ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
أهلا وسهلا بكم في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
عذرا /// أنت عضو غير مسجل لدينا الرجاء التسجيل
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة

شهداء فلسطين
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بكتك العيون يا فارس * وبكتك القلوب يا ابا بسام
إدارة ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة ترحب بكم أعضاءً وزوارً في ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة
محمد / فارس ( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقكم لمحزونون

 

 من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية (من ثلاثة اجزاء الجزء الثالث والاخير)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو ايهاب حمودة
:: المشرف العام ::
:: المشرف العام ::
ابو ايهاب حمودة


عدد المساهمات : 25191
تاريخ التسجيل : 16/08/2009

من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية  (من ثلاثة اجزاء الجزء الثالث والاخير) Empty
مُساهمةموضوع: من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية (من ثلاثة اجزاء الجزء الثالث والاخير)   من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية  (من ثلاثة اجزاء الجزء الثالث والاخير) Emptyالأربعاء نوفمبر 16, 2011 10:51 am

من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية  (من ثلاثة اجزاء الجزء الثالث والاخير) Ua46c-Tp8I_378772547


من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية (من ثلاثة اجزاء الجزء الثالث والاخير)
غضب العالم
من أهم ثمرات الانتفاضة التي تتجاوز التجمع الصهيوني اختراقها للتعتيم الإعلامي الذي فُرض على الشعب الفلسطيني وعلى جهاده ومقاومته. فوصلت الرسالة لكل شعوب العالم، وتعالت الأصوات الغاضبة. ففي الشارع العربي الذي قال عنه علماء السياسة الأمريكيون إنه أسطورة لا وجود لها، خرج الآلاف من الطلبة والمثقفين والفنانين بشكل يومي مستمر ليعبروا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. وهذا أمر متوقع بطبيعة الحال، فالجماهير العربية مدركة لخطورة الغزوة الصهيونية التي أسست جيباً استيطانياً في فلسطين لا لأنها أرض الميعاد وإنما لأنها تقسم العالم العربي إلى نصفين وتعزل الواحد عن الآخر، ولأنها في موقع استراتيجي متميز، فهي تطل على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، ولأنها بوابة مصر الشرقية، مصر التي تضم أكبر كتلة سكانية من الشعب العربي وتشكل المركز والقلب لهذا الشعب. والجماهير تدرك كل هذا، وإذا كانت قد لزمت الصمت بعض الوقت فإن هذا يعود إلى كفاءة آلات البطش وحداثتها وتقدمها في عالمنا العربي. وأعتقد أن كثيراً من أعضاء النخب الحاكمة في العالم العربي يعيدون حساباتهم في الوقت الحاضر بسبب تحرك الجماهير العربية، وهو الأمر الذي قد يضطرهم إلى تحذير الولايات المتحدة من خطورة الموقف.
وكان من شأن استمرار المقاومة الفلسطينية أن يجعل الصمت أمراً مستحيلاً على الكثيرين في أنحاء العالم، إذ اندلعت مظاهرات في كل أنحاء العالم اشترك فيها الآلاف من الغربيين الذين لم يسمح لهم ضميرهم بالاشتراك في مؤامرة الصمت. ومن أبرز الغاضبين الكاتب (الكولومبي الحائز على جائزة نوبل في الأدب) جابرييل جارثيا ماركيث الذي كتب يقول:
استندت نظرية المجال الحيوي الصهيونية إلى أن اليهود شعب بلا أرض، وأن فلسطين أرض بلا شعب. هكذا قامت الدولة الإسرائيلية غير المشروعة في 1948. فلما تبين أن هناك شعباً، وأن في فلسطين شعب يسكن في أرضه، كان من الضروري حتى لا تكون النظرية مخطئة إبادة الشعب الفلسطيني، وهو ما يتم بصورة منهجية منذ أكثر من خمسين عاماً.
هناك بلا شك أصوات كثيرة على امتداد العالم تريد أن تعرب عن احتجاجها ضد هذه المجازر المستمرة حتى الآن، لولا الخوف من اتهامها بمعاداة السامية أو إعاقة الوفاق الدولي, أنا لا أعرف هل هؤلاء يدركون أنهم هكذا يبيعون أرواحهم في مواجهة ابتزاز رخيص لا يجب التصدي له سوى بالاحتقار، لا أحد عانى في الحقيقة كالشعب الفلسطيني، فإلى متى نظل بلا ألسنة؟
أنا أعلن عن اشمئزازي من المجازر التي ترتكبها يومياً المدرسة الصهيونية الحديثة، ولا يهمني رأي محترفي الشيوعية أو محترفي معاداة الشيوعية. أنا أطالب بترشيح آرييل شارون لجائزة نوبل في القتل. سامحوني إذا قلت أيضاً أنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل. أنا أعلن عن إعجابي غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الإبادة، بالرغم من إنكار القوى الأعظم أو المثقفين الجبناء أو وسائل الإعلام أو حتى بعض العرب لوجوده.
أما الكاتب البرتغالي ساراماجو (وهو أيضاً حائز على جائزة نوبل في الأدب) فقد صرح أن رام الله التي رآها تحت الحصار تذكره بمعسكر أوشفيتس النازي، فاتهمه البعض بأنه ضحية الدعاية "الفلسطينية الرخيصة"! لكن ساراماجو لم يهتز كغيره أمام تهمة معاداة السامية الجاهزة، بل جاء رده كاسحاً ساخراً حين قال: "أفضل أن أكون ضحية للدعاية الفلسطينية الرخيصة على أن أكون عميلاً للدعاية الإسرائيلية الغالية"، وفصل رأيه فيما رآه قائلاً:
لم أكن أعرف أنه من الطبيعي أن يبحث طفل فلسطيني دمروا بيته عن كتبه ولعبه وسط الأنقاض, لم أكن أعرف أنه من الطبيعي تماماً أن تزين الرصاصات الإسرائيلية جدران المنازل الفلسطينية، ولا كنت أعرف أنه يلزم لحماية أقلية من الناس أن تُصادر المزارع وأن تُدمر المحاصيل، ولا أن توفير الأمن لهذه الأقلية يقتضي احتجاز المئات عند نقاط التفتيش وحواجز الطرق قبل السماح لهم بالعودة إلى منازلهم منهكين، هذا إن لم يُقتلوا .. فهل هذه هي الحضارة؟ أيمكن أن نسمي هذه الأشياء ديمقراطية؟
كما قامت مجموعة من الكتاب البريطانيين بتوقيع بيان يدمغون فيه الهجوم على الشعب الفلسطيني ومؤسساته ونسيج مجتمعه وطالبوا بالانسحاب الفوري للجيش الإسرائيلي، وكان من بينهم الكاتب المسرحي الشهير هارولد بنتر وعشرات آخرين. وقد اضطرت حكومات ألمانيا وفرنسا وإنجلترا إلى وقف تصدير السلاح لإسرائيل، وظهر تغير ملحوظ في لهجة الإعلام الغربي المعروف بتحيزه الواضح الأبله للدولة الصهيونية.
وقد بدأت بعض الأصوات اليهودية الشريفة في الاعتراض على المجازر التي ترتكبها الدولة الصهيونية. فقد كتب يوري ديفيس (وهو مواطن إسرائيلي يقيم خارج إسرائيل) يدمغ ما سماه جرائم الحرب التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية ويرفض، باعتباره إسرائيلياً ويهودياً، أن تُرتكب هذه الجرائم باسمه. كما تظاهر عدد من اليهود الإرثوذكس من جماعة "ناطوري كارتا" (نواطير المدينة) المعادية للصهيونية والرافضة لها وهتفوا ضد الصهيونية. ورغم أن المظاهرة كانت سلمية فقد اعتدت الشرطة الإسرائيلية عليهم بالضرب.
ووقع عدد من كبار المفكرين والمثقفين اليهود الفرنسيين على بيان صيغ بلهجة بالغة القوة تعكس مشاعر الغضب والاحتجاج على الوحشية الإسرائيلية واستنكروا صمت الحكام الغربيين أمام الجرائم التي تقترفها قوات الاحتلال في الضفة الغربية. وقال البيان:
هؤلاء الذين يبررون حق عودة اليهود إلى إسرائيل تحت دعوى "حق دم" يعود لآلاف السنين يرفضون حق العودة "حق الأرض" للفلسطينيين. وأصحاب المقامات الرفيعة في الأمم المتحدة تصالحوا وارتضوا الإذلال المفروض على السلطة الفلسطينية. وهؤلاء الذين يدعون إدارة العدالة الكونية يديرون رأسهم عن أعمال القتل خارج نطاق القانون، وإعدام السجناء دون وجه حق وجرائم الحرب التي يرتكبها آرييل شارون.
الإسرائيليون لديهم دولة ذات سيادة وجيش وتراب وطني. أما الفلسطينيون فهم محبوسون كالبهائم في معسكرات منذ نصف قرن معرضين للوحشية والإذلال، ومحاصرين على أرض من الأحزان في حجم مقاطعة فرنسية .. إن الضفة الغربية مفخخة بالطرق الإستراتيجية ومثقوبة بنحو 700 نقطة تفتيش ومحاطة بالمستوطنات.
لا يمكن المساواة بين المحتل ومن تُحتل أرضه. الانسحاب غير المشروط للجيش الإسرائيلي من الأراضي المحتلة وتفكيك المستوطنات هو مجرد تطبيق لحق معترف به شكلياً من الأمم المتحدة في القرارين 242 و338 وحتى قرار مجلس الأمن 1042، ومع ذلك يطلب بوش ضمانات من الضحايا.
"شارون يعتقل ممثليهم، وينسف بيوتهم بينما تمنع قواته سيارات الإسعاف من الوصول للجرحى.
والموقعون على البيان جميعهم يهود، وليسوا يهوداً عاديين، فهم من أبرز المثقفين اليهود في فرنسا. (نشر في صحيفة لوموند يوم 7/4/2002).
من المنتصر ومن المهزوم
يُعدُّ يوري أفنيري، عضو الكنيست السابق، من أوائل المستوطنين الصهاينة الذين أدركوا أن المشروع الصهيوني لا يمكن تحقيقه، ولذا كان من أول مؤلفاته كتاب إسرائيل بدون صهيونية. وقد كتب مقالاً بعنوان "الضربة القاضية لم تُسدَّد بعد" (الأهرام ويكلي 19/4/2001) يقدِّم فيه تقييماً كلياً للمواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أحسن ما قرأت. يقول أفنيري:
يدخل ملاكمان الحلقة : واحد منهما بطل الوزن الثقيل، والآخر وزن الريشة. ويتوقع الجميع أن يقوم البطل بتسديد ضربة قاضية تقضي على غريمه الهزيل في الجولة الأولى.
ولكن وبأعجوبة تنتهي الجولة الأولى، والضربة القاضية لم تُسدَّد بعد، ثم الجولة الثانية، ويستمر نفس الوضع. وبعد الجولتين الثالثة والرابعة لا يزال خفيف الريشة واقفاً، مما يعني أنه هو الرابح الحقيقي، لا بالضربة القاضية ولا بالنقط، وإنما لمجرد أنه لا يزال واقفاً ومستمراً في الصراع مع غريمه القوي.
هذه الصورة المجازية تنطبق تمام الانطباق على المواجهة بين قوى الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني. فالجيش الإسرائيلي القوي لم ينجح حتى الآن في تحطيم العمود الفقري للانتفاضة. لقد جرَّب هذا الجيش كل شيء : البنادق والطائرات والدبابات والمدافع الثقيلة والتصفية الجسدية وتحطيم أحياء بأسرها والحصار وتحطيم المنازل وقطع الأشجار، ومع هذا في الشهر السابع لا يزال الفلسطينيون واقفين يصارعون غريمهم.
وتتمتع حكومة شارون/بيريس، في صراعها مع الفلسطينيين، بدعم الولايات المتحدة الكامل، فهي تزوِّد إسرائيل بالأسلحة والمال وتمارس حق الفيتو لصالحها في مجلس الأمن (وكما قال دبلوماسي أوربي إن إسرائيل من الناحية الفعلية هي العضو السادس الدائم في مجلس الأمن، الذي يتمتع بحق الفيتو). وتكتفي أوربا بالتأييد اللفظي للفلسطينيين ولا تفعل أكثر من هذا. والنظم العربية تكتفي هي الأخرى بمنح الفلسطينيين كلمات طيبة.. وفي إسرائيل ذاتها جُنَّدت وسائل الإعلام في خدمة الحكومة، ولا توجد معارضة حقيقية في الكنيست، ولا توجد أية حركات احتجاج، باستثناء بعض قوى السلام الراديكالية، التي تقاطعها وسائل الإعلام.
إذا كان هذا هو الوضع، هل يمكن القول إن الفلسطينيين عاجزين تماماً أمام التفوق الساحق لحكومة شارون/بيريس؟ وهل أصابهم اليأس والوهن؟ الإجابة ستكون بالنفي، إذ أن آمالهم ترتكز على ما يلي:
أولاً: الانتفاضة نفسها. إن إرادة الشعب الفلسطيني لم يتم كسرها رغم كل الضربات القاسية التي سُدِّدت إليهم، وقد سبَّب هذا دهشة الچنرالات والمعلقين الإسرائيليين. لقد حُطِّم اقتصاد الفلسطينيين، وأصبحت حياتهم جحيماً، ومع هذا يؤيد الجمهور الفلسطيني الاستمرار في الكفاح.
وقد وصف أحدهم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بأنه "صدام بين قوة لا يمكن مقاومتها، وشيء لا يمكن تحريكه". لقد أصبحت الانتفاضة حرب استنزاف. في مثل هذه الحرب بين قوة الاحتلال والمحتلين، نجد أن روح المحتلين المعنوية عالية لأنهم يدافعون عن وجودهم ذاته "وفي الحرب"، كما يقول نابليون، "تشكِّل الاعتبارات المعنوية ثلاثة أرباع، أما توازن القوى فيشكِّل الرابع الباقي".
وإسرائيل تدفع ثمناً باهظاً إن كان على هيئة خسائر مادية، أو على هيئة الدمار الذي يلحق بمقدرة الجيش على القتال(وهو ثمن لا يجرأ أحد على حسابه). ولا يعرف أحد متى سيلحق التعب بإرادة الشعب الإسرائيلي ومقدرته على الاستمرار في هذا الصراع الذي لا طائل من ورائه. ويبدو أن هذا قد يحدث قبل أن يرفع الفلسطينيون أيديهم علامة على الاستسلام.
ثانياً: الجماهير العربية. من الواضح أن النظم العربية ليست على استعداد أن ترفع إصبعاً واحداً دفاعاً عن الفلسطينيين، وهي غير قادرة كذلك على إغضاب الأمريكيين، ولكن موقف المثقفين والجماهير مختلف تمام الاختلاف، فتعاطفهم مع الفلسطينيين كبير إلى أقصى حد.
هذا الوضع لا يسبِّب الضيق لهذه النظم الآن. ولكن إن حدث شيء يسبِّب غضب الجماهير إلى درجة أنه قد يعرِّض استقرار هذه النظم للخطر، فإن الموقف سيتغيَّر تماماً فجأة. وتوجد جماعات قومية وإسلامية معارضة في البلاد العربية تنتظر اغتنام مثل هذه الفرصة. فلو ارتكبت إسرائيل إحدى فظائعها مثل مذبحة قانا (حتى ولو عن طريق الخطأ) أو قامت بشيء ما في الحرم الشريف يسبِّب غضب الجماهير العربية، فإن الموقف سيتفجَّر. ومن المعروف أن إحدى المظاهرات في المغرب اشترك فيها مليون شخص، وأن مظاهرة قامت في السعودية لأول مرة (قامت بها النساء)، وقامت مظاهرة غاضبة في عُمان. ويبدو أن الجميع ينتظر شارون أن يرتكب إحدى أعمال البطش ليتفجَّر الموقف لتصل ألسنة النيران إلى عنان السماء.
ثالثاً: ثمة حدود حتى للدعم الأمريكي الكامل لشارون وبيريس. وقد تكون إدارة بوش هي أسوأ الإدارات من وجهة نظر فلسطينية. ولكن توجد خطوط حمراء : البترول. لو حدث انفجار في العالم العربي، وقامت النظم العربية برسالة إلى أمريكا تطلب منها فيها أن تنقذها [من الجماهير الغاضبة] قد تهبط اليد الأمريكية الحديدية على شارون وشركائه.
وفي كل هذا الوقت، في الأسبوع التاسع والعشرين من الصراع في حلبة الملاكمة، لم يستطع بطل الوزن الثقيل أن يهوي بالضربة القاضية على خفيف الريشة.
وقد كتب أفنيري هذا في الشهر السابع من الانتفاضة، فما بالكم بالشهر السابع عشر والثامن عشر، وما بالكم بصاروخ قسام 2، محليِّ الصنع، الذي يصل إلى العمق الإسرائيلي، والذي كتبت عنه الصحف العربية في البداية، وكأنه خبرٌ عادي، وكأنه لا يتضمن تغيُّراً نوعياً في المواجهة بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، في الوقت الذي وصف فيه جدعون سامت الصاروخ بأنه "ليس نجاحاً للانتفاضة الثانية وحسب، بل هو أيضاً إخفاق محتم وصارخ لجهود الردع الإسرائيلية" (هآرتس 30/1/2002). وقال تالي شاحك (معاريف 30/1/2002): "يتغذى الخوف من التقديرات الأمنية والأنباء التي توقف شعر الرأس بشأن الصواريخ الموجهة في هذه اللحظات نحو مستوطنات خط التماس أو مراكز المدن، والعمليات المعقدة والمواد الناسفة التي لم يشهد لها مثيل".
لقد كان اسم عز الدين القسام محفوراً في الذاكرة الفلسطينية والعربية والإسلامية رمزاً للمقاومة والاستشهاد، وهاهو ذا يتحول إلى حقيقة مادية، وهكذا حوَّل المنتفضون الحلم العربي إلى حقيقة، وهكذا تُفعَّل الهُوية والذاكرة لتحوِّل المستوطنات إلى أطلال، بدلاً من البكاء التقليدي عليها. ثم جاءت المفاجأة الأخيرة: تفجير دبابة "مركبا3" الإسرائيلية، وهي من أحدث أنواع الدبابات وأكثرها تحصيناً. كان الانفجار من القوة بحيث انقلبت الدبابة على جانبها. ويبدو أن المنتفضين، الذين خططوا للعملية بدقة، استخدموا مائة كيلو جرامات من المتفجرات. وتُعدُّ هذه العملية تصعيداً جديداً، لم يتوقعه الإسرائيليون الذين كانوا يتحدثون عن "جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لا يُقهر".
حرب التحرير الفلسطينية
انتفاضة الأقصى هي جزء من الحوار المسلح الذي انخرط فيه المنتفضون الفلسطينيون مع المستوطنين الصهاينة. ولعل من أهم ثمرات هذا الحوار أن المستوطنين الصهاينة بدأوا يدركون الانتفاضة لا باعتبارها إرهاباً (كما يدَّعي زعماؤهم أو كما يدَّعي جورج بوش وأعوانه)، وإنما هي حرب تحرير وحركة مقاومة.
ويبدو أن الصهاينة في بداية احتكاكهم مع الفلسطينيين أدركوا ذلك تمام الإدراك. فلننظر على سبيل المثال لهذه الكلمات:
ابتداءً أحب أن أبدِّد كل الأوهام التي سادت بين الرفاق. إن الإرهاب [العربي] ليس مسألة مجموعة من العصابات مموَّلة من الخارج.. نحن هنا لا نجابه إرهاباً وإنما نجابه حرباً، وهي حرب قومية أعلنها العرب علينا. وما الإرهاب سوى إحدى وسائل الحرب. هذه مقاومة فعَّالة من جانب الفلسطينيين لما يعتبرونه اغتصاباً لوطنهم من قِبَل اليهود- ولهذا يحاربون. وراء الإرهابيين توجد حركة قد تكون بدائية ولكنها ليست خالية من المثالية والتضحية بالذات. ومنذ زمن الشيخ عز الدين القسام أصبح واضحاً لي أننا نجابه ظاهرة جديدة بين العرب. هذا ليس النشاشيبي أو المفتي، فهذه ليست مسألة مصالح سياسية أو مالية شخصية. إن الشيخ القسام كان زيلوتياً [غيوراً دينياً]، على استعداد للتضحية بحياته من أجل مثل أعلى. ونحن اليوم لا نواجه واحداً وحسب مثله وإنما نواجه المئات بل الآلاف [أمثاله] ووراءهم كل الشعب العربي. نحن نقلِّل من أهمية المعارضة العربية في أحاديثنا السياسية في الخارج، ولكن ينبغي علينا ألا نتجاهل الحقيقة فيما بيننا. إن احترامي للحقائق السياسية هو الذي يجعلني أصر على ذكر الحقيقة. والاعتراف بهذه الحقيقة يؤدي بنا إلى نتائج حتمية وخطيرة بخصوص عملنا في فلسطين... يجب ألا نبني الآمال على أن العصابات الإرهابية سينال منها التعب، إذ أنه إذا ما نال من أحدهم التعب، سيحل آخرون محله. فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعاً... فمن الأيسر لهم أن يستمروا في الحرب وألا يكلوا ولا يتعبوا... والعرب الفلسطينيون ليسوا بمفردهم، فالسوريون سيمدون لهم يد المساعدة. فمن وجهة نظرنا هم غرباء، ومن وجهة نظر القانون هم أجانب، ولكن بالنسبة للعرب هم ليسوا أجانب على الإطلاق... إن مركز الحرب هو فلسطين، ولكن أبعادها أوسع من ذلك بكثير. وحينما نقول إن العرب هم البادئون بالعدوان وندافع عن أنفسنا - فإننا نذكر نصف الحقيقة وحسب، فبالنسبة لأمننا وحياتنا، نقوم بالدفاع عن أنفسنا، ووضعنا المعنوي والجسدي ليس سيئاً... ويمكننا مواجهة العصابات... وإذا ما سمح لنا بتعبئة كل قوانا فإنه لا يوجد أدنى شك بالنسبة للنتيجة... ولكن القتال ما هو إلا جانب واحد للصراع الذي هو صراع في جوهره سياسي. ومن الناحية السياسية نحن البادئون بالعدوان وهم المدافعون عن أنفسهم. إن الأرض أرضهم لأنهم قاطنون فيها بينما نحن نريد أن نأتي ونستوطن، ونأخذها منهم، حسب تصوُّرهم... يجب ألا نظن أن الإرهاب هو نتيجة لدعاية هتلر أو موسوليني - قد يكون هذا عاملاً مساعداً، ولكن مصدر المعارضة يوجد بين العرب أنفسهم.
هذه الكلمات قالها بن جوريون نفسه في عام 1938. وهي لا تختلف كثيراً عن كلمات موشيه شاريت. ففي خطاب له في 9 يوليو 1936 أمام اللجنة السياسية لحزب "الماباي" عرَّف الثورة العربية بأنها ليست ثورة الأفندية الذين يدافعون عن مصالحهم الشخصية إنما هي ثورة الجماهير التي تمليها المصالح القومية الحقة، وأضاف أن الفلسطينيين يشعرون بأنهم جزء من الأمة العربية التي تضم العراق والحجاز واليمن، ففلسطين بالنسبة لهم هي وحدة مستقلة لها وجه عربي، وهذا الوجه آخذ في التغيُّر، فحيفا من وجهة نظرهم كانت بلدة عربية، وهاهي ذا قد أضحت يهودية. ورد الفعل لا يمكن أن يكون سوى المقاومة. وفي 28 سبتمبر من نفس العام، كان شاريت قاطعاً في تشخيصه للحركة العربية على أنها ثورة ومقاومة قومية، وأن القيادة الجديدة تختلف عن القيادات القديمة، كما لاحظ وجود عناصر جديدة في حركة المقاومة: اشتراك المسيحيين العرب بل والنساء المسيحيات في حركة المقاومة، كما لاحظ تعاطف المثقفين العرب مع هذه الحركة، وبيَّن أن من أهم دوافع الثورة هو الرغبة في إنقاذ الطابع العربي الفلسطيني وليس مجرد معارضة اليهود.
[Simha Flapan. Zionism and The Palestinians (London: Croom Helm, 1979) pp. 140 – 150]
وقد كان هذا الاعتراف الصهيوني بشرعية المقاومة العربية للغزوة الصهيونية وبطبيعتها القومية النبيلة مجرد إشراقة وقتية، لحظة صدق غابت وتوارت وراء سحب كثيفة من الأكاذيب النابعة من الأسطورة العنصرية الصهيونية، أساس وجود الصهاينة في فلسطين. وجوهر هذه الأسطورة هو إنكار تاريخ الفلسطينيين ووجودهم ذاته، وهكذا تحولت فلسطين في وجدانهم إلى صهيون التي توقف تاريخها تماماً بسبب رحيل اليهود عنها. فخلت من السكان الأصليين، وإن حدث وكان هناك سكان أصليون، فهم حسب التصور الصهيوني قليلو العدد، متخلفون يفتقرون إلى الفنون والعلوم والمهارات المختلفة، يهملون الثروات الطبيعية الكامنة في الأرض. وهم عادةً مجرد رحالة لا يستقرون في أرض ما، وهم شعب لا تاريخ له، فأعضاؤه جزء لا يتجزأ من الطبيعة (كالثعالب والذئاب) ومن ثَم لا حقوق لهم، ويمكن إبادتهم إن ثبت أن ضررهم أكثر من نفعهم. وقد لخص وايزمان الصراع العربي الإسرائيلي بأنه "الصراع الأبدي بين الجمود من جهة، والتقدم والكفاءة والصحة والتعليم من جهة أخرى. إنها الصحراء ضد المدنية".
وقد قام الاستعمار الغربي بدعم الصهاينة وزيَّن لهم الوهم بأنهم في وسعهم أن يغزوا الأرض الفلسطينية ويطردوا منها أهلها. ومع توالي التراجع العربي، اكتسبت الأسطورة الصهيونية حياة وقوة ومصداقية أمام المؤمنين بها. وتدريجياً تحوَّلت فلسطين إلى إرتس يسرائيل في وجدانهم، فأصبح لهم - في تصوُّرهم - حقوقاً مطلقة فيها، ومن ثَمَّ فكل من يهاجمهم هو مجرد دخيل إرهابي يحاول أن يسلبهم حقوقهم! أما العرب فقد تحوَّلوا إلى مجرد أشياء يمكن تحريكها من مكان لآخر (كما يمكن بطبيعة الحال إبادتها). تصدر لها الأوامر بالتحرك فتتحرك، ثم يصدر لها أوامر بالتوقف فتتوقف. فالفلسطينيون ليسوا كائنات حية، حياتها وطاقتها وحيويتها تنبع من داخلها، وإنما هم كائنات آلية يمكن تحريكها من الخارج، تماماً كما يفعلون في مسرح العرائس. ولعل رسالة وايزمان إلى أينشتاين (بتاريخ 30/11/1949) تلخص الموقف، فهو يرى العرب باعتبارهم شعباً غير مستعد للديمقراطية، يحاول الجري قبل أن يستطيع السير، ولذا من السهل أن يقع تحت تأثير البلاشفة والكاثوليك!
والصهاينة جاهزون بهذا التفسير السهل دائماً، فحينما تمرد العرب وقاوموا الظلم وعبَّروا عن غضبهم في أوائل القرن، لم يصنَّف تمردهم باعتباره ثورة، وإنما صُنِّف باعتباره مجرد مذبحة حرَّض عليها قنصل روسيا القيصري. أي أن الصهاينة حاولوا إنكار وجود أية هوية سياسية للعرب عامة، وللفلسطينيين على وجه الخصوص، أو أية مشاعر قومية من جانبهم. فالصهاينة في إدراكهم للثورات العربية عليهم، ينكرون طبيعتها القومية والسياسية ويؤكدون لأنفسهم ولرفاقهم أن الدافع إليها ليس حب الأرض أو الوطن أو التمسك بالتراث، فالدافع إليها هو التعصب الديني أو التحريض الخارجي. وكان الصهاينة يلومون المسيحيين العرب، أحياناً، باعتبارهم الأعداء الحقيقيين لمشروعهم الاستيطاني، ويصورون المسلمين في صورة الفريق الطيب الذي يمكن التفاهم معه. وكانوا أحياناً أخرى يفترضون العكس، فيؤكدون أن المسلمين هم العدو الحقيقي، وأن المسيحيين هم الفريق الذي يبدي استعداداً كبيراً للتعاون. وكانت الجماهير الفلسطينية بالنسبة إليهم مجرد غوغاء يتلاعب بها المهيجون الإقطاعيون والأفندية ولا تحركها الدوافع القومية. ويرى سمحا فلابان أن وايزمان كان يؤمن إيماناً راسخاً بأن تمرُّد هذه الجماهير ليس تعبيراً صادقاً عن حركة قومية خلاقة وإنما كانت تمليه الاعتبارات الإقطاعية والقَبَلية الضيقة.
وإلى جانب هذا، كان الصهاينة يرون الفلسطيني أو العربي حيواناً أو مخلوقـاً اقتصـادياً محضاً تحركه الدوافع الاقتصادية المباشـرة. ولذا، فيمكن حل المشكلة العربية (حسب هذا التصور) في إطار اقتصادي لا يكون سياسياً بالضرورة. ولعل من الأمثلة الأولى على هذه الإستراتيجية الإدراكية رشيد بك، هذا العربي الذي تم تخليقه حسب المواصفات الصهيونية في رواية هرتزل الأرض الجديدة القديمة، والذي يؤكد لنفسه وللعرب وللعالم أن الوجود الصهيوني قد عاد على العرب بالنفع الكبير: لقد زادت صادرات البرتقال عشر مرات، كما أن الهجرة اليهودية كانت خيراً وبركة، خصوصاً بالنسبة لملاك الأراضي لأنهم باعوا أرضهم بأرباح كبيرة. وظل لفيف من الصهاينة يؤمنون إيماناً راسخاً بإمكان التغلب على معارضة الفلسطينيين عن طريق توضيح المزايا الاقتصادية الجمة التي سيجلبها الاستيطان الصهيوني، وعن طريق حثهم على الرحيل إلى البلاد العربية بعد إعطائهم التعويض الاقتصادي المناسب عن وطنهم (وهذا ما يسمَّى في الخطاب الصهيوني "الترانسفير الطوعي"). وكانت إحدى القناعات الإدراكية عند وايزمان أن تطوُّر فلسطين سيؤدي إلى أن يفقد العرب الاهتمام بالمعارضة السياسية.
إن التفكير الصهيوني تفكير غربي استعماري عنصري حتى النخاع، ولذا فهو يتسم بالتعميم والتجريد والانتقاء، فالمستوطن الصهيوني إن لم يفعل هذا وجد نفسه أمام وجود إنساني متعين، له قداسته وله قيمته الإنسانية والحضارية، الأمر الذي يجعل من العسير عليه تقبل الاعتذاريات التي تسوغ استغلال العرب وإبادتهم، وتحويلهم إلى مجرد شيء يُنقل من مكان لآخر، أو شيء لا ضمير له ولا هوية، ومن ثَمَّ يمكنه أن يخضع للترانسفير الطوعي. وهذا ما اقترحه هوراس كالن الفيلسوف البرجماتي الأمريكي في محاولته رسم صورة الفلسطيني في المستقبل، كما يحب أن يراها، فقال: "لو حصل اللاجئون على جوازات سفر وغيرها من الوثائق التي تمكِّنهم من التحرُّك بحرية، ولو حصلوا على مبلغ كافٍ من المال ليشقوا به طريقهم إلى مكان من المتوقع أن يجدوا فيه سُبل العيش المعقولة. وقيل لهم إن هذا هو كل ما سيحصلون عليه ولا شيء آخر أبداً، لو حدث هذا لبدأوا عندئذٍ في الاعتماد على النفس".
ولكن يوجد إلى جانب "الترانسفير الطوعي" "الترانسفير القسري" الذي يتم تحت مظلة البطش الصهيوني، والذي لا يزال يداعب جفون المستوطنين. ففي استطلاع للرأي أجري مؤخراً رأى 46% من الإسرائيليين ضرورة ترحيل الفلسطينيين من سكان المناطق و31% رأوا ضرورة ترحيل عرب إسرائيل (هآرتس 12/3/2002).
وهاهي الانتفاضة تحطِّم الأسطورة وتعيد للمستوطنين شيئاً من رشدهم وعقلهم عن طريق تقويض أسطورتهم الفاشية الزائفة. ويقول زئيف شيف أهم معلق عسكري في إسرائيل في وضوح كامل في هآرتس (4/3/2002) إن العمليات الفدائية الفلسطينية تنتمي إلى حرب العصابات وليس للإرهاب (الأمر الذي يذكِّرنا بكلمات بن جوريون وشاريت). أما يوئيل ماركوس فيشير في مقال له في هآرتس (13/11/2001) إلى فشل إسرائيل في القضاء على ما سماه "الإرهاب القومي" بالقوة. ومن الواضح أن الكاتب يخاف من الحديث عن الانتفاضة باعتبارها مقاومة مشروعة، ولذا يتخفى وراء عبارة "الإرهاب القومي" إلا أنه يعني، في واقع الأمر، "المقاومة الشعبية"، أو "حرب التحرير". ومما يدعِّم هذا الرأي أنه هو نفسه يقول إن فشل إسرائيل ليس فريداً "ففي القرن العشرين لم تنجح دولة في العالم في القضاء على الإرهاب القومي"، وهو بذلك يستدعي، عن غير وعي، إلى عقل المستوطنين الصهاينة تاريخ حركات المقاومة في أفريقيا وآسيا، وهي الحركات التي نجحت في هزيمة الجيوش الاستعمارية وتصفية الجيوب الاستيطانية سواء في الجزائر أم جنوب أفريقيا.
ويتساءل أبراهام يهوشع (يديعوت أحرونوت 22/1/2002): "هل بإمكانكم أن تأتوا بمثال واحد من التاريخ نجح فيه شعب في السيطرة على شعب آخر لفترة طويلة ؟ هل تعرفون مكاناً واحداً في العالم يعيش فيه بشر دون حقوق إنسان مثل الفلسطينيين؟".
إن ما يُسمى "الإرهاب" ليس إرهاباً، بل هو حرب تحرير، لأن الفلسطينيين ليسوا مجرد مجموعة متناثرة من المحاربين، بل هم شعب بأسره له تاريخه ومؤسساته الحضارية. وهذا ما يبيِّنه مايكل بن مائير (هآرتس 3 مارس 2002)، إذ يقول:
إن الانتفاضة هي حرب التحرير التي يخوضها الشعب الفلسطيني. فالتاريخ يعلمنا أنه لا توجد أمة على استعداد أن تعيش تحت هيمنة شعب آخر وأن حرب التحرير التي يخوضها شعب مضطهد ستنجح حتماً.
[والإسرائيليون كقوة احتلال] يقتلون الأطفال ويقومون بتنفيذ حكم الإعدام في أشخاص مطلوبين دون محاكمة. لقد أقمنا الحواجز التي حوَّلت حياة الملايين إلى كابوس... إن علماً أسوداً يرفرف فوق أفعالنا.. إن نظام الاحتلال يقوض المبادئ الأخلاقية ويمنع التوصل إلى سلام. وهكذا فهو يهدِّد وجود إسرائيل.
ولأنها حرب تحرير يشنها المضطَّهد صاحب الحق السليب، فإحساسه بشرعية جهاده يشد من أزره ويحفزه على الاستمرار "في الحرب.. بلا هوادة". وكما يقول يوزي بنزمان (هآرتس3 مارس 2002):
فلنتخيل أن كل الأوهام تحققت، وقبضنا على كل الإرهابيين، وصادرنا كل الأسلحة، وحطمنا كل مصانع السلاح حيث تُصنَّع المدافع والصواريخ. فهل سيكون لهذا أي تأثير؟ هل يشك أحد أنه في الصباح التالي ستظهر مصانع سلاح أخرى ستنتج المزيد من الأسلحة التي ستُستخدم ضد إسرائيل؟ هل يشك أحد في أنه في هذا الصباح هناك مئات من الفلسطينيين يذهبون إلى مراكز التنظيم وحماس، يعلنون أنهم على استعداد أن يشنوا هجوماً على إسرائيل؟ هل نفد خزان الانتحاريين من نابلس وقطاع غزة؟
[ولم يكن يوزي بنزمان هو من أول من أدرك ذلك، إذ يُروي عن إسحاق رابين أنه عندما نشبت انتفاضة 1987 سأله الجنود: "من أين يأتي مئات المتظاهرين الذين يلقون بالحجارة عليهم" (أبراهام يهوشع - نقلاً عن السفير 25/2/2002)].
أما جرشون باسكين، المدير العام المشترك للمنظمة الإسرائيلية - الفلسطينية للبحوث والمعلومات فكتب يقول:
إن الفلسطينيين يعرفون أن قوتهم العسكرية أقل بأضعاف من القوة الإسرائيلية وأنه لا توجد أمامهم أية إمكانية للفوز في أرض المعركة، ولكنهم يؤمنون من الناحية الأخرى بتفوقهم السياسي والأخلاقي. واعتقادهم هو أن العدل والتاريخ يقفان إلى جانبهم، وهم يقولون إن إسرائيل هي المحتل الأخير المتبقي في العالم وأن أحداً لا يستطيع أن يوقف نصرهم في حرب التحرير التي يخوضونها من الاحتلال الأجنبي. اعتقادهم هو أن اتباع تاكتيك مثل حزب الله سيحقق غاياته وأن الخسائر الفادحة التي تلحقها إسرائيل بهم تعزز من معنوياتهم وتشكل الفصل الأهم في الرواية الفلسطينية. واستناداً إلى تجربة عملية أوسلو الفاشلة، فهم يعتقدون أنهم لن يتمكنوا من انتزاع انسحاب كامل من المناطق من إسرائيل من خلال المفاوضات السياسية، وهم مقتنعون أنهم سيحققون ذلك في نهاية المطاف من خلال الكفاح الذي يخوضونه الآن"، [أي من خلال حرب التحرير الفلسطينية].
ولأنها حركة تحرير، فإن حملة شارون الأخيرة للقضاء على الانتفاضة، وعلى ما يسمونه البنية التحتية للإرهاب، محكوم عليها بالفشل، فهي "إعلان حرب على الشعب الفلسطيني كله"، فالبنية التحتية المشار إليها قد تكون "بعض الورش والمباني وبضع عشرات من القيادات والمخازن، وعشرات الآلاف من الأشخاص الحاملين للسلاح. ولكنها أيضاً المجموعة السكانية الفلسطينية التي تعيش في الضفة والقطاع، التي توفر الدعم الأخلاقي والحقيقي للمخربين، وباسم هذه المجموعة يهاجمون إسرائيل وإليها يعودون لإيجاد مخبأ لهم. ولذا فإسرائيل غير قادرة على مطاردة كل واحد من آلاف المخربين الفلسطينيين" (عوزي بنزيمان هآرتس 31/3/2002).
ونفس الموضوع يكرره مكيفا الدار (هآرتس 14/3/2002) في مقال بعنوان "عرفات معترف بالنصر" يقول فيه:
شارون يعرف بالتأكيد ما يعرفه كل ضيف ينزل في ديوان رئيس السلطة الفلسطينية الملئ بالثقوب في هذه الحرب. وربما يكونون قد أحرزوا هذا النصر بالفعل. هذا النصر موضوع على طاولته بشكل يومي من خلال عناوين الصحف. لن تستطيع أية دبابة إسرائيلية أن تأخذ هذا النصر منه ولا حتى من خلال القذف بنسوة رام الله من بيوتهن في الليل الدامس نحو النيران الموجودة في الشوارع.
إن المجاهدين يأتون بكل تراثهم وإبداعهم ليقاتلوا ضد المحتل. وهذا ما لاحظه يوسي ساريد (معاريف 4/3/2000). ففي رده على اليمين الإسرائيلي الذي يتهم اليسار الإسرائيلي بأنه أعطى الفلسطينيين البنادق (أي قوات الأمن التابعة للسلطة بتوقيع اتفاقية أوسلو). يقول:
صحيح، نحن قدَّمنا لهم البنادق، ولكن اليمين الوطني قدَّم لهم الحافزية. الاحتلال الذي يطول يقدِّم لهم الحافزية. المستوطنات التي تقام داخل أرضهم تقدِّم لهم الحافزية. الأطواق والإغلاقات والجوع والفقر والإذلال تقدِّم لهم الحافزية، البنادق بدون حافزية لا تطلق النار، ولكن إذا كانت هناك حافزية، حتى المكنسة تطلق النار. وها هي المكنسة أطلقت النار أمس: بندقية كاربين، يعرفها كل متطوع في الحرس المدني عن كثب، سلاح غير أوتوماتيكي... بندقية قديمة، مثبتة بالمسامير، خردة، ليست بندقية بقدر ما هي مكنسة، بندقية واحدة ومخرِّب واحد قتلا عشرة رجال، سبعة جنود وثلاثة مدنيين.
إن الردع الذي حققه المخرِّب الوحيد مع بندقية كاربين الخردة، تفوق ألف مرة الردع الذي حققه الجيش الإسرائيلي في عملية استعراضية في مخيم بلاطة وجنين مع كل دباباتها ومروحياتها.
إن حرب التحرير الفلسطينية تنبع من أنبل الدوافع الإنسانية، إقامة العدل في الأرض وتحرير الوطن من المغتصب والقضاء على الاحتلال وتنفيذ مقررات الشرعية الدولية، فمصدرها هو الأمل والمقدرة على التضحية بالذات، وليس اليأس والرغبة في تفجيرها، إنها تعبير عن امتلاء إنساني وأخلاقي حقيقي، ولولا هذا لما كُتب لها الاستمرار، ولما أتى مئات المتظاهرين والاستشهاديين، المفعمين بالأمل والرغبة في تحرير الأرض.
وهي حرب أعادت إلى الوجدان العربي والإسلامي إحساسه بمقدرته على تغيير الواقع وعدم الاستسلام للظلم، ومن هنا ثورة الشارع العربي على الظلم، وإرساله رسائل للعالم بأسره بأنه لا يمكن السكوت على ما يحدث في فلسطين، وهي ثورة بددت الوهم الغربي بأن الشارع العربي لا وجود له، وأن الأجيال العربية الجديدة التي نمت وترعرعت في إطار ما يسمَّى «ثقافة السلام»، والتي كان من المقدَّر لها أن تتمركز حول نفسها وتنسى فلسطين والفلسطينيين لتحقق لنفسها المتعة من خلال معدلات متصاعدة من الاستهلاك، هذه الأجيال بدأت تبعث بالرسائل الواضحة بأن البطش الصهيوني الذي يتم بأسلحة أمريكية ودعم سياسي واقتصادي غربي لن يقابل بسلبية بلهاء، وإنما سنتصدى له وسيدفع الجزار الثمن!
نهاية إسرائيل
أدت ظواهر مثل تزايد النزوح من المستوطن الصهيوني وتزايد الهجرة منه والمطالبة بفك المستوطنات والتفكير في تغليف (أي تقسيم) القدس. وتدهور الحالة الاقتصادية والإحساس بالعجز الأمني وإدراك الانتفاضة باعتبارها حرب تحرير، إلى طرح موضوع بقاء الجيب الاستيطاني الصهيوني على بساط البحث، وهو موضوع لا يحب أحد في إسرائيل مناقشته، ولكنه يُطل برأسه في الأزمات. ففي أثناء انتفاضة 1987، حين بدأ الإجماع الصهيوني بخصوص الاستيطان يتساقط، حذر إسرائيل هاريل المتحدث باسم المستوطنين من أنه إذا حدث تقهقر ما من جانب إسرائيل (أي شكل من أشكال الانسحاب والتنازل)، فهو لن يتوقف عند الخط الأخضر (حدود 1948) إذ سيكون هناك انسحاب روحي يمكن أن يتهدَّد وجود الدولة ذاتها (الجيروساليم بوست 30/1/1988). وهو تحذير قد يكون فيه قدر من المبالغة، ولكنه يحتوي أيضاً على قدر كبير من الحقيقة، ففي الحروب القومية (كما يقول إسرائيل هاريل نفسه)، تلعب الروح المعنوية (أو الجهادية) الدور الأساسي، وروح الإسرائيليين المعنوية في حالة تراجع، فهل ستصدق نبوءة هذا المتحدث الصهيوني؟
ولا يهم إن كانت النبوءة ستتحقق في المستقبل البعيد أو القريب، فما يهمنا في محاولة دراسة أثر الانتفاضة على التجمُّع الصهيوني وعلى المستوطنين الصهاينة، أن نبيِّن أن موضوع نهاية إسرائيل مطروح الآن على قائمة الاهتمامات الفكرية والوجدانية الصهيونية. انظر على سبيل المثال إلى يديعوت أحرونوت (بتاريخ 27/1/2002) التي ظهر فيها مقال بعنوان "يشترون شققاً في الخارج تحسباً لليوم الأسود"، واليوم الأسود هو اليوم الذي لا يحب الإسرائيليون أن يفكروا فيه. ونفس الموضوع يظهر في مقال ياعيل باز ميلماد (معاريف 27/12/2001) الذي يبدأ بالعبارة التالية: "أحاول دائماً أن أبعد عني هذه الفكرة المزعجة، ولكنها تطل في كل مرة وتظهر من جديد: هل يمكن أن تكون نهاية الدولة كنهاية الحركة الكيبوتسية؟ من نقطة الزمن الحالية ما زالت هذه الفكرة مدحوضة، ولكن ثمة الكثير جداً من أوجه الشبه بين المجريات التي مرت على الكيبوتسات قبل أن تحتضر أو تموت، وبين ما يجري في الآونة الأخيرة مع الدولة". بل إن المستوطنين أنفسهم أصبحوا يستخدمون نفس العبارة. فرئيس مجلس السامرة الإقليمي أخبر شارون (في مشادة لفظية معه): "نحن سنحارب بكل قوتنا، وسننزل الشوارع. إن هذا الطريق الدبلوماسي هو نهاية المستوطنات، إنه نهاية إسرائيل" (هآرتس 17/1/2002). وقد لخص جدعون عيست الموقف في عبارة درامية (يديعوت أحرونوت 29/1/2002) "ثمة ما يمكن البكاء عليه: إسرائيل".
بل إن مجلة نيوزويك (2/4/2002) صدرت وقد حمل غلافها صورة نجمة إسرائيل، وفي داخلها السؤال التالي: "مستقبل إسرائيل: كيف سيتسنى لها البقاء؟". وقد زادت المجلة الأمور إيضاحاَ حين قالت: "هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأية هوية؟" ثم اقتبست المجلة قول الكاتب الإسرائيلي عاموس إيلون: "إنني في حالة يأس لأنني أخشى أن يكون الأمر قد فات. وقد قلت لكم مجرد نصف ما أخشاه". ولا يختلف رأي الأمريكيين (أوثق حلفاء إسرائيل) عن ذلك. فقد أعرب 18% عن رأيهم أن إسرائيل ستختفي من الوجود، وقال 23% أنها لو استمرت في البقاء فلن تكون دولة يهودية، وهذه نسبة عالية للغاية (41%)، خاصةً وأن أحداً لم يكن يجرؤ حتى على طرح السؤال منذ عدة شهور!
وحين يطل موضوع "نهاية إسرائيل" برأسه فإن العدو يذيع عن نفسه ما يسمَّى "العقدة الشمشونية"، وهي أنه إن تم استفزازه ومحاصرته فإنه سيحطم الدنيا على رأسه وعلى رؤوس الآخرين، كما فعل شمشون في الهيكل. ومن الأساطير الشمشونية الأخرى أسطورة ماساداه، وهي آخر قلعة يهودية سقطت في أيدي الرومان أثناء التمرد اليهودي الأول ضد الإمبراطورية الرومانية (66 - 70 ميلادية). وتذهب الأسطورة الصهيونية إلى أن المحاربين اليهود المحاصرين آثروا الانتحار على الاستسلام للرومان، وأن انتحارهم هذا يقف دليلاً ناصعاً على مدى صلابة اليهود ووحدتهم. ويلاحظ أن كلا الأسطورتين ينطوي على حالة حصار نهائية مغلقة، لا يمكن الفكاك منها إلا بتدمير الذات وربما تدمير الآخر، أي أن نهاية إسرائيل سيصاحبها نهاية الآخر. والحركة الصهيونية في إشاعتها لهذه الأساطير الانتحارية، التي لا تستند إلى أية حقائق تاريخية، تحاول توليد الرهبة والخوف في العقل العربي، وبالتالي تكسب الكثير من المعارك النفسية والفعلية دون خوض أي حرب.
ولكن من المعروف أن القوات الإسرائيلية التي حُوصرت في خط بارليف، على سبيل المثال، استسلمت بطريقة عملية ورشيدة للغاية على مسمع ومرأى الصليب الأحمر الدولي والتليفزيون المصري. وفي أحد هذه المواقع، سأل الجنود قادتهم بتهكم إن كان المطلوب هو القتال حتى الموت لإقامة ماساداه ثانية، فأتاهم الرد بالاستسلام على أن يبتسموا أمام عدسات التليفزيون المصري. أما الجنود الإسرائيليون الذين انتحروا في أثناء عملية لبنان، فيبدو أنهم قاموا بفعلتهم هذه يأساً من الحرب وثمنها الفادح، إذ أنهم لم يكونوا داخل موقع محاصر، وبالتالي فإن انتحارهم لم يكن من أجل الدولة والمُثُل الصهيونية وإنما للاحتجاج عليها.
ومع اندلاع انتفاضة 1987 لم يتحدث الصهاينة عن النهاية في الإطار الانتحاري للماساداه، فكلٍ من يهوشفاط حركبي وآرييل شارون، حين تحدثا عن نهاية الكيان الصهيوني، لم يشيرا من قريبٍ أو بعيد إلى ماساداه وإنما إلى الطائرة المروحية الأمريكية، أي تلك الطائرة التي ستأتي حينما تحين لحظة النهاية وتحط فوق سطح السفارة الأمريكية (كما حدث في سايحون في فيتنام) لتأخذ فلول المستوطنين وعملاء الولايات المتحدة، أي أنه بدلاً من الانتحار البطولي الأسطوري المزعوم سيركض الجميع نحو الطائرة.
وتكرر نفس النمط مع اندلاع انتفاضة الأقصى والاستقلال، فلم يتحدث الصهاينة عن الانتحار البطولي أو عن نهاية الآخر، وإنما عن نهاية إسرائيل "ركوب آخر طائرة إذا تكررت قصة سايجون (هآرتس 24/1/2000). وفي مقال بعنوان "ليلة سعيدة أيها اليأس.. والكآبة تكتنف إسرائيل" كتبه اتيان هابر (يديعوت أحرونوت 11/11/2001) يشير إلى أن الجيش الأمريكي كان مسلحاً بأحدث المعدات العسكرية، ومع هذا يتذكر الجميع "صورة المروحيات الأمريكية تحوم فوق مقر السفارة في سايجون محاولة إنقاذ الأمريكيين و[عملائهم] المحليين في ظل حالة من الهلع والخوف حتى الموت" و كل لبيب بالإشارة يفهم. فماساداه لم تطل برأسها، وإنما الطائرة المروحية رمز المقدرة على الاستسلام وعلى الهروب الجبان في الوقت المناسب. ثم يستمر نفس الكاتب في تفصيل الموقف :
إن جيش الحفاة في فيتنام الشمالية قد هزم الأمريكيين المسلحين بأحدث الوسائل القتالية... ويكمن السر في أن الروح هي التي دفعت المقاتلين وقادتهم إلى الانتصار.. الروح تعني المعنويات والتصميم والوعي بعدالة النهج والإحساس بعدم وجود خيار آخر... وهو ما تفتقده إسرائيل التي يكتنفها اليأس.
وهم النفوذ اليهودي
هل يعني ما نقول أن إسرائيل ستنهار تحت ضربات حرب التحرير الفلسطينية؟ الإجابة في تصوري بالنفي، فالتجمع الصهيوني تسانده الولايات المتحدة والعالم الغربي بأسره، بحيث إن مقومات حياته ليست من داخله، وإنما مستمدة من خارجه. وهنا يجب أن نتناول مقولة "سيطرة اليهود" على العالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة. فمن الأفكار الأساسية المسيطرة على الخطاب السياسي العربي تصوِّر أن اليهود يسيطرون على آليات صنع القرار في الولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة، بالتالي، ضحية مسكينة يتلاعب بها الصهاينة اليهود. ويتم هذا من خلال ثلاث آليات: الصوت اليهودي، الإعلام بكل أشكاله، واللوبي الصهيوني، ويُفسر دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في هذا الإطار. ولكن الكثيرين ينسون أن الدولة الصهيونية استثمار استراتيجي مهم بالنسبة للولايات المتحدة باعتبارها قوة إمبريالية عظمى لها مصالحها التي تحاول تحقيقها وحمايتها بأي ثمن ولا تدخر وسعاً في ضرب كل من يقف في طريقها. وتنبع استراتيجية الولايات المتحدة من الاستراتيجية الغربية الاستعمارية العامة التي تحددت منذ منتصف القرن التاسع عشر (قبل أن يصبح أعضاء الجماعات اليهودية لاعبين أساسيين في كواليس السياسة الغربية). وقد قررت هذه الاستراتيجية المواجهة المستمرة مع العالم الإسلامي بدلاً من التصالح أو التعاون معه (وإلا لما قضت أوروبا على محمد علي ولما تم وضع اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم العالم العربي). وهذا القرار قد يكون لاعقلانياً من وجهة نظرنا، ولكن من قال إن القرارات الاستراتيجية العليا "عقلانية"، فهي تستند إلى مفاهيم لا يتم التساؤل بشأنها من قبيل الأسطورة النازية (التي نادت بأن ألمانيا فوق الجميع) والأسطورة الصهيونية (التي ادعت أن فلسطين أرض بلا شعب) والرؤية الاستعمارية العرقية (التي افترضت أن من حق الرجل الأبيض الاستيلاء على العالم وتوظيفه لحسابه). وكل هذه المقولات الأسطورية التي لا أساس لها في الواقع تسبق عملية التفكير ذاتها، وبالتالي لا يمكن تغييرها إلا بجعل صاحبها يدفع ثمناً فادحاً للأسطورة.
وأية دراسة ولو مبدئية لمسألة الصوت اليهودي والإعلام من جهة وتعاظم النفوذ الصهيوني من جهة أخرى تبين أن موقف الولايات المتحدة من إسرائيل وقضية الصراع العربي الإسرائيلي لا يتأثر في أساسياته بحجم النفوذ اليهودي. خذ على سبيل المثال الإعلام: كانت نسبة أعضاء الجماعات اليهودية من العاملين في حقل الإعلام إلى غير اليهود كبيرة للغاية حتى أوائل الستينيات، ولكن أعداد غير اليهود بدأت في التزايد، وبدأ عدد المؤسسات الإعلامية التي يمتلكها غير اليهود يرتفع ويتسع نطاق نفوذها. وكان المفروض، حسب تصور مفهوم الهيمنة اليهودية من خلال الإعلام، أن يتراجع التحيز الأمريكي للصهاينة، باعتبار أنه ثمرة ضغط يهودي أو صهيوني. ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل، بل يمكن القول إن العكس صحيح. ويمكن أن نطرح سؤالاً: هل هناك اختلاف جوهري في موقف المؤسسات الإعلامية التي يمتلكها يهود عن تلك التي يمتلكها غير يهود؟ وهل يمكن القول بأن هذه أكثر تحيزاً من تلك؟ أعتقد أن الإجابة بالنفي، فثمة موقف أمريكي عام تروِّج له المؤسسات الإعلامية الأمريكية بغض النظر عن انتماء أصحابها الديني أو العِرقي أو السياسي، وكل هذا يدل على أنه لا توجد علاقة طردية بين تزايد النفوذ اليهودي الإعلامي وتزايد حجم التأييد الأمريكي للدولة الصهيونية
أما بخصوص الصوت اليهودي، فالمسألة أكثر وضوحاً. فالصوت اليهودي يختلف من رئيس جمهورية لآخر. فكلينتون حصل على عدد كبير من أصوات اليهود على عكس نيكسون الذي لم يحصل على أكثر من 20%. ولكن منحنى التأييد الأمريكي للدولة الصهيونية أخذ في التصاعد بغض النظر عن عدد الأصوات التي يحصل عليها رئيس الجمهورية المنتخب، إذ توجد سياسة استراتيجية عامة لا تتأثر بأمور جزئية مثل عدد الأصوات الذي تمنحه أقلية دينية أو عِرقية ما لرئيس الجمهورية (يلاحظ أن قرارات جورج بوش الابن لم تتأثر كثيراً بأن معظم أعضاء الأقلية الإسلامية والعربية في فلوريدا قد منحوه أصواتهم مما أدى لنجاحه). ولنقارن موقفنا بموقف المتحدث الرسمي التركي، حينما كان دوكاكيس (وهو من أصل يوناني) قد رشح نفسه لرئاسة الجمهورية. فقد سُئل: ألا تخشى الحكومة التركية من وجود رئيس جمهورية من أصل يوناني في البيت الأبيض، ومن أن مثل هذا الرئيس قد يتخذ مواقف متحيزة لليونان على حساب تركيا؟ فرد المتحدث التركي بحزم قائلاً: إن تركيا لا تخشى شيئاً لأنه توجد ثوابت استراتيجية تحكم سلوك وسياسات الولايات المتحدة 0
[/c
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية (من ثلاثة اجزاء الجزء الثالث والاخير)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية (من ثلاثة اجزاء الجزء الاول)
» من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية (من ثلاثة اجزاء الجزء الثاني)
» الأحباش من ثلاثة اجزاء (الجزء الثالث والاخير)
» قارة افريقيا (من ثلاثة اجزاء الجزء الثالث والاخير)
» الآداب الاسلامية (من ثلاثة اجزاء الجزء الثالث والاخير)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى الشهيدين محمد وفارس حمودة :: ملتقى فلسطين-
انتقل الى: