيء: كن فيكون وأمر الله تعالى ريح الدبور فلفحت حال البحر فأذهبته حتى صار يابسا لا يعلق في سنابك الخيول والدواب.
قال الله تعالى: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى، فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم، وأضل فرعون قومه وما هدى}.
والمقصود أنه لما آل أمر البحر إلى هذه الحال بإذن الرب العظيم الشديد المحال أمر موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين مستبشرين مبادرين، وقد شاهدوا من الأمر العظيم ما يحير الناظرين ويهدي قلوب المؤمنين فلما جازوه وجاوزوه وخرج أخرهم منه وانفصلوا عنه كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه ووفودهم عليه.
فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه، ولا سبيل عليه، فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال كما قال وهو الصادق في المقال: {ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم، أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين، وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين، وإني عذت بربي وربكم أن ترجموني، وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلوني، فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون، فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون، واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون، كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوما آخرين، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين، ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين، من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين، ولقد اخترناهم على علم على العالمين، وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين}.
فقوله تعالى {واترك البحر رهوا} أي ساكنا على هيئته لا تغيره عن هذه الصفة. قاله عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع والضحاك وقتادة وكعب الاحبار وسماك بن حرب وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.
فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون فرأى ما رأى وعاين ما عاين هاله هذا المنظر العظيم وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم فأحجم ولم يتقدم، وندم على نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم، لكنه أظهر لجنوده تجلدا وعاملهم معاملة العدا، وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه وعلى باطله تابعوه: أنظروا كيف أنحسر البحر لي لأدرك عبيدي الآبقين من يدي الخارجين عن طاعتي وبلدي؟ وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم ويرجو أن ينجو، وهيهات، يقدم تارة ويحجم تارات!.
فذكروا أن جبريل عليه السلام تبدى في صورة فارس راكب على رمكة حائل فمر بين يدي فحل فرعون لعنه الله فحمحم إليها وأقبل عليها، وأسرع جبريل بين يديه، فاقتحم البحر واستبق الجواد، وقد أجاد فبادر مسرعا هذا، وفرعون لا يملك من نفسه ضرا ولا نفعا، فلما رأته الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين، فحصلوا في أجمعين أكتعين أبصعين، حتى هم أولهم بالخروج منه، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه إليه أن يضرب بعصاه البحر فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان فلما ينج منهم إنسان.
قال الله تعالى: {وأنجينا موسى ومن معه أجمعين، ثم أغرقنا الآخرين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم} أي في إنجائه أولياءه فلم يغرق منهم أحد، وإغراقه أعداءه فلما يخلص منهم أحد آية عظيمة، وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة: وصدق رسوله فيما جاء به عن ربه من الشريعة الكريمة والمناهج المستقيمة.
وقال تعالى: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين، أالآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون}.
يخبر تعالى عن كيفية غرق فرعون زعيم كفرة القبط وأنه لما جعلت الأمواج تخفضه تارة وترفعه أخرى، وبنوا إسرائيل ينظرون إليه وإلى جنوده ماذا أحل الله به وبهم من البأس العظيم والخطب الجسيم، ليكون أقر لأعين بني إسرائيل وأشقى لنفوسهم، فلما عاين فرعون الهلكة وأحيط به وباشر سكرات الموت أناب حينئذ، وتاب وآمن حين لا ينفع نفسا إيمانها كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم}.
وقال تعالى: {فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين، فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون}.
وهكذا دعا موسى على فرعون وملئه أن يطمس على أموالهم ويشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم. أي حين لا ينفعهم ذلك ويكون حسرة عليهم، وقد قال تعالى لهما، أي لموسى وهارون حين دعوا بهذا: {قد أجيبت دعوتكما} فهذا من إجابة الله تعالى دعوة كليمه وأخيه هارون عليهما السلام.
ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمه، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : لما قال فرعون {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} قال لي جبريل: لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة".
ورواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم عند هذه الآية من حديث حماد بن سلمة وقال الترمذي حديث حسن.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "قال لي جبريل لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فم فرعون مخافة أن تناله الرحمة".
ورواه الترمذي وابن جرير من حديث شعبة وقال الترمذي حسن غريب صحيح، وأشار ابن جرير في رواية إلى وقفه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال لما أغرق الله فرعون أشار بأصبعه ورفع صوته {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل}، قال فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه غضبه فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه ورواه ابن جرير من حديث أبي خالد به.
وقد رواه ابن جرير من طريق كثير بن زاذان وليس بمعروف. وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "قال لي جبريل عليه السلام: يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس في الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له!" يعني فرعون.
وقد أرسله غير واحد من السلف كابراهيم التيمي وقتادة وميمون بن مهران، ويقال: إن الضحاك بن قيس خطب به الناس، وقي بعض الروايات إن جبريل قال ما بغضت أحدا بغضي لفرعون حين قال: أنا ربكم الأعلى ولقد جعلت أدس في فيه الطين حين قال ما قال.
وقوله تعالى: {أالآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} استفهام إنكار ونص على عدم قبوله تعالى منه ذلك لأنه - والله أعلم - لو رد إلى الدنيا كما كان لعاد إلى ما كان عليه كما أخبر تعالى عن الكفار إذا عاينوا النار وشاهدوها أنهم يقولون: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} قال الله {بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} وقوله {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية}.
قال ابن عباس وغير واحد: شك بعض بني إسرائيل في موت فرعون حتى قال بعضهم إنه لا يموت، فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع. قيل على وجه الماء وقيل على نجوة من الأرض وعليه درعه التي يعرفونها من ملابسه ليتحققوا بذلك هلاكه ويعلموا قدرة الله عليه. ولهذا قال: {فاليوم ننجيك ببدنك} أي مصاحبا درعك المعروفة بك {لتكون} أي أنت آية {لمن خلفك} أي من بني إسرائيل ودليلا على قدرة الله الذي أهلكه. ولهذا قرأ بعض السلف لتكون لمن خلفك آية. ويحتمل أن يكون المراد ننجيك مصاحبا لتكون درعك علامة لمن وراءك من بني إسرائيل على معرفتك وإنك هلكت والله أعلم. وقد كان هلاكه وجنوده في يوم عاشوراء.
كما قال الامام البخاري في صحيحه: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قدم النبي المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟". فقالوا هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون؛ قال النبي لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم فصوموا" وأصل هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما والله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:48 am

قصة موسى والخضر عليهما السلام
قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا، فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا، فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنساني إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا، قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا، فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة منعندنا وعلمناه من لدنا علما، قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا، قال إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها، قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا، قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا، قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا، فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا، قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا، قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا، قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا، أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا}.
قال بعض أهل الكتاب: إن موسى هذا الذي رحل إلى الخضر هو موسى بن منسا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، وتابعهم على ذلك بعض من يأخذ من صحفهم، وينقل عن كتبهم، منهم نوف، بن فضالة الحميري الشامي البكالي. ويقال إنه دمشقي، وكانت أمه زوجة كعب الأحبار.
والصحيح الذي دل عليه ظاهر سياق القرآن ونص الحديث الصحيح الصريح. المتفق عليه: أنه موسى ابن عمران صاحب بني إسرائيل.
قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، قال: أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذب عدو الله. حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله يقول: "إن موسى هام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى إليه: إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، واتخذ سبيله في البحر سربا. وأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما.
حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به، فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنساني إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا}. قال: فكان للحوت سربا. ولموسى ولفتاه عجبا. فقال له موسى: {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصص}.
قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {إنك لن تستطيع معي صبرا}. يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. فقال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا}.
فقال له الخضر: {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا، فانطلقا}. يمشيان على ساحر البحر، فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا، قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا، قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}.
قال: وقال رسول الله : فكانت الأولى من موسى نسيانا. قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر!
ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا، قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}. قال: وهذه أشد من الأولى {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا}.
{فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض}. قال: مائل. فقام الخضر {فأقامه} بيده. فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا، قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك}. إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا}. فقال رسول الله : "وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما".
قال سعيد بن جبير: فكان ابن عباس يقرأ: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا" وكان يقرأ: "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين".
ثم رواه البخاري أيضا عن قتيبة عن سفيان بن عيينة بإسناده نحوه. وفيه: "فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام".
قال سفيان: وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال: فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر، فلما استيقظ {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا}. الآية. وساق الحديث.
وقال: ووقع عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره، وذكر تمام الحديث.
وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم، قال أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، يزيد أحدهما على صاحبه، وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني. فقلت: أي أبا عباس - جعلني الله فداك - بالكوفة رجل قاص يقال له نوف، يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل. أما عمرو فقال لي، قال: قد كذب عدو الله. وأما يعلى فقال لي: قال ابن عباس: حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله : موسى رسول الله قال ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب ولى، فأدركه رجل فقال: أي رسول الله! هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله، قيل بلى. قال أي رب فأين؟ قال بمجمع البحرين، قال: أي رب اجعل لي علما أعلم ذلك به. قال لي عمرو: قال حيث يفارقك الحوت، وقال لي يعلى: قال: خذ نونا ميتا حيث ينفخ فيه الروح.
فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرا، فذلك قوله جل ذكره {وإذ قال موسى لفتاه}. يوشع بن نون، ليس عن سعيد بن جبير، قال بينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ تضرب الحوت وموسى نائم، فقال فتاه لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كأن أثره في حجر، قال لي عمرو: هكذا، كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما.
{لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا}. قال: قد قطع الله عنك النصب ليست هذه عن سعيد. أخبره فرجعا فوجدا خضرا - قال لي عثمان بن أبي سليمان - على طنفسة خضراء على كبد البحر، قال سعيد بن جبير مسجى بثوبه، قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضي من سلام؟ من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك، وأن الوحي يأتيك؟ يا موسى إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه. فأخذ طائر بمنقاره من البحر، فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر.
{حتى إذا ركبا في السفينة}. وجد معابر صغارا تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر، عرفوه فقالوا: عبد الله الصالح. قال فقلنا لسعيد: خضر؟ قال: نعم. لا نحمله بأجر، فخرقها ووتد فيها وتدا "قال" موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا}. وقال مجاهد: منكرا. {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا}. كانت الأولى نسيانا، والوسطى شرطا، والثالثة عمدا {قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا، فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله}. قال يعلى قال سعيد: وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه، ثم ذبحه بالسكين {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس}. لم تعمل بالخبيث. وكان ابن عباس قرأها: زكية زاكية مسلمة، كقولك غلاما زكيا.
{فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه}. قال سعيد بيده هكذا، ورفع يده فاستقام. قال يعلى: حسبت أن سعيدا قال: فمسحه بيده فاستقام {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا}. قال سعيد: أجرا نأكله.
{وكان وراءهم}. وكان أمامهم، قرأها ابن عباس: أمامهم ملك يزعمون عن غير سعيد أنه "هدد من بدد" والغلام المقتول اسمه يزعمون "جيسور" {ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها. ومنهم من يقول: سدوها بقارورة، ومنهم من يقول بالقار.
{فكان أبواه مؤمنين}. وكان كافرا {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا}. أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة}. لقوله: {أقتلت نفسا زكية}. {وأقرب رحما} هما بها أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر.
وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية، وأما داود بن أبي عاصم فقال من غير واحد إنها جارية
وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خطب موسى بني إسرائيل، فقال: ما أحد أعلم بالله وبأمره مني، فأمر أن يلقي هذا الرجل، فذكر نحو ما تقدم.
وهكذا رواه محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله كنحو ما تقدم أيضا.
ورواه العوفي عنه موقوفا. وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس: أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، فقال ابن عباس هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس، فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه، فهل سمعت من رسول الله فيه شيئا؟ قال: نعم، وذكر الحديث.
وقد تقصينا طرق هذا الحديث وألفاظه في تفسير سورة الكهف ولله الحمد.
وقوله: {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة}. قال السهيلي: وهما أصرم وصريم ابنا كاشح {وكان تحته كنز لهما} قيل كان ذهبا، قاله عكرمة. وقيل علما، قاله ابن عباس. والأشبه أنه كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه علم. قال البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا بشر بن المنذر، حدثنا الحارث بن عبد الله اليحصبي عن عياش بن عباس الغساني عن ابن حجيرة، عن أبي ذر رفعه قال: "إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من الذهب مصمت مكتوب فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر كيف نصب! وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك؟ وعجبت لمن ذكر الموت كيف غفل؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله".
وهكذا روى عن الحسن البصري وعمر مولى غفرة وجعفر الصادق نحو هذا.
وقوله: {وكان أبوهما صالحا}، قيل إنه كان الأب السابع وقيل العاشر. وعلى كل تقدير: فيه دلالة على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته والله المستعان.
وقوله: {رحمة من ربك } دليل على أنه كان نبيا، وأنه ما فعل شيئا من تلقاء نفسه بل بأمر ربه فهو نبي وقيل رسول وقيل لي وأغرب من هذا من قال إنه كان ملكا. قلت وقد أغرب جدا من قال هو ابن فرعون، وقيل إنه ابن ضحاك الذي ملك الدنيا ألف سنة.
قال ابن جرير: والذي عليه جمهور أهل الكتاب أنه كان في زمن "أفريدون" ويقال إنه كان على مقدمة ذي القرنين، الذي قيل أنه كان أفريدون، وذو الفرس هو الذي كان في زمن الخليل. وزعموا أنه شرب من ماء الحياة فخلد وهو باق إلى الآن.
وقيل إنه من ولد بعض من آمن بإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل. وقيل اسمه ملكان، وقيل أرميا بن حلقيا، وقيل كان نبيا في زمن سباسب بن بهراسب.
قال ابن جرير: وقد كان بين أفريدون وبين سباسب دهور طويلة لا يجهلها أحد من أهل العلم بالأنساب قال ابن جرير: والصحيح أنه كان في زمن أفريدون، واستمر حيا إلى أن أدركه موسى عليه السلام. وكانت نبوة موسى في زمن "منوشهر" الذي هو من ولد أبرج بن أفريدون أحد ملوك الفرس، وكان إليه الملك بعد جده أفريدون لعهد وكان عادلا. وهو أول من خندق الخنادق، وأول من جعل في كل قرية دهقانا، وكانت مدة ملكه قريبا من مائة وخمسين سنة. ويقال إنه كان من سلالة إسحاق بن إبراهيم.
وقد ذكر عنه من الخطب الحسان والكلم البليغ النافع الفصيح ما يبهر العقل، ويحير السامع، وهذا يدل على أنه من سلالة الخليل. والله أعلم.
وقد قال الله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}.
فأخذ الله ميثاق كل نبي على أن يؤمن بمن يجيء من بعده من الأنبياء وينصره واستلزم ذلك الإيمان وأخذ الميثاق لمحمد لأنه خاتم الأنبياء فحق على كل نبي أدركه أن يؤمن به وينصره فلو كان الخضر حيا في زمانه، لما وسعه إلا اتباعه والاجتماع به والقيام بنصره، ولكان من جملة من تحت لوائه يوم بدر، كما كان تحتها جبريل وسادات من الملائكة.
وقصارى الخضر عليه السلام أن يكون نبيا، وهو الحق، أو رسولا كما قيل، أو ملكا فيما ذكر. وأيا ما كان فجبريل رئيس الملائكة، وموسى أشرف من الخضر، ولو كان حيا لوجب عليه الإيمان بمحمد ونصرته، فكيف إن كان الخضر وليا كما يقوله طوائف كثيرون؟ فأولى أن يدخل في عموم البعثة وأحرى. ولم ينقل في حديث حسن بل ولا ضعيف يعتمد أنه جاء يوما واحدا إلى رسول الله ، ولا أجتمع به، وما ذكر من حديث التعزية فيه، وإن كان الحاكم قد رواه، فإسناده ضعيف، والله أعلم وسنفرد لخضر ترجمة على حدة بعد هذا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:49 am


قصة قارون مع موسى عليه السلام
قال الله تعالى: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون، فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون، فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون، تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}.
قال الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان قارون ابن عم موسى، وكذا قال إبراهيم النخعي وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وسماك بن حرب وقتادة ومالك ابن دينار وابن جريج وزاد فقال: هو قارون بن يصهب بن قاهث، وموسى بن عمران بن قاهث. قال ابن جرير وهذا قول أكثر أهل العلم: أنه كان ابن عم موسى، ورد قوله ابن إسحاق إنه كان عم موسى. وقال قتادة: وكان يسمى المنور لحسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري، فأهلكه البغي لكثرة ماله. وقال شهر بن حوشب: زاد في ثيابه شبرا طولا ترفعا على قومه.
وقد ذكر الله تعالى كثرة كنوزه؛ حتى إن مفاتحه كان يثقل حملها على الفنام من الرجال الشداد، وقد قيل إنها كانت من الجلود وإنها كانت تحمل على ستين بغلا، فالله أعلم.
وقد وعظه النصحاء من قومه قائلين: {لا تفرح} أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر على غيرك، {إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة} يقولون: لتكن همتك مصروفة لتحصل ثواب الله في الدار الآخرة، فإنه خير وأبقى، ومع هذا {ولا تنس نصيبك من الدنيا} أي وتناول منها بمالك ما احل الله لك، فتمتع لنفسك بالملاذ الطيبة الحلال، {وأحسن كما أحسن الله إليك} أي وأحسن إلى خلق الله كما أحسن الله خالقهم وبارئهم إليك {ولا تبغ الفساد في الأرض} أي ولا تسيء إليهم ولا تفسد فيهم، فتقابلهم ضد ما أمرت فيهم فيعاقبك ويسلبك ما وهبك، {إن الله لا يحب المفسدين}.
فما كان جواب قومه لهذه النصيحة الصحيحة الفصيحة إلا أن {قال إنما أوتيته على علم عندي} يعني أنا لا أحتاج إلى استماع ما ذكرتم، ولا إلى ما إليه أشرتم، فإن الله إنما أعطاني هذا لعلمه أني أستحقه، وأني أهل له، ولولا أني حبيب إليه وحظي عنده لما أعطاني ما أعطاني.
قال الله تعالى ردا عليه فيما ذهب إليه: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} أي قد أهلكنا من الأمم الماضين بذنوبهم وخطاياهم من هو أشد من قارون قوة وأكثر أموالا وأولادا؛ فلو كان ما قال صحيحا لم نعاقب أحدا من كان أكثر مالا منه، ولم يكن ماله دليلا على محبتنا له واعتنائنا به، كما قال تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا} وقال تعالى: {أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين، نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون} وهذا هو الرد عليه يدل على صحة ما ذهبنا إليه من معنى قوله: {إنما أوتيته على علم عندي}.
وأما من زعم أن المراد من ذلك أنه كان يعرف صنعة الكيمياء. أو أنه كان يحفظ الاسم الأعظم فاستعمله في جمع الأموال، فليس بصحيح؛ لأن الكيمياء تخييل وصنعة، لا تحيل الحقائق، ولا تشابه صنعة الخالق. والاسم الأعظم لا يصعد الدعاء به من كافر به، وقارون كان كافرا في الباطن منافقا في الظاهر. ثم لا يصح جوابه لهم بهذا على هذا التقدير. ولا يبقى بين الكلامين تلازم، وقد وضحنا هذا في كتابنا التفسير، ولله الحمد.
قال الله تعالى: {فخرج على قومه في زينته} ذكر كثير من المفسرين أنه خرج في تجمل عظيم؛ من ملابس ومراكب وخدم وحشم. فلما رآه من يعظم زهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله، وغبطوه بما عليه وله، فلما سمع مقالتهم العلماء، ذوو الفهم الصحيح الزهاد الألباء، قالوا لهم: {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا} أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى. قال الله تعالى: {ولا يلقاها إلا الصابرون}. أي وما يلقى هذه النصيحة وهذه المقالة، وهذه الهمة السامية إلى الدار الآخرة العلية، عند النظر إلى زهرة هذه الدنيا الدنية إلا من هدى الله قلبه وثبت فؤاده، وأيد لبه وحقق مراده.
وما أحسن ما قال بعض السلف: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، والعقل الكامل عند حلول الشهوات!.
قال الله تعالى: {فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين}.
لما ذكر تعالى خروجه في زينته واختياله فيها، وفخره على قومه بها قال: {فخسفنا به وبداره الأرض} كما روى البخاري من حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي قال: "بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة".
ثم رواه البخاري من حديث جرير بن زيد، عن سالم، عن أبي هريرة عن النبي نحوه. وقد ذكر عن ابن عباس والسدي: أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تقول لموسى عليه السلام وهو في ملأ من الناس: إنك فعلت بي كذا وكذا، فيقال إنها قالت له ذلك، فأرعد من الفرق وصلى ركعتين، ثم أقبل عليها فاستحلفها من ذلك على ذلك، وما حملت عليه، فذكرت أن قارون هو الذي حملها على ذلك. واستغفرت الله وتابت إليه. فعند ذلك خر موسى لله ساجدا، ودعا الله على قارون. فأوحى الله إليه: إني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره، فكان ذلك، والله أعلم.
وقد قيل: إن قارون لما خرج على قومه في زينته مر بجحفله وبغاله وملابسه على مجلس موسى عليه السلام، وهو يذكر قومه بأيام الله. فلما رآه الناس انصرفت وجوه كثير منهم ينظرون إليه، فدعاه موسى عليه السلام فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: يا موسى أما لئن كنت فضلت علي بالنبوة، فقد فضلت عليك بالمال، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون علي ولأدعون عليك.
فخرج موسى وخرج قارون في قومه، فقال له موسى: تدعو أو أدعو أنا؟ قال: أدعو أنا، فدعا قارون فلم يجب له في موسى، فقال موسى: أدعو؟ قال: نعم. فقال موسى اللهم مر الأرض فلتطعني اليوم، فأوحى الله إليه إني قد فعلت. فقال موسى: يا أرض خذيهم. فأخذتهم إلى أقدامهم، ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، ثم إلى مناكبهم. ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم، فأقبلت بها حتى نظروا إليها، ثم أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوى فاستوت بهم الأرض.
وقد روي عن قتادة أنه قال: يخسف بهم كل يوم قامة إلى يوم القيامة. وعن ابن عباس أنه قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة. وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا إسرائيليات كثيرة، أضربنا عنها صفحا وتركناها قصدا.
وقوله تعالى: {فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين} لم يكن له ناصر من نفسه ولا من غيره كما قال: {فما له من قوة ولا ناصر}.
ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الأموال وخراب الدار وإهلاك النفس والأهل والعقار، ندم من كان تمنى مثل ما أوتي، وشكروا الله تعالى الذي يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير المخزون، ولهذا قالوا: { لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون} وقد تكلمنا على لفظ ويكأن في التفسير وقد قال قتادة: ويكأن بمعنى ألم تر أن. وهذا قول حسن من حيث المعنى، والله أعلم.
ثم أخبر تعالى أن {الدار الآخرة} وهي دار القرار، وهي الدار التي يغبط من أعطيها ويعزى من حرمها إنما هي معدة {للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا}. فالعلو هو التكبر والفخر والأشر والبطر. والفساد هو عمل المعاصي اللازمة والمتعدية، من أخذ أموال الناس وإفساد معايشهم، والإساءة إليهم وعدم النصح لهم.
ثم قال تعالى: {والعاقبة للمتقين}.
وقصة قارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر، لقوله: {فخسفنا به وبداره الأرض}. فإن الدار ظاهرة في البنيان، وقد تكون بعد ذلك في التيه، وتكون الدار عبارة عن المحلة التي تضرب فيها الخيام؛ كما قال عنترة:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ** ** ** وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
والله أعلم.
وقد ذكر الله تعالى مذمة قارون في غير ما آية من القرآن، قال الله، {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب}.
وقال تعالى في سورة العنكبوت بعد ذكر عاد وثمود: {وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين، فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
فالذي خسف به الأرض قارون كما تقدم، والذي أغرق فرعون وهامان وجنودهما إنهم كانوا خاطئين.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا سعيد، حدثنا كعب بن علقمة، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي أنه ذكر الصلاة يوما فقال: "من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف". تفرد به أحمد رحمه الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:50 am

قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم
قال الله تعالى: {واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين، ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين، ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه، قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين، قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين، إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين، والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم، ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون}.
وقال تعالى: {وما أعجلك عن قومك ياموسى، قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى، قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري، فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال ياقوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي، قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري، فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي، أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا، ولقد قال لهم هارون من قبل ياقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمان فاتبعوني وأطيعوا أمري، قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى،قال ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا، ألا تتبعني أفعصيت أمري، قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي، قال فما خطبك ياسامري، قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي، قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظللت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما}.
يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل، حين ذهب موسى عليه السلام إلى ميقات ربه فمكث على الطور يناجيه ربه ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة وهو تعالى يجيبه عنها.
فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري، فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلي، فصاغ منه عجلا وألقى فيه قبضة من التراب، كان أخذها من أثر فرس جبريل، حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه. فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل الحقيقي. ويقال إنه استحال عجلا جسدا أي لحما ودما حيا يخور، قال قتادة وغيره. وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كمن تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون.
{فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي}. أي فنسي موسى ربه عندنا، وذهب يتطلبه وهو هاهنا! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتقدست أسماؤه وصفاته، وتضاعفت آلاؤه وهباته.
قال الله تعالى مبينا بطلان ما ذهبوا إليه، وما عولوا عليه من إلهية هذا الذي قصاراه أن يكون حيوانا بهيما أو شيطانا رجيما: {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا}. وقال: {ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين}.
فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جوابا، ولا يملك ضرا ولا نفعا، ولا يهدي إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم، عالمون في أنفسهم بطلان ما هم عليه من الجهل والضلال.
{ولما سقط في أيديهم}. أي ندموا على ما صنعوا {ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين}.
ولما رجع موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، ومعه الألواح المتضمنة التوراة، ألقاها، فيقال إنه كسرها. وهكذا هو عند أهل الكتاب، وإن الله أبدله غيرها، وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك، إلا أنه ألقاها حين عاين ما عاين.
وعند أهل الكتاب: أنهما كانا لوحين، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة. ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل، فأمره بمعاينة ذلك.
ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "ليس الخبر كالمعاينة". ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه، بما ليس بصحيح، قالوا إنا {حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري}. تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي له خوار، مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار!.
ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام قائلا له {يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا، ألا تتبعني}. أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا، فقال: {إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل}. أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم.
{قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين}. وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي، وزجرهم عنه أتم الزجر.
قال الله تعالى: {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به}. أي إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله يخور فتنة واختبارا لكم، {وإن ربكم الرحمان}. أي لا هذا {فاتبعوني}. أي فيما أقول لكم {وأطيعوا أمري، قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى}. يشهد الله لهارون عليه السلام {وكفى بالله شهيدا}. أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه.
ثم أقبل موسى على السامري {قال فما خطبك يا سامري}. أي ما حملك على ما صنعت {قال بصرت بما لم يبصروا به}. أي رأيت جبرائيل وهو راكب فرسا {فقبضت قبضة من أثر الرسول}. أي من أثر فرس جبريل. وقد ذكر بعضهم أنه رآه، وكلما وطئت بحوافرها على موضع اخضر وأعشب، فأخذ من أثر حافرها، فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان. ولهذا قال: {فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي، قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس}. وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحدا، معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه، هذا معاقبة له في الدنيا، ثم توعده في الأخرى فقال: {وإن لك موعدا لن تخلفه} - وقرئ {لن تخلفه} {وانظر إلى إلهك الذي ظللت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا}. قال: فعمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل، فحرقه قيل بالنار، كما قاله قتادة وغيره. وقيل بالمبارد، كما قاله علي وابن عباس وغيرهما، وهو نص أهل الكتاب، ثم ذراه في البحر، وأمر بني إسرائيل فشربوا، فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد ما يدل عليه، وقيل بل اصفرت ألوانهم.
ثم قال تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لهم: {إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما}.
وقال تعالى: {إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين}
وهكذا وقع. وقد قال بعض السلف: {وكذلك نجزي المفترين} مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة!
ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة من تاب إليه، بتوبته عليه، فقال: {والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم}.
لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بالقتل، كما قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم} فيقال إنهم أصبحوا يوما وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف، وألقى الله عليهم ضبابا حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه، ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم فيقال إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين ألفا!
ثم قال تعالى: {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون}. استدل بعضهم بقوله: {وفي نسختها}. على أنها تكسرت، وفي هذا الاستدلال نظر، وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت، والله أعلم.
ذكر ابن عباس في حديث الفتون كما سيأتي: أن عبادتهم ... على أثر خروجهم من البحر. وما هو ببعيد، لأنهم حين خرجوا {قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة}. وهكذا عند أهل الكتاب، فإن عبادتهم العجل كانت قبل مجيئهم بلاد بيت المقدس. وذلك أنهم لما أمروا بقتل من عبد العجل، قتلوا في أول يوم ثلاثة آلاف، ثم ذهب موسى يستغفر لهم، فغفر لهم بشرط أن يدخلوا الأرض المقدسة.
{واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}.
ذكر السدي وابن عباس وغيرهما أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بني إسرائيل، ومعهم موسى وهارون ويوشع وناذاب وأبيهو، ذهبوا مع موسى عليه السلام ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل. وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه الغمام وعمود النور ساطع صعد موسى الجبل.
فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله. وهذا قد وافقهم عليه طائفة من المفسرين، وحملوا عليه قوله تعالى: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}.
وليس هذا بلازم، لقوله تعالى: {فأجره حتى يسمع كلام الله}. أي مبلغا، وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغا من موسى عليه السلام.
وزعموا أيضا أن السبعين رأوا الله، وهذا غلط منهم، لأنهم لما سألوا الرؤية أخذتهم الرجفة، كما قال تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون}. وقال هاهنا {فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي}.
قال محمد بن إسحاق: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا: الخير فالخير، وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه بما صنعتم وسلوه التوبة على ما تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم.
فخرج بهم إلى طور سيناء، لميقات وقته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم. فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله، فقال: أفعل.
فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل في الغمام، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلمه الله، وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه. فضرب دونه الحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا، فسمعوه وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل. فلما فرغ الله من أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم فقالوا: {يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة}. فأخذتهم الرجفة، وهي الصاعقة فأتلفت أرواحهم فماتوا جميعا. فقام موسى يناشد ربه ويدعوه، ويرغب إليه ويقول: {رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} أي لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا العجل منا فإنا براء مما عملوا.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل. وقوله: {إن هي إلا فتنتك}. أي اختبارك وابتلاؤك وامتحانك. قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس، وغير واحد من علماء السلف والخلف، يعني أنت الذي قدرت هذا، وخلقت ما كان من أمر العجل اختبارا تختبرهم به كما: {قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به}. أي اختبرتم.
ولهذا قال: {تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء}. أي من شئت أظللته باختبارك إياه، ومن شئت هديته، لك الحكم والمشيئة ولا مانع ولا راد لما حكمت وقضيت.
{أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك}. أي تبنا إليك ورجعنا وأنبنا. قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية وإبراهيم التيمي والضحاك والسدي وقتادة وغير واحد. وهو كذلك في اللغة. {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء}. أي أنا أعذب من شئت بما أشاء من الأمور التي أخلقها وأقدرها.
{ورحمتي وسعت كل شيء}. كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله أنه قال: "إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض كتب كتابا فهو موضوع عنده فوق العرش: "إن رحمتي تغلب غضبي" {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون}. أي فسأوجبها حتما لمن يتصف بهذه الصفات: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي} الآية.
وهذا فيه تنويه بذكر محمد وأمته من الله لموسى عليه السلام، في جملة ما ناجاه به وأعلمه وأطلعه عليه. وقد تكلمنا على هذه الآية وما بعدها في التفسير بما فيه كفاية ومقنع، ولله الحمد والمنة.
وقال قتادة: قال موسى: يا رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق، السابقون في دخول الجنة، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها، وكان من قبلهم يقرأون كتابهم نظرا، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه، وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم، قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فضول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها. وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها نارا فأكلتها، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم، قال: رب فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب فإني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال: رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون المشفوع لهم، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.
قال قتادة: فذكر لنا أن موسى عليه السلام نبذ الألواح، وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد.
وقد ذكر كثير من الناس ما كان من مناجاة موسى عليه السلام، وأوردوا أشياء كثيرة لا أصل لها ونحن نذكر ما تيسر ذكره من الأحاديث والآثار بعون الله وتوفيقه، وحسن هدايته ومعونته وتأييده.
قال الحافظ أبو حاتم محمد بن حاتم بن حبان في صحيحه: "ذكر سؤال كليم الله ربه عز وجل عن أدنى أهل الجنة وأرفعهم منزلة": أخبرنا عمر بن سعيد الطائي ببلخ، حدثنا حامد بن يحيى البلخي، حدثنا سفيان، حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن أبجر شيخان صالحان، قالا: سمعنا الشعبي يقول: سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر عن النبي : "إن موسى عليه السلام سأل ربه عز وجل: أي أهل الجنة أدنى منزلة؟ فقال: رجل يجيء بعدما يدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: أدخل الجنة، فيقول: كيف أدخل الجنة وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا إخاذاتهم؟ فيقال له: ترضى أن يكون لك من الجنة مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: نعم أي رب، فيقال: لك هذا ومثله معه، فيقول: أي رب رضيت؛ فيقال له: لك مع هذا ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. وسأل ربه: "أي أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال: سأحدثك عنهم، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}.
وهكذا رواه مسلم والترمذي كلاهما عن ابن أبي عمر، عن سفيان وهو ابن عيينه به. ولفظ مسلم: "فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقال رضيت رب. فيقال له: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: رضيت رب. فيقال: هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول: رضيت رب "قال رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت غرس كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر".
قال: ومصداقه من كتاب الله: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}.
وقال الترمذي حسن صحيح: قال: ورواه بعضهم عن الشعبي عن المغيره فلم يرفعه، والمرفوع أصح.
وقال ابن حبان: "ذكر سؤال الكليم ربه عن خصال سبع" : حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم ببيت المقدس، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب. أخبرني عمرو بن الحارث، أن أبا السمح حدثه عن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: "سأل موسى ربه عز وجل عن ست خصال كان يظن أنها له خالصة، والسابعة لم يكن موسى يحبها: قال: يا رب أي عبادك أتقى؟ قال: الذي يذكر ولا ينسى. قال: فأي عبادك أهدى؟ قال: الذي يتبع الهدى. قال: فأي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه. قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: عالم لا يشبع من العلم. يجمع علم الناس إلى علمه. قال: فأي عبادك أعز؟ قال: الذي إذا قدر غفر. قال: فأي عبادك أغنى؟ قال: الذي يرضى بما يؤتى. قال: فأي عبادك أفقر؟ قال: صاحب منقوص".
وقال رسول الله : "ليس الغنى عن ظهر، إنما الغنى غنى النفس، وإذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه، وإذا أراد الله بعبد شرا جعل فقره بين عينيه.
قال ابن حبان: قوله "صاحب منقوص" يريد به منقوص حالته، يستقل ما أوتي ويطلب الفضل.
وقد رواه ابن جرير في تاريخه عن ابن حميد، عن يعقوب التميمي، عن هارون بن هبيرة، عن أبيه، عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه عز وجل فذكر نحوه. وفيه "قال: أي رب فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه، عسى أن يجد كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى. قال: أي رب فهل في الأرض أحد أعلم مني؟ قال: نعم الخضر فسأل السبيل إلى لقيه، فكان ما سنذكره بعد إن شاء الله، وبه الثقة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:51 am


قصة حزقيل
قال الله تعالى: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون}.
قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوذى وهو ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه فيما بلغنا.
{ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت}
قال ابن إسحاق: فروا من الوباء فنزلوا بصعيد من الأرض فقال لهم الله موتوا فماتوا جميعا فحظروا عليهم حظيرة دون السباع، فمضت عليهم دهور طويلة فمر بهم حزقيل عليه السلام فوقف عليهم متفكرا فقيل له: أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟ فقال: نعم. فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحما وأن يتصل العصب بعضه ببعض فإذا هم عن أمر الله له بذلك، فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد.
وقال أسباط عن السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة في قوله: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم}. قالوا: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، وقع بها الطاعون، فهرب عامة أهلها، فنزلوا ناحية منها، فهلك من بقي في القرية، وسلم الآخرون فلم يمت منهم كثير، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم. فوقع في قابل، فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفا، حتى نزلوا ذلك المكان، وهو واد أفيح، فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا فماتوا حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم، ويلوي شدقيه وأصابعه، فأوحى الله إليه: تريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال: نعم. وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم، فقيل له: ناد. فنادى: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما فاكتست لحما ودما وثيابها التي ماتت فيها. ثم قيل له: ناد. فنادى: أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فقاموا.
قال أسباط: فزعم منصور عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا "سبحانك الله وبحمدك لا إله إلا أنت" فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبا إلا عاد رسما، حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم.
وعن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف وعنه ثمانية آلاف، وعن أبي صالح تسعة آلاف، وعن ابن عباس أيضا كانوا أربعين ألفا.
وعن سعيد بن عبد العزيز كانوا من أهل أذرعات.
وقال ابن جريج عن عطاء: هذا مثل. يعني أنه سيق مثلا مبينا أنه لن يغني حذر من قدر! وقول الجمهور أقوى أن هذا وقع.
وقد روى الإمام أحمد وصاحبا الصحيح من طريق الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن عباس، أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء وقع بالشام. فذكر الحديث. يعني في مشاورته المهاجرين والأنصار فاختلفوا عليه، فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا ببعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علما سمعت رسول الله يقول: "إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه" فحمد الله عمر ثم انصرف.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج ويزيد المفتى قالا حدثنا ابن أبي ذؤيب عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي أن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. قال: فرجع عمر من الشام. وأخرجاه من حديث مالك عن الزهري بنحوه.
قال محمد بن إسحاق ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل ثم إن الله قبضه إليه، فلما قبض نسي بنو إسرائيل عهد الله إليهم وعظمت فيهم الأحداث وعبدوا الأوثان وكان من جملة ما يعبدونه من الأصنام صنم يقال له بعل، فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.
قلت: وقد قدمنا قصة إلياس تبعا لقصة الخضر لأنهما يقرنان في الذكر غالبا، ولأجل أنها بعد قصة موسى في سورة الصافات فتعجلنا قصته لذلك والله أعلم.
قال محمد بن إسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال: ثم تنبأ فيهم إلياس وصية اليسع بن أخطوب عليه السلام. وهذه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:52 am

‏.
قصة بقرة بني إسرائيل
قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون، قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون، قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون، وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون، فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون}.
قال ابن عباس وعبيدة السلماني وأبو العالية ومجاهد والسدي، وغير واحد من السلف: كان رجل في بني إسرائيل كثير المال، وكان شيخا كبيرا، وله بنو أخ، وكانوا يتمنون موته ليرثوه، فعمد أحدهم فقتله في الليل وطرحه في مجمع الطرق، ويقال على باب رجل منهم.
فلما أصبح الناس اختصموا فيه، وجاء ابن أخيه فجعل يصرخ ويتظلم، فقالوا: مالكم تختصمون ولا تأتون نبي الله، فجاء ابن أخيه فشكا أمر عمه إلى رسول الله موسى . فقال موسى عليه السلام: "أنشد الله رجلا عنده علم من أمر هذا القتيل إلا أعلمنا به". فلم يكن عند أحد منهم علم منه. وسألوه أن يسأل في هذه القضية ربه عز وجل.
فسأل ربه عز وجل في ذلك، فأمره الله أن يأمرهم بذبح بقرة. فقال: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا} يعنون نحن نسألك عن أمر هذا القتيل، وأنت تقول لنا هذا؟ {قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} أي أعوذ بالله أن أقول عنه غير ما أوحى إلي، أو هذا هو الذي أجابني حين سألته عما سألتموني أن أسأله فيه. قال ابن عباس وعبيدة ومجاهد وعكرمة والسدي وأبو العالية وغير واحد: لو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لحصل المقصود منها، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم. وقد ورد في حديث مرفوع، وفي إسناده ضعف. فسألوا عن صفتها، ثم عن لونها، ثم عن سنها، فأجيبوا بما عز وجوده فيهم. وقد ذكرنا ذلك كله في التفسير.
والمقصود أنهم أمروا بذبح بقرة عوان، وهي الوسط النصف بين الفارض وهي الكبيرة، والبكر وهي الصغيرة. قاله ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وعكرمة والحسن وقتادة وجماعة. ثم شددوا وضيقوا على أنفسهم فسألوا عن لونها، فأمروا بصفراء فاقع لونها، أي مشرب بحمرة، نسر الناظرين، وهذا اللون عزيز. ثم شددوا أيضا {قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون}.
ففي الحديث المرفوع الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه: "لولا أن بني إسرائيل استثنوا لما أعطوا" وفي صحته نظر. والله أعلم.
{قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون}. وهذه الصفات أضيق مما تقدم؛ حيث أمروا بذبح بقرة ليست بالذلول، وهي المذللة بالحراثة وسقي الأرض بالساقية، مسلمة، وهي الصحيحة التي لا عيب فيها، قال أبو العالية وقتادة. وقوله: {لا شية فيها}. أي ليس فيها لون يخالف لونها، بل هي مسلمة من العيوب، ومن مخالطة سائر الألوان غير لونها. فلما حددها بهذه الصفات، وحصرها بهذه النعوت والأوصاف {قالوا الآن جئت بالحق}.
ويقال إنهم لم يجدوا هذه البقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم كان بارا بأبيه، فطلبوها منه فأبى عليهم، فأرغبوه في ثمنها حتى أعطوه، فيما ذكره السدي، بوزنها ذهبا فأبى عليهم، حتى أعطوه بوزنها عشر مرات، فباعها منهم.
فأمرهم نبي الله موسى بذبحها {فذبحوها وما كادوا يفعلون}. أي وهم يترددون في أمرها. ثم أمرهم عن الله أن يضربوا ذلك القتيل ببعضها قيل بلحم فخذها، وقيل بالعظم الذي يلي الغضروف، وقيل بالبضعة التي بين الكتفين، فلما ضربوه ببعضها أحياه الله تعالى، فقام وهو يشخب أوداجه، فسأله نبي الله موسى من قتلك؟ قال: قتلني ابن أخي. ثم عاد ميتا كما كان.
قال الله تعالى: {كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون}. أي كما شاهدتم إحياء هذا القتيل عن أمر الله له، كذلك أمره في سائر الموتى إذا شاء إحياءهم أحياهم في ساعة واحدة كما قال: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:53 am


فصل فيما كان من أمر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون
قال الله تعالى: {فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين، وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون، وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون، قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين، وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} يذكر تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده في غرقهم وكيف سلبهم عزهم ومالهم وأنفسهم وأورث بني إسرائيل جميع أموالهم وأملاكهم كما قال: {كذلك وأورثناها بني إسرائيل} وقال: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}، وقال هاهنا: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}.
أي أهلك ذلك جميعه وسلبهم عزهم العزيز العريض في الدنيا، وهلك الملك وحاشيته وأمراؤه وجنوده، ولم يبق ببلد مصر سوى العامة والرعايا.
فذكر ابن عبد الحكم في تاريخ مصر: أنه من ذلك الزمان تسلط نساء مصر على رجالها بسبب أن نساء الأمراء والكبراء تزوجن بمن دونهن من العامة فكانت لهن السطوة عليهم، واستمرت هذه سنة نساء مصر إلى يومنا هذا.
وعند أهل الكتاب أن بني إسرائيل لما أمروا بالخروج من مصر جعل الله ذلك الشهر أول سنتهم، وأمروا أن يذبح كل أهل بيت حملا من الغنم فان كانوا لا يحتاجون إلى حمل فليشترك الجار وجاره فيه.
فإذا ذبحوه فلينضحوا من دمه على أعتاب أبوابهم ليكون علامة لهم على بيوتهم ولا يأكلونه مطبوخا ولكن مشويا برأسه وأكارعه وبطنه، ولا يبقوا منه شيئا ولا يكسروا له عظما ولا يخرجوا منه شيئا إلى خارج بيوتهم، وليكن خبزهم فطيرا سبعة أيام، ابتداؤها من الرابع عشر من الشهر الأول من سنتهم. وكان ذلك في فصل الربيع، فإذا أكلوا فلتكن أوساطهم مشدودة، وخفافهم في أرجلهم، وعصيهم في أيديهم، وليأكلوا بسرعة قياما. ومهما فضل عن عشائهم فما بقي إلى الغد فليحرقوه بالنار. وشرع لهم هذا عيدا لأعقابهم ما دامت التوارة معمولا بها، فإذا نسخت بطل شرعها وقد وقع.
قالوا: وقتل الله عز وجل في تلك الليلة أبكار القبط، وأبكار دوابهم، ليشتغلوا عنهم، وخرج بنو إسرائيل حين انتصف النهار، وأهل مصر في مناحة عظيمة على أبكار أولادهم، وأبكار أموالهم، ليس من بيت إلا وفيه عويل.
وحين جاء الوحي إلى موسى خرجوا مسرعين، فحملوا العجين قبل اختماره، وحملوا الأزواد في الأردية وألقوها على عواتقهم، وكانوا قد استعاروا من أهل مصر حليا كثيرا، فخرجوا وهم ستمائة ألف رجل سوى الدراري بما معهم من الأنعام، وكانت مدة مقامهم بمصر أربعمائة سنة وثلاثين سنة. هذا نص كتابهم. وهذه السنة عندهم تسمى سنة الفسخ، وهذا العيد عيد الفسخ. ولهم عيد الفطير، وعيد الحمل، وهو أول السنة، وهذه الأعياد الثلاثة آكد أعيادهم منصوص عليها في كتابهم.
ولما خرجوا من مصر أخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام، وخرجوا على طريق بحر سوف. وكانوا في النهار يسيرون والسحاب بين أيديهم يسير أمامهم، فيه عامود نور، وبالليل أمامهم عامود نار فانتهى بهم الطريق إلى ساحل البحر، فتنزلوا هنالك، وأدركهم فرعون وجنوده من المصريين وهم هنالك حلول على شاطئ اليم فقلق كثير من بني إسرائيل حتى قال قائلهم: كان بقاؤنا بمصر أحب إلينا من الموت بهذه البرية. فقال موسى عليه السلام لمن قال هذه المقالة: لا تخشوا فإن فرعون وجنوده لا يرجعون إلى بلدهم بعد هذا.
قالوا: وأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه، وأن يقسمه، ليدخل بنو إسرائيل في البحر واليبس. وصار الماء من هاهنا وهاهنا كالجبلين، وصار وسطه يبسا لأن الله سلط عليه ريح الجنوب والسموم، فجاز بنو إسرائيل البحر، وأتبعهم فرعون وجنوده، فلما توسطوه أمر الله موسى فضرب البحر بعصاه، فرجع الماء كما كان عليهم.
لكن عند أهل الكتاب: أن هذا كان في الليل، وأن البحر ارتطم عليهم عند الصبح، وهذا من غلطهم وعدم فهمهم في تعريبهم والله أعلم.
قالوا: ولما أغرق الله فرعون وجنوده حينئذ سبح موسى وبنو إسرائيل بهذا التسبيح للرب وقالوا: {نسبح الرب البهي الذي قهر الجنود ونبذ فرسانها في البحر المنيع المحمود} وهو تسبيح طويل.
قالوا: وأخذت مريم النبية أخت هارون دفا بيدها وخرج النساء في أثرها كلهن بدفوف وطبول، وجعلت مريم ترتل لهن وتقول: سبحان الرب القهار، الذي قهر الخيول وركبانها إلقاء في البحر.
هكذا رأيته في كتابهم. ولعل هذا هو من الذي حمل محمد بن كعب القرظي على زعمه أن مريم بنت عمران أم عيسى هي أخت هارون وموسى مع قوله: {يا أخت هارون}.
وقد بينا غلطه في ذلك، وأن هذا لا يمكن أن يقال، ولم يتابعه أحد عليه، بل كل واحد خالفه فيه، ولو قدر أن هذا محفوظ فهذه مريم بنت عمران أخت موسى وهارون عليهما السلام، وأم عيسى عليها السلام وافقتها في الاسم واسم الأب واسم الأخ لأنهم كما قال رسول الله للمغيرة بن شعبة، لما سأله أهل نجران عن قوله: "يا أخت هارون" فلم يدر ما يقول لهم، حتى سأل رسول الله عن ذلك فقال: "أما علمت أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم" رواه مسلم.
وقولهم "النبية" كما يقال للمرأة من بيت الملك ملكة، ومن بيت الإمرة أميرة، وان لم تكن مباشرة شيئا من ذلك. فكذا هذه استعارة لها لا أنها نبية حقيقة يوحى إليها.
وضربها بالدف في مثل هذا اليوم الذي هو أعظم الأعياد عندهم دليل على أنه قد كان شرع من قبلنا ضرب الدف في العيد، وهذا مشروع لنا أيضا في حق النساء لحديث الجاريتين اللتين كانتا عند عائشة يضربان بالدف في أيام منى، ورسول الله مضطجع مول ظهره إليهم، ووجهه إلى الحائط، فلما دخل أبو بكر زجرهن وقال: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله؟ فقال: "دعهن يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا". وهكذا يشرع عندنا في الأعراس، ولقدوم الغياب، كما هو مقرر في موضعه والله أعلم.
وذكروا أنهم لما جازوا البحر وذهبوا قاصدين إلى بلاد الشام مكثوا ثلاثة أيام لا يجدون ماء، فتكلم من تكلم منهم، بسبب ذلك، فوجدوا ماء زعافا أجاجا لم يستطيعوا شربه، فأمر الله موسى فأخذ خشبة فوضعها فيه فحلا وساغ شربه، وعلمه الرب هنالك فرائض وسننا ووصاه وصايا كثيرة.
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز المهيمن على ما عداه من الكتب: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون} قالوا: هذا الجهل والضلال، قد عاينوا من آيات الله وقدرته ما دلهم على صدق ما جاءهم به رسول ذو الجلال والإكرام، وذلك أنه مروا على قوم يعبدون أصناما، قيل: كانت على صور البقر، فكأنهم سألوهم: لم يعبدونها؟ فزعموا لهم أنها تنفعهم وتضرهم ويسترزقون بها عند الضرورات، فكأن بعض الجهال منهم صدقوهم في ذلك، فسألوا نبيهم الكليم الكريم العظيم أن يجعل لهم آلهة كما لأولئك آلهة، فقال لهم مبينا لهم أنهم لا يعقلون ولا يهتدون: {إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}.
ثم ذكرهم نعمة الله عليهم في تفضيله إياهم على عالمي زمانهم بالعلم والشرع والرسول الذي بين أظهرهم، وما أحسن به إليهم، وما امتن به عليهم، من إنجائهم من قبضة فرعون الجبار العنيد، وإهلاكه إياه وهم ينظرون، وتوريثه إياهم ما كان فرعون وملؤه يجمعونه من الأموال والسعادة، وما كانوا يعرشون، وبين لهم أنه لا تصلح العبادة إلا لله وحده لا شريك له لأنه الخالق الرازق القهار، وليس كل بني إسرائيل سأل هذا السؤال بل هذا الضمير عائد على الجنس في قوله: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} أي قال بعضهم كما في قوله {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا، وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا} فالذين زعموا هذا بعض الناس لا كلهم.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي، قال: خرجنا مع رسول الله قبل حنين فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها، فقال النبي : "الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم".
ورواه النسائي عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق به. ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، عن سفيان بن عيينة عن الزهري به ثم قال: حسن صحيح.
وقد روى ابن جرير من حديث محمد بن إسحاق ومعمر وعقيل، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان عن أبي واقد الليثي، أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله إلى حنين قال: وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم، يقال لها ذات أنواط، قال: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال: فقلنا يا رسول الله؛ اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}.
والمقصود أن موسى عليه السلام لما انفصل من بلاد مصر وواجه بلاد بيت المقدس وجد فيها قوما من الجبارين من الحيثانيين والفزاريين والكنعانيين وغيرهم.
فأمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم ومقاتلتهم وإجلائهم إياهم عن بيت المقدس، فإن الله كتبه لهم ووعدهم إياه على لسان إبراهيم الخليل، أو موسى الكليم الجليل، فأبوا ونكلوا عن الجهاد، فسلط الله عليهم الخوف وألقاهم في التيه يسيرون ويحلون ويرتحلون ويذهبون ويجيئون في مدة من السنين طويلة هي من العدد أربعون كما قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين، يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين، قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون، قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين، قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين، قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين}.
يذكرهم نبي الله نعمة الله عليهم وإحسانه إليهم بالنعم الدينية والدنيوية، ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله ومقاتلة أعدائه فقال: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم} أي تنكصوا على أعقابكم وتنكلوا عن قتال أعدائكم {فتنقلبوا خاسرين} أي فتخسروا بعد الربح وتنقصوا بعد الكمال.
{قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين} أي عتاة كفرة متمردين {وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} خافوا من هؤلاء الجبارين وقد عاينوا هلاك فرعون وهو أجبر من هؤلاء وأشد بأسا وأكثر جمعا وأعظم جندا، وهذا يدل على أنهم ملومون في هذه المقالة ومذمومون على هذه الحالة من الذلة عن مصاولة الأعداء ومقاومة المردة الأشقياء.
وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا آثارا فيها مجازفات كثيرة باطلة يدل العقل والنقل على خلافها، من أنهم كانوا أشكالا هائلة ضخاما جدا حتى إنهم ذكروا أن رسل بني إسرائيل لما قدموا عليهم تلقاهم رجل من رسل الجبارين فجعل يأخذهم واحدا واحدا ويلفهم في أكمامه وحجرة سراويله، وهم إثنا عشر رجلا، فجاء فنثرهم بين يدي ملك الجبارين، فقال: ما هؤلاء؟ ولم يعرف أنهم من بني آدم حتى عرفوه، وكل هذه هذيانات وخرافات لا حقيقة لها.
وأن الملك بعث معهم عنبا كل عنبة تكفي الرجل، وشيئا من ثمارهم ليعلموا ضخامة أشكالهم وهذا ليس بصحيح.
وذكروا هاهنا أن عوج بن عنق خرج من عند الجبارين إلى بني إسرائيل ليهلكهم، وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع.
هكذا ذكره البغوي وغيره وليس بصحيح كما قدمنا بيانه عند قوله : "إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن".
قالوا: فعمد عوج إلى قمة جبل فاقتلعها ثم أخذها بيديه ليلقيها على جيش موسى، فجاء طائر فنقر تلك الصخرة فخرقها فصارت طوقا في عنق عوج بن عنق. ثم عمد موسى إليه فوثب في الهواء عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع وبيده عصاه وطولها عشرة أذرع فوصل إلى كعب قدمه فقتله.
يروى هذا عن نوف البكالي، ونقله ابن جرير عن ابن عباس وفي إسناده إليه نظر. ثم هذا كله من الإسرائيليات، وكل هذه من وضع جهال بني إسرائيل فان الأخبار الكاذبة قد كثرت عندهم، ولا تمييز لهم بين صحتها وباطلها. ثم لو كان هذا صحيحا لكان بنو إسرائيل معذورون في النكول عن قتالهم وقد ذمهم الله في نكولهم وعاقبهم بالتيه على ترك جهادهم ومخالفتهم رسولهم، وقد أشار عليهم رجلان صالحان منهم بالإقدام ونهياهم عن الإحجام، ويقال: إنهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا. قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية والسدي والربيع بن أنس وغير واحد.
{قال رجلان من الذين يخافون} أي يخافون الله وقرأ بعضهم يخافون أي يهابون {أنعم الله عليهما} أي بالاسلام والايمان والطاعة والشجاعة {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}أي إذا توكلتم على الله واستعنتم به ولجأتم إليه نصركم على عدوكم وأيدكم عليهم وأظفركم بهم.
{قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} فصمم ملؤهم على النكول عن الجهاد ووقع أمر عظيم ووهن كبير. فيقال: إن يوشع وكالب لما سمعا هذا الكلام شقا ثيابهما، وإن موسى وهارون سجدا إعظاما لهذا الكلام، وغضبا لله عز وجل، وشفقة عليهم من وبيل هذه المقالة.
قال: {رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين}. قال ابن عباس: "اقض بيني وبينهم". {قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين} عوقبوا على نكولهم بالتيهان في الأرض يسيرون إلى غير مقصد ليلا ونهارا وصباحا ومساء. ويقال: إنه لما يخرج أحد من التيه ممن دخله بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة ولم يبق إلا ذراريهم سوى يوشع وكالب عليهما السلام.
لكن أصحاب محمد يوم بدر لم يقولوا له كما قال قوم موسى، بل لما استشارهم في الذهاب إلى النفير تكلم الصديق فأحسن وتكلم غيره من المهاجرين.
ثم جعل يقول: أشيروا علي، حتى قال سعد بن معاذ: كأنك تعرض بنا يا رسول الله؟ فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله. فسر رسول الله بقول سعد ونشطه ذلك.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن مخارق بن عبد الله الأحمسى، عن طارق - هو ابن شهاب - أن المقداد قال لرسول الله يوم بدر: يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} ولكن إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون. وهذا إسناد جيد من هذا الوجه وله طرق أخرى.
قال أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لقد شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عدل به أتى رسول الله . وهو يدعو على المشركين قال: والله يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}، ولكننا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك، فرأيت وجه رسول الله يشرق لذلك وسر بذلك. رواه البخاري في التفسير والمغازي من طرق عن مخارق به.
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا علي بن الحسين بن علي، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر، ثم استشارهم، فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله قالوا: إذا لا نقول له كما قال بنو إسرائيل لموسى: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لا تبعناك.
رواه الامام أحمد عن عبيدة بن حميد، عن حميد الطويل، عن أنس به، ورواه النسائي عن محمد بن المثنى، عن خالد بن الحارث، عن حميد، عن أنس به نحوه. وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى، عن عبد الأعلى بن حماد عم معتمر عن حميد عن أنس به نحوه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:53 am

فصل في دخول بني إسرائيل التيه وما جرى لهم فيه من الأمور العجيبة
قد ذكرنا نكول بني إسرائيل عن قتال الجبارين وأن الله تعالى عاقبهم بالتيه وحكم بأنهم لا يخرجون منه إلى أربعين سنة.
ولم أر في كتاب أهل الكتاب قصة نكولهم عن قتال الجبارين، ولكن فيها أن يوشع جهزه موسى لقتال طائفة من الكفار، وأن موسى وهارون وخور جلسوا على رأس أكمة، ورفع موسى عصاه فكلما رفعها انتصر يوشع عليهم، وكلما مالت يده بها من تعب أو نحوه غلبهم أولئك، وجعل هارون وخور يدعمان يديه عن يمينه وشماله ذلك اليوم إلى غروب الشمس فانتصر حزب يوشع عليه السلام.
وعندهم أن "يثرون" كاهن مدين وختن موسى عليه السلام بلغه ما كان من أمر موسى وكيف أظفره الله بعدوه فرعون فقدم على موسى مسلما ومعه ابنته "صفورا" زوجة موسى وابناها منه جرشون وعازر فتلقاه موسى وأكرمه واجتمع به شيوخ بني إسرائيل وعظموه وأجلوه.
وذكروا أنه رأى كثرة اجتماع بني إسرائيل على موسى في الخصومات التي تقع بينهم فأشار على موسى أن يجعل على الناس رجالا أمناء أتقياء أعفاء يبغضون الرشا والخيانة، فيجعلهم على الناس رؤوس ألوف، ورؤوس مئين، ورؤوس خمسين، ورؤوس عشرة، فيقضوا بين الناس فإذا أشكل عليهم أمر جاءوك ففصلت بينهم ما أشكل عليهم، ففعل ذلك موسى عليه السلام.
قالوا: ودخل بنو إسرائيل البرية عند سيناء في الشهر الثالث من خروجهم من مصر، وكان خروجهم في أول السنة التي شرعت لهم، وهي أول فصل الربيع، فكأنهم دخلوا التيه في أول فصل الصيف والله أعلم.
قالوا ونزل بنو إسرائيل حول طور سيناء وصعد موسى الجبل فكلمه ربه وأمره أن يذكر بني إسرائيل ما أنعم الله به عليهم من إنجائه إياهم من فرعون وقومه، وكيف حملهم على مثل جناحي نسر من يده وقبضته، وأمره أن يأمر بني إسرائيل بأن يتطهروا ويغتسلوا ويغسلوا ثيابهم، وليستعدوا إلى اليوم الثالث، فاذا كان في اليوم الثالث، فليجتمعوا حول الجبل، ولا يقتربن أحد منهم إليه، فمن دنا منه قتل حتى ولا شيء من البهائم ما داموا يسمعون صوت القرن، فاذا سكن القرن فقد حل لكم أن ترتقوه، فسمع بنو إسرائيل ذلك وأطاعوا واغتسلوا وتنظفو وتطيبوا.
فلما كان اليوم الثالث ركب الجبل غمامة عظيمة وفيها أصوات وبروق، وصوت الصور شديد جدا، ففزع بنو إسرائيل من ذلك فزعا شديدا، وخرجوا فقاموا في سفح الجبل، وغشي الجبل دخان عظيم، في وسطه عمود {من} نور، زلزل الجبل كله زلزلة شديدة، واستمر صوت الصور وهو البوق واشتد، وموسى عليه السلام فوق الجبل، والله يكلمه ويناجيه وأمر الرب عز وجل موسى أن ينزل، فيأمر بني إسرائيل أن يقتربوا من الجبل ليسمعوا وصية الله وأمر الأحبار وهم علماؤهم أن يدنوا فيصعدوا الجبل ليتقدموا بالقرب. وهذا نص في كتابهم على وقوع النسخ لا محالة.
فقال موسى: يا رب إنهم لا يستطيعون أن يصعدوا، وقد نهيتهم عن ذلك فأمره الله تعالى أن يذهب فيأتي معه بأخيه هارون وليكن الكهنة وهم العلماء والشعب وهم بقية بني إسرائيل، غير بعيد، ففعل موسى. وكلمه ربه عز وجل، فأمره حينئذ بالعشر الكلمات.
وعندهم أن بني إسرائيل سمعوا كلام الله، ولكن لم يفهموا حتى فهمهم موسى، وجعلوا يقولون لموسى: بلغنا أنت عن الرب عز وجل، فإنا نخاف أن نموت.
فبلغهم عنه فقال هذه العشر الكلمات: وهي: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن الحلف بالله كاذبا. والأمر بالمحافظة على السبت ومعناه تفرغ يوم من الأسبوع للعبادة، وهذا حاصل بيوم الجمعة الذي نسخ الله به السبت، أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض. الذي يعطيك الله ربك. لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد على صاحبك شهادة زور. لا تمد عينك إلى بيت صاحبك، ولا تشته امرأة صاحبك، ولا عبده ولا أمته ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئا من الذي لصاحبك. ومعناه النهي عن الحسد.
وقد قال كثير من علماء السلف وغيرهم: مضمون هذه العشر كلمات في آيتين من القرآن، وهما قوله في سورة الأنعام {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون، ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
وذكروا بعد العشر الكلمات وصايا كثيرة وأحكاما متفرقة عزيزة، كانت فزالت، وعمل بها حينا من الدهر ثم طرأ عليها عصيان من المكلفين بها ثم عمدوا إليها فبدلوها وحرفوها، ثم بعد ذلك كله سلبوها فصارت منسوخة مبدلة، بعدما كانت مشروعة مكملة. فلله الأمر من قبل ومن بعد، وهو الذي يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.
وقد قال الله تعالى: {يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى، كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى، وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}.
يذكر تعالى منته وإحسانه إلى بني إسرائيل بما أنجاهم من أعدائهم وخلصهم من الضيق والحرج وأنه وعدهم صحبة نبيهم إلى جانب الطور الأيمن أي منهم؛ لينزل عليه أحكاما عظيمة فيها مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم وأنه تعالى أنزل عليهم في حال شدتهم وضرورتهم في سفرهم في الأرض التي ليس فيها زرع ولا ضرع، منا من السماء، يصبحون فيجدونه خلال بيوتهم، فيأخذون منه قدر حاجتهم في ذلك اليوم إلى مثله من الغد، ومن ادخر منه لأكثر من ذلك فسد، ومن أخذ منه قليلا كفاه، أو كثيرا لم يفضل عنه، فيصنعون منه مثل الخبز، وهو في غاية البياض والحلاوة، فإذا كان من آخر النهار غشيهم طير السلوى، فيقتنصون منها بلا كلفة ما يحتاجون إليه حسب كفايتهم لعشائهم.
وإذا كان فصل الصيف ظلل الله عليهم الغمام، وهو السحاب الذي يستر عنهم حر الشمس وضوءها الباهر؛ كما قال تعالى في سورة البقرة: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبوني، وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقوني}.
إلى أن قال: {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم، وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون، وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون، ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون، وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون، وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم، وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون، وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
إلى أن قال: {وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}.
فذكر تعالى إنعامه عليهم، وإحسانه إليهم، بما يسر لهم من المن والسلوى، طعامين شهيين بلا كلفة ولا سعي لهم فيه، بل ينزل الله المن باكرا، ويرسل عليهم طير السلوى عشيا، وأنبع الماء لهم؛ يضرب موسى عليه السلام حجرا كانوا يحملونه معهم بالعصا، فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا، لكل سبط عين منه تنبجس، ثم تتفجر ماء زلالا فيستقون فيشربون ويسقون دوابهم، ويدخرون كفايتهم وظلل عليهم الغمام من الحر.
وهذه نعم من الله عظيمة، وعطيات جسيمة، فما رعوها حق رعايتها، ولا قاموا بشكرها وحق عبادتها. ثم ضجر كثير منهم منها وتبرموا بها، وسألوا أن يستبدلوا منها ببدلها، مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها.
فقرعهم الكليم ووبخهم وأنبهم على هذه المقالة وعنفهم قائلا: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم}. أي هذا الذي تطلبونه وتريدونه بدل هذه النعم التي أنتم فيها حاصل لأهل الأمصار الصغار والكبار موجود بها، وإذا هبطتم إليها، أي ونزلتم عن هذه المرتبة التي لا تصلحون لمنصبها - تجدون بها ما تشتهون وما ترومون مما ذكرتم من المآكل الدنية والأغذية الردية، ولكني لست أجيبكم إلى سؤال ذلك هاهنا، ولا أبلغكم ما تعنتم به من المنى. وكل هذه الصفات المذكورة عنهم الصادرة منهم، تدل على أنهم لم ينتهوا عما نهوا عنه؛ كما قال تعالى: {ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى}. أي فقد هلك وحق له والله الهلاك والدمار، وقد حل عليه غضب الملك الجبار.
ولكنه تعالى مزج هذا الوعيد الشديد، بالرجاء لمن أناب وتاب ولم يستمر على متابعة الشيطان المريد، فقال: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:54 am

سؤال الرؤية
قال تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين، ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين، وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين، سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين، والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}.
قال جماعة من السلف منهم ابن عباس ومسروق ومجاهد: الثلاثون. ليلة هي شهر ذي القعدة بكماله، وأتمت أربعين ليلة بعشر من ذي الحجة.
فعلى هذا يكون كلام الله له يوم عيد النحر، وفي مثله أكمل الله عز وجل لمحمد دينه، وأقام حجته وبراهينه.
والمقصود أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات، وكان فيه صائما يقال إنه لم يستطعم الطعام، فلما كمل الشهر أخذ لحاء شجرة فمضغه ليطيب ريح فمه، فأمره الله أن يمسك عشرا أخرى، فصارت أربعين ليلة. ولهذا ثبت في الحديث: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بني إسرائيل أخاه هارون، المحبب المبجل الجليل. وهو ابن أمه وأبيه، ووزيره في الدعوة إلى مصطفيه، فوصاه، وأمره وليس في هذا لعلو منزلته في نبوته منافاة.
قال الله تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا}. أي في الوقت الذي أمر بالمجيء فيه {وكلمه ربه}. أي كلمه الله من وراء حجاب، إلا أنه أسمعه الخطاب، فناداه وناجاه، وقربه وأدناه. وهذا مقام رفيع ومعقل منيع، ومنصب شريف ومنزل منيف، فصلوات الله عليه تترى، وسلامه عليه في الدنيا والأخرى.
ولما أعطي هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية، وسمع الخطاب، سأل رفع الحجاب، فقال للعظيم الذي لا تدركه الأبصار القوى البرهان: {قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني}. ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه تبارك وتعالى، لأن الجبل الذي هو أقوى وأكبر ذاتا وأشد ثباتا من الإنسان، لا يثبت عند التجلي من الرحمن، ولهذا قال: {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني}.
وفي الكتب المتقدمة: أن الله تعالى قال له: "يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده".
وفي الصحيحين عن أبي موسى عن رسول الله أنه قال: "حجابه النور - وفي رواية: النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار}. ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى لشيء لا يقوم له شيء.
ولهذا قال تعالى: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين}.
قال مجاهد: {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني}. فإنه أكبر منك وأشد خلقا، {فلما تجلى ربه للجبل}. فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل فدك على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل فخر صعقا.
وقد ذكرنا في التفسير ما رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه ابن جرير والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت، زاد ابن جرير وليث عن أنس أن رسول الله قرأ: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا}. قال هكذا بإصبعه، ووضع النبي الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل. لفظ ابن جرير.
وقال السدي عن عكرمة، عن ابن عباس: ما تجلى - يعني من العظمة - منه إلا قدر الخنصر فجعل الجبل دكا، قال: ترابا، {وخر موسى صعقا}. أي مغشيا عليه. وقال قتادة: ميتا. والصحيح الأول لقوله: {فلما أفاق}. فإن الإفاقة إنما تكون عن غشى {قال سبحانك}. تنزيه وتعظيم وإجلال أن يراه بعظمته أحد، {تبت إليك}. أي فلست أسأل بعد هذه الرؤية، {وأنا أول المؤمنين}. أنه لا يراك أحد حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده.
وقد ثبت في الصحيحين من طريق عمرو بن يحيى بن عمارة ابن أبي حسن المازني الأنصاري، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله : "لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزى بصعقة الطور"؟.
لفظ البخاري. وفي أوله قصة اليهودي الذي لطم وجه الأنصاري حين قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر. فقال رسول الله: "لا تخيروني من بين الأنبياء".
وفي الصحيحين من طريق الزهري عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي بنحوه. وفيه: "لا تخيروني على موسى" وذكر تمامه.
وهذا من باب الهضم والتواضع، أو نهي عن التفضيل بين الأنبياء على وجه الغضب والعصبية، أو ليس هذا إليكم بل الله هو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات، وليس ينال هذا بمجرد الرأي، بل بالتوقيف.
ومن قال إن هذا قاله قبل أن يعلم أنه أفضل، ثم نسخ بإطلاعه على أفضليته عليهم كلهم، ففي قوله نظر؛ لأن هذا من رواية أبي سعيد وأبي هريرة، وما هاجر أبو هريرة إلا عام حنين متأخرا، فيبعد أنه لم يعلم بهذا إلا بعد هذا. والله أعلم.
ولا شك أنه صلوات الله وسلامه عليه، أفضل البشر بل الخليقة، قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}. وما كملوا إلا بشرف نبيهم.
وثبت بالتواتر عنه، صلوات الله وسلامه عليه، أنه قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر". ثم ذكر اختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، الذي تحيد عنه الأنبياء والمرسلون، حتى أولوا العزم الأكملون: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم.
وقوله : "فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش - أي آخذا بها - فلا أدري أفاق قبلي أم جوزى بصعقة الطور" دليل على أن هذا الصعق الذي يحصل للخلائق في عرصات القيامة، حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين عباده، فيصعقون من شدة الهيبة والعظمة والجلاء، فيكون أولهم إفاقة محمد خاتم الأنبياء، ومصطفى رب الأرض والسماء على سائر الأنبياء، فيجد موسى باطشا بقائمة العرش. قال الصادق المصدوق: "فلا أدري أصعق فأفاق قبلي" ؟ أي وكانت صعقته خفيفة، لأنه قد ناله بهذا السبب في الدنيا صعق، "أو جوزى بصعقة الطور" ؟ يعني فلم يصعق بالكلية.
وهذا فيه شرف كبير لموسى عليه السلام من هذه الحيثية، ولا يلزم تفضيله بها مطلقا من كل وجه. ولهذا نبه رسول الله على شرفه وفضيلته بهذه الصفة، لأن المسلم لما ضرب وجه اليهودي حين قال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، قد يحصل في نفوس المشاهدين لذلك هضم بجناب موسى عليه السلام، فبين النبي فضيلته وشرفه.
وقوله تعالى: {قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي}. أي في ذلك الزمان، لا فيما قبله، لأن إبراهيم الخليل أفضل منه، كما تقدم بيان ذلك في قصة إبراهيم، ولا ما بعده؛ لأن محمدا أفضل منهما، كما ظهر شرفه ليلة الإسراء على جميع المرسلين والأنبياء، وكما ثبت أنه قال: "سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق حتى إبراهيم". وقوله تعالى: {فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين}. أي فخذ ما أعطيتك من الرسالة والكلام، ولا تسأل زيادة عليه، وكن من الشاكرين على ذلك.
وقال الله تعالى: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء}. وكانت الألواح من جوهر نفيس، ففي الصحيح: أن الله كتب له في التوراة بيده، وفيها مواعظ عن الآثام، وتفصيل لكل ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام.
{فخذها بقوة}. أي بعزم ونية صادقة قوية {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}. أن يضعوها على أحسن وجوهها وأجمل محاملها {سأريكم دار الفاسقين} أي سترون عاقبة الخارجين عن طاعتي، المخالفين لأمري، المكذبين لرسلي.
{سأصرف عن آياتي}. أي عن فهمها وتدبرها، وتعقل معناها الذي أريد منها، ودل عليه مقتضاها {الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها}. أي ولو شاهدوا مهما شاهدوا من الخوارق والمعجزات، لا ينقادون لإتباعها، {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}. أي لا يسلكوه ولا يتبعوه {وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا}. أي صرفناهم عن ذلك لتكذيبهم بآياتنا، وتغافلهم عنها، وإعراضهم عن التصديق بها والتفكير في معناها، وترك العمل بمقتضاها. {والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:55 am

ذكر نبوة يوشع
ذكر نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما السلام.
هو الخليل يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب، بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وأهل الكتاب يقولون: يوشع ابن عم هود.
وقد ذكره الله تعالى في القرآن غير مصرح باسمه في قصة الخضر كما تقدم من قوله: {وإذ قال موسى لفتاه} {فلما جاوزا قال لفتاه} وقدمنا ما ثبت في الصحيح من رواية أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي : من أنه يوشع بن نون.
وهو متفق على نبوته عند أهل الكتاب، فإن طائفة منهم وهم السامرة، لا يقرون بنبوة أحد بعد موسى إلا يوشع بن نون، لأنه مصرح به في التوراة، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم من ربهم فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
وأما ما حكاه ابن جرير وغيره من المفسرين عن محمد بن إسحاق: من أن النبوة حولت من موسى إلى يوشع في آخر عمر موسى، فكان موسى يلقى يوشع فيسأله ما أحدث الله إليه من الأوامر والنواهي، حتى قال له: يا كليم الله إني كنت لا أسألك عما يوحي الله إليك حتى تخبرني أنت ابتداء من تلقاء نفسك. فعند ذلك كره موسى الحياة وأحب الموت. ففي هذا نظر، لأن موسى عليه السلام لم يزل الأمر والوحي والتشريع والكلام من الله إليه من جميع أحواله، حتى توفاه الله عز وجل. ولم يزل معززا مكرما مدللا وجيها عند الله، كما قدمنا في الصحيح من قصة فقئه عين ملك الموت، ثم بعثه الله إليه إن كان يريد الحياة فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة يعيشها، قال: ثم ماذا؟ قال: الموت، قال: فالآن يا رب. وسأل الله أن يدنيه إلى بيت المقدس رمية بحجر، وقد أجيب إلى ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
فهذا الذي ذكره محمد بن إسحاق إن كان إنما يقوله من كتب أهل الكتاب؛ ففي كتابهم الذي يسمونه التوراة: أن الوحي لم يزل ينزل على موسى في كل حين يحتاجون إليه إلى آخر مدة موسى، كما هو المعلوم من سياق كتابهم عند تابوت الشهادة في قبة الزمان.
ولقد ذكروا في السفر الثالث: أن الله أمر موسى وهارون أن يعدا بني إسرائيل على أسباطهم، وأن يجعلا على كل سبط من الاثنى عشر أميرا وهو النقيب، وما ذاك إلا ليتأهبوا للقتال، قتال الجبارين عند الخروج من التيه، وكان هذا عند اقتراب الخروج من التيه، وكان هذا عند اقتراب انقضاء الأربعين سنة. ولهذا قال بعضهم: إنما فقأ موسى عليه السلام عين ملك الموت؛ لأنه لم يعرفه في صورته تلك، ولأنه كان قد أمر بأمر كان يرتجى وقوعه في زمانه، ولم يكن في قدر الله أن يقع ذلك في زمانه، بل في زمان فتاه يوشع بن نون عليه السلام.
كما أن رسول الله كان قد أراد غزو الروم بالشام فوصل إلى تبوك ثم رجع عامه ذلك في سنة تسع ثم حج في سنة عشر ثم رجع فجهز جيش أسامة إلى الشام طليعة بين يديه، ثم كان على عزم الخروج إليهم امتثالا لقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
ولما جهز رسول الله جيش أسامة، توفي عليه الصلاة والسلام وأسامة مخيم بالجرف، فنفذه صديقه وخليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم لما لم شعث جزيرة العرب، وما كان دهى من أمر أهلها، وعاد الحق إلى نصابه، جهز الجيوش يمنة ويسرة إلى العراق أصحاب كسرى ملك الفرس، وإلى الشام أصحاب قيصر ملك الروم، ففتح الله لهم ومكن لهم وبهم، وملكهم نواصي أعدائهم.
وهكذا موسى عليه السلام: كان الله قد أمره أن يجند بني إسرائيل وأن يجعل عليهم نقباء كما قال تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل}. يقول لهم: لئن قمتم بما أوجبت عليكم، ولم تنكلوا عن القتال كمن نكلتم أول مرة، لأجعلن ثواب هذه مكفرا لما وقع عليكم من عقاب تلك، كما قال تعالى لمن تخلف من الأعراب عن رسول الله في غزوة الحديبية {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما}.
وهكذا قال تعالى لبني إسرائيل: {فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل}. ثم ذمهم تعالى على سوء صنيعهم ونقضهم مواثيقهم كما ذم من بعدهم من النصارى على اختلافهم في دينهم وأديانهم. وقد ذكرنا ذلك في التفسير مستقصى ولله الحمد.
والمقصود أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يكتب أسماء المقاتلة من بني إسرائيل ممن يحمل السلاح ويقاتل ممن بلغ عشرين سنة فصاعدا، وأن يجعل على كل سبط نقيبا منهم. السبط الأول: سبط روبيل لأنه بكر يعقوب، وكان عدة المقاتلة منهم ستة وأربعين ألفا وخمسمائة، ونقيبهم منهم وهو اليصور بن شديئور. السبط الثاني: سبط شمعون، وكانوا تسعة وخمسين ألفا وثلاثمائة، ونقيبهم شلوميئيل ابن هوريشداي، السبط الثالث: سبط يهوذا، وكانوا أربع وسبعين ألفا وستمائة، ونقيبهم نحشون بن عمينا ذاب. والسبط الرابع سبط إيساخر وكانوا أربعة وخمسين ألفا وأربعمائة ونقيبهم نشائيل بن صوعر. السبط الخامس: سبط يوسف عليه السلام، وكانوا أربعين ألفا وخمسمائة، ونقيبهم يوشع بن نون. السبط السادس: سبط ميشا - وكانوا أحدا وثلاثين ألفا ومائتين، ونقيبهم جمليئيل بن فدهصور. السبط السابع: سبط بنيامين، وكانوا خمسة وثلاثين ألفا وأربعمائة، ونقيبهم أبيدن بن جدعون. السبط الثامن: سبط جاد، وكانوا خمسة وأربعين ألفا وستمائة وخمسين رجلا. ونقيبهم الياساف بن رعوئيل، السبط التاسع: سبط أشير، وكانوا أحدا وأربعين ألفا وخمسمائة، ونقيبهم فجعيئيل بن عكرن. السبط العاشر: سبط دان، وكانوا اثنين وستين ألفا وسبعمائة، ونقيبهم أخيعزر بن عمشداي. السبط الحادي عشر: سبط نفتالي، وكانوا ثلاثة وخمسين ألفا وأربعمائة، ونقيبهم الباب ابن حيلون. هذا نص كتابهم الذي بأيديهم، والله أعلم.
وليس منهم "بنو لاوى" فقد أمر الله موسى أن لا يعدهم معهم إنهم موكلون بحمل قبة الشهادة وضربها وخزنها ونصبها وحملها إذا ارتحلوا، وهم سبط موسى وهارون عليهما السلام، وكانوا اثنين وعشرين ألفا، من ابن شهر فما فوق ذلك، وهم في أنفسهم قبائل من كل قبيلة طائفة من قبة الزمان يحرسونها ويحفظونها ويقومون بمصالحها ونصبها وحملها وهم كلهم حولها، ينزلون ويرتحلون أمامها ويمنتها وشمالها ووراءها.
وجملة ما ذكر من المقاتلة غير بني لاوى خمسمائة ألف وأحد وسبعون ألفا وستمائة وستة وخمسون ولكن قالوا: فكان عدد بني إسرائيل ممن عمره عشرون سنة فما فوق ذلك؛ ممن حمل السلاح، ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسة وخمسين رجلا، سوى بني لاوى.
وفي هذا نظر، فإن جميع الجمل المتقدمة إن كانت كما وجدنا في كتابهم، لا تطابق الجملة التي ذكروها، والله أعلم.
فكان بنو لاوى الموكلون بحفظ قبة الزمان يسيرون في وسط بني إسرائيل، وهم القلب، ورأس الميمنة بنو روبيل، ورأس الميسرة بنو دان وبنو نفتالي يكونون ساقة. وقرر موسى عليه السلام - بأمر الله تعالى له - الكهانة في بني هارون، كما كانت لأبيهم من قبلهم، وهم: ناداب وهو بكره، وأبيهو والعازر، ويثمر، والمقصود أن بني إسرائيل لم يبق منهم أحد ممن كان نكل عن دخول مدينة الجبارين الذين قالوا: {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}. قاله الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس، وقاله قتادة وعكرمة، ورواه السدي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة، حتى قال ابن عباس وغيره من علماء السلف والخلف: ومات موسى وهارون قبله كلاهما في التيه جميعا.
وقد زعم ابن إسحاق أن الذي فتح بيت المقدس هو موسى، وإنما كان يوشع على مقدمته. وذكر في مروره إليها قصة بلعام بن باعوراء الذي قال تعالى فيه: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون، ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون}.
وقد ذكرنا قصته في التفسير، وأنه كان - فيما قاله ابن عباس وغيره - يعلم الإسم الأعظم، وأن قومه سألوه أن يدعو على موسى وقومه - فامتنع عليهم، ولما ألحوا عليه ركب حمارة له، ثم سار نحو معسكر بني إسرائيل، فلما أشرف عليهم ربضت به حمارته فضربها حتى قامت، فسارعت غير بعيد وربضت، فضربها ضربا أشد من الأول فقامت ثم ربضت، فضربها فقالت له: يا بلعام.. أين تذهب؟ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم؟ فلم ينزع عنها، فضربها حتى سارت به حتى أشرف عليهم من رأس جبل "حسبان" ونظر إلى معسكر موسى وبني إسرائيل فأخذ يدعو عليهم، فجعل لسانه لا يطيعه إلى أن يدعو لموسى وقومه، ويدعو على قوم نفسه، فلاموه على ذلك فاعتذر إليهم بأنه لا يجري على لسانه إلا هذا، واندلع لسانه حتى وقع على صدره، فقال لقومه: قد ذهبت الآن مني الآن الدنيا والآخرة، ولم يبق إلا المكر والحيلة.
ثم أمر قومه أن يزينوا النساء ويبعثوهن بالأمتعة يبعن عليهم ويتعرضن لهم لعلهم يقعون في الزنا، فإنه متى زنى رجل منهم كفيتموهم، ففعلوا وزينوا نساءهم وبعثوهن إلى المعسكر، فمرت امرأة منهم اسمها "كسبتي" برجل من عظماء بني إسرائيل، وهو "زمري بن شولم" يقال إنه كان رأس سبط بني شمعون بن يعقوب فدخل بها قبته، فلما خلا بها أرسل الله الطاعون على بني إسرائيل، فجعل يجوس فيهم، فلما بلغ الخبر إلى "فنحاص" بن العيزار بن هارون، أخذ حربته وكانت من حديد، فدخل عليهما القبة فانتظمهما جميعا فيها، ثم خرج بهما على الناس والحربة في يده، وقد اعتمد على خاصرته وأسندها إلى لحيته، ورفعهما نحو السماء وجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك، ورفع الطاعون. فكان جملة من مات في تلك الساعة سبعين ألفا، والمقلل يقول عشرين ألفا، وكان فنحاص بكر أبيه العيزار بن هرون؛ فلهذا يجعل بنو إسرائيل لولد فنحاص من الذبيحة - اللبة والذراع واللحى، ولهم البكر من كل أموالهم وأنفسها.
وهذا الذي ذكره ابن إسحاق من قصة بلعام صحيح، وقد ذكره غير واحد من علماء السلف، لكن لعله لما أراد موسى دخول بيت المقدس - أول مقدمه من الديار المصرية، ولعله مراد ابن إسحاق، ولكنه غير ما فهمه بعض الناقلين عنه، وقد قدمنا عن نص التوراة ما يشهد لبعض هذا، والله أعلم.
ولعل هذه قصة أخرى كانت في خلال سيرهم في التيه، فإن في هذا السياق ذكر "حسبان" وهي بعيدة عن أرض بيت المقدس، أو لعله كان هذا الجيش موسى الذين عليهم يوشع بن نون، حين خرج بهم من التيه قاصدا بيت المقدس، كما صرح به السدي، والله أعلم.
وعلى كل تقدير فالذي عليه الجمهور: أن هارون توفي بالتيه قبل موسى أخيه بنحو من سنتين، وبعده موسى في التيه أيضا، كما قدمنا. وأنه سأل ربه أن يقربه إلى بيت المقدس فأجيب إلى ذلك.
فكأن الذي خرج بهم من التيه، وقصد بهم بيت المقدس، هو يوشع بن نون عليه السلام. فذكر أهل الكتاب وغيرهم من أهل التاريخ، أنه قطع ببني إسرائيل نهر الأردن وانتهى إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سورا وأعلاها قصورا، وأكثرها أهلا، فحاصرها ستة أشهر. ثم إنهم أحاطوا بها يوما وضربوا بالقرون - يعني الأبواق - وكبروا تكبيرة رجل واحد، فتفسخ سورها وسقط وجبة واحدة، فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم، وقتلوا اثني عشر ألفا من الرجال والنساء، وحاربوا ملوكا كثيرة ويقال إن يوشع ظهر على أحد وثلاثين ملكا من ملوك الشام.
وذكروا أنه انتهى محاصرته إلى يوم جمعة بعد العصر، فلما غربت الشمس أو كادت تغرب، ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم وشرع لهم ذلك الزمان، قال لها: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي فحبسها الله عليه حتى تمكن من فتح البلد، وأمر القمر فوقف عند الطلوع، وهذا يقتضي أن هذه الليلة كانت الليلة الرابعة عشرة من الشهر الأول وهو قصة الشمس المذكورة في الحديث الذي سأذكره. وأما قصة القمر فمن عند أهل الكتاب، ولا ينافي الحديث بل فيه زيادة تستفاد فلا تصدق ولا تكذب. ولكن ذكرهم أن هذا في فتح أريحا فيه نظر، والأشبه - والله أعلم - أن هذا كان في فتح بيت المقدس الذي هو المقصود الأعظم، وفتح أريحا كان وسيلة إليه، والله أعلم.
قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر، عن هشام، عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس" انفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط البخاري.
وفيه دلالة على أن الذي فتح بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام، لا موسى، وأن حبس الشمس كان في فتح بيت المقدس لا أريحا كما قلنا. وفيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام. فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه: أن الشمس رجعت حتى صلى علي بن أبي طالب صلاة العصر، بعد ما فاتته بسبب نوم النبي على ركبته، فسأل رسول الله أن يردها الله عليه حتى يصلي العصر فرجعت. وقد صححه أحمد بن أبي صالح المصري ولكنه ليس في شيء من الصحاح ولا الحسان، وهو مما تتوافر الدواعي على نقله. وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها، والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا آخر قد بنى بنيانا ولم يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها.
قال: فغزا فدنا من القرية حين صلي العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور. اللهم احبسها علي شيئا فحبست عليه حتى فتح الله عليه، قال: فجمعوا ما غنموا، فأتت النار لتأكله فأبت أن تطعمه، فقال فيكم غلول فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده، فقال فيكم الغلول فليبايعني قبيلتك، فبايعته قبيلته، قال فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة فقال: فيكم الغلول أنتم غللتم.
قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه بالمال وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا".
انفرد به مسلم من هذا الوجه. وقد روى البزار من طريق مبارك بن فضالة، عن عبيد الله عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي نحوه. قال: ورواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري، قال: ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي . والمقصود أنه لما دخل بهم باب المدينة أمروا أن يدخلوها سجدا أي ركعا متواضعين شاكرين لله عز وجل على ما من به عليهم من الفتح العظيم، الذي كان الله وعدهم إياه، وأن يقولوا حال دخولهم {حطة} أي حط عنا خطايانا التي سلفت؛ من نكولنا الذي تقدم منا.
ولهذا لما دخل رسول الله مكة يوم فتحها، دخلها وهو راكب ناقته، وهو متواضع حامد شاكر، حتى إن عثنونه - طرف لحيته - ليمس مورك رحله؛ مما يطاطئ رأسه خضعانا لله عز وجل ومعه الجنود والجيوش ممن لا يرى منه إلا الحدق، ولا سيما الكتيبة الخضراء التي فيها رسول الله . ثم لما دخلها اغتسل وصلى ثماني ركعات وهي صلاة الشكر على النصر، على المشهور من قول العلماء. وقيل إنها صلاة الضحى، وما حمل هذا القائل على قوله هذا إلا لأنها وقعت وقت الضحى.
وأما بنوا إسرائيل فإنهم خالفوا ما أمروا به قولا وفعلا؛ فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وهم يقولون: حبة في شعرة، وفي رواية: حنطة في شعرة.
وحاصله أنهم بدلوا ما أمروا به واستهزأوا به؛ كما قال تعالى حاكيا عنهم في سورة الأعراف وهي مكية: {وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين، فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون}
وقال في سورة البقرة وهي مدنية مخاطبا لهم: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين، فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون}.
وقال الثوري عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {وادخلوا الباب سجدا} قال: ركعا من باب صغير رواه الحاكم وابن جرير وابن أبي حاتم، وكذا روى العوفي عن ابن عباس، وكذا روى الثوري عن ابن إسحاق عن البراء.
قال مجاهد والسدي والضحاك: والباب هو باب حطة من بيت إيلياء بيت المقدس.
قال ابن مسعود: فدخلوا مقنعي رؤوسهم ضد ما أمروا به، وهذا لا ينافي قول ابن عباس أنهم دخلوا يزحفون على أستاههم. وهكذا في الحديث الذي سنورده بعد، فإنهم دخلوا يزحفون وهم مقنعوا رؤوسهم.
وقوله: {وقولوا حطة} الواو هنا حالية لا عاطفة؛ أي ادخلوا سجدا في حال قولكم حطة. قال ابن عباس وعطاء والحسن وقتادة والربيع: أمروا أن يستغفروا.
قال البخاري: حدثنا محمد، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن ابن المبارك، عن معمر، عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي قال: "قيل لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم} فبدلوا فدخلوا يزحفون على استاههم وقالوا حبة في شعرة. وكذا رواه النسائي من حديث ابن المبارك ببعضه، ورواه عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن مهدي به موقوفا.
وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله : "قال الله لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم} فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم فقالوا حبة في شعرة". ورواه البخاري ومسلم والترمذي من حديث عبد الرزاق، وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال محمد بن إسحاق: كان تبديلهم كما حدثني صالح كيسان، عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة وعمن لا أتهم، عن ابن عباس أن رسول الله قال: "دخلوا من الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا يزحفون على أستاههم، وهم يقولون حنطة في شعيرة".
وقال أسباط عن السدي عن مرة عن ابن مسعود قال في قوله: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} قال: قالوا: "هطى سقاثا أزمة مزيا" فهي في العربية: "حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء".
وقد ذكر الله تعالى أنه عاقبهم على هذه المخالفة؛ بإرسال الرجز الذي أنزله عليهم، وهو الطاعون، كما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن عامر بن سعد، ومن حديث مالك عن محمد بن المنكدر وسالم أبي النضر، عن عامر بن سعد، عن أسامة بن زيد، عن رسول الله أنه قال: "إن هذا الوجع - أو السقم - رجز عذب به بعض الأمم قبلكم".
وروى النسائي وابن أبي حاتم وهذا لفظه من حديث الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت قالوا: قال رسول الله : " الطاعون رجز عذاب عذب به من كان قبلكم" وقال الضحاك عن ابن عباس: الرجز العذاب، وكذا قال مجاهد وأبو مالك والسدي والحسن وقتادة. وقال أبو العالية: هو الغضب، وقال الشعبي: الرجز إما الطاعون وإما البرد، وقال سعيد بن جبير: هو الطاعون.
ولما استقرت يد بني إسرائيل على بيت المقدس استمروا فيه، وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب التوراة حتى قبضه الله إليه، وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة، فكانت مدة حياته بعد موسى سبعا وعشرين سنة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:56 am


ذكر قصتي الخضر وإلياس عليهما السلام
أما الخضر: فقد تقدم أن موسى عليه السلام رحل إليه في طلب ما عنده من العلم اللدني، وقص الله من خبرهما في كتابه العزيز في سورة الكهف، وذكرنا تفسير ذلك هنالك، وأوردنا هنا ذكر الحديث المصرح بذكر الخضر عليه السلام، وأن الذي رحل إليه هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل عليه السلام؛ الذي أنزلت عليه التوراة.
وقد اختلف في الخضر؛ في اسمه، ونسبه، ونبوته، وحياته إلى الآن - على أقوال - سأذكرها لك ها هنا إن شاء الله وبحوله وقوته.
قال الحافظ بن عساكر: يقال إنه الخضر ابن آدم عليه السلام لصلبه، ثم روي من طريق الدارقطني: حدثنا محمد بن الفتح القلانسي، حدثنا العباس بن عبد الله الرومي، حدثنا رواد بن الجراح، حدثنا مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: الخضر ابن آدم لصلبه، ونسي له في أجله حتى يكذب الدجال. وهذا منقطع وغريب.
وقال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني: سمعت مشيختنا منهم أبو عبيدة وغيره قالوا: إن أطول بني آدم عمرا الخضر، واسمه خضرون بن قابيل بن آدم.
قال: وذكر ابن إسحاق: أن آدم عليه السلام لما حضرته الوفاة أخبر بنيه أن الطوفان سيقع بالناس، وأوصاهم إذا كان ذلك أن يحملوا جسده معهم في السفينة، وأن يدفنوه معهم في مكان عينه لهم. فلما كان الطوفان حملوه معهم، فلما هبطوا إلى الأرض أمر نوح بنيه أن يذهبوا ببدنه فيدفنوه حيث أوصى. فقالوا إن الأرض ليس بها أنيس وعليها وحشة، فحرضهم وحثهم على ذلك. وقال إن آدم دعا لمن يلي دفنه بطول العمر، فهابوا المسير إلى ذلك الموضع في ذلك الوقت، فلم يزل جسده عندهم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه، وأنجز الله ما وعده، فهو يحيا إلى ما شاء الله له أن يحيا.
وذكر ابن قتيبة في المعارف عن وهب بن منبه: أن اسم الخضر "بليا" ويقال بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.
وقال إسماعيل بن أبي أويس: إسم الخضر - فيما بلغنا والله أعلم - المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد. وقال غيره: هو خضرون بن عمياييل بن اليفز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل. ويقال هو أرميا بن حلقيا، فالله أعلم.
وقيل: إنه كان ابن فرعون صاحب موسى ملك مصر. وهذا غريب جدا. قال ابن الجوزي: رواه محمد بن أيوب عن ابن لهيعة، وهما ضعيفان.
وقيل: إنه ابن مالك وهو أخو إلياس، قاله السدي كما سيأتي. وقيل: إنه كان على مقدمة ذي القرنين. وقيل: كان ابن بعض من آمن بإبراهيم الخليل وهاجر معه. وقيل: كان نبيا في زمن بشتاسب بن بهراسب.
قال ابن جرير: والصحيح أنه كان متقدما في زمن أفريدون ابن اثفيان حتى أدركه موسى عليه السلام.
وروى الحافظ ابن عساكر عن سعيد بن المسيب أنه قال: الخضر أمه رومية وأبوه فارسي.
وقد ورد ما يدل على أنه كان من بني إسرائيل في زمان فرعون أيضا.
قال أبو زرعة في دلائل النبوة: حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، حدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله : أنه ليلة أسري به وجد رائحة طيبة، فقال: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه ريح قبر الماشطة وابنيها وزوجها.
وقال: وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشرف بني إسرائيل، وكان ممره براهب في صومعته، فتطلع عليه الراهب فعلمه الإسلام فلما بلغ الخضر زوجه أبوه امرأة فعلمها الإسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحد، وكان لا يقرب النساء ثم طلقها. ثم زوجه أبوه بأخرى فعلمها الإسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا ثم طلقها، فكتمت إحداهما وأفشت عليه الأخرى.
فانطلق هاربا حتى أتى جزيرة في البحر، فأقبل رجلان يحتطبان فرأياه فكتم أحدهما وأفشى عليه الآخر. قال: قد رأيت الخضر، قيل: ومن رآه معك؟ قال: فلان، فسئل فكتم. وكان من دينهم أنه من كذب قتل، فقتل، وكان قد تزوج الكاتم المرأة الكاتمة. قال فبينما هي تمشي مع بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت: تعس فرعون، فأخبرت أباها، وكان للمرأة ابنان وزوج، فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما، فأبيا فقال: إني قاتلكما. فقالا: إحسان منك إلينا إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد. فجعلهما في قبر واحد، فقال: وما وجدت ريحا أطيب منهما، وقد دخلت الجنة.
وقد تقدمت قصة مائلة بنت فرعون، وهذا المشط في أمر الخضر قد يكون مدرجا من كلام أبي بن كعب أو عبد الله بن عباس والله أعلم.
وقال بعضهم: كنيته أبو العباس، والأشبه والله أعلم. أن الخضر لقب غلب عليه.
قال البخاري رحمه الله: حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن همام عن أبي هريرة عن النبي قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء" تفرد به البخاري، وكذلك رواه عبد الرزاق عن معمر به.
ثم قال عبد الرزاق: الفروة: الحشيش الأبيض وما أشبهه يعني الهشيم اليابس. وقال الخطابي: وقال أبو عمر: الفروة الأرض البيضاء التي لا نبات فيها. وقال غيره: هو الهشيم اليابس شبهه بالفروة، ومنه قيل لفروة الرأس وهي جلدته بما عليها من الشعر؛ كما قال الراعي:
ولقد ترى الحبشي حول بيوتنا ** ** جدلا إذا ما نال يوما مأكلا
جعدا أصك كأن فروة رأسه ** ** بذرت فأنبت جانباه فلفلا
قال الخطابي: ويقال إنما سمي الخضر خضرا لحسنه وإشراق وجهه، قلت: وهذا لا ينافي ما ثبت في الصحيح؛ فإن كان لا بد من التعليل بأحداهما، فما ثبت في الصحيح أولى وأقوى، بل لا يلتفت إلى ما عداه.
وقد روى الحافظ ابن عساكر هذا الحديث أيضا من طريق إسماعيل بن حفص بن عمر الأبلى: حدثنا عثمان وأبو جزى وهمام ابن يحيى عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن ابن عباس عن النبي قال: "إنما سمي الخضر خضرا لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء". وهذا غريب من هذا الوجه. وقال قبيصة عن الثوري عن منصور عن مجاهد قال: إنما سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله.
وتقدم أن موسى ويوشع عليهما السلام لما رجعا يقصان الأثر، وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر، وهو مسجى بثوب قد جعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه، فسلم موسى عليه السلام فكشف عن وجهه فرد، وقال: أنى بأرضك السلام؟ من أنت؟ قال أنا موسى. قال: نبي بني إسرائيل؟ قال: نعم. فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه عنهما.
وقد دل سياق القصة على نبوته من وجوه:
أحدها: قوله تعالى: {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما}.
الثاني: قول موسى له: {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا، قال إنك لن تستطيع معي صبر، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا، قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا}.
فلو كان وليا وليس نبيا لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسى هذا الرد، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله به دونه؛ فلو كان غير نبي، لم يكن معصوما، ولم تكن لموسى - وهو نبي عظيم ورسول كريم واجب العصمة - كبير رغبة ولا عظيم طلبة في علم ولي غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه والتفتيش عنه، ثم لما اجتمع به تواضع له وعظمه، واتبعه في صورة مستفيد منه فدل على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خص من العلوم اللدنية والأسرار النبوية بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم، نبي بني إسرائيل الكريم. وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرماني على نبوة الخضر عليه السلام.
الثالث: أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذلك إلا للوحي إليه من الملك العلام. وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده، لأن خاطره ليس بواجب العصمة، إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق. ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذي لم يبلغ الحلم، علما منه بأنه إذا بلغ يكفر، ويحمل أبويه على الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته، دل ذلك على نبوته، وأنه مؤيد من الله بعصمته.
وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه وحكى الإحتجاج عليه الرماني أيضا.
الرابع: أنه لما فسر الخضر تأويل الأفاعيل لموسى ووضح له عن حقيقة أمره وجلى، قال بعد ذلك كله: {رحمة من ربك وما فعلته عن أمري}. يعني ما فعلته من تلقاء نفسي بل أمر أمرت به وأوحي إلي فيه.
فدلت هذه الوجوه على نبوته. ولا ينافي ذلك حصول ولايته، بل ولا رسالته، كما قاله آخرون وأما كونه ملكا من الملائكة فقول غريب جدا، وإذا ثبتت نبوته - كما ذكرناه، لم يبقى لمن قال بولايته وأن الولي قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر، مستند يستندون إليه، ولا معتمد يعتمدون عليه.
وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم، قيل لأنه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة، وقيل لأنه شرب من عين الحياة فحيي وذكروا أخبارا استشهدوا بها على بقاءه إلى الآن وسنوردها مع غيرها إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
وهذه وصيته لموسى حين: {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}. روى في ذلك أثار منقطعة كثيرة قال البيهقي: أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدثنا أبو عبد الله الصفار، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير، حدثني أبو عبد الله الملطي قال: لما أراد موسى أن يفارق الخضر قال له موسى: أوصني، قال: كن نفاعا ولا تكن ضرارا، كن بشاشا ولا تكن غضبان، إرجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة. وفي رواية من طريق أخرى زيادة: ولا تضحك إلا من عجب.
وقال وهب بن منبه قال الخضر: يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها!.
وقال بشر بن الحارث الحافي: قال موسى للخضر: أوصني، فقال: يسر الله عليك طاعته.
وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى الوقاد - إلا أنه من الكذابين الكبار - قال قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمع، قال الثوري، قال مجالد، قال أبو الوداك قال أبو سعيد الخدري، قال عمر بن الخطاب، قال رسول الله "قال أخي موسى: يا رب وذكر كلمته - فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح حسن بياض الثياب مشمرها، فقال: السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران، إن ربك يقرأ عليك السلام. قال موسى: هو السلام وإليه السلام، والحمد لله رب العالمين، الذي لا أحصي نعمه، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته.
ثم قال موسى: أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك، فقال الخضر: يا طالب العلم إن القائل أقل ملالة من المستمع، فلا تمل جلسائك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعائك، واعزف عن الدنيا وانبذها وراءك؛ فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار، وإنما جعلت بلغة للعباد والتزود منها ليوم المعاد، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم.
يا موسى.. تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكن مكثارا للعلم مهزارا فإن كثرة المنطق تشين العلماء وتبدي مساوئ السخفاء. ولكن عليك بالإقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد وأعرض عن الجهال وماطلهم، وأحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء مزين العلماء. وإذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلما، وجانبه حزما، فإن ما بقي من جهله عليك بسبه إياك أكثر وأعظم.
يا ابن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا، فإن الإندلاث والتعسف من الإقتحام والتكلف. يا بن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه. يا بن عمران من لا تنتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي منها رغبته ومن يحقر حاله، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهدا؟ هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه؟ لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه.
يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره، ولغيرك نوره. يا موسى بن عمران أجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات فأنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك فإن ذلك يرضي ربك، وأعمل خيرا فإنك لابد عامل سوءا، قد وعظت إن حفظت. قال: فتولى الخضر وبقي موسى محزونا مكروبا يبكي.
لا يصح هذا الحديث، وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصري وقد كذبه غير واحد من الأئمة والعجب أن الحافظ بن عساكر سكت عنه.
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي، حدثنا بقية بن الوليد، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامه أن رسول الله قال لأصحابه. "ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلا يا رسول الله، قال: بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب، فقال تصدق علي بارك الله فيك. فقال الخضر: آمنت بالله، ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي من شيء أعطيكه فقال المسكين: أسألك بوجه الله لم تصدقت علي، فإني نظرت إلى السماء في وجهك، ورجوت البركة عندك. فقال الخضر: آمنت بالله ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟ قال: نعم، الحق أقول لك لقد سألتني بأمر عظيم، أما إني لا أخيبك بوجه ربي، بعني.
قال فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء، فقال له: إنك إنما ابتعتني إلتماس خير فأوصني بعمل، قال: أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف. قال: ليس تشق علي، قال: فانقل هذه الحجارة وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم. فخرج الرجل لبعض حاجاته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة، فقال أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه. ثم عرض للرجل سفر، فقال: إني أحسبك أمينا فأخلفني في أهلي خلافة حسنة قال: فأوصني بعمل، قال: إني أكره أن أشق عليك، قال: ليس تشق علي، قال: فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك. فمضى الرجل لسفره، فرجع وقد شيد بناؤه.
فقال: أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ فقال سألتني لوجه الله والسؤال لوجه الله أوقعني في العبودية سأخبرك من أنا؟ أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي من شيء أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي، فباعني وأخبرك أنه من سأل لوجه الله فرد سائله وهو يقدر، وقف يوم القيامة جلده لا لحم له ولا عظم يتقعقع.
فقال الرجل: آمنت بالله، شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم فقال: لابأس أحسنت وأبقيت. فقال الرجل: بأبي وأمي يا نبي الله، أحكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك فأخلي سبيلك، فقال أحب أن تخلي سبيلي، فأعبد ربي، فخلى سبيله. فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها. وهذا حديث رفعه خطأ، والأشبه أن يكون موقوفا، وفي رجاله من لا يعرف، فالله أعلم.
وقد رواه ابن الجوزي في كتابه "عجالة المنتظر في شرح حال الخضر" من طريق عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك عن بقية.
وقد روى الحافظ ابن عساكر بإسناد إلى السدي: أن الخضر وإلياس كانا أخوين، وكان أبوهما ملكا، فقال إلياس لأبيه: إن أخي الخضر لا رغبة له في الملك، فلو أنك زوجته لعله يجيء منه ولد يكون الملك له، فزوجه أبوه بامرأة حسناء بكر، فقال لها الخضر: إنه لا حاجة لي في النساء، فإن شئت أطلقت سراحك وإن شئت أقمت معي تعبدين الله عز وجل وتكتمين علي سري فقالت نعم، وأقامت معه سنة.
فلما مضت السنة دعاها الملك، فقال إنك شابة وابني شاب فأين الولد؟ فقالت: إنما الولد من عند الله إن شاء كان وإن لم يشأ لم يكن. فأمره أبوه فطلقها وزوجه بأخرى ثيبا قد ولد لها، فلما زفت إليه قال لها كما قال للتي قبلها، فأجابت إلى الإقامة عنده فلما مضت السنة سألها الملك عن الولد فقالت: إن ابنك لا حاجة له في النساء فتطلبه أبوه فهرب، فأرسل وراءه فلم يقدروا عليه. فيقال إنه قتل المرأة الثانية لكونها أفشت سره، فهرب من أجل ذلك، وأطلق سراح الأخرى.
فأقامت تعبد الله في بعض نواحي تلك المدينة، فمر بها رجل يوما فسمعته يقول: بسم الله فقالت له: أنى لك هذا الاسم؟ فقال إني من أصحاب الخضر، فتزوجته فولدت له أولادا ثم صار من أمرها أن صارت ماشطة بنت فرعون، فبينما هي يوما تمشطها إذ وقع المشط من يدها فقالت: بسم الله. فقالت ابنة فرعون: أبي؟ فقالت: لا، ربي وربك ورب أبيك الله فأعلمت أباها فأمر بنقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها فألقيت فيها. فلما عاينت ذلك تقاعست أن تقع فيها فقال لها ابن معها صغير: يا أمه اصبري فإنك على الحق فألقت نفسها في النار فماتت، رحمها الله.
وقد روى ابن عساكر عن أبي داود الأعمى نفيع - وهو كذاب وضاع - عن أنس بن مالك، ومن طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف - هو كذاب أيضا - عن أبيه عن جده: أن الخضر جاء ليلة فسمع النبي وهو يدعي ويقول: اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني، وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه". فبعث إلى رسول الله أنس بن مالك فسلم عليه فرد عليه السلام وقال قل له: إن الله فضلك على الأنبياء كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على غيره" الحديث.
وهو مكذوب لا يصح سندا ولا متنا؛ فكيف لا يتمثل بين يدي رسول الله ويجيء بنفسه مسلما ومتعلما؟!
وهم يذكرون في حكاياتهم وما يسندونه عن بعض مشايخهم: أن الخضر يأتي إليهم ويسلم عليهم، ويعرف أسماءهم ومنازلهم ومحالهم، وهو مع هذا لا يعرف موسى بن عمران كليم الله، الذي اصطفاه الله في ذلك الزمان على من سواه، حتى يتعرف إليه بأنه موسى بني إسرائيل.
وقد قال الحافظ أبو الحسين بن المنادي، بعد إيراده حديث أنس هذا: وأهل الحديث متفقون على أنه حديث منكر الإسناد سقيم المتن، يتبين فيه أثر الصنعة.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي قائلا: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن بالويه، حدثنا محمد بن بشر بن مطر، حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك قال: لما قبض رسول الله أحدق به أصحابه، فبكوا حوله واجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى. ثم التفت إلى أصحاب رسول الله فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا، وقد نظر إليكم في البلاء فانظروا؛ فإن المصاب من لم يجبر، وانصرف.
فقال بعضهم لبعض: أتعرفون الرجل؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم؛ هو أخو رسول الله الخضر عليه السلام.
وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن كامل بن طلحة به. وفي متنه مخالفة لسياق البيهقي.
ثم قال البيهقي: عباد بن عبد الصمد ضعيف فهذا منكر بمرة. قلت: عباد بن عبد الصمد هذا هو ابن معمر البصري، روى عن أنس نسخة، قال ابن حبان والعقيلي: أكثرها موضوع، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث جدا منكره، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه في فضائل علي، وهو ضعيف غال في التشيع.
وقال الشافعي في مسنده: أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر، عن جعفر بن محمد؛ عن أبيه، عن جده على علي بن الحسين قال: لما توفي رسول الله وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب. قال علي بن الحسين: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر.
شيخ الشافعي القاسم العمري متروك. قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: يكذب. زاد أحمد: ويضع الحديث. ثم هو مرسل ومثله لا يعتمد عليه ها هنا والله أعلم.
وقد روي من وجه آخر ضعيف، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عن علي ولا يصح.
وقد روى عبد الله بن وهب عمن حدثه، عن محمد بن عجلان، عن محمد بن المنكدر: أن عمر بن الخطاب بينما هو يصلي على جنازة إذ سمع هاتفا وهو يقول: لا تسبقنا يرحمك الله. فانتظره حتى لحق بالصف، فذكر دعاءه للميت: إن تعذبه فكثيرا عصاك، وإن تغفر له ففقير إلى رحمتك. ولما دفن قال: طوبى لك يا صاحب القبر إن لم تكن عريفا أو جابيا أو خازنا أو كاتبا أو شرطيا. فقال عمر: خذوا الرجل نسأله عن صلاته وكلامه عمن هو؟ قال فتوارى عنهم، فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع. فقال عمر: هذا والله الخضر الذي حدثنا عنه رسول الله . وهذا الأثر فيه مبهم، وفيه انقطاع ولا يصح مثله.
وروى الحافظ ابن عساكر عن الثوري عن عبد الله بن المحرر عن يزيد بن الأصم، عن علي بن أبي طالب قال: دخلت الطواف في بعض الليل، فإذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يمنعه سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يبرمه إلحاح الملحين ولا مسألة السائلين - ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك. قال: فقلت أعد علي ما قلت، فقال لي: أوسمعته؟ قلت نعم. فقال لي: والذي نفس الخضر بيده - قال: وكان هو الخضر - لا يقولها عبد خلف صلاة مكتوبة إلا غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر وورق الشجر وعدد النجوم، لغفرها الله له.
وهذا ضعيف من جهة عبد الله بن المحرر، فإنه متروك الحديث، ويزيد بن الأصم لم يدرك عليا، ومثل هذا لا يصح والله أعلم.
وقد رواه أبو إسماعيل الترمذي: حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا صالح بن أبي الأسود، عن محفوظ بن عبد الله الحضرمي، عن محمد بن يحيى قال: بينما علي بن أبي طالب يطوف بالكعبة، إذا هو برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا يغلطه السائلون، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك. قال: فقال له علي: يا عبد الله أعد دعاءك هذا قال: أوقد سمعته؟ قال: نعم: قال: فادع به في دبر كل صلاة، فوالذي نفس الخضر بيده لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء ومطرها، وحصباء الأرض وترابها، لغفر لك أسرع من طرفة عين. وهذا أيضا منقطع، في إسناده من لا يعرف، والله أعلم.
وقد أورده ابن الجوزي من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا: حدثنا يعقوب بن يوسف، حدثنا مالك بن إسماعيل فذكر نحوه ثم قال: وهذا إسناد مجهول منقطع، وليس فيه ما يدل على أن الرجل الخضر. وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أنبأنا أبو القاسم ابن الحصين أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد، أنبأنا أبو إسحاق المزكي، حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد أملاه علينا بعبادان، أنبأنا عمرو بن عاصم، حدثنا الحسن بن رزين عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس قال: ولا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي قال: "يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله ما شاء الله، لا يسرق الخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف الشر إلا الله، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله".
قال وقال ابن عباس: من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات، آمنه الله من الغرق والحرق والسرقة. قال: وأحسبه قال: ومن الشيطان والسلطان والحية والعقرب.
قال الدارقطني في الافراد: هذا حديث غريب من حديث ابن جريج لم يحدث به غير هذا الشيخ عنه يعني الحسن بن رزين هذا. وقد روى عن محمد بن كثير العبدي أيضا، ومع هذا قال فيه الحافظ أبو أحمد بن عدي: ليس بالمعروف.
وقال الحافظ أبو جعفر العقيلي: مجهول وحديثه غير محفوظ. وقال أبو الحسن بن المنادى: هو حديث رواه الحسن بن رزين. وقد روى ابن عساكر نحوه من طريق علي بن الحسن الجهضمي - وهو كذاب - عن ضمرة بن حبيب المقدسي، عن أبيه، عن العلاء بن زياد القشيري، عن عبد الله بن الحسن، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مرفوعا قال: يجتمع كل يوم عرفة بعرفات - جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر وذكر حديثا طويلا موضوعا تركنا إيراده قصدا ولله الحمد.
وروى ابن عساكر من طريق هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى الخشني، عن ابن أبي رواد قال: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس، ويحجان في كل سنة، ويشربان من ماء زمزم شربة واحدة تكفيهما إلى مثلها من قابل.
وروى ابن عساكر: أن الوليد بن عبد الملك بن مروان - باني جامع دمشق - أحب أن يتعبد ليلة في المسجد، فأمر القومة أن يخلوه له ففعلوا، فلما كان من الليل جاء في باب الساعات فدخل الجامع، فإذا رجل قائم يصلي فيما بينه وبين باب الخضراء، فقال لقومه: ألم آمركم أن تخلوه؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا الخضر يجيء كل ليلة يصلي ها هنا.
قال ابن عساكر أيضا: أنبأنا أبو القاسم بن إسماعيل بن أحمد أنبأنا أبو بكر بن الطبري، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل، أنبأنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب - هو ابن سفيان الفسوي - حدثني محمد بن عبد العزيز، حدثنا ضمرة عن السري بن يحيى، عن رباح بن عبيدة، قال: رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه، فقلت في نفسي: إن هذا الرجل حاف، قال فلما انصرف من الصلاة - قلت من الرجل الذي كان معتمدا على يدك آنفا؟ قال وهل رأيته يا رباح؟ قلت نعم. قال: ما أحسبك إلا رجلا صالحا، ذاك أخي الخضر بشرني أني سألي وأعدل.
قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي: الرملي مجروح عند العلماء. وقد قدح أبو الحسين بن المنادى في ضمرة والسري ورباح. ثم أورد من طرق أخر عن عمر بن عبد العزيز، أنه اجتمع بالخضر، وضعفها كلها.
وروى ابن عساكر أيضا أنه اجتمع بإبراهيم التيمي وبسفيان بن عيينة وجماعة يطول ذكرهم.
وهذه الروايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم. وكل من الأحاديث المرفوعة ضعيفة جدا لا يقوم بمثلها حجة في الدين، والحكايات لا يخلو أكثرها عن ضعف الإسناد. وقصاراها أنباء صحيحة إلى من ليس بمعصوم من صحابي أو غيره، لأنه يجوز عليه الخطأ، والله أعلم.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن الزهري، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن أبا سعيد قال: حدثنا رسول الله حديثا طويلا عن الدجال: وقال فيما يحدثنا: "يأتي الدجال - وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة - فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خيرهم، فيقول أشهد أنك أنت الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله بحديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون لا، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحيا: والله ما كنت أشد بصيرة فيك مني الآن. قال فيريد قتله الثانية فلا يسلط عليه.
قال معمر: بلغني أنه يجعل على حلقه صحيفة من نحاس، وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه.
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري به.
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الراوي عن مسلم: الصحيح أن يقال إن هذا الرجل الخضر، وقول معمر وغيره: بلغني - ليس فيه حجة. وقد ورد في بعض ألفاظ الحديث: فيأتي بشاب ممتلئ شبابا فيقتله، وقوله: الذي حدثنا عنه رسول الله - لا يقتضي المشافهة، بل يكفي التواتر.
وقد تصدى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله في كتابه: "عجالة المنتظر في شرح الخضر" للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات فبين أنها موضوعة، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الإنتقاد.
وأما الذين ذهبوا إلى أنه قد مات، ومنهم البخاري وإبراهيم الحربي وأبو الحسين بن المنادى والشيخ أبو الفرج بن الجوزي، وقد انتصر لذلك وألف فيه كتابا أسماه "عجالة المنتظر في شرح الخضر" فيحتج لهم بأشياء كثيرة: منها قوله: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد}.
فالخضر إن كان بشرا فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح، والأصل عدمه حتى يثبت. ولم يذكر فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله.
ومنها: أن الله تعالى قال: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}.
قال ابن عباس: ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه. وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق، لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه. ذكره البخاري عنه.
فالخضر إن كان نبيا أو وليا، فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حيا في زمن رسول الله لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه؛ يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه؛ لأنه إن كان وليا فالصديق أفضل منه، وإن كان نبيا فموسى أفضل منه.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده: حدثنا شريح بن النعمان؛ حدثنا هشيم، أنبأنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله قال: "والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني". وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة، وقد دلت عليه هذه الآية الكريمة: أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله ، لكانوا كلهم أتباعا له، وتحت أوامره وفي عموم شرعه. كما أنه صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع معهم ليلة الإسراء رفع فوقهم كلهم. ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم، فصلى بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم. فدل على أنه الإمام الأعظم، والرسول الخاتم المبجل المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
فإذا علم هذا - وهو معلوم عند كل مؤمن - علم أنه لو كان الخضر حيا لكان من جملة أمة محمد ، وممن يقتدي بشرعه لا يسعه إلا ذلك.
هذا عيسى "ابن مريم عليه السلام" إذا نزل في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة، لا يخرج منها، ولا يحيد عنها، وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين وخاتم أنبياء بني إسرائيل. والمعلوم أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه، أنه اجتمع برسول الله في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالا في مشهد من المشاهد.
وهذا يوم بدر يقول الصادق المصدوق فيما دعا به لربه عز وجل، واستنصره واستفتحه على من كفره: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض"، وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ، وسادة الملائكة حتى جبريل عليه السلام؛ كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له، في بيت يقال إنه أفخر بيت قالته العرب:
وببئر بدر إذ يرد وجوههم ** ** جبريل تحت لوائنا ومحمد
فلو كان الخضر حيا، لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته وأعظم غزواته.
قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي: سئل بعض أصحابنا عن الخضر: هل مات؟ فقال نعم. قال وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن الغباري قال: وكان يحتج بأنه لو كان حيا لجاء إلى رسول الله . نقله ابن الجوزي في العجالة.
فإن قيل: فهل يقال: إنه كان حاضرا في هذه المواطن كلها، ولكن لم يكن أحد يراه؟ فالجواب: أن الأصل عدم هذا الاحتمال البعيد الذي يلزم منه تخصيص العموميات بمجرد التوهمات. ثم ما الحامل له على هذا الإختفاء؟ وظهوره أعظم لأجره وأعلى في مرتبته، وأظهر لمعجزته، ثم لو كان باقيا بعده، لكان تبليغه عن رسول الله الأحاديث النبوية والآيات القرآنية، وإنكاره لما وقع من الأحاديث المكذوبة، والروايات المقلوبة والآراء البدعية والأهواء العصبية، وقتاله مع المسلمين في غزواتهم وشهوده جمعهم وجماعاتهم، ونفعه إياهم ودفعه الضرر عنهم ممن سواهم، وتسديد العلماء والحكام، وتقريره الأدلة والأحكام، أفضل مما يقال عنه من كنونه في الأمصار، وجوبه الفيافي والأقطار. واجتماعه بعباد لا يعرف أحوال كثير منهم، وجعله لهم كالنقيب المترجم عنهم. وهذا الذي ذكرناه لا يتوقف فيه أحد فيه بعد التفهيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما - عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى ليلة العشاء ثم قال: "أرأيتم ليلتكم هذه؟ فإنه إلى مائة سنة لا يبقى ممن هو على وجه الأرض اليوم أحد". وفي رواية "عين تطرف". قال ابن عمر: فوهل الناس من مقالة رسول الله هذه، وإنما أراد انخرام قوته.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد الله وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، أن عبد الله بن عمر قال: صلى رسول الله ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: "أرأيتم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد". وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الزهري.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله قبل موته بقليل أو بشهر: "ما من نفس منفوسة - أو ما منكم من نفس اليوم منفوسة - يأتي عليها مائة سنة وهي يومئذ حية".
وقال أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي أنه قال قبل أن يموت بشهر: "يسألونني عن الساعة وإنما علمها عند الله، أقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة". وهكذا رواه مسلم من طريق أبي نضرة وأبي الزبير: كل منهما عن جابر بن عبد الله بن نحوه.
وقال الترمذي: حدثنا عباد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله : "ما على الأرض من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة" وهذا أيضا على شرط مسلم. قال ابن الجوزي: فهذه الأحاديث الصحاح تقطع دابر دعوى حياة الخضر.
قالوا: فالخضر إن لم يكن قد أدرك زمان رسول الله كما هو المظنون الذي يترقى في القوة إلى القطع، فلا إشكال، وإن كان قد أدرك زمانه، فهذا الحديث بقتضي أنه لم يعش بعد مائة سنة، فيكون الآن مفقودا لا موجودا؛ لأنه داخل هذا العموم، والأصل عدم المخصص له حتى يثبت بدليل صحيح يجب قبوله، والله أعلم.
وقد حكى الحافظ أبو القاسم السهيلي في كتابه: "التعرف والإعلام"عن البخاري وشيخه أبي بكر بن العربي: أنه أدرك حياة النبي ولكن مات بعده لهذا الحديث.
وفي كون البخاري رحمه الله يقول بهذا وأنه بقي إلى زمان النبي نظر. ورجح السهيلي بقاءه، وحكاه عن الأكثرين. قال: وأما اجتماعه مع النبي وتعزيته لأهل البيت بعده فمروي من طرق صحاح، ثم ذكر ما تقدم مما ضعفناه، ولم يورد أسانيدها.. والله أعلم.
إلياس عليه السلام: قال الله تعالى بعد قصة موسى وهارون من سورة "الصافات": {وإن إلياس لمن المرسلين، إذ قال لقومه ألا تتقون، أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين، الله ربكم ورب آبائكم الأولين، فكذبوه فإنهم لمحضرون، إلا عباد الله المخلصين، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إل ياسين، إنا كذلك نجزي المحسنين، إنه من عبادنا المؤمنين}.
قال علماء النسب هو: إلياس النشبي، ويقال: ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون وقيل: إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران.
قالوا وكان إرساله إلى أهل بعلبك غربي دمشق، فدعاهم إلى الله عز وجل وأن يتركوا عبادة صنم لهم كانوا يسمونه "بعلا" وقيل كانت امرأة اسمها "بعل" والله أعلم.
والأول أصح ولهذا قال لهم: {ألا تتقون، أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين، الله ربكم ورب آبائكم الأولين}.
فكذبوه وخالفوه وأرادوا قتله. فيقال إنه هرب منهم، واختفى عنهم، قال أبو يعقوب الأذرعي، عن يزيد بن عبد الصمد، عن هشام بن عمار قال: وسمعت من يذكر عن كعب الأحبار أنه قال: إن إلياس اختفى من ملك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله الملك وولى غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام فأسلم، وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم. فأمر بهم فقتلوا عن آخرهم.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثني أبو محمد القاسم بن هشام، حدثنا عمر بن سعيد الدمشقي، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن بعض مشيخة دمشق قال: أقام إلياس عليه السلام هاربا من قومه في كهف في جبل عشرين ليلة - أو قال أربعين ليلة تأتيه - الغربان برزقه.
وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي: أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه قال: أول نبي بعث إدريس، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل وإسحاق، ثم يعقوب ثم يوسف ثم لوط ثم هود ثم صالح ثم شعيب، ثم موسى وهارون ابنا عمران، ثم إلياس النشبي بن العازر بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. هكذا قال: وفي هذا الترتيب نظر. وقال مكحول عن كعب: أربعة أنبياء أحياء، اثنان في الأرض إلياس والخضر، واثنان في السماء: إدريس وعيسى عليهم السلام.
وقد قدمنا قول من ذكر أن إلياس والخضر يجتمعان في كل عام في شهر رمضان ببيت المقدس، وأنهما يحجان كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من العام المقبل. وأوردنا الحديث الذي فيه أنهما يجتمعان بعرفات كل سنة.
وبينا أنه لم يصح شيء من ذلك، وأن الذي يقوم عليه الدليل: أن الخضر مات، وكذلك إلياس عليهما السلام.
وما ذكره وهب بن منبه وغيره: أنه لما دعا ربه عز وجل أن يقبضه إليه لما كذبوه وآذوه، فجاءته دابة لونها لون النار فركبها، وجعل الله له ريشا وألبسة النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وصار ملكيا بشريا سماويا أرضيا، وأوصى إلى اليسع بن أخطوب، ففي هذا نظر. وهو من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، بل الظاهر أن صحتها بعيدة، والله تعالى أعلم.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني العباس أحمد بن سعيد المعداني ببخارى، حدثنا عبد الله بن محمود، حدثنا عبدان بن سنان، حدثني أحمد بن عبد الله البرقي، حدثنا يزيد بن يزيد البلوي، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن أنس بن مالك قال: كنا مع رسول الله في سفر، فنزلنا منزلا فإذا رجل في الوادي يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفورة المتاب لها قال: فأشرفت على الوادي فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع، فقال لي من أنت؟ فقلت: أنس بن مالك خادم رسول الله قال: فأين هو؟ قلت هو ذا يسمع كلامك، قال: فأته فأقرئه مني السلام، وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام. قال: فأتيت النبي فأخبرته، فجاء حتى لقيه فعانقه وسلم، ثم قعدا يتحادثان فقال له: يا رسول الله إني ما آكل في السنة إلا يوما، وهذا يوم فطري فآكل أنا وأنت.
قال: فنزلت عليهما مائدة من السماء، عليها خبز وحوت وكرفس، فأكلا وأطعماني وصلينا العصر، ثم ودعه ورأيت مره في السحاب نحو السماء:
فقد كفانا البيهقي أمره، وقال: هذا حديث ضعيف بمره.
والعجب أن الحاكم أبا عبد الله النيسابوري أخرجه في مستدركه على الصحيحين، وهذا مما يستدرك به على المستدرك: فإنه حديث موضوع مخالف للأحاديث الصحاح من وجوه ومعناه لا يصح أيضا، فقد تقدم في الصحيحين أن رسول الله قال: "إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا في السماء إلى أن قال: ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن".
وفيه أنه لم يأت رسول الله حتى كان هو الذي ذهب إليه، وهذا لا يصح، لأنه كان أحق بالسعي إلى بين يدي خاتم الأنبياء. وفيه أنه يأكل في السنة مرة، وقد تقدم عن وهب أنه أسلبه الله لذة المطعم والمشرب، وفيما تقدم عن بعضهم: أنه يشرب من زمزم كل سنة شربة تكفيه إلى مثلها من الحول الآخر.
وهذه أشياء متعارضة وكلها باطلة لا يصح شيء منها.
وقد ساق ابن عساكر هذا الحديث من طريق أخرى واعترف بضعفها وهذا عجب منه، كيف تكلم عليه؟ فإنه أورده من طريق حسين بن عرفة عن هانئ بن الحسن عن بقية، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن واثلة عن ابن الأسقع، فذكر نحو هذا مطولا. وفيه أن ذلك كان في غزوة تبوك، وأنه بعث إليه رسول الله أنس بن مالك وحذيفة بن اليمان، قالا: فإذا هو أعلى جسما منا بذراعين أو ثلاثة، واعتذر بعدم قدرته لئلا تنفر الإبل. وفيه أنه لما اجتمع به رسول الله أكلا من طعام الجنة، وقال: إن لي في كل أربعين ليلة أكلة، وفي المائدة خبز ورمان وعنب وموز ورطب وبقل، ما عدا الكراث. وفيه أن رسول الله سأله عن الخضر فقال: عهدي به عام أول، وقال لي: إنك ستلقاه قبلي فأقرئه مني السلام.
وهذا يدل على أن الخضر وإلياس، بتقدير وجودهما وصحة هذا الحديث لم يجتمعا به إلى سنة تسع من الهجرة، وهذا لا يسوغ شرعا. وهذا موضوع أيضا.
وقد أورد ابن عساكر طرقا فيمن اجتمع بإلياس من العباد، وكلها لا يفرح بها، لضعف إسنادها أو لجهالة المسند إليه فيها. ومن أحسنها ما قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني بشر بن معاذ، حدثنا حماد بن واقد، عن ثابت قال: كنا مع مصعب بن الزبير بسواد الكوفة، فدخلت حائطا أصلي فيه ركعتين فافتتحت: {حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول}.
فإذا رجل من خلفي على بغلة شهباء، عليه مقطعات يمنية فقال لي: إذا قلت: {غافر الذنب} فقل: يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي، وإذا قلت {وقابل التوب} فقل: يا قابل التوب تقبل توبتي، وإذا قلت: {شديد العقاب} فقل: يا شديد العقاب لا تعاقبني، وإذا قلت: {ذي الطول} فقل: يا ذا الطول تطول علي برحمة، فالتفت فإذا لا أحد. وخرجت فسألت: مر بكم رجل على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنية؟ فقالوا ما مر بنا أحد. فكانوا لا يرون إلا لأنه إلياس.
وقوله تعالى: {فكذبوه فإنهم لمحضرون} أي للعذاب، إما في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة. والأول أظهر على ما ذكره المفسرون والمؤرخون وقوله: {إلا عباد الله المخلصين} أي إلا من آمن منهم. وقوله: {وتركنا عليه في الآخرين} أي أبقينا بعده ذكرا حسنا له في العالمين فلا يذكر إلا بخير، ولهذا قال: {سلام على إل ياسين} أي سلام على إلياس والعرب تلحق النون في أسماء كثيرة وتبدلها من غيرها كما قالوا: إسماعيل وإسماعين. وإسرائيل وإسرائين، وإلياس وإلياسين، وقد قرئ: سلام على آل ياسين، أي على آل محمد، وقرأ ابن مسعود وغيره: سلام على إدراسين، ونقل عنه من طريق إسحاق عن عبيدة بن ربيعة عن ابن مسعود أنه قال: إلياس هو إدريس. وإليه ذهب الضحاك بن مزاحم وحكاه قتادة ومحمد بن إسحاق. والصحيح أنه غيره كما تقدم. والله أعلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:57 am

ذكر حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان
قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي أنه قال: "إن موسى قال: أي رب عبدك المؤمن مقتر عليه في الدنيا! قال: ففتح له باب من الجنة فنظر إليها، قال: يا موسى هذا ما أعددت له. فقال: يا رب وعزتك وجلالك لو كان مقطع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره لم ير بؤسا قط. قال: ثم قال: أي رب، عبدك الكافر موسع عليه في الدنيا، قال: ففتح له باب إلى النار فقال: يا موسى هذا ما أعددت له. فقال موسى: أي رب وعزتك وجلالك لو كانت له الدنيا منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير خيرا قط". تفرد به أحمد من هذا الوجه، وفي صحته نظر. والله أعلم.
وقال ابن حبان: "ذكر سؤال كليم الله ربه جل وعلا أن يعلمه شيئا يذكره به" : حدثنا ابن سلمة، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي أنه قال: "قال موسى: يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به. قال: قل يا موسى لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئا تخصني به. قال: يا موسى لو أن أهل السماوات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله".
ويشهد لهذا الحديث حديث البطاقة، وأقرب شيء إلى معناه الحديث المروي في السنن عن النبي أنه قال: "أفضل الدعاء دعاء عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
وقال ابن أبي حاتم: عند تفسير آية الكرسي: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدسكي، حدثني أبي عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن بني إسرائيل قالوا لموسى: هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله! فناداه ربه عز وجل: يا موسى هل ينام ربك، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل، ففعل موسى. فلما ذهب من الليل ثلثه نعس فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما، حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا، فقال: يا موسى لو كنت أنام لسقطت السماوات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك قال: وأنزل الله على رسوله آية الكرسي.
وقال ابن جرير: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر قال: "وقع في نفس موسى عليه السلام هل ينام الله عز وجل؟ فأرسل الله إليه ملكا فأرقه ثلاثا، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وكادت يداه تلتقيان، فيسقط فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان، قال: ضرب الله له مثلا: أن لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض". وهذا حديث غريب رفعه. والأشبه أن يكون موقوفا، وأن يكون أصله إسرائيليا.
وقال الله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون، ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين}. وقال تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون}.
قال ابن عباس وغير واحد من السلف: لما جاءهم موسى بالألواح فيها التوراة أمرهم بقبولها والأخذ بها بقوة وعزم. فقالوا: انشرها علينا فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها. فقال: بل اقبلوها بما فيها، فراجعوه مرارا، فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل على رؤوسهم حتى صار كأنه ظله، أي غمامة، على رؤوسهم. وقيل لهم إن لم تقبلوها بما فيها وإلا سقط هذا الجبل عليكم فقبلوا ذلك وأمروا بالسجود فسجدوا فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم، فصارت سنة لليهود إلى اليوم، يقولون لا سجدة أعظم من سجدة رفعت عنا العذاب.
وقال سنيد بن داود عن حجاج بن محمد، عن أبي بكر بن عبد الله قال: فلما نشرها لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز، فليس على وجه الأرض يهودي صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونفض لها رأسه.
قال الله تعالى: {ثم توليتم من بعد ذلك}. أي ثم بعد مشاهدة هذا الميثاق العظيم والأمر الجسيم نكثتم عهودكم ومواثيقكم {فلولا فضل الله عليكم ورحمته}. بأن تدارككم بالإرسال إليكم وإنزال الكتب عليكم. {لكنتم من الخاسرين}.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:58 am

ذكر بناء قبة الزمان
قال أهل الكتاب: وقد أمر الله موسى عليه السلام بعمل قبة من خشب الشمشاز وجلود الأنعام وشعر الأغنام، وأمر بزينتها بالحرير المصبغ والذهب والفضة على كيفيات مفصلة عند أهل الكتاب، ولها عشر سرادقات؛ طول كل واحد ثمانية وعشرون ذراعا، وعرضه أربع أذرع. ولها أربعة أبواب وأطناب من حرير ودمقس مصبغ، وفيها رفوف وصفائح من ذهب وفضة ولكل زاوية بابان وأبواب أخر كبيرة وستور من حرير مصبغ وغير ذلك مما يطول ذكره. وبعمل تابوت من خشب الشمشاز يكون طوله ذراعين ونصفا، وعرضه ذراعين وارتفاعه ذراعا ونصفا، ويكون مضببا بذهب خالص من داخله وخارجه، وله أربع حلق في أربع زواياه، ويكون على حافتيه كروبيان من ذهب - يعنون صفة ملكين بأجنحة - وهما متقابلان صنعه رجل اسمه "بصليال".
وأمره أن يعمل مائدة من خشب الشمشاز طولها ذراعان وعرضها ذراعان ونصف، لها ضباب ذهب وإكليل ذهب، بشفة مرتفعة بإكليل من ذهب، وأربع حلق من نواحيها من ذهب، مغرزة في مثل الرمان من خشب ملبس ذهبا. وأن يعمل صحافا ومصافي وقصاعا على المائدة، ويصنع منارة من الذهب دلي فيها ست قصبات من ذهب، من كل جانب ثلاثة، على كل قصبة ثلاث سرج. وليكن في المنارة أربع قناديل، ولتكن هي وجميع هذه الآنية من قنطار من ذهب. صنع ذلك "بصليال" أيضا، وهو الذي عمل المذبح أيضا.
ونصبت هذه القبة أول يوم من سنتهم، وهو أول يوم من الربيع ونصب تابوت الشهادة، وهو - والله أعلم - المذكور في قوله تعالى: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين}.
وقد بسط هذا الفصل في كتابهم مطولا جدا، وفيه شرائع لهم وأحكام وصفة قربانهم، وكيفيته. وفيه أن قبة الزمان كانت موجودة قبل عبادتهم العجل الذي هو متقدم على مجيئهم بيت المقدس، وأنها كانت لهم كالكعبة يصلون فيها وإليها، ويتقربون عندها، وأن موسى عليه السلام كان إذا دخلها يقفون عندها، وينزل عمود الغمام على بابها، فيخرون عند ذلك سجدا لله عز وجل.
ويكلم الله موسى عليه السلام من ذلك العمود الغمام الذي هو نور ويخاطبه ويناجيه، ويأمره وينهاه، وهو واقف عند التابوت صامد إلى ما بين الكروبيين فإذا فصل الخطاب يخبر بني إسرائيل بما أوحاه الله عز وجل إليه من الأوامر والنواهي.
وإذا تحاكموا إليه في شيء ليس عنده من الله فيه شيء، يجيء إلى قبة الزمان، ويقف عند التابوت ويصمد لما بين ذينك الكروبيين، فيأتيه الخطاب بما فيه فصل تلك الحكومة.
وقد كان هذا مشروعا لهم في زمانهم، أعني استعمال الذهب والحرير المصبغ واللآلى، في معبدهم وعند مصلاهم، فأما في شريعتنا فلا، بل قد نهينا عن زخرفة المساجد وتزيينها؛ لئلا تشغل المصلين، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما وسع في مسجد رسول الله ، للذي وكله على عمارته: ابن للناس ما يكنهم، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وقال ابن عباس: لا تزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى كنائسهم.
وهذا من باب التشريف والتكريم والتنزيه، فهذه الأمة غير مشابهة من كان قبلهم من الأمم؛ إذ جمع الله هممهم في صلاتهم على التوجه إليه والإقبال عليه، وصان أبصارهم وخواطرهم عن الاشتغال والتفكير في غير ما هم بصدده من العبادة العظيمة. فلله الحمد والمنة.
وقد كانت قبة الزمان هذه مع بني إسرائيل في التيه، يصلون إليها وهي قبلتهم وكعبتهم، وإمامهم كليم الله موسى عليه السلام، ومقدم القربان أخوه هارون عليه السلام.
فلما مات هارون ثم موسى عليهما السلام استمر بنو هارون في الذي كان يليه أبوهم، من أمر القربان وهو فيهم إلى الآن.
وقام بأعباء النبوة بعد موسى وتدبير الأمر بعده فتاه يوشع بن نون عليه السلام وهو الذي دخل بهم بيت المقدس كما سيأتي بيانه.
والمقصود هنا أنه لما استقرت يده على بيت المقدس نصب هذه القبة على صخرة بيت المقدس فكانوا يصلون إليها. فلما بادت صلوا إلى محلتها وهي الصخرة؛ فلهذا كانت قبلة الأنبياء بعده إلى زمان رسول الله . وقد صلى إليها رسول الله قبل الهجرة، وكان يجعل الكعبة بين يديه فلما هاجر أمر بالصلاة إلى بيت المقدس فصلى إليها ستة عشر - وقيل سبعة عشر - شهرا.
ثم حولت القبلة إلى الكعبة وهي قبلة إبراهيم في شعبان سنة ثنتين في وقت صلاة العصر وقيل الظهر، كما بسطنا ذلك في التفسير عند قوله تعالى {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}. إلى قوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام}. الآيات.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 6:59 am

ذكر الحديث الملقب بحديث الفتون المتضمن قصة موسى مبسوطة من أولها إلى أخرها
قال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب التفسير من سننه، عند قوله تعالى في سورة طه: {وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا}. "حديث الفتون".
حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا أصبغ بن زيد، حدثنا القاسم بن أبي أيوب، أخبرني سعيد بن جبير قال: سألت عبد الله بن عباس عن قول الله تعالى لموسى: {وفتناك فتونا}. فسألته عن الفتون ما هي؟ فقال: استأنف النهار يابن جبير فإن لها حديثا طويلا.
فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس لأتنجز منه ما وعدني من حديث الفتون، فقال: تذكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم عليه السلام أن يجعل من ذريته أنبياء وملوك، فقال بعضهم: إن بني إسرائيل يتنظرون ذلك ما يشكون فيه، وكان يظنون أنه يوسف بن يعقوب، فلما هلك قالوا ليس هكذا كان وعد إبراهيم، فقال فرعون: فكيف ترون؟ فاتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار، يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه ففعلوا ذلك.
فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون لآجالهم، والصغار يذبحون قالوا: توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم، فاقتلوا عاما كل مولود ذكر واتركوا بناتهم، ودعوا عاما فلا تقتلوا منهم أحدا، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم، فتخافوا مكاثرتهم إياكم، ولن يفنوا بمن تقتلون وتحتاجون إليهم.
فأجمعوا أمرهم على ذلك فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يقتل فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة.
فلما كان من قابل حملت بموسى عليه السلام، فوقع في قلبها الهم والحزن، وذلك من الفتون يا ابن جبير! ما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به فأوحى الله إليها: أن {ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين}. فأمرها إذا ولدت أن تجعله في تابوت وتلقيه في اليم.
فلما ولدت فعلت ذلك، فلما توارى عنها ابنها أتاها الشيطان، فقالت في نفسها: ما فعلت يا بني؟ لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه؟.
فانتهى الماء به حتى أوفى عند فرضة تستقي منها جواري امرأة فرعون،فلما رأينه أخذنه، فهممن أن يفتحن التابوت، فقال بعضهن: إن في هذا مالا، وإنا إن فتحناه لن تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه، فحملنه كهيئته لم يخرجن منه شيئا حتى دفعنه إليها. فلما فتحنه رأت فيه غلاما، فألقى الله عليه منها محبة لم يلق منها على أحد قط {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا}. من ذكر كل شيء إلا من ذكر موسى. فلما سمع الذباحون بأمره، أقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه. وذلك من الفتون يا بن جبير!
فقالت لهم: أقروه فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل، حتى أتى فرعون فاستوهبه منه، فإن وهبه مني كنتم قد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم ألمكم. فأتت فرعون فقالت: {قرة عين لي ولك}. فقال فرعون: يكون لك فأما لي فلا حاجة لي فيه. فقال رسول الله : "والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون قرة عين له، كما أقرت امرأته لهداه الله كما هداها، ولكن حرمه ذلك".
فأرسلت إلى من حولها إلى كل امرأة لها لأن تختار له ظئرا فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل على ثديها حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت، فأحزنها ذلك. فأمرت به فأخرج إلى السوق ومجمع الناس ترجوا أن تجد له ظئرا تأخذه منها، فلم يقبل. فأصبحت أم موسى والها فقالت لأخته: قصي أثره واطلبيه، هل تسمعين له ذكرا؟ أحي ابني أم قد أكلته الدواب ونسيت ما كان الله وعدها فيه.
{فبصرت به}. أخته {عن جنب وهم لا يشعرون}. والجنب: أن يسموا بصر الإنسان إلى شيء بعيد وهو إلى جنبه لا يشعر به. فقالت من الفرح حين أعياهم الظئرات: أنا {أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون} فأخذوها فقالوا: ما يدريك ما نصحهم له؟ هل تعرفينه؟ حتى شكوا في ذلك وذلك من الفتون يا بن جبير! فقالت: نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في صهر الملك ورجاء منفعة الملك. فأرسلوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر، فجاءت أمه، فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه حتى أمتلأ جنباه ريا، وانطلق البشير إلى امرأة فرعون يبشرها أن قد وجدنا لابنك ظئرا، فأرسلت إليها فأتت بها وبه.
فلما رأت ما يصنع بها قالت: امكثي ترضعي ابني هذا، فإني لم أحب شيئا حبه قط، قالت أم موسى: لا أستطيع أن أترك بيتي وولدي فيضيع، فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي، فيكون معي لا ألوه خيرا، فعلت فإني غير تاركة بيتي وولدي وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها، فتعاسرت على امرأة فرعون، وأيقنت أن الله منجز موعده. فرجعت إلى بيتها من يومها، وأنبته الله نباتا حسنا وحفظه لما قد قضى فيه. فلم يزل بنوا إسرائيل وهم في ناحية القرية ممتنعين من السخرة والظلم ماكان فيهم.
فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى: أزيريني ابني، فوعدتها يوما تزيرها إياه فيه، وقالت امرأة فرعون لخزانها وظئورها وقهارمتها: لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني اليوم بهدية وكرامة لأرى ذلك فيه. وأنا باعثة أمينا يحصي كل ما يصنع كل إنسان منكم، فلم تزل الهدايا والكرامة والنحل تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون. فلما دخل عليها نحلته وأكرمته وفرحت به ونحلت أمه لحسن أثرها عليه. ثم قالت: لآتين به فرعون فلينحلنه وليكرمنه.
فلما دخلت به عليه جعله في حجره، فتناول موسى لحية فرعون فمدها إلى الأرض، فقال الغواة من أعداء الله لفرعون: ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه؟ إنه زعم أنه يرثك ويعلوك ويصرعك! فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه، وذلك من الفتون يابن جبير بعد كل بلاء ابتلي به وأريد به. فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون، فقالت ما بدا لك في هذا الغلام الذي وهبته لي؟ فقال: ألا ترينه يزعم أنه يصرعني ويعلوني؟ فقالت: اجعل بيني وبينك أمرا تعرف فيه الحق، ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين، علمت أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل. فقرب إليه الجمرتين واللؤلؤتين فتناول الجمرتين فانتزعهما منه مخافة أن يحرقا يده، فقالت المرأة: ألا ترى؟ فصرفه الله عنه بعدما كان هم به، وكان الله بالغا فيه أمره.
فلما بلغ أشده وكان من الرجال، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة، حتى امتنعوا كل الامتناع فبينما موسى عليه السلام يمشي في ناحية المدينة، إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما فرعوني والآخر إسرائيلي، فإستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى غضبا شديدا لأنه تناوله وهو يعلم منزلته من بني إسرائيل وحفظه لهم لا يعلم الناس إلا أنه من الرضاع إلى أم موسى إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره. فوكز موسى الفرعوني فقتله، وليس يراهما أحد إلا الله عز وجل والإسرائيلي، فقال موسى حين قتل الرجل: {هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين}. ثم قال: {قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم، قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين، فأصبح في المدينة خائفا يترقب}. الأخبار.
فأتى فرعون فقيل له إن بني إسرائيل قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم، فقال ابغوني قاتله ومن يشهد عليه فإن الملك وإن كان صفوة من قومه، لا ينبغي له أن يقتل بغير بينة ولا ثبت، فاطلبوا لي علم ذلك أخذ لكم بحقكم.
فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذا بموسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلا من آل فرعون أخر فاستغاثة الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه وكره الذي رأى. فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم: {إنك لغوي مبين}. فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعدما ما قال له ما قال، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني، فخاف أن يكون بعدما قال له: {إنك لغوي مبين}. أن يكون إياه أراد، ولم يكن أراده. إنما أراد الفرعوني. فخاف الإسرائيلي وقال: {يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس}. وإنما قال له مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله فتتاركا.
وانطلق الفرعوني فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول: {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس}. فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى. فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم، يطلبون موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم، فجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة، فاختصر طريقا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره. وذلك من الفتون يابن جبير!
فخرج موسى متوجها نحو مدين لم يلقى بلاء قبل ذلك وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه عز وجل، فإنه قال: {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل، ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان}. يعني بذلك حابستين غنمهما؛ فقال لهما: {ما خطبكما} معتزلتين عن الناس؟ قالتا: ليس لنا قوة نزاحم القوم وإنما ننتظر فضول حياضهم. فسقى لهما فجعل يغترف من الدلو ماء كثيرا حتى كان أول الرعاء وانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما، وانصرف موسى فاستظل بشجرة، وقال: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}.
واستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا فقال إن لكما اليوم لشأنا. فأخبرتاه بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوه، فأتت موسى فدعته. فلما كلمه {قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين}. ليس لفرعون ولا لقومه علينا من سلطان ولسنا في مملكته، فقالت إحداهما: { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}. فاحتملته الغيرة على أن قال لها: ما يدريك ما قوته وما أمانته؟ فقالت: أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين سقى لنا لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه، وأما الأمانة فإنه نظر إلي حين أقبلت إليه وشخصت له، فلما علم أني امرأة صوب رأسه فلم يرفعه حتى بلغته رسالتك. ثم قال لي: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، فلم يفعل هذا إلا وهو أمين. فسرى عن أبيها وصدقها، وظن بالذي قالت.
فقال له: هل لك { أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثمانية حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين}. ففعل فكانت على نبي الله موسى ثمان سنين واجبة، وكانت السنتان عدة منه، فقضى الله عنه عدته فأتمها عشرا.
قال سعيد - وهو ابن جبير - لقيني رجلا من أهل النصرانية من علمائهم، فقال: هل تدري أي الأجلين قضى موسى؟ قلت لا، وأنا يومئذ لا أدري. فلقيت ابن عباس فذكرت ذلك له، فقال: أما علمت أن ثمانية كانت على نبي الله واجبة، لم يكن نبي الله لينقص منها شيئا؟ وتعلم أن الله كان قاضيا عن موسى عدته التي وعده؛ فإنه قضى عشر سنين. فلقيت النصراني فأخبرته ذلك، فقال: الذي سألته فأخبرك أعلم منك بذلك، قلت: أجل وأولى.
فلما سار موسى بأهله كان من أمر النار والعصا ويده، ما قص الله عليكم في القرآن.
فشكا إلى الله تعالى ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه؛ فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون؛ يكون له ردءا، يتكلم عنه الكثير مما لا يفصح به لسانه، فآتاه الله عز وجل سؤله، وحل عقدة من لسانه، وأوحى الله إلى هارون فأمره أن يلقاه.
فاندفع موسى بعصاه حتى لقى هارون، فانطلقا جميعا إلى فرعون، فأقاما على بابه حينا لا يؤذن لهما. ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا: {إنا رسولا ربك} قال: {فمن ربكما} فأخبراه بالذي قص الله عليك في القرآن. قال: فما تريدان؟ وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت، قال أريد أن تؤمن بالله وترسل معي بني إسرائيل، فأبى عليه وقال: {فأت بها إن كنت من الصادقين، فألقى عصاه فإذا هي}. حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون، فلما رآها فرعون قاصدة إليه خافها فاقتحم عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل.
ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء، يعني من غير برص، ثم ردها فعادت إلى لونها الأول.
فاستشار الملأ من حوله فيما رأى فقالوا له: {إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}. يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش، وأبوا على موسى أن يعطوه شيئا مما طلب، وقالوا له: أجمع السحرة فإنهم بأرضك كثير، حتى تغلب بسحرك سحرهما.
فأرسل إلى المدائن فحشر له كل ساحر متعالم، فلما أتوا فرعون قالوا: بم يعمل هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بالحيات. قالوا: فلا والله ما أحد في الأرض يعمل السحر بالحيات والحبال والعصي الذي نعمل، فما أجرنا إن نحن غلبنا؟ قال لهم: أنتم أقاربي خاصتي، وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم. فتواعدوا {يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى}.
قال سعيد فحدثنا ابن عباس عن يوم الزينة، الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، هو يوم عاشوراء.
فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين}. يعنون موسى وهارون استهزاء بهما، فقالوا يا موسى، بعد تريثهم بسحرهم {إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين}. قال بل ألقوا، {فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون}. فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفة، فأوحى الله إليه: {أن ألق عصاك}. فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيمة فاغرة فاها، فجعلت العصا تلتبس بالحبال، حتى صارت حرزا للثعابين تدخل فيه حتى ما أبقت عصا ولا حبلا إلا ابتلعته.
فلما عرف السحرة ذلك، قالوا لو كان هذا سحرا لم يبلغ من سحرنا كل هذا، ولكنه أمر من الله تعالى، آمنا بالله وبما جاء به موسى، ونتوب إلى الله مما كنا عليه.
فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه وظهر الحق {وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين}.
وامرأة فرعون بارزة مبتذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه، فمن رآها من آل فرعون ظن أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه؛ وإنما كان حزنها وهمها لموسى.
فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة؛ كلما جاء بآية وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا مضت أخلف موعده وقال هل يستطيع ربك أن يصنع غير هذا؟ أرسل الله على قومه الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات، كل ذلك يشكو إلى موسى ويطلب إليه أن يكفها عنه؛ ليوافقه على أن يرسل معه بني إسرائيل فإذا كف ذلك عنه أخلف بوعده ونكث عهده، حتى أمر الله موسى بالخروج بقومه، فخرج بهم ليلا.
فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا أرسل في المدائن حاشرين فتبعه بجنود عظيمة كثيرة وأوحى الله إلى البحر: إذا ضربك موسى عبدي بعصاه فانفلق اثنتي عشرة فرقة، حتى يجوز موسى ومن معه، ثم التق على من بقي بعد من فرعون وأشياعه.
فنسي موسى أن يضرب البحر بالعصى وانتهى إلى البحر وله قصيف مخافة أن يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصيا لله عز وجل!.
فلما تراءى الجمعان وتقاربا {قال أصحاب موسى إنا لمدركون}. افعل ما أمرك ربك، فإنه لم يكذب ولم تكذب. قال وعدني ربي إذا أتيت البحر انفرق اثنتي عشرة فرقة حتى أجاوزه، ثم ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى، فانفرق البحر كما أمره ربه وكما وعد موسى فلما أن جاوز موسى وأصحابه كلهم البحر، ودخل فرعون وأصحابه، التقى عليهم البحر كما أمر فلما جاوز موسى قال أصحابه: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه، فدعا ربه فأخرجه له ببدنه حتى استيقنوا بهلاكه.
ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم {قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}. قد رأيتم من العبر وسمعتم ما يكفيكم. ومضى فأنزلهم موسى منزلا وقال: أطيعوا هارون فإن الله قد استخلفه عليكم؛ فإني ذاهب إلى ربي. وأجلهم ثلاثين يوما أن يرجع إليهم فيها.
فلما أتى ربه عز وجل وأراد أن يكلمه في ثلاثين يوما. وقد صامهن ليلهن ونهارهن، كره أن يكلم ربه وريح فيه ريح فم الصائم، فتناول موسى شيئا من نبات الأرض فمضغه، فقال له ربه حين أتاه: لم أفطرت؟ - وهو أعلم بالذي كان - قال يا رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح. قال: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك! ارجع فصم عشرا ثم أئتني، ففعل موسى ما أمره به ربه.
فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل ساءهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم فقال: إنكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عواري وودائع، ولكم فيها مثل ذلك، وأنا أرى أن تحتسبوا مالكم عندهم، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها ولا عارية، ولسنا برادين إليهم شيئا من ذلك ولا ممسكيه لأنفسنا. فحفر حفيرا وأمر كل قوم عندهم من ذلك متاع أو حلية أن يقذفوه في ذلك الحفير، ثم أوقد عليه النار فأحرقه، فقال لا يكون لنا ولا لهم.
وكان السامري من قوم يعبدون البقر، جيران لبني إسرائيل، لم يكن من بني إسرائيل، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا، فقضي له أن رأى أثرا فقبض منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون: يا سامري ألا تلقي ما في يدك؟ وهو قابض عليه لا يراه أحد طوال ذلك، فقال: هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، ولا ألقيها لشيء إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها أن يكون ما أريد، فألقاها ودعا له هارون فقال: أريد أن تكون عجلا، فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد، فصار عجلا أجوف، ليس فيه روح وله خوار.
قال ابن عباس: لا والله ما كان فيه صوت قط، إنما كانت الريح تدخل من دبره وتخرج من فيه، فكان ذلك الصوت من ذلك.
فتفرق بنوا إسرائيل فرقا؛ فقالت فرقة: يا سامري ما هذا وأنت أعلم به؟ قال: هذا ربكم، ولكن موسى أضل الطريق!.
وقالت فرقة: لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى؛ فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه وعكفنا عليه حين رأيناه، وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى.
وقالت فرقة: هذا من عمل الشيطان وليس بربنا ولا نؤمن به ولا نصدق وأشرب فرقة في قلوبهم الصدق بما قال السامري في العجل وأعلنوا عدم التكذيب به.
فقال لهم هارون عليه السلام: {يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمان}. ليس هذا.
قالوا: فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوما ثم أخلفنا؟ وهذه أربعون يوما قد مضت. وقال سفهاؤهم: أخطأ ربه فهو يطلبه ويبتغيه.
فلما كلم الله موسى وقال له ما قال، أخبره بما لقي قومه من بعده، {فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا}. فقال لهم ما سمعتم مما في القرآن {وأخذ برأس أخيه يجره إليه} وألقى الألواح من الغضب. ثم إنه عذر أخاه بعذره واستغفر له، وانصرف إلى السامري فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: قبضت قبضة من أثر الرسول وفطنت لها وعميت عليكم {فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي، قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظللت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا}. ولو كان إلها لم يخلص إلى ذلك منه.
فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون، فقالوا لجماعتهم: يا موسى سل لنا ربك يفتح لنا باب توبة نصنعها فتكفر عنا ما عملنا. فاختار موسى من قومه سبعين رجلا لذلك، لا يألو الخير من خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في الحق، فانطلق بهم يسأل لهم التوبة فرجفت بهم الأرض.
فاستحيا نبي الله عليه السلام من قومه ومن وفده حين فعل بهم ما فعل فقال: {رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا}. وفيهم من كان الله اطلع منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمانه به، فلذلك رجفت بهم الأرض فقال {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل}.
فقال: يا رب سألتك التوبة لقومي، فقلت: إن رحمتي كتبتها لقوم غير قومي، فليتك أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحوم. فقال له: إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن.
وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون أمرهم، واطلع الله من ذنوبهم فاعترفوا بها، وفعلوا ما أمروا وغفر الله للقاتل والمقتول.
ثم سار بهم موسى عليه السلام متوجها نحو الأرض المقدسة، وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالذي أمر به من الوظائف فثقل ذلك عليهم وأبوا أن يقروا بها، فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الجبل، والكتاب بأيديهم وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم. ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا فيها قوم جبارون، خلقهم خلق منكر، وذكروا من ثمارهم أمرا عجبا من عظمها، فقالوا: {يا موسى إن فيها قوما جبارين} لا طاقة لنا بهم، ولا ندخلها ما داموا فيها، {فإن يخرجوا منها فإنا داخلون}.
{قال رجلان من الذين يخافون} قيل ليزيد: هكذا قرأه؟ قال نعم، من الجبارين، آمنا بموسى وخرجا إليه، فقالوا: نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم فإنهم لا قلوب لهم ولا منعة عندهم، فادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون. ويقول أناس: إنهم من قوم موسى.
فقال الذين يخافون من بني إسرائيل: {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}. فأغضبوا موسى، فدعا عليهم وسماهم فاسقين. ولم يدع عليهم قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم، حتى كان يومئذ فاستجاب الله له، وسماهم كما سماهم فاسقين، فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار ثم ظلل عليهم الغمام في التيه، وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ وجعل بين ظهرانيهم حجرا مربعا. وأمر موسى فضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، في كل ناحية ثلاثة أعين، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها، فلا يرتحلون محلة إلا وجدوا ذلك الحجر بينهم بالمكان الذي فيه بالمنزل الأول بالأمس.
رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي ، وصدق ذلك عندي أن معاوية سمع ابن عباس يحدث هذا الحديث فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل. فقال: كيف يفشي عليه ولم يكن علم به ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك؟ فغضب ابن عباس، فأخذ بيد معاوية وانطلق به إلى سعد ابن مالك الزهري، فقال له: يا أبا إسحاق، هل تذكر يوم حدثنا رسول الله عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون؟ الإسرائيلي الذي أفشى عليه أم الفرعوني؟ قال إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد ذلك وحضره.
هكذا ساق هذا الحديث الإمام النسائي، وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما من حديث يزيد بن هارون.
والأشبه والله أعلم أنه موقوف، وكونه مرفوعا فيه نظر.
وغالبه متلقى من الإسرائيليات وفيه شيء يسير مصرح برفعه في أثناء الكلام.
وفي بعض ما فيه نظر ونكارة، والأغلب أنه من كلام كعب الأحبار. وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك، والله أعلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 7:00 am


باب ذكر فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته
قال الله تعالى: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا، وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا، ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا}. وقال تعالى: {قال ياموسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين}.
وتقدم في الصحيحين عن رسول الله أنه قال: "لا تفضلوني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش، فلا أدري أصعق فأفاق قبلي؟ أم جوزي بصعقة الطور"؟.
وقد قدمنا أنه من رسول الله من باب الهضم والتواضع، وإلا فهو - صلوات الله وسلامه عليه - خاتم الأنبياء وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، قطعا جزما لا يحتمل النقيض.
وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} إلى أن قال: {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما}.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها}.
قال الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن روح بن عباده، عن عوف عن الحسن ومحمد وخلاس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما برص، وإما أدره وإما آفة. وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وبرأه الله مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا. فذلك قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها}.
وقد رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن شفيق وهمام بن منبه عن أبي هريرة به. وهو في الصحيحين من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عنه به. ورواه مسلم من حديث عبد الله بن شفيق العقيلي عنه.
قال بعض السلف: كان من وجاهته أنه شفع في أخيه عند الله، وطلب منه أن يكون معه وزيرا، فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه طلبته وجعله نبيا، كما قال: {ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا}.
ثم قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة عن الأعمش قال سمعت أبا وائل، قال سمعت عبد الله قال: قسم رسول الله قسما، فقال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النبي فأخبرته فغضب، حتى رأيت الغضب في وجهه، ثم قال: "يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر". وكذا رواه مسلم من غير وجه عن سليمان بن مهران الأعمش به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن حجاج، سمعت إسرائيل بن يونس، عن الوليد بن أبي هاشم مولى لهمدان، عن زيد بن أبي زائد، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله لأصحابه: "لا يبلغني أحد عن أحد شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر". قال: وأتى رسول الله مال فقسمه، قال: فمررت برجلين وأحدهما يقول لصاحبه: والله ما أراد محمد بقسمته وجه الله ولا الدار الآخرة، فثبت حتى سمعت ما قالا، ثم أتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله! إنك قلت لنا لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا وإني مررت بفلان وفلان وهما يقولان كذا وكذا. فاحمر وجه رسول الله وشق عليه، ثم قال: "دعنا منك فقد أوذي موسى أكثر من ذلك فصبر"!.
وهكذا رواه أبو داود والترمذي من حديث إسرائيل عن الوليد بن أبي هاشم به. وفي رواية للترمذي ولأبي داود من طريق ابن عبد عن إسرائيل عن السدي عن الوليد به. وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه.
وقد ثبت في الصحيحين في أحاديث الإسراء: أن رسول الله مر بموسى وهو قائم يصلي في قبره، ورواه مسلم عن أنس.
وفي الصحيحين من رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة عن النبي أنه مر ليلة أسري به بموسى في السماء السادسة، فقال له جبريل: هذا موسى، فسلم عليه. قال: "فسلمت عليه فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فلما تجاوزت بكى. قيل له ما يبكيك؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي". وذكر إبراهيم في السماء السابعة، وهذا هو المحفوظ.
وما وقع في حديث شريك بن أبي نمر، عن أنس، من أن إبراهيم في السادسة وموسى في السابعة، بتفضيل كلام الله - فقد ذكر غير واحد من الحفاظ: أن الذي عليه الجادة: أن موسى في السادسة وإبراهيم في السابعة، وأنه مسند ظهره إلى البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم. واتفقت الروايات كلها على أن الله تعالى لما فرض على محمد وأمته خمسين صلاة في اليوم والليلة - مر بموسى، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فإني قد عالجت بني إسرائيل قبلك أشد المعالجة، وإن أمتك أضعف أسماعا وأبصارا وأفئدة. فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل، ويخفف عنه في كل مرة، حتى صارت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة. وقال الله تعالى. هي خمس وهي خمسون أي بالمضاعفة، فجزى الله عنا سيدنا محمد خيرا، وجزى الله عنا موسى عليه السلام خيرا.
وقال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا حصين بن نمير عن حصين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خرج علينا رسول الله يوما فقال: "عرضت علي الأمم ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل هذا موسى في قومه". هكذا روى البخاري هذا الحديث ها هنا مختصرا.
وقد رواه الإمام أحمد مطولا فقال: حدثنا شريح، حدثنا هشام، حدثنا حصين بن عبد الرحمن، قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ قلت أنا، ثم قلت: إني لم أكن في صلاة ولكن لدغت. قال: وكيف فعلت؟ قلت: استرقيت. قال: وما حملك على ذلك؟ قال قلت: حديث حدثناه الشعبي عن بريدة الأسلمي أنه قال: "لا رقية إلا من عين أو حمة"، فقال سعيد يعني ابن جبير - : قد أحسن من أنهى إلي ما سمع.
ثم قال: حدثنا ابن عباس عن النبي قال: "عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي معه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فقلت هذه أمتي؟ فقيل هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فإذا سواد عظيم، ثم قيل انظر إلى هذا الجانب، فإذا سواد عظيم، فقيل: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.
ثم نهض رسول الله فدخل، فخاض القوم في ذلك، فقالوا: من هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟ فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا النبي . وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئا قط، وذكروا أشياء.
فخرج إليهم رسول الله فقال: "ما هذا الذي كنتم تخوضون فيه؟" فأخبروه بمقالتهم فقال: "هم الذي لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: أنت منهم. ثم قام آخر فقال: أنا منهم يا رسول الله؟ فقال: "سبقك بها عكاشة"!.
وهذا الحديث له طرق كثيرة جدا وهو في الصحاح والحسان وغيرها وقد أوردناها في باب صفة الجنة عند ذكر أحوال القيامة وأهوالها.
وقد ذكر الله تعالى موسى عليه السلام في القرآن كثيرا، وأثنى عليه وأورد قصته في كتابه العزيز مرارا، وكررها كثيرا، مطولة ومبسوطة ومختصرة، وأثنى عليه ثناء بليغا.
وكثيرا ما يقرنه الله ويذكره، ويذكر كتابه مع محمد وكتابه، كما قال في سورة البقرة: {ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون}.
وقال تعالى: {الم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم، نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل، من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام}.
وقال تعالى في سورة الأنعام: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون، وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون}.
فأثنى الله تعالى على التوراة، ثم مدح القرآن العظيم مدحا عظيما.
وقال تعالى في آخرها: {ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون، وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون}.
وقال تعالى في سورة المائدة: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. إلى أن قال: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون، وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}. الآية.
فجعل القرآن حاكما على سائر الكتب غيره، وجعله مصدقا لها ومبينا ما وقع فيها من التحريف والتبديل؛ فإن أهل الكتاب استحفظوا على ما بأيديهم من الكتب، فلم يقدروا على حفظها ولا على ضبطها وصونها، فلهذا دخلها ما دخلها من تغييرهم وتبديلهم؛ لسوء فهمهم وقصورهم في علومهم، ورداءة قصودهم وخيانتهم لمعبودهم، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. ولهذا يوجد في كتبهم من الخطأ البين على الله وعلى رسوله ما لا يحد ولا يوصف، وما لا يوجد مثله ولا يعرف.
وقال تعالى في سورة الأنبياء: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين، الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون، وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون}.
وقال تعالى في سورة القصص: {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون، قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين}.
فأثنى الله على الكتابين وعلى الرسولين عليهما السلام.
وقالت الجن لقومهم: {إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى}.
وقال ورقة بن نوفل لما قص عليه رسول الله خبر ما رأى من أول الوحي وتلا عليه: {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم}. قال: سبوح سبوح، هذا الناموس الذي أنزل على موسى بن عمران.
وبالجملة فشريعة موسى عليه السلام كانت شريعة عظمية، وأمته كانت أمة كثيرة ووجد فيها أنبياء وعلماء، وعباد وزهاد وألباء، وملوك وأمراء، وسادات وكبراء، لكنهم كانوا فبادوا، وتبدلوا كما بدلت شريعتهم ومسخوا قردة وخنازير، ثم نسخت بعد كل حساب ملتهم، وجرت عليهم خطوب وأمور يطول ذكرها. ولكن سنورد ما فيه مقنع لمن أراد أن يبلغه خبرها إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان.
ذكر حجه عليه السلام إلى البيت العتيق
قال الإمام أحمد: حدثنا هشام، حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن ابن عباس، أن رسول الله مر بوادي الأزرق فقال: "أي واد هذا" ؟ قالوا: وادي الأزرق، قال: "كأني أنظر إلى موسى وهو هابط من الثنية، وله جؤار إلى الله عز وجل بالتلبية"، حتى أتى على ثنية هرشاء فقال: "أي ثنية هذه"؟ قالوا: هذه ثنية هرشاء. قال: "كأني أنظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء، عليه جبة من صوف، خطام ناقته خلبة" - قال هشيم: يعني ليفا - وهو يلبي. أخرجه مسلم من حديث داود بن أبي هند به. وروى الطبراني عن ابن عباس مرفوعا "إن موسى حج على ثور أحمر" وهذا غريب جدا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن ابن عون، عن مجاهد قال: كنا عند ابن عباس فذكروا الدجال، فقال: إنه مكتوب بين عينيه "ك ف ر" قال: ما يقولون؟ قال: يقولون مكتوب بين عينيه إ "ك ف ر" فقال ابن عباس: لم أسمعه قال ذلك ولكن قال: "أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فرجل آدم جعد الشعر على جمل أحمر مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه وقد انحدر من الوادي يلبي"، قال هشيم: الخلبة: الليف.
ثم رواه الإمام أحمد عن أسود، عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله : "رأيت عيسى ابن مريم وموسى وإبراهيم: فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى فآدم جسيم سبط، قالوا: فإبراهيم؟ قال: انظر إلى صاحبكم".
وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا شيبان قال: حدث قتادة عن أبي العالية، حدثنا ابن عم نبيكم ابن عباس قال: قال نبي الله : "رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا طوالا جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس.
وأخرجاه من حديث قتادة به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله حين أسري به: "لقيت موسى، قال فنعته؛ فإذ رجل - حسبته قال - مضطرب، رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة، ولقيت عيسى - فنعته رسول الله فقال: ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس، يعني الحمام، قال: ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به". الحديث.
وقد تقدم غالب هذه الأحاديث في ترجمة الخليل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 7:00 am


باب ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام
ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ثم نتبعهم بذكر داود وسليمان عليهما السلام:
قال ابن جرير في تاريخه: لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين وأمور السالفين من أمتنا وغيرهم أن القائم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع كالب بن يوفنا، يعني أحد أصحاب موسى عليه السلام وهو زوج أخته مريم، وهو أحد الرجلين اللذين ممن يخافون الله، وهما يوشع وكالب، وهما القائلان لبني إسرائيل حين نكلوا عن الجهاد: {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}.
قال ابن جرير: ثم من بعده كان القائم بأمور بني إسرائيل حزقيل بن بوذى وهو الذي دعا الله فأحيا الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم   ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم Emptyالجمعة أبريل 03, 2015 7:01 am


ذكر وفاته عليه السلام
قال البخاري في صحيحه: "وفاة موسى عليه السلام" حدثنا يحيى ابن موسى، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه عن أبي هريرة قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه عز وجل، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن.
قال: فسأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال أبو هريرة: فقال رسول الله : "فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر".
قال: وأنبأنا معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي نحوه.
وقد روى مسلم الطريق الأول من حديث عبد الرزاق به - ورواه الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة مرفوعا وسيأتي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا الحسن، حدثنا لهيعة، حدثنا أبو يونس - يعني سليم بن جبير - عن أبي هريرة، قال: الإمام أحمد لم يرفعه، قال: "جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فقال أجب ربك، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها، فرجع الملك إلى الله فقال: إنك بعثتني إلى عبد لك لا يريد الموت، قال: وقد فقأ عيني. قال فرد الله عينه. وقال: ارجع إلى عبدي فقل له: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما وارت يدك من شعره فإنك تعيش بها سنة. قال: ثم مه؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن يا رب من قريب". تفرد به أحمد، وهو موقوف بهذا اللفظ.
وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال معمر: وأخبرني من سمع الحسن عن رسول الله . فذكره.
ثم استشكله ابن حبان وأجاب عنه بما حاصله: أن ملك الموت لما قال له هذا لم يعرفه، لمجيئه على غير صورة يعرفها موسى عليه السلام كما جاء جبريل في صورة أعرابي، وكما وردت الملائكة على إبراهيم ولوط في صورة شباب، فلم يعرفهم إبراهيم ولا لوط أولا. وكذلك موسى لعله لم يعرفه؛ لذلك لطمه ففقأ عينه لأنه دخل داره بغير إذنه، وهذا موافق لشريعتنا في جواز فقء عين من نظر إليك في دارك بغير إذن.
ثم أورد الحديث من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "جاء ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه، قال له: أجب ربك، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأ عينه". وذكر تمام الحديث كما أشار إليه البخاري.
ثم تأوله على أنه لما رفع يده ليلطمه، قال له: أجب ربك، وهذا التأويل لا يتمشى مع ما ورد به اللفظ؛ من تعقيب قوله أجب ربك بلطمه. ولو استمر على الجواب الأول لتمشى له، وكأنه لم يعرفه في تلك الصورة ولم يحمل قوله هذا على أنه مطابق؛ إذ لم يتحقق في الساعة الراهنة أنه ملك كريم، لأنه كان يرجو أمورا كثيرة كان يحب وقوعها في حياته؛ من خروجهم من التيه، ودخولهم الأرض المقدسة. وكان قد سبق في قدرة الله أنه عليه السلام يموت في التيه بعد هارون أخيه، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
وقد زعم بعضهم: أن موسى عليه السلام هو الذي خرج بهم من التيه ودخل بهم الأرض المقدسة. وهذا خلاف ما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين.
ومما يدل على ذلك قوله لما اختارت الموت: رب أدنني إلى الأرض المقدسة رمية حجر، ولو كان قد دخلها لم يسأل ذلك. ولكن لما كان مع قومه بالتيه وحانت وفاته عليه السلام أحب أن يتقرب إلى الأرض التي هاجر إليها، وحث قومه عليها. ولكن حال بينهم وبينها القدر، رمية بحجر.
ولهذا قال سيد البشر، ورسول الله إلى أهل الوبر والمدر: "فلو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر".
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، حدثنا ثابت وسليمان التيمي عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: "لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر" ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به.
وقال السدي عن أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة قالوا: ثم إن الله تعالى أوحى إلى موسى إني متوف هارون فائت إلى جبل كذا وكذا.
فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل، فإذا هم بشجرة لم تر شجرة مثلها، وإذا هم ببيت مبني، وإذا هم بسرير عليه فرش، وإذا فيه ريح طيبة. فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه، قال: يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير، قال له موسى: فنم عليه، قال: إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب علي، قال له: لا ترهب.. أنا أكفيك رب هذا البيت فنم. قال: يا موسى بل نم معي فإن جاء رب هذا البيت غضب علي وعليك جميعا. فلما ناما أخذ هارون الموت، فلما وجد حسه قال: يا موسى خدعتني، فلما قبض رفع ذلك البيت، وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير به إلى السماء.
فلما رجع موسى إلى قومه وليس معه هارون قالوا إن موسى قتل هارون، وحسده على حب بني إسرائيل له، وكان هارون أكف عنهم وألين لهم من موسى، وكان في موسى بعض الغلظة عليهم. فلما بلغه ذلك قال لهم: ويحكم! كان أخي أفتروني أقتله؟ فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين، ثم دعا الله فنزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض.
ثم إن موسى عليه السلام بينما هو يمشي ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء، فلما نظر إليها يوشع ظن أنها الساعة، فالتزم موسى وقال: تقوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبي الله؟ فاستل موسى عليه السلام من تحت القميص وترك القميص في يدي يوشع. فلما جاء يوشع بالقميص أخذته بنو إسرائيل وقالوا: قتلت نبي الله. فقال: لا والله ما قتلته، ولكنه استل مني، فلم يصدقوه وأرادوا قتله. قال: فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام، فدعا الله فأتي كل رجل ممن كان يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع لم يقتل موسى، وإنا قد رفعناه إلينا. فتركوه.
ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى إلا مات ولم يشهد الفتح وفي بعض هذا السياق نكارة وغرابة والله أعلم.
وقد قدمنا أنه لم يخرج أحد من التيه ممن كان مع موسى،سوى يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، وهو زوج مريم أخت موسى وهارون، وهما الرجلان المذكوران فيما تقدم، اللذان أشارا على ملأ بني إسرائيل بالدخول عليهم.
وذكر وهب بن منبه: أن موسى عليه السلام مر بملأ من الملائكة يحفرون قبرا، فلم ير أحسن منه ولا أنظر ولا أبهج، فقال: يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر؟ فقالوا لعبد من عباد الله كريم، فإن كنت تحب أن تكون هذا العبد فادخل هذا القبر، وتمدد فيه وتوجه إلى ربك، وتنفس أسهل تنفس، ففعل ذلك، فمات صلوات الله وسلامه عليه، فصلت عليه الملائكة ودفنوه.
وذكر أهل الكتاب وغيرهم أنه مات وعمره مائة وعشرون سنة.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أمية بن خالد ويونس، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة عن النبي ، قال يونس: رفع هذا الحديث إلى النبي فقال: "كان ملك الموت يأتي الناس عيانا، قال فأتى موسى عليه السلام فلطمه ففقأ عينه، فأتى ربه فقال: يا رب عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لعتبت عليه وقال يونس: لشققت عليه - قال له اذهب إلى عبدي، وقل له فليضع يده على جلد - أو مسك ثور - فله بكل شعرة وارت يده سنة، فأتاه فقال له، فقال: ما بعد هذا؟ قال: الموت قال: فالآن. قال فشمه شمة فقبض روحه".
قال يونس: فرد الله عليه عينه وكان يأتي الناس خفية. وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب، عن مصعب بن المقدام عن حماد بن سلمة به فرفعه أيضا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذكر قصة موسى الكليم عليه الصلاة والتسليم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» صفة حلق سيدنا محمد رأسه الكريم عليه الصلاة والتسليم / الجزء الخامس / (البداية والنهاية)
» الجزء الاول / قصة موسى الكليم‏ (1)
» الجزء الاول / قصة موسى الكليم‏ (2)
» قصة موسى عليه السلام
» موسى عليه السلام (18)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى الشخصيات الإسلامية-
انتقل الى: