ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 تاريخ المسلمين في القدس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

تاريخ المسلمين في القدس Empty
مُساهمةموضوع: تاريخ المسلمين في القدس   تاريخ المسلمين في القدس Emptyالأحد مارس 29, 2015 7:21 am

تاريخ المسلمين في القدس 2915_257156e3a5831
تاريخ المسلمين في القدس
فثح المسلمون بيت المقدس
تبشير النبي علية الصلاة والسلام بفتح القدس
سبقت فتحَ بيت المقدس مقدماتٌ وبشائر من النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنعشت آمال الفاتحين، وزادت المجاهدين ثباتا ورسوخَ قدم، فكانوا يطئون بحوافر خيولهم أرضا يعرفونها جيدا، ومن لم ير هذه الأرض منهم من قبل بعينيه، فقد عرف وصفها من خلال إسراء النبي ومعراجه، ومن نافذة البُشرى المحمدية بالفتح..ففي أثناء غزوة تبوك (العام التاسع للهجرة) بشر النبي( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه باجتماع المساجد الثلاثة تحت راية أهل التوحيد، فعن عَوْف بْن مَالِكٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ – حتى أحصى ستة أشياء (رواه البخاري)
وكانت غزوة تبوك هذه من مقدمات فتح القدس؛ إذ لفتت أنظار المسلمين إلى الشام كله، وسبقتها غزوة مؤتة في العام الثامن للهجرة، كأول صدام حربي بين المسلمين والروم، ثم جاءت جيوش المسلمين أيام أبي بكر وعمر حتى فتحت القدس والشام كله. القدس والصحابة هناك أحكام عديدة طبقها المسلمون على البلاد التي فتحوها، وقد توقف أغلب هذه الأحكام على وقوع الفتح صلحًا أو حدوثه قهرًا، وحرص الفقهاء والمؤرخون المسلمون على بيان الصفة التي فتحت بها مختلف الأمصار والبلدان، ومن ذلك فتح بصرى بالشام وصفد وطبرية بفلسطين صلحا، وفتح رامهرمز بفارس والموصل والإسكندرية بالعراق ومصر عنوة وقهرا وبيت المقدس يحسب ضمن البلدان التي فتحت على المسلمين صلحا، وذلك في سنة ست عشرة للهجرة0
حين نجح المسلمون في تصفية الوجود الرومي في جميع نواحي فلسطين، ما عدا القدس والرملة، صار الروم محصورين في هاتين البقعتين، وتهاوت آمالهم في الحصول على أمداد أو معونات من إخوانهم خارج فلسطين، فانسحب أرطبون والرومان متجهين إلى مصر، وطلب أهالي القدس والرملة الصلح مع المسلمين، وراسلوا عمرو بن العاص لذلك، على أن يأتي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بنفسه لتسلم مفاتيح المدينة المقدسة0
تذكر الروايات أن أهل القدس حين راسلوا عمرو بن العاص على التسليم، ذكروا له أن صفة الرجل الذي يفتح بيت المقدس كما تقول كتبهم تنطبق على صفة عمر لا صفة عمرو.
ويبدو أنهم أرادوا تكريم المدينة المباركة بهذا، وإعطاءها خصوصية في الفتح ليست لغيرها. وبالفعل قدم صاحب رسول الله العظيم (عمر بن الخطاب إلى بيت المقدس)، ودخلها في كوكبة من الصحابة ورجال الفتح، ليتسلم المدينة من( بطريرك صفرونيوس)، ونزل على جبل المدينة الشرقي (جبل زيتا) .. وكانت لحظة رائعة هذه، إذ ورث أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أرض الأنبياء، ووصلوا حاضر الموحدين بماضيهم، فعلوا ذلك لا بكبر وجبروت، ولا بظلم وتعال، وإنما بإيمان كالرواسي الرواسخ وخلق يسمو على الصغائر والتوافه، وعدل يترفع عن مجاملة شريف أو الجور على فقير0
وكتب أمير المؤمنين الفاروق بمنطقة الجابية في الشام كتاب الصلح بين السملمين وبين المقدسيين
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب
هو ثاني الخلفاء الراشدين وأول من تلقب بأمير المؤمنين، ولقبه النبي الكريم بالفاروق، وتمت له البيعة بالخلافة يوم وفاة أبي بكر الصديق سنة 13 هـ / 634م، وهو أول من وضع للعرب التاريخ الهجري وكانوا يؤرخون بالوقائع، وهو أول من دون الدواوين في الإسلام واتخذ بيت مال للمسلمين0
شهدت خلافة عمر بن الخطاب أشد المراحل حسما في تقرير مصير فلسطين، فقد أخذت حشود البيزنطيين تتجمع في منطقة اليرموك للقضاء على المسلمين، فعزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد وولي قيادة الجيوش لأبي عبيدة بن الجراح0
ولما التقى الجمعان في معركة اليرموك في ذات العام 13هـ / 634م وتم النصر المبين للمسلمين وهزم جيش الروم شر هزيمة، أرسل أبو عبيدة بالبشارة إلى عمر بن الخطاب، فرد عليه عمر أن يوجه شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص إلى الأردن وفلسطين.في سنة 15 هـ / 636م وبعد معركة أجنادين نجح المسلمون بقيادة عمرو بن العاص في فتح العديد من مدن الشام وفلسطين، فتوجه القائد أبو عبيده بن الجراح نحو مدينة القدس لحصارها وفتحها، وصادف حصار المسلمين لمدينة بيت المقدس أيام الشتاء والبرد، فظن الروم أن المسلمين لا يقدرون عليهم في ذلك الوقت، إلا أن حصار أبي عبيدة للمدينة استمر أربعة أشهر كاملة، وما من يوم إلا ويقاتلهم قتالا شديدا
ويصف الطبري الوضع في كتابه قائلا : (فلما وجد الروم أن أبا عبيدة غير مقلع عنهم ولم يجدوا لهم طاقة بحربه وحصاره قالوا له نصالحك على مثل ما صالح عليه مدن الشام من أداء الجزية والخراج، على أن يكن تسليم المدينة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .. فقبل أبو عبيدة ذلك).كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب قائلا0
(بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عمر أمير المؤمنين من أبي عبيدة بن الجراح سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد، فإن أقمنا على أهل إيلياء، فظنوا أن لهم في مطاولتهم فرجًا فلم يزدهم الله إلا ضيقًا ونقصًا وهزالاً وذلاً، فلما رأوا ذلك سألوا أن يقدم عليهم أمير المؤمنين فيكون هو الموثوق لهم والكاتب. فخشينا أن يقدم أمير المؤمنين فيغدر القوم ويرجعوا فيكون مسيرك ـ أصلحك الله ـ عناءً وفضلاً، فأخذنا عليهم المواثيق المغلظة بأيمانهم ليبقلن وليؤدن الجزية، وليدخلن فيما دخل فيه أهل الذمة، ففعلوا فإن رأيت أن تقدم فافعل، فإن في سيرك أدرًا وصلاحًا، أتاك الله رشدك ويسر أمرك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
دعا عمر كبار المسلمين إليه، وقرأ عليهم كتاب ابي عبيدة، فقال عثمان بن عفان (إن الله قد أذل الروم، وأخرجهم من الشام، ونصر المسلمين عليهم، وقد حاصر أصحابنا مدينة إيلياء وضيقوا عليهم .. فإن أنت أقمت ولم تسر إليهم رأوا أنك بأمرهم مستخف ولقتالهم مستحقر، فلا يلبثون إلا اليسير حتى ينزلوا على الصغار ويعطون الجزية0
وقال علي بن أبي طالب (عندي غير هذا الرأي وأنا أبديه لك، فقال عمر وما هو يا أبا الحسن ؟ فرد علي قائلا : إن القوم قد سألوك، وفي سؤالهم ذلك فتح للمسلمين، وقد أصاب المسلمين جهد عظيم من البرد والقتال وطول المقام، وإني أرى إن سرت إليهم فتح الله هذه المدينة على يديك. فخرج عمر من المدينة قاصدا بيت المقدس بعد أن استخلف على المدينة علي بن أبي طالب.
فكان أول عمل قام به الخليفة عمر بن الخطاب لدى وصوله إلى بيت المقدس هو أن أعطى أهلها العهد التاريخي المعروف بالعهدة العمرية .>
العهدة العمرية
(بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من المان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم. ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن إيلياء معهم أحد من اليهود.وعلى أهل إيلياء أن يعطو الجزية كما يعطى أهل المدائن. وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم. وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية) .
القدس في العهد الأموي
كانت الشام مركز المؤيدين للسياسة الأموية، فقد طالت الصلة بين أهل الشام وبين معاوية بن أبي سفيان – رأس دولة بني أمية – ورأوا فيه سياسيا وقائدا ماهرا، واختار الأمويون عاصمتهم في قلب الشام (دمشق)، وأولوا الشام ومدنها وأهلها اهتماما خاصا.
ولعل هذا ما دفع بعض رواة التاريخ إلى أن يزعم أن عبد الملك بن مروان أراد من بناء مسجد قبة الصخرة صرفَ الناس عن المسجد الحرام!! ومعنى هذا أن سياسة الأمويين تجاه القدس جعلتهم يستغلونها استغلالا سياسيا لتأكيد شرعية حكمهم، ولكن هذا لم يثبت بهذه الصورة، وإن ثبت بصور أخرى ستأتي.
لقد تحكم عاملان كبيران في سياسة بني أمية نحو القدس، وهما: مكانة المدينة ومسجدِها المبارك، ثم قربها من دمشق مركز الدولة الأموية وعاصمتها.
بدأ معاوية بن أبي سفيان بأخذ البيعة من الناس على الخلافة في بيت المقدس، ولعله أراد بأخذها هناك أن يؤكد شرعية هذه البيعة، حيث يأخذها في مكان طاهر مبارك، وسار على هذه الخطوة خليفتان آخران من بني أمية وهما:
الوليد بن عبد الملك وأخوه سليمان
وإذا كان عبد الملك بن مروان وابنه الوليد قد منحا الحرم القدسي اهتماما خاصا، وشيدا المسجدين المباركين: مسجد قبة الصخرة، والمسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب قبلهما – فإن سليمان بن عبد الملك مكث زمنا أميرا على فلسطين، وكان يحب الجلوس تحت قبة السلسلة بأرض الحرم القدسي الشريف، ولم يكتف بأخذ البيعة من الناس على سطح صخرة بيت المقدس والناسُ من حوله، والمال الوفير وكُتّاب الدواوين إلى جانبه، بل كاد أن يتخذ مدينة القدس أو الرملة عاصمة لمُلكه، ولعله استحضر في ذلك صورة النبي الكريم سليمان بن داود – عليهما السلام – ولكن يبدو أن سرعة موته (سنة 98هـ) قد حالت دون ذلك.
إن وصف مدينة القدس في زمان بني أمية يكشف عن اهتمامهم بها وبأسوارها وبناياتها، فقد “كان للقدس يومئذ سور، وكان على ذلك السور أربعة وثمانون برجًا، وله ستة أبواب، ثلاثة منها فقط يدخل الناس منها ويخرجون: واحد غربي المدينة، والثاني شرقيها، والثالث في الشمال.
“وكان يؤم المدينة في اليوم الخامس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من كل سنة، جماهير غفيرة من مختلف الأجناس والأديان بقصد التجارة، ويقضي هؤلاء فيها بضعة أيام.
“وكان فيها مسجد مربع الأضلاع، بُني من حجارة وأعمدة ضخمة نقلت من الأطلال المجاورة. وهو يتسع لثلاثة آلاف من المصلين…
“وكان جبل الزيتون مغطى بأشجار العنب والزيتون. وكان سكان بيت المقدس يومئذ يأتون بالأخشاب التي يحتاجون إليها من أجل البناء والوقود، تنقل على الجمال من غابة كثيفة واقعة على بعد ثلاثة أميال من الخليل إلى الشمال”.
بناء المسجدين بالحرم القدسي الشريفلعل بناء مسجد قبة الصخرة وتجديد بناء مسجد عمر بن الخطاب في الحرم القدسي (ما نسميه اليوم: المسجد الأقصى) – من أهم مآثر بني أمية في بيت المقدس وأخلدها، فقد بقي هذان الأثران على مدى الزمن قريبين من الصورة التي بناهما عليها الوليد بن عبد الملك وابنه الوليد، بل لم يبلغا في الفخامة والأبهة مثلما كانا عليه في زمنهما الأول – كما هو ظاهر من الوصف التاريخي المحفوظ في المصادر الإسلامية0
والمؤرخون المسلمون يروون قصة البناء هكذا:
“لما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال، ووكل بالعمل رجاء بن حَيْوَةَ ويزيد بن سلام مولاه، وجمع الصنَّاع من أطراف البلاد، وأرسلهم إلى بيت المقدس، وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة، وأمر رجاء بن حيوة ويزيد أن يفرغا الأموال إفراغا، ولا يتوقفا فيه، فبثوا النفقات، وأكثروا، فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء، وفرشاها بالرخام الملون، وعملا للقبة جلالين (أي غطاءين): أحدهما من اليود الأحمر للشتاء، وآخر من أدم للصيف، وحفا القبة بأنواع الستور، وأقاما لها سدنة وخداما بأنواع الطيب والمسك والعنبر والماورد والزعفران..
وكانوا “يبخرون القبة والمسجد من الليل، وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة والسلاسل الذهب والفضة شيئا كثيرا، وجعل فيها العود القمارى المغلف بالمسك، وفرشاها والمسجدَ بأنواع البسط الملونة، وكانوا إذا أطلقوا البَخور شُمَّ من مسافة بعيدة، وكان إذا رجع الرجل من بيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أيامًا، ويُعرَف أنه قد أقبل من بيت المقدس، وأنه دخل الصخرة.
“وكان فيه من السدنة والقوم القائمين بأمره خلق كثير، ولم يكن يومئذ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس، حتى إن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج.. وافتتن الناس بذلك افتتانا عظيما، وأتوه من كل مكان..
“ولما فرغ رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام من عمارتها على أكمل الوجوه، فَضَل من المال الذي أنفقاه على ذلك ستمائة ألف مثقال، وقيل ثلاثمائة ألف مثقال، فكتبا إلى عبد الملك يخبرانه بذلك، فكتب إليهما: قد وهبته لكما، فكتبا إليه: إنا لو استطعنا لزدنا في عمارة هذا المسجد من حليّ
نسائنا! فكتب إليهما: إذ أبيتما أن تقبلاه فأفرغاه على القبة والأبواب. فما كان أحد يستطيع أن يتأمل القبة مما عليها من الذهب القديم والحديث”.
“ولما أُكمل البناء كُتب على القبة مما يلي الباب القبلي: أمر ببنائه بعد تشعيثه أمير المؤمنين عبد الملك سنة اثنتين وستين من الهجرة النبوية.
“وكان طول المسجد من القبلة إلى الشمال سبعمائة وخمسة وستون ذراعا وعرضه أربعمائة وستون ذراعا”
وقد ابتدأ مشروع عبد الملك العظيم سنة 66 للهجرة؛ أي قبل وفاته بعشر سنين، وتم بناء القبة على الهيئة التي ورد ذكرها آنفا سنة 72هـ، بعد أن أنفق عليها خراج مصر (أي ميزانيتها) لسبع سنين.
والمستشرقون يكررون مرارًا أن البنائين البيزنطيين وتلاميذهم من سريان الشام هم الذين شيدوا قبة الصخرة، يستبعدون بذلك أن تكون للمسلمين في هذا الوقت المبكر أي قدرة على الإبداع المعماري.. ومما لا شك فيه أن المسلمين وهم يبنون قبة الصخرة تأثروا بفنون الأمم السابقة عليهم، خاصة البيزنطيين، واستفادوا من الخبرات القريبة منهم في هذا المجال، ولكنهم أبدعوا شيئا فيه جِدَّة، فلم يكونوا مقلدين تماما، وأنتجوا بناء لم يكن له في الدنيا مثيل في هذا الوقت – كما يؤكد المؤرخون المسلمون في وصفهم له.
وعلى الرغم من أن اهتمام عبد الملك بتجديد مسجد عمر المقام في أرض الحرم القدسي (المسجد الأقصى الحالي) لم يصل إلى مستوى اهتمامه بمسجد قبة الصخرة – فإنه بنى مسجد عمر بناء بديعا، وأتم البناء ابنه الوليد من بعده، “وكان فيه (أي في الحرم كله بمسجديه) في ذلك الوقت من الخشب المسقف – سوى أعمدة خشب – ستة آلاف خشبة، وفيه من الأبواب خمسون بابا.. منها: باب داود، وباب سليمان، وباب حطة، وباب محمد – عليه الصلاة والسلام – وباب التوبة.. وباب الرحمة، وأبواب الأسباط ستة أبواب، وباب الوليد، وباب الهاشمي، وباب الخضر، وباب السكينة.
“وكان فيه من العمد ستمائة عمود من رخام، وفيه من المحاريب سبعة، ومن السلاسل للقناديل أربعمائة سلسلة إلا خمسة عشر، منها مائتا سلسلة وثلاثون سلسلة في المسجد الأقصى، والباقي في قبة الصخرة الشريفة، وذرع السلاسل (أي طولها) أربعة آلاف ذراع، ووزنها ثلاثة وأربعون ألف رطل بالشامي.
“وفيه من القناديل خمسة آلاف قنديل. وكان يُسرَج مع القناديل ألفا شمعة في ليلة الجمعة وفي ليلة النصف من رجب وشعبان ورمضان، وفي ليلتي العيد.
“وفيه من القباب خمس عشرة قبة سوى قبة الصخرة. وعلى سطح المسجد من شقف الرصاص سبعة آلاف شقفة وسبعمائة، ووزن الشقفة سبعون رطلا بالشامي، غير الذي على قبة الصخرة.
وبعد أن يصف مؤرخونا ما رُتِّب للمسجد من الخدم، يقولون: “وفيه من الصهاريج أربعة وعشرون صهريجًا كبيرًا. وفيه من المنابر أربعة: ثلاثة منها صف واحد غربيَّ المسجد، وواحد على باب الأسباط”.
وقد استعمل الأمويون بعض ساكني القدس من اليهود والنصارى لخدمة المسجد (الحرم)، فكان فيهم عشرة من اليهود لكنس ما يصيب المسجد “في المواسم والشتاء والصيف ولكنس المطاهر التي حول الجامع”، كما كان فيهم عشرة من النصارى “لعمل الحصر، ولكنس حصر المسجد، وكنس القناة التي يجري فيها الماء إلى الصهاريج، وكنس الصهاريج أيضا”.
ويروى أن بعض اليهود كانوا يتولون إضاءة مسجد بيت المقدس، فلما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة (سنة 99هـ) أخرجهم. ويبدو أن الخليفة العادل فعل ذلك مراعاة للعهد الذي أبرمه جده عمر بن الخطاب مع أهل القدس ألا يسمح لليهود بالإقامة فيها.
المراجع:
ابن كثير: البداية والنهاية 8/ 280 – 281
ومجير الدين الحنبلي: الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل صـ 280 – 282.
القدس في العهد العباسي
بعد نجاح العباسيين في انتزاع الحكم من الأمويين سنة 132هـ / 750م، اتخذوا مدينة بغداد عاصمة لخلافتهم، ومنذ ذلك التاريخ خضعت فلسطين لحكمهم ومن ضمنها مدينة بيت المقدس.
لكن بدايات الحكم العباسي في جنوب بلاد الشام اتسمت بالإرهاب تجاه زعماء الأمويين، والتي تولاها عبد الله أبو العباس بنفسه، وذلك بهدف استئصال البيت الأموي وأهله وأنصاره لئلا يظهر منهم أي مطالب للحكم فيما بعد، فظل أهل هذه البلاد يكرهون الحكم الجديد ويعادونه.
وهكذا بعد أن كانت منطقة جنوب الشام تعتبر الإقليم الأول في العهد الأموي والأكثر حظوة ورعاية لم تعد كذلك في عهد العباسيين، إذ لم تخسر مركزها وأهميتها فحسب بل صارت ولاية ثانوية ويشك العباسيون في ولائها، ولهذا لم يعطوا حكمها إلا لأمراء البيت العباسي، وغالبا ما كان يضاف حكم فلسطين ومن ضمنها بيت المقدس والأردن إلى دمشق أو إلى مصر.
ولكن على الرغم من الموقف المتشدد، إلا أن بعض خلفائهم عملوا على إيلاء مدينة القدس وما تحتويه من مقدسات عناية خاصة دون غيرها من المدن الشامية، وهؤلاء الخلفاء هم :
ـ أبو جعفر المنصور : تولى الخلافة في الفترة (136هـ / 754م ـ 158هـ / 775م
هو ثاني الخلفاء العباسيين وقد اهتم بمدينة بيت المقدس والحرم القدسي الشريف اهتمامًا بالغًا حيث قام بزيارة المدينة المقدسة مرتين إحداهما سنة 140هـ والثانية سنة 154هـ وذلك حسب ما ذكره المسعودي في كتابه (أنه في سنة إحدى وأربعين ومائة، شخص المنصور إلى بيت المقدس، فصلى فيه لنذر كان عليه وانصرف).
اهتم الخليفة أبو جعفر المنصور اهتمامًا خاصًا بتعمير المسجد الأقصى، خاصة بعد حدوث الزلزلة الأولى التي حدثت في عهده وهدمت بعض أقسامه. حيث يقول المقدسي: (وأما المسجد الأقصى فهو على قرنة البلد الشرقي نحو القبلة .. وقد بنى عليه عبد الملك بحجار صغار حسان وشرفوه وكان أحسن من جامع دمشق، ولكن جاءت زلزلة في دولة بني العباس، فطرحت المغطى إلا ما حول المحراب، فلما بلغ الخليفة خبره قيل له لا يفي برده إلى ما كان عليه بيت مال المسلمين، فكتب إلى أمراء الأطراف وسائر القواد أن يبني كل واحد منهم رواقا فبنوه أوثق وأغلظ صناعة مما كان).
في حين يذكر مجير الدين الحنبلي عن عبد الرحمن بن محمد .. أنه قال : (إن الأبواب كلها ملبسة بالصفائح الذهبية والفضية في خلافة عبد الملك بن مروان، فلما قدم أبو جعفر المنصور العباسي كان شرقي المسجد وغربيه قد وقعا، فقيل له: يا أمير المؤمنين قد وقع شرقي المسجد وغربيه من الرجفة في سنة ثلاثين ومائة ولو أمرت ببناء هذا المسجد وعمارته.
فقال: ما عندي شيء من المال، ثم أمر بقلع الصفائح الذهبية والفضية التي كانت على الأبواب فقلعت وضربت دنانير ودراهم وأنفقت عليه حتى فرغ).
وكان تاريخ إعادة تعمير المسجد الأقصى في عهد الخليفة المنصور سنة 154هـ /771م.
ـ المهدي بن المنصور : تولى الخلافة في الفترة (158هـ /775م ـ 169هـ / 785م)
عند تولى المهدي خلافة المسلمين وقع زلزال آخر في مدينة بيت المقدس أدى إلى تهدم بناء المسجد الأقصى الذي أقامه أبو جعفر المنصور، كما تسبب هذا الزلزال في انقطاع المصلين عن ارتياد المسجد للصلاة فيه لمدة طويلة، فأمر المهدي بإعادة بنائه، وقد ذكر الحنبلي ذلك في كتابه قائلا : (رث هذا المسجد وطال وخلا من الرجال، أنقصوا من طوله، وزيدوا من عرضه) فتم البناء في خلافته سنة 163هـ / 780م).
أما المقدسي فقد قال : (بنى المسجد هذه المرة بعناية فائقة وأنفقت عليه أموال طائلة، وكان البناء يتكون من رواق أوسط كبير يقوم على أعمدة من رخام، وتكتنفه من كل جانب سبعة أروقة موازية له وأقل منه ارتفاعا.
ومن جهة أخرى علق محمد كرد على ذلك في كتابه قائلا : (إن عمارة المسجد الأقصى قد ازدادت على عهد المهدي بما أدخله عليه من تحسينات، حيث أقام به قبة أخذت زينتها من الذهب والأحجار الكريمة الملونة. وقد قام المهدي بزيارة للمدينة المقدسة سنة 163هـ.
ـ المأمون بن المهدي : تولى الخلافة في الفترة (198هـ / 813م / 218هـ / 833م
في عهده أصاب قبة الصخرة شيء من الخراب، فلما زار الخليفة المأمون بيت المقدس سنة 215هـ / 830م أمر بترميمها، فتم ذلك وانتهى سنة 216هـ / 831م، لكن الصناع أرادوا أن يتزلفوا له، فاستبدلوا اسم الخليفة عبد الملك بن مروان بكتابة اسمه على الفسيفساء الموجود على القبة، ولكنهم غفلوا عن تغيير السنة التي حدث فيها هذا الترميم.
ومن عمليات الترميم التي أجريت على قبة الصخرة في عهد العباسيين، هو ما أمرت به أم الخليفة المقتدر بالله حوالي سنة 301هـ / 913م بإصلاح قبة الصخرة وأمرت بتزويد كل باب من أبوابها بمدخل خشبي فخم. وفي ربيع سنة 216هـ / آيار 831م أمر الخليفة المأمون ببناء الأبواب الشرقية والشمالية للحرم القدسي الشريف. كما أجرى البطريرك في القدس في عهده بعض الإصلاحات في القبر المقدس.
وفي عهده زار الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعي بيت المقدس، كما زارها عدد كبير من العلماء وأهل الفضل، وبلغ العلم في عهده مبلغًا عظيمًا.
وما أن توفي الخليفة المأمون حتى أخذت حالات التمرد والثورات تشتعل ضد نظام الحكم في مناطق متعددة من الدولة العباسية المترامية الأطراف من أهمها جنوب بلاد الشام ومصر. وفي الوقت الذي كان مركز الخلافة في العراق يعاني من الفوضى العسكرية وضعف السلطة المركزية واضطراب الأوضاع الاقتصادية العامة، كانت منطقة جنوب بلاد الشام ومصر تدخل في عهد من النشاط الاقتصادي والقدرة السياسية التي تمثلت في ظهور أسر حاكمة محلية مستقلة كآل طولون ثم آل الإخشيد.
بيت المقدس العباسي : زلازل وزيارات وترميمات
ركزت سياسة العباسيين على أن تظل الدولة الإسلامية الكبيرة دولة واحدة، يحكمها خليفة واحد. ومع أنهم حتى منذ البداية لم ينجحوا في هذا تماما، إلا أن الشام أخذت من الخلفاء الأول للدولة العباسية اهتماما كبيرا.
ويبدو أن زيارة القدس حينئذ كانت قد صارت عملا معتادا عند العامة والخاصة، للمنزلة الخاصة لهذا البلد، والأبنية الرائعة التي أقامها الأمويون هناك، فكان الزائر يقصد بعمله أجر الصلاة في المسجد الأقصى أو الإهلال من عنده بحج وعمرة، وزيارة أبنية الأمويين الجميلة.
يحكي التاريخ أن الخليفة أبا جعفر المنصور خرج سنة مائة وأربعين حاجا إلى بيت الله الحرام، ثم توجه إلى المدينة بعدما أدى فريضة الحج، ومنها توجه إلى بيت المقدس، فصلى في مسجدها، وفي هذه الزيارة عاين المنصور الدمار الكبير الذي أصاب المسجد الأقصى، بسبب زلزال تعرضت له المنطقة سنة مائة وثلاثين، وتسبب في وفاة أولاد الصحابي شداد بن أوس (رضي الله عنه)، وأثر في بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة، في وقت كان الصراع فيه محتدما بين العباسيين والأمويين، ولم يكن هنالك من الاستقرار لما يسمح بترميم المسجد العظيم، فأمر المنصور بذلك بعد الزيارة والمشاهد، وحين وجد أن هذا المشروع يحتاج إلى نفقات كبيرة، أخذ ما على القبة والأبواب من ذهب، وسك منه نقودا أنفقها على عمارة المسجد. وكان المسجد طويلا فأمر أن ينقص من طوله، ويزاد في عرضه.
ووصف الرحالة المقدسي هذا الحدث بصورة أخرى، ونسب الزلزلة إلى زمن الدولة العباسية، فقال عن المسجد الأقصى: كان أحسن من جامع دمشق، لكن جاءت زلزلة في دولة بني العباس فطرحت المغطى إلا ما حول المحراب، فلما بلغ الخليفة خبره، قيل له: لا يفي برده ما ببيت مال المسلمين، فكتب إلى أمراء الأطراف وسائر القواد أن يبني كل واحد منهم رواقا، فبنوه أوثق وأغلظ صناعة مما كان، وبقيت تلك القطعة شامة فيه (أي التي لم تهدم)، وهي إلى حد أعمدة الرخام، وما كان من الأساطين المشيدة فهو محدث ..).
وفي سنة أربع وخمسين ومائة خرج المنصور من جديد إلى الشام، ومضى إلى بيت المقدس، والظاهر أن هذا كان آخر عهده بالمدينة المباركة، فلم يزر القدس بعدها حتى توفي سنة 158هـ.
وبعد أربع عشرة سنة من ذلك خرج ابنه المهدي من العراق يريد الحج، وزار بيت المقدسن فأقام بها أياما وانصرف. وفي هذه الزيارة القصيرة طالع المهدي أحوال بيت المقدس عن قرب، وأمر بإسكان نصارى القدس في حي واحد بها، كما نفى بطريرك بيت المقدس إلياس الثالث إلى بلاد فارس، بسبب عصبيته البالغة.
والمؤرخون يروون أنه لما دخل (المهدي دمشق يريد زيارة القدس، نظر إلى جامع دمشق فقال لكاتبه أبي عبيد الله الأشعري : سبقنا بنو أمية بثلاث : بهذا المسجد الذي لا أعلم على وجه الأرض مثله، وبنبل الموالي، وبعمر بن عبد العزيز، لا يكون والله فينا مثله أبدا. ثم لما أتى بيت المقدس فنظر إلى (قبة) الصخرة وكان عبد الملك بن مروان هو الذي بناها ـ قال لكاتبه: وهذه رابعة).
وحين جاء الرشيد المهدي إلى سدة الخلافة بدا شديد التسامح، فوافق للإمبراطور شارلمان على ترميم كنائس بيت المقدس، وتعهد بحماية الحجيج النصارى إلى بيت المقدس.
ومنح الرشيد وفدا قدم إليه من أوروبا ـ من عند (شارلمان) ـ مفاتيح كنيسة القيامة ـ أكبر أثر نصراني في القدس ـ فكان هذا علامة أخرى على التسامح الذي ميز الحكم الإسلامي عموما في تعامله مع أهل الذمة0
وأما المأمون بن الرشيد، فقد تفقد مدن الشام، وزار القدس، وصلى في مسجدها، وتجول بين أرجاء المدينة متابعا أعمال الترميم والبناء. وأرسل إلى المسجد الأقصى بابًا زين غاية الزينة، وهو من الحسن بحيث تظن أنه من ذهب، وقد نقش بالفضة وكتب عليه اسم الخليفة ..)، وقد رأى الرحالة الشهير (ناصر خسرو) هذا الباب ووصفه في رحلته المعروفة.
المراجع:§
ابن الجوزي : المنتظم 8 / 27.
المقدسي : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم صـ 165 وما بعدها
وابن كثير : البداية والنهاية 9/129
وناصر خسرو علوي : سفر نامه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

تاريخ المسلمين في القدس Empty
مُساهمةموضوع: رد: تاريخ المسلمين في القدس   تاريخ المسلمين في القدس Emptyالأحد مارس 29, 2015 7:22 am


القدس في عهد المماليك
من أكثر الأمور التي تؤكد على أن مكانة القدس العالية هي عند المسلمين كافة .. فترة حكم المماليك، فالمماليك من المعروف عنهم أنهم من أجناس شتى، وأمم متفرقة مختلفة العادات والتقاليد، ومع ذلك نجدهم قد اهتموا بالقدس اهتمامهم بالحرم الشريف في مكة، ومع ذلك فإن جهود المماليك، وما أدوا للمسلمين بشكل عام وللقدس بشكل خاص لا تزال مجهولة لكثير من الناس، ولذا كانت هذه الصفحات كإسهام في توضيح ما بذله هؤلاء العظام من جهود تخدم المسلمين والمسجد الأقصى، لعل ذلك يرد لهم بعض الجميل، وفي هذه الصفحات توقفنا عند بعض المحطات التاريخية، والتي تخص المماليك بشكل عام ثم عرجنا على ما بذلوه من جهود في خدمة المسجد الأقصى، وهي كالتالي:
نبذة تاريخية عن المماليك
المماليك هم طائفة من الأرقاء أو ممن كانوا يؤسرون في الحروب أو يستدعون للخدمة في الجيش وكانوا خليطًا من الأتراك والشراكسة وغيرهم من الأجناس.
يرجع ظهور المماليك في العالم الإسلامي إلى ما قبل قيام دولتهم بمصر بأمد طويل، وكان أول من استخدمهم الخليفة العباسى المأمون خلال فترة حكمه الممتدة بين السنوات 198هـ/ 813م – 218هـ/ 833م، إذ كان في بلاطه بعض المماليك المعتقين ثم الخليفة العباسي المعتصم بالله الذي استخدم فرقًا من الشباب االأتراك في جيشه لتدعيم سلطانه وذلك لقلة ثقته بالعرب ومن ثم أخذ بمبدأ استخدام المماليك ولاة مصر من الطولونيين والإخشيديين والفاطميين ثم الأيوبيين الذين أكثروا من شراء المماليك الترك وألفوا منهم فرقًا عسكرية خاصة.
ولعل اسمهم (المماليك) الذي ينبئ بالعبودية ويستخدم للتعريف بهم والإشارة إلى عهدهم لا يعطي صورة حقيقية لهم، ولا يدل على دورهم الكبير في القضاء على بقايا الفرنجة الصليبيين والوقوف في وجه التتار، ولا يُعرف بدورهم الحضاري الظاهر، حيث يعتبر قيام دولة سلاطين المماليك في منتصف القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي بداية مرحلة جديدة لها طابعها الخاص في تاريخ مصر والشام والذي يتصف بالأمن والاستقرار والثراء والازدهار، خصوصًا بعد سيطرة التتار الوثنيين على بغداد وسقوط الخلافة العباسية فيها، كما أخذت دولة المسلمين في الأندلس في ذلك الوقت بالانحسار سياسيًا وحضاريًا بعد أن اشتدت عليها وطأة الفرنجة.
أحس المماليك منذ البداية أنهم محرجون بسبب أصلهم غير الحر، فضلاً عن أنهم ظهروا على المسرح السياسي في صورة من استولوا على الحكم من سادتهم بني أيوب، لذلك سلك المماليك ثلاثة اتجاهات لمحو هذه الصورة عن الأذهان، والتي تركت كلها آثارًا إيجابية ومباشرة في الأوضاع العامة لمدينة القدس بشكل خاص، وهذه الاتجاهات هي:
1- اتخذ المماليك الجهاد أداة لإثبات جدارتهم بالحكم ولحماية المقدسات الإسلامية، مما أدى إلى ثبات الأمن والاستقرار في ظل حكمهم.
2- بإحياء المماليك للخلافة العباسية في القاهرة، أضفوا على الحكم صفة الشرعية، وذلك بوصفهم مفوضين بحكم المسلمين من قبل الخلافة العباسية وهي أعلى سلطة شرعية في البلاد.3- استغل المماليك جزءًا كبيرًا من ثرواتهم الضخمة في العناية بالمنشآت الدينية في الأماكن المقدسة وخصوصًا في مدينة القدس، مما زاد من مكانة هذه المدينة المقدسة في عصرهم لدى المسلمين ويقسم العهد المملوكي إلى قسمين: أولاً: عهد المماليك الأتراك أو المماليك البحرية:وهم من جند الملك الصالح نجم الدين الأيوبي ويسمون المماليك البحرية لأن الصالح أسكنهم ثكنات في جزيرة الروضة في بحر النيل.ثانيًا: عهد المماليك الشراكسة أو المماليك البرجية:
وهم من جند السلطان المنصور قلاوون المملوكي التركي، وكانوا يسكنون في أبراج القلعة في القاهرة فعرفوا بالبرجية.
موقف المماليك البحرية من القدس
على إثر تولي الملك عز الدين أيبك عرش مصر 648هـ/ 1250م – 656هـ/ 1258 انفصلت الشام عن مصر واستقل بحكمها الأمراء الأيوبيون، فراح الفريقان يقتتلان إلى أن تم الصلح بين الفريقين سنة 651هـ/ 1253م وبموجب هذا الصلح دخلت مدينة القدس تحت الحكم المملوكي لكن السلطان عز الدين أيبك قُتل بمكيدة دبرتها زوجته شجرة الدر، فخلفه ابنه الصغير نور الدين علي.
وفي عهد السلطان سيف الدين قطز 607هـ / 1259م – 658هـ / 1260م اجتاحت جحافل التتار بلاد الشام من شمالها إلى جنوبها وشاء الله أن ينقذ بيت المقدس من همجيتهم وكان واضحًا أن حملتهم الأولى على بلاد الشام عبرت في جوهرها عن هجمة صليبية شرسة خطط لها ملك أرمينية الصغرى هيثوم الأول مع هولاكو، وطلب الأخير من حليفه أن يلتقي به عند الرها ليرافقه إلى مدينة القدس ليخلص الأراضي المقدسة من قبضة المسلمين ويسلمها للمسيحيين.
بعد استيلاء التتار على دمشق وتدميرها سنة 658هـ/ 1260م قرروا التفرغ لمواجهة خطر المماليك في مصر، فأرسل هولاكو إلى السلطان قطز طالبًا منه التسليم، جمع قطز الأمراء واتفقوا جميعًا على محاربة التتار وإعلان التعبئة العامة.
سيّر قطز الجيوش المؤلفة من العرب والأتراك ونزل مدينة غزة، ثم سار بمحاذاة الساحل إلى أن التقى الجمعان عند عين جالوت في 25 رمضان سنة 658هـ/ 1260م وتولى السلطان قطز بنفسه قيادة الجيش ومعه الأمير ركن الدين بيبرس، وانتهت المعركة بنصر حاسم للمماليك على التتار الذين قتل قائدهم كتبغا وانهزم جيشهم شر هزيمة، فكانت تلك المعركة فاصلة في تاريخ الشرق مما أنقذ بيت المقدس والشام كلها من براثن التتار، كما ترتب على تلك المعركة امتداد سيطرة المماليك على بلاد الشام وانحسار النفوذ الأيوبي عنها، وهكذا عادت وحدة مصر والشام في ظل حكومة مركزية قوية مما أشاع قدرًا من الاستقرار لأول مرة في بلاد الشام بوجه عام، وفي بيت المقدس بوجه خاص.
بعد انتهاء المعركة الحاسمة وبينما كان قطز في طريق عودته إلى مصر انحرف مع بعض أصحابه للصيد فقتله بعض خواصه، وقيل إن الظاهر بيبرس البندقداري قتله بيده ومن ثم استولى على الملك من بعده.
ولقد اهتم بعد ذلك كل من السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس والسلطان المنتصر سيف الدين قلاوون وكذلك أبناؤه أيما اهتمام بالقضية، وكانت نهاية الصليبيين على يد الأشرف خليل بن قلاوون والذي أخرج آخر جندي صليبي في الشرق الإسلامي.
القدس في عهد السلاجقة الأتراك
السلاجقة
أصلهم فئة من الأتراك خرجوا في أواخر القرن العاشر الميلادي من سهول تركستان، اعتنقوا دين الإسلام وتحمسوا له، وأولاهم الخلفاء العباسيون حكم الولايات حتى أصبحوا اسياد دويلات مستقلة، فراحوا يحكمون صوريا باسم الخليفة العباسي وفعليًا باسمهم الخاص.
بدأ حكمهم الفعلي لبلاد العرب بدخول عظيمهم آرطغرل بك مدينة بغداد سنة 447هـ /1055م وكان في بغداد يومئذ الخليفة العباسي القائم بأمر الله فأبقاه، ولكنه قضى على من سواه في الحكم من المتنفيذين والقادة.
نافس السلاجقة الأتراك الفاطميين في بسط السيادة على بلاد الشام حتى تحققت لهم السيطرة على شمالي بلاد الشام، في حين كانت الخلافة الفاطمية تفرض سيطرتها على منطقة جنوبي بلاد الشام وهي فلسطين وأعمالها. وهكذا بدأ الصراع السياسي والتراع العسكري بين السلاجقة الأتراك والفاطميين للسيطرة على فلسطين وخاصة مدينة القدس.
بعد وفاة آرطغرل بك تولي الملك من بعده ابن أخيه ألب أرسلان للفترة (1063 ـ 1072م) وقد تمكن أحد زعماء التركمان وهو أتسز بن أوق الخوارزمي في عام 464هـ /1072م من فتح الرملة وبيت المقدس وأخذهما من الفاطميين. فجعل أتسز الخوارزمي بيت المقدس مركزا لحكمه وأبطل الدعوة للفاطميين وخطب للخليفة العباسي والسلطان السلجوقي.
من بيت المقدس عمل أتسز الخوارزمي على تعبئة قواته للاستيلاء على المدن المجاورة لتوسيع النفوذ السلجوقي في جنوبي بلاد الشام، فتم له الاستيلاء على مدينة عكا 468هـ/1076م وحاصر دمشق عدة مرات حتى تم له فتحها في عهد السلطان ملكشاه في ذات العام، فباتت مدينة القدس على عهده صاحبة النفوذ الأقوى في جنوبي بلاد الشام.
ونتيجة لانتصاراته بدأ أتسز الخوارزمي في التطلع نحو شمالي بلاد الشام ولكنه عاد وترك أمرها للسلطان ملكشاه، فتوجه نحو مصر محاولا ضمها إلى نفوذه لكن حملته سنة 469هـ/1076 أخفقت وتبعته القوات الفاطمية وهو ينسحب حتى الرملة بفلسطي، لكن أهل فلسطين لم يكونوا مرتاحين إليه بسبب تعسفه وهدره الأرواح إضافة إلى أن بلاد الام ساءت أحوالها الاقتصادية في عهده، مما دفع أهل القدس لانتهاز فرصة هزيمته أمام الفاطمين فثاروا عليه بزعامة القاضي، وحاول أتسز مفاوضتهم ثم قرر محاصرة المدينة واقتحامها فدخلها عنوة وقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص من أهلها.
وفي عام 471هـ /1078م قامت الخلافة الفاطمية بمصر بتوجيه حملة عسكرية بقيادة ناصر الدولة الجيوشي للهجوم على فلسطين، فاحتلت القدس ثم تقدمت نحو دمشق حيث كان أتسز الخوارزمي موجودا، فاتصل بتتش بن ألب أرسلان بحلب مستنجدا به لإنقاذه من الحصار الفاطمي، فتحرك تتش على الفور ودخل دمشق، ولكنه ما لبت أن تخلص من أتسز بقتله وانفرد بالحكم، لكن عهد تتش بن اسلان لم يكن ليختلف كثيرا عن عهد سلفه أتسز الخوارزمي إذ لم يأمل أهل فلسطين منه خيرا.
اقتطع تتش مدينة القدس وأعمالها إلى أحد قادته وهو أرتق بن أكسك التركماني، وحين توفي أرتق بك سنة 484هـ /1091م تولى الأمر من بعده ولديه أيلغازي وسقمان، ولما قتل تتش صاحب دمشق سنة 488هـ /1095م اقتسم ولداه رضوان ودقاق الحكم وصارت فلسطين تتبع الدقاق، لكن الخلاف نشب بين الأخوين مما دفع الأفضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش بمصر للتوجه إلى فلسطين ومحاصرة بيت المقدس لمدة أربعين يوما، فما كان من أهل بيت المقدس إلا أن اتفقوا مع الأفضل على منحهم الأمان، وهكذا استولى الأفضل على القدس بالأمان في شعبان سنة 489هـ/1096م وبقيت مدينة المقدس في أيدي الفاطميين حتى سقوطها بأيدي الصليبيين سنة 492هـ /1099م .
القدس في العصر الفاطمي
حاول الروم استغلال ضعف الدولة العباسية ،باحتلال الشام و مصر ،هذه المحاولة الرومانية كانت الدافع الأساس في تحرك المعز الفاطمي ،بإنقاذ حملة بقيادة جوهر الصقلي من قاعدته في تونس سنة ثلاثمئة وثمان وخمسين ،سيطرت خلالها على مصر ثم على فلسطين في العام التالي ،تعمد القائد الفاطمي ،الصقلي ،الإشارة إلى الخطر الروماني في منشوره الذي وزعه على أهالي مصر باسم المعز،فقال أن هدف الحملة :الدفاع عن البلاد ضد الروم الذين استطالوا ، وأطمعتهم أنفسهم بالاقتدار عليها واستنقاذها من “المذلة والخزي” وإقامة الحج الذي تعطل وتأمين الطرق ، وحسم الظلم..
استقرت سيطرة الفاطميين في مصر ، ولكنها ظلت قلقة في الشام ،التي حاول الرومان احتلالها وهاجمها القرامطة مرارا.
تصدى الفاطميون لثلاث حملات رومانية على الأقل ،فيما ظلت جيوشهم تتناوب السيطرة على أجزاء من الشام مع القرامطة ،لعدة عقود نجحوا بعدها في تحقيق استقرار نسبي ،فأجبروا الروم على هدنة ،وصلت معها إلى الخليفة المستنصر في القاهرة هدية قيمتها ثلاثون قنطارا من الذهب ،سنة أربعمئة وسبع وثلاثين ، وكان من بنود هذه الهدنة ،أن يقوم الروم بتعمير كنيسة القيامة ، ويطلقوا خمسة آلاف أسير مسلم لديهم ،وإلى فترات الاستقرار تعود الأنشطة العمرانية التي قام بها الفاطميون في القدس ، ومنها عمارة الأقصى الفاطمي ،التي يتردد أنها جاءت بعد زلزال دمر المسجد فقام الخليفة الظاهر بتعميره ،فيما تتحدث مصادر أخرى عن أن الزلزال هدم بعض أجزائه فقام الظاهر بأعمال ترميم واسعة شملت التعديلات التي أدخلت على بنيان المسجد وأوجدت ما اصطلح على تسميته بالأقصى الفاطمي ،الذي يتكون من سبع بلاطات بماثل عرضها عرض المسجد الحالي ، وفي كل منها إحدى عشرة قنطرة ،كما كان الحال في الأقصى العباسي باستثناء قناطر البلاطة الوسطى ،لكونها تحمل القبة المجددة على قناطر واسعة تعدل ثلاث قناطر في الأروقة الجانبية ، وأضيف إليه أيضا صفان من القناطر ،تتعامد مع البلاطات السبع وتوازي جدار القبلة ، وذلك على امتداد القنطريتن الكبيرتين الحاملتين للقبة .
ويذكر الهروي الذي زار بيت المقدس سنة خمسمئة وتسع وستين للهجرة ،نص كتابة تفيد قيام الظاهر بتجديد القبة وتذهيبها سنة أربعمئة وست وعشرين للهجرة ،إي بعد عامين من وقوع الزلزال.
ولم يقدم الرحالة الآخرون وصفا دقيقا للمسجد وعدد بلاطاته ،لكن حديثهم عن أعمدته يفيد في أن الأقصى ظل كبيرا ، وبذا لا يمكن الحسم بشأن الزمن الذي تقلصت فيه مساحة المسجد في العهد الفاطمي على نحو ما تقدم.
قام الفاطميون أيضا بتجديد قبة الصخرة ، وجرى الكشف عن فسيفساء فريدة استخدموها في أعمال الزخرفة والتزيين .كما جددوا عددا من البوائك التي كانت قد أقيمت في العهد العباسي ، وفي فترات الاستقرار شهدت القدس ازدهارا كبيرا.
سنة أربعمئة وخمس وستين ،حاصرها اتسز بن أوق الخوارزمي ، وهو زعيم جماعة من المرتزقة كانت تتبع السلاجقة ، وتسمى “الناوكية” .
تلك كانت سنة قحط وشدة ،من سنوات متوالية على هذا النحو ،فاستسلمت القدس ودخلها اتسز وجماعته ،ليقيم فيها إمارة تدعو للسلاجقة مركزها القدس، وتمتد ما بين حمص إلى سيناء ووادي الغور ، ولكنها لا تملك الساحل من طرابلس إلى أقصى عسقلان لعجزها البحري ،ثم سرعان ما توسع بالسيطرة على دمشق ، وطمع في احتلال مصر لكنه تلقى هزيمة ساحقة على يد الفاطميين عند بلبيس ، وانهزم راجعا إلى الشام ،ليواجه ثورة في القدس ،قمعها بقتل ثلاثة آلاف من سكانها ولم يسلم إلا من أحتموا بالمسجدين :الأقصى وقبة الصخرة،ثم طاف ينفذ مذابح رهيبة في غزة ، ويافا وصور ،لم يكن من شأنها إلا أن تعجل في نهايتة ففي تلك الفترة كان قد بدأ تحرك سلجوقي كبير باتجاه الشام بقيادة “تتش” الذي تقدم في الأراضي الفلسطينية بحذر شديد ،إلى أن حاصر القدس سنة أربعمئة واثنين وسبعين ، وبها أصحاب اتسز.
استمر حصار المدينة ثلاث سنوات ،حتى دخلها أحد أعوان تتش ويدعى ارتق بك ،الذي استمر يتردد إليها حتى وفاته سنة أربعمئة وأربع وثمانين وحكمها ابناه :سقمان وايليفازي لمدة سبع سنوات اتسمت بالشدة والظلم اللذين هددا التسامح القائم في المدينة.
تحرك الأفضل بن بدر الجمالي الفاطمي وحاصر القدس سنة أربعمئة وإحدى وتسعين ، ولم يشأ أخذها عنوة حتى لا يضطر إلى تهديمها ، ولكن من فيها رفض التسليم ،حتى أحدث ثلمة في الأمور بواسطة المجانيق ،فوافق سقمان على تسليمها مقابل الأمان لينتهي حكم السلاجقة فيها ،ومعه فترة سيطرتهم على أجزاء من جنوب الشام دامت ثلاثين سنة .
في ذلك الوقت كان الفرنجة قد بدأوا تحركهم ويبدو أن الأفضل قد تحرك باتجاه القدس بعد أن أيقن أنها وجهة الفرنجة.
القدس في عهد الظاهر بيبرس مؤسس سلطان المماليك
كان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس 658هـ / 1260 – 676هـ / 1277م في خاصة خدم الملك الصالح نجم الدين أيوب ثم أعتقه وارتقى حتى أصبح أتابك أي قائد العساكر بمصر في أيام قطز، وتولى سلطنة مصر والشام من بعده.
يعد الظاهر بيبرس أول المماليك العظماء، ومؤسس سلطانهم الحقيقي وتستند عظمته إلى الحملات الموفقة التي جردها على الصليبيين ومهدت السبيل للانتصارات التي جناها حلفاؤه من بعده، حيث قضى على مملكة أنطاكية الصليبية عام 666هـ / 1268م واستولى على كثير من مواقع الصليبيين وقلاعهم، وفتح قيسارية وصفد وهونين وتبنين والرملة وقلعة شقيف كما هاجم مدينتي صور وعكا أكثر من مرة حتى سعى إليه الفرنجة ليعقدوا معه الصلح، فوافق على عقد هدنة معهم مدتها عشر سنين وعشرة أشهر وعشر ساعات تبدأ من 21 رمضان من عام 670هـ / 1272م.
وإلى جانب المآثر الحربية اهتم الظاهر بيبرس بتجديد الخلافة العباسية في القاهرة لإعطاء الصفة الشرعية لسلطتهم الوليدة، فكان بيبرس أول من تلقب ب قسيم أمير المؤمنين من قبل الخليفة وهذا اللقب أجل الألقاب.
كما اهتم الظاهر بيبرس بتعمير البلاد التي دخلت في حوزته وبتدبير شئونها كما أولى مدينة القدس عناية كبيرة لما لها من مكانة خاصة ومقدسة لدى المسلمين جميعًا، وتمثل ركيزة دينية هامة من الجانب الديني في سياسته.
ومن أهم التعميرات التي تمت في عهده في المدينة المقدسة نذكر منها:1- عمارة قبة الصخرة المشرفة:في سنة 659هـ / 1260م جهز الظاهر بيبرس الأموال والآلات والصناع لعمارة قبة الصخرة التي كانت قد تداعت للسقوط.2- تجديد قبة السلسلة وزخرفتها:وهي القبة الموجودة داخل الحرم القدسي الشريف وتم ذلك في سنة 659هـ / 1260م.
– رباط البصير:وهو من العمائر ذات الصبغة الدينية المهمة التي أقيمت في عهد السلطان الظاهر بيبرس في مدينة القدس، وقد عمره الأمير علاء الدين ايدغيدي البصير ووقف عليه أوقافًا كثيرة سنة 666هـ / 1267م كما أقام الأمير علاء الدين أبنية أخرى منها المطهرة بجانب المسجد الأقصى، وكذلك بلط صحن الصخرة المشرفة.
وقد قام الظاهر بيبرس بزيارة مدينة القدس عدة مرات، كانت على التوالي:الزيارة الأولى: تمت في عام 661 هـ / 1262 م وهو في طريق عودته من الشام إلى مصر فكان أول من زار المدينة من سلاطين المماليك فاطلع على أحوالها ونظم أوقافها ثم أمر بترميم المسجد الأقصى وخصص له في كل سنة خمسة آلاف درهم.
الزيارة الثانية: وقد تمت في سنة 662 هـ / 1263م أمر خلالها بإنشاء خان السبيل ولما تم بناء الخان نقل إليه باب قصر من قصور الفاطميين معروف بالقاهرة باسم قصر باب العيد. وبنى بالخان مسجد وطاحونة وفرن ولما تم بناء هذا الخان أوقف عليه أوقافًا عدة على أن يصرف ريع هذه الأوقاف على من يرد هذا الخان من المسافرين المشاة للإنفاق عليهم في خبزهم وإصلاح نعالهم وغير ذلك.
الزيارة الثالثة: تمت في سنة 664 هـ / 1265م .الزيارة الرابعة: وهي الزيارة الأخيرة التي قام بها الظاهر بيبرس للقدس، وتمت في عام 668 هـ / 1270م وجدد خلالها الفصوص التي على الرخام في مسجد الصخرة المشرفة كما أمر في نفس السنة بوضع الدرابزين حول الصخرة المشرفة وعمل فيها منبرًا وسقفه بالذهب.
وفي سنة 676 هـ / 1277 م توفي الملك الظاهر بيبرس في دمشق بعد أن ملك مصر والشام سبع عشرة سنة وشهرين، وتولى المُلك من بعده ابنه الملك السعيد ناصر الدين محمد ثم ابنه الثاني الملك العادل بدر الدين سلامش ولم يذكر التاريخ أنهما قاما بعمل في القدس وقد ترك المُلك كلاهما خلعًا0
السلطان المنصور سيف الدين قلاوون 679هـ/ 1280م – 689هـ/1290م
كان أول من تولى السلطنة من أبناء قلاوون هو السلطان المنصور سيف الدين قلاوون 679هـ/ 1280م – 689هـ/1290م، وكان يلقب بالصالحي الألفي، وقد برز في أواخر عهد الأيوبيين وخلع ابن الظاهر بيبرس سلامش وبويع بالسلطنة كان على ما وصفه المؤرخون فارسًا شجاعًا لا يحب سفك الدماء واهتم بجمع المماليك من كل جنس، وفي أيامه عرفت جماعة المماليك البرجية.
اهتم الملك المنصور قلاوون بمدينة القدس كثيرًا وأقام فيها أعمالاً عمرانية تدل على اهتمامه بها نذكر منها:1- الرباط المنصوري:ويقع في الجهة الجنوبية من طريق باب الناظر المؤدي إلى الحرم القدسي، قبالة رباط علاء الدين البصير، وقد أمر ببنائه السلطان قلاوون سنة 681هـ / 1288م وأوقفه على الفقراء وزوار بيت المقدس.والرباط المنصوري من المؤسسات السلطانية القليلة التي بنيت خارج الحرم، لأن السلاطين كانوا يقيمون منشآتهم داخل الحرم نفسه، وقد أشرف على بنائه علاء الدين ايدغدي بعد بناء رباطه.
– المسجد القلندري:في عهد السلطان قلاوون وتحديدًا في سنة 686هـ / 1287م جددت عمارة هذا المسجد، وهو واقع على طريق دير اللاتين في الناحية الجنوبية من المدينة المقدسة ولم يبق منه اليوم إلا الاسم0
وقد زار السلطان قلاوون فلسطين أكثر من مرة ونزل في مدينة القدس سنة 682هـ/ 1283م وأقال نائبها عماد الدين بن أبي القاسم وأقام مكانه نجم الدين السونجي.
وبعد أن توفي السلطان قلاوون تولى ابنه الملك الأشرف صلاح الدين خليل، ثم ابنه الثاني السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوري المعروف بالصغير، وبعد مقتل الملك المظفر المنصور لاجين تولى الملك للمرة الثانية الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم تسلطن الملك المظفر ركن الدين بيبرس المنصوري، ثم عاود للمُلك الناصر محمد بن قلاوون للمرة الثالثة.
الملك الناصر محمد بن قلاوون
تولى الملك الناصر محمد حكم السلطنة ثلاث مرات:الأولى: دامت حوالي ثلاث سنوات في الفترة 693هـ/ 1294م – 696هـ/ 1296م.الثانية: وكانت مدتها حوالي عشر سنوات في الفترة 698هـ/ 1298م – 708هـ/ 1308م.الثالثة: وهي الأخيرة وقد دامت أكثر من ثلاثين سنة امتدت في الفترة 709هـ/ 1309م – 741هـ/ 1341م.
وهكذا امتاز عهد الملك الناصر محمد بدوراته الثلاث، والذي دام قرابة خمسة وأربعين عامًا والذي عُرف بأنه أطول عهود السلاطين المماليك.وفي عهده بلغت المناوشات بين المماليك والتتار أشدها، إذ استولت قوات غازان التتاري على دمشق، واجتاحت منطقة الأغوار ونهبت مدينتي القدس والكرك ومن ثم انتهت هزيمة التتار في مرج الصفر جنوب دمشق.ولقد اشتهر عهد الناصر محمد بإنشاء الأبنية الكثيرة والمآثر الحضارية المختلفة فشهدت المدينة المقدسة على يده ويد نائبه بالشام الأمير تنكز حركة عمرانية لا مثيل لها في كامل العهد المملوكي ومن هذه المنشآت التي قامت في القدس في عهده0
الملك الأشرف برسباي الظاهري
حكم في الفترة 825هـ/ 1422م – 841هـ / 1437م
وهو من عتقاء الملك الظاهر برقوق وكان يلقب بأي النصر البرسباي الدقماني، وقد بويع بالسلطنة عام 825هـ/ 1422م ودام في الحكم ستة عشر سنة، وأقيم في عهده إنشاءات عديدة كان أهمها على الإطلاق بناء وتشييد المدارس في المدينة المقدسة .
الملك الظاهر سيف الدين برقوق 784هـ/ 1382م – 815هـ/ 1412م
يعد الملك الظاهر برقوق مؤسس دولة المماليك البرجية، وهو من موالي بني قلاوون وتمكن من القضاء على دولة المماليك البحرية وتولى الحكم عام 784هـ/ 1382م وأقره الخليفة العباسي المتوكل على الله، ويذكر مجير الدين الحنبلي أنه تولى الحكم مرتين ودام حكمه سبعة عشر عامًا.
زار الملك الظاهر مدينة القدس وأبطل المكوس والمظالم والرسوم التي أحدثت من قبله في مدينة القدس كما رد الأمير شهاب الدين أحمد اليغموري ناظر الحرمين الشريفين ونائب السلطنة بالقدس والخليل إلى القدس الشريف كما أقيمت في عهده بعض المنشآت الهامة0
الملك الناصر فرج بن برقوق: 803هـ/ 1400م – 808هـ/
تولى الملك الناصر فرج والمعروف بأبي السعادات زين الدين الحكم مرتين، وعلى الرغم مما اشتهر به في التاريخ من سوء السيرة إلا أنه في عام 815هـ/ 1412م قام بزيارة لمدينة القدس ونزل بالمدرسة التنكزية، ووزع على الناس خمسة آلاف دينار وعشرين ألف فضة، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمقاييس ذلك العصر. ومن جملة الأمور التي نظمها في مدينة القدس أن لا يكون نائب القدس هو نفسه ناظر الحرمين الشريفين.
وبعد وفاة الملك الناصر فرج تسلطن العديد من المماليك البرجية إلا أنه لم يحدث في القدس أية حوادث تستحق الذكر إلى أن تسلطن الملك الأشرف برسباي.
الملك الأشرف قايتباي الظاهري: 872هـ/ 1467م – 902هـ/ 1497م:
وهو من مماليك السلطان الأشرف برسباي ثم انتقل إلى خدمة السلطان الظاهر جقمق فأعتقه، وقد بويع بالسلطنة بحضرة أمير المؤمنين المستنجد بالله أبي المظفر العباسي وكان يلقب بخادم الحرمين الشريفين: المسجد الأقصى ومسجد الخليل، وقد دام في الحكم قرابة ثلاثين عامًا، وكان يحب مدينة القدس كثيرًا وله فيها أصدقاء وذلك لقضائه فيها زهاء خمسة أعوام منفيًا ومغضوبًا عليه من السلطان قبل توليه السلطنة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تاريخ المسلمين في القدس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القدس عبر التاريخ موسوعة شاملة كاملة ( والكمال لله وحده ) القدس و مكانتها جغرافياً :
» القدس عبر التاريخ موسوعة شاملة كاملة ( والكمال لله وحده ) نظرة علي الاعتداءات الصهيونية على القدس والمسجد الأقصى الشريف :
» القدس الشريف تاريخ وامم
» تاريخ مدينة القدس الشريف
» تاريخ مدينة القدس الشريف

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى فلسطين-
انتقل الى: